الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي

المرداوي

المقدمة

[المقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمَنْعُوتِ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، الْمُنْفَرِدِ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِفْضَالِ، وَالْعَطَاءِ وَالنَّوَالِ، الْمُحْسِنِ الْمُجْمِلِ عَلَى مَمَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي. أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا تَغَيُّرَ لَهُ وَلَا زَوَالَ. وَأَشْكُرُهُ شُكْرًا لَا تَحَوُّلَ لَهُ وَلَا انْفِصَالَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا مِثْلَ وَلَا مِثَالَ، شَهَادَةً أَدَّخِرُهَا لِيَوْمٍ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَأَسَدِّ الْأَفْعَالِ، الْمُحَكِّمُ لِلْأَحْكَامِ، وَالْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَخَيْرِ آلٍ، صَلَاةً دَائِمَةً بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كِتَابَ " الْمُقْنِعِ " فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُتُبِ نَفْعًا، وَأَكْثَرِهَا جَمْعًا، وَأَوْضَحِهَا إشَارَةً، وَأَسْلَسِهَا عِبَارَةً، وَأَوْسَطِهَا حَجْمًا، وَأَغْزَرِهَا عِلْمًا، وَأَحْسَنِهَا تَفْصِيلًا وَتَفْرِيعًا، وَأَجْمَعِهَا تَقْسِيمًا وَتَنْوِيعًا، وَأَكْمَلِهَا تَرْتِيبًا، وَأَلْطَفِهَا تَبْوِيبًا. قَدْ حَوَى غَالِبَ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ، فَمَنْ حَصَّلَهَا فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَنْزِ وَالْمَطْلَبِ. فَهُوَ كَمَا قَالَ مُصَنِّفُهُ فِيهِ " جَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ " وَلَقَدْ صَدَقَ وَبَرَّ وَنَصَحَ. فَهُوَ الْحَبْرُ الْإِمَامُ. فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ وَالْإِنْصَافِ، وَجَدَ مَا قَالَ حَقًّا وَافِيًا بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، إلَّا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَطْلَقَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ الضَّعِيفُ مِنْ الصَّحِيحِ. فَأَحْبَبْت إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أُبَيِّنَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورَ، وَالْمَعْمُولَ عَلَيْهِ وَالْمَنْصُورَ، وَمَا اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَهَبُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ.

فَصْلٌ اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُكَرِّرُ فِي كِتَابِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، عِبَارَتُهُ فِيهَا مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، فَيُحْتَاجُ إلَى تَبْيِينِهَا، وَأَنْ يُكْشَفَ عَنْهَا الْقِنَاعُ. فَإِنَّهُ: تَارَةً يُطْلِقُ " الرِّوَايَتَيْنِ " أَوْ " الرِّوَايَاتِ " أَوْ " الْوَجْهَيْنِ " أَوْ " الْوَجْهَ " أَوْ " الْأَوْجُهَ " أَوْ " الِاحْتِمَالَيْنِ " أَوْ " الِاحْتِمَالَاتِ " بِقَوْلِهِ " فَهَلْ الْحُكْمُ كَذَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَوْ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَوْ فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَوْ وَجْهَانِ، أَوْ احْتَمَلَ كَذَا وَاحْتَمَلَ كَذَا " وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذَا وَشِبْهُهُ الْخِلَافُ فِيهِ مُطْلَقٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَالِبِ الْأَصْحَابِ لَيْسَ هُوَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ: حِكَايَةُ الْخِلَافِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. بِخِلَافِ مَنْ صَرَّحَ بِاصْطِلَاحِ ذَلِكَ، كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا " جَازَ، أَوْ لَمْ يَجُزْ، أَوْ صَحَّ، أَوْ لَمْ يَصِحَّ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ الرِّوَايَاتِ، أَوْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ " أَوْ بِقَوْلِهِ " ذَلِكَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ الْوَجْهَيْنِ " وَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَيْضًا مُطْلَقٌ، لَكِنْ فِيهِ إشَارَةٌ مَا إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ " إذَا قُلْت ذَلِكَ، فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مُصْطَلَحِ الْحَارِثِيِّ فِي شَرْحِهِ " وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ فِي كِتَابِهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً يُطْلِقُ فِيهَا الْخِلَافَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ. وَلَيْسَتْ الْمَذْهَبَ، وَلَا عَزَاهَا أَحَدٌ إلَى اخْتِيَارِهِ. كَمَا يَمُرُّ بِك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَفِي صِحَّتِهِ عَنْهُ بُعْدٌ، وَرُبَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَةُ أَوْ الْوَجْهُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ، فَأَذْكُرُهُ: وَهُوَ فِي كَلَامِهِ كَثِيرٌ. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ مُفَصَّلًا فِيهَا. ثُمَّ يُطْلِقُ رِوَايَتَيْنِ فِيهَا، وَيَقُولُ " فِي الْجُمْلَةِ " بِصِيغَةِ التَّعْرِيضِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْغَصْبِ، أَوْ يَحْكِي بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ إطْلَاقَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا تَفْصِيلٌ، فَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ " وَالْغَالِبُ: أَنَّ ذَلِكَ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْخِلَافِ، فَوَافَقَ كَلَامَهُمْ، أَوْ تَابَعَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ. وَتَارَةً يَقُولُ " فَعَنْهُ كَذَا، وَعَنْهُ كَذَا " كَمَا قَالَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمُصْطَلَحِ: أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مُطْلَقٌ. وَتَارَةً يَقُولُ " فَقَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ، وَغَيْرِهِ. وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ " ذَكَرَهُ فُلَانٌ، وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا، أَوْ عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا، وَعِنْدَ فُلَانٍ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذَا فِي قُوَّةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ. وَلَوْ قِيلَ: إنَّ فِيهِ مَيْلًا إلَى قُوَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ " حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِ فُلَانٍ، أَوْ فَقَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَقَالَ غَيْرُهُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ وَالشُّفْعَةِ وَالنَّذْرِ. وَهَذَا أَيْضًا فِي قُوَّةِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ. وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ " عِنْدَ فُلَانٍ، وَيُحْتَمَلُ كَذَا. أَوْ فَقَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَيُحْتَمَلُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، وَأَوَاخِرِ بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ: أَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَذَكَرَ هُوَ الِاحْتِمَالَ. وَقَدْ يَكُونُ تَابَعَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ. وَتَارَةً يَقُولُ " فَقَالَ فُلَانٌ كَذَا " وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. فَقَدْ لَا يَكُونُ فِيهَا خِلَافٌ، كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي فِي بَابِ الْفِدْيَةِ، فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ. فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَجْزُومِ بِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا خِلَافٌ، كَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَاضِي فِي بَابِ الْهِبَةِ.

وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ " فِي رِوَايَةٍ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَبَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. أَوْ يَقُولُ " فِي وَجْهٍ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ. فَفِي هَذَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُ فِي الْغَالِبِ خِلَافَ ذَلِكَ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِتَرْجِيحِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، مَعَ احْتِمَالِ الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ " وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ لَهَا، فَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ، وَكَذَا نَفَقَةُ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ فِي وَجْهٍ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَقَوْلُهُ فِي وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى: أَنَّ الْأَشْهَرَ خِلَافُهُ ". وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَقَدْ يَكُونُ الْأَصْحَابُ اخْتَلَفُوا فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ. فَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ الطَّرِيقَتَيْنِ. فَأَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يَقُولُ " وَعَنْهُ كَذَا. أَوْ وَقِيلَ، أَوْ وَقَالَ فُلَانٌ. أَوْ وَيَتَخَرَّجُ. أَوْ وَيُحْتَمَلُ كَذَا " وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ التَّخْرِيجُ أَوْ الِاحْتِمَالُ إلَّا وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، بَلْ غَالِبُ الِاحْتِمَالَاتِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي " الْمُجَرَّدِ " وَغَيْرِهِ. وَبَعْضُهَا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَلِغَيْرِهِ. وَقَدْ تَكُونُ لِلْمُصَنِّفِ. وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. " فَالتَّخْرِيجُ " فِي مَعْنَى الِاحْتِمَالِ. وَ " الِاحْتِمَالُ " فِي مَعْنَى " الْوَجْهِ " إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ مَجْزُومٌ بِالْفُتْيَا بِهِ، قَالَهُ فِي " الْمَطْلَعِ " يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ فِيهِ نَظَرٌ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَفِي الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ. وَ " الِاحْتِمَالُ " تَبْيِينُ أَنَّ ذَلِكَ صَالِحٌ لِكَوْنِهِ وَجْهًا. فَ " التَّخْرِيجُ " نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ. وَ " الِاحْتِمَالُ " يَكُونُ: إمَّا لِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا خَالَفَهُ. أَوْ لِدَلِيلٍ مُسَاوٍ لَهُ. وَلَا يَكُونُ التَّخْرِيجُ أَوْ الِاحْتِمَالُ إلَّا إذَا فُهِمَ الْمَعْنَى. وَ " الْقَوْلُ " يَشْمَلُ الْوَجْهَ، وَالِاحْتِمَالَ، وَالتَّخْرِيجَ. وَقَدْ يَشْمَلُ الرِّوَايَةَ،

وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا. وَالْمُصْطَلَحُ الْآنَ عَلَى خِلَافِهِ. وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، أَوْ الِاحْتِمَالُ، أَوْ التَّخْرِيجُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيَّنًا. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يَقُولُ " وَقِيلَ عَنْهُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ، وَعُيُوبِ النِّكَاحِ. أَوْ " وَحُكِيَ عَنْهُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ. أَوْ " وَحُكِيَ عَنْ فُلَانٍ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ، بِصِيغَةِ التَّعْرِيضِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ أَثْبَتَهُ لِصِحَّتِهِ عِنْدَهُ فَتَبَيَّنْهُ. وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ كَذَا " بِغَيْرِ وَاوٍ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا قَبْلَهُ. لَكِنْ ذَكَرَهُ لِفَائِدَةٍ، إمَّا لِكَوْنِهِ أَعَمَّ، أَوْ أَخَصَّ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ يَكُونُ مُقَيَّدًا أَوْ مُطْلَقًا، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ وَنَحْوِهِ. وَرُبَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِمَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَاقِلَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهِيَ عِبَارَةُ عُقْدَةٍ. وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ " فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. أَوْ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا. أَوْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَوْ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. أَوْ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ " وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا وَثَمَّ خِلَافٌ. وَالْغَالِبُ: أَنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ. وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَغَيْرِهِ. وَ " ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ " هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَتَارَةً يَقُولُ " فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ الْوَجْهَيْنِ. أَوْ عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ،

أَوْ الْوَجْهَيْنِ " وَلَا تَكَادُ تَجِدُ ذَلِكَ إلَّا الْمَذْهَبَ. وَقَدْ يَكُونُ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ، وَيَكُونُ الْأَصَحَّ وَالْأَظْهَرَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَتَارَةً يُطْلِقُ الْخِلَافَ، ثُمَّ يَقُولُ " أَوْلَاهُمَا كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْعَدَدِ. وَهَذَا يَكُونُ اخْتِيَارَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي الْعَدَدِ. وَتَارَةً يَقُولُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ " وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، أَوْ وَهِيَ أَصَحُّ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَكُونُ فِي الْغَالِبِ كَمَا قَالَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارَهُ. وَتَارَةً يَقُولُ " وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ " كَمَا قَالَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ. أَوْ " وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى. وَهَذَا يَكُونُ اخْتِيَارَهُ. وَتَارَةً يُصَرِّحُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَقُولُ " وَعِنْدِي كَذَا. أَوْ هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. أَوْ وَالْأَقْوَى عِنْدِي كَذَا. أَوْ وَالْأَوْلَى كَذَا. أَوْ وَهُوَ أَوْلَى " وَهَذَا فِي الْغَالِبِ يَكُونُ رِوَايَةً، أَوْ وَجْهًا. وَقَدْ يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَرُبَّمَا كَانَ الْمَذْهَبَ. وَتَارَةً يُقَدِّمُ شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُ " وَالصَّحِيحُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. وَيَكُونُ كَمَا قَالَ. وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارَهُ. وَتَارَةً يَقُولُ " قَالَ أَصْحَابُنَا، أَوْ وَقَالَ أَصْحَابُنَا، أَوْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَذَا، وَنَحْوَهُ " وَقَدْ عُرِفَ مِنْ اصْطِلَاحِهِ: أَنَّ اخْتِيَارَهُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ. وَتَارَةً يَقُولُ " اخْتَارَهُ شُيُوخُنَا، أَوْ عَامَّةُ شُيُوخِنَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَفِي آخِرِ بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ. وَتَارَةً يَقُولُ " نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ. وَالْمَذْهَبُ يَكُونُ كَذَلِكَ. وَتَارَةً يَذْكُرُ الْحُكْمَ، ثُمَّ يَقُولُ " هَذَا الْمَذْهَبُ " ثُمَّ يَحْكِي خِلَافًا. كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. أَوْ يَذْكُرُ قَوْلًا، ثُمَّ يَقُولُ " وَالْمَذْهَبُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ. أَوْ يَقُولُ " وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ. وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ.

وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يَقُولُ " أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَعِنْدَ فُلَانٍ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرِّبَا. أَوْ يُقَدِّمُ حُكْمًا، ثُمَّ يَقُولُ " وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ بِكَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَدْلُولِ كَلَامِهِ. وَتَارَةً يَقُولُ " وَيَفْعَلُ كَذَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْغَصْبِ، وَشُرُوطِ الْقِصَاصِ، وَالزَّكَاةِ وَالْقَضَاءِ. وَ " الظَّاهِرُ " مِنْ الْكَلَامِ هُوَ: اللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، هُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَرْجَحُ. أَوْ مَا تَبَادَرَ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ مَعْنًى، مَعَ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ. وَيَأْتِي هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَغَيْرُهُمَا أَوَّلَ الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ. وَتَارَةً يَقُولُ " نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ وَالْمَنْصُوصُ كَذَا، أَوْ قَالَ أَحْمَدُ كَذَا وَنَحْوُهُ " وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَأَذْكُرُهُ، وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَ " النَّصُّ " وَ " الْمَنْصُوصُ " هُوَ: الصَّرِيحُ فِي مَعْنَاهُ. وَتَارَةً يَقْطَعُ بِحُكْمِ مَسْأَلَةٍ، وَقَدْ يَزِيدُ فِيهَا، فَيَقُولُ " بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ. أَوْ يَقُولُ " وَجْهًا وَاحِدًا. أَوْ رِوَايَةً وَاحِدَةً " وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ. وَيَكُونُ فِي الْغَالِبِ فِيهَا خِلَافٌ كَمَا سَتَرَاهُ. وَرُبَّمَا كَانَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ، بَلْ رُبَّمَا جَزَمَ فِي كُتُبِهِ بِشَيْءٍ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الطَّاهِرِ بِالطَّهُورِ. وَتَارَةً يَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ، ثُمَّ يَقُولُ " فَالْقِيَاسُ كَذَا " ثُمَّ يَحْكِي غَيْرَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. أَوْ يَذْكُرُ الْحُكْمَ، ثُمَّ يَقُولُ " وَالْقِيَاسُ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ. أَوْ يَذْكُرُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ يَقُولُ " فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ " وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَاللِّعَانِ. أَوْ يَذْكُرُ الْحُكْمَ، ثُمَّ يَقُولُ " وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَذَا " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْهِبَةِ. وَفِي الْغَالِبِ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتِيَارَهُ. وَرُبَّمَا كَانَ الْمَذْهَبَ، كَمَا سَتَرَاهُ. وَتَارَةً يَحْكِي بَعْضَ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ يَقُولُ " وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ

الْفَرَائِضِ، وَأَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَشُرُوطِ الْقِصَاصِ. وَرُبَّمَا قَوَّاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ، فَيَكُونُ قَوْلَهُ، وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ تَابَعَهُ. وَتَارَةً يَقُولُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ " هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، رَجَعَ عَنْهُ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَاعْلَمْ: أَنَّهُ إذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا، فَهَلْ تَسْقُطُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ وَلَا تُذْكَرُ، لِرُجُوعِهِ عَنْهَا، أَوْ تُذْكَرُ وَتُثْبَتُ فِي التَّصَانِيفِ، نَظَرًا إلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ اجْتِهَادَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، فَلَمْ يُنْقَضْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَوْ عُلِمَ التَّارِيخُ، بِخِلَافِ نُسَخِ الشَّارِعِ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ؛ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَجَدَهُ فِيهَا بَطَلَتْ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ " وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا. قُلْت: عَمَلُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذِكْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَذْهَبَهُ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التَّخْرِيجُ وَالتَّفْرِيعُ وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ، كَالْقَوْلِ الثَّانِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَالثَّانِي مَذْهَبَهُ قِيلَ: الْأَوَّلُ إنْ جُهِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: أَوْ عُلِمَ. وَقُلْنَا: مَذْهَبُهُ مَا قَالَهُ تَارَةً. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعُلِمَ التَّارِيخُ، فَقِيلَ: الثَّانِي مَذْهَبُهُ. وَقِيلَ: وَالْأَوَّلُ. وَقِيلَ: وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ. وَقَالَ فِي أُصُولِهِ: وَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا فَالثَّانِي مَذْهَبُهُ، وَهُوَ نَاسِخٌ. اخْتَارَهُ فِي التَّمْهِيدِ وَالرَّوْضَةِ وَالْعُدَّةِ. وَذِكْرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ كَقَوْلِهِمَا. هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، أَوْ أَوَّلٌ: وَالْعَمَلُ عَلَى كَذَا كَنَصَّيْنِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " إذَا رَأَيْت مَا هُوَ أَقْوَى أَخَذْتُ بِهِ وَتَرَكْت الْقَوْلَ الْأَوَّلَ " وَجَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُهُ أَيْضًا. لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيَلْزَمُهُ وَلَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ. وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا خَالَفَ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ. انْتَهَى.

وَتَارَةً يَحْكِي الْخِلَافَ ثُمَّ يَقُولُ " وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا قَالَ. وَتَارَةً يَحْكِي بَعْضَ الرِّوَايَاتِ، أَوْ الْأَقْوَالِ، ثُمَّ يَقُولُ " وَهُوَ بَعِيدٌ " كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ يَكُونُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَأَذْكُرُهُ. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا إلَى نَظِيرَتِهَا مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهَا عِنْدَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ فِي قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ " وَفِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِقَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ " فَيَكُونُ إمَّا تَابَعَ غَيْرَهُ، أَوْ قَالَهُ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، فَأَذْكُرُهُ إنْ ظَفِرْت. أَوْ يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ يُخَرِّجُ فِيهَا قَوْلًا مِنْ نَظِيرَتِهَا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ. وَالْحُكْمُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِمَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ، ثُمَّ يُخَرِّجُ مِنْ إحْدَاهُمَا حُكْمَهَا إلَى الْأُخْرَى. كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ. وَلِلْأَصْحَابِ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ خِلَافٌ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ آخِرَ الْكِتَابِ مُحَرَّرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَارَةً يَذْكُرُ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَهَا مَفْهُومٌ. فَرُبَّمَا ذَكَرْت الْمَفْهُومَ وَمَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالْخِلَافِ، إنْ كَانَ وَظَفِرْت بِهِ. وَرُبَّمَا أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ، وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدٍ قَدْ قَيَّدَهَا بِهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ بَعْضِهِمْ، فَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ، وَأَذْكُرُ مَنْ قَالَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ تَيَسَّرَ. وَتَارَةً يَكُونُ كَلَامُهُ عَامًّا، وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ أَوْ عَكْسُهُ، وَقَصَدَ ضَرْبَ الْمِثَالِ، فَنُبَيِّنُهُ. وَسَيَمُرُّ بِك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ غَيْرَ ذَلِكَ، لَيْسَ فِي ذِكْرِهَا كَبِيرُ فَائِدَةٍ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ. فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا. وَأُحَشِّي عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ إنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ وَاطَّلَعْت عَلَيْهِ، وَأُبَيِّنُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَفْهُومِهَا وَمَنْطُوقِهَا، وَأُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالْمَطْلُوبُ مِنْ هَذَا التَّصْنِيفِ، وَغَيْرُهُ دَاخِلٌ تَبَعًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَدَانِي إلَى جَمْعِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَصْحِيحٌ لِكُلِّ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ. فَإِنَّ أَكْثَرَهَا بَلْ وَالْمُطَوَّلَاتُ لَا تَخْلُو مِنْ إطْلَاقِ الْخِلَافِ. وَقَدْ أَذْكُرُ مَسَائِلَ لَا خِلَافَ فِيهَا، تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا لِتَعَلُّقِهَا بِهَا، أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ أُبَيِّنُهُ، وَأَذْكُرُ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ وَاخْتِيَارُهُ. وَمَنْ صَحَّحَ، وَضَعَّفَ، وَقَدَّمَ، وَأَطْلَقَ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ. وَأَذْكُرُ إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ، وَمَنْ الْقَائِلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ. وَقَدْ يَكُونُ لِلْخِلَافِ فَوَائِدُ مُبَيَّنَةٌ عَلَيْهِ، فَأَذْكُرُهَا إنْ تَيَسَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ ذَكَرْته وَبَيَّنْت الرَّاجِحَ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ التَّفْرِيعُ عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوْ الْوُجُوهِ دُونَ بَعْضٍ، فَأَذْكُرُهُ، وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ بَعْضَهُ فَأُكْمِلُهُ. وَرُبَّمَا ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي مَكَانَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَحَلَّتْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ عَلَى مَنْ أَرَادَهَا. وَلَيْسَ غَرَضِي فِي هَذَا الْكِتَابِ الِاخْتِصَارَ وَالْإِيجَازَ. وَإِنَّمَا غَرَضِي: الْإِيضَاحُ وَفَهْمُ الْمَعْنَى. وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بَعْضُ فُرُوعٍ. فَأُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي " فَائِدَةٌ " أَوْ " فَائِدَتَانِ " أَوْ " فَوَائِدُ " فَيَكُونُ كَالتَّتِمَّةِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرْته وَبَيَّنْت الْمَذْهَبَ مِنْهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ أَوْ الرِّوَايَةُ أَوْ الْقَوْلُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي " وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَات أَوْ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ " إنْ تَيَسَّرَ. وَرُبَّمَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ غَرِيبَةً، أَوْ كَالْغَرِيبَةِ. فَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِي " فَيُعَايِي بِهَا " وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، زَادَهَا مَنْ أَذِنَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي إصْلَاحِهِ أَوْ نَقْصِهَا. أَوْ تَكُونُ النُّسَخُ الْمَقْرُوءَةُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مُخْتَلِفَةً. كَمَا فِي بَابِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ، وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. فَأُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ. وَرُبَّمَا يَكُونُ اخْتِلَافُ النُّسَخِ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، فَأُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَذْكُرُ بَعْضَ حُدُودٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَوْ غَيْرُهُ، وَأُبَيِّنُ مَنْ ذَكَرَهَا، وَمَنْ صَحَّحَ أَوْ زَيَّفَ إنْ تَيَسَّرَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ذَكَرْت كُلَّ مَنْ يَقُولُ بِكُلِّ قَوْلٍ، وَمَنْ قَدَّمَ وَأَطْلَقَ. وَأَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، مَهْمَا اسْتَطَعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ ظَاهِرًا أَوْ مَشْهُورًا، وَالْقَوْلُ الَّذِي يُقَابِلُهُ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ. أَكْتَفِي بِذِكْرِ الْمَذْهَبِ وَذِكْرِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْخِلَافِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ فِي ذِكْرِ مَنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ. فَإِنَّ ذِكْرَهُ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ. فَظَنَّ بِهَذَا التَّصْنِيفِ خَيْرًا. فَرُبَّمَا عَثَرْت فِيهِ بِمَسَائِلَ وَفَوَائِدَ وَغَرَائِبَ وَنُكَتٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ تَظْفَرْ بِمَجْمُوعِهَا فِي غَيْرِهِ. فَإِنِّي نَقَلْت فِيهِ مِنْ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ، مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. فَمِمَّا نَقَلْت مِنْهُ مِنْ الْمُتُونِ: الْخِرَقِيِّ، وَالتَّنْبِيهِ، وَبَعْضِ الشَّافِي لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَتَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ لِابْنِ حَامِدٍ، وَالْإِرْشَادِ لِابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَالْوَجْهَيْنِ، وَمُعْظَمِ التَّعْلِيقَةِ وَهِيَ الْخِلَافُ الْكَبِيرُ، وَالْخِصَالُ، وَقِطْعَةٌ مِنْ الْمُجَرَّدِ، وَمِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى

وَمِنْ عُيُونِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ إلَى آخِرِهِ لِابْنِ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، وَأَجْزَاءٍ مِنْ الِانْتِصَارِ، لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَبَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ. لِابْنِ عَقِيلٍ. وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَفُرُوعِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ. وَمِنْ مَجْمُوعِهِ مِنْ الْهِبَةِ إلَى آخِرِهِ بِخَطِّهِ. وَالْعُقُودِ وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْإِيضَاحِ، وَالْإِشَارَةِ، وَغَالِبِ الْمُبْهِجِ، لِأَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ. وَالْإِفْصَاحِ لِابْنِ هُبَيْرَةَ، وَالْغُنْيَةِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ لِلْحَلْوَانِيِّ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي تَصْحِيحِ الْمُذْهَبِ. لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. لِوَلَدِهِ يُوسُفَ، وَالْمُسْتَوْعِبِ لِلسَّامِرِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي بْنِ مُنَجَّا، وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ: أَنَّ اسْمَ الْهَادِي " عُمْدَةُ الْعَازِمِ فِي تَلْخِيصِ الْمَسَائِلِ الْخَارِجَةِ عَنْ مُخْتَصَرِ أَبِي الْقَاسِمِ " وَالْعُمْدَةِ مَعَ الْمُقْنِعِ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْبُلْغَةِ. وَمِنْ التَّلْخِيصِ إلَى الْوَصَايَا. لِلشَّيْخِ فَخْرِ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ. وَالْمُحَرَّرِ لِلْمَجْدِ، وَالْمَنْظُومَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَزُبْدَتِهَا. وَالْإِفَادَاتِ بِأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ. وَآدَابِ الْمُفْتِي لِابْنِ حَمْدَانَ. وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ إلَى أَثْنَاءِ الزَّكَاةِ. وَالْوَجِيزِ لِلشَّيْخِ الْحُسَيْنِ بْنِ السِّرِّيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَنَظْمِهِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ. وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ رَزِينٍ. وَمِنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى الشَّرِكَةِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجُزْءٍ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُجَرَّدِ مِنْ الْبُيُوعِ. لِلشَّيْخِ أَبِي نَصْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُدَرِّسِ المُسْتَنْصِرِيَّة. وَالْفُرُوقِ لِلزَّرِيرَانِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ فِي رَاجِحِ الْمُحَرَّرِ. وَالْمُنْتَخَبِ. لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَالتَّذْكِرَةِ وَالتَّسْهِيلِ لِابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى مَا قِيلَ. وَالْفُرُوعِ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى لِلْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ مُفْلِحٍ. وَمِنْ الْفَائِق إلَى النِّكَاحِ. لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ بْنِ قَاضِي الْجَبَلِ. وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ فِي اخْتِصَارِ الْهِدَايَةِ. لِلشَّيْخِ صَفِّي الدِّينِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ. وَاخْتِيَارَاتِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، جَمَعَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ اللَّحَّامِ الْبَعْلِيُّ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْهَا. وَجُمْلَةٍ مِنْ مَجَامِيعِهِ وَفَتَاوِيهِ، وَمَجَامِيعِ غَيْرِهِ وَفَتَاوِيهِ. وَالْهَدْيِ

لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ، وَغَالِبِ كُتُبِهِ، وَمُخْتَصَرٍ ضَخْمٍ لِابْنِ أَبِي الْمَجْدِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ بْنِ رَجَبٍ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فِي تَحْرِيرِ أَحْكَامِ النِّهَايَةِ لِلْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ اللَّحَّامِ، وَنَظْمِ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ لِلْقَاضِي عِزِّ الدِّينِ الْمَقْدِسِيِّ. وَالتَّسْهِيلِ لِلْبَعْلِيِّ. وَمِمَّا نَقَلْت مِنْهُ مِنْ الشُّرُوحِ: الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ أَبِي عُمَرَ عَلَى الْمُقْنِعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِي " الشَّرْحُ، وَالشَّارِحُ " وَشَرْحِ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ مُنَجَّا عَلَيْهِ. وَقِطْعَةٍ مِنْ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لِابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ. إلَى أَثْنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ. وَقِطْعَةٍ لِابْنِ عُبَيْدَانِ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَيْهِ. وَقِطْعَةٍ مِنْ الْحَارِثِيِّ، مِنْ الْعَارِيَّةِ إلَى الْوَصَايَا عَلَيْهِ. وَشَرْحِ مَنَاسِكِهِ لِلْقَاضِي مُوَفَّقِ الدِّينِ الْمَقْدِسِيِّ مُجَلَّدٍ كَبِيرٍ. وَالْمُغْنِي لِلْمُصَنِّفِ عَلَى الْخِرَقِيِّ، وَشَرْحِ الْقَاضِي عَلَيْهِ. وَشَرْحِ ابْنِ الْبَنَّا عَلَيْهِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ عَلَيْهِ. وَشَرْحِ الْأَصْفَهَانِيِّ عَلَيْهِ. وَشَرْحِ الزَّرْكَشِيّ عَلَيْهِ، وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ الطُّوفِيِّ إلَى النِّكَاحِ عَلَيْهِ، وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَمُخْتَصَرِ الْمُغْنِي لِابْنِ عُبَيْدَانَ بِخَطِّهِ، وَمِنْ مُخْتَصَرِ الْمُغْنِي لِابْنِ حَمْدَانَ إلَى آخِرِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بِخَطِّهِ، وَسَمَّاهُ " التَّقْرِيبَ " وَهُوَ كِتَابٌ عَظِيمٌ، وَشَرْحِ بِهَاءِ الدِّينِ عَلَيْهَا، وَشَرْحِ صَفِيِّ الدِّينِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَقِطْعَةٍ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَيْهِ. وَتَعْلِيقَةٍ لِابْنِ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةِ عَلَيْهِ. وَقِطْعَةٍ لِلْمَجْدِ إلَى صِفَةِ الْحَجِّ عَلَى الْهِدَايَةِ. وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ أَبِي الْبَقَاءِ عَلَيْهَا، وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلزَّرْكَشِيِّ، مِنْ أَوَّلِ الْعِتْقِ إلَى أَثْنَاءِ الصَّدَاقِ. وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلشَّيْخِ حَسَنِ بْنِ عَبْدِ النَّاصِرِ الْمَقْدِسِيِّ، مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ وَهُوَ الْجُزْءِ السَّابِعُ، وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ أَبِي حَكِيمٍ عَلَيْهَا، وَالنُّكَتِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَالْحَوَاشِي عَلَى الْمُقْنِعِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ مُفْلِحٍ. وَحَوَاشِي شَيْخِنَا عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَحَوَاشِي قَاضِي الْقُضَاةِ مُحِبِّ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيِّ عَلَى الْفُرُوعِ، وَتَصْحِيحِ الْخِلَافِ الْمُطْلَقِ الَّذِي فِي الْمُقْنِعِ لِلشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ النَّابْلُسِيِّ وَتَصْحِيحِ شَيْخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ الْكَتَّانِيِّ عَلَى الْمُحَرَّرِ.

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعَالِيقِ وَالْمَجَامِيعِ وَالْحَوَاشِي، وَقِطْعَةٍ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ رَجَبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ الْكُتُبِ نَفْعًا، وَأَكْثَرِهَا عِلْمًا وَتَحْرِيرًا وَتَحْقِيقًا وَتَصْحِيحًا لِلْمَذْهَبِ: كِتَابُ الْفُرُوعِ. فَإِنَّهُ قَصَدَ بِتَصْنِيفِهِ: تَصْحِيحَ الْمَذْهَبِ وَتَحْرِيرَهُ وَجَمْعَهُ. وَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَالِبًا الْمَذْهَبُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ إلَّا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُبَيِّضْهُ كُلَّهُ. وَلَمْ يُقْرَأْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْوَجِيزُ، فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ. وَذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَهُ عَلَى الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أَبِي بَكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّرِيرَانِيِّ فَهَذَّبَهُ لَهُ. إلَّا أَنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ الْمَذْهَبَ وَفِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ تَابَعَ فِيهَا الْمُصَنِّفَ عَلَى اخْتِيَارِهِ. وَتَابَعَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَلَيْسَتْ الْمَذْهَبَ. وَسَيَمُرُّ بِك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ التَّذْكِرَةُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ. فَإِنَّهُ بَنَاهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الدَّلِيلِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي " مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ " أَبْتَدِئُ بِالْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ نَقْلًا أَوْ الْأَقْوَى دَلِيلًا. وَإِلَّا قُلْت مَثَلًا: رِوَايَتَانِ، أَوْ وَجْهَانِ " وَكَذَا قَالَ فِي نَظْمِهِ: " وَمَهْمَا تَأْتِي الِابْتِدَا بِرَاجِحٍ فَإِنِّي بِهِ عِنْدَ الْحِكَايَةِ أَبْتَدِي " وَكَذَلِكَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَإِنَّهُ بَنَاهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ. وَفِيهَا مَسَائِلُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْخُلَاصَةُ لِابْنِ مُنَجَّا. فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا " أُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَةِ وَالْوَجْهِ " وَقَدْ هَذَّبَ فِيهَا كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَذَلِكَ الْإِفَادَاتُ بِأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ لِابْنِ حَمْدَانَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا " أَذْكُرُ هُنَا غَالِبًا صَحِيحَ الْمَذْهَبِ وَمَشْهُورَهُ، وَصَرِيحَهُ وَمَشْكُورَهُ، وَالْمَعْمُولَ عِنْدَنَا عَلَيْهِ، وَالْمَرْجُوعَ غَالِبًا إلَيْهِ ". تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا أَنَّ طَرِيقَتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ: النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ. أَعْزُو إلَى كُلِّ كِتَابٍ مَا نَقَلْت مِنْهُ. وَأُضِيفُ إلَى كُلِّ عَالِمٍ مَا أَرْوِي عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ ظَاهِرًا أَوْ مَشْهُورًا، أَوْ قَدْ اخْتَارَهُ جُمْهُورُ

الْأَصْحَابِ وَجَعَلُوهُ مَنْصُورًا. فَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَدَّعِي أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي مَسَائِلَ مُتَجَاذِبَةِ الْمَأْخَذِ، فَالِاعْتِمَادُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةُ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَإِنَّهُمْ هَذَّبُوا كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمَهَّدُوا قَوَاعِدَ الْمَذْهَبِ بِيَقِينٍ. فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْمَذْهَبُ: مَا قَدَّمَهُ صَاحِبُ " الْفُرُوعِ " فِيهِ فِي مُعْظَمِ مَسَائِلِهِ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمُعْظَمِ الَّذِي قَدَّمَهُ، فَالْمَذْهَبُ: مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ أَوْ وَافَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي أَحَدِ اخْتِيَارَيْهِ. وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْمَذْهَبُ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، أَوْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِلَّا فَالْمُصَنِّفُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ فِي الْكَافِي، ثُمَّ الْمَجْدُ. وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الْمُنَى " وَأَهْلُ زَمَانِنَا وَمَنْ قَبْلَهُمْ إنَّمَا يَرْجِعُونَ فِي الْفِقْهِ مِنْ جِهَةِ الشُّيُوخِ وَالْكُتُبِ إلَى الشَّيْخَيْنِ: الْمُوَفَّقِ وَالْمَجْدِ " انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا فِي ذَلِكَ تَصْحِيحٌ، فَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، ثُمَّ صَاحِبُ الْوَجِيزِ، ثُمَّ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْكُبْرَى، ثُمَّ النَّاظِمُ، ثُمَّ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ. أَذْكُرُ مَنْ قَدَّمَ، أَوْ صَحَّحَ، أَوْ اخْتَارَ، إذَا ظَفِرْت بِهِ. وَهَذَا قَلِيلٌ جِدًّا. وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَفِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَهَذَا لَا يَطَّرِدُ أَلْبَتَّةَ. بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ أَحَدُهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ. وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْآخَرُ فِي أُخْرَى وَكَذَا غَيْرُهُمْ بِاعْتِبَارِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْمُوَافِقِ لَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ.

هَذَا مَا يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَعَرَفَهُ. وَسَنُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَذْهَبَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ الْمَجْدُ، ثُمَّ الْوَجِيزُ، ثُمَّ الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُقْنِعِ، فَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَذْهَبِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ فِيهَا مُطْلَقٌ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُقْنِعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؟ فَقَالَ " طَالِبُ الْعِلْمِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبٍ أُخَرَ، مِثْلِ كِتَابِ التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي، وَالِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ الْكِبَارِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا مَسَائِلُ الْخِلَافِ، وَيُذْكَرُ فِيهَا الرَّاجِحُ. وَقَدْ اُخْتُصِرَتْ هَذِهِ الْكُتُبَ فِي كُتُبُ مُخْتَصَرَةٍ، مِثْلِ رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَلِأَبِي الْخَطَّابِ، وَلِلْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي الْبَرَكَاتِ جَدِّنَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ: إنَّهُ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ. قَالَ: وَمِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُ ذَلِكَ: الْمُغْنِي لِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَشَرْحُ الْهِدَايَةِ لِجَدِّنَا. " وَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأُصُولِ أَحْمَدَ وَنُصُوصِهِ عَرَفَ الرَّاجِحَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي عَامَّةِ الْمَسَائِلِ " انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَاعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ إذَا اخْتَلَفَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قَالَ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ إمَامٌ يُقْتَدَى بِهِ. فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ مَذْهَبًا لِإِمَامِهِ. لِأَنَّ الْخِلَافَ إنْ كَانَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فَوَاضِحٌ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى قَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ وَنُصُوصِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ " الْوَجْهَ " مَجْزُومٌ بِجَوَازِ الْفُتْيَا بِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب الطهارة

وَسَمَّيْته " بِالْإِنْصَافِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ " وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يُدْخِلَنَا بِهِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُطَالِعَهُ وَكَاتِبَهُ وَالنَّاظِرَ فِيهِ. إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] . [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [بَاب الْمِيَاه] كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ الْمِيَاهِ فَائِدَةٌ: الطَّهَارَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ. مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الِاصْطِلَاحِ. فَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَخْلَاقِ أَيْضًا. وَمَعْنَاهَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، قِيلَ: رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ. أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ، لِإِخْرَاجِهِ الْحَجَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَدَلْكُ النَّعْلِ، وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلٍ. فَإِنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ يُخْرِجُ ذَلِكَ. وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا نَجَاسَةً تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا. فَإِنَّ زَوَالَهَا طَهَارَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ. وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا الْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ، وَالتَّجْدِيدَ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ. وَهِيَ طَهَارَةٌ. وَلَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ " بِالْمَاءِ، أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ " فِيهِ تَعْمِيمٌ. فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِكَوْنِهِمَا طَهُورَيْنِ. قَالَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَنَحْوِهَا: بِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ شَيْءٍ، إذْ هِيَ مَصْدَرُ طَهُرَ: وَذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ شَيْءٍ. وَإِطْلَاقُ " الطَّهَارَةِ " عَلَى الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ مَجَازٌ، لِمُشَابَهَتِهِ لِلْوُضُوءِ الرَّافِعِ وَالْغُسْلِ الرَّافِعِ فِي الصُّورَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَلْكِ النَّعْلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ: بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ بِذَلِكَ. كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ: وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ

بِالتُّرَابِ. وَأَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الطَّهُورَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي الْمُطْلِعِ: الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ: ارْتِفَاعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ، بِالْمَاءِ، وَارْتِفَاعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ. فَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ " وَمَا أَشْبَهَهُ " تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَالْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ. وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِيهِ إبْهَامٌ مَا. وَقَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: مَعْنَى " الطَّهَارَةِ " فِي الشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. فَلِذَلِكَ نَقُولُ: الطَّهَارَةُ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا هُوَ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ الطِّهَارَاتِ، مُنْعَكِسٌ فِي غَيْرِهَا. ثُمَّ الْمُسْتَقْذَرُ شَرْعًا: إمَّا عَيْنِيٌّ. وَيُسَمَّى نَجَاسَةً، أَوْ حُكْمِيٌّ. وَيُسَمَّى حَدَثًا. فَالتَّطْهِيرُ: إخْلَاءُ الْمَحَلِّ مِنْ الْأَقْذَارِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ: أَنَّ حَدَّ الْفُقَهَاءِ لِلطَّهَارَةِ بِرَفْعِ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ، أَوْ إزَالَةُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ وَهُوَ أَجْوَدُ مَا قِيلَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْسَانِ، لَا إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْيَانِ. ثُمَّ الْحَدُّ مُتَعَدٍّ. وَالْمَحْدُودُ لَازِمٌ. فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ. وَالْحَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا. لَكِنْ لَوْ فَسَّرَ بِهِ " التَّطْهِيرَ " جَازَ. فَإِنَّهُ بِمَعْنَاهُ، مَعَ طُولِ الْعِبَارَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ بِمَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: ضِدُّ الْوَصْفِ بِالنَّجَاسَةِ. وَهُوَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَيَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ الْبَدَنُ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: طَهَارَةُ الْحَدَثِ. وَهِيَ اسْتِعْمَالٌ مَخْصُوصٌ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ، مُشْتَرَطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ: وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ يُتَصَوَّرُ قِيَامُهَا مَعَ الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَضِدِّهَا، كَبَدَنِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ خَلَا عَنْهَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: الطَّهَارَةُ اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ عَلَى الْوَجْهِ

الْمَشْرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ، لَا لِلطَّهَارَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَحْدُودِ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً " صَحِيحٌ، إذْ لَوْ قَالَ " اسْتِعْمَالُ الطَّهُورُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ " لَصَحَّ، وَخَلَا عَنْ الزِّيَادَةِ. قَالَ مَنْ شَرَعَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ صَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَفِي حَدِّ الْمُصَنِّفِ خَلَلٌ. وَذَلِكَ: أَنَّ الطَّهُورَ وَالتَّطْهِيرَ، اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الرُّسُومِ، مُشْتَقَّانِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمَرْسُومَةِ. وَلَا يُعْرَفُ الْحَدُّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مُفْرَدَاتِهِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ. فَيَلْزَمُ الدُّورُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: الطَّهَارَةُ شَرْعًا مَا يَرْفَعُ مَانِعَ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، أَوْ بَدَلِهِ، فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. قُلْت: وَهُوَ جَامِعٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ إبْهَامًا. وَهُوَ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ ضِدُّ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ شَرْعًا. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ طَاهِرَةٍ شَرْعًا. وَحَدَّهَا فِي الرِّعَايَةِ بِحَدٍّ، وَقَدَّمَهُ، وَأَدْخَلَ فِيهِ جَمِيعَ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَمَا يُتَطَهَّرُ لَهُ لَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ جِدًّا. قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ) اعْلَمْ: أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي تَقْسِيمِ الْمَاءِ أَرْبَعَ طُرُقٍ. أَحَدُهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْمَاءَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَهُورٌ، وَطَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: طَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. وَالطَّاهِرُ قِسْمَانِ: طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا. وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى.

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَنَجِسٌ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. فَإِنَّ عِنْدَهُ: أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ، تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: طَهُورٌ. وَطَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. وَمَشْكُوكٌ فِيهِ لِاشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ قَوْلُهُ " وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ " مَسَائِلَ كَثِيرَةً يَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ أَكْثَرِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ " . قَوْلُهُ (وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ، أَوْ بِطَاهِرٍ، لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ) أَيْ: صَوْنُ الْمَاءِ عَنْ السَّاقِطِ، قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا بَأْسَ بِمَا تَغَيَّرَ بِمَقَرِّهِ. أَوْ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: وَيُكْرَهُ فِيهِمَا، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ صَوْنُهُ عَنْهُ، أَوْ وَضَعَ قَصْدًا: أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا يَسِيرًا قَوْلُهُ (أَوْ لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالدُّهْنِ) . صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّهُورِيَّةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا

طَهُورِيَّتَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: طَهُورٌ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا غَيَّرَهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ " لَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّتِهِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إنَّمَا يَكُون طَهُورًا إذَا غَيَّرَ رِيحَهُ فَقَطْ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ. فَأَمَّا إذَا غَيَّرَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ فَلَا. ثُمَّ قَالَا: وَالصَّحِيح أَنَّهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرَات إذَا غَيَّرَتْ يَسِيرًا. فَإِنْ قُلْنَا: تُؤَثِّرُ ثُمَّ أَثَّرَتْ هُنَا وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: مُرَادُهُ بِالْعُودِ: الْعُودُ الْقَمَارِيُّ. مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ، مَوْضِعٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ. وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ. وَمُرَادُهُ بِالْكَافُورِ: قِطَعُ الْكَافُورِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَوْ لَا يُخَالِطُهُ " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ قِطَعٍ لَخَالَطَ، وَهُوَ وَاضِحٌ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْعُودَ وَالْكَافُورَ وَالدُّهْنَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِلْخِلَافِ فِي طَهُورِيَّتِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ) . صَرَّحَ بِطَهُورِيَّتِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجُمْهُورُهُمْ جَزَمَ بِهِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَسْلُبُهُ إذَا وُضِعَ قَصْدًا. وَخَرَّجَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ عَلَى التُّرَابِ إذَا

وُضِعَ قَصْدًا. وَصَرَّحَ أَيْضًا: أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ " أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَعْدِنِيِّ: أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ التُّرَابِ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ إنْ ثَخُنَ الْمَاءُ بِوَضْعِ التُّرَابِ فِيهِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَرِيبًا، بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا مُفَصَّلًا. قَوْلُهُ (أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ) . صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا. قَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ. يُقَالُ: يُوَرِّثُ الْبَرَصَ. وَقَالَهُ التَّمِيمِيُّ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ. قَالَهُ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا. حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: قَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ رِزْقَ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ وَافَقَ جَدَّهُ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيَّ. عَلَى كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ. فَمَحَلُّهُ: إذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ. وَاسْتَعْمَلَهُ فِي

جَسَدِهِ، وَلَوْ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ. أَمَّا لَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ مَاءُ الْعُيُونِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يُكْرَهْ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: اتِّفَاقًا. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُكْرَهُ، لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ إذَا بَرَدَ عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تَزُولُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ بِطَاهِرٍ " عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ اشْتَدَّ حَرُّهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ.، وَالْمَذْهَبُ: الْكَرَاهَةُ إذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفَسَّرَ فِي الرِّعَايَةِ النَّصَّ مِنْ عِنْدِهِ بِذَلِكَ، قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ قَطْعًا. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجْزِيَهُ مَعَ شِدَّةِ حَرِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ. يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ " قَدْ تَقَدَّمَ خِلَافٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ: هَلْ هُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، أَوْ طَاهِرٌ فَقَطْ؟ . فَائِدَةٌ: الْأَحْدَاثُ: جَمْعُ حَدَثٍ. وَالْحَدَثُ: مَا أَوْجَبَ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْحَدَثُ وَالْأَحْدَاثُ. مَا اقْتَضَى وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، أَوْ اسْتِنْجَاءً أَوْ اسْتِجْمَارًا، أَوْ مَسْحًا، أَوْ تَيَمُّمًا، قَصْدًا. كَوَطْءٍ وَبَوْلِ وَنَجْوٍ وَنَحْوِهَا غَالِبًا، أَوْ اتِّفَاقًا كَحَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَاسْتِحَاضَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَاحْتِلَامِ نَائِمٍ، وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَخُرُوجِ رِيحٍ مِنْهُمْ غَالِبًا. فَالْحَدَثُ لَيْسَ نَجَاسَةً. لِأَنَّهُ مَعْنًى، وَلَيْسَ عَيْنًا. فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ الْحَدَثِ. وَ " الْمُحْدِثُ " مَنْ لَزِمَهُ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ أَوْ هُمَا، أَوْ اسْتِنْجَاءٌ، أَوْ اسْتِجْمَارٌ، أَوْ مَسْحٌ، أَوْ تَيَمُّمٌ، أَوْ اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، لِدُخُولِ التَّجْدِيدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ. فَكُلُّ مُحْدِثٍ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا شَرْعًا. وَ " الطَّاهِرُ " ضِدُّ النَّجِسِ وَالْمُحْدِثِ. وَقِيَاسٌ: بَلْ عَدَمُهُمَا شَرْعًا.

وَأَمَّا الْأَنْجَاسُ: فَجَمْعُ نَجَسٍ. وَحَدُّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ: كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مَعَ إمْكَانِهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا، وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، وَلَا لِضَرَرٍ بِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ. قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: النَّجَسُ كُلُّ نَجَاسَةٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا، وَكُلُّ طَاهِرٍ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُنَجِّسُهُ، قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا، مَعَ بَلَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ هُمَا. أَوْ تَغَيُّرُ صِفَتِهِ الْمُبَاحَةِ بِضِدِّهَا، كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ بِنَفْسِهِ خَمْرًا، أَوْ مَوْتِ مَا يُنَجِّسُ بِمَوْتِهِ. فَيُنَجَّسُ بِنَجَاسَتِهِ. فَهُوَ نَجِسٌ وَمُتَنَجِّسٌ. فَكُلُّ نَجَاسَةٍ نَجَسٌ. وَلَيْسَ كُلُّ نَجَسٍ نَجَاسَةً. وَالْمُتَنَجِّسُ نَجُسَ بِالتَّنَجُّسِ. وَالْمُنَجَّسُ نَجُسَ بِالتَّنْجِيسِ. وَأَمَّا النَّجَاسَةُ، فَقِسْمَانِ: عَيْنِيَّةٌ، وَحُكْمِيَّةٌ. فَالْعَيْنِيَّةُ: لَا تَطْهُرُ بِغَسْلِهَا بِحَالٍ. وَهِيَ كُلُّ عَيْنٍ جَامِدَةٍ، يَابِسَةٍ، أَوْ رَطْبَةٍ. أَوْ مَائِعَةٍ، يَمْنَعُ مِنْهَا الشَّرْعُ بِلَا ضَرُورَةٍ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا، وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ شَرْعًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَقِيلَ كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا مَعَ إمْكَانِهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا: أَوْ اسْتِقْذَارِهَا وَضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ. وَالْحُكْمِيَّةُ: تَزُولُ بِغَسْلِ مَحِلِّهَا. وَهِيَ كُلُّ صِفَةٍ طَهَارِيَّةٍ مَمْنُوعَةٍ شَرْعًا بِالضَّرُورَةِ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا، وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ شَرْعًا. تَحْصُلُ بِاتِّصَالِ نَجَاسَةٍ أَوْ نَجِسٍ بِطَهُورٍ أَوْ طَاهِرٍ، قَصْدًا مَعَ بَلَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ هُمَا، وَهُوَ التَّنْجِيسُ أَوْ التَّنْجِيسُ اتِّفَاقًا، مِنْ نَائِمٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ طِفْلٍ أَوْ طِفْلَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ. أَوْ لِتَغَيُّرِ صِفَةِ الطَّاهِرِ بِنَفْسِهِ، كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ خَمْرًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَيَأْتِي: هَلْ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ عَيْنِيَّةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ؟ فِي فَصْلِ التَّنْجِيسِ. وَقِيلَ " النَّجَاسَةُ " لُغَةً: مَا يَسْتَقْذِرُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ. وَشَرْعًا: عَيْنٌ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِحَمْلِ جِنْسِهَا فِيهَا. وَإِذَا اتَّصَلَ بِهَا بَلَلٌ تَعَدَّى حُكْمُهَا إلَيْهِ. وَقِيلَ " النَّجَاسَةُ " صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ نَجِسَةٍ. تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ، غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ " مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَعَدَمُ ذِكْرِهِ مَا فِي كَرَاهَتِهِ خِلَافٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فَمَا دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَاءُ زَمْزَمَ، وَهُوَ تَارَةً يُسْتَعْمَلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَتَارَةً فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَتَارَةً فِي غَيْرِهِمَا. فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. كُرِهَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَيُكْرَهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي الْأُولَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَاءُ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ مِنْهَا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَالطَّهَارَةِ بِهِ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: وَلَا يُكْرَهُ مَاءُ زَمْزَمَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ، فَهَلْ يُبَاحُ أَوْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَحْرُمُ، أَوْ يَحْرُمُ حَيْثُ يَنْجُسُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ [وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ] وَابْنُ رَزِينٍ. وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَنْسَكِهِ الْوُضُوءَ مِنْهُ. [وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا]

وَحَرَّمَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَيْضًا رَفْعَ الْحَدَثِ بِهِ حَيْثُ تَنَجَّسَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ تَعْظِيمُهُ. وَقَدْ زَالَ بِنَجَاسَتِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ. فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ، هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْهُ: فَمُسْتَحَبٌّ. وَيَأْتِي فِي صِفَةِ الْحَجِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَأَمَّا رَشُّ الطَّرِيقِ وَجَبَلِ التُّرَابِ الطَّاهِرِ وَنَحْوِهِ، فَقِيلَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: مَاءُ الْحَمَّامِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَةُ اسْتِعْمَالِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجَدِّدَ مَاءً غَيْرِهِ. وَنُقِلَ عَنْهُ: يَغْتَسِلُ مِنْ الْأُنْبُوبَةِ وَيَأْتِي فِي فَصْلِ النَّجَسِ، هَلْ مَاءُ الْحَمَّامِ كَالْجَارِي، أَوْ إذَا فَاضَ مِنْ الْحَوْضِ؟ وَمِنْهَا: مَاءُ آبَارِ ثَمُودَ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ: إبَاحَتُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إبَاحَتِهِ مَعَ هَذَا الْخَبَرِ وَنَصِّ أَحْمَدَ. ذَكَرَ النَّصَّ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ. وَمِنْهَا: الْمُسَخَّنُ بِالْمَغْصُوبِ. وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ.، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ [وَالْوَجِيزِ] وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَصِحُّ بِهِ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ وَتُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ صَحِيحَةٌ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ، وَهُوَ الْغَصْبُ. وَمِنْهَا كَرَاهَةُ الطَّهَارَةِ مِنْ بِئْرٍ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَهُ [ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ] وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى كَرَاهَتِهِ. وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ: أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا. إحْدَاهَا وَهِيَ أَصَحُّهَا: أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَطَعَ بِهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: الْكَرَاهَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحِيحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ سُخِّنَ، بِنَجَاسَةٍ كُرِهَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَهُوَ مِنْهَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ لَا تَصِلُ لَمْ يُكْرَهْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَفِي كَرَاهَةِ مُسَخَّنٍ بِنَجَاسَةٍ رِوَايَةٌ.، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَإِنْ ظَنَّ وُصُولَ النَّجَاسَةِ كُرِهَ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُصُولِهَا لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ: فَالرِّوَايَتَانِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْفُرُوعِ. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ احْتَمَلَ وُصُولَهَا إلَيْهِ: كُرِهَ قَوْلًا وَاحِدًا.، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ، فَرِوَايَتَانِ. وَمَحَلُّ هَذَا الْمَاءُ الْيَسِيرُ. فَأَمَّا الْكَثِيرُ: فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ، وَشَارِحِ الْمُحَرَّرِ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: إنْ احْتَمَلَ، وَاحْتَمَلَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ: فَالرِّوَايَتَانِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَمْ يُكْرَهْ. وَإِنْ كَانَ حَصِينًا لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَسِيرًا، وَيُعْلَمُ عَدَمَ وُصُولِ النَّجَاسَةِ لَمْ يُكْرَهْ. وَفِيهِ وَجْهٌ يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ وُصُولَهَا إلَيْهِ، وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ: لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ حَصِينًا: لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الطَّرِيقَةُ السَّادِسَةُ: الْمُسَخَّنُ بِهَا قِسْمَانِ. أَحَدُهَا: إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا إلَيْهِ، فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي: مَا عَدَا ذَلِكَ، فَرِوَايَتَانِ: الْكَرَاهَةُ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّارِحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. الطَّرِيقَةُ السَّابِعَةُ: الْمُسَخَّنُ بِهَا أَيْضًا قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَى الْمَاءِ، وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ، فَيُكْرَهُ. وَالثَّانِي: إذَا كَانَ حَصِينًا فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ، اخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ وَابْنِ عَقِيلٍ.

وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. الطَّرِيقَةُ الثَّامِنَةُ: إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهَا فَرِوَايَتَانِ، الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا، وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُهَا: فَنَجَسٌ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. الطَّرِيقَةُ التَّاسِعَةُ: إنْ احْتَمَلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ: كُرِهَ فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ. وَفِي الْأُخْرَى: لَا يُكْرَهُ. وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا، فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا. وَهِيَ طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي. الطَّرِيقَةُ الْعَاشِرَةُ: إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا، فَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْهَادِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ الدُّخَانِ، فَفِي الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا: لَا يُكْرَهُ. الطَّرِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ: إنْ اُحْتُمِلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ ظَاهِرًا كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ لَمْ يُكْرَهْ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ بِحَالٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ: الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ. وَعَدَمُهَا مُطْلَقًا فِي أُخْرَى. وَقِيلَ: إنْ كَانَ حَائِلُهُ حَصِينًا لَمْ يُكْرَهْ. وَإِلَّا كُرِهَ إنْ قَلَّ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ: إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: مَعَ وَثَاقَةِ الْحَائِلِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْفَائِقِ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ إنْ بَرَدَ. وَقِيلَ: وَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ وَحَائِلَةُ غَيْرُ حَصِينٍ كُرِهَ. وَقِيلَ: غَالِبًا. وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهَا إلَيْهِ: نَجُسَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَهَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ طَرِيقَةً. وَلَا تَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ وَبَعْضِ تَدَاخُلٍ.

فَوَائِدُ إحْدَاهُنَّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ. فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَكَذَا الْمُشَمَّسُ إذَا قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَيْضًا: لِلْكَرَاهَةِ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ: كَوْنُهُ سُخِّنَ بِإِيقَادِ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ. وَالْحَاصِلُ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ. الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ إيقَادَ النَّجَسِ لَا يَجُوزُ: كَدُهْنِ الْمَيْتَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ، ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: وَيَجُوزُ فِي الْأَقْيَسِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ. وَقِيلَ: مَائِعًا وَيَأْتِي فِي الْآنِيَةِ: هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ النَّجَاسَةِ؟ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. الثَّالِثَةُ: إذَا وَصَلَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ إلَى شَيْءٍ. فَهَلْ هُوَ كَوُصُولِ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِحَالَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ لَا يَطْهُرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ: لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. فَيَصِيرُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هُوَ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمَذْهَبِ

الْأَحْمَدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَهُورٌ مَعَ عَدَمِ طَهُورِ غَيْرِهِ، اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: طَهُورِيَّةُ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِكَيْتَلَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُهِمِّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: سَمِعْت شَيْخِي مُحَمَّدَ بْنَ تَمِيمٍ الْحَرَّانِيَّ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنِيرِ، فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، رِوَايَةً فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ الْمَغْلِيِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: مَا أُضِيفَ إلَى مَا خَالَطَهُ وَغَلَبَتْ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ، كَلَبَنٍ، وَخَلٍّ، وَمَاءِ بَاقِلَاءٍ مَغْلِيٍّ، لَمْ يَجُزْ التَّوَضُّؤُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَأَظُنُّ الْجَوَازَ سَهْوًا. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَغَيَّرَ صِفَتَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، مَعَ بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَعَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّهُ طَهُورٌ هُنَاكَ، فَالصَّحِيحُ هُنَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَوَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ فِي الْحُكْمِ. وَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ عِنْدَهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعِنْدَ الْقَاضِي: تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُكْمِ، مَعَ بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ. وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ. وَقَالَ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هِيَ أَقْعَدُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِالطَّاهِرَاتِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ. أَنَّ تَغَيُّرَ جَمِيعِ الصِّفَاتِ بِمَقَرِّهِ لَا يَضُرُّهُ.

فَائِدَةٌ: تَغَيُّرُ كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَةِ كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ. وَأَمَّا تَغَيُّرُ يَسِيرٍ مِنْ الصِّفَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْمُنَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى السَّلْبِ بِالْيَسِيرِ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي الرِّيحِ أَيْضًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الرَّائِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ تُرَابًا، أُوضِعَ قَصْدًا: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ وَضَعَ تِلْكَ قَصْدًا لَا يَضُرُّ، وَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، مَا لَمْ يَصِرْ طِينًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالتَّسْهِيلِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ قَطَعَ الْعَامَّةُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ: إنْ صَفَا الْمَاءُ مِنْ التُّرَابِ فَطَهُورٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، قُلْت: أَمَّا إذَا صَفَا الْمَاءُ مِنْ التُّرَابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي طَهُورِيَّتِهِ نِزَاعٌ فِي الْمَذْهَبِ، الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا وَضَعَ مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ قَصْدًا.

أَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ مِمَّا لَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ. أَمَّا مَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ إذَا وُضِعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَوَّلَ الْبَابِ. قَوْلُهُ (أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. فَيَصِيرُ طَاهِرًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْخِصَالِ لِلْقَاضِي وَالْمُبْهِجِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَشْهَرُهُمَا زَوَالُ الطَّهُورِيَّةِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَكُونُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا جَادَّةُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا ظَاهِرًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ، وَقُلْنَا يُجْزِئُ. فَإِنَّهُ يَكُونُ طَهُورًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ: لِأَنَّ الْغُسْلَ مَكْرُوهٌ. فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا. فَيُعَايَى بِهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ طَهُورٌ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: سَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي

صَاحِبَ الشَّرْحِ يَمِيلُ إلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَرَجَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَصَحَّحَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْبَقَاءِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي ثَوْبِ الْمُتَطَهِّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِيهِ بُعْدٌ. فَعَلَيْهَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ. مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ طَهُورٌ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ فَقَطْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ ابْتِدَائِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ «مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ» أَنَّهُ كَانَ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى شَيْخُنَا رِوَايَةً بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِي: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي إثْبَاتِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ. فَأَثْبَتَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلَيْسَتْ فِي الْمُغْنِي. وَنَفَاهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ كَلَامِ أَحْمَدَ وَتَأَوَّلَاهَا. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثُ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ: مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا: فَهُوَ طَهُورٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ: الْإِطْلَاقُ كَالْمُصَنِّفِ. وَإِنَّمَا أَرَادُوا فِي الْغَالِبِ.

وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ: هَلْ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ جَنَابَةِ الذِّمِّيَّةِ أَوْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا طَاهِرٌ أَوْ طَهُورٌ؟ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَجِبُ نِيَّةٌ لِغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ؟ قَوْلُهُ (أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ، وَقُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ تُسْلَبُ طَهُورِيَّتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: أَظْهَرُهُمَا طَهُورِيَّتُهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: طَهُورٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ: أَنَّهُ طَهُورٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمِثْلُهُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا مَا انْفَصَلَ مِنْ غَسْلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طَهَارَةِ مَحَلِّهَا. وَفِي الْأَصَحِّ: كُلُّ غَسْلَةٍ فِي وُجُوبِهَا خِلَافٌ

كَالثَّامِنَةِ فِي غَسْلِ الْوُلُوغِ، وَالرَّابِعَةِ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: تُجْزِئُ الثَّلَاثُ. وَعَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُنْقِيَةٍ، إنْ قُلْنَا: تُجْزِئُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ غَمَسَ فِيهِ يَدَهُ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَوْلَى أَنَّ مَا غُمِسَ فِيهِ كَفُّهُ طَاهِرٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالنَّاظِمُ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّبِّ مِنْهُ، بَلْ عَلَى الِاغْتِرَافِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ، وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ الَّذِي غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. أَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ: فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَمْسُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ وَاضِحٌ.

الثَّانِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا إذَا قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَهُنَاكَ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ: أَثَّرَ فِي الْمَاءِ مَنْعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ: فَلَا، وَقَطَعَ بِهَذَا فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّا إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا وَاجِبٌ " فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ: فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَإِنْ قُلْنَا " لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ " لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ طَاهِرٌ، غَيْرُ مُطَهِّرٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَهَا: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا شَيْئًا. وَمَنْ أَوْجَبَهُ، قَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ. وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَهُ. فَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ إرَاقَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَزُولَ طَهُورِيَّتُهُ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا سُنَّةٌ " فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ غَمَسَ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهَا: زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهَا. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا. وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ الْوُضُوءُ. لِأَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ مَنْعًا. وَإِلَّا فَطَهُورِيَّتُهُ بَاقِيَةٌ. وَقِيلَ: النَّهْيُ تَعَبُّدٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ مَا قُلْنَا. انْتَهَى.

وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا: فَطَاهِرٌ بِانْفِصَالِهِ، لَا بِغَمْسِهِ فِي الْأَقْيَسِ. وَلَا يَحْصُلُ غَسْلُ يَدِهِ فِي الْمَذْهَبِ. فَإِنْ سُنَّ غَسْلُهُمَا فَطَهُورٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ: فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ غَسْلِهِمَا. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ غَمَسَ يَدَهُ " أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ غَمْسٍ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الْأَوْلَى أَنَّهُ طَهُورٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ كَغَمْسِ يَدِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " يَدَهُ " أَنَّهُ لَوْ غَمَسَ عُضْوًا غَيْرَ يَدِهِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ [قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَمْسُ غَيْرِ كَفَّيْهِ شَيْئًا] . الْخَامِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَدَهُ " أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا غَمْسُ جَمِيعِهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: غَمْسُ بَعْضِهَا كَغَمْسِهَا كُلِّهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي

وَالْإِفَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. السَّادِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: بَلْ مِنْ نَوْمِ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. السَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ " أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا إذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ حُكْمُ نَوْمِ النَّهَارِ حُكْمُ نَوْمِ اللَّيْلِ. الثَّامِنُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ كَانَ الْغَامِسُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا: أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي الْغَمْسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِغَمْسِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ.، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُمْ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. التَّاسِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ فِي جِرَابٍ أَوْ مَكْتُوفَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَقِيلَ:

عَلَى رِوَايَةٍ الْوُجُوبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. الْعَاشِرُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا " أَنَّهُ يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ: وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ بَعْدَ ذَلِكَ. الْحَادِيَ عَشَرَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ نِيَّةِ غَسْلِهَا أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا بَعْدَ النِّيَّةِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْغَمْسُ بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ. فَوَائِدُ الْأُولَى: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ [طَاهِرٌ] غَيْرُ مُطَهِّرٍ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ: اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ، وَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ فِي وَجْهٍ: فَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ. وَقِيلَ: وَالنَّجَاسَةُ. انْتَهَى: وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَجِبُ إرَاقَتُهُ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شُرْبٍ وَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ. الثَّالِثَةُ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يُؤَثِّرُ وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ ". الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَا قَلَّ وَغَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ مِنْ الْمَذْيِ دُونَهُ وَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَهُورٌ. وَعَنْهُ: طَاهِرٌ. وَقِيلَ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِهِمَا كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَيَأْتِي عَدَدُ الْغَسَلَاتِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ نَوَى جُنُبٌ بِانْغِمَاسِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ رَاكِدٍ رَفْعَ حَدَثِهِ: لَمْ يَرْتَفِعْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نُصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ لَوْ غُسِلَ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ أَثَّرَ: أَثَّرَ هُنَا. فَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جَزْءٍ انْفَصَلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ. قَالَ فِي الصُّغْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَاهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ: عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْتَفِعَ حَدَثُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَمَّا غَمَسَهُ كُلَّهُ وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى. وَالِاحْتِمَالُ لِلشِّيرَازِيِّ. السَّادِسَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَوَى بَعْدَ غَمْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْحَاوِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ أَوَّلِ جُزْءٍ يَرْتَفِعُ مِنْهُ. فَيَحْصُلُ غَسْلُ مَا سِوَاهُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ. فَلَا يَجْزِيهِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ هُنَا عَقِيبَ نِيَّتِهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. السَّابِعَةُ: لَا أَثَرَ لِلْغَمْسِ بِلَا نِيَّةٍ لِطَهَارَةِ بَدَنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ قَالَ بِالْمَنْعِ فِيمَا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَقَطْ. وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. الثَّامِنَةُ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا كُرِهَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي. وَعَنْهُ لَا يَنْبَغِي. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ.، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. التَّاسِعَةُ: لَوْ اغْتَرَفَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ: صَارَ مُسْتَعْمَلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ. وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، لِصَرْفِ النِّيَّةِ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. الْعَاشِرَةُ: هَلْ رِجْلٌ وَفَمٌ وَنَحْوُهُ كَيَدٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ، أَمْ يُؤَثِّرُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ لَا لِغَسْلِهَا وَقَدْ نَوَى: أَثَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ نَوَاهُ، ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ

فِيهِ لَا لِغَسْلِهَا بِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا. فَطَاهِرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ غَمَسَ فِيهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ اغْتَرَفَ مُتَوَضِّئٌ بِيَدِهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهَا: أَزَالَ الطَّهُورِيَّةَ كَالْجُنُبِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ طَهُورٌ، لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْجُنُبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: يَصِيرُ الْمَاءُ بِانْتِقَالِهِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ مُسْتَعْمَلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا. فَهِيَ كُلُّهَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْجُنُبِ. وَعَنْهُ يَكْفِيهِمَا مَسْحُ اللُّمْعَةِ بِلَا غَسْلٍ لِلْخَبَرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا، أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا، فَهُوَ نَجِسٌ) . إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا. فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ زَوَالِهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَكَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ: انْبَنَى عَلَى تَنْجِيسِ الْقَلِيلِ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. وَقِيلَ: بِطَهَارَتِهِ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ مَعَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا طَهُرَ الْمَحِلُّ؛ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ. وَعَقِيبَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مُلَاقَاةُ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ) . إنْ كَانَ الْمَحِلُّ أَرْضًا، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي طَهَارَةِ هَذَا فِي الْأَرْضِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَجْهًا: أَنَّ الْمُنْفَصِلَ عَنْ

الْأَرْضِ. كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ غَيْرِهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ رِوَايَةً. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَعَنْهُ: طَهَارَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ أَرْضٍ أَعْيَانُ النَّجَاسَةِ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ فَهُوَ طَاهِرٌ) . فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا طَهَارَتُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا كَانَ الْمُزَالُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. تَنْبِيهٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ رِوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ: يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ طَاهِرًا. صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ. وَمَعْنَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: الْمَحِلُّ نَجِسٌ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَا انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا بِهَا: فَهُوَ وَالْمَحَلُّ نَجِسَانِ، وَإِنْ اسْتَوْفَى الْعَدَدَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ لَمَّا نَصَرَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ طَاهِرٌ وَلَنَا: أَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ. فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ فِي الطَّهَارَةِ

وَالنَّجَاسَةِ. كَمَا لَوْ أَرَاقَ مَاءً مِنْ إنَاءٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ قُصُورَ ذَلِكَ، بَلْ نَقُولُ: مَا دَامَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً فَالْمَحِلُّ لَمْ يَطْهُرْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي طَهَارَةِ الْمَحِلِّ مَعَ نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا رُفِعَ بِهِ حَدَثٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ طَهُورًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ طَهُورٌ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَقْوَى. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمَاءَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ لَا يُؤَثِّرُ تَغَيُّرُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمُوا بِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلٌ يُؤَثِّرُ.، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِوَصْفٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ لُغَةً وَشَرْعًا. وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُ امْرَأَةٌ فَهُوَ طَهُورٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ السَّامِرِيُّ، حَيْثُ اقْتَضَى كَلَامُهُ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ، مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الرَّجُلِ بِهِ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِنَّمَا قَالَ أَوَّلًا: هُوَ طَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ

يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَحُكِمَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ أَوَّلًا. ثُمَّ هَلْ يَكُونُ طَهُورًا مَعَ كَوْنِهِ طَاهِرًا؟ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ " فَهُوَ طَاهِرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ " وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ، لِكَوْنِهِمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ طَاهِرٌ. وَمَعَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ حَكَوْا الْخِلَافَ. فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الطَّاهِرِيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ الطَّهُورِيَّةُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ عُبَيْدَانَ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ، هِيَ أَضْعَفُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا كَاسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَعَلَيْهَا لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: مَنْعُ الرَّجُلِ مِنْ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ سِوَاهَا وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالرَّجُلِ. وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ. فَيَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى مُورِدِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ) . اعْلَمْ أَنَّ فِي مَعْنَى " الْخَلْوَةِ " رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَدَمُ الْمُشَاهَدَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمُخْتَارَةُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنُزُولُ الْخَلْوَةِ بِالْمُشَاهَدَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى " الْخَلْوَةِ " انْفِرَادُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، سَوَاءٌ شُوهِدَتْ أَمْ لَا، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي، وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُذْهَبِ. وَتَزُولُ الْخَلْوَةُ بِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَزُولُ حُكْمُ الْخَلْوَةِ بِمُشَاهَدَةِ مُمَيِّزٍ، وَبِكَافِرٍ وَامْرَأَةٍ. فَهِيَ كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَظْمِهِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَأَلْحَقَ السَّامِرِيُّ الْمَجْنُونَ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ خَطَأٌ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ: وَلَمْ يَرَهَا ذَكَرٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ. وَقِيلَ: أَوْ عَبْدٍ. وَقِيلَ: أَوْ مُمَيِّزٍ. وَقِيلَ: أَوْ مَجْنُونٍ. وَهُوَ خَطَأٌ. وَقِيلَ: إنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهَا مِنْهُ أُنْثَى أَوْ كَافِرٌ فَوَجْهَانِ. انْتَهَى تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: " قَوْلُهُ بِالطَّهَارَةِ " يَشْمَلُ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. أَمَّا الْحَدَثُ: فَوَاضِحٌ وَأَمَّا خَلْوَتُهَا بِهِ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ كَالْحَدَثِ. فَلَا تُؤَثِّرُ

خَلْوَتُهَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا، جَوَازُ الْوُضُوءِ بِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الْأَصَحِّ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِي: شَمِلَ قَوْلُهُ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ، كَالتَّجْدِيدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ. فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا فِي بَعْضِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: خَلْوَتُهَا فِي بَعْضِ الطَّهَارَةِ كَخَلْوَتِهَا فِي جَمِيعِهَا.، اخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " أَنَّهَا لَوْ خَلَتْ بِهِ لِلشُّرْبِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: وَلَا يُكْرَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَالِيَةِ بِهِ لِلطَّهَارَةِ.

الْخَامِسُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ، فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا بِهِ فِي التَّنْظِيفِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَلَا غَسْلُهَا ثَوْبَ الرَّجُلِ وَنَحْوَهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: وَلَمْ يُكْرَهْ. السَّادِسُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مِنْهُ " يَعْنِي مِنْ الْمَاءِ: أَنَّهَا إذَا خَلَتْ بِالتُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ: أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. السَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلَا بِهِ لَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهُ مَنْعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بِمَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَمْنَعُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِالْمَاءِ الرَّجُلَ. وَقِيلَ: بَلَى. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قُلْت: فِي صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ عَنْهُ نَظَرٌ. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ نَقْلِهِ: فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ. وَلَا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. الثَّامِنُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّ خَلْوَةَ الْمُمَيِّزَةِ: لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَإِنَّهُ قَالَ " مُكَلَّفَةٍ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: خَلْوَةُ الْمُمَيِّزَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: أَوْ رَفَعَتْ بِهِ مُسْلِمَةٌ حَدَثًا. التَّاسِعُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " امْرَأَةٍ " الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا " امْرَأَةٌ " وَهُوَ أَحَدُ

الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا " مُسْلِمَةٌ "، قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي خَلْوَةِ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ وَمَنْ بَعْدَهُ: احْتِمَالًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَبَيْنَ الْغُسْلِ. فَتُؤَثِّرُ خَلْوَةُ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، دُونَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَمْ يُفِدْ إبَاحَةَ شَيْءٍ. الْعَاشِرُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ الْخُنْثَى فِي الْخَلْوَةِ كَالْمَرْأَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الْحَادِيَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّجُلِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَلْ يَلْحَقُ الصَّبِيُّ بِالْمَرْأَةِ، أَوْ بِالرَّجُلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الثَّانِيَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ كَالرَّجُلِ.، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَلْ يَلْحَقُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بِالرَّجُلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: عُمُومُ قَوْلِهِ " الطَّهَارَةُ " يَشْمَلُ الْحَدَثَ وَالْخَبَثَ. أَمَّا الْحَدَثُ:

فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْخَبَثُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ كَالْحَدَثِ. فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةَ فِي تَعْلِيقِهِ. وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ [وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَحَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، غَيْرَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى الطَّهَارَةُ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. فَقَالَ " طَهُورٌ. وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ هُنَا وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قُلْنَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مَحِلُّهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ أَوْ طَاهِرٌ. أَمَّا إنْ قُلْنَا " إنَّهُ طَاهِرٌ " فَلَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَرِوَايَتَانِ. وَقِيلَ مَعَ طَهُورِيَّتِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ طَهُورٌ أَوْ طَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهَا التَّطْهِيرُ بِهِ يَعْنِي الْخَالِيَةَ بِهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ بَقِيَ طَهُورًا. وَإِلَّا فَلَا. وَفِي جَوَازِ تَطَهُّرِ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِهِ إذَنْ: وَجْهَانِ. وَفِي جَوَازِ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ بِهِ إذَنْ: رِوَايَتَانِ وَقِيلَ: بَلْ مُطْلَقًا. وَقِيلَ إنْ قُلْنَا: هُوَ طَهُورٌ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. فَحُكِيَ خِلَافًا فِي جَوَازٍ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، السَّادِسَ عَشَرَ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْخَالِيَةِ بِهِ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: إنْ بَقِيَ طَهُورًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. فَدَلَّ أَنَّ فِي بَاطِنِهِ قَوْلًا: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، قُلْت: هُوَ قَوْلٌ سَاقِطٌ. فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِحُّ لَهَا طَهَارَةٌ أَلْبَتَّةَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. السَّابِعَ عَشَرَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ الْخَالِيَةُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْغَالِبِ: أَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ مَنْعًا، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْكَثِيرُ كَالْقَلِيلِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ خُلِطَ طَهُورٌ بِمُسْتَعْمَلٍ، فَإِنْ كَانَ لَوْ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ غَيَّرَهُ: أَثَّرَ مَنْعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ عِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ لِأَكْثَرِهِمَا مِقْدَارًا اعْتِبَارًا بِغَلَبَةِ أَجْزَائِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ كَانَ خَلًّا أَثَّرَ مَنْعًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَقَدْ تَحَكَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ الْوَقْعُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ خَلًّا غَيْرَ مَنْعٍ، إذْ الْخَلُّ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَّ أَحْمَدَ فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ.

وَمِنْهَا: لَوْ بَلَغَ بَعْدَ خَلْطِهِ قُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ، فَهُوَ طَاهِرٌ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: طَهُورٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ طَهُورِيَّةَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا انْضَمَّ وَصَارَ قُلَّتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ، فِيمَا إذَا كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ: احْتِمَالَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، فَخَلَطَهُ بِمَائِعٍ: لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَتَطَهَّرَ مِنْهُ وَبَقِيَ قَدْرُ الْمَائِعِ أَوْ دُونَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ اسْتَعْمَلَ الْجَمِيعَ جَازَ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، وَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ: جَازَ اسْتِعْمَالُهُ. وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَوْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْجَامِعِ. وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَائِعَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: حَكَى فِي الْمُغْنِي الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ أَرَ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَلَكِنْ فَرَضَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ. وَرَدَّ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ بِرَدٍّ حَسَنٍ. وَمِنْهَا: مَتَى تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطَاهِرٍ، ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ: عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ " الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا نَجُسَ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ " مُرَادُهُ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَهُوَ يَسِيرٌ. فَهَلْ يَنْجُسُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: يَنْجُسُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا،

وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا نَجَاسَتُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ أَصَحُّ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَنْجُسُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يَنْجُسُ مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَيَنْجُسُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَالْمُخْتَارَةُ لِلْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا فَهُوَ نَجِسٌ ". تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: عُمُومُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَقْتَضِي سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا الطَّرْفُ أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَى أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: طَهَارَةَ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَاخْتَارَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَعُمُومُهَا أَيْضًا يَقْتَضِي سَوَاءٌ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ أَمْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ النَّجَاسَةُ نَجُسَ. وَإِلَّا فَلَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْجُسُ. اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا، وَابْنُ الْمُنَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَنَصَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّ اخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ الْجَوْزِيِّ

وَأَبُو نَصْرٍ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ يَسِيرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْفَى يَسِيرُ الرَّائِحَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَشَدَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ قُلْت نَصَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَظُنُّ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَابْنِ الْقَيِّمِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. الثَّانِي: هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. أَمَّا الْجَارِي: فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالرَّاكِدِ، إنْ بَلَغَ جَمِيعُهُ قُلَّتَيْنِ: دَفَعَ النَّجَاسَةَ إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ أَشْهَرُ [قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْهُومِ: هَلْ هُوَ عَامٌّ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ فِي التَّنَجُّسِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: لَا يُنَجِّسُ قَلِيلُهُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ. فَإِنْ قُلْنَا يُنَجِّسُ قَلِيلُ الرَّاكِدِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: هُوَ أَقْيَسُ وَأَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يُنَجِّسُ قَلِيلٌ جَارٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِنَفْسِهَا. اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ: هِيَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ. وَاخْتَارَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ، لِقِلَّةِ مَا يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ. إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ كَبِيرٍ وَشَعْرَةٌ مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرِ، لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ لِقِلَّتِهِ، وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً. فَيُعَايَى بِهَا [وَلَكِنْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ذَلِكَ، وَسَوَّوْا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَةِ الْمُمْتَدَّةِ] .

فَائِدَةٌ: لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَوَائِدُ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي أَوَّلِ قَوَاعِدِهِ. مِنْهَا: إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَعَلَى الْأُولَى: يُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا. فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَتْ. وَمِنْهَا: لَوْ غُمِسَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ فِي مَاءٍ جَارٍ، وَمَرَّتْ عَلَيْهِ سَبْعُ جَرَيَاتٍ، فَهَلْ هُوَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ سَبْعٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. حَكَاهُمَا أَبُو حَسَنِ بْنُ الْغَازِي تِلْمِيذُ الْآمِدِيِّ. وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ لِلْقَاضِي: أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ وَعَصَرَهُ عَقِيبَ كُلِّ جَرْيَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ جَارٍ لِلْوُضُوءِ، وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ مُتَوَالِيَةً. فَهَلْ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ حَدَثُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّاكِدِ وَالْجَارِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قُلْت بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. وَأَنَّهُ إذَا انْغَمَسَ فِي دِجْلَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَقِفُ فِي هَذَا الْمَاءِ، وَكَانَ جَارِيًا: لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ: لَا سِيَّمَا وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لَهُ. وَالْأَيْمَانُ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: " الْجَرْيَةُ " مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَزَادَ الْمُصَنِّفُ:

مَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةً أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا. وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ، فَجَزَمَ بِهِ هُوَ وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ " الْجَرْيَةُ " مَا فِيهِ النَّجَاسَةُ. وَقَدْرُ مِسَاحَتِهَا: فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا، وَيَمْنَتَهَا وَيَسْرَتَهَا. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ امْتَدَّتْ النَّجَاسَةُ فَمَا فِي كُلِّ جَرْيَةٍ نَجَاسَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَا بِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: الْكُلُّ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. الثَّالِثَةُ: مَتَى تَنَجَّسَتْ جَرْيَاتُ الْمَاءِ بِدُونِ التَّغَيُّرِ. ثُمَّ رَكَدَتْ فِي مَوْضِعٍ. فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ، إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ كَثِيرٌ طَاهِرٌ، لَاحِقٌ أَوْ سَابِقٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقِيلَ: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا كَانَ يَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْجَارِي مِنْ الْمَطَرِ عَلَى الْأَسْطِحَةِ وَالطُّرُقِ، إنْ كَانَ قَلِيلًا وَفِيهِ نَجَاسَةٌ: فَهُوَ نَجِسٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُنَجَّسُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَغَيْرِهِمْ. لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يُنَجِّسْ. فِي أَصَحِّ

الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: عَدَمُ النَّجَاسَةِ أَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَالْأُخْرَى: يُنَجِّسُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ. فَلَا يُنَجِّسُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ. اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْقَاضِي. وَقَالَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَشُيُوخُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُونَ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هِيَ الْأَشْهَرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُتَوَسِّطِينَ أَيْضًا، كَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي التَّلْخِيصِ إلَّا بَوْلَ الْآدَمِيِّ فَقَطْ. وَرَوَى صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَهُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا) بَوْلُ الْآدَمِيِّ بِلَا رَيْبٍ. بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَذِرَةِ. فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْآدَمِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مُصَرِّحِينَ بِهِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ كُلَّ بَوْلٍ نَجِسٍ حُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِ الْأَدَمِيِّ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَوْ كُلُّ نَجَاسَةٍ يَعْنِي كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَأَدْخَلَ غَيْرَهُمَا. وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ. تَنْبِيهٌ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنْ تَكُونَ الْعَذِرَةُ مَائِعَةً. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قَطَعَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ لِابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي

وَالْفُصُولِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَائِعَةً أَوْ رَطْبَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَتْ يَابِسَةً وَذَابَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَذُبْ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ) اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مِقْدَارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ. صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ إمَامِنَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا تَحْدِيدَ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِمَصَانِعِ مَكَّةَ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ. قَالَ: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَدِّرُونَهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ. وَقَدَّرَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ بِالْمَصَانِعِ الْكِبَارِ، كَاَلَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْكَثِيرِ بِنَجَاسَةٍ: فَبَاقِيهِ طَهُورٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْجَمِيعُ نَجِسٌ، وَقَدَّمَهُ

ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْبَاقِي طَهُورٌ، وَإِنْ قَلَّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِطَاهِرٍ، فَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ. وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْمُتَغَيِّرُ طَاهِرٌ. فَإِنْ زَالَ فَطَهُورٌ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ وَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الطَّاهِرِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لَكِنْ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْأَحْدَاثِ وَإِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، وَلَا فِي طَهَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ التَّطْهِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مُبَاحٌ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا غَمَسَ يَدَهُ. وَقُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شُرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى وَالنَّجِسُ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ. إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَهُورٌ وَلَا طَاهِرٌ، أَوْ لِعَطَشِ مَعْصُومٍ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ تُؤْكَلُ أَوْ لَا. وَلَكِنْ لَا تُحْلَبُ قَرِيبًا، أَوْ لِطَفْءِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ. وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ، وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَرَّمَ الْحَلْوَانِيُّ اسْتِعْمَالَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ سَقْيَهُ لِلْبَهَائِمِ كَالطَّعَامِ النَّجِسِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ بِحَالٍ. بَلْ يُرَاقُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي الْمُتَغَيِّرِ. وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ عَيْنٍ نَجِسَةٍ، بِخِلَافِ قَلِيلٍ نَجِسٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ عَيْنِيَّةٌ. قُلْت: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا. وَهَذَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إذَنْ: أَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي

شَرْحِ الْعُمْدَةِ: لَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ عَيْنِيَّةً، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُجَاوِرَةٌ سَرِيعَةُ الْإِزَالَةِ لَا عَيْنِيَّةٌ. وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْضَمَّ إلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ كَثِيرٌ طُهْرُهُ، إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ إذَا كَانَ الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، إلَّا مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُتَنَجِّسُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَقُلْنَا: إنَّهُمَا لَيْسَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ قُلَّتَيْنِ طَهُورِيَّتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ [قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلُ] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا انْمَاعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ، فَهُوَ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ وَلَا يُطَهِّرُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. فَائِدَةٌ: " الْإِفَاضَةُ " صَبُّ الْمَاءِ عَلَى حَسْبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمَا. وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: الِاتِّصَالَ فِي صَبِّهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا. فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ، بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ: طَهُرَ) إذَا كَانَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ كَثِيرًا. فَتَارَةً يَكُونُ مُتَنَجِّسًا بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا: فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُطَهِّرُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا بِأَحَدِهِمَا. فَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إلَيْهِ، أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ مَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لَمْ يُطَهِّرْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُطَهِّرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكْثِهِ: طَهُرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا كَمَصَانِعِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: كَبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِطَهُورٍ يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَلَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهُ: لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ. وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَطْهُرُ الْكَثِيرُ النَّجِسُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَظْهَرُهُمَا يَطْهُرُ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: الْأَوْلَى يَطْهُرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ الْمُكْثُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَى التَّطْهِيرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ. وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ بِمُكْثِهِ بِحَالٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْهُرَ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " طَهُرَ " يَعْنِي: صَارَ طَهُورًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَا طَهُرَ مِنْ الْمَاءِ بِالْمُكَاثَرَةِ، أَوْ بِمُكْثِهِ: طَهُورٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ " أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ قَلِيلٌ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: تَطْهِيرُ الْمَاءِ بِالنَّزْحِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَحْوِيلِهِ، لِأَنَّ التَّنْقِيصَ وَالتَّقْلِيلَ يُنَافِي مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْكَثْرَةِ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا حُرِّكَ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ: طَهُرَ لَوْ كَانَ بِهِ قَائِلٌ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ غَيَّرَهُ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ: طَهُرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. لِاتِّصَافِهِ بِأَصْلِ التَّطْهِيرِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْمَاءُ الْمَنْزُوحُ طَهُورٌ، مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ وَأَرْضُهَا: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَجِبُ غَسْلُ الْبِئْرِ النَّجِسَةِ الضَّيِّقَةِ وَجَوَانِبِهَا وَحِيطَانِهَا. وَعَنْهُ: وَالْوَاسِعَةُ أَيْضًا. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الرِّوَايَتَانِ فِي الْبِئْرِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ: يَجِبُ غَسْلُهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ لَمْ يَطْهُرْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ، تَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا. وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا. وَكُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ: لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَطْهُرْ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَطْهُرَ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَابْنِ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ طَهُرَ. فَأَوْلَى أَنْ يَطْهُرَ [إذَا كَانَ يَطْهُرُ] بِمُخَالَطَتِهِ لِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: فَخَالَفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ الْيَسِيرِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَتَيْنِ فِي التُّرَابِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَأُضِيفَ إلَيْهِ مَاءٌ طَهُورٌ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ قُلَّتَيْنِ: فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ خَرَجَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، جَزَمَ هُنَا بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ تَخْرِيجًا: أَنَّهُ يَطْهُرُ، إلْحَاقًا وَجَعْلًا لِلْكَثِيرِ بِالِانْضِمَامِ كَالْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَخْرِيجِ الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى هَذَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى قُلَّةٍ نَجِسَةٍ، وَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَكْمُلْ بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهَا. وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يَطْهُرُ، وَخَرَّجَ فِي الْكَافِي: طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مِثْلِهَا. قَالَ: لِمَا ذَكَرْنَا.

وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْقَلِيلِ الْمُطَهَّرِ إذَا أُضِيفَ إلَى كَثِيرٍ نَجِسٍ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي فِيهِ نَظَرٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ زَوَالِ التَّغْيِيرِ بِنَفْسِهِ. قَالَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ " مُرَادُهُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ. وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ تُعْطِي رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ، كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ اجْتَمَعَ مِنْ نَجِسٍ وَطَاهِرٍ وَطَهُورٍ قُلَّتَانِ بِلَا تَغْيِيرٍ. فَكُلُّهُ نَجِسٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَقِيلَ: طَهُورٌ. وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا غَيْرَ الْمَاءِ تَنَجَّسَ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ أَصْلًا لَهُ، كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمَاءُ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. وَالْبَوْلُ هُنَا كَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُلْت: بَلْ أَشَدُّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ [وَقُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ] أَوْ طَاهِرٌ غَيَّرَهُ مِنْ الْمَاءِ نَجَاسَةٌ، لَمْ يَتَنَجَّسْ إذَا كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ [وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي نِهَايَتِهِ وَغَيْرِهِ] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنَجِّسَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةُ،

وَالْإِيضَاحُ، وَالْمُذْهَبُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى وَابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ: إنَّهُ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أَرْبَعُمِائَةٍ: قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَحَكَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ. انْتَهَى. قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةٍ نَقَلَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ رِطْلًا وَثُلُثَا رِطْلٍ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، وَعَنْهُ وَنِصْفٌ. وَعَنْهُ وَثُلُثٌ. وَالْقِرْبَةُ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: يَكُونُ الْقُلَّتَانِ مَا قُلْنَا. وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ الرِّوَايَاتِ فِيمَا تَسَعُ الْقُلَّةَ، وَمَا قُلْنَاهُ لَازَمَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِسَاحَةُ الْقُلَّتَيْنِ إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ: مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ. فَهُوَ سُبُعُ الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ، وَنِصْفُ سُبُعِهِ. وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ: نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِيهِ. وَلَمْ أَجِدْ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي إلَّا كَالْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقِيلَ: هُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ فِي الْمُغْنِي الْقَدِيمِ. وَقِيلَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ: وَالرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ الْآنَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَهُوَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ مِثْقَالًا. وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ

تِسْعُونَ مِثْقَالًا، زِنَتُهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ. فَزِيدَ فِيهَا مِثْقَالٌ لِيَزُولَ الْكَسْرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَكُونُ الْقُلَّتَانِ بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةَ رِطْلٍ وَسَبْعَةَ أَرْطَالٍ وَسُبُعُ رِطْلٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ، أَوْ تَحْدِيدٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَقْرِيبٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ تَقْرِيبٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَحْدِيدٌ، اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إذْ قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ: يَكُونُ تَقْرِيبًا. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ إذَا قُلْنَا: هُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ. وَاخْتَارَ: أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ تَحْدِيدٌ، وَالْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي التَّقْرِيبِ وَالتَّحْدِيدِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ جَارٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: هُمَا خَمْسُمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعُمِائَةٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْكَافِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.

الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ هُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَقْرِيبًا، أَوْ تَحْدِيدًا؟ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْخَمْسِمِائَةِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَرْبَعِمِائَةِ وَجْهَانِ. وَهِيَ الْمُقَدَّمَةُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. الثَّانِي: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ هُنَا وَجْهَيْنِ، وَكَذَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحَيْهِمَا. وَحُكِيَ الْخِلَافُ رِوَايَتَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَجْدِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الرِّوَايَتَانِ فِي الْخَمْسِمِائَةِ، وَالْوَجْهَانِ فِي الْأَرْبَعِمِائَةِ. وَقَدَّمَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ التَّحْدِيدَ لَمْ يُعْفَ عَنْ النَّقْصِ الْيَسِيرِ، وَالْقَائِلُونَ بِالتَّقْرِيبِ يُعْفَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِ الْمَاءِ قَدْرًا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ (الْفِقْهِيَّةِ) : وَهُوَ أَظْهَرُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ قَبِلَ قَوْلَهُ، إنْ عَيَّنَ السَّبَبَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَقْبَلُ مُطْلَقًا. وَمَشْهُورُ الْحَالِ: كَالْعَدْلِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْبُلُوغِ. وَقِيلَ: يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُمَيِّزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَلَا أَمَارَةَ: كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ. فَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ سَأَلَ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَقِيلَ: الْأَوْلَى السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ. وَقِيلَ: بِلُزُومِهِمَا. وَأَوْجَبَ الْأَزَجِيُّ إجَابَتَهُ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كَانَ نَجِسًا لَزِمَهُ الْجَوَابُ وَإِلَّا فَلَا. نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرِينَ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شَاقِلَا، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: إذَا قُلْنَا يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ. فَهَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ بِوَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ عُرْفًا، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِسْعَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَشَرَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. الْعُرْفَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَعُرْفًا، وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالتَّحَرِّي: إذَا كَانَ النَّجِسُ عُشْرَ الطَّاهِرِ: يَتَحَرَّى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِعَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ وَوَاحِدٍ نَجِسٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ: الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " يُشْعِرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ الطَّاهِرِ، أَوْ تَسَاوَيَا. وَلَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وِفَاقًا لِدَاوُدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ. وَسَحْنُونٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " فَدَلَّ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا مَوْجُودًا قَبْلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَ عَدَدُ النَّجِسِ أَكْثَرَ: فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ التَّحَرِّي، إلَّا تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفَائِقِ، مَعَ التَّسَاوِي، رَدًّا إلَى الْأَصْلِ. فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَوَابٍ لِتَصْحِيحِهِ.

فَأَجَابَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ. وَهُوَ مَجَازٌ سَائِغٌ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ كَلَامِهِ، وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ أَوْلَى مِنْ الْجَوَابَيْنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَقَيَّدَهُ. وَلَهُ فِي كِتَابِهِ مَسَائِلُ كَذَلِكَ، نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّحَرِّي: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ. فَقَدْ يُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ أَجَزْنَا لَهُ التَّحَرِّي، فَتَحَرَّى فَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَرَاقَهُمَا، أَوْ خَلَطَهُمَا بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ. انْتَهَى. قُلْت: فَلَوْ قِيلَ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ وَلَا خَلْطٍ. لَكَانَ أَوْجَهَ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمُشْتَبَهِ هُنَا كَعَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّى، قَوْلًا وَاحِدًا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: امْتَنَعَ مِنْ التَّيَمُّمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوا التَّيَمُّمَ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ. وَهُنَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.

مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ النَّجِسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِيَسِيرٍ. وَالطَّهُورُ قُلَّتَانِ فَأَكْثَرُ بِيَسِيرٍ، أَوْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَيَشْتَبِهُ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ النَّجَسُ غَيْرَ بَوْلٍ. فَإِنْ كَانَ بَوْلًا لَمْ يَتَحَرَّ، وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ عَلِمَ النَّجَسَ: لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، فَبَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ: لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ احْتَاجَ إلَى الشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَتَى شَرِبَ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَاهِرًا: فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. جَزَمَ فِي الْفَائِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وُجُوبَ الْغَسْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ. الْخَامِسَةُ: الْمَاءُ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ: كَالْمَاءِ النَّجِسِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى هُنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ وُضُوءًا، وَيُصَلِّي بِهِمَا مَا شَاءَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ إرَاقَتُهُمَا، أَوْ خَلْطُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ الْإِعْدَامُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ

ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ [وَالْعُمْدَةِ] وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الطَّلَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: أَرَاقَهُمَا. وَعَنْهُ: أَوْ خَلَطَهُمَا. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: خَلَطَهُمَا، أَوْ أَرَاقَهُمَا. وَعَنْهُ تَتَعَيَّنُ الْإِرَاقَةُ. وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ حُكْمَ الْخَلْطِ حُكْمُ الْإِرَاقَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلِمَ أَحَدٌ النَّجَسَ فَأَرَادَ غَيْرَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ: لَزِمَهُ إعْلَامُهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ النَّجَاسَةِ. وَفَرَضَهُ فِي إرَادَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إنْ إزَالَتُهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ: أَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ. إنْ لَمْ نَقُلْ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ غَيْرِ الْمَاءِ، كَالْمَائِعَاتِ وَنَحْوِهَا: فَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: حَرُمَ التَّحَرِّي بِلَا ضَرُورَةٍ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ كَامِلَيْنِ، مِنْ هَذَا وُضُوءًا كَامِلًا مُنْفَرِدًا، وَمِنْ

الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ [فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ] وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا، مِنْ هَذَا غَرْفَةٌ، وَمِنْ هَذَا غَرْفَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ: مَذْهَبُنَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وُضُوءًا وَاحِدًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. فَمَنْ يَقُولُ " يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ " لَا يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا. وَمَنْ يَقُولُ " وُضُوءًا وَاحِدًا: مِنْ هَذَا غَرْفَةٌ وَمِنْ هَذَا غَرْفَةٌ " يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ كَذَلِكَ مَعَ الطَّهُورِ الْمُتَيَقَّنِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " تَوَضَّأَ " أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِالتَّحَرِّي، إذَا اشْتَبَهَ الطَّهُورُ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ غَيْرِ الْمَاءِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ فَرْضَهُ وَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ. ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مُصِيبٌ. فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِي هَذَا الْمَاءِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّهُ طَهُورٌ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى. انْتَهَى.

قُلْت: هَذَا مُتَعَيِّنٌ. وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَمَتَى حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ أَوْ بِطَهُورِيَّتِهِ. فَمَا اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجِسٍ، أَوْ بِطَهُورٍ مِثْلِهِ. وَلَبِسَتْ الْمَسْأَلَةُ. فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْرِيجِ. وَمُرَادُ ابْنِ عَقِيلٍ: إذَا كَانَ الطَّاهِرُ مُسْتَعْمَلًا فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَالْمَسْأَلَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ، أَوْ وُضُوءًا وَاحِدًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ، إذَا قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ مُفْضٍ إلَى تَرْكِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ احْتَاجَ إلَى شُرْبٍ تَحَرَّى، وَشَرِبَ الْمَاءَ الطَّاهِرَ عِنْدَهُ. وَتَوَضَّأَ بِالطَّهُورِ ثُمَّ تَيَمَّمَ مَعَهُ احْتِيَاطًا، إنْ لَمْ يَجِدْ طَهُورًا غَيْرَ مُشْتَبِهٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَزَادَ صَلَاةً) . يَعْنِي: إذَا عَلِمَ عَدَدَ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى مَعَ كَثْرَةِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي انْتَهَى. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى، سَوَاءٌ قَلَّتْ الثِّيَابُ أَوْ كَثُرَتْ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ وَمُنَاظَرَاتِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقِيلَ: يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ بِلَا تَحَرٍّ. وَفِي

الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا بَانَ طَاهِرًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: يُكَرِّرُ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، كُلَّ مَرَّةٍ فِي ثَوْبٍ مِنْهَا بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَيَزِيدُ صَلَاةً، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَافِي: فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ فِي عَدَدِ النَّجِسِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ كَثُرَ عَدَدُ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ. وَنُقِلَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: يَتَحَرَّى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا الْأَمْكِنَةُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ. لَمْ يَتَحَرَّ لِلنِّكَاحِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَتَحَرَّى فِي عَشَرَةٍ. وَلَهُ النِّكَاحُ مِنْ قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ وَبَلْدَةٍ. وَفِي لُزُومِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ بَلَدٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ، وَيُمْنَعُ فِي عَشْرٍ. وَفِي مِائَةٍ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى فِي مِائَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِلَحْمِ أَهْلِ مِصْرَ أَوْ قَرْيَةٍ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ. مُنِعَ مِنْ التَّزَوُّجِ

باب الآنية

بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، حَتَّى يَعْلَمَ أُخْتَهُ مِنْ غَيْرِهَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَحَرَّى. وَلَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَتَحَرَّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالْحَرَامُ بَاطِنَا الْمَيْتَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُمَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ جَوَازِ التَّحَرِّي فِي اشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مِثْلِهِ فِي الْمَيْتَةِ بِالْمُذَكَّاةِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا شَاتَانِ: لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي. فَأَمَّا إذَا كَثُرْنَ: فَهَذَا غَيْرُ هَذَا. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: فَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. الرَّابِعَةُ: لَا مَدْخَلَ لِلتَّحَرِّي فِي الْعِتْقِ وَالصَّلَاةِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. [بَابُ الْآنِيَةِ] ِ تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ (كُلُّ إنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ) عَظْمُ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ. وَيُسْتَثْنَى الْمَغْصُوبُ. لَكِنْ لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ عُرِضَ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ الْغَصْبُ. قَوْلُهُ (يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ أَبَا الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيَّ كَرِهَ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءٍ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَصُفْرٍ. وَالنَّصُّ عَدَمُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ. وَأَبَا الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيَّ: كَرِهَ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءٍ ثَمِينٍ. كَبِلَّوْرٍ، وَيَاقُوتٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَحْتَمِلُ الْحَدِيدُ. وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (إلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمُضَبَّبِ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ،

وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْخِصَالِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِمَا، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّرْحِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا. وَذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اتَّخَذَ مِسْعَطًا، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مِجْمَرَةً، أَوْ مِدْخَنَةً ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً كُرِهَ، وَلَمْ يَحْرُمْ. وَيَحْرُمُ سَرِيرٌ وَكُرْسِيٌّ. وَيُكْرَهُ عَمَلُ خُفَّيْنِ مِنْ فِضَّةٍ. وَلَا يَحْرُمُ كَالنَّعْلَيْنِ. وَمَنَعَ مِنْ الشَّرْبَةِ وَالْمِلْعَقَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا حَكَاهُ. وَهُوَ غَرِيبٌ. قُلْت: هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. وَالنَّفْسُ تَأْبَى صِحَّةَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَاسْتِعْمَالُهَا) يَعْنِي: يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا، بَلْ يُكْرَهُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، لَا تَحْرِيمٍ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ مِنْهُمَا مَعَ قَوْلِهِ بِالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا: فَهَلْ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ،

وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْحَارِثِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْغَصْبِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْوَجِيزِ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا، جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَةٌ: الْوُضُوءُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ مِنْهَا، وَلَوْ جَعَلَهَا مَصَبًّا لِفَضْلِ طَهَارَتِهِ. فَهُوَ كَالْوُضُوءِ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ هُنَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْمُمَوَّهِ وَالْمَطْلِيِّ الْمُطَعَّمِ وَالْمُكَفَّفِ وَنَحْوِهِ بِأَحَدِهِمَا: كَالْمُصْمَتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ بَقِيَ لَوْنُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ. وَقِيلَ: وَاجْتَمَعَ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا حُكَّ حَرُمَ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُعْجِبُنِي الْحِلَقُ. وَعَنْهُ هِيَ مِنْ الْآنِيَةِ. وَعَنْهُ أَكْرَهُهَا وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: هِيَ كَالضَّبَّةِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الطَّهَارَةِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمَغْصُوبِ حُكْمُ الْوُضُوءِ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَعَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى إنَاءً بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الضَّبَّةُ يَسِيرَةً مِنْ الْفِضَّةِ) . اسْتَثْنَى لِلْإِبَاحَةِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً. لَكِنْ بِشُرُوطٍ. مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ ضَبَّةً، وَأَنْ تَكُونَ يَسِيرَةً، وَأَنْ تَكُونَ لِحَاجَةٍ. وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ فِي كَلَامِهِ أَوْمَأَ إلَيْهَا، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ الْفِضَّةِ. وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ

بِهَذِهِ الشُّرُوطِ. وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَأَمَّا مَا يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ: فَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ. فَائِدَةٌ: فِي " الضَّبَّةِ " أَرْبَعُ مَسَائِلَ، كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: يَسِيرَةٌ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتُبَاحُ. وَكَثِيرَةٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. فَلَا تُبَاحُ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِبَاحَةَ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِمَّا هِيَ فِيهِ. وَكَثِيرَةٌ لِحَاجَةٍ، فَلَا تُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفُرُوعِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِمَا، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَيَسِيرَةٌ لِحَاجَةٍ. فَلَا تُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نُصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَفُرُوعِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَإِنْ كَانَ التَّضْبِيبُ بِالْفِضَّةِ وَكَانَ يَسِيرًا عَلَى قَدْرِ حَاجَةِ الْكَسْرِ فَمُبَاحٌ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا تُبَاحُ الْيَسِيرَةُ لِزِينَةٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ،

وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتُبَاحُ الْيَسِيرَةُ لِغَيْرِهَا فِي الْمَنْصُوصِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْتَثْنَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَقَالَ: فِي الْيَسِيرِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَوْ لِحَاجَةٍ أَوْجُهٌ: التَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِبَاحَةُ. وَقِيلَ: فَرْقٌ بَيْنَ الْحَلْقَةِ وَنَحْوِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَيَحْرُمُ فِي الْحَلْقَةِ وَنَحْوِهَا، دُونَ غَيْرِهَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَتَقَدَّمَ النَّصُّ فِي الْحَلْقَةِ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ: يُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. فَائِدَةٌ: حَدُّ الْكَثِيرِ مَا عُدَّ كَثِيرًا عُرْفًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: مَا اسْتَوْعَبَ أَحَدَ جَوَانِبِ الْإِنَاءِ. وَقِيلَ: مَا لَاحَ عَلَى بُعْدٍ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " الْمُضَبَّبُ بِهِمَا " الضَّبَّةَ مِنْ الذَّهَبِ. فَلَا تُبَاحُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ لِحَاجَةٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الضَّبَّةِ الْيَسِيرَةِ مِنْ الذَّهَبِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ غَلِطَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. حَيْثُ حَكَتْ قَوْلًا بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ تَبَعًا فِي الْآنِيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَالتَّحَلِّي. وَهُمَا أَوْسَعُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يُبَاحُ الِاكْتِحَالُ بِمَيْلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا حَاجَةٌ. وَيُبَاحَانِ لَهَا. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّا أَيْضًا.

قَوْلُهُ (فَلَا بَأْسَ بِهَا إذَا لَمْ يُبَاشِرْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ) . الْمُبَاشَرَةُ: تَارَةً تَكُونُ لِحَاجَةٍ، وَتَارَةً تَكُونُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ أُبِيحَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: التَّحْرِيمُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَلَا تُبَاشَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَحَرَامٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي الْمُقْنِعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ. أَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَائِدَةٌ: الْحَاجَةُ هُنَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ غَيْرَ الزِّينَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: فِي ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ. وَهِيَ تُبِيحُ الْمُفْرَدَ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَتَى قَدَرَ عَلَى التَّضْبِيبِ بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَبِّبَ بِهَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقِيلَ: الْحَاجَةُ: عَجْزُهُ عَنْ إنَاءٍ آخَرَ، وَاضْطِرَارُهُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ، طَاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الِاسْتِعْمَالِ، مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي الْآنِيَةِ. وَعَنْهُ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَدَّمَ نَاظِمُ الْآدَابِ فِيهَا إبَاحَةَ الثِّيَابِ. وَقَطَعَ بِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَوَانِي الَّتِي قَدْ اسْتَعْمَلُوهَا. وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا مُطْلَقًا. وَعَنْهُ مَا وَلَّى عَوْرَاتِهِمْ، كَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِ لَا يُصَلِّي فِيهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فِي الْكِتَابِيِّ. فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ كَالْمَجُوسِ، وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنَحْوِهِمْ لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ مِنْ آنِيَتِهِمْ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ. وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ إلَّا الْفَاكِهَةُ وَنَحْوُهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. أَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ بِعَنْهُ، وَعَنْهُ، وَأَمَّا ثِيَابُهُمْ: فَكَثِيَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَدْخَلَ الثِّيَابَ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. وَمَنَعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى مِنْ اسْتِعْمَالِ ثِيَابِهِمْ قَبْلَ غَسْلِهَا. وَكَذَا مَا سَفَلَ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُهُمْ أَكْلُهُ، أَوْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، أَوْ يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفُرِ. فَقَالَ: أَوَانِيهِمْ نَجِسَةٌ. لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْخِرَقِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ قُدُورِ النَّصَارَى حَتَّى تُغْسَلَ. وَزَادَ الْخِرَقِيُّ: وَلَا أَوَانِي طَبْخِهِمْ، دُونَ أَوْعِيَةِ الْمَاءِ وَنَحْوِهَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُسْتَعْمَلُ قِدْرُ كِتَابِيٍّ قَبْلَ غَسْلِهَا

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَمُلَاقِي النَّجَاسَاتِ غَالِبًا وَثِيَابِهِمْ: كَمَنْ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ. وَحُكْمُ مَا صَبَغَهُ الْكُفَّارُ: حُكْمُ ثِيَابِهِمْ وَأَوَانِيهِمْ. الثَّانِيَةُ: بَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ. عِنْدَ جَمَاعَةٍ كَثِيَابِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ، وَالْآمِدِيُّ: أَبْدَانُ الْكُفَّارِ وَثِيَابُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ فِي الْحُكْمِ وَاحِدٌ، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ. وَزَادَ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَطَعَامُهُمْ. الثَّالِثَةُ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الْمُرْضِعَةِ وَالْحَائِضِ وَالصَّبِيِّ، مَعَ الْكَرَاهَةِ، قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. وَهِيَ تَخْرِيجٌ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَلْحَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى ثَوْبَ الصَّبِيِّ بِثَوْبِ الْمَجُوسِيِّ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَبْلَ غَسْلِهِ. وَحَكَى فِي الْقَوَاعِدِ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا، وَالْمَنْعُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ يَعْنِي النَّجِسَةَ بِالدِّبَاغِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. نَقَلَهَا عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَإِلَيْهَا مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ يَطْهُرُ جِلْدُ مَا كَانَ مَأْكُولًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَاخْتَارَهَا أَيْضًا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ الصَّاغَانِيِّ. وَرَدَّهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. وَقَالُوا: إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:

وَعَنْهُ الدِّبَاغُ مُطَهَّرٌ. فَعَلَيْهَا: هَلْ يُصَيِّرُهُ الدِّبَاغُ كَالْحَيَاةِ؟ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ: فَيَطْهُرُ جِلْدُ كُلِّ مَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ فِي الْحَيَاةِ، أَوْ كَالذَّكَاةِ؟ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ. فَلَا يَطْهُرُ إلَّا مَا تُطَهِّرُهُ الذَّكَاةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا: يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ، فَهَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ مَأْكُولًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، أَوْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ؟ فِيهِ لِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. أَحَدُهُمَا: يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَطْهُرُ إلَّا الْمَأْكُولُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ] قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِمَا، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْبَابِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي يَابِسٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فِي بَابٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " بَعْدَ الدَّبْغِ " هِيَ مِنْ زَوَائِدِ الشَّارِحِ. وَعَلَيْهَا شَرْحُ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَابْنِ مُنَجَّا، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ، مَعَ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْأُخْرَى: لَا يُبَاحُ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا قَبْلَ الدَّبْغِ: فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَقَدَّمَ هَذَا الْوَجْهَ الزَّرْكَشِيُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ قَبْلَ الدَّبْغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي الْيَابِسَاتِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ فِي الْيَابِسَاتِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ فِي الْيَابِسِ، وَسَدِّ الْبُثُورِ بِهَا وَنَحْوَهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلِ. وَقِيلَ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْيَابِسَاتِ. كَالْمَائِعَاتِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. فَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَوْ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ، بِأَنْ كَانَ يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَالَ: لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ. أَشْبَهَتْ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي ذَلِكَ، إنْ لَمْ يُنَجِّسْ الْعَيْنَ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ: يُبَاحُ دَبْغُهُ. وَعَلَى الْمَنْعِ: هَلْ يُبَاحُ دَبْغُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جَازَ أُبِيحَ الدَّبْغُ. وَإِلَّا احْتَمَلَ التَّحْرِيمَ، وَاحْتَمَلَ الْإِبَاحَةَ كَغَسْلِ

نَجَاسَةٍ بِمَائِعٍ وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ. كَذَا قَالَ الْقَاضِي. وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ) يَعْنِي: إذَا ذُبِحَ ذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ. بَلْ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا لِغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ كَانَ جِلْدَ آدَمِيٍّ. وَقُلْنَا يُنَجَّسُ بِمَوْتِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَهُ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ [وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْآدَمِيِّ إجْمَاعًا. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ انْتَهَى] قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَأْكُولًا وَغَيْرَ آدَمِيٍّ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي جِلْدِ الْآدَمِيِّ وَجْهَانِ: أَنَّهُ نَجِسٌ بِمَوْتِهِ. فَوَائِدُ مَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ اُنْتُفِعَ بِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ [وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْآدَمِيِّ إجْمَاعًا. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ انْتَهَى] . [وَفِيهِ رِوَايَةٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ] . وَيَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطْهُرْ بِدَبْغِهِ، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ الدَّبْغِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْبُيُوعِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ جَوَازَ بَيْعِهِ مَعَ نَجَاسَتِهِ كَثَوْبٍ

نَجِسٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. وَلَا فَرْقَ. وَلَا إجْمَاعَ كَمَا قِيلَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزِّبْلِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: هَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى بَيْعِ الْعَذِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ. لِأَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ النَّاسِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يُبَاحُ لُبْسُ جِلْدِ الثَّعَالِبِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ. فِيهِ نُصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ. وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُنَّ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ ابْنُ تَمِيمٍ [قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يُبَاحُ لُبْسُهُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ] وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافُ فِي هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي حِلِّهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي لُبْسِ جِلْدِ الثَّعْلَبِ رِوَايَتَانِ، وَيَأْتِي حُكْمُ حِلِّهَا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَيَأْتِي آخِرَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَهَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلِفًا فِي نَجَاسَتِهِ؟ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ افْتِرَاشُ جُلُودِ السِّبَاعِ، مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ يُبَاحُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَبَالَغَ حَتَّى قَالَ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِ الْكِلَابِ فِي الْيَابِسِ. وَسَدِّ الْبُثُوقِ وَنَحْوِهِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ دِبَاغًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ. وَالثَّالِثَةُ: فِي الْخَرَزِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ رِوَايَاتٍ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ، صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَرَاهَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ: وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَالْجَوَازَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.

وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خُرِّزَ بِهِ رَطْبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْأَقْيَسُ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ؛ لِإِفْسَادِ الْمَغْسُولِ. وَالرَّابِعَةُ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْمُنْخُلِ مِنْ شَعْرٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، ثُمَّ قَالَ: وَقُلْت يُكْرَهُ. فَوَائِدُ مِنْهَا: جَعْلُ مُصْرَانٍ وَتَرًا دِبَاغٌ. وَكَذَلِكَ الْكَرِشُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ فِيمَا يُدْبَغُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُنَشِّفًا لِلرُّطُوبَةِ، مُنَقِّيًا لِلْخَبَثِ، بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَفْسُدْ. وَزَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلرَّائِحَةِ وَالسَّهُوكَةِ. وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ رَائِحَةٌ، وَلَا طَعْمٌ، وَلَا لَوْنٌ خَبِيثٌ، إذَا انْتَفَعَ بِهِ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي الْمَائِعَاتِ. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ غَسْلُ الْمَدْبُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُشْتَرَطُ غَسْلُهُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَوَاشِي وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: اشْتِرَاطُ الْغَسْلِ أَظْهَرُ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَمِنْهَا: لَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِنَجِسٍ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَحْصُلُ بِهِ. وَيُغْسَلُ بَعْدَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ شُمِّسَ أَوْ تُرِّبَ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ: لَمْ يَطْهُرْ، قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَحَوَاشِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي التَّشْمِيسِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّشْمِيسِ فِي

الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهَانِ فِي تَتْرِيبِهِ، أَوْ رِيحٍ. فَكَأَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّتْرِيبِ. وَمِنْهَا: لَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إلَى فِعْلٍ. فَلَوْ وَقَعَ جِلْدٌ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ طَهُرَ. قَوْلُهُ (وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ جِلْدَةِ الْإِنْفَحَةِ حُكْمُ الْإِنْفَحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِنَجَاسَةِ الْجِلْدَةِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ اتِّفَاقًا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالنِّزَاعُ فِي الْإِنْفَحَةِ دُونَ جِلْدَتِهَا. وَقِيلَ: فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَعَظْمُهَا، وَقَرْنُهَا، وَظُفُرُهَا: نَجِسٌ) . وَكَذَا عَصَبُهَا وَحَافِرُهَا، يَعْنِي الَّتِي تُنَجِّسُ بِمَوْتِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ عَنْهُ طَاهِرٌ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ الطَّهَارَةَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ. وَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ، وَهُوَ الرُّطُوبَةُ. انْتَهَى. وَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ: أَنَّ مَا سَقَطَ عَادَةً، مِثْلُ قُرُونِ الْوُعُولِ: طَاهِرٌ. وَغَيْرُهُ نَجِسٌ. قَوْلُهُ (وَصُوفُهَا، وَشَعْرُهَا، وَرِيشُهَا طَاهِرٌ) . وَكَذَلِكَ الْوَبَرُ، يَعْنِي: الطَّاهِرَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: صُوفُ الْمَيْتَةِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ. وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. قَالَ: لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. وَقِيلَ: يَنْجُسُ شَعْرُ الْهِرِّ، وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ بِالْمَوْتِ، لِزَوَالِ عِلَّةِ الطَّوَافِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

فَائِدَةٌ: فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالرِّيشِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: النَّجَاسَةُ، وَالطَّهَارَةُ، وَالنَّجَاسَةُ مِنْ النَّجِسِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ الطَّاهِرِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ فَحُكْمُ شَعْرِهِ حُكْمُ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ: مَا كَانَ طَاهِرًا فَشَعْرُهُ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَمَا كَانَ نَجِسًا فَشَعْرُهُ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْحَيَاةِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ صُوفٍ، أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ، أَوْ رِيشٍ. فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَمَا كَانَ أَصْلُهُ مُخْتَلِفًا فِيهِ: خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَشَعْرُهَا وَصُوفُهَا وَوَبَرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ. وَعَنْهُ نَجِسٌ. وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لَا يُؤْكَلُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الصُّوفِ وَنَحْوِهِ: وَمُنْفَصِلُهُ فِي الْحَيَاةِ طَاهِرٌ. وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَكَذَلِكَ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ لَا يُؤْكَلُ. وَعَنْهُ مِنْ طَاهِرٍ: طَاهِرٌ انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ: طَاهِرَةٌ عَلَى الْمُقَدَّمِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: إدْخَالُ شَعْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ: أَنَّهُ طَاهِرٌ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قَدَّمَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَنَّ شَعْرَهُمَا نَجِسٌ. وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَهُمَا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي آخِرِ بَابِ اللِّبَاسِ. وَأَمَّا شَعْرُ الْآدَمِيِّ الْمُنْفَصِلُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: طَهَارَتُهُ قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ نَجَاسَتُهُ، غَيْرَ شَعْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْهُ نَجَاسَتُهُ مِنْ كَافِرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. طَهَارَةُ ظُفُرِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِنَجَاسَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقًا فِي بَابِ إزَالَةِ

باب الاستنجاء

النَّجَاسَةِ مِنْ الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَأْتِي فِي ذَلِكَ الْبَابِ حُكْمُ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا صَلُبَ قِشْرُ بَيْضَةِ الْمَيْتَةِ مِنْ الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ، فَبَاطِنُهَا طَاهِرٌ بِلَا نِزَاعٍ وَنُصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ فَهُوَ نَجِسٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ سُلِقَتْ الْبَيْضَةُ فِي نَجَاسَةٍ لَمْ تَحْرُمْ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. [بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ] ِ قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالنَّظْمُ، وَالْفُرُوعُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِمِ: وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. وَهِيَ اخْتِيَارُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُغْنِي. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَرْكُهُ أَوْلَى. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَعَلَّهُ أَقْرَبُ. انْتَهَى، وَقَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ، كَمُصْحَفٍ. وَفِي نُسَخٍ: لِمُصْحَفٍ. قُلْت: أَمَّا دُخُولُ الْخَلَاءِ بِمُصْحَفٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ دَخَلَ الْخَلَاءَ بِخَاتَمٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، جَعَلَ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَسَارِهِ أَدَارَهُ إلَى يَمِينِهِ لِأَجْلِ الِاسْتِنْجَاءِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا فِيهِ، نُصَّ عَلَيْهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي حَمْلِ الْحِرْزِ مِثْلُ حَمْلِ الدَّرَاهِمِ. قَالَ النَّاظِمُ: بَلْ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ مِنْ حَمْلِهَا. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ حَمْلَ الدَّرَاهِمِ فِي الْخَلَاءِ كَغَيْرِهَا فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَجَبٍ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِمِ: أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ. فَقَالَ فِي الدِّرْهَمِ: إذَا كَانَ فِيهِ " اسْمُ اللَّهِ " أَوْ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ اسْمُ اللَّهِ الْخَلَاءَ. انْتَهَى: قَوْلُهُ (وَلَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ) . إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ. وَهِيَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا يَتَكَلَّمُ) الْإِطْلَاقُ. فَشَمِلَ رَدَّ السَّلَامِ. وَحَمْدَ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ، وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ. وَكَرِهَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ: فَيُكْرَهُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمُذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَأَمَّا حَمْدُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ: فَيَحْمَدُ، وَيُجِيبُ بِقَلْبِهِ، وَيُكْرَهُ بِلَفْظِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ فِي الْخَلَاءِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْأَذَانِ.

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ: فَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِهَا فِيهِ. وَعَلَى سَطْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ يُتَّجَهُ عَلَى حَاجَتِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ فِي نَفْسِ الْخَلَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّعَوُّذِ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَمَنَعَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ الْجَمِيعِ. فَقَالَ: وَلَا يَتَكَلَّمُ بِرَدِّ سَلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ. لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا. انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ. دَلِيلُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ عُبَيْدَانَ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ قَدْ صَرَّحَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ تَصْرِيحٌ فِي ذَلِكَ. بَلْ كِلَاهُمَا مُحْتَمِلٌ كَلَامَ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْبَثُ فَوْقَ حَاجَتِهِ) . يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ. اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ سَتْرِهَا عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْمَجْدِ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لُبْثُهُ فَوْقَ حَاجَتِهِ: مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ. وَيُقَالُ: إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَاسُورَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالنُّكَتِ: وَهُوَ أَيْضًا كَشْفٌ لِعَوْرَتِهِ فِي خَلْوَةٍ

بِلَا حَاجَةٍ. وَفِي تَحْرِيمِهِ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَابْنِ تَمِيمٍ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا. أَنَّ اللُّبْثَ فَوْقَ الْحَاجَةِ أَخَفُّ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَإِنَّهُمَا جَزَمَا هُنَا بِالْكَرَاهَةِ. وَصَحَّحَ ابْنُ عُبَيْدَانَ التَّحْرِيمَ فِي كَشْفِهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا " لَمْ يَحْرُمْ " فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُكْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: جَازَ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَاك قَالَ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ حَالَ التَّخَلِّي. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. نَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ. قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَبُولُ فِي شِقٍّ وَلَا سَرَبٍ) يَعْنِي: يُكْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا طَرِيقٍ) يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالطَّرِيقِ هُنَا: الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا ظِلٍّ نَافِعٍ) يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ تَمِيمٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ) وَكَذَا مَوْرِدُ الْمَاءِ. فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ

الذَّهَبِ وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ: كُرِهَ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ: حَرُمَ. انْتَهَى. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهَا: الْكَرَاهَةُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ " وَبِقَوْلِهِ " قِيلَ: وَلَا يَبُولُ فِي شِقٍّ وَلَا سَرَبٍ " فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا نِزَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " مُثْمِرَةٍ " يَعْنِي عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ أَصْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُطَهِّرُهَا رِيحٌ وَلَا شَمْسٌ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مَجِيءُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ مَطَرٍ أَوْ سَقْيٍ: يُطَهِّرَانِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ، لَا سِيَّمَا فِيمَا تُجْمَعُ ثَمَرَتُهُ مِنْ تَحْتِهِ. كَالزَّيْتُونِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، إلَّا إذَا كَانَتْ رَطْبَةً، بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُثْمِرَةٍ " أَنَّ لَهُ أَنْ يَبُولَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنِّهَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَبُولُ تَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا غَيْرِ مُثْمِرَةٍ فَوَائِدُ: يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ تَحْرِيمَهُ فِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنَوَّرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي النِّهَايَةِ: يُكْرَهُ تَغَوُّطُهُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ. انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا. فَقَالَ: يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ. وَكَذَا التَّغَوُّطُ فِيهِ. وَيُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ جَارٍ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الْكَثِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ الْكَرَاهَةَ. انْتَهَى.

وَيَحْرُمُ التَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ، وَالنِّهَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ وَاقِفٍ. وَلَا يَتَغَوَّطُ فِي مَاءٍ جَارٍ. قُلْت: إنْ نَجُسَا بِهِمَا. انْتَهَى. وَيُكْرَهُ فِي إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَيُكْرَهُ فِي مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُبَلَّطٍ. وَلَا يُكْرَهُ فِي الْمُبَلَّطِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَقْبَرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: كَرَاهَةَ الْبَوْلِ فِي نَارٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُقَالُ يُوَرِّثُ السَّقَمَ. زَادَ فِي الْفُصُولِ: وَيُؤْذِي بِرَائِحَتِهِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَرَمَادٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: وَقَزْعٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَجَرِّدُ عَنْ النَّبْتِ مَعَ بَقَايَا مِنْهُ. وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا بِلَا حَاجَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ، إنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا وَنَاظِرًا. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَيَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ. كَرَوْثٍ وَعَظْمٍ وَنَحْوِهِمَا، وَعَلَى مَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ كَذَنَبِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَتَغَوَّطُ عَلَى مَا لَهُ حُرْمَةٌ، كَمَطْعُومٍ وَعَلَفِ بَهِيمَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُكْرَهُ تَغَوُّطُهُ عَلَى الطَّعَامِ، كَعَلَفِ دَابَّةٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ.

وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ عَلَى الْقُبُورِ. قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ: حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا: حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَقَالَ أَيْضًا: وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِمَا، كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي خِلَافِ الْقَاضِي. وَحَمْلُ النَّهْيِ حِينَ كَانَ قِبْلَةً. وَلَا يُسَمَّى بَعْدَ النَّسْخِ قِبْلَةً. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النَّسْخِ بَقَاءَ حُرْمَتِهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فِيهِ يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرِّيحَ دُونَ حَائِلٍ يَمْنَعُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي الْفَضَاءِ. وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ، وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ: رِوَايَتَانِ) اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ: جَوَازُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الْفَضَاءِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ،

وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ: هَذَا تَفْصِيلُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْهُدَى، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزَانِ فِيهِمَا. وَالرَّابِعَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْفَضَاءِ وَالْبُنْيَانِ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا. وَالْخَامِسَةُ: يَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ. وَحَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا فِي كَامِلِهِ وَجْهًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ الرِّيحُ فِي غَيْرِ جِهَتِهَا. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحَارِي. وَلَا يُمْنَعُ فِي الْبُنْيَانِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا فِي الْفَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبُنْيَانِ. جَازَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ فِي الْفَضَاءِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ: فَفِي جَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَفِي الِاسْتِدْبَارِ رِوَايَتَانِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَكْفِي انْحِرَافُهُ عَنْ الْجِهَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَمَعْنَاهُ فِي الْخِلَافِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَحَفِيدِهِ: لَا يَكْفِي. وَيَكْفِي الِاسْتِتَارُ بِدَابَّةٍ وَجِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

وَقِيلَ: لَا يَكْفِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا. كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ. وَمَالَ إلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا فِي فَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ وَاسْتِجْمَارٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا فَرَغَ مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ إلَى رَأْسِهِ. ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَظَاهِرُهُ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كُلُّهُ ثَلَاثًا. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُكْرَهُ السَّلْتُ وَالنَّتْرُ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي مَطْلَعِهِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " ثَلَاثًا " عَائِدٌ إلَى " مَسْحِهِ وَنَتْرِهِ " أَيْ يَمْسَحُهُ ثَلَاثًا. وَيَنْتُرُهُ ثَلَاثًا. صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا. وَقَوْلُهُ (مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ) هُوَ الدَّرْزَايُ مِنْ حَلْقَةِ الدُّبُرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَتَنَحْنَحُ، وَلَا يَمْشِي بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كُلُّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ. وَلَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَوْلًا: يُكْرَهُ نَحْنَحَةٌ وَمَشْيٌ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَسْوَسَةٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ: يَتَنَحْنَحُ. زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَيَمْشِي خُطُوَاتٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ بَوْلِهِ قَلِيلًا. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ بَصْقُهُ عَلَى بَوْلِهِ لِلْوَسْوَاسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: يُقَالُ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ. وَلَا يَسْتَجْمِرْ بِهَا) وَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ. فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَهُمَا وَجْهَانِ: وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) إنْ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ: أَجْزَأَهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: قِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ فِي الْفِضَّةِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ هُنَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ، دُونَ الِاسْتِجْمَارِ. وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِصِحَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِجْمَارِ. فَائِدَةٌ: قِيلَ: كَرَاهَةُ مَسِّ الْفَرْجِ مُطْلَقًا: أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ. قَالَ فِي رِوَايَتِهِ: أَكْرَهُ أَنْ يَمَسَّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ. وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ. وَقِيلَ: الْكَرَاهَةُ مَخْصُوصَةٌ بِحَالَةِ التَّخَلِّي، وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَتَرْجَمَ الْخَلَّالُ رِوَايَةَ صَالِحٍ كَذَلِكَ وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ: هَلْ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ . تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ فِي مَسِّ الْفَرْجِ وَالِاسْتِجْمَارِ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ: جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. فَائِدَةٌ: إذَا اسْتَجْمَرَ مِنْ الْغَائِطِ أَخَذَ الْحَجَرَ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ مِنْ الْبَوْلِ. فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ كَبِيرًا أَخَذَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: يَتَوَخَّى

الِاسْتِجْمَارَ بِجِدَارٍ، أَوْ مَوْضِعٍ نَاتِئٍ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ حَجَرٍ ضَخْمٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى إمْسَاكِهِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ جَعَلَ الْحَجَرَ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَتَنَاوَلَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَهُ بِهَا. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ، وَمَسَحَ بِشِمَالِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُمْسِك ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ. وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ الْمَسْحُ بِشِمَالِهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى، أَوْ بِهَا مَرَضٌ. فَفِي صِفَةِ اسْتِجْمَارِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يُمْسِكُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ، وَذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ، وَيَمْسَحُهُ بِهِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ. بَلْ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ، أَوْ سِبْقَةُ قَلَمٍ. فَإِنَّ أَقْطَعَ الْيُسْرَى لَا يُمْكِنُهُ الْمَسْحُ بِشِمَالِهِ، وَلَا مَسْكٌ بِهَا. وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْطَعَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي قَطْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا: هُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ. فَهُنَا سَقْطٌ. وَالنُّسْخَةُ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ. وَالْحُكْمُ فِي أَقْطَعِ الْيُسْرَى وَمَرِيضِهَا: جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْ مَوْضِعِهِ) مُرَادُهُ: إذَا خَافَ التَّلَوُّثَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ التَّلَوُّثَ: فَإِنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ. ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ جَمْعَهُمَا مُطْلَقًا أَفْضَلُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَظَاهِرُ

كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ الْجَمْعَ فِي مَحَلِّ الْغَائِطِ فَقَطْ أَفْضَلُ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجَرِ. فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَاءِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ فِي أَحَدِهِمَا وَيَسْتَجْمِرَ فِي الْآخَرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَحْجَارِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: وَعِنْدَ الْحَجَرِ أَفْضَلُ مِنْهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْخَلَّالُ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَاخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا: إلَّا أَنْ لَمْ يَعْدُوَ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ. فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْمَاءُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: إذَا تَعَدَّى الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ: وَجَبَ الْمَاءُ عَلَى الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَجْمِرْ فِي غَيْرِ الْمَخْرَجِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ: لَا يَسْتَجْمِرْ فِي غَيْرِ الْمَخْرَجِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَحَدُّ الْمَخْرَجِ: نَفْسُ الثَّقْبِ. انْتَهَى، وَاغْتَفَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: مَا تَجَاوَزَهُ تَجَاوُزًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَجْمِرُ فِي الصَّفْحَتَيْنِ وَالْحَشَفَةِ. حَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ

تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ فِي الصَّفْحَتَيْنِ وَالْحَشَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِلْعُمُومِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَحَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ مَا يَتَجَاوَزُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ: بِأَنْ يَنْتَشِرَ الْغَائِطُ إلَى نِصْفِ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ فَأَكْثَرَ، وَالْبَوْلُ إلَى نِصْفِ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ. فَإِذَنْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَرَجَتْ أَجْزَاءُ الْحُقْنَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ، وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الِاسْتِجْمَارُ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الذَّكَرَ: وَالْأُنْثَى، الثَّيِّبَ وَالْبِكْرَ. أَمَّا الْبِكْرُ: فَهِيَ كَالرَّجُلِ، لِأَنَّ عُذْرَتَهَا تَمْنَعُ انْتِشَارَ الْبَوْلِ فِي الْفَرْجِ. وَأَمَّا الثَّيِّبُ: فَإِنْ خَرَجَ بَوْلُهَا بِحِدَّةٍ وَلَمْ يَنْتَشِرْ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ تَعَدَّى إلَى مَخْرَجِ الْحَيْضِ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَجِبُ غَسْلُهُ كَالْمُنْتَشِرِ عَنْ الْمَخْرَجِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَ فِيهِ الْحَجَرُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ كَثِيرًا. وَالْعُمُومَاتُ تُعَضِّدُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: هَذَا إنْ قُلْنَا: يَجِبُ تَطْهِيرُ بَاطِنِ فَرْجِهَا، عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَتَكُونُ كَالْبِكْرِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ الْمَاءُ لِغَيْرِ الْمُتَعَدِّي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يَجِبُ الْمَاءُ لِلْمُتَعَدِّي وَلِغَيْرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَا: غَسْلًا. وَقَطَعَ بِهِ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي وَجِيزِهِ الْخِلَافَ

رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ لِلْمُتَعَدِّي وَلِغَيْرِهِ، مَعَ الِاتِّصَالِ دُونَ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَنَجَّسَ الْمَخْرَجَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ الْخَارِجِ، وَلَوْ بِاسْتِجْمَارٍ بِنَجِسٍ. وَجَبَ الْمَاءُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَهْمٌ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْحُقْنَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَفِي إجْزَاءِ الِاسْتِجْمَارِ عَنْ الْغَسْلِ الْوَاجِبِ فِيهِمَا وَجْهَانِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: يَبْدَأُ الرَّجُلُ وَالْبِكْرُ بِالْقُبُلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرَانِ. وَقِيلَ: الْبِكْرُ كَالثَّيِّبِ. وَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا الثَّيِّبُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالدُّبُرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: الْأَوْلَى بُدَاءَةُ الرَّجُلِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْقُبُلِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَفِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: التَّخْيِيرُ. وَالثَّانِي: الْبُدَاءَةُ بِالدُّبُرِ. وَأَطْلَقُوا الْخِلَافَ. وَصَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِقُبُلِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِأَيِّهِمَا شَاءَتْ، وَفِيهِ وَجْهٌ تَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِالدُّبُرِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَبْدَأُ الرَّجُلُ بِقُبُلِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِدُبُرِهَا. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرَانِ بَيْنَهُمَا. زَادَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: الْبِكْرُ تَتَخَيَّرُ. وَالثَّيِّبُ تَبْدَأُ بِالدُّبُرِ. وَمِنْهَا: لَوْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ [وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ] وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَنَصَرَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ فِيهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي

الْكَبِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إجْزَاءُ الْوَجْهَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَخْرَجُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَرَّحَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَا إذَا انْفَتَحَ الْمَخْرَجُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ. وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَانْفَتَحَ أَسْفَلُ الْمَعِدَةِ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ: لَمْ يَجُزْ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهَا: إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى نَجَاسَةٌ، لَمْ يُجْزِهِ الِاسْتِجْمَارُ. قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ، سَوَاءٌ كَانَ مُشْكِلًا أَوْ غَيْرَهُ، إذَا خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ وَفَرْجِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، يَعْنِي بِالْإِجْزَاءِ. وَمِنْهَا: لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَ مِنْ دَاخِلِ فَرَجِ ثَيِّبٍ فِي نَجَاسَةٍ وَجَنَابَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَجِبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ الْغُسْلِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا تُدْخِلْ يَدَهَا وَإِصْبَعَهَا، بَلْ تَغْسِلُ مَا ظَهَرَ. نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا اغْتَسَلَتْ فَلَا تُدْخِلْ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَرَادَ أَحْمَدُ مَا غَمُضَ فِي الْفَرْجِ، لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَعِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى ذَلِكَ يَخْرُجُ: إذَا خَرَجَ مَا احْتَشَّتْهُ بِبَلَلٍ: هَلْ يَنْقُضُ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ:

لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ ابْتَلَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الشُّفْرَيْنِ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا لَمْ يَنْقُضْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَسَادُ الصَّوْمِ بِدُخُولِ إصْبَعِهَا أَوْ حَيْضٍ إلَيْهِ، وَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُكْمَ طَرَفِ الْغُلْفَةِ كَرَأْسِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ: حَشَفَةُ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ أَظْهَرُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَمِنْهَا: الدُّبُرُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ. لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِنَحْوِ الْحُقْنَةِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَتِهِ. وَمِنْهَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ، يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ طَاهِرٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ [وَابْنُ رَزِينٍ] وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَّا الدَّمُ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ ". وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ اسْتَنْجَى: أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ كَمَنْ اسْتَجْمَرَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ يُنَقِّي، كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَالْخِرَقِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَخْتَصُّ الِاسْتِجْمَارُ بِالْأَحْجَارِ. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ الِاسْتِجْمَارِ بِالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَرِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اشْتِرَاطَ إبَاحَةِ الْمُسْتَجْمَرِ بِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

تَنْبِيهٌ: حَدُّ الْإِنْقَاءِ بِالْأَحْجَارِ: بَقَاءُ أَثَرٍ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَبِلَّتِهَا، بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْحَجَرُ نَقِيًّا لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرٌ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا. فَلَوْ بَقِيَ مَا يَزُولُ بِالْخِرَقِ لَا بِالْحَجَرِ أُزِيلَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي، وَالْإِنْقَاءُ بِالْمَاءِ خُشُونَةُ الْمَحَلِّ كَمَا كَانَ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: هُوَ ذَهَابُ لُزُوجَةِ النَّجَاسَةِ وَآثَارِهَا، وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَتَى بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ اكْتَفَى فِي زَوَالِهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (إلَّا الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ بِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: وَبِمَا نَهَى عَنْهُ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يُنَقِّي، بَلْ لِإِفْسَادِهِ. فَإِذَا قِيلَ: يَزُولُ بِطَعَامِنَا مَعَ التَّحْرِيمِ، فَهَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَالطَّعَامُ) . دَخَلَ فِي عُمُومِهِ: طَعَامُ الْآدَمِيِّ وَطَعَامُ الْبَهِيمَةِ. أَمَّا طَعَامُ الْآدَمِيِّ: فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ الْأَصْحَابُ. وَأَمَّا طَعَامُ الْبَهِيمَةِ: فَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَطَعَامِ الْآدَمِيِّ. مِنْهُمْ أَبُو الْفَرَجِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ الْإِجْزَاءَ بِالْمَطْعُومِ وَنَحْوِهِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ) . كَمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَكُتُبُ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ مَا يُخَالِفُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكُتُبٌ مُبَاحَةٌ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا: وَحِجَارَةُ الْحَرَمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حَرَمَ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ (وَمَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَجَوَّزَ الْأَزَجِيُّ الِاسْتِجْمَارَ بِذَلِكَ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَجْمَرَ بِمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْمُبَاحِ وَالرَّوْثِ وَالْعِظَامِ وَالطَّعَامِ. فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: إنْ اسْتَنْجَى بَعْدَهُ بِالْمَاءِ أَجْزَأَ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بَعْدَهُ بِمُبَاحٍ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ إنْ أَزَالَ شَيْئًا. وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاءَ وَعَدَمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الثَّالِثَ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُ طَرِيقَةً. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ: تَعَيَّنَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ الطَّاهِرِ: فَقَطَعَ الْمَجْدُ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِتْعَيْنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَفِي الْمُغْنِي: احْتِمَالٌ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ الْمُنَقِّي. جَازَ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ بِمُنَقٍّ، وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ مُحْتَرَمٍ، فَهَلْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَتَقَدَّمَ إذَا تَنَجَّسَ الْمَخْرَجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ الْخَارِجِ.

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِجِلْدِ السَّمَكِ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمُذَكَّى مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِالْمَدْبُوغِ مِنْهَا. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَيَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِحَشِيشٍ رَطْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْحَشِيشِ الْوَجْهَيْنِ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَيْفَمَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، أَجْزَأَ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ الْحَجَرَ الْأَوَّلَ مِنْ مُقَدِّمِ صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى مُؤَخِّرِهَا، ثُمَّ يُدِيرَهُ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. ثُمَّ يُمِرَّ الثَّانِيَ مِنْ مُقَدِّمِ صَفْحَتِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ. ثُمَّ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الْمَسْرَبَةِ وَالصَّفْحَتَيْنِ. فَيَسْتَوْعِبُ الْمَحَلَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ جِهَةٍ بِحَجَرٍ، لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ لِكُلِّ جِهَةٍ مَسْحَةٌ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَعُمَّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ بِحَجَرٍ مَرَّةً. وَعَنْهُ بَلْ كُلَّ جَانِبٍ مِنْهُ بِحَجَرٍ مَرَّةً، وَالْوَسَطَ بِحَجَرٍ مَرَّةً. وَقِيلَ: يَكْفِي لِكُلِّ جِهَةٍ مَسْحُهَا ثَلَاثًا بِحَجَرٍ، وَالْوَسَطِ مَسْحَةٌ ثَلَاثًا بِحَجَرٍ انْتَهَى. قَوْلُهُ (إمَّا بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الِاسْتِجْمَارِ الْحَجَرُ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ فَصَاعِدًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشِّيرَازِيُّ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ إلَّا الرِّيحَ) . شَمِلَ كَلَامُهُ الْمُلَوَّثَ وَغَيْرَهُ، وَالطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ. أَمَّا النَّجِسُ الْمُلَوَّثُ: فَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ. وَأَمَّا النَّجِسُ غَيْرُ الْمُلَوَّثِ وَالطَّاهِرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: بَلْ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِلْخَارِجِ الطَّاهِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: وَهُوَ وَاجِبٌ لِكُلِّ نَجَاسَةٍ مِنْ السَّبِيلِ [وَكَذَا قَيَّدَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيُجْزِئُ أَحَدُهُمَا لِسَبِيلٍ] نَجِسٍ بِخَارِجِهِ. قَالَ فِي التَّسْهِيلِ: وَمُوجِبُهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ سِوَى طَاهِرٍ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِلْخَارِجِ الطَّاهِرِ، وَلَا لِلنَّجِسِ غَيْرِ الْمُلَوَّثِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَالْقِيَاسُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ نَاشِفٍ لَا يُنَجِّسُ الْمَحَلَّ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخَارِجُ طَاهِرًا، كَالْمَنِيِّ إذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَلَا نَجَاسَةَ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَصَحُّ قِيَاسًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَكَيْفَ يَسْتَنْجِي أَوْ يَسْتَجْمِرُ مِنْ طَاهِرٍ؟ أَمْ كَيْفَ يَحْصُلُ الْإِنْقَاءُ بِالْأَحْجَارِ فِي الْخَارِجِ غَيْرِ الْمُلَوَّثِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا شَبِيهٌ بِالْعَبَثِ؟ وَهَذَا مِنْ أَشْكَلِ مَا يَكُونُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَايَى بِهَا. وَأَطْلَقَ الْوُجُوبَ وَعَدَمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ " إلَّا الرِّيحَ " يَعْنِي لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَوْجَبَهُ حَنَابِلَةُ الشَّامِ،

ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّرْفِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ نَوْمٍ وَرِيحٍ، وَإِنَّ أَصْحَابَنَا بِالشَّامِ قَالَتْ: الْفَرْجُ تَرْمُصُ كَمَا تَرْمُصُ الْعَيْنُ. وَأَوْجَبَتْ غَسْلَهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ الصَّرْفِيِّ. قُلْت: لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ بِعَيْنِهِ مِمَّنْ سَكَنَ الشَّامَ وَبِلَادَهَا قَالَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ " الِاسْتِنْجَاءُ " صَوَابُهُ: وَقَيَّدَ بِالِاسْتِنْجَاءِ. تَنْبِيهٌ: عَدَمُ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهَا لِمَنْعِ الشَّارِعِ مِنْهُ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَأَمَّا حُكْمُهَا، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ نَجِسَةٌ، فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ إنْ تَغَيَّرَ بِهَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ. هِيَ طَاهِرَةٌ لَا تُنْقَضُ بِنَفْسِهَا، بَلْ بِمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، فَتُنَجِّسُ مَاءً يَسِيرًا وَيُعْفَى عَنْ خَلْعِ السَّرَاوِيلِ لِلْمَشَقَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَفِي الْمُذْهَبِ وَجْهٌ بَعِيدٌ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ بِتَنْجِيسِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: هَذَا اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذَا أَشْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْجُمْهُورِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَا يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الصَّرْصَرِيُّ فِي نَظْمِ زَوَائِدِ الْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، أَوْ عَلَى السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ خَارِجَةٍ مِنْهُمَا: صَحَّ الْوُضُوءُ قَبْلَ زَوَالِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَهُ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ يَعْنِي تَخْرِيجَ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، عَلَى رِوَايَتَيْ: تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَجْهًا وَاحِدًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمَا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ: فَفِي التَّيَمُّمِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ، فَهُنَا أَوْلَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا: بُطْلَانُهُ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، لَا التَّيَمُّمُ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ قَبْلَهُ، وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ

الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ: هَلْ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي التَّيَمُّمِ: لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: صَحَّ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى غَسْلِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالْأَشْبَهُ الْجَوَازُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ قَالَ: إنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ حُكْمُهَا عَلَى الْفَرْجِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ [وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْفُصُولِ: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَعَ حِكَايَتِهِ لِلْخِلَافِ. وَأَطْلَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْكَافِي، وَالْحَوَاشِي، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ. فَإِنَّهُ يَسْتَفِيدُ فِي الْحَالِ مَسَّ الْمُصْحَفِ، وَلُبْسَ الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَمَّا يَسْتَنْجِي بِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَتَسْتَمِرُّ الصِّحَّةُ إلَى مَا بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ مَا لَمْ يَمَسَّ فَرْجَهُ، بِأَنْ يَسْتَجْمِرَ بِحَجَرٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، أَوْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ وَعَلَى يَدِهِ خِرْقَةٌ. فَإِنْ مَسَّ فَرْجَهُ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

باب السواك وسنة الوضوء

[بَابُ السِّوَاكِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ] ِ قَوْلُهُ (السِّوَاكُ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ. أَمَّا غَيْرُ الصَّائِمِ: فَلَا نِزَاعَ فِي اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ لَهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا الصَّائِمُ قَبْلَ الزَّوَالِ: فَإِنْ كَانَ بِسِوَاكٍ غَيْرِ رَطْبٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُوَاصِلِ. أَمَّا الْمُوَاصِلُ: فَتَتَوَجَّهُ كَرَاهَتُهُ لَهُ مُطْلَقًا. انْتَهَى. الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ. وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ الْوِصَالُ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ. فَلَا يُرْفَعُ الِاسْتِحْبَابُ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا فَيُبَاحُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، قَطَعَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الصِّيَامِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. نَقَلَهَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَا يُعْجِبُنِي السِّوَاكُ الرَّطْبُ. وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ اسْتِحْبَابُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. قَوْلُهُ (إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ. فَلَا يُسْتَحَبُّ) وَكَذَا قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ. وَهُوَ إحْدَى

الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يُكْرَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُكْرَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَيَحْتَمِلُ إبَاحَةً، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَوْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ " لَا قَائِلَ بِهِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. إذْ الْخِلَافُ فِي إبَاحَتِهِ مَشْهُورٌ، لَكِنَّ عُذْرَهُ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَعَدَمَهَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي النَّفْلِ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَإِلَيْهَا مَيْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظَمَهَا. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِغَيْرِ عُودٍ رَطْبٍ. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَإِذَا أَبَحْنَا لِلصَّائِمِ السِّوَاكَ: فَهَلْ يُكْرَهُ بِعُودِ رَطْبٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ بِالْعَشِيِّ. فَائِدَةٌ: مَنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى لِثَتِهِ وَلِسَانِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْإِفَادَاتِ. وَقَالَ فِي أَوَّلِهِ: يُسَنُّ كُلَّ وَقْتٍ عَلَى أَسْنَانِهِ وَلِثَتِهِ وَلِسَانِهِ. قَوْلُهُ (وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَالِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ. وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْعُمْدَةِ، وَزَادَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ: وَعِنْدَ الْوُضُوءِ: وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: وَعِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَزَادَ فِي التَّسْهِيلِ عَلَى ذَلِكَ،

وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى عَلَى ذَلِكَ: وَعِنْدَ الْغُسْلِ. وَقِيلَ: وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَدُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ، وَأَكْلِ مَا يُغَيِّرُ رَائِحَةَ الْفَمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَالْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَدُخُولِ الْمَنْزِلِ، وَالْمَسْجِدِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ السُّكُوتِ، وَخُلُوِّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَاصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ، وَتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنْ نَوْمِهِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْهِدَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَسْتَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ) التَّسَاوِي بَيْنَ جَمْعِ مَا يُسْتَاكُ بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ الْأَرَاكَ أَوْلَى. انْتَهَى. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ: أَنَّ أَرَاك الْبَرِّ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ الْأَرَاكِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْعُرْجُونِ، إلَّا لِتَعَذُّرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مِنْ أَرَاكٍ، وَزَيْتُونٍ، أَوْ عُرْجُونٍ. وَقِيلَ: أَوْ قَتَادٍ. وَاقْتَصَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَضُرُّهُ) كَالرَّيْحَانِ وَالرُّمَّانِ، وَالْعُودِ الزَّكِيِّ الرَّائِحَةِ، وَالطَّرْفَاءِ، وَالْآسِ، وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ التَّسَوُّكِ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَالتَّخَلُّلِ بِهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِالْقَصَبِ. دُونَ غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَاكَ بِإِصْبَعِهِ أَوْ بِخِرْقَةٍ فَهَلْ يُصِيبُ السُّنَّةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي الْإِصْبَعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُصِيبُ السُّنَّةَ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي.

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ: لَمْ يُصِبْ السُّنَّةَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُصِيبُ السُّنَّةَ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَته. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: السِّوَاكُ سُنَّةٌ بِأَرَاكٍ لَا خِرْقَةٍ وَإِصْبَعٍ فِي وَجْهٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقِيلَ: يُصِيبُ بِقَدْرِ إزَالَتِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُصِيبُ السُّنَّةَ عِنْدَ عَدَمِ السِّوَاكِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَقِيلَ: لَا يُصِيبُ بِالْإِصْبَعِ، مَعَ وُجُودِ الْخِرْقَةِ. وَلَا يُصِيبُ بِالْخِرْقَةِ مَعَ وُجُودِ السِّوَاكِ. وَقِيلَ: يُصِيبُ السُّنَّةَ بِالْإِصْبَعِ فِي مَوْضِعِ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْخِرْقَةِ. وَعِنْدَ الْوُضُوءِ بِالْإِصْبَعِ. فَزَادَنَا وَجْهًا، وَهُوَ إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْخِرْقَةِ مُطْلَقًا، دُونَ الْإِصْبَعِ فِي غَيْرِ وُضُوءٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً. وَظَاهِرُ الْوَجِيزِ: إصَابَةُ السُّنَّةِ بِالْإِصْبَعِ فَقَطْ. فَإِنَّهُ قَالَ: بِإِصْبَعٍ أَوْ عُودٍ لَيِّنٍ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: وَلَا يُجْزِي بِالْإِصْبَعِ. وَقِيلَ: الْخِرْقَةُ وَالْمِسْوَاكُ فِي الْفَضْلِ. ثُمَّ الْإِصْبَعُ. قَوْلُهُ (وَيَسْتَاكُ عَرْضًا) يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَسْنَانِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: طُولًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُبْهِجِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: فَيُحْمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَمِ. فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ، لَكِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى الْمُغَايَرَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: طُولًا. وَقَالَ الشَّيْخُ، وَالشِّيرَازِيُّ: عَرْضًا وَمُرَادُهُ بِالشَّيْخِ الْمُصَنِّفُ وَفِي هَذَا النَّقْلِ نَظَرٌ بَيِّنٌ.

قَوْلُهُ (وَيَدَّهِنُ غِبًّا) يَعْنِي يَوْمًا وَيَوْمًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَيَّدَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَقَالَ: مَا لَمْ يَجِفَّ الْأَوَّلُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِعْلَ الْأَصْلَحِ بِالْبَلَدِ كَالْغَسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَفْعَلُهُ لِحَاجَةٍ، لِلْخُبْزِ، وَقَالَ: احْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الِادِّهَانَ يَكُونُ غِبًّا بِأَنَّهُ «عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا. وَنَهَى أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ» فَدَلَّ أَنْ يُكْرَهَ غَيْرُ غِبٍّ. تَنْبِيهٌ: فِي صِفَةِ قَوْلُهُ (يَكْتَحِلُ وِتْرًا) ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ يَكُونُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَصِفَتُهُ: أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وِتْرًا، كَوَاحِدٍ، وَثَلَاثٍ، وَخَمْسٍ. انْتَهَى. وَالثَّانِي: فِي الْيُمْنَى ثَلَاثَةٌ، وَفِي الْيُسْرَى اثْنَانِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: رُوِيَ يَقْسِمُ الْخَامِسَ فِي الْعَيْنَيْنِ. فَوَائِدُ جَمَّةٌ يُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الشَّعْرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إنْ شَقَّ إكْرَامُهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْسِلَهُ. وَيُسَرِّحَهُ وَيُفَرِّقَهُ، وَيَكُونَ إلَى أُذُنَيْهِ. وَيَنْتَهِيَ إلَى مَنْكِبَيْهِ، وَجَعَلَهُ ذُؤَابَةً. وَيُعْفِيَ لِحْيَتَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: مَا لَمْ يَسْتَهْجِنْ طُولَهَا. وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ. وَنَصُّهُ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ ذَلِكَ. وَأَخْذِ مَا تَحْتَ حَلْقِهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَتَرْكُهُ أَوْلَى. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَأَخَذَ أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبِيهِ وَعَارِضِيهِ. وَيَحُفُّ شَارِبَهُ، أَوْ يَقُصُّ طَرَفَهُ، وَحَفُّهُ أَوْلَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا. قَالَ

فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُسَنُّ حَفُّهُ، وَهُوَ طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ عَلَى الشَّفَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ إحْفَاءَهُ مِنْ أَصْلِهِ. انْتَهَى. وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَعَلَيْهِ: يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ، ثُمَّ إبْهَامِ الْيُسْرَى. ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: يَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْوُسْطَى، ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ كَذَلِكَ الْيُسْرَى. وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِسَبَّابَةِ يُمْنَاهُ بِلَا مُخَالَفَةٍ إلَى خِنْصَرِهَا، ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى. وَيَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا بَعْدَ قَصِّهَا تَكْمِيلًا لِلنَّظَافَةِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: وَقِيلَ إنَّ حَكَّ الْجَسَدِ بِهَا قَبْلَ الْغَسْلِ يَضُرُّهُ. وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ. قُلْت: قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُرَادُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَقِيلَ، يُخَيَّرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: إذَا قُلْنَا يَفْعَلُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيَكُونُ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَيْهَا فِي الْقَصِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَنْتِفُ إبْطَهُ، وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ، وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ. وَالتَّنْوِيرُ فِي الْعَانَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَجُوزُ حَلْقُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إزَالَتُهُ كَالنَّوْرَةِ. وَكَرِهَ الْآمِدِيُّ كَثْرَةَ التَّنْوِيرِ.

وَيَدْفِنُ ذَلِكَ كُلَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَفْعَلُهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ. وَلَا يَتْرُكُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ فَعَلَ كُرِهَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ: كَمْ مَرَّةً؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ. فَأَمَّا الشَّارِبُ: فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ. وَقِيلَ: عِشْرِينَ. وَقِيلَ: لِلْمُقِيمِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ لِلْمُسَافِرِ أَرْبَعِينَ. وَلِلْمُقِيمِ عِشْرِينَ. وَقِيلَ: فِيهِمَا عَكْسُهُ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشِّيبِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالتَّحْرِيمِ، لِلنَّهْيِ عَنْهُ. وَيَخْتَضِبُ، وَيُسْتَحَبُّ بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْفَخْرُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: وَلَا بَأْسَ بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: خِضَابُهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ مِنْ صُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ: سُنَّةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ بِسَوَادٍ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْغُنْيَةِ، وَالتَّلْخِيصِ: يُكْرَهُ بِسَوَادٍ فِي غَيْرِ حَرْبٍ. وَلَا يَحْرُمُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: يَحْرُمُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ. وَيَقُولُ مَا وَرَدَ. وَيَتَطَيَّبُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ بِمَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَعَكْسُهُ لِلْمَرْأَةِ. وَلَا يُكْرَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَيُكْرَهُ حَلْقُ رَأْسِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ الْحَلْقُ وَالْقَصُّ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمَانِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ حَلْقُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَأْتِي حُكْمُ حَلْقِ الْقَفَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْقَزَعِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الْخِتَانُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ.

وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَوْلَى، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هُوَ سُنَّةٌ لِلذُّكُورِ. قَوْلُهُ (مَا لَمْ يَخَفْهُ عَلَى نَفْسِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَا بَأْسَ أَنْ لَا يَخْتَتِنَ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوهُ بِفَرْضِ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ، مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَجِبُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ التَّلَفَ. فَإِنْ خِيفَ، فَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُخْتَنُ. فَظَاهِرُهُ: يَجِبُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَنْ يَتْلَفُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَشَى عَلَيْهِ لَمْ يُخْتَنْ. وَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: مَحَلُّ وُجُوبِهِ: عِنْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ الْخِتَانُ إذَا وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ. وَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَيَجِبُ خِتَانُ بَالِغٍ آمِنٍ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ، إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْخِتَانَ زَمَنَ الصِّغَرِ أَفْضَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، زَادَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إلَى التَّمْيِيزِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُسَنُّ مَا بَيْنَ سَبْعٍ إلَى عَشْرٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ عَشْرِ سِنِينَ، إذَا بَلَغَ سِنًّا يُؤْمَنُ فِيهِ ضَرَرُهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ

فِي الْعَقِيقَةِ: وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يُخْتَنَ يَوْمَ حَادِي عِشْرِينَ. فَإِنْ فَاتَ تُرِكَ حَتَّى يَشْتَدَّ وَيَقْوَى. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا. وَقَالَ: التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ الْخِتَانُ يَوْمَ السَّابِعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. وَكَذَا الْحُكْمُ مِنْ وِلَادَتِهِ إلَى يَوْمِ السَّابِعِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهِيَةَ الْأَكْثَرِ. وَمِنْهَا: يُؤْخَذُ فِي خِتَانِ الرَّجُلِ: جِلْدَةُ الْحَشَفَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَوْ أَكْثَرُهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا جَازَ. وَيُؤْخَذُ فِي خِتَانِ الْأُنْثَى جِلْدَةٌ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا لِلْخَبَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ فِي الْخِتَانِ كَالرَّجُلِ. فَيُخْتَنُ ذَكَرُهُ، وَإِنْ لَزِمَ الْأُنْثَى خُتِنَ فَرْجُهُ أَيْضًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا تُقْطَعُ الْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ. وَيُكْرَهُ ثَقْبُ أُذُنِ الصَّبِيِّ، إلَّا الْجَارِيَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي حَقِّهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْوَشْمِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَفْسُقُ بِهِ فِي الذَّكَرِ. وَفِي النِّسَاءِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَيَحْرُم نَمَصٌ، وَوَشَرٌ، وَوَشْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَيَحْرُمُ وَصْلُ شَعْرٍ بِشَعْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ

الْكَرَاهَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قِيلَ: يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ. وَفِي تَحْرِيمِ نَظَرِ شَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ، زَادَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ كَانَ بَائِنًا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: الْجَوَازُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَيَحْرُمُ وَصْلُهُ بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ وَصْلِ الشَّعْرِ: فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ: الصِّحَّةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ ذِمِّيَّةٍ. وَلَوْ قُلْنَا يَنْجَسُ الْأَدَمِيُّ بِالْمَوْتِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. وَلَوْ كَانَ نَجِسًا. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَلَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَعَنْهُ هِيَ كَالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ، إنْ أَشْبَهَهُ كَصُوفٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَلَا بَأْسَ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِشَدِّ الشَّعْرِ، وَأَبَاحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ النَّمَصَ وَحْدَهُ. وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّدْلِيسِ، أَوْ أَنَّهُ شِعَارُ الْفَاجِرَاتِ، وَفِي الْغُنْيَةِ وَجْهٌ يَجُوزُ النَّمَصُ بِطَلَبِ الزَّوْجِ. وَلَهَا حَلْقُهُ وَحَفُّهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَتَحْسِينُهُ بِتَحْمِيرٍ وَنَحْوِهِ. وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ حَفَّهُ كَالرَّجُلِ. فَإِنَّ أَحْمَدَ كَرِهَهُ لَهُ، وَالنَّتْفُ بِمِنْقَاشٍ لَهَا. وَيُكْرَهُ التَّحْذِيفُ وَهُوَ إرْسَالُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ. وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ. وَيُكْرَهُ النَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ أَحْمَدُ: لِتَغْمِسَ يَدَهَا غَمْسًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ. قُلْت: وَيُكْرَهُ التَّكْتِيبُ

وَنَحْوُهُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ وَجْهًا بِإِبَاحَةِ تَحْمِيرٍ وَنَقْشٍ وَتَطْرِيفٍ بِإِذْنِ زَوْجٍ فَقَطْ. انْتَهَى. وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْمَاشِطَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ: أَنَّ مَاشِطَةً قَالَتْ: إنِّي أَصِلُ رَأْسَ الْمَرْأَةِ بِقَرَامِلَ وَأُمَشِّطُهَا أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا. وَكَرِهَ كَسْبَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ التَّدْلِيسُ، وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُرْدَانِ. وَكَذَا عِنْدَهُ يَحْرُمُ تَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَنَحْوُهُ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يُكْرَهُ كَسْبُهَا. فَائِدَةٌ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَأَبُو طَالِبٍ. وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْجُمُعَةِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ حَنْبَلٌ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَحْتَجِمُ أَيْ وَقْتَ هَاجَ بِهِ الدَّمُ، وَأَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ. وَالْفَصْدُ فِي مَعْنَى الْحِجَامَةِ. وَالْحِجَامَةُ أَنْفَعُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ حَارٍّ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَالْفَصْدُ بِالْعَكْسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تُكْرَهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ. وَفِيهِ ضَعْفٌ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ أَبِي دَاوُد. لِاقْتِصَارِهِ عَلَى رِوَايَتِهِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ: تَرْكُهَا فِيهِ أَوْلَى. وَيَحْتَمِلُ مِثْلَهُ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ بِلَا نِزَاعٍ) وَهُوَ أَخْذُ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَتَرْكُ بَعْضِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ حَلْقُ وَسَطِ الرَّأْسِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ حَلْقُ بُقَعٍ مِنْهُ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ حَلْقُ الْقَفَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، زَادَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِحِجَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ. وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ (وَيَتَيَامَنُ فِي سِوَاكِهِ) أَمَّا الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الْفَمِ: فَمُسْتَحَبٌّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا أَخْذُ السِّوَاكِ بِالْيَدِ: فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: السُّنَّةُ إرْصَادُ الْيُمْنَى لِلْوُضُوءِ وَالسِّوَاكِ، وَالْأَكْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَالَ إلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِيَسَارِهِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا عَلِمْت إمَامًا خَالَفَ فِيهِ، كَانْتِثَارِهِ. وَرَّدَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الرِّوَايَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى حَرْبٍ. وَقَالَ: هِيَ تَصْحِيفٌ مِنْ الِاسْتِنْثَارِ بِالِاسْتِنَانِ. قَوْلُهُ (وَسُنَنُ الْوُضُوءِ عَشْرٌ: السِّوَاكُ بِلَا نِزَاعٍ، وَالتَّسْمِيَةُ) وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْخَلَّالُ: الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّهُ: لَا بَأْسَ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَته، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: التَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا: الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ، وَالتَّيَمُّمُ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. بَلْ أَكْثَرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ،

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ هِيَ فَرْضٌ لَا تَسْقُطُ سَهْوًا؟ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. أَوْ وَاجِبَةٌ تَسْقُطُ سَهْوًا؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَوْ ذَكَرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُسَمِّي وَيَبْنِي. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَطَعُوا بِهِ، وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا حَتَّى غَسَلَ عُضْوًا لَمْ يُعْتَدَّ بِغَسْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: إنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا حَتَّى غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ. فَإِنَّهُ يُسَمِّي وَيَبْنِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى وُضُوئِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. فَائِدَةٌ: صِفَةُ التَّسْمِيَةِ: أَنْ يَقُولَ " بِسْمِ اللَّهِ " فَلَوْ قَالَ " بِسْمِ الرَّحْمَنِ " أَوْ " بِسْمِ الْقُدُّوسِ " أَوْ نَحْوِهِ فَوَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّجْرِيدِ. وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ. قُلْت: الْأَوْلَى: الْإِجْزَاءُ، وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثَلَاثًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ) غَسْلُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ، لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ نَوْمٍ، أَوْ عَنْ غَيْرِ نَوْمٍ. فَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ نَوْمٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ

عَلَيْهِ أَحْمَدُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِهِمَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا يَغْسِلُهُمَا إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا، بَلْ يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ شَكَّ فِيهِمَا سُنَّ غَسْلُهُمَا، وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَتَهُمَا خُيِّرَ، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَوْمٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، أَوْ عَنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ عَنْ نَوْمِ النَّهَارِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ اسْتِحْبَابُ غَسْلِهِمَا. وَعَنْهُ: يَجِبُ غَسْلُهُمَا، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَحَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ هُنَا قَوْلًا، وَإِنْ كَانَ عَنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِمَا رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي شُرُوحِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَجِبُ غَسْلُهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ: وَيَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، بَلْ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُنَادِي، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْعُمْدَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ: وَحَيْثُ وَجَبَ الْغُسْلُ. فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ. قُلْت: وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ.

وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ سُقُوطَ غَسْلِهِمَا بِالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ عَلَى مَا يَأْتِي وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالنَّوْمِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِالنَّوْمِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصْفِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: غَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. فَعَلَى هَذَا: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي أَصَحِّ الْأَوْجُهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْتَبَرَانِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُعْتَبَرَانِ إنْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ دُونَ التَّسْمِيَةِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَلَى الصَّحِيحِ: لَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنْ نِيَّةِ غَسْلِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ. وَأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ. لَا مِنْ الْوُضُوءِ. وَقِيلَ: تُجْزِئُ. وَقِيلَ: غَسْلُهُمَا مُعَلَّلٌ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ، كَجَعْلِ الْعِلَّةِ فِي النَّوْمِ اسْتِطْلَاقَ الْوِكَاءِ بِالْحَدَثِ، وَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَقِيلَ: غَسْلُهُمَا مُعَلَّلٌ بِمَبِيتِ يَدِهِ مُلَابِسَةً لِلشَّيْطَانِ. الثَّالِثَةُ: إنَّمَا يُغْسَلَانِ لِمَعْنًى فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ: لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. وَفَسَدَ الْمَاءُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا إنَّمَا يُغْسَلَانِ لِأَجْلِ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ: ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَةً. فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ، وَلَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ. قَوْلُهُ (وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِمَا قَبْلَ الْوَجْهِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ وَبَعْدَهُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوُضُوءِ " هَلْ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِيَمِينِهِ؟ ".

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ: وَالْأَقْيَسُ وُجُوبُ تَرْتِيبِهِمَا، كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبَانِ بَيْنَهُمْ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ تَصْرِيحًا. وَفِي رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا حَتَّى صَلَّى، أَتَى بِهِمَا. وَأَعَادَ الصَّلَاةَ دُونَ الْوُضُوءِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُمَا بِالسُّنَّةِ. وَالتَّرْتِيبِ: إنَّمَا وَجَبَ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ مُعْتَضِدًا بِالسُّنَّةِ. وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَحْدَهَا. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ " وَالِاسْتِنْشَاقُ " لِلتَّرْتِيبِ، كَثُمَّ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ وُجُوبَهُ عَلَى قَوْلِنَا: لَمْ يَدُلَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا أَصَحُّ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ: سُنَّةٌ. إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: اسْتِحْبَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَحْدَهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَعَنْهُ تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ. وَقِيلَ: تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَحْدَهُ. اخْتَارَهَا ابْنُ شَاقِلَا. وَيُحْكَى رِوَايَةً. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ أَيْضًا. قَالَهُ الشَّارِحُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ،

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ: تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا فِي الْوُضُوءِ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ: إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ. فَزَادَ " أَكْثَرَهُ " وَلَا يَجْعَلُهُ وُجُوبًا. وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ: جَذْبُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ أَكْثَرُهُ، كَمَا قَالَ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ: لَا تَجِبُ الْإِدَارَةُ فِي جَمِيعِ الْفَمِ، وَلَا الِاتِّصَالُ إلَى جَمِيعِ بَاطِنِ الْأَنْفِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ فِي فَمِهِ مِنْ غَيْرِ إدَارَتِهِ. قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَكْفِي قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: الْمَضْمَضَةُ فِي الشَّرْعِ: وَضْعُ الْمَاءِ فِي فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا) يَعْنِي فَلَا تَكُونُ الْمُبَالَغَةُ سُنَّةً، بَلْ تُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْرُمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ بِصَوْمِ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) . إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً وَجَبَ غَسْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: اسْتِحْبَابُ

تَخْلِيلِهَا. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ كَالتَّيَمُّمِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِلْأَثَرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: يَجِبُ التَّخْلِيلُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: شَعْرُ غَيْرِ اللِّحْيَةِ كَالْحَاجِبَيْنِ، وَالشَّارِبِ، وَالْعَنْفَقَةُ، وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: مِثْلُ اللِّحْيَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ ذَلِكَ كُلِّهِ مُطْلَقًا. وَالثَّانِيَةُ: صِفَةُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ: أَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَيَضَعَهُ مِنْ تَحْتِهَا، أَوْ مِنْ جَانِبَيْهَا بِأَصَابِعِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، مُشَبَّكَةً فِيهَا. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. زَادَ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ: وَيَعْرُكُهَا. وَقِيلَ: يُخَلِّلُهَا مِنْ مَاءِ الْوَجْهِ، وَلَا يُفْرِدُ لِذَلِكَ مَاءً. قَالَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ غَسْلِهِمَا. وَإِنْ شَاءَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ {وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ} . يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: يُخَلِّلُ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. وَيَبْدَأُ مِنْ الرِّجْلِ الْيُمْنَى بِخِنْصَرِهَا. وَالْيُسْرَى بِالْعَكْسِ. زَادَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ: مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدَهُ الْيُمْنَى.

وَالثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي غَسْلِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَذَلِكَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ وَعَرْكُهَا. قَوْلُهُ {وَالتَّيَامُنُ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ التَّيَامُنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْفَخْرُ الرَّازِيّ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِوُجُوبِهِ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ هُنَا فِي حُكْمِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ: حَتَّى إنَّهُ يَجُوزُ غَسْلُ إحْدَاهُمَا بِمَاءِ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ {وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ} إنْ قُلْنَا: هُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَالصَّحِيحُ: اسْتِحْبَابُ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ لَهُمَا، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. بَلْ يَمْسَحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّخْلِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِي السُّنَنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: أَنَّ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ جَلِيَّةَ قَاضِي حَرَّانَ كَانَ يَخْتَارُ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، بَعْدَ مَسْحِهِمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ حَامِدٍ:

أَنَّهُمَا يَمْسَحَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، بَعْدَ أَنْ يَمْسَحَا بِمَاءِ الرَّأْسِ. قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. فَزَادَ: ابْنُ حَامِدٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ جَلَبَةَ قَاضِي حَرَّانَ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ مَسْحُهُمَا بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ يَمْسَحُهُمَا مَعًا. وَلَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قُلْت: صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِاسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْأُذُنِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ إذَا قُلْنَا: هُمَا مِنْ الرَّأْسِ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: هُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَيَجِبُ لَهُمَا مَاءٌ جَدِيدٌ فِي وَجْهٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ. الثَّانِي: تَقَدَّمَ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ: أَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ. وَذَكَرَ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ: أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مِنْ الْوَجْهِ يُغْسَلُ مَعَهُ. وَمَا أَدْبَرَ مِنْ الرَّأْسِ كَمَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَمَالَ إلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ " وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ بِلَا نِزَاعٍ " قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ حَتَّى لِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: يَعْمَلُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ بِالْأَقَلِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: يَعْمَلُ بِالْأَكْثَرِ. الثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَحْرُمُ. قَالَ ابْنُ

رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْوَجْهِ غَسْلَةً رَابِعَةً، تُصَبُّ مِنْ أَعْلَاهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُزَادُ فِي الرِّجْلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا. وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ. وَالثِّنْتَانِ أَفْضَلُ، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْأُولَى فَرِيضَةٌ. وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ. وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا قِيلَ لَك: أَيُّ مَوْضِعٍ تُقَدَّمُ فِيهِ الْفَضِيلَةُ عَلَى السُّنَّةِ؟ فَقُلْ: هُنَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. الرَّابِعَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُسَنُّ مَسْحُ الْعُنُقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْعُنُقِ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ. لَا يُسَنُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ فِي الْغُنْيَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ، وَأَبُو الْبَقَاءِ، وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمَسْحُ الْعُنُقِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالنَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْكَلَامُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ يُكْرَهُ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ: تَرْكُ الْأَوْلَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ: يَقُولُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ مَا وَرَدَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،

باب فرض الوضوء وصفته

لِضَعْفِهِ جِدًّا. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: أَمَّا الْأَذْكَارُ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَامَّةُ عَلَى الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ: فَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ كَذِبٌ عَلَيْهِ. - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَرَدُّ السَّلَامِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ وَلَا الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَى طُهْرٍ أَكْمَلَ. الْخَامِسَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ: يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ. قَالَ: وَلَا تَصْرِيحَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ لِكُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ. انْتَهَى. [بَابٌ فَرْضُ الْوُضُوءِ وَصِفَتُهُ] ُ قَوْلُهُ {تَرْتِيبُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى} ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّرْتِيبَ فَرْضٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَبَيْنَ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَأَخَذَ مِنْهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: رِوَايَةً بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ رَأْسًا. وَتَبِعَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ فِيهِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَبَى ذَلِكَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ. مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَمْ أَرَ عَنْهُ فِيهِ اخْتِلَافًا، قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ حَكَى رِوَايَةَ أَحْمَدَ: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي نَفْلِ الْوُضُوءِ، وَمَعْنَاهُ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. فَائِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: التَّرْتِيبُ، لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ. فَلَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ يَنْوِي

رَفْعَ الْحَدَثِ، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ أَجْزَأَهُ، إنْ مَسَحَ رَأْسَهُ. أَوْ قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْغَسْلِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَوْ لَمْ يُمِرَّ عَلَيْهِ إلَّا جَرْيَةً وَاحِدَةً لَمْ يُجْزِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ أَرَادَ الْوُضُوءَ فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ. ثُمَّ خَرَجَ. فَعَلَيْهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ جَارِيًا، فَمَرَّتْ عَلَيْهِ جَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ: أَنَّهُ يُجْزِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ انْغِمَاسُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ. فَإِنْ أَخْرَجَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَاءِ مُرَاعِيًا لِلتَّرْتِيبِ أَجْزَأَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرًا يَتَّسِعُ لِلتَّرْتِيبِ، وَقُلْنَا: يُجْزِيهِ غَسْلُ الرَّأْسِ عَنْ مَسْحِهِ، أَوْ مَسَحَهُ، ثُمَّ مَكَثَ بِرِجْلَيْهِ قَدْرًا يَسْعَ غَسْلَهُمَا أَجْزَأَهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، وَإِنَّ تَحَرُّكَهُ فِي الرَّاكِدِ يَصِيرُ كَالْجَارِي. فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ {وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ} . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ إحْدَاهَا: هِيَ فَرْضٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِقَوْلِهِ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ: فَإِنْ خَلَعَ قَبْلَ ذَلِكَ أَعَادَ الْوُضُوءَ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: إنَّهَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي فُرُوضِ الْوُضُوءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ الْمُوَالَاةَ. تَنْبِيهٌ: الرِّوَايَتَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعُودَانِ إلَى الْمُوَالَاةِ فَقَطْ. لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي

الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَمْ يَرَ عَنْهُ فِيهِ اخْتِلَافًا. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْهَادِي فَقَالَ: وَفِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ: رِوَايَتَانِ: وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. فَائِدَةٌ: لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بِالنِّسْيَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَسْقُطَانِ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالْعُذْرِ، وَالْجَهْلِ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَسْقُطُ الْمُوَالَاةُ بِالْعُذْرِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ. وَقَوَاعِدِ أَحْمَدَ، وَقَوَّى ذَلِكَ وَطَرَدَهُ فِي التَّرْتِيبِ. وَقَالَ: لَوْ قِيلَ بِسُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ كَمَا لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ فَقَطْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ زَالَ قَبْلَ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِغَسْلِهِ لَتَوَجَّهَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الَّذِي قَبْلَهُ} . مُرَادُهُ: فِي الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ. وَقَدَّرَهُ فِي غَيْرِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَنَصَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الْكُلُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ أَيُّ عُضْوٍ كَانَ. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ طُولُ الْمُكْثِ عُرْفًا. قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: وَيُوَالِي عُرْفًا. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهَذَا أَقْيَسُ.

قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُرَادُ مَنْ حَدّهَا بِحَدٍّ، وَيَكُونُونَ مُفَسِّرِينَ لِلْعُرْفِ بِذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ قَالَ مَعْنَاهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ طَالَ عُرْفًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ، أَوْ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ فِي الْعُضْوِ الْآخَرِ بِسُنَّةٍ كَتَخْلِيلٍ، أَوْ إسْبَاغٍ، أَوْ إزَالَةِ شَكٍّ. وَيَضُرُّ إسْرَافٌ، وَإِزَالَةُ وَسَخٍ وَنَحْوِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَأَطْلَقَا. وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، إذَا كَانَ إزَالَةُ الْوَسَخِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إزَالَةُ الْوَسَخِ. وَأَطْلَقُوا. وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا إذَا أَزَالَهَا لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ. وَلَا تَضُرُّ الْإِطَالَةُ لِوَسْوَسَةٍ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: تَضُرُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَضُرُّ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ إذَا طَالَتْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا تَضُرُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَضُرُّ الْإِطَالَةُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ، قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ لَا تَضُرُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: لَا يُشْتَرَطُ لِلْغَسْلِ مُوَالَاةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الِاشْتِرَاطَ كَالْوُضُوءِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ. وَمِنْهَا: إذَا قُلْنَا الْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ وَفَاتَتْ، أَوْ فَرَّقَ الْغُسْلَ، فَلَا بُدَّ لِإِتْمَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ: قُرْبُ الْفِعْلِ مِنْهَا، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ، كَمَا يَأْتِي فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فِي دُخُولِ مَكَّةَ، وَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْغُسْلِ قَوْلُهُ {وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا} . وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: النِّيَّةُ فَرْضٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَالنِّيَّةُ مِنْ فُرُوضِهَا. وَأَوَّلُوا كَلَامَهُ. وَقِيلَ: رُكْنٌ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: لَا يَظْهَرُ التَّنَافِي بَيْنَ الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهَا وَرُكْنِيَّتِهَا. فَلَعَلَّهُ حَكَى عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَجْهًا فِي الْمُذْهَبِ: أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ شَاذٌّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. قَالَ: وَقَدْ بَنَى الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ التَّجْدِيدَ: هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي آخِرِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ: هَلْ يَحْتَاجُ غَسْلُ الذِّمِّيَّةِ إلَى النِّيَّةِ، أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: هُوَ الصَّوَابُ، الْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا سِرًّا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ " أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ لِطَهَارَةِ الْخُبْثِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: شَرْطٌ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. وَحَكَى ابْنُ مُنَجَّا فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الْأَصْحَابَ

قَالُوهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْبَدَنِ، فَهِيَ شَرْطٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: فِي طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِصَوْبِ غَمَامٍ، أَوْ فِعْلِ مَجْنُونٍ، أَوْ طِفْلٍ: احْتِمَالَانِ. قَوْلُهُ {وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا} هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمَا: النِّيَّةُ هِيَ قَصْدُ الْمَنْوِيِّ. وَقِيلَ: الْعَزْمُ عَلَى الْمَنْوِيِّ. وَقِيلَ: إنْ نَوَى مَعَ الْحَدَثِ النَّجَاسَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ إنْ نَوَى مَعَ الْحَدَثِ التَّنَظُّفَ أَوْ التَّبَرُّدَ لَمْ يُجْزِئْهُ. فَائِدَةٌ: يَنْوِي مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ الِاسْتِبَاحَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ. وَقِيلَ: أَوْ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ قَالَ الْمَجْدُ: هِيَ كَالصَّحِيحِ فِي النِّيَّةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: نِيَّتُهَا كَنِيَّةِ الصَّحِيحِ، وَيَنْوِي رَفْعَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: أَوْ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ وَقِيلَ: هُمَا، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَجَمْعُهُمَا أَوْلَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ نِيَّةِ الْفَرْضِ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ حَمْدَانَ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي شَرْحِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الطَّهَارَةُ تَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْجَبَهَا. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا مِنْ شُرُوطِ الْوُضُوءِ إلَّا النِّيَّةَ. وَلِلْوُضُوءِ شُرُوطٌ أُخْرَى. مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ إزَالَةُ مَا عَلَى الْفَرْجَيْنِ مِنْ أَذًى بِالْمَاءِ، أَوْ بِالْأَحْجَارِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْهَا: إزَالَةُ مَا عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ نَجَاسَةٍ، عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ هُنَاكَ. وَمِنْهَا: دُخُولُ الْوَقْتِ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَحْوِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ. وَمِنْهَا: التَّمْيِيزُ. فَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، كَمَنْ لَهُ دُونَ سَبْعٍ، وَقِيلَ: سِتٌّ، أَوْ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَلَا يَرُدُّ الْجَوَابَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَمِنْهَا: إزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ. وَمِنْهَا: الْعَقْلُ، فَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، كَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا: الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْحَائِضِ، عَلَى مَا يَأْتِي أَوَّلَ الْحَيْضِ مُسْتَوْفًى. قُلْت: وَمِنْهَا الطَّهَارَةُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. أَعْنِي انْقِطَاعَهُمَا، وَالْفَرَاغَ مِنْ خُرُوجِهِمَا. وَمِنْهَا: طَهُورِيَّةُ الْمَاءِ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي تَجْوِيزِهِ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي نَفْلِ الْوُضُوءِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَمِنْهَا: إبَاحَةُ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمِنْهَا: الْإِسْلَامُ. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ شَرْطًا لِلْوُضُوءِ فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ. قَوْلُهُ {فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، أَوْ التَّجْدِيدُ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ} إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِلَافَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ.

إحْدَاهُمَا: يَرْتَفِعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْتَقِعُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ: الْغَضَبُ، وَالْأَذَانُ، وَرَفْعُ الشَّكِّ، وَالنَّوْمُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرُ، وَجُلُوسُهُ بِالْمَسْجِدِ، وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ: وَدُخُولُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: وَحَدِيثٌ، وَتَدْرِيسُ عِلْمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا. وَقِيلَ: وَكِتَابَتُهُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَأَكْلٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمِنْ كُلِّ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ، كَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: لَا. وَكُلُّ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَالْقَهْقَهَةُ. وَأَطْلَقَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعُ، وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْقَهْقَهَةِ. وَأَمَّا إذَا نَوَى التَّجْدِيدَ، وَهُوَ نَاسٍ حَدَثَهُ: فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ

الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحَيْهِمَا، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. إحْدَاهُمَا: يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ. وَجَعَلَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلَهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَالثَّانِي: لَا يَرْتَفِعُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: عَلَى الْأَقْيَسِ وَالْأَشْهَرِ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: هَذَا أَصَحُّ، كَذَا قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي النِّهَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ التَّجْدِيدِ عَلَى مَا يَأْتِي. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرْتَفِعُ هُنَا. وَإِنْ ارْتَفَعَ فِيمَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ حَمْدَانَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيمَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَصَحَّحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَشْهَرَ، لَا يَرْتَفِعُ. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ لَمْ يَرْتَفِعْ فَفِي حُصُولِ التَّجْدِيدِ احْتِمَالَانِ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي التَّجْدِيدِ. وَأَمَّا مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ: فَفِيهِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّجْدِيدِ. صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فِي الْكُلِّ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ، قُلْت: وَمِمَّنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ: صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ: الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ، أَوْ التَّبَرُّدَ، أَوْ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ: ارْتَفَعَ حَدَثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: إذَا نَوَى النَّجَاسَةَ مَعَ الْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَعَنْهُ لَا يُسَنُّ. كَمَا لَوْ لَمْ يَصِلْ بَيْنَهُمَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ، وَكَتَيَمُّمٍ وَكَغُسْلٍ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي الْغُسْلِ. وَحُكِيَ عَنْهُ يُكْرَهُ الْوُضُوءُ. وَقِيلَ: لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ {وَإِذَا نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا، فَهَلْ يُجْزِي عَنْ الْوَاجِبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ} . وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَغَيْرُهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ. وَعِنْدَ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: لَا يَرْتَفِعُ بِالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ. وَيَرْتَفِعُ بِالْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ. وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَالْأَكْثَرِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: إذَا قُلْنَا لَا يَحْصُلُ الْوَاجِبُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: حُصُولُ الْمَسْنُونِ. وَقِيلَ: لَا يَحْصُلُ أَيْضًا. وَمِنْهَا: وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ، لَوْ تَطَهَّرَ عَنْ وَاجِبٍ: هَلْ يُجْزِئُ

عَنْ الْمَسْنُونِ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: يُجْزِيهِ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى. وَلَوْ نَوَاهُمَا حَصَلَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى طَهَارَةً مُطْلَقَةً، أَوْ وُضُوءًا مُطْلَقًا عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: إنْ قَالَ: هَذَا الْغُسْلُ لِطَهَارَتِي: انْصَرَفَ إلَى إزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَدَثِ، وَإِنْ أَطْلَقَ: وَقَعَتْ الطَّهَارَةُ نَافِلَةً، وَنَافِلَةُ الطَّهَارَةِ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا يَخْرُجُ وَجْهَانِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى الْغُسْلَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ. لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً، وَتَارَةً غَيْرَ عِبَادَةٍ. فَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الْجُنُبُ الْغُسْلَ وَحْدَهُ، أَوْ لِمُرُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ: لَمْ يَرْتَفِعْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ. وَقِيلَ يَرْتَفِعُ فِي الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ نَوَى الْجُنُبُ بِغُسْلِهِ الْقِرَاءَةَ: ارْتَفَعَ حَدَثُهُ الْأَكْبَرُ. وَفِي الْأَصْغَرِ وَجْهَانِ. وَإِنْ نَوَى اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ: ارْتَفَعَ الْأَصْغَرُ. وَفِي الْأَكْبَرِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ فِي الثَّانِيَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ صَلَاةً مُعَيَّنَةً لَا غَيْرَهَا: ارْتَفَعَ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهَيْنِ، كَمُتَيَمِّمٍ نَوَى إقَامَةَ فَرْضَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ. قَوْلُهُ {وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهُمَا: فَهَلْ يَرْتَفِعُ سَائِرُهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ} .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحَيْهِمَا، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَرْتَفِعُ سَائِرُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ فِي أَحْدَاثِ الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي: لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مَا نَوَاهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ، وَرَجَّحَهُ الْمَجْدُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَيْضِ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَيْضِ. وَتُجْزِئُ فِي غَيْرِهِمَا نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. وَقِيلَ: تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَيْضِ عَنْ الْجَنَابَةِ. وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَيْضِ. وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَتَدَاخَلُ. وَقِيلَ: إنْ نَسِيَتْ الْمَرْأَةُ حَالَهَا أَجْزَأَهَا نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَيَنْوِي بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا " لَوْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُ مَا نَوَاهُ: أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِيمَا إذَا نَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ} أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ اجْتِمَاعُهَا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقَةً إذَا كَانَتْ مُتَنَوِّعَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُوجَدَا مَعًا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ نَوَى رَفْعَ بَعْضِ أَحْدَاثِهِ الَّتِي نَقَضَتْ وُضُوءَهُ مَعًا زَادَ فِي الْكُبْرَى: إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا. وَقِيلَ: بَلْ مَا نَوَاهُ وَحْدَهُ. وَقِيلَ:

وَغَيْرُهُ إنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا، وَنَوَاهُ. وَقِيلَ: إنْ تَكَرَّرَتْ مِنْ جِنْسٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَأَطْلَقَ النِّيَّةَ: ارْتَفَعَ الْكُلُّ. وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْجِنْسِ أَوَّلَهَا، أَوْ آخِرَهَا، أَوْ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ. فَوَجْهَانِ انْتَهَى. الثَّالِثُ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لَوْ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْ بَاقِي الْأَسْبَابِ: ارْتَفَعَ حَدَثُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا مِنْ فَوَائِدِهِ: لَوْ اغْتَسَلَتْ الْحَائِضُ إذَا كَانَتْ جُنُبًا لِلْحَيْضِ: حَلَّ وَطْؤُهَا دُونَ غَيْرِهِ، لِبَقَاءِ الْجَنَابَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَمْنَعُ الْحَيْضَ صِحَّةُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَا: لَا تَمْنَعُ الْجَنَابَةَ غُسْلُ الْحَيْضِ، مِثْلُ إنْ أَجْنَبَتْ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهَا مِنْهُ. انْتَهَى وَيَأْتِي ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ " الرَّابِعُ: قَوْلُهُ {وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ} هَذَا صَحِيحٌ، وَأَوَّلُ وَاجِبَاتِهَا: الْمَضْمَضَةُ وَالتَّسْمِيَةُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ. ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِزَمَنٍ يَسِيرٍ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَجُوزُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ ذِكْرِهَا وَبَقَاءِ حُكْمِهَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَهَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجَوَّزَ الْآمِدِيُّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، مَا لَمْ يَفْسَخْهَا. وَكَذَا يَخْرُجُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: إذَا قَدَّمَ النِّيَّةَ وَاسْتَصْحَبَ ذِكْرَهَا حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّهَارَةِ جَازَ. وَإِنْ نَسِيَهَا أَعَادَ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يَقْطَعُهَا مِنْ اشْتِغَالٍ بِعَمَلٍ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يُبْطِلُهَا عَمَلٌ يَسِيرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَوْلُهُ {وَإِنْ اسْتَصْحَبَ حُكْمَهَا أَجْزَأَهُ}

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ نِسْيَانُهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَلَا غَفْلَةٌ عَنْهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ أَبْطَلَ الْوُضُوءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ، لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَقِيلَ: إنْ شَكَّ عَقِيبَ فَرَاغِهِ اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ، بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْهَا، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، لَكِنْ إنْ غَسَلَ الْبَاقِيَ بِنِيَّةٍ أُخْرَى قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ، وَإِنْ طَالَتْ انْبَنَى عَلَى وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُمَا الْأَقْيَسُ. وَأَطْلَقَهُمَا الشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهَا فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. وَالثَّالِثُ: إنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قُلْت: ظَاهِرُ الْقَوْلِ الثَّانِي: مُشْكِلٌ جِدًّا. إذْ هُوَ مُفْضٍ إلَى صِحَّتِهِ. وَلَوْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ وَفَاتَتْ. فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ. وَلَا بُدَّ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ مِنْ إضْمَارٍ. وَتَقْدِيرُهُ: وَالثَّالِثُ إنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْمُوَالَاةِ فَأَخَلَّ بِهَا بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ صَحَّ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَاءِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ، أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا إنْ أَكْمَلَ طَهَارَتَهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهَا فَلَا يَضُرُّهُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ

انْفِصَالِهِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَوْقُوفٌ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا: لَا يَصِحُّ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَائِهِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا. غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: وَاعْتَبَرَ الدِّينَوَرِيُّ فِي تَكْفِيرِ الْكَافِرِ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ: النِّيَّةَ. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ هَاهُنَا انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْفُرُوعِ أَمْ لَا؟ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا " بِلَا نِزَاعٍ. وَيَكُونُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بِيَسَارِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: الِاسْتِنْشَاقُ بِالشِّمَالِ. قَوْلُهُ {مِنْ غُرْفَةٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ} هَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ. وَالْأَفْضَلُ جَمْعُهَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ: يَتَمَضْمَضُ. ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْ الْغُرْفَةِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ بِغُرْفَتَيْنِ، لِكُلِّ عُضْوٍ غُرْفَةٌ. حَكَاهَا الْآمِدِيُّ. وَعَنْهُ بِثَلَاثٍ لَهُمَا مَعًا. وَعَنْهُ بِسِتٍّ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَلْ يُكْمِلُ الْمَضْمَضَةَ، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ مِنْ الْغُرْفَةِ، ثُمَّ ثَانِيًا كَذَلِكَ مِنْهَا، أَوْ مِنْ غُرْفَةٍ ثَالِثَةٍ. وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ ثَالِثًا، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ {وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ} يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَرُوهُ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَحْدَهُ وَاجِبٌ. وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى،

عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا. نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ. وَعَنْهُ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ فِي الْوُضُوءِ وَحْدَهُ. ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ عَكْسُهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَعَنْهُ هُمَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: هَلْ يُسَمِّيَانِ فَرْضًا أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي تَسْمِيَتِهِمَا فَرْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ فِي سُقُوطِهِمَا سَهْوًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَاجِبِ، هَلْ يُسَمَّى فَرْضًا أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُسَمَّى فَرْضًا. فَيُسَمَّيَانِ فَرْضًا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: هُمَا وَاجِبَانِ لَا فَرْضَانِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ، فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا، وَلَوْ سَهْوًا: لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ. قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ قِيلَ إنَّ وُجُوبَهُمَا بِالسُّنَّةِ صَحَّ مَعَ السَّهْوِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: وُجُوبُهُمَا بِالْكِتَابِ. وَالثَّانِيَةُ: بِالسُّنَّةِ. تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ: هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا فَائِدَةَ لَهُ. وَمَتَى قُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا لِمَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِتَرْكِهِمَا عَمْدًا، وَلَا سَهْوًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ لَهُمَا الْكِتَابُ: لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ بِتَرْكِهِمَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، وَإِنْ قُلْنَا الْمُوجِبُ لَهُمَا السُّنَّةُ: صَحَّ وُضُوءُهُ مَعَ السَّهْوِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ الِانْتِثَارُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَكُونُ بِيَسَارِهِ. وَعَنْهُ يَجِبُ.

تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ {ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى مَا انْحَدَرَ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ} الْعِذَارُ، وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ الْمُسَامِتِ لِصِمَاخِ الْأُذُنِ إلَى الصُّدْغِ. وَدَخَلَ أَيْضًا الْعَارِضُ. وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ إلَى الذَّقَنِ. وَدَخَلَ أَيْضًا الْمَفْصِلَانِ الْفَاصِلَانِ بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنَيْنِ. وَهُمَا يَلِيَانِ الْعِذَارِ مِنْ تَحْتِهِمَا. وَقِيلَ: وَهُمَا شَعْرُ اللَّحْيَيْنِ. وَلَا تَدْخُلُ النَّزْعَتَانِ فِي الْوَجْهِ، بَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مِنْ الرَّأْسِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: هُمَا مِنْ الْوَجْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ: " النَّزْعَتَانِ " مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ فِي فَوْدَيْ الرَّأْسِ، وَهُمَا جَانِبَا مُقَدَّمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمَا بَيَاضُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ مِنْ جَانِبَيْ نَاصِيَتِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. وَلَا يَدْخُلُ الصُّدْغُ وَالتَّحْذِيفُ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ، بَلْ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الصُّدْغِ. وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ. وَقِيلَ: هُمَا مِنْ الْوَجْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الصُّدْغِ رِوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ التَّحْذِيفُ مِنْ الْوَجْهِ، دُونَ الصُّدْغِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ.

وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ فِي التَّحْذِيفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصُّدْغُ مِنْ الْوَجْهِ. فَائِدَةٌ: " الصُّدْغُ " هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ، وَيَنْزِلُ عَنْ رَأْسِهَا قَلِيلًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقِيلَ: هُوَ مَا يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ فَقَطْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَلَعَلَّهُمْ تَابَعُوا الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا " التَّحْذِيفُ " فَهُوَ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ، وَمُنْتَهَى الْعَارِضِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَالشَّعْرُ الدَّاخِلُ فِي الْوَجْهِ مَا. انْتِهَاءُ الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ. وَفِي الْفُرُوعِ: هُوَ الشَّعْرُ الْخَارِجُ إلَى طَرَفِ الْجَبِينِ فِي جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ النَّزَعَةِ وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ، وَلَعَلَّ مَا فِي الزَّرْكَشِيّ " وَمُنْتَهَى الْعَارِضِ " سَبْقَةُ قَلَمٍ. وَإِنَّمَا هُوَ " مُنْتَهَى الْعِذَارِ " كَمَا قَالَ غَيْرُهُ. وَالْحِسُّ يُصَدِّقُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وُجُوبُ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، بِشَرْطِ أَمْنِ الضَّرَرِ، وَاخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِهِمَا مُطْلَقًا. وَلَوْ لِلْجَنَابَةِ. وَعَنْهُ يَجِبُ لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ دَاخِلِهِمَا، وَلَوْ أُمِنَ الضَّرَرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ يُكْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّيْخَانِ، وَقَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَعُقُودِ

ابْنِ الْبَنَّا وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ: بِالِاسْتِحْبَابِ إذَا أُمِنَ الضَّرَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ فِي الْجَنَابَةِ دُونَ الْوُضُوءِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ يَجِبُ. وَأَمَّا مَا فِي الْوَجْهِ مِنْ الشَّعْرِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ} يَعْنِي الْمُعْتَادَ فِي الْغَالِبِ. فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَفْرَعِ بِالْفَاءِ الَّذِي يَنْبُتُ شَعْرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ، وَلَا بِأَجْلَحَ، الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ مُقَدِّمِ رَأْسِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ {مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ} هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هِيَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَعَنْهُ لَا يَجِبُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَصَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِلِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ: مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ عَرْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ اللِّحْيَةِ بِحَالٍ. نَقَلَ بَكْرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ: أَيُّمَا أَعْجَبُ إلَيْك: غَسْلُ اللِّحْيَةِ أَوْ التَّخْلِيلُ؟ فَقَالَ: غَسْلُهَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَجْزَاهُ. فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الْخَلَّالُ: أَنَّهَا لَا تُغْسَلُ مُطْلَقًا. فَقَالَ: الَّذِي ثَبَتَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ لَا يَغْسِلُهَا. وَلَيْسَتْ مِنْ الْوَجْهِ.

وَرَدَّ ذَلِكَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ " أَيْ غَسْلُ بَاطِنِهَا. وَرَدَّ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى الْقَاضِي. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ {وَيُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهُ} تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَصِفَتُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ مُسْتَوْفًى. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ {وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُهَا أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ} أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: يَجِبُ. وَقِيلَ: فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَ شَعْرِ غَيْرِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ {وَيُدْخِلُ الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْغَسْلِ} هَذَا الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فِي الْغَسْلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَنْ لَا مَرْفِقَ لَهُ يَغْسِلُ إلَى قَدْرِ الْمَرْفِقِ فِي غَالِبِ النَّاسِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. فَوَائِد لَوْ كَانَ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ أَوْ إصْبَعٌ أَصْلُهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ نَابِتَةً فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، كَالْعَضُدِ وَالْمَنْكِبِ، وَتَمَيَّزَتْ: لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ: يَجِبُ غَسْلُ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْهَا. وَيَأْتِي فِي الرِّعَايَةِ: غَسَلَ مِنْهَا مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَمَيَّزْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى: فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا: وَمَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعَيْهِ، أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مَرْفِقَيْهِ، وَتَسَاوَتَا فَهُمَا يَدٌ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ لَهُ يَدَانِ لَا مَرْفِقَ لَهُمَا: غَسَلَ إلَى قَدْرِ الْمَرْفِقِ فِي غَالِبِ عَادَاتِ النَّاسِ. وَتَقَدَّمَ كَمَا قُلْنَا فِي الرُّجُوعِ إلَى حَدِّ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي حَقِّ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ. فَإِنْ انْقَلَعَتْ جِلْدَةٌ مِنْ الْعَضُدِ حَتَّى تَدَلَّتْ مِنْ الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُهَا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ تَقَلَّعَتْ مِنْ الذِّرَاعِ حَتَّى تَدَلَّتْ مِنْ الْعَضُدِ: لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا، وَإِنْ طَالَتْ. وَإِنْ تَقَلَّعَتْ مِنْ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ، وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ: غَسَلَ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِهَا، وَالْمُتَجَافِيَ مِنْهُ مِنْ بَاطِنِهَا وَمَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهَا كَالنَّابِتَةِ فِي الْمَحَلَّيْنِ. قَطَعَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَوْ تَدَلَّتْ جِلْدَةٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ الْيَدِ: غُسِلَتْ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَقِيلَ: إنْ تَدَلَّتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ: غُسِلَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَإِنْ الْتَحَمَ رَأْسُهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ: غُسِلَ مَا فِيهِ مِنْهَا. وَقِيلَ: كَيَدٍ زَائِدَةٍ. انْتَهَى وَإِذَا انْكَشَطَتْ جِلْدَةٌ مِنْ الْيَدِ وَقَامَتْ: وَجَبَ غَسْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَسَّاسَةٍ، بَلْ يَبِسَتْ وَزَالَتْ رُطُوبَةُ الْحَيَاةِ مِنْهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ يَسِيرُ وَسَخٍ، يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَاحِبُ حَوَاشِي الْمُقْنِعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَنَصَرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مِمَّنْ يَشُقُّ تَحَرُّزُهُ مِنْهُ، كَأَرْبَابِ الصَّنَائِعِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَاخْتَارَهُ فِي

التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ، حَيْثُ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ، كَدَمٍ وَعَجِينٍ وَنَحْوِهِمَا. وَاخْتَارَهُ. قَوْلُهُ {ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّأْسِ الْمَسْحُ. أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ بَلُّ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ غَسَلَهُ عِوَضًا عَنْ مَسْحِهِ، أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إنْ أَمَّرَ يَدَهُ، صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ، اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: بَلْ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ. أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يُمِرَّ يَدًا: الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَصَابَ الْمَاءُ رَأْسَهُ: أَجْزَأَ، إنْ أَمَّرَ يَدَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَحَّحَهُ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يُمِرَّ يَدَهُ وَيَقْصِدَ وُقُوعَ الْمَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُجْزِئُ وُقُوعُ الْمَطَرِ بِلَا قَصْدٍ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ إنْ أَمَّرَ يَدَهُ يَنْوِي بِهِ مَسْحَ الْوُضُوءِ. وَقَطَعَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَزَعَمَ أَنَّهُ تَحْقِيقُ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ لَمْ يُمِرَّهَا وَلَمْ يَقْصِدْ: فَكَعَكْسِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَيَبْدَأُ بِيَدَيْهِ " هَذَا الْأَوْلَى وَالْكَامِلُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِبَعْضِ يَدِهِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ إذَا مَسَحَ بِأَكْثَرَ يَدِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ. وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ.

وَقِيلَ: إنْ وَجَبَ مَسَحَهُ كُلَّهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ. انْتَهَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَسْحَ بِحَائِلٍ يُجْزِئُ مُطْلَقًا. فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَسْحُ بِخَشَبَةٍ وَخِرْقَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُجْزِئُ مَسْحُهُ بِغَيْرِ يَدٍ، كَخَشَبَةٍ وَخِرْقَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. وَقِيلَ: يُجْزِئُ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمَسْحِ بِالْخِرْقَةِ الْمَبْلُولَةِ وَالْخَشَبَةِ. وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ مَبْلُولَةً عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا عَلَيْهِ، أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ خِرْقَةً مَبْلُولَةً، أَوْ بَلَّهَا وَهِيَ عَلَيْهِ: لَمْ يُجْزِئْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ {مِنْ مُقَدِّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُمَا مَنْ انْتَشَرَ شَعْرُهُ. وَيَرُدُّهُمَا مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ، أَوْ كَانَ مَضْفُورًا. وَعَنْهُ: تَبْدَأُ الْمَرْأَةُ بِمُؤَخَّرِهِ، وَتَخْتِمُ بِهِ. وَقِيلَ: مَا لَمْ تَكْشِفْهُ. وَعَنْهُ: لَا تَرُدُّهُمَا إلَيْهِ. وَعَنْهُ: تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمَصَبِّ الشَّعْرِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَرُدُّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ. فَائِدَةٌ: كَيْفَمَا مَسَحَهُ أَجْزَأَ. وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْهِ. وَيَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدِّمِ رَأْسِهِ، وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ فِي صُدْغَيْهِ. ثُمَّ يُمِرَّ بِيَدَيْهِ إلَى مُؤَخِّرِ رَأْسِهِ. ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ. وَيُدْخِلَ مُسَبِّحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ. وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ لِظَاهِرِهِمَا. وَقِيلَ: بَلْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُرْسِلَهُمَا حَتَّى يَقْطُرَ الْمَاءُ. ثُمَّ يَتْرُكَ طَرَفَ سَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى عَلَى طَرَفِ سَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصِفَةُ الْمَسْحِ: أَنْ يَضَعَ أَحَدَ طَرَفَيْ سَبَّابَتَيْهِ عَلَى طَرَفِ

الْأُخْرَى. وَيَضَعَهُمَا عَلَى مُقَدِّمِ رَأْسِهِ. وَيَضَعَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى الصُّدْغَيْنِ. ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى مُقَدِّمِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ، قَوْلُهُ {وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ، وَعَفَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُتَرْجِمِ، عَنْ يَسِيرِهِ لِلْمَشَقَّةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ، اخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ: أَكْثَرُهُ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا. وَالْيَسِيرُ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ. وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ الْأَكْثَرَ. فَشَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَسْحُ قَدْرِ النَّاصِيَةِ. وَأَطْلَقَ الْأَوْلَى. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. فَعَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ لَوْ مَسَحَ قَدْرَهَا مِنْ وَسَطِهِ، أَوْ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ مِنْهُ أَجْزَأَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ مَنْ بَعْدَهُمْ: لَا تَتَعَيَّنُ النَّاصِيَةُ عَلَى الْمَعْرُوفِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَابْنُ حَمْدَانَ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَتَعَيَّنَ النَّاصِيَةُ لِلْمَسْحِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: " النَّاصِيَةُ " مُقَدِّمُ الرَّأْسِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: هِيَ قِصَاصُ الشَّعْرِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ [قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصَرَّحَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِعَدَمِ تَحْدِيدِ الرِّوَايَةِ، فَقَالَ: وَعَنْهُ يَجِبُ مَسْحُ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ] وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالًا: يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ فِي التَّجْدِيدِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي

فِي التَّعْلِيقِ: يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ لِلْعُذْرِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَمْسَحُ مَعَهُ الْعِمَامَةَ لِعُذْرٍ، كَالنَّزْلَةِ وَنَحْوِهَا. وَتَكُونُ كَالْجَبِيرَةِ. فَلَا تَوْقِيتَ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ غَيْرِهَا. قَالَ الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الْخَلَّالُ الْعَمَلُ فِي مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا إنْ مَسَحَتْ مُقَدِّمَ رَأْسِهَا أَجْزَأَهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ: لَمْ يَكْفِ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عَنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَكْفِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ. وَلِلْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَجْهٌ بِالْإِجْزَاءِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَيَاضِ الَّذِي فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ دُونَ الشَّعْرِ، إذَا قُلْنَا يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَقُلْنَا: الْفَرْضُ مِنْهُ قَدْرُ النَّاصِيَةِ فَهَلْ الْكُلُّ فَرْضٌ، أَوْ قَدْرُ النَّاصِيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّ الْوَاجِبَ قَدْرُ النَّاصِيَةِ. [قُلْت: وَلَهَا نَظَائِرُ فِي الزَّكَاةِ وَالْهَدْيِ فِيمَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ دَمٌ فِي الْهَدْيِ. فَأَخْرَجَ بَعِيرًا] . قَوْلُهُ {وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ مَعَ الْأُذُنَيْنِ} . إذَا قُلْنَا: يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ، وَأَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ: مَسْحُهُمَا وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ هُوَ وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمَا: الْأَوْلَى مَسْحُهُمَا. وَجَزَمَ بِالْوُجُوبِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا. قَالَ

الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ الصَّوَابُ، فَائِدَةٌ: الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ دُونَ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَقَدَّمَهُ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. قُلْت: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا وَتَقَدَّمَ بَعْضُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ السِّوَاكِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذُنَيْنِ ". فَائِدَةٌ: الْوَاجِبُ: مَسْحُ ظَاهِرِ الشَّعْرِ. فَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ لَمْ يُجْزِهِ. كَمَا لَوْ غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ. وَلَوْ حَلَقَ الْبَعْضَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ شَعْرُ مَا لَمْ يَحْلِقْ: أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ فَقَدَ شَعْرَهُ: مَسَحَ بَشَرَتَهُ، وَإِنْ فَقَدَ بَعْضَهُ مَسَحَهُمَا. وَإِنْ انْعَطَفَ بَعْضُهُ عَلَى مَا عَلَا مِنْهُ أَجْزَأَ مَسْحُ شَعْرِهِ فَقَطْ. انْتَهَى. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ {وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ} ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا

فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ {وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْغَسْلِ} يَعْنِي الْكَعْبَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فِيهِ. قَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ: غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ سَقَطَ} . شَمِلَ كَلَامُهُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ. الْأُولَى: أَنْ يَبْقَى مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ، فَيَجِبُ غَسْلُهُ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ فَوْقِ مَحَلِّ الْفَرْضِ: فَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ، لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلِ الْمَرْفِقَيْنِ، أَوْ الْكَعْبَيْنِ: فَيَجِبُ غَسْلُ طَرَفِ السَّاقِ وَالْعَضُدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: الْوُجُوبُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ يَسْقُطُ. فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْمَرْفِقَيْنِ سَقَطَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ خِلَافِهِ. وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمَسَّ رَأْسَ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ قَطَعَ مِنْهُ مِنْ فَوْقِ الْمَرْفِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا حُكْمُ التَّيَمُّمِ إذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْكَفِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ،

وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ التَّيَمُّمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ الْأَقْطَعَ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَقَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ: لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ لِتَكَرُّرِ الضَّرَرِ دَوَامًا. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَلْزَمُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، كَعَادِمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: صَلَّى وَلَمْ يَعُدْ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا: صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا إعَادَةً، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَمَا يَأْتِي. فَكَذَا هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي اسْتِنْجَاءِ مِثْلِهِ. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَقَالَ: إذَا عَجَزَ الْأَقْطَعُ عَنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ، وَوَجَدَ مَنْ يُنْجِيهِ وَيُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَحْكَامِ. انْتَهَى. فَإِنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَيَتَيَمَّمُ. قَوْلُهُ {ثُمَّ يَرْفَعُ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكُ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ} . قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَكَذَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَهُ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثًا. وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ، وَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ فَتَقَدَّمَ فِي بَابِ السِّوَاكِ. قَوْلُهُ {وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ، وَلَا تُسْتَحَبُّ} ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتُبَاحُ إعَانَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ

فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ {وَيُبَاحُ تَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ. وَلَا يُسْتَحَبُّ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ يُبَاحُ تَنْشِيفُهَا وَهِيَ أَصَحُّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُبَاحُ مَسْحُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنِهَايَة أَبِي يَعْلَى، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. فَوَائِدُ مِنْهَا: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمُعِينُ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ: اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَقِفُ الْمُعِينُ عَنْ يَمِينِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: يَضَعُ مَنْ يَصُبُّ عَلَى نَفْسِهِ إنَاءَهُ عَنْ يَسَارِهِ، إنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا، يَغْتَرِفُ مِنْهُ بِالْيَدِ، وَضَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ. قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمَا. وَمِنْهَا: لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَاهُ الْمُتَوَضِّئُ فَقَطْ. صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمِنْهَا: لَوْ يَمَّمَهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ صَحَّ. وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي التَّيَمُّمِ: إنْ عَجَزَ عَنْهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ يُوَضِّئُهُ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا. وَقِيلَ: بَلْ مُسْلِمٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَكْرَهَ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، أَوْ يُوَضِّئُهُ، عَلَى وُضُوئِهِ. لَمْ يَصِحَّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي صَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَنَّ الْمُكْرَهَ بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْمُتَوَضِّئُ. فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ: وَمَحَلُّ النِّزَاعِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْوُضُوءِ وَنَوَى وَتَوَضَّأَ لِنَفْسِهِ صَحَّ بِلَا تَرَدُّدٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ: إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَفَعَلَهَا لِدَاعِي الشَّرْعِ، لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ: صَحَّتْ، وَإِنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ لَمْ يَصِحَّ، إلَّا عَلَى وَجْهٍ شَاذٍّ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ نِيَّةٌ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَصِحُّ. وَلَا يَنْوِي؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ إلَى الْغَيْرِ. فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُجَرَّدَةً عَنْ فِعْلٍ فَلَا تَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَيْمَانِ: أَنَّ الْمُكْرَهَ بِالتَّهْدِيدِ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُنْسَبُ إلَى الْغَيْرِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالْإِكْرَاهِ: إكْرَاهُ مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ، أَوْ يُوَضِّئُهُ. بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ، وَمُوَافَقَةِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ: وَإِنْ أُكْرِهَ الْمُتَوَضِّئُ لِمَنْ يُوَضِّئُهُ. فَعَلَى هَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي أَوْرَدَهُ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ نَفْضُ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: كَرِهَهُ

الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَوَاشِي: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَالْأَقْوَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَكَذَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرْضِ كَإِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَغْسِلُ مَا فَوْقَ الْمَرْفِقِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي نَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. وَمِنْهَا: يُبَاحُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ، إنْ لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ التَّجْدِيدُ، وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ حَرُمَ، كَاسْتِنْجَاءٍ أَوْ رِيحٍ. وَيُكْرَهُ إرَاقَةُ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْمَسْجِدِ. وَيُكْرَهُ أَيْضًا إرَاقَتُهُ فِي مَكَان يُدَاسُ فِيهِ، كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا، اخْتَارَهُ فِي الْإِيجَازِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَابْنُ تَمِيمٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ خِلَافَهُ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمُذْهَبِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَفُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَهَلْ ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ أَوْ لِلطَّرِيقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يُغَسَّلُ فِي الْمَسْجِدِ مَيِّتٌ. قَالَ: وَيَجُوزُ عَمَلُ مَكَان فِيهِ لِلْوُضُوءِ لِلْمُصَلِّينَ بِلَا مَحْذُورٍ، وَيَأْتِي فِي الِاعْتِكَافِ، هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ أَمْ لَا.

باب مسح الخفين

[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ] ِ فَوَائِدُ مِنْهَا: الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى شِبْهِهِمَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يَرْفَعُهُ. وَمِنْهَا: الْمَسْحُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يَرِدْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْمَسْحِ، وَعَنْهُ الْغَسْلُ أَفْضَلُ. وَقِيلَ: إنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُدَاوِمْ الْمَسْحَ فَهُوَ أَفْضَلُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَفَصْلُ الْخِطَابِ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِحَالِ قَدَمِهِ. فَالْأَفْضَلُ لِمَنْ قَدَمَاهُ مَكْشُوفَتَانِ: غَسْلُهُمَا وَلَا يَتَحَرَّى لُبْسَ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ، كَمَا «كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَيَمْسَحُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ» . انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ لِيَمْسَحَ. كَالسَّفَرِ لِيُرَخِّصَ. وَمِنْهَا: الْمَسْحُ رُخْصَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ عَزِيمَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مِنْ فَوَائِدِهَا الْمَسْحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وَتَعْيِينُ الْمَسْحِ عَلَى لَابِسِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَمِنْهَا: لُبْسُ الْخُفِّ مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ مَكْرُوهٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ بِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ اسْتَأْنَفَتْ الْوُضُوءَ، وَجْهًا وَاحِدًا.

وَمِنْهَا: لَوْ غَسَلَ صَحِيحًا، وَتَيَمَّمَ لِجُرْحٍ: فَهَلْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ؟ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلزَّمِنِ. وَفِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرْضِ الْأُخْرَى شَيْءٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ، وَهُوَ خُفٌّ قَصِيرٌ، وَالْجَوْرَبَيْنِ} بِلَا نِزَاعٍ، إنْ كَانَا مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ. وَكَذَا إنْ كَانَا مِنْ خِرَقٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا عَلَى مَا يَأْتِي. وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى جَوْرَبٍ ضَيِّقٍ، خِلَافًا لِمَالِكٍ. قَوْلُهُ {وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ وَخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارَاتِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ رِوَايَتَانِ} وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي نَظْمِهِ: هَذَا الْمَنْصُورُ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: يُبَاحُ إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً تَحْتَ حَلْقِهِ بِشَيْءٍ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْقَلَانِسِ تَحْنِيكٌ. وَاشْتَرَطَهُ الشِّيرَازِيُّ. فَائِدَةٌ: " الْقَلَانِسُ " جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ. وَقَدْ تُبْدَلُ مُثَنَّاةً مِنْ تَحْتٍ. وَقَدْ تُبْدَلُ أَلْفًا وَتُفْتَحُ السِّينُ. فَيُقَالُ قَلَنْسَاةٌ. وَقَدْ تُحْذَفُ النُّونُ مِنْ هَذِهِ بَعْدَهَا هَاءُ تَأْنِيثٍ مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ وَ " الدِّينَاتُ " قَلَانِسُ كِبَارٌ أَيْضًا كَانَتْ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا قَدِيمًا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هِيَ عَلَى هَيْئَةِ مَا تَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: الْقَلَنْسُوَةُ غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ تُسْتَرُ بِهِ الرَّأْسُ. قَالَهُ الْقَزَّازُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَامَّةُ الشَّاشَةُ. وَفِي الْمُحْكَمِ هِيَ مِنْ مُلَابِسِ الرُّءُوسِ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: هِيَ الَّتِي تُغَطَّى بِهَا الْعَمَائِمُ، وَتَسْتُرُ مِنْ الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ. كَأَنَّهَا عِنْدَهُ رَأْسُ الْبُرْنُسِ. [انْتَهَى] وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى دِينَاتِ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَمَّا خُمُرُ النِّسَاءِ الْمُدَارَةُ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا الْخِلَافَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ. قَوْلُهُ {وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، إلَّا الْجَبِيرَةَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ}

إنْ كَانَ الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ غَيْرَ جَبِيرَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَالُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ لُبْسِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَالُهَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَالَ: وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِمَسْحِ الْعِمَامَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ: يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ رَأْسًا. فَإِنْ لَبِسَ مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. قُلْت: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ. وَيَكْفِيهِ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ: أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَرَفَعَ الْعِمَامَةَ ثُمَّ أَعَادَهَا. وَلَا يَبْقَى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ. انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ: مِنْ فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ: لَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ: خَلَعَ. ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الْأُخْرَى. وَلَوْ لَبِسَ الْأُولَى طَاهِرَةً، ثُمَّ لَبِسَ الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً: خَلَعَ الْأُولَى فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: وَيَخْلَعُ الثَّانِيَةَ. وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا خَلْعَ. وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا وَغَسَلَهُمَا فِيهِ: خَلَعَ عَلَى الْأُولَى. ثُمَّ لَبِسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ حَتَّى أَحْدَثَ. لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَخْلَعُهُ وَيَمْسَحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهِيَ الطَّهَارَةُ لِابْتِدَاءِ اللُّبْسِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَهِيَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ. فَذَكَرُوا فِيهَا الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ. قُلْت: وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا أَبُو الْفَرَجِ. وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَأَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفِّ، ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ، أَوْ فَعَلَهُ مُحْدِثٌ وَلَمْ نَعْتَبِرْ التَّرْتِيبَ: لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْأُولَى. وَيَمْسَحُ عَلَى الثَّانِيَةِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً قَبْلَ طُهْرٍ كَامِلٍ. فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ لَبِسَهَا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ: خَلَعَ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ. وَلَوْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا، فَلَمَّا غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهَا إلَى السَّاقِ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهَا رَفْعًا فَاحِشًا: احْتَمَلَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ. لِأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللُّبْسِ. وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْهُ هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ: أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ. وَيَكْفِي فِيهَا الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَخْلَعَهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ يَلْبَسَهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ فِي الْعِمَامَةِ. هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ؟ عَنْهُ: رِوَايَتَانِ. أَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: فَبَعِيدٌ إرَادَتُهُ جِدًّا. فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الْقَدَمِ مَحَلَّهَا: لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلِهَذَا لَوْ غَسَلَهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَحَلَّهَا: يَمْسَحُ. وَعَنْهُ يَمْسَحُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى

الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوَّاهُ أَيْضًا فِي نَظْمِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْمَجْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ شَدَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَزَعَ. فَإِنْ خَافَ تَيَمَّمَ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْسَحُ فَقَطْ. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ تَخْرِيجًا. وَقِيلَ: يَمْسَحُ وَيَتَيَمَّمُ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يَتَيَمَّمُ، لَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ فَرْضِ التَّيَمُّمِ ضَرُورَةً، كَفَى مَسْحُهُمَا بِالْمَاءِ. وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَمْسَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لَمْ تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ ". تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى مَا عَدَا الْجَبِيرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ، فَقَطْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: يَبْعُدُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا، لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ. الثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا أَشْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْخِلَافُ هُنَا فِي غَيْرِ الْجَبِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ، قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى مَا عَدَا الْجَبِيرَةَ مِنْ الْمَمْسُوحِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَبِيرَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ. وَإِنَّمَا هُوَ فِي تَقَدُّمِ أَصْلِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الْخِلَافُ إلَى الْجَبِيرَةِ لِقُرْبِهَا وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا أَشْهَرُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ، وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ

بَيَانِ مَوْضِعِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنَّهُ فِي الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عُبَيْدَانَ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى عِمَامَةٍ، أَوْ عَكْسِهِ. فَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمَلْبُوسِ الثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ. قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمَسْحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْجَوَازُ جَزْمًا، عَلَى قَاعِدَتِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. انْتَهَى. قُلْت: الْمَذْهَبُ الرَّفْعُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَيَأْتِي آخِرَهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً وَخُفًّا، أَوْ أَحَدَهُمَا. وَقُلْنَا: يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَضَعَّفَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَوَازَ الْمَسْحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَسْحَهُمَا عَزِيمَةٌ، وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ أَيْضًا. وَلَوْ شَدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا جَبِيرَةً: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ. وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا أَوْ عِمَامَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ فِي رِجْلِهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَى خُفٍّ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَيَمَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ إلَّا وُجُودُ الْمَاءِ: لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: إذَا تَيَمَّمَ لِجُرْحٍ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ {وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَمْسَحُ كَالْجَبِيرَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَا تَتَوَقَّتُ مُدَّةُ الْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُقُّ اشْتِغَالُهُ بِالْخَلْعِ وَاللُّبْسِ، كَالْبَرِيدِ الْمُجَهَّزِ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ " غَيْرُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ. فَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْسَحَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ. وَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ مُطْلَقًا، عُقُوبَةً لَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَامَ وَهُوَ عَاصٍ بِإِقَامَتِهِ، كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَبَى، وَأَقَامَ. فَلَهُ مَسْحُ مُقِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: هَلْ هُوَ كَعَاصٍ بِسَفَرِهِ فِي مَنْعِ التَّرْخِيصِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قُلْت: فَعَلَى الْمَنْعِ يُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {إلَّا الْجَبِيرَةَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَى حَلِّهَا} بِلَا نِزَاعٍ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ كَالتَّيَمُّمِ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ. فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ غَيْرَ الْجَبِيرَةِ. وَقِيلَ: اللُّصُوقِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ غَيْرَ اللُّصُوقِ وَالْجَبِيرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَأَنَّ اللُّصُوقَ حَيْثُ تَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ يَمْسَحُ عَلَيْهِ إلَى حَلِّهِ كَالْجَبِيرَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا خِلَافٌ. قَوْلُهُ {وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَيْ مِنْ وَقْتِ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ. فَلَوْ مَضَى مِنْ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَمْ يَمْسَحْ: انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ. فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَحْدَثَ: اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ. وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ: وَقْتُ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَانْتِهَاؤُهَا وَقْتُ الْمَسْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، مِثْلُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْجَمْعَ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَيَمْسَحُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ. ثُمَّ يَمْسَحُ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ. فَتَتِمُّ لَهُ سَبْعُ صَلَوَاتٍ. وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً. كَمَا قُلْنَا فِي الْمُقِيمِ. قَوْلُهُ {وَإِنْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ: أُتَمّ مَسَحَ مُقِيمٌ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، إنْ كَانَ مَسَحَ مُسَافِرًا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. وَنَقَلَهُ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةً. وَلَمْ أَرَهَا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَقَالَ: هُوَ النَّصُّ الْمُتَأَخِّرُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ عَنْهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَقَدْ غَالَى الْخَلَّالُ، حَيْثُ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ: نَقَلَ عَنْهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا: أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ " يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي الْحَضَرِ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ غَلَبَ جَانِبُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَوْلُهُ {أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّكُّ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَمَسْحُ مُسَافِرٍ مَعَ الشَّكِّ فِي أَوَّلِهِ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ، فَبَانَ بَقَاؤُهَا؛ صَحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، كَمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ مَعَ شَكِّهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

قَوْلُهُ {وَمَنْ أَحْدَثَ، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْمَسْحِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقِيلَ: إنْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ، ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ {وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ} هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ. إلَّا إنْ تَخَرَّقَ أَكْثَرُهُ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ، مَا دَامَ اسْمُهُ بَاقِيًا، وَالْمَشْيُ فِيهِ مُمْكِنٌ. اخْتَارَهُ أَيْضًا جَدُّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. لَكِنْ مِنْ شَرْطِ الْخَرْقِ: أَنْ لَا يَمْنَعَ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْمَلْبُوسِ وَلَوْ كَانَ دُونَ الْكَعْبِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلَةِ {وَثَبَتَ بِنَفْسِهِ} أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَدِّهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِالنَّعْلَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْ النَّعْلَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَتَخَرَّجُ الْمَنْعُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورِ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: مَسْحُهُمَا. وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَسْحُ الْجَوْرَبِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: أَوْ النَّعْلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقِيلَ: يَجِبُ مَسْحُهُمَا. وَعَنْهُ أَوْ أَحَدِهِمَا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَدْرَ الْوَاجِبِ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبَ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الَّذِي يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَبْدُو بَعْضُهُ لَوْلَا شَدُّهُ أَوْ شَرْجُهُ، كَالزُّرْبُولِ الَّذِي لَهُ سَاقٌ وَنَحْوُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْآمِدِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِجَوَازِ الْمَسْحِ شَرْطَيْنِ سَتْرَ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَثُبُوتَهُ بِنَفْسِهِ. وَثَمَّ شُرُوطٌ أُخَرُ: مِنْهَا: تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ كَامِلَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: إبَاحَتُهُ. فَلَوْ كَانَ مَغْصُوبًا، أَوْ حَرِيرًا، أَوْ نَحْوَهُ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: مُبَاحٌ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْأَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ: الصِّحَّةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَبَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: إنَّهُ وَهْمٌ. فَإِنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ تَمْتَنِعُ بِالْمَعْصِيَةِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، كَمَنْ هُوَ فِي بَلَدِ ثَلْجٍ، وَخَافَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَصْلِيِّ: أَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ لُزُومًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ مَسَحَ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ يَصِحُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ: فَإِنْ مَسَحَ ثُمَّ نَدِمَ فَخَلَعَ، وَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ انْبَنَى عَلَى

الرِّوَايَتَيْنِ فِي خَلْعِ الْخُفِّ: هَلْ تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْقَدَمَيْنِ؟ أَصَحُّهُمَا: تَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهَا. وَمِنْهَا: إمْكَانُ الْمَشْيِ فِيهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ: الْجُلُودُ، وَاللُّبُودُ، وَالْخَشَبُ، وَالزُّجَاجُ، وَنَحْوُهَا قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ إمْكَانِ الْمَشْيِ فِيهِ كَوْنُهُ مُعْتَادًا، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلِي " إمْكَانُ الْمَشْيِ فِيهِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ قَدْرَ مَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ الْمُسَافِرُ فِي حَاجَتِهِ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ. وَمِنْهَا: طَهَارَةُ عَيْنِهِ، إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ فِي بِلَادِ الثُّلُوجِ إذَا خَشِيَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ بِخَلْعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. بَلْ يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَصَحَّحَهُ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَيُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ، لِلْإِذْنِ فِيهِ إذَنْ، وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ حَالَ الْمَسْحِ لَا تَضُرُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اخْتِيَارُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ إبَاحَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي النَّجِسِ الْعَيْنِ. وَقِيلَ: لِضَرُورَةِ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَجْهَانِ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَصِفَ الْقَدَمَ لِصَفَائِهِ. فَلَوْ وَصَفَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالزُّجَاجِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ}

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَوْضِعُ الْخَرَزِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَا يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ طَاهِرِ الْعَيْنِ، وَلَكِنَّ بِبَاطِنِهِ، أَوْ قَدَمِهِ، نَجَاسَةً لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا إلَّا بِنَزْعِهِ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَيَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَصْلُهُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا طَهَارَةً لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ بِهَا غَالِبًا بِدُونِ نَقْضِهَا. فَجُعِلَتْ كَالْعَدَمِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ كَثِيرُونَ: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْ الْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ. وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحَلِّ هُنَاكَ لَمَّا أَوْجَبَتْ الطَّهَارَتَيْنِ جُعِلَتْ إحْدَاهُمَا تَابِعَةً لِلْأُخْرَى. وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {أَوْ الْجَوْرَبَ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ إذَا مَشَى} . لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ {فَوَكَّدَ أَوْ شَدَّ لَفَائِفَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ} . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ

الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى جَعَلَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ إجْمَاعًا انْتَهَى. وَفِيهِ وَجْهٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، بِشَرْطِ قُوَّتِهَا وَشَدِّهَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَعَ الْمَشَقَّةِ. وَهُوَ مَخْرَجٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسْحَ الْقَدَمِ وَنَعْلِهَا الَّتِي يَشُقُّ نَزْعُهَا إلَّا بِيَدٍ وَرِجْلٍ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ. قَالَ: وَالِاكْتِفَاءُ هُنَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ نَفْسِهَا، أَوْ الظَّاهِرِ مِنْهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْلَى مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ. وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ. وَكَمَسْحِ عِمَامَةٍ. وَقَالَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ، إلَّا الْمُخَرَّقَ أَكْثَرُهُ. فَكَالنَّعْلِ. وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى مَلْبُوسٍ دُونَ النَّعْلِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ {وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ} . مَسَائِلُ مِنْهَا: لَوْ كَانَا صَحِيحَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، بِلَا نِزَاعٍ، بِشَرْطِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْفَوْقَانِيُّ صَحِيحًا وَالتَّحْتَانِيُّ مُخَرَّقًا، أَوْ لِفَافَةً: جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَيْهِ وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْفَوْقَانِيُّ مُخَرَّقًا، وَالتَّحْتَانِيُّ صَحِيحًا مِنْ جَوْرَبٍ أَوْ خُفٍّ، أَوْ جُرْمُوقٍ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى التَّحْتَانِيِّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: هُمَا كَنَعْلٍ مَعَ جَوْرَبٍ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْحِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْمُخَرَّقِ مُخَرَّقٌ وَسِتْرٌ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي

الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْمُخَرَّقِ لِفَافَةٌ. لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: هَلْ الْخُفُّ الْفَوْقَانِيُّ وَالتَّحْتَانِيُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْغَسْلِ أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً فَوْقَ عِمَامَةٍ لِحَاجَةٍ كَبُرُودَةٍ وَغَيْرِهَا قَبْلَ حَدَثِهِ، وَقَبْلَ مَسْحِ السُّفْلَى بِهِ: مَسَحَ الْعُلْيَا الَّتِي بِصِفَةِ السُّفْلَى، وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا أَوْ نَحْوَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُ قَوْلِ {وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ} أَنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ أَعْلَاهُ وَهُوَ مُشْطُ الْقَدَمِ إلَى الْعُرْقُوبِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ: اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَى الْخُفِّ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَمْسَحُ عَلَى قَدْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَسْحُ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، فَأَكْثَرَ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ: الْعَدَدُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: ثَلَاثُ أَصَابِعَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَرَأَيْت شَيْخَنَا مَائِلًا إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ، إلَى الْأَحَادِيثِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ} يَعْنِي لَا يَمْسَحُهُمَا. بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ

عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقِبِ: لَمْ يُجْزِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ، وَلَا تَكْرَارُ مَسْحِهِ. وَيُكْرَهُ غَسْلُهُ. وَيُجْزِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبَالَغَ الْقَاضِي، فَقَالَ: بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ الْغَسْلِ، لِعُدُولِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَسْنُونِ: أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى سَاقَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى: وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ. وَالثَّانِيَةُ: حُكْمُ مَسْحِ الْخُفِّ بِإِصْبَعٍ أَوْ حَائِلٍ كَالْخِرْقَةِ وَنَحْوِهَا وَغَسْلُهُ: حُكْمُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. وَيُكْرَهُ غَسْلُ الْخُفِّ وَتَكْرَارُ مَسْحِهِ وَتَقَدَّمَ. قَوْلُهُ {وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ، إذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَذَكَرَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ، مَعَ التَّحْنِيكِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ {وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ فَيَجُوزَ} .

فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ أَبِي الْبَقَاءِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ [وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَة لِلْمَجْدِ، وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ] وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ. فَذَاتُ الذُّؤَابَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُبْهِجِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا " مُحَنَّكَةً " وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِي اشْتِرَاطِهِ التَّحْنِيكَ وَجْهَانِ. اشْتَرَطَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَلْغَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَشَيْخُنَا. وَخَرَجَ مِنْ الْقَلَانِسِ. وَقِيلَ: الذُّؤَابَةُ كَافِيَةٌ. وَقِيلَ بِعَدَمِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْعِمَامَةَ إذَا كَانَتْ مُحَنَّكَةً وَلَيْسَ لَهَا ذُؤَابَةٌ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ بِلَا حَنْكٍ فِي الْخِلَافِ، وَرَجَّحَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا قُلْت: الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ مَعَ التَّحْنِيكِ ضَعِيفٌ. قَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْمُحَنَّكَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِذُؤَابَةٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْعِمَامَةُ الصَّمَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا حَنَكَ لَهَا وَلَا ذُؤَابَةَ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ. وَقَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ

أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: وَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ الْمَسْحِ. وَقَالَ: هِيَ الْقَلَانِسُ. قَوْلُهُ {وَيُجْزِيهِ مَسْحُ أَكْثَرِهَا} . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَقَدْرُ النَّاصِيَةِ: أَجْزَأَ مِثْلُهُ فِي الْعِمَامَةِ وَجْهًا وَاحِدًا، بَلْ أَوْلَى. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يُجْزِي مَسْحُ وَسَطِ الْعِمَامَةِ وَحْدَهُ. وَعَنْهُ يَجِبُ أَيْضًا مَسْحُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ مَعَ مَسْحِ الْعِمَامَةِ، وَعَنْهُ وَالْأُذُنَيْنِ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَلَوْ لَبِسَتْهَا لِلضَّرُورَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: تَمْسَحُ عَلَيْهَا مَعَ الضَّرُورَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَإِنْ قِيلَ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ، تَوَجَّهَ خِلَافٌ، كَصَمَّاءَ. قَالَ: وَمِثْلُ الْحَاجَةِ: لَوْ لَبِسَ مُحْرِمٌ خُفَّيْنِ لِحَاجَةٍ، هَلْ يَمْسَحُ؟ انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَيَمْسَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ} . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِي الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ. وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يَجْمَعُ فِي الْجَبِيرَةِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَمْسَحُ عَلَى جَبِيرَةِ الْكَسْرِ. وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الصُّوفِ، بَلْ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ نَزْعَهُ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِ. حَكَاهَا فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمَا: رِوَايَةً بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ. لَكِنَّهُمْ بَنَوْهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَطَهَّرْ، وَقُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي عِنْدَ التَّحْقِيقِ:

أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ، كَمَا سَيَأْتِي. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الطَّهَارَةُ قَبْلَهَا شَرْطٌ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْمَسْحِ. فَعَلَيْهَا لَا يَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالتُّرَابِ. فَلَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ سَقَطَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُعِيدُ إذَنْ. وَقِيلَ: هَلْ يَقَعُ التَّيَمُّمُ عَلَى حَائِلٍ فِي مَحَلِّهِ كَمَسْحِهِ بِالْمَاءِ، أَمْ لَا؛ لِضَعْفِ التُّرَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُمَا فِيمَا إذَا اشْتَرَطْنَا الطَّهَارَةَ، وَخَافَ مِنْ نَزْعِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إلَى حَلِّهَا، وَأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَوْلُهُ {إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ} . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ يَتَجَاوَزُهَا إلَى جُرْحٍ، أَوْ وَرَمٍ، أَوْ شَيْءٍ يُرْجَى بِهِ الْبُرْءُ أَوْ سُرْعَتُهُ. وَقَدْ يُضْطَرُّ إلَى الْجَبْرِ بِعَظْمٍ يَكْفِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا يَجِدُ سِوَاهُ، وَلَا مَا يُجْبَرُ بِهِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ الْخَلَّالِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعَصَائِبِ كَيْفَمَا شَدَّهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. فَائِدَةٌ: مُرَادُ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " وَإِذَا شَدَّ الْكَسِيرُ الْجَبَائِرَ وَكَانَ طَاهِرًا وَلَمْ يَعْدُ بِهَا مَوْضِعَ الْكَسْرِ " أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهَا تَجَاوُزًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ إنَّمَا تُوضَعُ عَلَى طَرَفَيْ الصَّحِيحِ لِيَنْجَبِرَ الْكَسْرُ. قَالَهُ شُرَّاحُهُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: إذَا تَجَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ. فَإِنْ خَافَ التَّلَفَ سَقَطَ عَنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إنْ خَافَ الضَّرَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ " فِيمَنْ جَبَرَ كَسْرَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ " عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا.

وَحَيْثُ قُلْنَا يَسْقُطُ النَّزْعُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ [وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ، وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا لَا يَمْسَحُ زِيَادَةً عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَيْهَا يَتَيَمَّمُ لِلزَّائِدِ، وَلَا يُجْزِيهِ مَسْحُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُجْزِيهِ الْمَسْحُ أَيْضًا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ. يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْجَبِيرَةِ. وَخَافَ. وَمِنْهَا: لَوْ تَأَلَّمَتْ إصْبَعُهُ فَأَلْقَمَهَا مَرَارَةً، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَعَلَ فِي شِقِّ فَأْرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ. جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ. بَلْ يَتَيَمَّمُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَغْسِلُهُ، وَلَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَقْلَعُهُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا. فَيُصَلِّي وَيُعِيد. وَمِنْهَا: لَوْ انْقَطَعَ ظُفْرُهُ، أَوْ كَانَ بِإِصْبَعِهِ جُرْحٌ، أَوْ فَصَادٌ. وَخَافَ إنْ أَصَابَهُ أَنْ يَنْدَقَّ فِي الْجُرْحِ، أَوْ وَضَعَ دَوَاءً عَلَى جُرْحٍ، أَوْ وَجَعٍ وَنَحْوِهِ. جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي اللُّصُوقِ عَلَى الْجُرُوحِ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِهِ ضَرَرٌ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ. وَيَمْسَحُ عَلَى مُوضِحِ الْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَزْعِهِ ضَرَرٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ يَمْسَحُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَمْسَحُ عَلَى جَبِيرَةِ الْكَسْرِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى لُصُوقٍ، بَلْ يَتَيَمَّمُ إلَّا إنْ خَافَ نَزْعَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَمِنْهَا: الْجَبِيرَةُ النَّجِسَةُ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَالْخِرَقُ النَّجِسَةُ، يَحْرُمُ الْجَبْرُ بِهَا وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ، وَالصَّلَاةُ فِيهَا بَاطِلَةٌ. كَالْخُفِّ النَّجِسِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: النَّجِسَةُ كَالطَّاهِرَةِ.

وَإِنْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَصَبٍ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا احْتِمَالَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَالْحَرِيرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ شَدَّ جَبِيرَةً حَلَالًا مَسَحَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا إذَا مَنَعْنَا مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْحَرِيرِ وَالْغَصْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِلَّا حَيْثُ أَجَزْنَا هُنَاكَ فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَوْلُهُ {وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ وَرَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ} . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْكَافِي: بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْعُمْدَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَبْنَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى طُرُقٍ. فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمُوَالَاةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى هَذَا: لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، أَجْزَأَهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ: هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَمْ لَا؟ وَقَطَعَ

بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ: هُوَ وَأَبُو الْمَعَالِي وَحَفِيدُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَرْفَعُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَةَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فِي أَثْنَاءِ النِّيَّةِ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ، وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَيَأْتِي فِي آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي غُسِلَ قَبْلَ تَمَامِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: إذَا حَدَثَ الْمُبْطِلُ فِي الصَّلَاةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. اخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقُلْت: إنْ ارْتَفَعَ حَدَثُهُمْ بَنَوْا، وَإِلَّا اسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ. وَخَرَّجَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ". وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، نَظَرًا لِإِطْلَاقِهِمْ. وَمِنْهَا: لَوْ زَالَتْ الْجَبِيرَةُ فَهِيَ كَالْخُفِّ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا.

وَقِيلَ: طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْبُرْءِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَقَاءَهَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَبَعْدَهُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ. وَمِنْهَا: خُرُوجُ الْقَدَمِ أَوْ بَعْضِهِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ كَخَلْعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا، إنْ خَرَجَ بَعْضُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ: وَإِنْ أَخْرَجَ قَدَمَهُ أَوْ بَعْضَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْخَلْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ إنْ جَاوَزَ الْعَقِبُ حَدَّ مَوْضِعِ الْغَسْلِ: أَثَّرَ، وَدُونَهُ لَا يُؤَثِّرُ. وَعَنْهُ إنْ خَرَجَ الْقَدَمُ إلَى سَاقِ الْخُفَّيْنِ لَا يُؤَثِّرُ. قَالَ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي خُرُوجِ بَعْضِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ رِوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. وَمِنْهَا: لَوْ رَفَعَ الْعِمَامَةَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا زَالَتْ عَنْ رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَفْحُشْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: إذَا لَمْ يَرْفَعْهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ: تَبْطُلُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا ظَهَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْضُ رَأْسِهِ أَوْ قَدَمِهِ بَطَلَتْ. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْحَائِلِ لِيَحُكَّ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ الرَّأْسِ: لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَقَضَ جَمِيعَ الْعِمَامَةِ بَطَلَ وُضُوءُهُ. وَإِنْ نَقَضَ مِنْهَا كَوْرًا أَوْ كَوْرَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ حَنَّكَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. إحْدَاهُمَا: يَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَتِهِ وَفَحُشَ. وَقِيلَ: وَلَوْ كُورًا تَبْطُلُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ انْتَقَضَ مِنْهَا كُورٌ وَاحِدٌ بَطَلَتْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَزَعَ خُفًّا فَوْقَانِيًّا كَانَ قَدْ مَسَحَهُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: يَلْزَمُهُ نَزْعُ التَّحْتَانِيِّ. فَيَتَوَضَّأُ كَامِلًا، أَوْ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ، عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ، فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَمْسَحُ التَّحْتَانِيَّ مُفْرَدًا عَلَى الْخِلَافِ [اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. لَكِنْ قَالَ: الْأَوْلَى] وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخُفِّ الْفَوْقَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيِّ بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْغَسْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ. وَالتَّحْتَانِيُّ كَلِفَافَةٍ. وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ التَّحْتَانِيِّ، وَالتَّحْتَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْقَدَمِ. وَقِيلَ: هُمَا كَظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إلَّا الْجَبِيرَةُ " اعْلَمْ أَنَّ الْجَبِيرَةَ تُخَالِفُ الْخُفَّ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا: أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ تَقَدُّمَ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، عَلَى رِوَايَةٍ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَهِيَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ. وَمِنْهَا: عَدَمُ التَّوْقِيتِ بِمُدَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: وُجُوبُ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِهَا. وَمِنْهَا: دُخُولُهَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: أَنَّ شَدَّهَا مَخْصُوصٌ بِحَالِ الضَّرُورَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا عَزِيمَةٌ، بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى عِمَامَةٍ، أَوْ لَبِسَ عِمَامَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى خُفٍّ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى اشْتِرَاطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ مُسْتَوْفًى. فَلْيُعَاوَدْ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ فِيهَا عَلَى الْخِرَقِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

باب نواقض الوضوء

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ سَتْرُ مَحَلِّ الْفَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ، بِخِلَافِ الْخُفِّ. [وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ الْمَسْحُ بِخِلَافِ الْخُفِّ] . وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى الْمُحَقَّقِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فِيهِ، عَلَى قَوْلٍ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً قَدْ خَالَفَتْ الْجَبِيرَةُ فِيهَا الْخُفَّ فِي الْأَحْكَامِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا فِيهِ خِلَافٌ، بَعْضُهُ ضَعِيفٌ. وَمَرْجِعُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ مُعْظَمِهِ إلَى أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عَزِيمَةٌ، وَمَسْحَ الْخُفِّ وَنَحْوِهِ رُخْصَةٌ. [بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْحَدَثُ يَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. كَالْجَنَابَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: لَا يَحِلُّ إلَّا أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ فَقَطْ. وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالْحَدَثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَجِبُ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَنْ. وَوُجُوبُ الشَّرْطِ بِوُجُوبِ الْمَشْرُوطِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْغُسْلِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.

قَوْلُهُ {وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ: قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا} ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الذَّكَرِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا فِي الرِّيحِ يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ: أَنْ لَا يَنْقُضَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: هُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا. وَأَطْلَقَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ خَرَجَ: نَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالُوا: إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَتَنٍ يَصْحَبُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْقُضُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ خَرَجَ مَا قَطَرَهُ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يَنْقُضُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَابْنُ تَمِيمٍ فِيمَا إذَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَالَ: فِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي نَجَاسَتِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَ إنْ خَرَجَ سَائِلًا بِبَلٍّ نَجِسٍ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ احْتَشَى فِي قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ قُطْنًا أَوْ مِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ بَلَلٌ: نَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ خَرَجَ نَاشِفًا، فَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ، رَجَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَمَّا إذَا احْتَشَى قُطْنًا. وَقِيلَ: يَنْقُضُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ خَاصَّةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: إذَا خَرَجَتْ الْحُقْنَةُ مِنْ الْفَرْجِ نَقَضَتْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: نَقَضَتْ وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبُ. وَهَكَذَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ دُونَ الْفَرْجِ

فَدَبَّ مَاؤُهُ. فَدَخَلَ الْفَرْجَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ نَقَضَ. وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحُقْنَةِ أَوْ الْمَنِيِّ شَيْءٌ فَقِيلَ: يَنْقُضُ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُحْتَقِنُ قَدْ أَدْخَلَ رَأْسَ الزَّرَّاقَةِ نَقَضَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْمَنِيِّ. وَالْحُقْنَةُ مِثْلُهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ إذَا كَانَتْ الْحُقْنَةُ فِي الدُّبُرِ، دُونَ الْقُبُلِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: لَوْ ظَهَرَتْ مَقْعَدَتُهُ فَعَلِمَ أَنَّ عَلَيْهَا بَلَلًا: لَمْ يَنْقُضْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَإِنْ جَهِلَ أَنَّ عَلَيْهَا بَلَلًا لَمْ يُنْتَقَضْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْقُضُ، وَجَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إذَا خَرَجَتْ مَقْعَدَتُهُ وَمَعَهَا بِلَّةٌ لَمْ تَنْفَصِلْ عَنْهَا ثُمَّ عَادَتْ. وَمِنْهَا: لَوْ ظَهَرَ طَرَفُ مُصْرَانٍ، أَوْ رَأْسُ دُودَةٍ: نَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ. وَمِنْهَا: لَوْ صَبَّ دُهْنًا فِي أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا: لَمْ يَنْقُضْ. وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَنْقُضُ. وَمِنْهَا: إذَا خَرَجَتْ الْحَصَاةُ مِنْ الدُّبُرِ، فَهِيَ نَجِسَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ الْحَصَاةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ طَاهِرَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا}

قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا. فَائِدَةٌ: لَوْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ غَيْرُ بَوْلٍ وَغَائِطٍ، وَكَانَ يَسِيرًا: لَمْ يَنْقُضْ عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَنْقُضْ فِي الْأَشْهَرِ. قَوْلُهُ {الثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ} فَإِنْ كَانَتْ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا نَقَضَ قَلِيلهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، أَعْنِي سَوَاءً كَانَ السَّبِيلَانِ مَفْتُوحَيْنِ أَوْ مَسْدُودَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْ تَحْتِهَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَا تَحْتَ الْمَعِدَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ وَفُتِحَ غَيْرُهُ. فَأَحْكَامُ الْمُخْرَجِ بَاقِيَةٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ سُدَّ خِلْقَةً. فَسَبِيلُ الْحَدَثِ الْمُنْفَتِحِ وَالْمَسْدُودِ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى. انْتَهَى. وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُنْفَتِحِ أَحْكَامُ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْقُضُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْهُ، وَهُوَ مُخْرَجٌ لِلْمَجْدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ فِيهِ فِي بَابِهِ. قَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَتْ غَيْرُهَا: لَمْ يَنْقُضْ، إلَّا كَثِيرًا} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى أَنَّ قَلِيلَهَا يَنْقُضُ. وَهِيَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: لَا يَنْقُضُ الْكَثِيرُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: لَا يَنْقُضُ الْكَثِيرُ مِنْ غَيْرِ الْقَيْءِ. وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَالْمِدَّةُ، إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَثُرَ. ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: يَنْقُضُ كَثِيرُ الْقَيْءِ وَيَسِيرُهُ، طَعَامًا كَانَ، أَوْ دَمًا، أَوْ قَيْحًا، أَوْ دُودًا، أَوْ نَحْوَهُ. وَقِيلَ: إنْ

قَاءَ دَمًا أَوْ قَيْحًا: أُلْحِقَ بِدَمِ الْجُرُوحِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ. وَفِيهِ: لَا يَنْقُضُ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَالْمِدَّةُ إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَثُرَ. ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَنَفَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمَجْدُ. وَالنَّقْضُ بِخُرُوجِ الدُّودِ وَالدَّمِ الْكَثِيرِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، قَوْلُهُ {وَهُوَ مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ} كَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. هَذَا تَفْسِيرُ لِحَدِّ الْكَثِيرِ. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ. وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْخَلَّالُ: الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ حَدَّ الْفَاحِشِ: مَا اسْتَفْحَشَهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ. وَتَبِعَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مَا يَفْحُشُ فِي الْقَلْبِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَكَثِيرٌ نَجِسٌ عُرْفًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْكَثِيرُ قَدْرُ الْكَفِّ. وَعَنْهُ قَدْرُ عَشْرِ أَصَابِعَ. وَعَنْهُ هُوَ مَا لَوْ انْبَسَطَ جَامِدَةُ، أَوْ انْضَمَّ مُتَفَرِّقَةُ: كَانَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ هُوَ مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ. حَكَاهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَحَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ: أَنَّ الْيَسِيرَ: قَطْرَتَانِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ مَصَّ الْعَلَقُ أَوْ الْقُرَادُ دَمًا كَثِيرًا: نَقَضَ الْوُضُوءَ. وَلَوْ مَصَّ الذُّبَابُ أَوْ الْبَعُوضُ: لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ، وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَرِبَ مَاءً وَقَذَفَهُ فِي الْحَالِ نَجُسَ وَنُقِضَ كَالْقَيْءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَوَجَّهَ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا أَنَّهُ كَالْقَيْءِ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَغَيَّرَ. الثَّالِثَةُ: لَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الرَّأْسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الصَّدْرِ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَنَصَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ طَهَارَةُ بَلْغَمِ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ، وَهُوَ نَجِسٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا يَنْقُضُ بَلْغَمٌ كَثِيرٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ بَلَى. فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ بَلْغَمِ الرَّأْسِ فِي الْخِلَافِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ أَيْضًا فِي بَلْغَمِ الرَّأْسِ إذَا انْعَقَدَ وَازْرَقَّ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَنْقُضُ بَلْغَمُ الرَّأْسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي بَلْغَمِ الصَّدْرِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ. وَفِي نَجَاسَته وَجْهَانِ، وَالثَّانِيَةُ: هِيَ كَالْمَنِيِّ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ. وَيَأْتِي حُكْمُ طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ {الثَّالِثُ: زَوَالُ الْعَقْلِ إلَّا النَّوْمَ الْيَسِيرَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا} زَوَالُ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ لَا يَنْقُضُ إجْمَاعًا. وَيَنْقُضُ بِالنَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ بِحَالٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ الْخَلَّالُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ خَطَأٌ بَيِّنٌ. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ،

وَيَنْقُضُ كَثِيرُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْجَالِسِ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحُكِيَ عَنْهُ لَا يَنْقُضُ غَيْرُ نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ النَّقْضِ بِالنَّوْمِ: نَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ كَثُرَ، عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. ذَكَرُوهُ فِي خَصَائِصِهِ، فَيُعَايَى بِهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ نَوْمَ الْقَائِمِ كَنَوْمِ الْجَالِسِ. فَلَا يَنْقُضُ الْيَسِيرُ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَالِسِ وَالْقَائِمِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، الْأَوْلَى: إلْحَاقُ الْقَائِمِ بِالْجَالِسِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ مِنْ الْجَالِسِ قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، إذَا كَانَ يَسِيرًا: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَنْقُضُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْكَافِي: الْأَوْلَى إلْحَاقُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُضْطَجِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ: لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَصَاحِبِ الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ. وَيَنْقُضُ نَوْمُ السَّاجِدِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ نَوْمَ الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَوَكِّئِ وَالْمُحْتَبِي الْيَسِيرِ: يَنْقُضُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ: أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ بِشَرْطِهِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ ظَنَّ بَقَاءَ طُهْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْخَلَّالُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: مِقْدَارُ النَّوْمِ الْيَسِيرِ: مَا عُدَّ يَسِيرًا فِي الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ مَا لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ هَيْئَتِهِ كَسُقُوطِهِ وَنَحْوِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: هُوَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ نَوْمِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْرُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ يَسِيرٌ. وَعَنْهُ إنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ يَسِيرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، الثَّالِثَةُ: حَيْثُ يَنْقُضُ النَّوْمُ. فَهُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ

عَدَمَ خُرُوجِهِ وَبَقَاءَ الطَّهَارَةِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهَانِ: النَّوْمُ نَفْسُهُ حَدَثٌ. لَكِنْ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ {الرَّابِعُ: مَسُّ الذَّكَرِ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ مُطْلَقًا. بَلْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْهُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيه. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ سَهْوًا. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ غَيْرِ الْحَشَفَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَالْقَلَفَةُ كَالْحَشَفَةِ. وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْقَلَفَةِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ غَيْرُ مَسِّ الثَّقْبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ الْمَيِّتِ، وَالصَّغِيرِ، وَفَرْجِ الْمَيِّتَةِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ الطِّفْلِ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ إنْ كَانَ عُمْرُهُ دُونَ سَبْعٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَسُّ الذَّكَرِ لِلَّذَّةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَهَلْ يَنْقُضُ مَسُّهُ لِغَيْرِ لَذَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مَسُّ الذَّكَرِ بِيَدِهِ " إنَّ الْمُمَاسَّةَ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ: يَنْقُضُ إذَا مَسَّهُ بِشَهْوَةٍ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مَسُّ الذَّكَرِ " عَدَمُ النَّقْضِ بِغَيْرِ الْمَسِّ. فَلَا يَنْقُضُ بِانْتِشَارِهِ بِنَظَرٍ، أَوْ فِكْرٍ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ بِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ دُونَ دَوَامِ الْفِكْرِ. الثَّالِثُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " مَسُّ الذَّكَرِ " ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً بِاخْتِصَاصِ النَّقْضِ بِمَسِّ ذَكَرِ نَفْسِهِ. الرَّابِعُ: وَشَمِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا: الذَّكَرَ الصَّحِيحَ وَالْأَشَلَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: مَسُّ الذَّكَرِ الْأَشَلِّ كَمَسِّ ذَكَرٍ زَائِدٍ. فَلَا يَنْقُضُ فِي الْأَصَحِّ، الْخَامِسُ: مُرَادُهُ بِالذَّكَرِ " ذَكَرُ الْآدَمِيِّ " فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ، وَفِي مَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ احْتِمَالٌ بِالنَّقْضِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ، شَيْخُ ابْنِ تَمِيمٍ. السَّادِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " بِيَدِهِ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسُّ بِأَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ، كَالْإِصْبَعِ وَالْيَدِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِزَائِدٍ. السَّابِعُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِيَدِهِ " غَيْرُ الظُّفْرِ. فَإِنْ مَسَّهُ بِالظُّفْرِ لَمْ يَنْقُضْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هُوَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ، هَذَا جَادَّةُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّمْسُ بِالظُّفْرِ كَلَمْسِهِ يَعْنِي مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَقِيلَ: يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّامِنُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِيَدِهِ " أَنَّهُ لَوْ مَسَّهُ بِغَيْرِ يَدِهِ لَا يَنْقُضُ. وَفِيهِ تَفْصِيلٌ. فَإِنَّهُ تَارَةً يَمَسُّهُ بِفَرْجٍ غَيْرِ ذَكَرٍ. وَتَارَةً يَمَسُّهُ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ مَسَّهُ بِفَرْجٍ غَيْرِ ذَكَرٍ: نَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ: يَنْقُضُ مَسُّهُ بِفَرْجٍ. وَالْمُرَادُ: لَا ذَكَرُهُ بِذَكَرِ غَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَإِنْ مَسَّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُضْ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَأْتِي: لَوْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَ الرَّجُلِ أَوْ عَكْسَهُ. هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَسِّ الْفَرْجِ، أَوْ مَسِّ النِّسَاءِ؟

التَّاسِعُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ غَيْرُ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ مَا انْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ، أَوْ تَحْتَهَا مَعَ بَقَاءِ الْمَخْرَجِ وَعَدَمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ نَقَضَ فِي الْأَضْعَفِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ {بِبَطْنِ كَفِّهِ أَوْ بِظَهْرِهِ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَالنَّقْضُ بِظَاهِرِ الْكَفِّ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا نَقْضَ إلَّا إذَا مَسَّهُ بِكَفِّهِ فَقَطْ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِظَهْرِ يَدِهِ: فَفِي نَقْضِهِ بِحَرْفِ كَفِّهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: الْأَوْلَى النَّقْضُ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، قَوْلُهُ {وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَحَكَاهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ {وَفِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَجْهَانِ} . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي شُرُوحِهِمْ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: عَدَمُ النَّقْضِ أَقْوَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: يَنْقُضُ مَسُّهُ وَلَوْ مُنْفَصِلًا فِي وَجْهٍ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنْتَخَبِ. فَقَالُوا: يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمُتَّصِلِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يَنْقُضُ، وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ. تَنْبِيهٌ: حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مُرَادُهُ بِالْمَقْطُوعِ: الْبَائِنُ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْبَاقِي مِنْ أَصْلِ الْمَقْطُوعِ، حُكْمُ الْبَائِنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي: يَنْقُضُ مَحَلُّ الذَّكَرِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: لَوْ جَبَّ الذَّكَرَ فَمَسَّ مَحَلَّ الْجَبِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ شَاخِصٌ وَاكْتَسَى بِالْجِلْدِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الذَّكَرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْغُلْفَةِ إذَا قُطِعَتْ، لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالْحُرْمَةِ، وَلَا مَسُّ عُضْوٍ مَقْطُوعٍ مِنْ امْرَأَةٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت غَيْرَ فَرْجِهَا. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ: لَا يَنْقُضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى ذِكْرِ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ فِي أُصُولِ مَسِّ الْخُنْثَى. وَادَّعَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِهِ مِنْ أُصُولِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَتَانِ فِي الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ كَمَا هِيَ فِي مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ. وَبَيَّنَ فَسَادَهُ.

وَيَأْتِي ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا بَعْدَ نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ. قَوْلُهُ {وَإِذَا لَمَسَ قُبُلَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَذَكَرَهُ: انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ إلَّا أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ} قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا مَسَّ قُبُلَ الْخُنْثَى: انْبَنَى لَنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أُصُولٍ أَحَدُهَا: مَسُّ الذَّكَرِ. وَالثَّانِي: مَسُّ النِّسَاءِ. وَالثَّالِثُ: مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا. وَالرَّابِعُ: هَلْ يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ أَمْ لَا؟ . قُلْت: وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ فِي حَقِّهِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَعَدَمَهُ. تَمَسَّكْنَا بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ نُزِلْهَا بِالشَّكِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّمْسَ يَخْتَلِفُ. هَلْ هُوَ لِلْفَرْجَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا؟ وَهَلْ هُوَ مِنْ الْخُنْثَى نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْهُمَا؟ وَهَلْ الْغَيْرُ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى؟ وَاللَّمْسُ مِنْهُمْ هَلْ هُوَ لِشَهْوَةٍ، أَوْ لِغَيْرِهَا؟ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَتَلَخَّصَ هُنَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ. وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ أَوْ عَكْسَهُ، لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا. وَتَارَةً تَمَسُّ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ، أَوْ خُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ، أَوْ عَكْسَهُ، لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا. وَتَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ، وَخُنْثَى آخَرُ قُبُلَهُ، أَوْ عَكْسَهُ، لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا. وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ. وَيَمَسُّ الذَّكَرَ أَيْضًا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ خُنْثَى آخَرُ، لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَيَمَسُّ الْقُبُلَ أَيْضًا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. أَوْ خُنْثَى آخَرُ لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ، أَوْ يَمَسُّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى قُبُلَهُ، لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ. وَيَمَسُّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ، لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَتَارَةً يَمَسُّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ أَوْ ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَيَمَسُّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى فَرْجَيْهِ جَمِيعًا، لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَتَارَةً يَمَسُّ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ، وَامْرَأَةٌ أَحَدَهُمَا، أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ يَمَسُّ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ وَخُنْثَى آخَرُ أَحَدَهُمَا أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ تَمَسُّ امْرَأَةٌ فَرْجَيْهِ، وَخُنْثَى آخَرُ أَحَدَهُمَا أَوْ عَكْسَهُ فَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ صُورَةً يَحْصُلُ النَّقْضُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا. فَمِنْهَا: إذَا لَمَسَ فَرْجَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً، أَوْ خُنْثَى آخَرَ، أَوْ هُوَ نَفْسُهُ. وَمِنْهَا: إذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَمِنْهَا: إذَا لَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ بِشَهْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَدَمُ النَّقْضِ، وَهُوَ وَجْهٌ. فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ. وَأَمَّا الْخُنْثَى نَفْسُهُ: فَيُتَصَوَّرُ نَقْضُ وُضُوئِهِ إذَا قُلْنَا بِنَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ فِي صُوَرٍ. مِنْهَا: إذَا لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ، أَوْ عَكْسَهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهَا. وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ، وَمَسَّهُ الْخُنْثَى نَفْسُهُ أَيْضًا. وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَلَمَسَ رَجُلٌ قُبُلَهُ لِشَهْوَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ أَيْضًا لِشَهْوَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِشَهْوَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَلَمَسَ رَجُلٌ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا لِشَهْوَةٍ.

وَمِنْهَا: لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا لِشَهْوَةٍ. فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ. وَيُتَصَوَّرُ نَقْضُ وُضُوءِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ فِي مَسَائِلَ. مِنْهَا: لَوْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَهُ وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْهَا. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ رَجُلٌ قُبُلَهُ وَامْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَوْ شَهْوَةٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَسَّ فَرْجًا أَصْلِيًّا. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَهُ وَخُنْثَى آخَرُ قُبُلَهُ. فَقَدْ مَسَّ أَحَدُهُمَا فَرْجَهُ الْأَصْلِيَّ يَقِينًا. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ رَجُلٌ قُبُلَهُ، وَخُنْثَى آخَرُ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْ أَحَدِهِمَا مَسُّ فَرْجٍ أَصْلِيٍّ. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ الْخُنْثَى ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَامْرَأَةٌ قُبُلَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ لَمَسَ ذَكَرَهُ، أَوْ امْرَأَةٌ لَمَسَتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهَا. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ، أَوْ امْرَأَةٌ مَسَّتْ فَرْجَهَا. وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَامْرَأَةٌ ذَكَرَهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَمِنْهَا: لَوْ مَسَّ الْخُنْثَى قُبُلَ نَفْسِهِ، وَخُنْثَى آخَرُ لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، لِتَيَقُّنِ زَوَالِ طُهْرِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِمَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ اللَّمْسُ مِنْ اثْنَيْنِ. أَمَّا إنْ وُجِدَ مِنْ وَاحِدٍ: فَإِنْ مَسَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يُنْتَقَضْ إلَّا أَنْ يَمَسَّ مَا لَهُ مِنْهُ بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ مَسَّهُمَا جَمِيعًا اُنْتُقِضَ، سَوَاءٌ كَانَ اللَّامِسُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى، أَوْ هُوَ لِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَ مَسْأَلَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمَسَ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى، وَلَمَسَ الْخُنْثَى ذَكَرَ الرَّجُلِ: اُنْتُقِضَ وُضُوءُ الْخُنْثَى. وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ، إنْ وُجِدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا شَهْوَةٌ، وَإِلَّا فَلَا.

وَلَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى فَرْجَ امْرَأَةٍ، وَلَمَسَتْ امْرَأَةٌ قُبُلَهُ: اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُمَا، إنْ كَانَ لِشَهْوَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلَوْ لَمَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ ذَكَرَ الْآخَرِ أَوْ قُبُلَهُ فَلَا نَقْضَ فِي حَقِّهِمَا. فَإِنْ مَسَّ أَحَدُهُمَا ذَكَرَ الْآخَرِ وَالْآخَرُ قُبُلَ الْأَوَّلِ: اُنْتُقِضَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. إنْ كَانَ لِشَهْوَةٍ وَإِلَّا فَلَا. فَيُلْحَقُ حُكْمُهُ بِمَا قَبْلَهُ. وَإِذَا تَوَضَّأَ الْخُنْثَى وَلَمَسَ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَطَهَّرَ، وَلَمَسَ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، أَوْ فَاتَتْهُ: لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا دُونَ الْوُضُوءِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ {وَفِي مَسِّ الدُّبُرِ وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا رِوَايَتَانِ} يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ يَنْقُضُ مَسُّ الذَّكَرِ. أَمَّا مَسُّ حَلْقَةِ الدُّبُرِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَنْقُضُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهِيَ أَصَحُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارِ الْأَكْثَرِينَ: الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقُضُ: قَالَ الْخَلَّالُ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِي قَوْلِهِ وَحُجَّتِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَنْقُضُ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. فَإِنَّهُمَا مَا ذَكَرَا إلَّا الذَّكَرَ. وَأَمَّا مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي،

وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَنْقُضُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَقَطَعَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَنْقُضُ كَإِسْكَتَيْهَا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُغْنِي عَدَمُ النَّقْضِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَلْمُوسُ فَرْجَهَا، أَوْ فَرْجَ غَيْرِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَفِي مَسِّهَا فَرْجَ نَفْسِهَا وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَوْجَهَ قِيَاسًا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلنَّقْضِ بِذَلِكَ الشَّهْوَةُ. وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ جَارٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ. الثَّانِيَةُ: هَلْ مَسُّ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ، أَوْ مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَ الرَّجُلِ: مِنْ قَبِيلِ مَسِّ النِّسَاءِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَسِّ الْفَرْجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ، وَغَيْرُهُمْ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ لَمْسِ الْفَرْجِ. فَلَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ شَهْوَةٌ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَسِّ النِّسَاءِ: اُشْتُرِطَ الشَّهْوَةُ عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ {الْخَامِسُ: أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَلَوْ بَاشَرَ مُبَاشَرَةً فَاحِشَةً. وَقِيلَ: إنْ انْتَشَرَ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْأُنْثَى: اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسْتَحَبُّ إنْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ مَسِّ الْمَرْأَةِ بَشَرَةَ الرَّجُلِ: حُكْمُ مَسِّ الرَّجُلِ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْقُضُ لَمْسُهُ لَهَا. وَهِيَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَسَّ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ، وَمَسَّ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ: لَا يَنْقُضُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَيَنْقُضُ مَسُّ أَحَدِهِمَا لِلْخُنْثَى، وَمَسُّهُ لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَخَرَّجَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ النَّقْضَ بِمَسِّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةِ السِّحَاقِ. الثَّانِي: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ الْمَيْتَةُ: وَالصَّغِيرَةُ، وَالْعَجُوزُ، وَذَاتُ الْمَحْرَمِ. فَهُنَّ كَالشَّابَّةِ الْحَيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. أَمَّا الْمَيْتَةُ: فَهِيَ كَالْحَيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ،

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَابْنُ الْبَنَّا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ: فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَصَرَّحَ الْمَجْدُ. أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الطِّفْلَةِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ لَمْسُ الَّتِي تُشْتَهَى. قُلْت: لَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ: وَأَمَّا الْعَجُوزُ: فَهِيَ كَالشَّابَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: لَوْ لَمَسَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَنْ لَهَا شَهْوَةٌ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ نَقْضُ وُضُوئِهَا إنْ حَصَلَ لَهَا شَهْوَةٌ، لَا نَقْضُ وُضُوئِهِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا ذَاتُ الْمَحْرَمِ: فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ،

وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَاهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ، فَائِدَةٌ: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إلْحَاقَ الْأَرْبَعَةِ بِغَيْرِهِنَّ عَلَى رِوَايَةِ النَّقْضِ بِشَهْوَةٍ. وَقَدَّمَ عَلَى رِوَايَةِ النَّقْضِ مُطْلَقًا عَدَمَ الْإِلْحَاقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الثَّانِي. فَائِدَةٌ: لَمْسُ الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ لِشَهْوَةٍ لَا يَنْقُضُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ بَلَى. قَالَ الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ النَّقْضُ، إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى " الْمَسُّ بِخِلْقَةٍ زَائِدَةٍ مِنْ اللَّامِسِ أَوْ الْمَلْمُوسِ، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالْإِصْبَعِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِزَائِدٍ، وَلَا مَسُّ الزَّائِدِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَنْقُضَ عَلَى مَا وَقَعَ لِي؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَسَّ الذَّكَرَ الزَّائِدَ. فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ. كَذَا هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ أَصْلِيٍّ بِزَائِدٍ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا: اللَّمْسَ بِيَدٍ شَلَّاءَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَالشَّعْرِ. لِأَنَّهَا لَا رُوحَ فِيهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ أَصْلِيٍّ بِأَشَلَّ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. قَوْلُهُ {وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَنْقُضُ.

قَوْلُهُ {وَالْأَمْرَدُ} يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لَمْسُهُ، وَلَوْ كَانَ لِشَهْوَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ إذَا كَانَ بِشَهْوَةٍ. وَحَكَاهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَحَكَاهُ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةً، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَجِّهٌ. وَنَصَرَهُ. قُلْت: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّهُ يَنْقُضُ مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةٍ. فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَوْلُهُ {وَفِي نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُ اللَّامِسِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَالْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْقُضُ وَضُوءُهُ أَيْضًا، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ إنْ كَانَ الْمَلْمُوسُ رَجُلًا، اُنْتُقِضَ طُهْرُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَنْقُضُ وُضُوءَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا. وَقِيلَ: مَعَ الشَّهْوَةِ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَلْمُوسِ، إذَا قُلْنَا: يُنْتَقَضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا. لَا يُنْتَقَضُ فَالْمَلْمُوسُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى.

فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا الشَّهْوَةَ فِي الْمَلْمُوسِ. قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ قَوْلِهِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اكْتِفَاءً مِنْهُمْ بِبَيَانِ حُكْمِ اللَّامِسِ، وَأَنَّ الشَّهْوَةَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ، وِفَاقًا لِلشَّيْخَيْنِ يَعْنِي بِهِمَا الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ فِيمَا إذَا وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ مِنْ الْمَلْمُوسِ. قَالَ الْمَجْدُ: يَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ رِوَايَةُ النَّقْضِ عَنْهُ عَلَى مَا إذَا الْتَذَّ الْمَلْمُوسُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: إذَا قُلْنَا بِالنَّقْضِ فِي الْمَلْمُوسِ: اعْتَبَرْنَا الشَّهْوَةَ فِي الْمَشْهُورِ كَمَا نَعْتَبِرُهَا مِنْ اللَّامِسِ. حَتَّى يُنْتَقَضَ وَضُوءُهُ إذَا وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ مِنْهُ دُونَ اللَّامِسِ، وَلَا يُنْتَقَضُ إذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ، وَإِنْ وُجِدَتْ عِنْدَ اللَّامِسِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ فَرْجُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ. وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ ذَكَرُهُ، بِخِلَافِ لَمْسِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَلْمُوسِ وَحَكَى عَدَمَ النَّقْضِ إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ فَرْجَ امْرَأَةٍ لَمْ يُنْتَقَضْ طُهْرُهَا بِحَالٍ، قَالَ: وَعَلَى رِوَايَةِ النَّقْضِ: إنْ كَانَ لِشَهْوَةٍ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهَا، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي النُّكَتِ: لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ فَرْجُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ، انْتَهَى وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ. قَوْلُهُ {السَّادِسُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَسْلَ الْمَيِّتِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ

مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلِبَعْضِ الْأَصْحَابِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ النَّقْضِ إذَا غَسَلَهُ فِي قَمِيصٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهِيَ أَظْهَرُ، تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرِّعَايَةِ مَسْأَلَةَ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِغَسْلِهِ: بِمَا إذَا قُلْنَا يَنْقُضُ مَسُّ الْفَرْجِ: وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْإِطْلَاقُ. وَقَدْ يَكُونُ تَعَبُّدِيًّا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: غَسْلُ بَعْضِ الْمَيِّتِ كَغَسْلِ جَمِيعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ غَسْلُ الْبَعْضِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، الثَّانِيَةُ: لَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ لَمْ يَنْقُضْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَنَّهُ كَالْغُسْلِ. قَوْلُهُ {السَّابِعُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: عَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ بِنَيْئِهِ فَقَطْ. ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ. وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَفَحُشَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَعَشْرِ سِنِينَ. وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ مُتَأَوِّلٌ. وَقِيلَ فِيهِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، عَدَمُ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ: هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. فَمَنْ عَلِمَ لَا يُعْذَرُ. وَعَنْهُ: بَلَى. مَعَ التَّأْوِيلِ. وَعَنْهُ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ} .

يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَنْقُضُ اللَّحْمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقُضُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا الْكَثِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ كَاللَّحْمِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: حَكَى الْأَصْحَابُ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْإِرْشَادِ وَجْهَيْنِ، قَوْلُهُ {وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ طِحَالِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ} . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقُضُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى اللَّحْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْقُضُ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يَنْقُضُ.

تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: حَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَحَكَى أَكْثَرُهُمْ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ أَكْلُ مَا عَدَا مَا ذَكَرَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا غَيْرِ اللَّحْمِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ، وَالْمَرَقِ، وَاللَّبَنِ، رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَحُكْمُ سَائِرِ أَجْزَائِهِ غَيْرُ اللَّحْمِ كَالسَّنَامِ، وَالْكَرِشِ، وَالدُّهْنِ، وَالْمَرَقِ، وَالْمُصْرَانِ، وَالْجِلْدِ حُكْمُ الطِّحَالِ، وَالْكَبِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي سَنَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَرَقِهِ وَكَرِشِهِ وَمُصْرَانِهِ وَقِيلَ: وَجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فِي شُحُومِهَا وَجْهَانِ. وَحَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ أَكْلَ الْأَطْعِمَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ الطَّعَامُ الْمُحَرَّمُ. وَعَنْهُ يَنْقُضُ اللَّحْمُ الْمُحَرَّمُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ يَنْقُضُ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ. وَبَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ تَخْرُجُ عَلَيْهِ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا لَحْمُ الْخَبِيثِ الْمُبَاحِ لِلضِّرْوَةِ، كَلَحْمِ السِّبَاعِ؟ فَيَنْبَنِي الْخِلَافُ فِيهِ عَلَى أَنَّ النَّقْضَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ؟ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ فَيُعْطَى حُكْمُهُ. بَلْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ. انْتَهَى قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ تَعَبُّدِيٌّ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ مُعَلَّلٌ. فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي حَدِيثٍ

آخَرَ «عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ» فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْرَثَ ذَلِكَ قُوَّةً شَيْطَانِيَّةً، فَشُرِعَ وَضُوءُهُ مِنْهَا لِيُذْهِبَ سُورَةَ الشَّيْطَانِ. قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: الرِّدَّةُ عَنْ الْإِسْلَامِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّدَّةَ عَنْ الْإِسْلَامِ تُنْقِضُ الْوُضُوءَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا تُنْقِضُ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ فِي النَّقْضِ بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا نَصَّ فِيهَا. فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخِصَالِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَخْرُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ: الرِّدَّةَ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. فَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَا تُنْقِضُ عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ: إنَّمَا تَرَكُوهَا لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الْوُضُوءُ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. فَقَالَ: لَا مَعْنَى لِجَعْلِهَا مِنْ النَّوَاقِضِ، مَعَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَهُ فَائِدَةٌ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ. فَإِنْ نَوَاهُمَا بِالْغُسْلِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْقَاضِي. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْقَاضِي: أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مُلَازِمٌ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ تُنْقِضُ الْوُضُوءَ: السَّامِرِيُّ. وَحَكَى ابْنُ حَمْدَانَ وَجْهًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ بِالِالْتِقَاءِ بِحَائِلٍ، وَلَا بِالْإِسْلَامِ. وَإِذَنْ يَنْتَفِي الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ غَيْرَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

خَارِجًا مِنْ السَّبِيلِ، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ. وَانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، وَالرِّدَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْإِيلَاجِ بِحَائِلٍ، إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْغُسْلِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قُلْت: مِنْهُمْ الْمَجْدُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْخِرَقِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ مَيِّتًا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ غَيْرُ الْمَوْتِ يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، إلَّا انْتِقَالُ الْمَنِيِّ، وَالْإِيلَاجُ مَعَ الْحَائِلِ، وَإِسْلَامُ الْكَافِرِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: مَا أَوْجَبَ غُسْلًا، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَعَ حَائِلٍ يَمْنَعُ الْمُبَاشَرَةَ بِلَا إنْزَالٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ. وَانْتِقَالِ الْمَنِيِّ بِلَا إنْزَالٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ، وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي وَجْهٍ، إنْ وَجَبَ غُسْلُهُ فِي الْأَشْهَرِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي بَابِ الْغُسْلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّوَاقِضِ: زَوَالُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوُهَا. بِشَرْطِهِ مُطْلَقًا. وَخُرُوجِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَهِيَ فِيهَا فِي وَجْهٍ. وَبُطْلَانِ الْمَسْحِ بِفَرَاغِ مُدَّتِهِ، وَخَلْعِ حَائِلِهِ، وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقًا. وَبُرْءُ مَحَلِّ الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا مُطْلَقًا كَقَلْعِهَا. وَانْتِقَاضُ كُورٍ أَوْ كُورَيْنِ مِنْ الْعِمَامَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَخَلْعِهَا. وَبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ الَّذِي كَمَّلَ بِهِ الْوُضُوءَ وَغَيْرَهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَبِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِمَا، وَزَوَالِ مَا أَبَاحَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى. قُلْت: كُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي أَمَاكِنِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ

الْمُصَنِّفُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ فِي أَبْوَابِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هُنَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ. فَأَمَّا الْمَخْصُوصُ: فَيُذْكَرُ عِنْدَ حُكْمِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِالنَّقْضِ بِذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِإِزَالَةِ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ، وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُنْقَضُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، فَائِدَةٌ: اقْتَصَرَ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ فِي كِتَابِهِ " الطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ " عَلَى النَّقْضِ بِالْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِغَيْرِهَا تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ) مَسَائِلُ مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، نَظَرَ فِي حَالِهِ قَبْلَهُمَا. فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ) . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَتَطَهَّرُ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ جَهِلَ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: لَوْ قِيلَ: يَتَطَهَّرُ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ يَقِينَ الطَّهَارَةِ قَدْ عَارَضَهُ يَقِينُ الْحَدَثِ. وَإِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا. وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا فَرْضَهُ بِيَقِينٍ. وَمِنْهَا: لَوْ تَيَقَّنَ فِعْلَ طَهَارَةٍ رَافِعًا بِهَا حَدَثًا، وَفِعْلَ حَدَثٍ نَاقِضًا بِهِ طَهَارَةً: فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا قَطْعًا. وَمِنْهَا: لَوْ جَهِلَ حَالَهُمَا، وَأَسْبَقَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا، فَهَلْ هُوَ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا، أَوْ ضِدُّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي.

قُلْت: وُجُوبُ الطَّهَارَةِ أَقْوَى وَأَوْلَى. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا جَهِلَ حَالَهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي النُّكَتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا. وَاخْتَارَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا أَنَّهُ يَكُونُ كَحَالِهِ قَبْلَهُمَا. وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَالَيْنِ: أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا فِي وَقْتٍ لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا: تَعَارَضَ هَذَا الْيَقِينُ وَسَقَطَ. وَكَانَ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، مِنْ حَدَثٍ أَوْ طَهَارَةٍ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَأَظُنُّ أَنَّ وَجِيهَ الدِّينِ بْنَ مُنَجَّا أَخَذَ اخْتِيَارَهُ مِنْ هَذَا. وَنَزَّلَ كَلَامَ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ، وَلَا يَدْرِي الْحَدَثَ: عَنْ طُهْرٍ أَوْ لَا؟ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا. وَمِنْهَا: لَوْ تَيَقَّنَ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ. فَهُوَ عَلَى ضِدِّ حَالِهَا قَبْلَهَا. وَمِنْهَا: لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَدَثَ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يَدْرِي الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَمْ لَا عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا فَهُوَ مُحْدِثٌ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْدَثَ: حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ) . أَمَّا تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ: فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الطَّوَافُ: فَتُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِلَا طَهَارَةٍ وَلَا يُجْزِيهِ. وَعَنْهُ يُجْزِيهِ. وَيُجْبَرُ بِدَمٍ. وَعَنْهُ: وَكَذَا الْحَائِضُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: لَا دَمَ

عَلَيْهَا لِعُذْرٍ. وَقَالَ: هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ لَهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: التَّطَوُّعُ أَيْسَرُ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ، وَفِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِئْهُ ". وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّ كِتَابَتِهِ وَجِلْدِهِ وَحَوَاشِيهِ، لِشُمُولِ اسْمِ الْمُصْحَفِ لَهُ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ. وَلَوْ كَانَ الْمَسُّ بِصَدْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ كِتَابَتِهِ فَقَطْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. قَالَ: لِشُمُولِ اسْمِ الْمُصْحَفِ. لِجَوَازِ جُلُوسِهِ عَلَى بِسَاطٍ عَلَى حَوَاشِيهِ كِتَابَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: لِلْجُنُبِ مَسُّ مَا لَهُ قِرَاءَتُهُ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: جَوَازُ مَسِّ الْجِلْدِ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَمَسُّ الْمُحْدِثُ مُصْحَفًا. وَقِيلَ: وَلَا جِلْدَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ مَسُّهُ، وَهُوَ تَارَةً مَسُّ الْمُصْحَفِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: رِوَايَةً بِالْجَوَازِ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَتَارَةً يَمَسُّ الْمَكْتُوبَ فِي الْأَلْوَاحِ. فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَتَارَةً يَمَسُّ اللَّوْحَ، أَوْ يَحْمِلُهُ. فَيَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي مَسِّ. الصِّبْيَانِ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ وَجْهٌ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا [قَالَ فِي الْفُرُوعِ] : وَيَجُوزُ فِي رِوَايَةِ مَسِّ صَبِيٍّ لَوْحًا كُتِبَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهُوَ [أَظْهَرُ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مُسْتَدْرَكِهِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِمَسِّهِ لِبَعْضِ الْقُرْآنِ. وَيُمْنَعُ

مِنْ جُمْلَتِهِ: وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ لَهُ عَشْرٌ فَصَاعِدًا، بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَحْرُمُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ، وَلَا فِي غَلَّافَتِهِ، أَوْ كُمِّهِ، أَوْ تَصَفُّحُهُ بِكُمِّهِ، أَوْ بِعُودٍ، أَوْ مَسُّهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ إلَّا لِوَرَّاقٍ لِحَاجَتِهِ. وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا إلَى بَقِيَّةِ الْحَوَائِلِ. وَأَبَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَفَرَّقَ بِأَنَّ كُمَّهُ وَعَبَاءَتَهُ: مُتَّصِلًا بِهِ. أَشْبَهَتْ أَعْضَاءَهُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَمْلِهِ بِعِلَاقَتِهِ، أَوْ فِي غِلَافِهِ، وَتَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ، أَوْ عُودٍ وَنَحْوِهِ، فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَجُوزُ مَسُّ ثَوْبٍ رُقِمَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ رِوَايَتَانِ. رَوَى ابْنُ عُبَيْدَانَ، فِي الثَّوْبِ الْمُطَرَّزِ بِالْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ فِي الْفِضَّةِ الْمَنْقُوشَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ فِي رِوَايَةِ مَسِّ ثَوْبٍ رُقِمَ بِهِ، وَفِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَوَازُ. قَالَ فِي النَّظْمِ، عَنْ الدِّرْهَمِ الْمَنْقُوشِ: هَذَا الْمَنْصُورُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْكَاغَدِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ: مَا لَا يُتَعَامَلُ بِهِ غَالِبًا لَا يَجُوزُ مَسُّهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَقَطَعَ الْمَجْدُ بِالْجَوَازِ فِي مَسِّ الْخَاتَمِ الْمَرْقُومِ فِيهِ قُرْآنٌ. وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ ثَوْبٍ كُتِبَ فِيهِ قُرْآنٌ.

وَمِنْهَا: يَجُوزُ حَمْلُ خُرْجٍ فِيهِ مَتَاعٌ وَفِيهِ مُصْحَفٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَسَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ الْمَتَاعِ أَوْ تَحْتَهُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ وَهُوَ فِيهِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ مَسُّ كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْمَنْعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ أَيْضًا فِي حَمْلِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: فِي مَسِّ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ مِنْ ذَلِكَ: مَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ أَوْ الْكِتَابَ لِلْحَاجَةِ. فَيَكْتُبُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ يَكْرَهُهُ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ الْمَنْعُ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ وَمَسِّهِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: يَجُوزُ مَسُّ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ، وَالْمَأْثُورِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. قُلْت: وَالْمَنْعُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: أَقْوَى وَأَوْلَى. وَمِنْهَا: لَوْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، ثُمَّ مَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ: لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قُلْنَا: يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْهُ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ إذَا قُلْنَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَاعًى. فَإِنْ كَمَّلَهُ ارْتَفَعَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَهِّرًا إلَّا بِعَمَلِ الْجَمِيعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ طَاهِرٍ عَلَى الْمَذْهَبِ [وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَمَسَّهُ بِهِ قَبْلَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ، حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ] . وَمِنْهَا: يَحْرُمُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِعُضْوٍ نَجِسٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ.

قُلْت: هَذَا خَطَأٌ قَطْعًا. وَمِنْهَا: لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ، إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قُلْت: صَرَّحَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالثَّانِيَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ بِالْأُولَى. وَذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة: لَا تُعْتَبَرُ الطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ لِتَكْمِيلِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، ثُمَّ مَسَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ مَسُّهُ قَبْلَ تَكْمِيلِهَا بِالتَّيَمُّمِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ كِتَابَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالتَّقْلِيبِ بِالْعُودِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَإِنْ جَازَ التَّقْلِيبُ بِالْعُودِ. وَلِلْمَجْدِ احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَحْمِلْهُ، عَلَى مُقْتَضَى مَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الذِّمِّيُّ لِانْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَهُ نَسْخُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بِدُونِ حَمْلٍ وَمَسٍّ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ إذَا لَمْ يَحْمِلْهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَصَاحِفَ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَهَا النَّصَارَى. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: يَحْتَمِلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ يَكْتُبُهُ [مُكْتَبًا] بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَحْمِلُهُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَسَّ الْقَلَمِ لِلْحَرْفِ كَمَسِّ الْعُودِ لِلْحَرْفِ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يُعْجِبُك أَنْ تَكْتُبَ النَّصَارَى الْمَصَاحِفَ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةً بِالْمَنْعِ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمَصَاحِفَ فِي حَالِ كِتَابَتِهَا. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ:

باب الغسل

ظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ. وَكَرِهَهُ لِلْخِلَافِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُمْنَعُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. وَيُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي: التَّخْرِيجُ لَا يَمْنَعُ، لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ مَسِّهِ. انْتَهَى. وَيُمْنَعُ مِنْ تَمَلُّكِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ تَوَسُّدَهُ. وَفِي تَخْرِيجِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ التَّحْرِيمَ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُصَنَّفِ وَالْمُغْنِي وَالشَّارِحِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَقَدَّمَ هُوَ عَدَمَ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا. وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ. وَإِلَّا كُرِهَ. قَالَ أَحْمَدُ: فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ: إنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، فَلَا بَأْسَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا مَدَّ الرِّجْلَيْنِ إلَى جِهَةِ ذَلِكَ. وَتَرْكُهُ أَوْلَى، أَوْ يُكْرَهُ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَحْرُمُ إلَّا مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ بِدُونِ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالْإِجَارَةِ. [بَابُ الْغُسْلِ] ِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (خُرُوجُ الْمَنِيِّ الدَّافِقِ بِلَذَّةٍ) . مُرَادُهُ: إذَا خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِهِ، وَلَوْ خَرَجَ دَمًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَثْبَتَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ

ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَغَيْرُهُ. وَبَعْضُهُمْ تَخْرِيجًا. مِنْهُمْ الْمَجْدُ مِنْ رِوَايَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْبَوْلِ، دُونَ مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ. فَرِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَرِوَايَتَانِ مُطْلَقًا. أَصَحُّهُمَا: عَدَمُ وُجُوبِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ صَارَ بِهِ سَلَسُ الْمَنِيِّ، أَوْ الْمَذْيُ، أَوْ الْبَوْلُ: أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ، لِكَوْنِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ) الْيَقْظَانُ. فَأَمَّا النَّائِمُ إذَا رَأَى شَيْئًا فِي ثَوْبِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا وَلَا لَذَّةً، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لَكِنْ قَالَ الْأَزَجِيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي: الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا رَآهُ بِبَاطِنِ ثَوْبِهِ. قُلْت: وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ. فَيَعْمَلَ بِالْيَقِينِ فِي ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ: إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ مِنْهُ، كَابْنِ عَشْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ: ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ، جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ انْتَبَهَ بَالِغٌ أَوْ مَنْ يُحْتَمَلُ بُلُوغُهُ. فَوَجَدَ بَلَلًا، جَهِلَ أَنَّهُ مَنِيٌّ: وَجَبَ الْغُسْلُ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجِبُ مَعَ الْحُلُمِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَهَلْ يُحْكَمُ

بِأَنَّهُ مَنِيٌّ؟ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَوْ مَذْيٌ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَغْسِلُ بَدَنَهُ وَثَوْبَهُ احْتِيَاطًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ لَا يَجِبُ. وَلِهَذَا قَالُوا: وَإِنْ وَجَدَهُ يَقِظَةً وَشَكَّ، فِيهِ: تَوَضَّأَ. وَلَا يَلْزَمُهُ غُسْلُ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ غَيْرِ الْمَنِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَلْزَمُهُ حُكْمُهُمَا. انْتَهَى. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ: لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا غُسْلُ ثَوْبِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ. وَقَالَ: يَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ، لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ وُجُودَ الْمُفْسِدِ لِلصَّلَاةِ لَا مَحَالَةَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَسْبِقْ نَوْمَهُ مُلَاعَبَةٌ، أَوْ بَرْدٌ، أَوْ نَظَرٌ، أَوْ فِكْرٌ، أَوْ نَحْوُهُ. فَإِنْ سَبَقَ نَوْمَهُ ذَلِكَ: لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجِبُ. وَعَنْهُ يَجِبُ مَعَ الْحُلُمِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ إنْ ذَكَرَ احْتِلَامًا، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ فِكْرٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ أَوْ لَا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. الثَّانِيَةُ: إذَا احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا: لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا. وَعَنْهُ يَجِبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَغْرَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي حِكَايَتِهِ رِوَايَةً بِالْوُجُوبِ. وَعَنْهُ يَجِبُ إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةُ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذَا رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَكَانَا مِنْ أَهْلِ الِاحْتِلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجِبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَافَّهُ، وَلَا يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الْخِتَانِ. وَمِثْلُهُ لَوْ سَمِعَا رِيحًا مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلَا يُعْلَمُ مِنْ أَيُّهَا هِيَ؟ وَكَذَا كُلُّ اثْنَيْنِ تُيُقِّنَ مُوجِبُ الطَّهَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِهِ، فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِيضَاحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يَجِبُ الْغُسْلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَحَرْبٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ الْمُخْتَارَةُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إنَّ جُمْهُورَهُمْ جَزَمُوا بِهِ. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَصَرَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: النَّصُّ وُجُوبُهُ. وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ [وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ] وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ حَتَّى يَخْرُجَ، وَلَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالشَّرِيفُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الشِّيرَازِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْفُرُوعِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَعَلَيْهَا يُعِيدُ مَا صَلَّى لَمَّا انْتَقَلَ انْتَهَى. وَمَا رَأَيْته لِغَيْرِهِ. فَإِذَا خَرَجَ اغْتَسَلَ بِلَا نِزَاعٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْبُلُوغِ. وَالْفِطْرُ وَفَسَادُ النُّسُكِ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ تَثْبُتُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الْتِزَامًا، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَجِبْ بِانْتِقَالِهِ، بَلْ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي الْفَائِقِ: لَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ إلَى قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ. أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَجَبَ الْغُسْلُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ، أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ: لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِانْتِقَالِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ عَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْمَذْهَبُ زَادَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْأَقْوَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ يَجِبُ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَجِبُ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْبَوْلِ، دُونَ مَا بَعْدَهُ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ عَكْسُهَا. فَيَجِبُ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ، دُونَ مَا قَبْلَهُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.

وَمِنْهَا: خَرَّجَ الْمَجْدُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ تَنْزِلَ لِشَهْوَةٍ. فَوَائِدُ مِنْهَا: أَنَّ الْحُكْمَ إذَا جَامَعَ فَلَمْ يُنْزِلْ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ هُنَا. مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: وَإِنْ جَامَعَ وَأَكْسَلَ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَنْزَلَ: فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا غُسْلَ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِشَهْوَةٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالنَّصُّ يَغْتَسِلُ ثَانِيًا. وَمِنْهَا: قِيَاسُ انْتِقَالِ الْمَنِيِّ: انْتِقَالُ الْحَيْضِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمِنْهَا: لَوْ خَرَجَ مِنْ امْرَأَةٍ مَنِيُّ رَجُلٍ بَعْدَ الْغُسْلِ، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا. وَيَكْفِيهَا الْوُضُوءُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ وَدَبَّ مَاؤُهُ فَدَخَلَ الْفَرْجَ ثُمَّ خَرَجَ. فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ عَلَيْهَا الْغُسْلَ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهَا وَفِيمَا إذَا دَخَلَ فَرْجَهَا مِنْ مَنِيِّ امْرَأَةٍ بِسِحَاقٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالنَّصُّ عَدَمُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهُمَا: يَعْنِي بِقَوْلِهِ (الثَّانِي: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ) ، وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ قَدْرِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ تَوْجِيهًا بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِغَيْبُوبَةِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ. انْتَهَى. وَمُرَادُهُ: إذَا وُجِدَ ذَلِكَ بِلَا حَائِلٍ. فَإِنْ وُجِدَ حَائِلٌ مِثْلُ أَنْ لَفَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً، أَوْ أَدْخَلَهُ فِي كِيسٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجِبُ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي

الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا، وَالصَّحِيحُ عَلَى الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْوُضُوءِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " الرِّدَّةُ " فِي الْفَائِدَةِ. الثَّانِي: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ: لَوْ كَانَا نَائِمًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ الْحَشَفَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَقَالَ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ حَشَفَةَ نَائِمٍ أَوْ مَجْنُونٍ. أَوْ مَيِّتٍ أَوْ بَهِيمَةٍ: اغْتَسَلَتْ. وَقِيلَ: وَيَغْتَسِلُ النَّائِمُ إذَا انْتَبَهَ، وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ. قُلْت: يُعَايِي بِهَا أَيْضًا. الثَّالِثُ: وَقَدْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ حَشَفَةَ مَيِّتٍ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَهُوَ وَجْهٌ. فَيُعَادُ غُسْلُهُ. فَيُعَايَى بِهَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِذَلِكَ غُسْلُ الْمَيِّتِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ، فَكَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا. الرَّابِعُ: شَمِلَ قَوْلُهُ (تَغَيَّبَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ) الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْبَالِغُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ: فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ

كَالْبَالِغِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ غُسْلٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا نُسَمِّيهِ جُنُبًا، لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ. ثُمَّ إنْ وَجَدَ شَهْوَةً لَزِمَهُ وَإِلَّا أُمِرَ بِهِ لِيَعْتَادَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ يُجَامِعُ مِثْلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الذَّكَرِ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، وَالْأُنْثَى تِسْعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْمُرَادُ بِهَذَا مَا قَبْلَهُ يَعْنِي كَوْنَ الذَّكَرِ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَالْأُنْثَى ابْنَةَ تِسْعٍ، وَهُوَ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَلَيْسَ عَنْهُ خِلَافُهُ. انْتَهَى. وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغُسْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ إرَادَةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ، أَوْ مَاتَ شَهِيدًا قَبْلَ فِعْلِهِ. وَعَدَّ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا قَوْلًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: بَابُ الْمِيَاهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمَنْصُوصِ، أَوْ يُغَسَّلُ لَوْ مَاتَ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْوُضُوءُ بِمُوجِبَاتِهِ. وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِثْلَ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ: إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ وَنَحْوِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ النَّاظِمُ: يَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ حُكْمًا. فَقَالَ: وَتَقْضِي مُلَاقَاةُ الْخِتَانِ بِعِدَّةِ أَوْجُهٍ ... وَغُسْلٍ مَعَ ثُيُوبَةٍ تُمَهِّدْ وَتَقْرِيرِ مَهْرٍ وَاسْتِبَاحَةِ أَوَّلٍ ... وَإِلْحَاقِ أَنْسَابٍ وَإِحْصَانِ مُعْتَدِ وَفَيْئَةِ مُولٍ مَعَ زَوَالٍ لِعُنَّةٍ ... وَتَقْرِيرِ تَكْفِيرِ الظِّهَارِ تَعَدُّدِ وَإِفْسَادِهَا كَفَّارَةً فِي ظِهَارِهِ ... وَكَوْنِ الْإِمَاءِ صَارَتْ فِرَاشًا لِسَيِّدِ وَتَحْرِيمِ إصْهَارٍ وَقَطْعِ تَتَابُعِ الصِّيَامِ ... وَحِنْثِ الْحَالِفِ الْمُتَشَدِّدِ

انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَطْءِ الْكَامِلِ. لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَدَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ. وَعَدَّهَا سَبْعِينَ حُكْمًا. أَكْثَرُهَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا. وَعَدُّ النَّاظِمِ لَيْسَ بِحَصْرٍ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " قُبُلًا " الْقُبُلُ الْأَصْلِيُّ. فَلَا غُسْلَ بِوَطْءٍ قَبْلَ غَيْرِ أَصْلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجِبُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْ جَامَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ الْآخَرَ بِالذَّكَرِ فِي الْقُبُلِ لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ. ذَكَرَ نَقِيضَهُ بَعْدَ أَسْطُرٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ سَهْوٌ. قَوْلُهُ (أَوْ دُبُرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ. وَأَطْلَقَهُمَا النَّاظِمُ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءِ. قَوْلُهُ (مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، حَتَّى لَوْ كَانَ سَمَكَةً. حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ غُسْلٌ، وَلَا فِطْرٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَبَابُ حَدِّ الزِّنَى. قَوْلُهُ (حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْغُسْلِ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ. فَأَمَّا الْمَيِّتُ: فَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ إذَا وُطِئَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُعَادُ غُسْلُهُ.

قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَمَنْ وَطِئَ مَيِّتًا بَعْدَ غُسْلِهِ: أُعِيدَ غُسْلُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى كُلِّ وَاطِئٍ وَمَوْطُوءٍ، إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغُسْلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْجُ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا، مِنْ كُلِّ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَلْ يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِإِيلَاجٍ فِي فَرْجِهِ؟ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ. وَتَابَعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ عَلَى ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ حَشَفَةَ مَيِّتٍ: هَلْ يُعَادُ غُسْلُهُ؟ فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: لِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ. فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي. لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ وَالِاحْتِلَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن: 56] فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: إسْلَامُ الْكَافِرِ، أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ اغْتَسَلَ لَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ أَوْ لَا. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ بِالْإِسْلَامِ غُسْلٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي غَيْرِ التَّنْبِيهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَكَاهُ الْمَذْهَبُ فِي الْكَافِي رِوَايَةً. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَغْرَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي، فَحَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: يَجِبُ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ بِشَرْطِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فِي حَالِ كُفْرِهِ: لَمْ

يَلْزَمْهُ لَهُ غُسْلٌ إذَا أَسْلَمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ يَكْتَفِي بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَسْبَابُهُ الْمُوجِبَةُ لَهُ فِي الْكُفْرِ كَثِيرَةٌ. وَبَنَاهُ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى مُخَاطَبَتِهِمْ. فَإِنْ قُلْنَا: هُمْ مُخَاطَبُونَ، لَزِمَهُ الْغُسْلُ. وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمَنْ تَابَعَهُ. كَمَا تَقَدَّمَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ. كَالْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُوجِبُ الْإِسْلَامَ غُسْلًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وُجِدَ سَبَبُهُ قَبْلَهُ. فَلَزِمَهُ بِذَلِكَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِمَا غُسْلٌ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. فَلَوْ اغْتَسَلَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَعَادَ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يُجْزِئْهُ غُسْلُهُ حَالَ كُفْرِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ: هَذَا إذَا لَمْ نُوجِبْ الْغُسْلَ. وَقِيلَ: لَا يُعِيدُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ. قَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى الطَّاعَةِ فِي حَالِ كُفْرِهِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَنَّهُ كَمَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا مُعْتَقِدًا حِلَّهَا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْحَائِضِ. أَمَّا الْحَائِضُ إذَا اغْتَسَلَتْ لِزَوْجِهَا، أَوْ سَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُهَا إعَادَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هِيَ كَالْكَافِرِ إذَا اغْتَسَلَ فِي حَالِ كُفْرِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ: إذَا اغْتَسَلَتْ الذِّمِّيَّةُ مِنْ الْحَيْضِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ اغْتَسَلَتْ كِتَابِيَّةٌ عَنْ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ. لِوَطْءِ زَوْجٍ مُسْلِمٍ، أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ: صَحَّ وَلَمْ يَجِبْ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي غُسْلِهَا مِنْ جَنَابَةٍ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. فَإِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ وَطْئِهِ سَقَطَ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ وَجَبَ حَالَ الْكُفْرِ بِطَلَبِهَا. فَالْوَجْهَانِ. وَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرَةٍ غَيْرَهَا. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الْمُرْتَدَّ بِالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا غُسْلَ عَلَى الْمُرْتَدِّ إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْمَوْتُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ مَعَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: قُلْت إنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْحَيْضِ، فَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ غُسْلُهَا لِلْجَنَابَةِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ: وَجَبَ غُسْلُ الْحَائِضِ الْمَيِّتَةَ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْخَامِسُ: الْحَيْضُ. وَالسَّادِسُ: النِّفَاسُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ " وَالطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ " هَذَا تَجَوُّزٌ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ. فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ فِي التَّحْقِيقِ: هُوَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ. وَانْقِطَاعُهُ شَرْطُ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَصِحَّتُهُ. فَسَمَّاهُ مُوجِبًا. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: هَذَا يَجِبُ بِانْقِطَاعِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَمِنْهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ إذَا فَرَغَا وَانْقَطَعَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُوَ أَشْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا كَقَوْلِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ: إذَا اسْتَشْهَدَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ الطُّهْرِ. فَإِنْ قُلْنَا:

يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ: وَجَبَ غُسْلُهَا لِلْحَيْضِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ إلَّا بِالِانْقِطَاعِ: لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَةَ لَا تُغَسَّلُ. وَلَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا اسْتَشْهَدَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ الطُّهْرِ. هَلْ تُغَسَّلُ لِلْحَيْضِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. إنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهَا بِخُرُوجِ الدَّمِ: غُسِّلَتْ لِسَبْقِ الْوُجُوبِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ إلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ: لَمْ يَجِبْ. انْتَهَى وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ، أَوْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ. وَلَمْ يُوجَدْ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ بَعْدَمَا ذُكِرَ مَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا التَّفْرِيعِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَوْتَ إمَّا أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ انْقِطَاعِ الدَّمِ أَوْ لَا. فَإِنْ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ لَزِمَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَشَرْطِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُنَزَّلْ مَنْزِلَةَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَائِضِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. فَلَا يَجِبُ غُسْلُهَا؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: الْمُوجِبُ هُوَ الِانْقِطَاعُ، فَسَبَبُ الْوُجُوبِ مُنْتَفٍ، وَإِنْ قُلْنَا: الْمُوجِبُ خُرُوجُ الدَّمِ. فَشَرْطُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ مُنْتَفٍ. وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالْخُرُوجِ احْتِمَالَيْنِ، لِتَحْقِيقِ الشَّرْطِ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، بَلْ لَا يَصِحُّ غُسْلُ مَيِّتَةٍ مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهِيدَةً وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الْمَذْهَبِ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ فِيهِ: أَنَّ غُسْلَهَا لِلْجَنَابَةِ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا لَا يَصِحُّ، لِقِيَامِ الْحَدَثِ. كَمَا هُوَ رَأْيُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَإِذًا لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْمَوْتِ لِقِيَامِ الْحَدَثِ كَالْجَنَابَةِ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لَمْ يَجِبْ حِذَارًا مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ غُسْلِهَا لِلْجَنَابَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَنْتَفِي هَذَا الْبِنَاءُ. انْتَهَى.

قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتَةِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ. فَرْعٌ: لَوْ أَسْلَمَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مُطْلَقًا: لَزِمَهَا الْغُسْلُ إذَا طَهُرَتْ لِلْإِسْلَامِ. فَيَتَدَاخَلُ الْغُسْلَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ، خَرَجَ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مُوجِبِهِ إنْ قُلْنَا: يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَالَ الْكُفْرِ، وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ لَا غُسْلَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ. وَعَلَى هَذَا تُغَسَّلُ عِنْدَ الطُّهْرِ نَظَافَةً لَا عِبَادَةً، حَتَّى لَوْ لَمْ تَنْوِ أَجْزَأَهَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وُجِدَ حَالَ الْإِسْلَامِ. فَصَارَتْ كَالْمُسْلِمَةِ الْأَصْلِيَّةِ. قَالَ: وَهَذَا الْفَرْعُ إنَّمَا اسْتَخْرَجْته وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ. وَلَا سَمِعْته مِنْهُ وَلَا عَنْهُ إلَى هَذَا الْحِينِ. وَإِنَّمَا أَقُولُ هَذَا حَيْثُ قُلْته تَمْيِيزًا لِلْمَقُولِ عَنْ الْمَنْقُولِ. أَدَاءً لِلْأَمَانَةِ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ غُسْلٌ فِي حَالِ حَيْضِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَكِنْ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ، وَالْفَائِقِ فِي بَابِ الْحَيْضِ. وَعَنْهُ يَجِبُ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهَا. قَالَ فِي النُّكَتِ: صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ طَهَارَتَهَا لَا تَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ غُسْلُهَا كَذَلِكَ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُسْتَحَبُّ غُسْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيَصِحُّ غُسْلُ

الْحَيْضِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا: وَلِذَا لَا تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ غُسْلَ الْحَيْضِ، مَعَ وُجُودِ الْجَنَابَةِ، مِثْلُ إنْ أَجْنَبَتْ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ. قَوْلُهُ (وَفِي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةُ عَنْ الدَّمِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِي بَابِ الْحَيْضِ: وَالْوَجْهُ الْغُسْلُ. فَأَمَّا الْوِلَادَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الدَّمِ: فَقِيلَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: فِيهَا وَجْهَانِ. انْتَهَى. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَغَيْرِهِمْ. لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِذَلِكَ. قَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْكَافِي. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْحَيْضِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " الْعَرِيَّةُ عَنْ الدَّمِ " مِنْ زَوَائِدِ: الشَّارِحِ. الثَّانِي: حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: فَإِنْ عَرَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ

نِفَاسٍ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي السِّقْطِ فَهَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَحَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فِي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةِ عَنْ الدَّمِ، فَقِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ إنَّ الْوِلَادَةَ مَظِنَّةٌ لِدَمِ النِّفَاسِ غَالِبًا. وَأُقِيمَتْ مَقَامَهُ كَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ، وَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ. وَبِهِ عَلَّلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَقَالَ: لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ أَصْلُهُ الْمَنِيُّ. أَشْبَهَ الْمَنِيَّ، وَيُسْتَبْرَأُ بِهِ الرَّحِمُ. أَشْبَهَ الْحَيْضَ. انْتَهَى. وَرُدَّ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ. فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي: مَتَى قُلْنَا بِالْغُسْلِ، حَصَلَ بِهَا الْفِطْرُ. انْتَهَى. وَكَذَا بَنَى صَاحِبُ الْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ، الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَلَدَ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ. وَعَنْهُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَيَجِبُ غُسْلُهُ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقًا. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْوَلَدِ مَعَ الدَّمِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قُلْت: الْأَوْلَى وَالْأَقْوَى: الْوُجُوبُ، لِمُلَابَسَتِهِ لِلدَّمِ وَمُخَالَطَتِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ سِوَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ. وَيَأْتِي بَعْضُ الْمَسَائِلِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، فِيهَا خِلَافٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ قِرَاءَةُ آيَةٍ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ قِرَاءَةُ آيَةٍ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُ مِنْ تَصْحِيحِ خُطْبَةِ الْجُنُبِ: جَوَازُ قِرَاءَةِ آيَةٍ، مَعَ اشْتِرَاطِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ، فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْجَازِ: لَا يَحْصُلُ التَّحَدِّي بِآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ. وَلِهَذَا جَوَّزَ الشَّرْعَ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ تِلَاوَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ بِحُكْمٍ، كَقَوْلِهِ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَوْ مَدّهَا مَدَّتَانِ لَمْ يَحْرُمْ، وَإِلَّا حَرُمَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ. وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ، وَالْحَائِضُ أَشَدُّ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَوَّلَ بَابِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ آيَةٍ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَغَيْرُهُمْ. إحْدَاهُمَا: الْجَوَازُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَحْرُمُ قِرَاءَةُ آيَةٍ عَلَى جُنُبٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لَا يَقْرَأُ آيَةً. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ بَعْضُ آيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَ، مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ عَلَى قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ: وَلَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ آيَةٍ تَبَرُّكًا. قُلْت: الْأَوْلَى الْجَوَازُ، إنْ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، كَآيَةِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَظْهَرُهُمَا لَا يَجُوزُ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةٌ لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ لِإِسْرَارِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ تَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَهُ تَهَجِّيهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ: وَلَهُ تَهَجِّيهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي بُطْلَانِ صَلَاةٍ بِتَهَجِّيهِ هَذَا الْخِلَافِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: تَبْطُلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا وَذِكْرًا. وَقِيلَ: أَوْ تَعَوُّذًا أَوْ اسْتِرْجَاعًا فِي مُصِيبَةٍ، لَا قِرَاءَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَالصَّيْدِ، وَالذَّبْحِ، وَلَهُ قَوْلُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، إذَا لَمْ يُرِدْ الْقِرَاءَةَ. وَلَهُ التَّفَكُّرُ فِي الْقُرْآنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا وَلَمْ يَقْصِدْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالذِّكْرُ. وَعَنْهُ مَا أَحَبَّ أَنْ يُؤَذِّنَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ. قَالَ الْقَاضِي: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ. وَعَلَّلَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَجْمُوعٌ. انْتَهَى. وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْجُنُبِ: الذَّكَرِ، لَا لِلْحَائِضِ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: وَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ تِلَاوَةٍ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَهُوَ سَاكِتٌ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى قِرَاءَةٍ. قَوْلُهُ (يَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ عُبُورُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. لِإِطْلَاقِهِمْ إبَاحَةَ الْعُبُورِ لَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ.، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ،

وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: كَوْنُ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا قَرِيبًا: حَاجَةٌ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَكَوْنُ الطَّرِيقِ أَخْصَرَ: نَوْعُ حَاجَةٍ. ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي آخِرِ الْوَقْفِ: كَرِهَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا. وَمَنَعَ شَيْخُنَا مِنْ اتِّخَاذِهِ طَرِيقًا. انْتَهَى. وَأَمَّا مُرُورُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَيْضِ، وَإِنْ شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا. فَائِدَةٌ: حَيْثُ أَبَحْنَا لِلْكَافِرِ دُخُولَ الْمَسْجِدِ: فَفِي مَنْعِهِ وَهُوَ جُنُبٌ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ جَوَّزَ لَهُمْ الدُّخُولَ: الْإِطْلَاقُ. وَأَكْثَرُهُمْ يَحْصُلُ لَهُ الْجَنَابَةُ. وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِاسْتِفْسَارِهِمْ، وَهُوَ الْأَوْلَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ. وَبَنَى الْخِلَافَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى مُخَاطَبَتِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَعَدَمِهَا. فَائِدَةٌ: يُمْنَعُ السَّكْرَانُ مِنْ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ جَوَابٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ. وَيُمْنَعُ أَيْضًا مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَتَتَعَدَّى، كَظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَتَيَمَّمُ لَهَا لِعُذْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، صِيَانَةً لَهُ عَنْ دُخُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَيُمْنَعُ أَيْضًا الْمَجْنُونُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، كَصَغِيرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِ. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ مَنْعَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَنَقَلَ

مُهَنَّا: يَنْبَغِي أَنْ يُجَنَّبَ الصِّبْيَانَ الْمَسَاجِدَ. وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يُمْنَعُ الصَّغِيرُ مِنْ اللَّعِبِ فِيهِ، لَا لِصَلَاةٍ وَقِرَاءَةٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ. نَقَلَهَا أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَنَقَلَهَا الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: فِي جُلُوسِهِ فِيهِ بِلَا غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ رِوَايَتَانِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْكَافِرِ إذَا جَازَ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ عَلَى الْجُنُبِ، وَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْثِ: جَازَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْمَعَالِي: يَتَيَمَّمُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّيَمُّمِ غَيْرُ صَحِيحٍ، قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَأَمَّا لُبْثُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْغُسْلِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ بُعْدٌ، مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ. وَمِنْهَا: مُصَلَّى الْعِيدِ: مَسْجِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَمَنَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْحَائِضَ مِنْهُ. وَلَمْ يَمْنَعْهَا فِي النَّصِيحَةِ مِنْهُ. وَأَمَّا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ. فَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ: حُكْمُ الْجُنُبِ فِيمَا تَقَرَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ لَهُمَا مَا يُبَاحُ لِلْجُنُبِ

كَمَا قَبْلَ طُهْرِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا: لِلْجُمُعَةِ) يَعْنِي أَحَدُهَا: الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا. وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ عَرَقٍ أَوْ رِيحٍ، يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ، أَوْ الْوُجُوبِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا إنْ صَلَّى. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الِاغْتِسَالُ لِلْجُمُعَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهَا. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ الْحُضُورُ مِنْ النِّسَاءِ يُسَنُّ لَهَا الْغُسْلُ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ أَتَاهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ: سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ. وَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَقْتُ الْغُسْلِ، وَوَقْتُ فَضِيلَتِهِ، وَهَلْ وَهُوَ آكَدُ الْأَغْسَالِ؟ قَوْلُهُ (وَالْعِيدَيْنِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ، أَوْ الْوُجُوبِ: أَنْ يَكُونَ حَاضِرَهُمَا وَيُصَلِّيَ، سَوَاءٌ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ إلَّا إذَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَيْسَ لِمَنْ حَضَرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ. قَوْلُهُ (وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لَهُمَا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: وَقْتُ مَسْنُونِيَّةِ الْغُسْلِ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْآمِدِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ لَهُ الْغُسْلُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُصِيبُ السُّنَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِي جَمِيعِ لَيْلَتِهِ، أَوْ بَعْدَ نِصْفِهَا كَالْأَذَانِ. فَإِنَّهُ أَقْرَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَجِيءُ مِنْ قَوْلِهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَخْتَصُّ بِالسَّحَرِ كَالْأَذَانِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: يَكُونُ وَقْتُ الْغُسْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِدْرَاكِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. وَوَقْتُ الْغُسْلِ لِلِاسْتِسْقَاءِ: عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ. وَالْكُسُوفِ: عِنْدَ وُقُوعِهِ. وَفِي الْحَجِّ: عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِ النُّسُكِ الَّذِي يُغْتَسَلُ لَهُ قَرِيبًا مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَعَنْهُ يَجِبُ مِنْ الْكَافِرِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مِنْ غُسْلِ الْحَيِّ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَجِبُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، إذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَا الْقَيْدِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَ وُجُودِ الْبِلَّةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَجِبُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ غُسْلٌ، وَإِنْ وَجَدَ بِلَّةً. إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ. وَعَنْهُ يَجِبُ بِهِمَا. وَفِيهِ وَجْهٌ يَجِبُ إنْ كَانَ ثَمَّ بِلَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ. وَإِلَّا فَلَا. وَيَأْتِي كَلَامُهُ

فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: إنْ قِيلَ: إنَّ الْمَجْنُونَ يُنْزِلُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ الْبَنَّا: وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ يُنْزِلُ أَوْ لَا يُنْزِلُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ تَيَقَّنَ الْحُلُمَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ تَيَقَّنَ وَجَبَ. وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. قُلْت: مَأْخَذُهَا: إمَّا التَّرْتِيبُ عَلَى احْتِمَالِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ، أَوْ النَّظَرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِنْزَالِ تَارَةً، وَإِلَى الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ تَارَةً أُخْرَى. قُلْت: التَّحْقِيقُ: أَنْ يُقَالَ: إنْ تَيَقَّنَ الْإِنْزَالَ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَوْ عَدَمُهُ فَلَا يَجِبُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ، فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَإِنْ ظَنَّهُ ظَنًّا: فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَا إذَا تَيَقَّنَ، أَوْ بِمَا إذَا شَكَّ فِيهِ؟ أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ؟ إذْ الظَّاهِرُ الْإِنْزَالُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ تَحَقَّقَ الْإِنْزَالُ وَجَبَ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هَلْ هُوَ لِلْوُجُوبِ، أَوْ لِلنَّدْبِ؟ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَقْتَضِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا، تَيَقَّنَ الْإِنْزَالَ أَوْ لَا. وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِدُونِ تَيَقُّنِ الْإِنْزَالِ. إطْرَاحًا لِلشَّكِّ، وَاسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ. وَحَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَهُوَ مَعَ احْتِمَالِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ عَجِيبٌ. انْتَهَى كَلَامُ الطُّوفِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ " أَنَّهُمَا إذَا احْتَلَمَا مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ الْغُسْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: إنْ أَنْزَلَا وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَفِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: بِلَا احْتِلَامٍ، رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: إنْ أَنْزَلَا مَنِيًّا. وَقِيلَ أَوْ مَا يَحْتَمِلُهُ: وَجَبَ الْغُسْلُ، وَإِلَّا سُنَّ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَفِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ بِلَا حُلْمٍ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ

أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مِنْهُمَا الْإِنْزَالُ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا. انْتَهَى. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّ لَنَا رِوَايَةً بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ أَنْزَلَ. وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا مَعَ تَحَقُّقِ الْإِنْزَالِ. قَوْلُهُ (وَغُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يَجِبُ. حَكَاهَا فِي التَّبْصِرَةِ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ. ثُمَّ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، ثُمَّ لِكُلِّ صَلَاةِ جَمْعٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: فِي السَّفَرِ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً مَعَ الْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَعَنْهُ يَجِبُ غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقِيلَ: إذَا جَمَعَتْ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فَلَا. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ) دُخُولُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَدُخُولِ مَكَّةَ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَدَمَ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَقَالَ: وَلَوْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ: كَانَ الْغُسْلُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ نَوْعُ عَبَثٍ لَا مَعْنَى لَهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ. وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا، أَوْ نُفَسَاءَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِثْلُهُ أَغْسَالُ الْحَجِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ حَصْرِهِ الْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْمُسَمَّاةِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَبَقِيَ مَسَائِلُ لَمْ يَذْكُرْهَا.

مِنْهَا: مَا نَقَلَهُ صَالِحٌ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِدُخُولِ الْحَرَمِ. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَنْسَكِهِ. أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلسَّعْيِ. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فِي مَنْسَكِهِ عَنْ صَاحِبِ الْإِشَارَةِ، الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَيَالِيَ مِنًى. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُهُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُهُ لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ يُسْتَحَبُّ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَالْإِنْبَاتِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَمِنْهَا: الْغُسْلُ لِلْحِجَامَةِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَصَحَّحَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَوَائِدُ الْأُولَى: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ: آكَدُ الْأَغْسَالِ. ثُمَّ بَعْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ الْأَغْسَالِ. وَقِيلَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: غُسْلُ الْمَيِّتِ آكَدُ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِمَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لَهُ لِلْحَاجَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ فِي الْإِحْرَامِ. وَقِيلَ: لَا يَتَيَمَّمُ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ

مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ. وَالثَّالِثَةُ: يَتَيَمَّمُ لِمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لَهُ لِعُذْرٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَيَمُّمُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْمَاءِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي رَدِّهِ السَّلَامَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، لِئَلَّا يَفُوتَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ رَدُّهُ عَلَى الْفَوْرِ. وَجَوَّزَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: التَّيَمُّمَ لِمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، فَخَفَّ أَمْرُهَا. وَتَقَدَّمَ مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ ". قَوْلُهُ: فِي صِفَةِ الْغُسْلِ (وَهُوَ ضَرْبَانِ. كَامِلٌ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ: النِّيَّةُ، وَالتَّسْمِيَةُ، وَغَسْلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَغَسْلُ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، وَالْوُضُوءُ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: أَنْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَغْتَسِلَ. وَعَنْهُ غُسْلُ رِجْلَيْهِ مَعَ الْوُضُوءِ، وَتَأْخِيرُ غَسْلِهِمَا حَتَّى يَغْتَسِلَ سَوَاءً فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَفْضَلُ. وَعَنْهُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَيَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا يَرْوِي بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ) : أَنَّهُ يَرْوِي بِمَجْمُوعِ الْغَرَفَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْوِيَ بِكُلِّ مَرَّةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: بِكُلِّ مَرَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْوِي رَأْسَهُ. وَالْأَصَحُّ ثَلَاثًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ.

وَاسْتَحَبَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ تَخْلِيلَ أُصُولِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ قَبْلَ إفَاضَةِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ (وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: مَرَّةً. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيُدَلِّكُ بَدَنَهُ بِيَدَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا. قَالَ الْأَصْحَابُ: يَتَعَاهَدُ مَعَاطِفَ بَدَنِهِ وَسُرَّتَهُ وَتَحْتَ إبِطَيْهِ، وَمَا يَنُوءُ عَنْهُ الْمَاءُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ. كَلَامُ أَحْمَدَ قَدْ يَحْتَمِلُ وُجُوبَ الدَّلْكِ. قَوْلُهُ (وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ فِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ: وَغُسْلُ رِجْلَيْهِ نَاحِيَةً، لَا فِي حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَعَنْهُ: لَا. وَعَنْهُ: إنْ خَافَ التَّلَوُّثَ. قَوْلُهُ (فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ غَسْلَهُمَا إلَّا لِطِينٍ وَنَحْوِهِ، كَالْوُضُوءِ. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ (وَمُجْزَى) وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى يُصِيبُهُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ. فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ. فَيَكُونُ مُرَادُهُ النَّجَاسَةَ مُطْلَقًا، وَهُوَ أَوْلَى. وَحَمَلَ ابْنُ عُبَيْدَانَ كَلَامَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ

أَوْ أَذًى، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَلَى سَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْحَدَثِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ مَنِيٍّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمُرَادُ مَا عَلَيْهِ مِنْ نَجَاسَةٍ. قَالَ: وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مُرَادُهُ النَّجَاسَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ، فَتَارَةً تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ، وَتَارَةً لَا تَمْنَعُ. فَإِنْ مَنَعَتْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَدَنِ: فَلَا إشْكَالَ فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ الْغُسْلِ عَلَى زَوَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَمْنَعُ. فَقَدَّمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَصَحَّحُوهُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مَعَ آخِرِ غَسْلَةٍ طَهُرَ عِنْدَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ فِي النَّظْمِ: هُوَ الْأَقْوَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْغُسْلَ يَصِحُّ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، كَالطَّاهِرَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ إلَّا بِغَسْلَةٍ مُفْرَدَةٍ بَعْدَ طَهَارَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْغُسْلِ عَلَى الْحُكْمِ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ لَفْظُهُ يُوهِمُ زَوَالَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى أَوَّلًا. وَهَذَا الْإِيهَامُ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُجْزِئِ: يُزِيلُ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، ثُمَّ يَنْوِي. وَتَبِعَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّ لَفْظَهُ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ مِنْ لَفْظِهِمَا، وَأَجْرَى عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّهُ قَالَ: يَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَنْوِي. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْمُجْزِئِ: يَنْوِي بَعْدَ كَمَالِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَزَوَالِ نَجَاسَتِهِ إنْ كَانَتْ. ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالسَّامِرِيِّ عَلَى مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ: الِاسْتِنْجَاءُ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْغُسْلِ كَالْمَذْهَبِ فِي الْوُضُوءِ.

لَكِنَّ هَذَا قَدْ يَشْكُلُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ مُخْتَارَهُ فِي الْوُضُوءِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيَتَلَخَّصُ لِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ وَكَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، أَوْ عَلَيْهِمَا غَيْرَ خَارِجَةٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ التَّقْدِيمُ. ثُمَّ هَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مَعَ الْحُكْمِ بِزَوَالِهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيُّ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي مَا وَافَقَ عَلَيْهِ الْمَجْدُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا مَعَ آخِرِ غَسْلَةٍ طَهُرَ عِنْدَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُجْزِئِ غَسْلُ مَا بِهِ مِنْ أَذًى. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. فَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ. تَنْبِيهٌ: حَكَى أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَيَعُمُّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ) . فَشَمِلَ الشَّعْرَ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْبَشَرَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ الظُّفْرِ فِي الْخِلَافِ. وَنَصَرَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِلِ. وَقَالَ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُ احْتِمَالِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ. اخْتَارَهُ الدِّينَوَرِيُّ. فَقَالَ: بَاطِنُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فِي الْجَنَابَةِ كَالْوُضُوءِ. وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ فِي الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَ غَسْلُهُ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ جَنَابَةٍ،

وَلَا نَجَاسَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ غَسْلُهُمَا مَعَهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا، لِإِمْكَانِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَحَشَفَةِ الْأَقْلَفِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ إلَى حَيْثُ يَصِلُ الذَّكَرُ، إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَلَا. قَالَ: فَعَلَى هَذَا لَا تُفْطِرُ بِإِدْخَالِ الْإِصْبَعِ وَالْمَاءِ إلَيْهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ. وَلَا يَجِبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَمِنْهَا: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ، وَمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْقُعُودِ عَلَى رِجْلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ. وَمِنْهَا: يَجِبُ غَسْلُ حَشَفَةِ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: يَجِبُ نَقْضُ شَعْرِ رَأْسِ الْمَرْأَةِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ نَصًّا وَوَجْهًا. وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ. وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا: رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. وَمِنْهَا. لَا يَجِبُ نَقْضُ شَعْرِ الرَّأْسِ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ. وَقِيلَ: يَجِبُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ كَالْحَائِضِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَعُمُّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يُكْتَفَى فِي الْإِسْبَاغِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ فِي الْغُسْلِ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ فِي الْغُسْلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَالتَّرْتِيبِ. وَعَنْهُ تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ. حَكَاهَا ابْنُ حَامِدٍ. وَحَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْإِيضَاحِ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ. فَعَلَيْهَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. فَائِدَةٌ: إذَا فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ فِي الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَا بُدَّ لِلْإِتْمَامِ مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمُوَالَاةِ فِي الْوُضُوءِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وُجُوبُ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَجِبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا التَّسْمِيَةَ، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْوُضُوءِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْغُسْلِ كَهِيَ عَلَى الْوُضُوءِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَاخْتِيَارًا وَقِيلَ: لَا تَجِبُ التَّسْمِيَةُ لِغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ:

وَيَحْسُنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ . فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ السِّدْرُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ، وَكَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: وُجُوبُ ذَلِكَ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَأْخُذَ مِسْكًا فَتَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ أَوْ شَيْءٍ، وَتَجْعَلَهُ فِي فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَطِينًا لِتَقْطَعَ الرَّائِحَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الطِّينَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا: فَإِنْ تَعَذَّرَ الطِّينُ فَبِمَاءٍ طَهُورٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ: كَمَيِّتٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ: مَعْنَاهُ يَجِبُ مَرَّةً، وَيُسْتَحَبُّ ثَلَاثًا، وَيَكُونُ السِّدْرُ وَالطِّيبُ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. وَيُسْتَحَبُّ فِي غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ: السِّدْرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَإِزَالَةِ شَعْرِهِ. وَأَوْجَبَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَتَوَضَّأُ وَمَهَنَا. وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّاعَ هُنَا: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ، كَصَاعِ الْفِطْرَةِ، وَالْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ: أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فِي الْمَاءِ خَاصَّةً وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: هُوَ الْأَقْوَى. وَتَقَدَّمَ قَدْرُ الرِّطْلِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَالْمُدُّ: رُبُعُ الصَّاعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْبَغَ بِدُونِهِمَا أَجْزَأَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا بِدُونِهِمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: لَا يُكْرَهُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، أَمَّا قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَسَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ أَوْ لَا، نَحْوُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَكَّرَ أَوْ نَظَرَ. فَانْتَقَلَ الْمَنِيُّ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ قَبْلَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ يُجْزِيهِ عَنْهُمَا إذَا أَتَى بِخَصَائِصِ الْوُضُوءِ، مِنْ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ وَمَسْحِ رَأْسِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: أَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ رِجْلَيْهِ أَخِيرًا انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْجُنُبَ مَعَ الْغُسْلِ وُضُوءٌ بِدُونِ حَدَثٍ يُوجِبُهُ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَذَكَرَهُ الدِّينَوَرِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ فَلَا تَدَاخُلَ. وَقِيلَ: مَنْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ، أَوْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ: يَكْفِيهِ الْغُسْلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ غَسَلَ بَدَنَهُ نَاوِيًا لَهُمَا، ثُمَّ أَحْدَثَ: غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَلَا تَرْتِيبَ. وَقِيلَ: لَوْ زَالَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ لَهُمَا لَمْ يَتَدَاخَلَا، وَإِنْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ تَدَاخَلَا وَقِيلَ: لَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ كُلَّ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي، فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْآمِدِيُّ: لَوْ أَجْنَبَ فَغَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ. ثُمَّ أَحْدَثَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْأُصُولِ وُضُوءٌ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ فِي ثَلَاثَةِ أَعْضَاءٍ، وَلَا يَجِبُ فِي الرِّجْلَيْنِ: إلَّا هَذَا. وَعَلَّلَهُ. فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ: إنْ أَجْنَبَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ بَقِيَّةَ بَدَنِهِ: غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ. وَغَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ عَنْ الْحَدَثِ عَلَى

التَّرْتِيبِ، وَإِنْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ. ثُمَّ أَحْدَثَ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ مِنْهَا. وَلَمْ يَجِبْ تَرْتِيبٌ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ. ارْتَفَعَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ عَكْسُهُ، كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْوُضُوءُ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى فَقَطْ لَا يُجْزِئُ عَنْ الصُّغْرَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَرْتَفِعُ الْأَصْغَرُ أَيْضًا مَعَهُ. وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ أَيْضًا. وَحَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: لَوْ نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، أَوْ أَمْرًا لَا يُبَاحُ إلَّا بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ. لَا قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَتْ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا بِغُسْلِهَا حِلَّ الْوَطْءِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. لِأَنَّهَا إنَّمَا نَوَتْ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَهُوَ الْوَطْءُ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ، أَوْ الْأَكْلَ، أَوْ الْوَطْءَ ثَانِيًا: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَتَوَضَّأَ) إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ النَّوْمَ: اُسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا ظَاهِرُهُ وُجُوبُهُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.

وَإِذَا أَرَادَ الْأَكْلَ، وَكَذَا الشُّرْبُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ فَقَطْ وَعَنْهُ يَغْسِلُ يَدَهُ وَيَتَمَضْمَضُ فَقَطْ. وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ: لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَإِذَا أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الْوَطْءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَوُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ فَقَطْ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَعَلَيْهَا لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُكْرَهُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ يُكْرَهُ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كَالْجُنُبِ، وَقَبْلَ انْقِطَاعِهِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْوُضُوءُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: وَاسْتِحْبَابُ غَسْلِ جَنَابَتِهَا، وَهِيَ حَائِضٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يُشْعِرُ بِاسْتِحْبَابِ وُضُوئِهَا لِلنَّوْمِ هُنَا. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ: لَمْ يُعِدْهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِتَعْلِيلِهِمْ بِخِفَّةِ الْحَدَثِ، أَوْ بِالنَّشَاطِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ يُعِيدُهُ، حَتَّى يَبِيتَ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ. وَقَالَ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ» وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْوُضُوءُ هُنَا لَا يَبْطُلُ بِالنَّوْمِ. وَمِنْهَا: غَسْلُهُ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ أَفْضَلُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ، وَبَيْعُهُ، وَإِجَارَتُهُ. وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي. وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ النِّسَاءُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ كَسْبُ الْحَمَّامِيِّ: وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: الصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ. وَلَهُ دُخُولُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ، وَإِنْ عَلِمَ وُقُوعَهُ فِي مُحَرَّمٍ حَرُمَ. وَفِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ: لَهُ دُخُولُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ غَالِبًا. وَلِلْمَرْأَةِ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا حَرُمَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَرِهَهُ بِدُونِ عُذْرٍ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقِيلَ يَجُوزُ لِضَرَرٍ يَلْحَقُهَا بِتَرْكِ اغْتِسَالٍ فِيهِ لِنَظَافَةِ بَدَنِهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَشَيْخُنَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ دُخُولُهُ، إلَّا مِنْ عِلَّةٍ يُصْلِحُهَا الْحَمَّامُ. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ مَعَ الْعُذْرِ: تَعَذُّرَ غَسْلِهَا فِي بَيْتِهَا. لِتَعَذُّرِهِ، أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ وَنَحْوِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: وَاعْتِيَادُ دُخُولِهَا عُذْرٌ لِلْمَشَقَّةِ. وَقِيلَ. لَا تَتَجَرَّدُ. فَتَدْخُلُهُ بِقَمِيصٍ خَفِيفٍ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ. وَلَا يُكْرَهُ قُرْبُ الْغُرُوبِ، وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. خِلَافًا لِلْمِنْهَاجِ. لِانْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ. وَتُكْرَهُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي. وَقِيلَ: لَا تُكْرَهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ السَّلَامُ. وَقِيلَ: لَا. وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَسَطْحِهِ وَنَحْوِهِ كَبَقِيَّتِهِ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَصَلَاةٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَيَأْتِي: هَلْ ثَمَنُ الْمَاءِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ عَلَيْهَا؟ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ. وَيُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي مُسْتَحَمٍّ وَمَاءٍ عُرْيَانًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَيْهَا أَكْثَرُ نُصُوصِهِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي، إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا.

باب التيمم

[بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ) . يَعْنِي لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ بِالْمَاءِ: مِنْ الصَّلَاةِ، وَالطَّوَافِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ: إنْ احْتَاجَ، وَكَوَطْءِ حَائِضٍ انْقَطَعَ دَمُهَا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً. وَصَحَّحَهَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: دُخُولُ الْوَقْتِ. فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا لِنَذْرٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهُ) ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ تَخْرِيجٌ بِالْجَوَازِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَلَا لِنَفْلٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ وَقْتِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ: وَلَا لِنَفْلٍ. وَقِيلَ: مُطْلَقٌ بِلَا سَبَبِ وَقْتِ نَهْيٍ. وَقِيلَ: بَلَى. وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَالنَّفَلُ الْمُعَيَّنُ أَوْلَى. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ، تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ: فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) . فَائِدَةٌ: النَّذْرُ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: كَالْفَرْضِ، وَالْجِنَازَةِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ: كَالنَّفْلِ قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي قَوْلِهِ " الْجِنَازَةُ كَالنَّفْلِ " نَظَرٌ، مَعَ قَوْلِهِ " وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْفَرْضِ " إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا ثَانِيًا. وَيَأْتِي بَيَانُ وَقْتِ ذَلِكَ عَنْهُ. قَوْلُهُ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (الثَّانِي: الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ) أَنَّ الْعَدَمَ سَوَاءٌ كَانَ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَادِمُ مُطْلَقًا أَوْ مَحْبُوسًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَدَمِ، إلَّا فِي السَّفَرِ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ " مَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ " فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ. وَجَزَمَ فِي الْإِفَادَاتِ بِأَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ يُعِيدُ. وَيَأْتِي هُنَاكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ، وَالْمُحَرَّمِ، وَالطَّوِيلِ، وَالْقَصِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ تُقَارِبُ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةً: جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ إلَّا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ الطَّوِيلِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يُصَلِّي وَيُعِيدُ بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُعِيدُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَيَأْتِي إذَا خَرَجَ إلَى أَرْضِ بَلَدِهِ لِحَاجَةٍ كَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْحَرَكَةِ وَعَمَّنْ يُوَضِّئُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَادِمِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ انْتَظَرَ مَنْ يُوَضِّئُهُ: تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ يَنْتَظِرُ الْمَاءَ قَرِيبًا. فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالِاسْتِقَاءِ. قَوْلُهُ (أَوْ لِضَرَرٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْ جُرْحٍ) يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَدَنِهِ، أَوْ بَقَاءِ شَيْنٍ، أَوْ نَظَائِرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إلَّا إذَا خَافَ التَّلَفَ. اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (أَوْ بَرْدٍ) يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ. وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ: فَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " مِنْ جُرْحٍ، أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ، أَوْ مَرَضٍ يُخْشَى زِيَادَتُهُ، أَوْ تَطَاوُلُهُ " وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ (أَوْ عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ: حَبَسَ الْمَاءَ، وَتَيَمَّمَ بِلَا نِزَاعٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (أَوْ رَفِيقِهِ) يَعْنِي الْمُحْتَرَمَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. إذَا وَجَدَ عَطْشَانًا يَخَافُ تَلَفَهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ وَتَيَمَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى الْعَطْشَانِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ

أَبُو بَكْرٍ فِي مُقْنِعِهِ، وَالْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، هَلْ يَجِبُ حَبْسُ الْمَاءِ لِلْعَطَشِ الْغَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ. بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا فِي خَوْفِهِ عَطَشَ نَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ خَافَ أَنْ يَعْطَشَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ أَهْلُهُ، أَوْ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ: لَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ إلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى بِثَمَنِهِ، إنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ الْعَطْشَانِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ. انْتَهَى. فَوَائِدُ: مِنْهَا: إذَا وَجَدَ الْخَائِفُ مِنْ الْعَطَشِ مَاءً طَاهِرًا، أَوْ مَاءً نَجِسًا، يَكْفِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشُرْبِهِ: حَبَسَ الطَّاهِرَ لِشُرْبِهِ، وَأَرَاقَ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ شُرْبِهِ. فَإِنْ خَافَ، حَبَسَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ، وَيَحْبِسُ النَّجِسَ لِشُرْبِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجِسَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، يَعْنِي بِاللُّزُومِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَاءِ: يَمَّمَهُ رَفِيقُهُ الْعَطْشَانُ. وَغَرِمَ ثَمَنَهُ فِي مَكَانِهِ وَقْتَ إتْلَافِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النِّهَايَةِ: وَإِنْ غَرِمَهُ

مَكَانَهُ فَبِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ، وَالتَّنْبِيهِ، وَقِيلَ: رَفِيقُهُ أَوْلَى إنْ خَافَ الْمَوْتَ، وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى. وَيَأْتِي حُكْمُ فَضْلَةِ الْمَاءِ مِنْ الْمَيِّتِ آخِرَ الْبَابِ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَةٍ: سَاغَ لَهُ التَّيَمُّمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوْتِ الرُّفْقَةِ، لِفَوْتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ بَهِيمَتِهِ " أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ، وَيَدَعُ الْمَاءَ لِخَوْفِهِ عَلَى بَهِيمَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِهِ عَلَى بَهِيمَةِ غَيْرِهِ كَبَهِيمَتِهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ بَهِيمَتِهِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي " بَهِيمَتِهِ " إلَى " رَفِيقِهِ " فَتَقْدِيرُهُ: أَوْ بَهِيمَةِ رَفِيقِهِ. فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي: مُرَادُهُ بِالْبَهِيمَةِ: الْبَهِيمَةُ الْمُحْتَرَمَةُ كَالشَّاةِ، وَالْحِمَارَةِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَكَلْبِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِهِ، احْتِرَازًا مِنْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (أَوْ خَشْيَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) لَوْ خَافَتْ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فُسَّاقًا فِي طَرِيقِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ. وَتَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي، وَلَا تُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَيَمَّمُ. وَلَا تُعِيدُ، وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَتَيَمَّمُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: تُعِيدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَبْعَدَ مَنْ قَالَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ. لَا أَدْرِي.

تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ (أَوْ خَشْيَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ مُحَقَّقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ جُبْنًا، لَا عَنْ سَبَبٍ يُخَافُ مِنْ مِثْلِهِ: لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَيُعِيدَ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَشْتَدُّ خَوْفُهُ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ. فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْلُ مَنْ رَأَى سَوَادًا بِاللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالصَّحِيحُ لَا يُعِيدُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فِي الْأَسْفَارِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ فِي نَصِّهَا. وَهِيَ كَذَلِكَ أَنْدَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يُعِيدُ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إنْ احْتَاجَ الْمَاءُ لِلْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهَا: تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ، بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ فِي غَازٍ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ عَلَى نَفْسِهِ: لَا يَتَيَمَّمُ، وَيُؤَخِّرُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ) يَعْنِي يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ إنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ زِيَادَةً لَزِمَهُ الشِّرَاءُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً: يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُمَا احْتِمَالٌ. وَأَطْلَقَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: أَحْمَدُ تُوقَفُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: ثَمَنُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي شِرَاءِ الْمُسَافِرِ لَهُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَوْ مِثْلُهَا غَالِبًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِأُجْرَةِ النَّقْلِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الثَّمَنُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ، وَوَجَدَهُ يُبَاعُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ قَالَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الظِّهَارِ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَوْ بِثَمَنٍ مِثْلِهِ، وَلَوْ فِي ذِمَّتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ تَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ)

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: تَقْدِيرُهُ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا وَكَذَا، أَوْ لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ فِي الْمُقْنِعِ. تَقْدِيرُهُ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا أَوْ كَذَا، لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ. فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ مُثْبَتٍ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ تَعَذُّرَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ، إلَّا فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهِيَ حُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنٍ مِثْلِهِ، وَحُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ مُبِيحٌ أَيْضًا لِلتَّيَمُّمِ. وَصُورَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُوَافِقَةٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ. قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا: الْإِشْكَالُ فِي اللَّفْظِ. وَتَصْحِيحُهُ: أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْفِيٍّ مَعْنًى. فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَوْ تَعَذُّرِهِ " فِي مَعْنَى قَوْلِهِ " وَبِكَوْنِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَاءُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " فَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا؛ لِأَنَّ " بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " مُتَعَلِّقٌ " مَا لَمْ يَحْصُلْ " وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ مَا قَبْلَ " إلَّا " وَمَا بَعْدَهُ فِيهِ كَلَامٌ وَاحِدٌ. فَيَصِيرُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا: حُصُولُ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ، أَوْ ثَمَنٍ يُعْجَزُ عَنْ أَدَائِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت عَلَى إعْرَابِ هَذَا، لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَاسِدَةٌ. انْتَهَى. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا قَالَ، بِأَنْ يُقَالَ: اسْتِثْنَاءُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَفْهُومِ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَلَكِنْ وُجِدَ، وَمَا يُبَاعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ، أَوْ بِثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَاءِ قَرْضًا، وَكَذَا ثَمَنُهُ، وَلِي مَا يُوفِيهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ. وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ هِبَةً مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ عَزِيزًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ مُطْلَقًا. وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِ الْمَاءِ هِبَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ: حُكْمُ الْمَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا عَارِيَّةً. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ لَهُ. وَغَسَلَ الْبَاقِي) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ لِلْجُرْحِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ مَسْحُ الْجُرْحِ بِالْمَاءِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْجُرْحَ بِالتُّرَابِ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْجُرْحَ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَلَوْ سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ. فَأَصَابَهُ جُرْحٌ، وَخَافَ التَّلَفَ بِغُسْلِهِ: لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ يُجْزِيهِ الْمَسْحُ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ وَيَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ، فَمَسْحُهُ بِالْمَاءِ: أَوْلَى مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ التَّيَمُّمِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا مَعَ الْمَسْحِ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ فِي التَّلْخِيصِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُ: إذَا كَانَ الْجُرْحُ طَاهِرًا. أَمَّا إنْ كَانَ نَجِسًا: فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ: مَسْحُ الْبَشَرَةِ لِعُذْرٍ كَجَرِيحٍ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ أَوْلَى. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ عَلَى الْجُرْحِ عِصَابَةٌ، أَوْ لُصُوقٌ، أَوْ جَبِيرَةٌ كَجَبِيرَةِ الْكَسْرِ:

أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ وَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْجَبِيرَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُسْتَوْفًى فَلْيُعَاوَدْ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ: لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا الْجَرِيحُ الْمُتَوَضِّئُ، فَعِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهُ، حَتَّى يَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ، نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ، وَأَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُرَتِّبُهُ غَيْرُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ. وَيُوَالِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، إنْ جَرَحَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ هَذَا التَّرْتِيبُ. وَعَلَّلَهُ وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَتَّبَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: الْفَصْلُ بَيْنَ أَنَّهَا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ وَوَجْهٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْعَلُ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ فِي مَكَانِ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عَنْهُ. فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي وَجْهِهِ، لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ. ثُمَّ يَغْسِلُ صَحِيحَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي عُضْوٍ آخَرَ: لَزِمَهُ غَسْلُ مَا قَبْلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ. وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ: احْتَاجَ فِي كُلِّ عُضْوٍ إلَى تَيَمُّمٍ فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُضُوئِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْجُنُبُ جَرِيحًا: فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ قَبْلَ غَسْلِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ: لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي، إنْ كَانَ جُنُبًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ: لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَلْزَمُهُ فِي الْجَنَابَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَيُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ. حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ " لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلْبَاقِي " إشْعَارٌ أَنَّ تَيَمُّمَهُ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْجَنَابَةِ جَازَ. وَقَالَ هُوَ وَغَيْره: يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، كَالْمُصَنَّفِ. وَفِي النَّوَادِرِ، وَالرِّعَايَةِ: رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُوَالَاةِ. نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ، فَهُوَ كَالْجُنُبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَرَدُّوا الْأَوَّلَ بِأُصُولٍ كَثِيرَةٍ. وَقِيلَ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ خَلَعَهُ: يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ، لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ الْأَصْغَرِ. وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ فِي إرَاقَتِهِ قَبْلَ تَيَمُّمِهِ رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا: غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمَجْدُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ مِنْ الْحَدَثِ. فَيَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ عَنْهُمَا. وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، تَحْقِيقًا لِشُرُوطِهِ. وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَوْ وَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلتَّيَمُّمِ، فَقُلْت: يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. قُلْت: إنْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ بِشُرُوطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الطَّلَبِ: إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمَاءِ وَعَدَمَهُ. أَمَّا إنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ الْمَاءِ: فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَبُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَهُ: إمَّا فِي رَحْلِهِ، أَوْ رَأَى خَضِرَةً وَنَحْوَهَا: وَجَبَ الطَّلَبُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إجْمَاعًا، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. ذَكَرَهَا فِي التَّبْصِرَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ لُزُومُ الطَّلَبِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ لَوْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ فِي الْمَاءِ: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ دَلَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ: وَقْتُ الطَّلَبِ: بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. فَلَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِشَرْطِهِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " لَزِمَهُ طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ " صِفَةُ الطَّلَبِ: أَنْ يُفَتِّشَ فِي رَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ. وَيَسْأَلَ رُفْقَتَهُ عَنْ مَوَارِدِ مَاءٍ، أَوْ عَنْ مَاءٍ مَعَهُمْ لِيَبِيعُوهُ لَهُ، أَوْ يَبْذُلُوهُ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ صِفَتِهِ: أَنْ يَسْعَى عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ، إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ. مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ، لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، وَإِنْ رَأَى خَضِرَةً، أَوْ شَيْئًا

يَدُلُّ عَلَى الْمَاءِ: قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ، وَإِنْ رَأَى نَشْزًا، أَوْ حَائِطًا. قَصَدَهُ، وَاسْتَبَانَ مَا عِنْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ عَادِمٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ سَائِرًا طَلَبُهُ أَمَامَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ ظَنَّهُ فَوْقَ جَبَلٍ بِقُرْبِهِ عَلَاهُ، وَإِنْ ظَنَّهُ وَرَاءَهُ فَوَجْهَانِ، مَعَ أَمْنِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ قَرِيبًا لَزِمَهُ قَصْدُهُ) . يَعْنِي إذَا دَلَّهُ ثِقَةٌ. وَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ فَائِدَةٌ: الْقَرِيبُ: مَا عُدَّ قَرِيبًا عُرْفًا عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: مِيلٌ. وَقِيلَ: فَرْسَخٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: مَا تَتَرَدَّدُ الْقَوَافِلُ إلَيْهِ فِي الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفَسَّرُوهُ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ. مَا يَلْحَقُهُ الْفَوْتُ. ذَكَرَ الْأَخِيرِينَ فِي التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ. مَدُّ بَصَرِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " قَرِيبًا " أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ إذَا كَانَ بَعِيدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اعْتَبَرَ اشْتِرَاطَ الْقُرْبِ. قَالَ: وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى الْقُرْبِ. وَقِيلَ: وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِهِ لِحَاجَةٍ، كَالْحِرَاثَةِ وَالِاحْتِطَابِ، وَالِاحْتِشَاشِ، وَالصَّيْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: حَمْلُ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْمِلُهُ. فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَتَيَمَّمُ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ بِرُجُوعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّيَمُّمِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، يُعِيدُ، لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ.

وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا أَمْكَنَهُ حَمْلُهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ حَمْلُهُ، وَلَا الرُّجُوعُ لِلْوُضُوءِ إلَّا بِتَفْوِيتِ حَاجَتِهِ: فَلَهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَلَوْ كَانَتْ حَاجَتُهُ فِي أَرْضِ قَرْيَةٍ أُخْرَى. فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَرَّ بِمَاءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَعَهُ فَأَرَاقَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ وَعَدِمَ الْمَاءَ: صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، أَوْ كَانَ مَعَهُ فَأَرَاقَهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَاعَهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ: جَزَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَشْهَرُهَا لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ. فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا. [قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا] . وَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِبَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَيَأْتِي إذَا آثَرَ أَبَوَيْهِ بِالْمَاءِ آخِرَ الْبَابِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى بَعْدَ إعْدَامِ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرَاقَةِ، وَالْمُرُورِ، وَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ أَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بَعْدَمَا تَلِفَ. فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ: فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ، وَالْمُرُورِ: فِي الْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. جَزَمَ فِي الْإِفَادَاتِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْإِرَاقَةِ، وَالْهِبَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي الْمُرُورِ بِهِ وَالْإِرَاقَةِ، وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْمُرُورِ بِهِ،

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ تَيَمَّمَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فَهُوَ كَالْإِرَاقَةِ، وَنَصَّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْكُلِّ. وَقِيلَ: يُعِيدُ إنْ أَرَاقَهُ. وَلَا يُعِيدُ إنْ مَرَّ بِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَيَمَّمَ، لَمْ يُجْزِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْأَثْرَمِ، وَمُهَنَّا، وَصَالِحٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ. كَمَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فَكَفَّرَ بِالصِّيَامِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ، وَالْمُجَرَّدِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ. حَكَاهَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: الْجَاهِلُ بِهِ كَالنَّاسِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمَاءُ بِمَوْضِعٍ يَظْهَرُ بِهِ تَفْرِيطُهُ وَتَقْصِيرُهُ فِي طَلَبِهِ. بِأَنْ يَجِدَهُ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ بِبِئْرٍ بِقُرْبِهِ أَعْلَامُهَا ظَاهِرَةٌ. فَأَمَّا إنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ، وَفِيهِ الْمَاءُ، وَقَدْ طَلَبَهُ، أَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يُعِيدُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فِيمَا إذَا ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ. وَأَمَّا إذَا أُدْرِجَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ ضَلَّ مَوْضِعُ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا. فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. فَقَالَ: الصَّحِيحُ الَّذِي نَقْطَعُ بِهِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفَرِّطًا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يُعِيدُ، وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِيهَا. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ كَالنَّاسِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الرِّعَايَةِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ مَعَ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ السَّيِّدُ، وَنَسِيَ الْعَبْدُ أَنْ يُعْلِمَهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ كَنِسْيَانِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُعِيدُ إذَا جَهِلَ الْمَاءَ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، وَالنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا) . يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ بِلَا نِزَاعٍ، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا، وَلِعَدَمِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ مُطْلَقًا، وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا، بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى: فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، إلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ إعَادَةٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى جُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الشَّارِحُ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا إعَادَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ يَعْنِي: إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: فِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ. وَأَطْلَقَ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا، وَعَدَمَهَا مُطْلَقًا فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةُ مَاءٍ تَيَمَّمَ لَهَا. فَإِنْ عَدِمَ التُّرَابَ صَلَّى. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُعِيدُ، فَهَلْ يُعِيدُ إذَا تَيَمَّمَ لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ [انْتَهَى، وَالصَّحِيحُ: عَدَمُ الْإِعَادَةِ. قَالَ الْمَجْدُ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَهَرَهُ النَّاظِمُ، وَصَحَّحَهُ فِي: تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَبِاِتِّخَاذِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ] . قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ هُنَا فَرْعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا، بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَرْعٌ عَلَى رِوَايَةِ إيجَابِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا، وَعَنْ التَّيَمُّمِ لَهَا. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا إعَادَةَ هُنَاكَ، فَلَا إعَادَةَ مَعَ التَّيَمُّمِ وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، وَالنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى قُلْنَا: يُجْزِئُ ذَلِكَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِالْأَرْضِ: فَقَدْ دَخَلَ الْجَامِدُ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: أَرَادَ بِذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَحَكَى قَوْلَهُ. انْتَهَى.

وَأَمَّا الْمَكَانُ: فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَأْتِي إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ: هَلْ يُجْزِئُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ لِلتَّيَمُّمِ لِلنَّجَاسَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا تَيَمَّمَ لَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ) . فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا أَمْكَنَهُ بِمَسْحِهِ، أَوْ حَتَّهُ بِالتُّرَابِ، أَوْ غَيْرِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ يَتَيَمَّمْ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ وَصَلَّى فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. إحْدَاهُمَا: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يُعِدْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْخِينِهِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَعَادَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ فِي السَّفَرِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُعِيدُ هُنَا. فَهَلْ الْأُولَى فَرْضُهُ، أَوْ الثَّانِيَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: الْأُولَى فَرْضُهُ. وَالثَّانِي: الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ. قُلْت: هَذَا الْأُولَى، وَإِلَّا لَمَّا كَانَ فِي الْإِعَادَةِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ. [ثُمَّ وَجَدْته جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي] وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. وَقُلْنَا: يُعِيدُ، هَلْ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ؟ . قَوْلُهُ (وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَيَفْعَلُهَا وُجُوبًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَيَقْضِيهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَوَجَّهُ لَوْ فَعَلَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ مَعَ الْعَجْزِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ جَدُّهُ وَجَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَقْرَأُ الْجُنُبُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فَقَطْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا: وَلَا يَتَنَفَّلُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: وَلَا يَقْرَأُ جُنُبٌ فِي غَيْرِ صَلَاةِ فَرْضٍ شَيْئًا مَعَ عَدَمِهِمَا. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ إنْ كَانَ جُنُبًا. قَوْلُهُ (وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْمَجْدِ، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَصَّ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُعِيدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَعَادَ عَلَى الْأَقْيَسِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَأَعَادَ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ: لَوْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ، وَأَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ، نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ. وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ بِوِجْدَانِ التُّرَابِ. فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: إنْ قَدَرَ فِيهَا عَلَيْهِ خَرَجَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ كَمُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ عَلَى مَا يَأْتِي. فَوَائِدُ مِنْهَا: عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ: الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَقِيلَ: الْأُولَى فَرْضُهُ. وَقِيلَ: هُمَا فَرْضُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقِيلَ: إحْدَاهُمَا فَرْضُهُ لَا بِعَيْنِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَحْدَثَ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ وَجَدَ الْمُصَلِّي الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ وَقُلْنَا: تُعَادُ مَعَ دَوَامِ الْعَجْزِ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِلَّا أَتَمَّهَا إنْ شَاءَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قُلْت: الْأُولَى: عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ اخْتَصَّ مُبْطِلُهَا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يُغَسَّلْ. وَلَا يَتَيَمَّمُ بِغُسْلِهِ مُطْلَقًا،

وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ: وَبِالتَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِأَحَدِهِمَا مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِوُضُوءٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ. فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ، وَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْإِعَادَةِ: كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. فَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بِالسَّبْخَةِ أَيْضًا. وَعَنْهُ بِالرَّمْلِ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالرَّمْلِ مُطْلَقًا. نَقَلَهَا عَنْهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِمَا عِنْدَ الْعَدَمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا بِالنُّورَةِ وَالْجَصِّ. نَقَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِمَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ لَا بِعَدَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ بِكُلِّ طَاهِرٍ تَصَاعَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، مِثْلُ الرَّمْلِ، وَالسَّبْخَةِ، وَالنُّورَةِ، وَالْكُحْلِ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. وَيُصَلِّي. وَهَلْ يُعِيدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ التُّرَابِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِتُرَابٍ طَاهِرٍ " التُّرَابُ الطَّهُورُ، وَمُرَادُهُ. غَيْرُ التُّرَابِ الْمُحْتَرِقِ. فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِقًا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " بِتُرَابٍ " لَوْ ضَرَبَ عَلَى يَدٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ، أَوْ بِسَاطٍ، أَوْ حَصِيرٍ، أَوْ حَائِطٍ، أَوْ صَخْرَةٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ خَشَبٍ،

أَوْ عِدْلٍ، أَوْ شَعْرٍ، وَنَحْوِهِ: مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ طَهُورٌ يَعْلَقُ بِيَدِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ مِنْهَا: أَعْجَبَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ حَمْلُ التُّرَابِ لِأَجْلِ التَّيَمُّمِ. وَعَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: لَا يَحْمِلُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ. قَالَ الْقَاضِي: بِلَا خِلَافٍ. انْتَهَى. لَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ تَجْفِيفُهُ وَالتَّيَمُّمُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ ثَلْجًا وَلَمْ يُمْكِنْ تَذْوِيبُهُ، لَزِمَهُ مَسْحُ أَعْضَائِهِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْقَاضِي: مَسْحُ الْأَعْضَاءِ بِالثَّلْجِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي إذَا مَسَّ يَدَهُ: وَجَبَ، وَلَا إعَادَةَ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ بِالثَّلْجِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا. يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَحَتَ الْحِجَارَةَ كَالْمِكْدَنِ، وَالْمَرْمَرِ وَنَحْوِهِمَا، حَتَّى صَارَ تُرَابًا: لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الصُّلْبَ، كَالْأَرْمَنِيِّ: جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَصِحُّ فِي الْأَشْهَرِ بِتُرَابِ طِينٍ يَابِسٍ خُرَاسَانِيٍّ، أَوْ أَرْمَنِيٍّ، وَنَحْوِهِمَا. وَقِيلَ: مَأْكُولٍ قَبْلَ طَبْخِهِ. وَقِيلَ: وَبَعْدَهُ. وَفِيهِ بُعْدٌ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ، لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُذْهَبُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا. فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَهُوَ كَالْمَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ التُّرَابَ كَالْمَاءِ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِتُرَابِ مَسْجِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ. [وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي " فَصْلٍ، ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ " وَفِي الْفُصُولِ: إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْعَى: كُرِهَ وَأَجْزَأَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْ إخْرَاجِ تُرَابِهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ أَجْزَأَ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ الْمَنْعُ] . وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ قَدْ تُيُمِّمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَتَيَمَّمْ مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّعَايَةِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَفَرَائِضُهُ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ) أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: مَحَلُّ التَّيَمُّمِ جَمِيعُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْوَجْهِ، مَا خَلَا الْأَنْفَ وَالْفَمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ مَسْحُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَمْسَحُ مَا أَمْكَنَ مَسْحُهُ مِنْ ظَاهِرِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ. قِيلَ. وَمَا نَزَلَ عَنْ ذَقَنِهِ. وَالثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ " سِوَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَطْعًا، بَلْ يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ هُنَا: حُكْمُهُمَا فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُمَا هُنَا سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا فِي الْوُضُوءِ فَرْضَانِ. وَقِيلَ: التَّرْتِيبُ هُنَا سُنَّةٌ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ وَجَبَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ بُطُونَ الْأَصَابِعِ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بَعْدَ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ بِالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ يُعْتَدُّ بِمَسْحِهَا مَعَهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَةٍ لَمْ يَجِبْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت التَّيَمُّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَسْقَطَ تَرْتِيبًا مُسْتَحَقًّا فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَسْحِ بَاطِنِ يَدَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ وَجْهِهِ. فَائِدَةٌ: قَدْرُ الْمُوَالَاةِ هُنَا: بِقَدْرِهَا زَمَنًا فِي الْوُضُوءِ عُرْفًا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ: فِي غَيْرِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. فَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ: فَلَا يَجِبَانِ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَجِبَانِ فِيهِ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْوُضُوءِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي التَّيَمُّمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ هُنَا حُكْمُهَا عَلَى الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، مَعَ تَقْدِيمِهِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهَا فَرْضٌ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ هُنَا، لِعَدَمِ قَصْدِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى وَصَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ جَمِيعَ وَجْهِهِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ مَسَحَ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّارِحُ] .

قُلْت: وَهَذَا الصَّحِيحُ قِيَاسًا عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ، وَمَعَ الْمَسْحِ حَكَى احْتِمَالَيْنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا. فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ مَسَحَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ: صَحَّ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إنْ نَقَلَهُ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ، أَوْ عَكْسُهُ بِنِيَّةٍ: فَفِيهِ تَرَدُّدٌ. وَيَأْتِي إذَا تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْضِ يَدٍ. أَوْ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ قَوْلُهُ (وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ: مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَشَمِلَ التَّيَمُّمَ لِلنَّجَاسَةِ. فَتَجِبُ النِّيَّةُ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ. وَهَذَا احْتِمَالُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَهَا كَبَدَلِهِ، وَهُوَ الْغُسْلُ، بِخِلَافِ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ [فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ الصِّحَّةِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي مَوْضِعٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى جَمِيعَهَا جَازَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ: هَلْ يُكْتَفَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؟ يَنْبَنِي عَلَى تَدَاخُلِ الطَّهَارَتَيْنِ فِي الْغُسْلِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَدَاخَلَانِ، فَهُنَا أَوْلَى. لِكَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَتَدَاخَلَانِ هُنَاكَ، فَالْأَشْبَهُ عِنْدِي: لَا يَتَدَاخَلَانِ هُنَا، كَالْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ إذَا كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْآخَرِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَحْدَاثٌ. فَتَارَةً تَكُونُ مُتَنَوِّعَةً عَنْ أَسْبَابِ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ، وَتَارَةً لَا تَتَنَوَّعُ. فَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِهِمَا، وَنَوَى بَعْضَهَا بِالتَّيَمُّمِ. فَإِنْ قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ: لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا لَمْ يَنْوِهِ. فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: يُجْزِئُ هُنَاكَ أَجْزَأَ هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ هُنَا. فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا نَوَاهُ. وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ جَمِيعُهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ، وَالْوُضُوءُ رَافِعٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: إنْ كَانَا جَنَابَةً وَحَيْضًا أَوْ نِفَاسًا: لَمْ يُجْزِهِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ: مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَمْ تُبَحْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، وَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤْثِرْ ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِهِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ بِحَالِهِ. وَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قُلْنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ، احْتَاجَ كُلُّ وَطْءٍ إلَى تَيَمُّمٍ يَخُصُّهُ. الثَّانِيَةُ: صِفَةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ مَعَهُ تَعْيِينُ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ ظَنَّ فَائِتَةً،

فَلَمْ تَكُنْ، أَوْ بَانَ غَيْرُهَا: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: إنْ نَوَى التَّيَمُّمَ فَقَطْ صَلَّى نَفْلًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ، أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى نَفْلًا، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ: لَمْ يُصَلِّ إلَّا نَفْلًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ: جَازَ لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَهُ فِعْلٌ أَعْلَى مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ) . بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَهُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَفِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ. وَعَنْهُ لَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ. وَلَا يُصَلِّي بِهِ فَائِتَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَعَنْهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ. فَعَلَيْهَا: لَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ مِمَّا شَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. وَفِي الْفُرُوعِ: لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ النَّوَافِلِ، وَالطَّوَافِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ جُنُبًا، وَالْوَطْءُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهًا: أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى تَيَمُّمٍ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِتَيَمُّمِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنْ يَطَأَ قَبْلَهَا، ثُمَّ لَا تُصَلِّي بِهِ، وَتَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَطْءٍ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْهُ قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، فَعَلَيْهَا: لَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. فَهَلْ يُصَلِّي بِهِ

أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ: إنْ تَعَيَّنَتَا لَمْ يُصَلِّ، وَإِلَّا صَلَّى. انْتَهَى. وَعَلَيْهَا أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا: لَزِمَهُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَةَ قُلْت: فَعَلَيْهَا مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ مِنْ يَوْمٍ، كَفَاهُ لِصَلَاةِ الْخَمْسِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ، وَجَهِلَ عَيْنَهَا أَعَادَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ جِنْسَهُمَا: صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهُمَا. وَقِيلَ: يَكْفِي صَلَاةُ يَوْمٍ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ، فَلِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ. وَقِيلَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ: يُصَلِّي الْفَجْرَ، وَالظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ بِتَيَمُّمٍ. وَالظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ آخَرَ. انْتَهَى. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ: صَلَّى الْخَمْسَ بِتَيَمُّمٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَمَّا جَوَازُ فِعْلِ التَّنَفُّلِ، إذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ: فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ بِهِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْفَرْضَ الَّذِي يَتَيَمَّمُ لَهُ. وَعَنْهُ: لَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ الرَّاتِبَةِ. وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالتَّنَفُّلُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) أَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ". تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ " وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ " أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا اسْتَبَاحَ فِعْلَهُ. وَاسْتَبَاحَ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ. وَلَمْ يَسْتَبِحْ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ لَمْ يُبَحْ لَهُ فِعْلُ غَيْرِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ لَمْ يُبَحْ لَهُ غَيْرُهَا، وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا، وَأَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يُبَحْ لَهُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَفِيهَا بُعْدٌ. وَعَنْهُ يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا فِعْلُ مَا هُوَ أَعْلَى مِمَّا نَوَاهُ. وَقِيلَ: إنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ: صَلَّى فَرْضًا. وَتَقَدَّمَ هُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَرِيبًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّذْرُ دُونَ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ وَمَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ. انْتَهَى. وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ. وَفَرْضُ جِنَازَةٍ أَعْلَى مِنْ النَّافِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَحَرَّجُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً بِتَيَمُّمِ جِنَازَةٍ. وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بِتَيَمُّمِهِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَطَوَافٍ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى، وَإِنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِلْقِرَاءَةِ، أَوْ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ فِعْلُ جَمِيعِ النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَتَيَمَّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ. فَلَهُ الْقِرَاءَةُ، لَا الْعَكْسُ وَلَا يَسْتَبِيحُ مَسُّ الْمُصْحَفِ. وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلُبْثٍ. وَقِيلَ: فِي الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ. وَيُبَاحُ اللُّبْثُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلطَّوَافِ، لَا الْعَكْسُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: الْعَكْسُ بَلَى، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، فَفِي جَوَازِ فِعْلِ نَفْلِ الطَّوَافِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّوَافِ أَعْلَى مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ

لِقِرَاءَةٍ، أَوْ لُبْثٍ، أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ: لَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ: فَتُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ النَّافِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّتِهِ مُطْلَقًا، لَا بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ، [كَمَا تَقَدَّمَ] . فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ فَرْضٍ، ثُمَّ بَلَغَ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ كَانَ نَفْلًا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِيهِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا فَلَهُ التَّنَفُّلُ بِهِ. وَفِي الْفَرْضِ وَجْهَانِ [وَالْوَجْهُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ] . قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ: وَهَلْ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِلْفَجْرِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بِزَوَالِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالنَّجَاسَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، لِتَجَدُّدِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. تَنْبِيهَاتٌ مِنْهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَبْطُلُ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. فَلَا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَطِ لَهَا التَّيَمُّمُ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا. فَيُبَاحُ لَهُ قَضَاءُ الَّتِي

تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا. وَفِعْلُ الْفَوَائِتِ، وَالتَّنَفُّلِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالطَّوَافِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ [وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَقَالَ: وَعَكْسُهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَاضِرَةِ، ثُمَّ نَذَرَ فِي الْوَقْتِ صَلَاةً: لَمْ يَجُزْ فِعْلُ الْمَنْذُورَةِ بِهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ وُجُوبُهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْجَوَازُ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَجْدِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَمِنْهَا: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ الْحَائِضُ لِلْوَطْءِ، أَوْ اسْتَبَاحَا ذَلِكَ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ. بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ. وَرُدَّ مَا عَلَّلَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ فِي الْفَائِقِ فِي الْحَائِضِ: اسْتِمْرَارَ تَيَمُّمِهَا إلَى الْحَيْضِ الْآتِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ شَرْطًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى رِوَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَا يَخْرُجُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَكَذَا الْخِلَافُ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهِيَ تُصَلِّي، وَانْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا مَنُوطٌ بِشَرْطِهِ، وَفَرَاغِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فِيهَا، وَزَوَالِ الْمَلْبُوسِ عَنْ مَحَلِّهِ عَمْدًا قَبْلَ السَّلَامِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. أَمَّا إذَا

خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ فِيهَا: لَمْ يَبْطُلْ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَمِنْهَا: يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِطَوَافٍ، وَجِنَازَةٍ، وَنَافِلَةٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْفَرِيضَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ، ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ فِيهِ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَقَدَّرَ لِلْوَقْتِ، فَوَقْتُ كُلِّ صَلَاةِ جِنَازَةٍ: قَدْرُ فِعْلِهَا، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. . لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَوَاصِلَ هُنَا كَتَوَاصُلِ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ. قَالَ وَعَلَى قِيَاسِهِ: مَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالطَّوَافِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى هَذَا: النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ، كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَالْكُسُوفِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لَهَا بِخُرُوجِ وَقْتِ تِلْكَ النَّافِلَةِ، وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ النَّافِلَةِ. وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ: كَالْجِنَازَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَرْفَعُهُ رَفْعًا مُؤَقَّتًا عَلَى رِوَايَةِ الْوَقْفِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ رَافِعٌ. فَيُصَلِّي بِهِ إلَى حَدَثِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ. وَيَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلِنَفْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، لَا سَبَبَ لَهُ وَقْتُ نَهْيٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: التَّيَمُّمُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى: أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَيَمَّمُ

لِلْفَائِتَةِ إذَا أَرَادَ فِعْلَهَا. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْأَزَجِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: إذَا ذَكَرَهَا. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. وَيَتَيَمَّمُ لِلْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهِ. وَلِلِاسْتِسْقَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا. وَلِلْجِنَازَةِ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ أَوْ يُمِّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ. فَيُعَايَى بِهَا. فَيُقَالُ: شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَوَقْتُ التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا طَهُرَ الْمَيِّتُ، وَقِيلَ: بَلْ إنْجَازُ غُسْلِهِ. وَوَقْتُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقْتُ الْمَنْذُورَةِ كُلُّ وَقْتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَوَقْتُ جَمِيعِ التَّطَوُّعَاتِ: وَقْتُ جَوَازِ فِعْلِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُصَلِّي بِهِ مَا لَمْ يَحْدُثْ. وَقِيلَ: أَوْ يَجِدُ الْمَاءَ. قُلْت: ظَاهِرُ هَذَا مُشْكِلٌ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي: أَنَّهُ عَلَى النَّصِّ يُصَلِّي، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. فَائِدَةٌ: وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لَهَا، أَوْ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِ الْأُولَى: لَمْ يَبْطُلْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى فِي الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَوُجُودِ الْمَاءِ، وَمُبْطِلَاتِ الْوُضُوءِ) . أَمَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا وُجُودُ الْمَاءِ لِفَاقِدِهِ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا. وَأَمَّا مُبْطِلَاتُ الْوُضُوءِ: فَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِمَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنْ الْحَيْضِ

وَالنِّفَاسِ بِحُدُوثِهِمَا. فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ لَهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ: جَازَ وَطْؤُهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ. وَالْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَتَيَمَّمُ الرَّجُلُ إذَا وَطِئَ ثَانِيًا عَنْ نَجَاسَةِ الذَّكَرِ إنْ نَجِسَتْ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَعَهُ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ) ، هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفَائِقِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، أَوْ بَعْضِهِ. فَيَبْطُلُ بِخَلْعِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعِمَامَةِ. وَرَدَّ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ. وَهَذَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ قَرِيبًا وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ أَعَادَ غَسْلَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِيهَا بَطَلَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ. اخْتَارَهُمَا الْآجُرِّيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الْمُضِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ، لَكِنْ هُوَ أَفْضَلُ. وَقِيلَ: الْخُرُوجُ مِنْهَا أَفْضَلُ، لِلْخُرُوجِ مِنْ

الْخِلَافِ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يَمْضِي. فَقِيلَ: وُجُوبًا. وَقِيلَ: جَوَازًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت الْأَوْلَى قَلْبُهَا نَفْلًا فَائِدَةٌ: رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. فَلِذَلِكَ أَسْقَطَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَثْبَتَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا. نَظَرًا إلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ اجْتِهَادَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ. فَلَمْ يَنْقَضِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ. بِخِلَافِ نَسْخِ الشَّارِعِ. وَهَكَذَا اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ رِوَايَةٍ عُلِمَ رُجُوعُهُ عَنْهَا. ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ عَيَّنَ نَفْلًا أَتَمَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى أَقَلِّ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهَا مَتَى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَتَابَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. هَكَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهَا لَوْ انْقَلَبَ الْمَاءُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ عَلِمَ تَلَفَهُ فِيهَا بَقِيَ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ لَمَّا فَرَغَ شَرَعَ فِي طَلَبِهِ بَطَلَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالتَّيَمُّمُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ. وَلَوْ انْقَلَبَ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَعَلَيْهَا: لَوْ وَجَدَهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ بِتَيَمُّمٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ. وَبَطَلَ تَيَمُّمُ الْمَيِّتِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا، فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَلَا يُغَسَّلُ. فَهَذَانِ الْفَرْعَانِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الرِّوَايَةِ عَلَى الْمُقَدَّمِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ، وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مِنْ قَوْلِهِ " بَطَلَتْ " وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ، أَوْ وَطْءٍ أَوْ لُبْثٍ وَنَحْوِهِ: التَّرْكُ بِوُجُودِ الْمَاءِ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَحَكَى وَجْهًا: لَا يَلْزَمُ. الثَّانِيَةُ: الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ إنْ وَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الشَّرْطِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْجُمْهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَيَّدَهُ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَالْقَاضِي. وَقِيلَ: التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِطَرِيقٍ أَوْلَى: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ

الْوَقْتِ: أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إلَى مَكَانِ الْمَاءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، إنْ وَجَبَ الطَّلَبُ، وَبَقِيَ الْوَقْتُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَجِبُ التَّأْخِيرُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ، وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى التُّرَابِ، ضَرْبَةً وَاحِدَةً) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَسْنُونَ وَالْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ، يَفْعَلُ بِهِمَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى رِوَايَةً. قُلْت: حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: الْأَوْلَى ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمِينَهُ بِيَسَارِهِ، أَوْ عَكَسَ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُمَا فِيهِمَا: صَحَّ. وَقِيلَ: لَا. وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: يُجْزِئُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ جَازَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُسَنُّ ضَرْبَتَيْنِ. وَقِيلَ: أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) يَمْسَحُ ظَاهِرَ الْوَجْهِ بِمَا لَا يَشُقُّ. فَلَا يَمْسَحُ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلَا بَاطِنَ

الشُّعُورِ الْخَفِيفَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اسْتِثْنَاءُ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْضِ يَدِهِ: أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ كَالْوُضُوءِ يَعْنِي فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ الْإِجْزَاءَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَإِنْ أَوْصَلَ التُّرَابَ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَالْوُضُوءِ. وَصَحَّحَ هُنَاكَ الصِّحَّةَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ بِحَائِلٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَإِنْ أَمَرَّ الْوَجْهَ عَلَى التُّرَابِ صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ أَوْ أَمَرَّ الْوَجْهَ عَلَى التُّرَابِ، لَمْ يَصِحَّ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ، أَوْ صَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ، فَعَمَّ التُّرَابُ وَجْهَهُ وَإِذَا سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ) . فَائِدَةٌ: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، وَجَبَ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْآمِدِيُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ. وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَتْ مِنْ فَوْقِ الْكُوعِ: لَمْ يَجِبْ قَوْلًا وَاحِدًا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) . إذَا عَدِمَ الْمَحْبُوسُ وَنَحْوُهُ الْمَاءَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَتَيَمَّمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ حَتَّى يُسَافِرَ، أَوْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعِيدُهُ وَهِيَ تُخَرَّجُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. فَيَشْتَغِلُ بِالشَّرْطِ. وَعَنْهُ تَقْدِيمُ الْوَقْتِ عَلَى الشَّرْطِ. فَيُصَلِّي مُتَيَمِّمًا. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ جُنُبٌ، وَخَافَ إنْ اغْتَسَلَ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ نَسِيَهَا وَذَكَرَهَا آخِرَ الْوَقْتِ، وَخَافَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْوَقْتِ كَالْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا: إنْ اسْتَيْقَظَ أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَفُوتُ الْوَقْتُ: أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ، وَلَا يَفُوتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ، كَالْغُلَامِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا أَوْلَادُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ حَتَّى تَغْسِلَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ: أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا، كَمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا: جَوَازَ التَّيَمُّمِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْفَائِقِ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعِيدِ، وَجَعَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْجُمُعَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا. فَائِدَةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: الْخَائِفُ فَوَاتَ عَدُوِّهِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ

لَهُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا: وَفِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ. قَوْلُهُ (وَلَا الْجِنَازَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا اخْتَارَهُ يَعْنِي أَنَّهَا كَالْمَكْتُوبَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِفَوَاتِ الْجِنَازَةِ: فَوَاتُهَا مَعَ الْإِمَامِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَوْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَأَلْحَقَ عَبْدُ الْعَزِيزِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ التَّيَمُّمِ فِيهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ: وَالْعِيدِ إذَا خَافَ الْفَوْتَ: رِوَايَتَانِ. وَحَكَى فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً كَالْجِنَازَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ وَعِيدٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَخْرُجُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ حَسَنٌ.

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمُسَافِرُ إلَى الْمَاءِ. وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَرَدَّ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: تَيَمَّمَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَرَهُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَقَالَ: مَا أَدَقَّ هَذَا النَّظَرُ. وَلَوْ طَرَدَهُ فِي الْحَضَرِ لَكَانَ قَدْ أَجَادَ وَأَصَابَ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، أَوْ عَلِمَ الْمَاءَ قَرِيبًا، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، أَوْ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، إنْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، أَوْ دَلَّهُ ثِقَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبِ فِي خَوْفِ دُخُولِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، كَخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْأُولَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ حَمْدَانَ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، فَبَذَلَ مَا يَكْفِي أَحَدُهُمْ لِأَوْلَادِهِمْ بِهِ. فَهُوَ لِلْمَيِّتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلْحَيِّ) يَعْنِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ. الْمَيِّتِ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) يَعْنِي عَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّ الْحَيَّ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. أَحَدُهُمَا: الْحَائِضُ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُ الْحَائِضِ بِكُلِّ حَالٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: الْجُنُبُ مُطْلَقًا أَوْلَى، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الرَّجُلُ الْجُنُبُ خَاصَّةً أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يُقْرَعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ: أَحَقُّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَالْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَنَجَسُ الْبَدَنِ غَيْرُ قُبُلٍ وَدُبُرٍ وَقِيلَ: وَغَيْرُ ثَوْبِ سُتْرَةٍ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَمِنْ الْمَيِّتِ إذَنْ، وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى مِنْهُ مُطْلَقًا. وَمِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ جُنُبٌ عَلَى مُحْدِثٍ. وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ إلَّا أَنْ يَكْفِيَ مَنْ تَطَهَّرَ بِهِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَفَاهُ فَقَطْ قُدِّمَ. وَقِيلَ: الْجُنُبُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ اجْتَمَعَ مُحْدِثٌ وَجُنُبٌ، وَوُجِدَ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا: وَيَفْضُلُ مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي الْآخَرَ، فَالْجُنُبُ أَوْلَى فِي وَجْهٍ، وَقَدَّمَهُ

ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَفِي آخِرِ الْمُحْدِثِ أَوْلَى، قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَفِي ثَالِثٍ: هُمَا سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُعْطِيهِ الْبَاذِلُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْجُنُبَ، وَيَفْضُلُ عَنْ الْمُحْدِثِ: فَالْجُنُبُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْمُحْدِثَ وَحْدَهُ: فَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ كَفَاهُ وَحْدَهُ مِمَّنْ يُقَدَّمُ، وَمِنْ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ: فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ فَالْجُنُبُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى مِنْ الْمُحْدِثِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، فَبِالْقُرْعَةِ. وَقِيلَ: أَوْ بِالتَّخْيِيرِ مِنْ بَاذِلِهِ، وَإِنْ كَفَى الْجُنُبَ أَوْ نَحْوَهُ، وَفَضَلَ مِنْ الْمُحْدِثِ شَيْءٌ. فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ مِنْ وَاحِدٍ مَا لَا يَكْفِي الْآخَرَ: يُقَدَّمُ الْمُحْدِثُ. وَقِيلَ: الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ: بَلْ مَنْ قُرِعَ. وَقِيلَ: بَلْ بِالتَّخْيِيرِ مِنْ بَاذِلِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَادَرَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ، فَتَطَهَّرَ بِهِ: أَسَاءَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ الْمَاءُ لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ. وَصَوَّرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، أَرَادَ مَالِكُهُ بَذْلَهُ لِأَحَدِهِمْ. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْمُبَاحَ قَبْلَ وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ لَا مِلْكَ فِيهِ. وَبَعْدَ وَضْعِ الْأَيْدِي: لِلْجَمِيعِ. وَالْمَالِكُ لَهُ وِلَايَةُ صَرْفِهِ إلَى مَنْ شَاءَ، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْفَضِيلَةَ. وَلَفْظُ " الْأَحَقِّيَّةِ " وَ " الْأَوْلَوِيَّةِ " لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ. وَعِنْدِي لِذَلِكَ صُورَةٌ مَعْصُومَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنْ يُوصِيَ بِمَائِهِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي النَّذْرِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ، وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَفِيمَا إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ مَعْرِفَةَ أَوْلَاهُمْ بِهِ لِيُؤْثَرَ بِهِ. وَفِيمَا إذَا مَا وَرَدُوا عَلَى مُبَاحٍ وَازْدَحَمُوا وَتَشَاحُّوا فِي التَّنَاوُلِ أَوَّلًا. الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّشْقِيصِ.

السَّادِسَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ جُنُبَانِ، أَوْ نَحْوُهُمَا، أَوْ مُحْدِثَانِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا: اقْتَرَعَا. وَقِيلَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. السَّابِعَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فِي بَدَنِهِ، وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا: قَدَّمَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْحَدَثُ. وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ: قَدَّمَ الثَّوْبَ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ تُقَدَّمُ نَجَاسَةُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةِ بَدَنِهِ، وَنَجَاسَةُ الْبَدَنِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ، وَيَسْتَجْمِرُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ. الثَّامِنَةُ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ: لَزِمَ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ إنْ فَضَلَ مِنْهُ عَنْ حَاجَتِهِ، اُسْتُحِبَّ لَهُ بَذْلُهُ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ بِالْمَاءِ مَنْ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَيَتَيَمَّمُ هُوَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْوَلَدِ. فَهَلْ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِهِ، وَيَتَيَمَّمَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَ ابْنُ عُبَيْدَانَ عَدَمَ الْجَوَازِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا وَأَطْلَقَ. وَقَالَ: فَإِنْ آثَرَ بِهِ وَتَيَمَّمَ، لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ الْآخَرُ فَحُكْمُ الْمُؤْثَرِ بِهِ حُكْمُ مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ قَرِيبًا ". وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ: غُسِّلَ بِهِ. فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ. فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ حَاضِرًا فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ لِلطَّهَارَةِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ

باب إزالة النجاسة

فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي. وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ رَفِيقَ الْمَيِّتِ عَطْشَانُ وَلَهُ مَاءٌ أَوَّلَ الْبَابِ. التَّاسِعَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ لَا ثَوْبَ لَهُمَا، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ. فَبُذِلَ ثَوْبٌ لِأَوْلَاهُمَا بِهِ: صَلَّى فِيهِ الْحَيُّ، ثُمَّ كُفِّنَ فِيهِ الْمَيِّتُ فِي وَجْهٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ عَلَى صَلَاةِ الْحَيِّ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ فِي فَصْلِ الْكَفَنِ لَوْ وُجِدَ كَفَنٌ وَاحِدٌ وَوُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَمْوَاتِ: هَلْ يُجْمَعُونَ فِيهِ. أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ؟ الْعَاشِرَةُ: لَوْ احْتَاجَ حَيٌّ لِكَفَنِ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ زَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: إنْ خَشِيَ التَّلَفَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ فِي الْأَصَحِّ مَنْ احْتَاجَ كَفَنَ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُصَلَّى عَلَيْهِ عَادِمَ السُّتْرَةِ فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ عُرْيَانًا كَلِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ بِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَنِ. [بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] ِ قَوْلُهُ (لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ) يَعْنِي الْمَاءَ الطَّهُورَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ، كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَقِيلَ: تُزَالُ بِغَيْرِ الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ حَفِيدُهُ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِنُصُوصِ أَحْمَدَ. نَقَلَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

وَقِيلَ: تُزَالُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تُزَالُ إلَّا بِمَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ بِلَا نِزَاعٍ) وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَجَمِيعِ أَجْزَائِهِمَا: نَجِسٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يُغْسَلُ وُلُوغُهُ فَقَطْ تَعَبُّدًا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ. فَظَاهِرُ الْقَوْلِ: أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ، وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْوُلُوغُ تَعَبُّدًا. وَعَنْهُ طَهَارَةُ الشَّعْرِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَيَخْرُجُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ سُؤْرُهُمَا طَاهِرٌ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ. نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قَوْلُهُ (وَتُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ سَبْعًا) تُغْسَلُ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ سَبْعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ ثَمَانِيًا. فَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: اخْتِصَاصُ الْعَدَدِ بِالْوُلُوغِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْخِنْزِيرِ كَنَجَاسَةِ الْكَلْبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَلْبِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ نَجَاسَةُ الْخِنْزِيرِ كَنَجَاسَةِ الْكَلْبِ. فَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ فِيهِ عَدَدًا. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ فِي نَجَاسَتِهِمَا عَدَدٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ رِوَايَةً، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ شَيْخُنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ الْعَدَدَ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْآنِيَةِ وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ هَلْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ التُّرَابِ فِي غَسْلِ نَجَاسَتِهِمَا مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ

الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ اسْتِحْبَابُ التُّرَابِ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. نَقَلَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَعَنْهُ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقِيلَ: إنْ تَضَرَّرَ الْمَحَلُّ سَقَطَ التُّرَابُ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقِيلَ: يَجِبُ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ فَقَطْ. وَحَكَى رِوَايَةً. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ " لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ التُّرَابَ فِي أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ فِيهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَبَنَاهُ عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ. وَعَنْهُ الْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى جَعْلُهُ فِي الْأُولَى إنْ غُسِلَ سَبْعًا. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ. وَعَنْهُ الْأَخِيرَةُ أَوْلَى، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ إنْ غَسَلَهَا ثَمَانِيًا فَفِي الثَّامِنَةِ أَوْلَى، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ غَسَلَهُ ثَمَانِيًا، فَفِي الثَّامِنَةِ أَوْلَى. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَا يَكْفِي ذَرُّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَائِعٍ يُوصِلُهُ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْفِيَ ذَرُّهُ، وَيُتْبِعَهُ الْمَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ اسْتِيعَابُ مَحَلِّ الْوُلُوغِ بِالتُّرَابِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: يَكْفِي مُسَمَّى التُّرَابِ مُطْلَقًا. قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقِيلَ: يَكْفِي مُسَمَّاهُ فِيمَا يَضُرُّ دُونَ غَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يَكْفِي مِنْهُ مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِي التُّرَابِ: أَنْ يَكُونَ طَهُورًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ بِالطَّاهِرِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَهُ أُشْنَانًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذَا أَقْوَى الْوُجُوهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقُومُ غَيْرُ التُّرَابِ مَقَامَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْفُصُولِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى التُّرَابِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنَّمَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ، أَوْ إفْسَادِ الْمَغْسُولِ بِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ فِي إسْقَاطِ التُّرَابِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، إذَا تَضَرَّرَ الْمَحَلُّ. وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ عَنْ التُّرَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ فِي إقَامَةِ

الْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ عَنْ التُّرَابِ. وَقِيلَ: تَقُومُ الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ مَقَامَ التُّرَابِ فِيمَا يُخَافُ تَلَفُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. إحْدَاهُنَّ: يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ الْمَشْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ غَسْلُهَا ثَلَاثًا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَقَدَّمَهُ مُطْلَقًا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِهِ. وَالثَّالِثَةُ: تُكَاثَرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْبَدَنِ. وَيَجِبُ فِي السَّبِيلَيْنِ، وَفِي غَيْرِ الْبَدَنِ سَبْعٌ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَهِيَ وَهْمٌ. وَعَنْهُ يَجِبُ الْعَدَدُ إلَّا فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: لَا يَجِبُ الْعَدَدُ إلَّا فِي الِاسْتِنْجَاءِ. وَعَنْهُ يَغْسِلُ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثٍ، وَغَيْرِهِ بِسَبْعٍ. ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ: الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: وَمِنْ غَيْرِ نَجَاسَتِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ فِي الثَّوْبِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ عَدَدٌ. ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِي الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي يَضُرُّهُ الْغَسْلُ، كَثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالْوَرِقِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ:

وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ. وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ: فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْرَطُ التُّرَابُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، أَعْنِي الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ التُّرَابُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُشْتَرَطُ بِالتُّرَابِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَانِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ التُّرَابِ، قَوْلًا وَاحِدًا، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهِيَ وُجُوبُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا، وَهُوَ صَحِيحٌ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ حُكْمَ التُّرَابِ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا حُكْمُهُ فِي الْغُسْلِ سَبْعًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَدَدِ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التُّرَابِ: إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ السَّبِيلَيْنِ. فَأَمَّا مَحَلُّ السَّبِيلَيْنِ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تُرَابٌ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَحَكَى عَنْ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّهُ أَوْجَبَ التُّرَابَ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا. وَصَرَّحَ بِوُجُوبِهِ فِي الْفَائِقِ عَنْهُ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَغْسِلُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ سَبْعًا: لَمْ تَزُلْ طَهُورِيَّةُ مَا بَعْدَ الْغَسْلَةِ الثَّالِثَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَاحِدًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُحْسَبُ الْعَدَدُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ قَبْلَ زَوَالِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَفِي ظَاهِرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: لَا يُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا. وَمِنْهَا: يُغْسَلُ مَا نَجِسَ بِبَعْضِ الْغَسَلَاتِ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الْغَسْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَعْدَ مَا بَقِيَ مَعَ تِلْكَ الْغَسْلَةِ. وَقِيلَ: يُغْسَلُ سَبْعًا إنْ اشْتَرَطْنَا السَّبْعَ فِي أَصْلِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. أَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ ابْنُ عُبَيْدَانَ. فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: يُغْسَلُ بِتُرَابٍ إنْ لَمْ يَكُنْ غَسَلَ بِهِ وَاشْتَرَطْنَاهُ. وَعَلَى الثَّالِثِ: يَغْسِلُ بِتُرَابٍ أَيْضًا إنْ اشْتَرَطْنَاهُ فِي أَصْلِهِ. قَوْلُهُ (كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ وَنَحْوُهَا حَتَّى يَنْفَصِلَ الْمَاءُ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْعَدَدُ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، مَعَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ، وَالنَّصُّ خِلَافُهُ. وَعَنْهُ يَجِبُ الْعَدَدُ فِي غَيْرِ الْبَوْلِ. نَقَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَحَكَى الْآمِدِيُّ رِوَايَةً فِي الْأَرْضِ: يَجِبُ لِكُلِّ بَوْلَةٍ ذَنُوبٌ. وَعَنْهُ فِي بِرْكَةٍ وَقَعَ فِيهَا بَوْلٌ تُنْزَحُ، وَيُقْلَعُ الطِّينُ. ثُمَّ تُغْسَلُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: الصَّخْرُ، وَالْأَجْرِبَةُ مِنْ الْحَمَّامِ، وَالْأَحْوَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: حُكْمُهَا حُكْمُ

الْأَرْضِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ الْعَصْرُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ، مَعَ إمْكَانِهِ فِيمَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، أَوْ دَقُّهُ، أَوْ تَقْلِيبُهُ إنْ كَانَ ثَقِيلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ لَا يُجْزِئُ تَجْفِيفُ الثَّوْبِ عَنْ عَصْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَجَفَافُهُ كَعَصْرِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي إجْزَاءِ التَّجْفِيفِ عَنْ الْعَصْرِ فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَإِنْ أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ مَحَلًّا لَا يَتَشَرَّبُ بِهَا، كَالْآنِيَةِ وَنَحْوِهَا، طَهُرَ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ، وَإِنْ لَصِقَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ وَجَبَ مَعَ ذَلِكَ إزَالَتُهَا. وَيَجِبُ الْحَثُّ وَالْقَرْضُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْمَحَلُّ بِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ تَعَذَّرَتْ الْإِزَالَةُ بِدُونِهَا، أَوْ لَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. الثَّالِثَةُ: وَلَوْ كَاثَرَ مَاءً نَجِسًا فِي إنَاءٍ بِمَاءٍ كَثِيرٍ: لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ بِدُونِ إرَاقَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ، وَإِنْ لَمْ يُرَقْ. وَلَوْ طَهُرَ مَاءٌ كَثِيرٌ نَجِسٌ فِي إنَاءٍ بِمُكْثِهِ: لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْهُ حُسِبَ غَسْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُكْمَلُ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ الْإِنَاءُ تَبَعًا، كَالْمُحْتَفَرِ مِنْ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: إنْ مَكَثَ بِقَدْرِ الْعَدَدِ طَهُرَ وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّوْبِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَصْرُهُ، وَالْإِنَاءُ إذَا غُمِسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ. وَأَمَّا اعْتِبَارُ تَكْرَارِ غَمْسِهِ: فَمَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ. وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ وَخَضْخَضَتُهُ فِي الْمَاءِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَكْفِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ مَرَّ عَلَيْهِ أَجْزَاءٌ ثَلَاثَةٌ. قِيلَ كَفَى، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. فَلَوْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي الْمَاءِ ثُمَّ غَمَرَهُ بِمَاءٍ وَعَصَرَهُ، فَغَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْنِي عَلَيْهَا، وَيَطْهُرُ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ كَصَبِّهِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ. وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ مَا يَنْفَصِلُ بِعَصْرِهِ لَا يُفَارِقُهُ عَقِيبَهُ. وَعَنْهُ يَطْهُرُ إنْ تَعَذَّرَ بِدُونِهِ. وَلَوْ عَصَرَ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ مِنْهُ: لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُخْرِجَهُ ثُمَّ يُعِيدَهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ الرَّابِعَةُ: لَوْ غَسَلَ بَعْضَ الثَّوْبِ النَّجِسِ طَهُرَ مَا غَسَلَ مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا لِمُلَاقَاتِهِ غَيْرَ الْمَغْسُولِ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. فَإِنْ أَرَادَ غَسْلَ بَقِيَّتِهِ غَسَلَ مَا لَاقَاهُ. الْخَامِسَةُ: لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ هُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَوْ يَشُقُّ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَوْ يَتَضَرَّرُ الْمَحَلُّ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِالْعَدَدِ، وَقِيلَ: يَضُرُّ بَقَاؤُهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ دُونَ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ قَلْعَ أَثَرِهِ أَعْسَرُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِمَا، أَوْ بَقَاءِ أَحَدِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُعْفَى عَنْهُ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: فِي زَوَالِ لَوْنِهَا فَقَطْ وَجْهَانِ. وَيَضُرُّ بَقَاءُ الطَّعْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ. السَّادِسَةُ: لَوْ لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمِلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْمَاءِ: لَمْ يَجِبْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي التُّرَابِ تَقْوِيَةً لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِشَمْسٍ، وَلَا رِيحٍ، وَلَا بِجَفَافٍ أَيْضًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَطْهُرُ فِي الْكُلِّ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَخَرَّجَ

لَنَا فِيهِمَا الطَّهَارَةَ إنْ زَالَ لَوْنُهَا وَأَثَرُهَا، وَقِيلَ: وَرِيحُهَا. وَقِيلَ: عَلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الطَّهَارَةَ بِذَلِكَ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِحَالَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ غَيْرَ الْأَرْضِ لَا تَطْهُرُ بِشَمْسٍ، وَلَا رِيحٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: تَطْهُرُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي حَبْلِ الْغَسِيلِ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: وَإِحَالَةُ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ لِلنَّجَاسَةِ: كَالشَّمْسِ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا أَزَالَهَا التُّرَابُ عَنْ النَّعْلِ، فَعَنْ نَفْسِهِ إذْ خَالَطَهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلَا بِنَارٍ أَيْضًا إلَّا الْخَمْرَةَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ. وَعَنْهُ بَلْ تَطْهُرُ. وَهِيَ مُخْرَجَةٌ مِنْ الْخَمْرَةِ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا. خَرَّجَهَا الْمَجْدُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَحَيَوَانٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْ نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ وَصَرَاصِيرِ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ فِي نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِّرَ بِنَجَاسَةٍ. وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ لَا بَأْسَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهَا يَخْرُجُ عَمَلُ زَيْتِ نَجِسٍ صَابُونًا وَنَحْوَهُ، وَتُرَابُ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إنْ تَنَجَّسَ التَّنُّورُ بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ. فَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغُسْلُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ " يُسَجَّرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى " عَلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الرِّوَايَةَ صَرِيحَةٌ فِي التَّطْهِيرِ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَأَنَّ هَذَا مِنْ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى بِالْمَسْحِ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْجَلَّالَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ: نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ. وَقَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ

دَقِيقٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: الْقُصْرُمِلُّ وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَنَحْوُهَا نَجِسٌ. وَعَلَى الثَّانِي: طَاهِرٌ. وَكَذَا مَا تَصَاعَدَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ، ثُمَّ عَادَ فَتَقْطُرُ. فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ. فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَتَصَاعَدُ بُخَارُ. الْحَمَّامَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا يَتَصَاعَدُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَنَحْوِهَا: طَهُورٌ، أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (إلَّا الْخَمْرَةَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخَمْرَةَ إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا تَطْهُرُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ لَا يَطْهُرُ إذَا انْقَلَبَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَاءً. وَقِيلَ: لَا تَطْهُرُ الْخَمْرَةُ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: دَنُّ الْخَمْرِ مِثْلُهَا. فَيَطْهُرُ بِطَهَارَتِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيمَا لَمْ يُلَاقِ الْخَلَّ مِمَّا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي غَلَيَانِهِ وَجْهَانِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ) اعْلَمْ أَنَّ الْخَمْرَةَ يَحْرُمُ تَخْلِيلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ فِيمَا يُلْقَى فِيهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: لَمْ تَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تَطْهُرُ. وَفِي الْوَسِيلَةِ فِي آخِرِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ: أَنَّهَا تَحِلُّ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ: لَوْ خُلِّلَتْ طَهُرَتْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ خُلِّلَتْ كُرِهَ، وَلَمْ تَطْهُرْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ خُلِّلَتْ بِنَقْلِهَا مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ فُرِغَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، أَوْ أَلْقَى جَامِدًا فِيهَا: فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ،

وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ فِي الْفَائِقِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهِيَ طَرِيقَةٌ مُوجَزَةٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. إحْدَاهُمَا: لَا تَطْهُرُ، وَهُوَ الْمَذْهَب، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: تَطْهُرُ. كَمَا لَوْ نَقَلَهَا بِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيلِ وَتَخَلَّلَتْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، وَهُوَ أَصَحُّ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَكَذَا إنْ كَشَفَ الزِّقَّ فَتَخَلَّلَ بِشَمْسٍ أَوْ ظِلٍّ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: فِي جَوَازِ إمْسَاكِ خَمْرٍ لِيَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ فِي خَمْرَةِ الْخَلَّالِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِإِرَاقَةِ خَمْرِ الْخَلَّالِ. وَأَطْلَقَ فِي خَمْرِ الْخَلَّالِ الْوَجْهَانِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ: لَوْ تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ طَهُرَ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْمَنْعِ تَطْهُرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ لَا تَطْهُرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ اتَّخَذَهُ لِلْخَلِّ فَتَخَمَّرَ وَقُلْنَا: يُرَاقُ، فَأُمْسِكَ لِيَصِيرَ خَلًّا، فَصَارَ خَلًّا فَفِي طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ. وَفِي جَوَازِ إمْسَاكِ الْخَمْرِ لِيَصِيرَ خَلًّا وَجْهَانِ. فَإِنْ جَازَ فَصَارَ خَلًّا طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يَطْهُرْ. انْتَهَى. وَهُمَا وَجْهَانِ أَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلْخَمْرِ، وَلَمْ يَتَخَمَّرْ، وَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ: فَفِي حِلِّهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ قَبْلَهُ. الثَّانِيَةُ: الْخَلُّ الْمُبَاحُ: أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْعِنَبِ أَوْ الْعَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِهِ حَتَّى لَا يَغْلِيَ نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. الثَّالِثَةُ: الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ نَجِسَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

وَقِيلَ: طَاهِرَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي. وَقِيلَ: نَجِسَةٌ إنْ أُمِيعَتْ، وَإِلَّا فَلَا. أَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَيَأْتِي حُكْمُ أَكْلِهَا فِي بَابِ حَدِّ الْمُسْكِرِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مِنْهَا مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ. مِثْلُ أَنْ تُصَبَّ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَتُحَرَّكَ، ثُمَّ تُتْرَكَ حَتَّى تَطْفُوَ فَتُؤْخَذَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ تَخْرِيجُ الْكَافِي. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ زِئْبَقٌ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْجَامِدِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَيُعَايَى بِهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ تَطْهِيرُهُ ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْعِهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْخِلَافُ فِي تَنْجِيسِ الْمَائِعَاتِ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ. فَلَوْ كَانَ جَامِدًا: أُخِذَتْ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَالْبَاقِي طَاهِرٌ. وَحَدُّ الْجَامِدِ: مَا لَمْ تَسْرِ النَّجَاسَةُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حَدُّهُ مَا لَوْ كُسِرَ وِعَاؤُهُ لَمْ تَسِلْ أَجْزَاؤُهُ. وَرَدَّهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَيُحْتَمَلُ مَا لَوْ قُوِّرَ لَمْ يَلْتَئِمْ حَالًا. وَلَا يَطْهُرُ مَا عَدَا الْمَاءَ وَالْأَدْهَانِ مِنْ الْمَائِعَاتِ بِالْغَسْلِ، سِوَى الزِّئْبَقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَلَا يَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ نُقِعَ فِي نَجَاسَةٍ بِتَكْرَارِ غَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَالْعَجِينِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَطْهُرُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا: وَمَذْهَبًا: الْإِنَاءُ إذَا تَشَرَّبَ نَجَاسَةً، وَالسِّكِّينُ إذَا أُسْقِيَتْ مَاءً نَجِسًا، وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ إذَا طُبِخَ بِمَاءٍ نَجِسٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الْأَقْوَى عِنْدِي طَهَارَتُهُ، وَاعْتُبِرَ الْغَلَيَانُ وَالتَّجْفِيفُ. وَقَالَ: ذَلِكَ فِي مَعْنَى عَصْرِ الثَّوْبِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْجَلَّالَةِ طَهَارَةَ اللَّحْمِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَدٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ قَالَ: يُغْلَى اللَّحْمُ فِي مَاءٍ طَاهِرٍ، وَتُجَفَّفُ الْحِنْطَةُ: ثُمَّ تُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ مِرَارًا إنْ اعْتَبِرْنَا الْعَدَدَ. وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ. انْتَهَى. وَلَا يَطْهُرُ الْجِسْمُ الصَّقِيلُ بِمَسْحِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَطْهُرُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَلْ يَطْهُرُ، أَوْ يُعْفَى عَمَّا بَقِيَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعَنْهُ تَطْهُرُ سِكِّينٌ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةٍ بِمَسْحِهَا فَقَطْ، وَيَطْهُرُ اللَّبِنُ وَالْآجُرُّ وَالتُّرَابُ الْمُتَنَجِّسُ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَعْيَانًا وَطُبِخَ، ثُمَّ غُسِلَ ظَاهِرُهُ. فَإِنَّهُ يَطْهُرُ وَكَذَا بَاطِنُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إنْ سُحِقَ، لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِالنَّارِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ: لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إزَالَتَهَا) أَطْلَقَ الْعِبَارَةَ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَمُرَادُهُمْ: غَيْرُ الصَّحْرَاءِ وَنَحْوِهَا. قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الرِّعَايَةِ، وَالنُّكَتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إزَالَتَهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَكْفِي الظَّنُّ فِي غَسْلِ الْمَذْيِ [وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: يَكْفِي الظَّنُّ فِي غَسْلِ الْمَذْيِ] وَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: يُحْتَمَلُ أَنْ تُخَرَّجَ رِوَايَةٌ فِي بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمَذْيِ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْجَلَّالَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمَذْيِ، لِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ عَلَى رِوَايَةٍ، لَكِنْ لَازِمُ ذَلِكَ: أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ نَجَاسَةٍ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، وَهُوَ مُلْتَزَمٌ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحَرِّي فِي غَيْرِ صَحْرَاءَ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ النَّضْحُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ بَوْلَهُ طَاهِرٌ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. بَلْ هُوَ ظَاهِرُهُ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا خَرَجَ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ إلَّا بَوْلَ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ. فَإِنَّهُ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا. لَكِنْ قَالَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ. كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ فِيهِ مَنِيٌّ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَلَمْ يَفْرُكْهُ: يُعِيدُ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا بَعِيدٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الْقَاضِي عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ " يَعْنِي: بِشَهْوَةٍ. وَالنَّضْحُ: غَمْرُهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْ الْحِذَاءِ وَجَبَ غَسْلُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَقَالَ: اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَعَنْهُ يُغْسَلُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَيُدَلَّكُ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَقِيلَ: يُجْزِئُ

دَلْكُهُ مِنْ الْيَابِسَةِ لَا الرَّطْبَةِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً. وَقَالَ: إذَا دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ لَمْ يُجْزِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَرَدَّهُ الْأَصْحَابُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي إلْحَاقِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ الْوَجْهَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: إلْحَاقُ طَرَفِ الْخُفِّ بِأَسْفَلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: يَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهَانِ مِنْ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ بِحَرْفِ الْكَفِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا مَسُّهُ بِكَفِّهِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ الدَّلْكُ: لَا يُطَهِّرُهُ، بَلْ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا يُطَهِّرُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَنْجُسَانِ الْمَائِعُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ وَقَعَا فِي مَاءٍ يَسِيرٍ تَنَجَّسَ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: لَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ يَطْهُرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ حَكِّهِ بِشَيْءٍ حُكْمُ دَلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ غَيْرُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّلْكُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي ذَيْلِ الْمَرْأَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ يَطْهُرُ بِمُرُورِهِ عَلَى طَاهِرٍ بِذَيْلِهَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: ذَيْلُ ثَوْبِ آدَمِيٍّ أَوْ إزَارُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَدَخَلَ فِي مَفْهُومِ كَلَامِهِ: الرِّجْلُ إذَا تَنَجَّسَتْ، لَا يُجْزِئُ دَلْكُهَا بِالْأَرْضِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: كَالْخُفِّ وَالْحِذَاءِ. حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَيَحْتَمِلُ فِي رِجْلِ الْحَافِي عَادَةً وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَّا الدَّمَ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ) . اعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا. أَحَدُهَا: دَمُ الْآدَمِيِّ. وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، غَيْرُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَمَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. الثَّانِي: دَمُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لَحْمُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْعَفْوُ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ: الْعَفْوُ عَنْ يَسِيرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ مِنْ الْمِدَّةِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ. وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ. حَكَى جَدُّهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ طَهَارَتَهُ. وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي الصَّلَاةِ. حَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. الثَّالِثُ: دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِإِطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عَنْ الدَّمِ. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. الرَّابِعُ: الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْعَفْوُ عَنْ

يَسِيرِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَمَاعَةٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. الْخَامِسُ: دَمُ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ، غَيْرُ الْآدَمِيِّ وَالْقَمْلِ وَنَحْوِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَلَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَعْفُوِّ عَنْهُ: مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ. وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِدَمِ الْآدَمِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. السَّادِسُ: دَمُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ. كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْفُرُوعِ احْتِمَالٌ بِالْعَفْوِ عَنْهُ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْخِنْزِيرِ وَجْهَانِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْيَسِيرِ: فَمَحَلُّهُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ دُونَ الْمَائِعَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ: فَيُضَمُّ مُتَفَرِّقًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُضَمُّ، بَلْ لِكُلِّ دَمٍ حُكْمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبَيْنِ لَمْ يُضَمَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ

لِكُلِّ دَمٍ حُكْمٌ. وَقِيلَ: يُضَمُّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. وَيَأْتِي إذَا لَبِسَ ثِيَابًا فِي كُلِّ ثَوْبٍ قَدْرٌ مِنْ الْحَرِيرِ يُعْفَى عَنْهُ: هَلْ يُبَاحُ أَوْ يُكْرَهُ؟ فِي آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ. الثَّالِثَةُ: فِي الدِّمَاءِ الطَّاهِرَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا. مِنْهَا: دَمُ عُرُوقِ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ. فَيَسْقُطُ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: نَجَاسَتُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: فَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي خَلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَمَا يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ فَمُبَاحٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ إلَّا دَمَ الْعُرُوقِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيهِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْعَفْوِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَرَقَ، بَلْ يُؤْكَلُ مَعَهَا. انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَقِيَّةِ الدَّمِ الَّذِي فِي اللَّحْمِ غَيْرِ دَمِ الْعُرُوقِ، وَإِنْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ: الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهَا: دَمُ السَّمَكِ، وَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيُؤْكَلُ. وَقِيلَ: نَجِسٌ. وَمِنْهَا: دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ، وَالذُّبَابِ، وَنَحْوِهَا، وَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُحَرَّرِ: صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَوْضِعٍ. وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَرَجَّحَهُ الْمَجْدُ. وَعَنْهُ نَجِسٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ

وَمِنْهَا: دَمُ الشَّهِيدِ، وَهُوَ طَاهِرٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: نَجِسٌ. وَعَلَيْهِمَا يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ. فَيُعَايَى بِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ. وَقِيلَ: طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ. وَهُمَا دَمَانِ. وَلَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهِمَا. وَمِنْهَا: الْمِسْكُ. وَاخْتُلِفَ مِمَّ هُوَ؟ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ سُرَّةُ الْغَزَالِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ لَهَا أَنْيَابٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَيَكُونُ مِمَّا يُؤْكَلُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: هُوَ دَمُ الْغِزْلَانِ، وَهُوَ طَاهِرٌ. وَفَأْرَتُهُ أَيْضًا طَاهِرَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: فَأْرَتُهُ نَجِسَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ نَجَاسَةُ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ لَكِنَّهُ يَنْفَصِلُ بِطَبْعِهِ. وَمِنْهَا: الْعَلَقَةُ الَّتِي يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ، أَوْ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ. وَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ نَجَاسَتُهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: نَجِسَةٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبُ. وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت وَالْمُضْغَةُ كَالْعَلَقَةِ. وَمِثْلُهَا الْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ دَمًا. فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: نَجِسَةٌ. قَالَ الْمَجْدُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَلَقَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: نَجَاسَةُ بَيْضِ نَدٍّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْقَيْحَ وَالصَّدِيدَ وَالْمِدَّةَ نَجِسٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ طَهَارَةُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَقَالَ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ مِنْ الْمِدَّةِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ. وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا مَاءُ الْقُرُوحِ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، وَالْمِدَّةِ. وَأَمَّا مَا يَسِيلُ مِنْ الْفَمِ وَقْتَ النَّوْمِ: فَطَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَأَثَرُ الِاسْتِنْجَاءِ " أَثَرُ الِاسْتِجْمَارِ. يَعْنِي أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: لَوْ قَعَدَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ نَجَّسَهُ، أَوْ عَرَقٍ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِالْكُلِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ الْعُكْبَرِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا: يُعْفَى عَنْ عَرَقِ الْمُسْتَجْمِرِ فِي سَرَاوِيلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ بِالنَّصِّ عَلَى أَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ طَاهِرٌ. لَا أَنَّهُ نَجِسٌ وَيُعْفَى عَنْهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يُعْفَى عَنْهُ فِي سَرَاوِيلِهِ. قَوْلُهُ (وَعَنْهُ فِي الْمَذْيِ، وَالْقَيْءِ، وَرِيقِ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. وَالطَّيْرِ، وَعِرْقِهِمَا، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ وَالنَّبِيذِ، وَالْمَنِيِّ: أَنَّهُ كَالدَّمِ) . يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ كَالدَّمِ، عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَذْيُ: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،

وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، خُصُوصًا فِي حَقِّ الشَّابِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ الْمَذْيَ نَجِسٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ. فَيُغْسَلُ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَنْهُ فِي الْمَذْيِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ، فَيَصِيرُ طَاهِرًا بِهِ، كَبَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُحَرَّرِ: صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي إشَارَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا: مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ. فَيُنَجَّسُ، وَإِنْ قُلْنَا: مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْمَنِيِّ فَلَهُ حُكْمُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَظْمِهَا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ: يُغْسَلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ إذَا خَرَجَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالْحَوَاشِي، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَعَنْهُ يُغْسَلُ جَمِيعُ الذَّكَرِ فَقَطْ، مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ وَمَا لَمْ يُصِبْهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ لَا يُغْسَلُ إلَّا مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، أَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: تُجْزِئُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ. . قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَزَادَ: إنْ لَمْ يُلَوِّثْهُمَا الْمَذْيُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْقَيْءُ: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ. قَالَ الْقَاضِي: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْقَيْءِ، وَمَا لَا يَنْقُضُ خُرُوجُهُ. كَيَسِيرِ الدُّودِ وَالْحَصَى وَنَحْوِهِمَا، إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَأَمَّا رِيقُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعِرْقُهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِمَا: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهِ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي. وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَأَمَّا رِيقُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالطَّيْرِ وَعِرْقِهَا، عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى رِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعِرْقِهِمَا، وَأَوْلَى، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ

وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ رِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَرْوَاثِهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَأَمَّا بَوْلُ الْخُفَّاشِ، وَكَذَا الْخِشَافُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَكَذَا الْخُطَّافُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ: فَلَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَأَمَّا النَّبِيذُ النَّجِسُ: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَأَمَّا الْمَنِيُّ إذَا قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ: فَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَيَأْتِي قَرِيبًا. إذَا قُلْنَا هُوَ نَجِسٌ: هَلْ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ مُطْلَقًا، أَوْ مِنْ الرَّجُلِ؟ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ. وَثَمَّ مَسَائِلُ: مِنْهَا: دَمُ الْبَقِّ. وَالْقَمْلِ، وَالْبَرَاغِيثِ. وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِمَا. يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَمِنْهَا: بَقِيَّةُ دَمِ اللَّحْمِ الْمَأْكُولِ مِنْ غَيْرِ الْعُرُوقِ. يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ النَّجَاسَةِ، إذَا كَانَتْ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ بَعْدَ الدَّلْكِ، يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ سَلَسِ الْبَوْلِ، مَعَ كَمَالِ التَّحَفُّظِ يُعْفَى عَنْهُ. قَالَ النَّاظِمُ: قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: عَدَمُ الْعَفْوِ. وَعَلَى قِيَاسِهِ يَسِيرُ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ دُخَانِ النَّجَاسَةِ، وَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا، يُعْفَى عَنْهُ، مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ. وَقِيلَ: أَوْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي الْعَفْوَ عَنْ غُبَارِ النَّجَاسَةِ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ، فَأَصَابَ غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ النَّجَاسَةَ بِهِ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ، عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِمَا، يُعْفَى عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَزَادَ: وَمَنِيُّهُ وَقَيْؤُهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى فِي الْفَائِقِ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ بَوْلِ الْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ، وَرَوْثِهِمَا. وَكَذَا يَسِيرُ بَوْلِ كُلِّ بَهِيمٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ لَا يُؤْكَلُ، وَيَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، لَا يُعْفَى عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي رَوْثِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ نَجَاسَةِ الْجَلَّالَةِ قَبْلَ حَبْسِهَا. لَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَمِنْهَا: يَسِيرُ الْوَدْيِ. لَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْهُ. رِوَايَةً فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِيهَا. وَابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ. ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ: إنْ سَقَطَ ذُبَابٌ عَلَى نَجَاسَةٍ رَطْبَةٍ، ثُمَّ وَقَعَ فِي مَائِعٍ أَوْ رَطْبٍ نَجِسٍ، وَإِلَّا فَلَا. إنْ مَضَى زَمَنٌ يَجِفُّ فِيهِ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ غَالِبًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا، فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهِمْ. حَتَّى بَعْرِ الْفَأْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ النَّظْمِ. قُلْت: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: الْأَوْلَى الْعَفْوُ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ، وَالْأَطْعِمَةِ، لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ. وَلَا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ. خُصُوصًا فِي الطَّوَاحِينِ، وَمَعَاصِرِ السُّكَّرِ، وَالزَّيْتِ، وَهُوَ أَشَقُّ صِيَانَةً مِنْ سُؤْرِ الْفَأْرِ، وَمِنْ دَمِ الذُّبَابِ. وَنَحْوِهِ وَرَجِيعِهِ وَقَدْ اخْتَارَ طَهَارَتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، إذَا قُلْت: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ. فَالْخِلَافُ فِي الْكَلْبِ أَظْهَرُ وَأَقْوَى. انْتَهَى. وَأَمَّا طِينُ الشَّوَارِعِ: فَمَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ مِنْ ذَلِكَ: فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هُوَ ظَاهِرُ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: طَاهِرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ. وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ الْمَذْهَبَ، تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي الْأَعْيَانِ كُلِّهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَطِينُ الشَّوَارِعِ طَاهِرٌ إنْ جُهِلَ حَالُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ. فَعَلَيْهَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَهُوَ احْتِمَالُ مَنْ عِنْدَهُ فِيهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَمْ أَعْرِفْ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا صَرِيحًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهِمِّ: أَنَّ ابْنَ تَمِيمٍ قَالَ: إذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَفِي نَجَاسَةِ الْأَرْضِ رِوَايَتَانِ. فَإِذَا جَاءَ الصَّيْفُ: حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَإِنْ عُلِمَ نَجَاسَتُهَا فَهِيَ نَجِسَةٌ. وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّوَارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ. ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْهُ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ إنْ شُقَّ، وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّ تُرَابَ الشَّارِعِ طَاهِرٌ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: بِالْعَفْوِ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَمَحَلُّهُ فِي الْجَامِدَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ، إلَّا عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. فَإِنَّ عِنْدَهُ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَاتِ فِي الْأَطْعِمَةِ أَيْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ يُعْفَى عَنْ أَثَرِ كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحِهِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: حَدُّ الْيَسِيرِ هُنَا: مَا لَمْ يُنْقِضْ الْوُضُوءَ. وَحَدُّ الْكَثِيرِ: مَا نَقَضَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ. فَمَا لَمْ يُنْقِضْ هُنَاكَ فَهُوَ يَسِيرٌ هُنَا، وَمَا نَقَضَ هُنَاكَ فَهُوَ كَثِيرٌ هُنَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ مُشْكِلٌ، يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَكِنْ قَدَّمَ فِي الْفَائِقِ هُنَا: مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ. وَقَدَّمَ هُنَاكَ: مَا فَحُشَ فِي أَنْفُسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ هُنَاكَ: مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ. وَقَدَّمَ هُنَا: الْيَسِيرَ مَا دُونَ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَعْضَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ هُنَا وَقِيلَ: الْكَثِيرُ مَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ: وَعَنْهُ الْكَثِيرُ مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ. فَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا: أَنَّ الْكَثِيرَ مَا فَحُشَ فِي نُفُوسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ، كَمَا قَدَّمَهُ هُنَاكَ. وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ. وَعَنْهُ الْيَسِيرُ مَا دُونَ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْهُ مَا دُونَ قَدْرِ الْكَفِّ. وَعَنْهُ مَا دُونَ فِثْرٍ فِي فِثْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ هُوَ الْقَطْرَةُ وَالْقَطْرَتَانِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَكَثِيرٌ. وَعَنْهُ الْيَسِيرُ مَا دُونَ ذِرَاعٍ فِي ذِرَاعٍ. حَكَاهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. وَعَنْهُ مَا دُونَ قَدَمٍ، وَعَنْهُ مَا يَرْفَعُهُ الْإِنْسَانُ بِأَصَابِعِهِ الْخَمْسِ. وَعَنْهُ هُوَ قَدْرُ عَشَرِ أَصَابِعَ. حَكَاهَا ابْنُ عُبَيْدَانِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي، لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَمَا لَمْ يَفْحُشْ إنْ بَلَغَ الْفِتْرَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ. قُلْت: هَذِهِ الْأَقْوَالُ التِّسْعَةُ الضَّعِيفَةُ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ: الْكَثِيرَ

مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ. وَالْيَسِيرُ مَا لَمْ يَفْحُشْ فِي النَّفْسِ. لَكِنْ هَلْ كُلُّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ أَوْ الِاعْتِبَارُ بِأَوْسَاطِ النَّاسِ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْيَسِيرُ: قَدْرُ مَا نُقِضَ. وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ قَدْرُ مَا لَمْ يُنْقَضْ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ " وَالْكَثِيرُ قَدْرُ مَا نُقِضَ " وَحَصَلَ سَبْقُ قَلَمٍ. فَكَتَبَ " وَالْيَسِيرُ " وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ " قَدْرُ مَا لَمْ يُنْقَضْ " وَسَقَطَ لَفْظُ " لَمْ " قَالَ شَيْخُنَا: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ " قَدْرُ " مُنَوَّنَةٌ، وَ " مَا " نَافِيَةٌ. فَيَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ وَهُوَ بَعِيدٌ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ هُنَا فِي الْيَسِيرِ عِنْدَ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ حَمْدَان فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِي الدَّمِ وَنَحْوِهِ لَا غَيْرُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ كَثِيرُ الْقَيْءِ مِلْءُ الْفَمِ. وَعَنْهُ نِصْفُهُ. وَعَنْهُ مَا زَادَ عَلَى النَّوَاةِ. وَعَنْهُ هُوَ كَالدَّمِ سَوَاءٌ، ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. وَمِلْءُ الْفَمِ: مَا يَمْتَنِعُ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ: مَا لَمْ يُمْكِنْ إمْسَاكُهُ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمَا: شُمُولُ غَيْرِ الدَّمِ مِمَّا يُمْكِنُ وُجُودُهُ كَالْقَيْءِ وَنَحْوِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَسَوَاءٌ جُمْلَتُهُ وَأَطْرَافُهُ وَأَبْعَاضُهُ. وَقَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْآدَمِيَّةِ وَفِي الْحَيَاةِ. وَعَنْهُ يَنْجُسُ مُطْلَقًا. فَعَلَيْهَا قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: لَا يَنْجُسُ الشَّهِيدُ بِالْقَتْلِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَنْجُسُ الْكَافِرُ، دُونَ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَنْجُسُ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ عَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ

وَلَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ أَبَدًا. كَالشَّاةِ. وَخَصَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْخِلَافَ بِالْمُسْلِمِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْكَافِرِ. وَعَنْهُ يَنْجُسُ طَرْفُ الْآدَمِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا. صَحَّحَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَبْطَلَ قِيَاسَ الْجُمْلَةِ عَلَى الطَّرْفِ فِي النَّجَاسَةِ بِالشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ طَرْفُهُ بِقَطْعِهِ، وَلَوْ قُتِلَ كَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ لِلْجُمْلَةِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لِلطَّرْفِ، بِدَلِيلِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ: لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَغَيَّرَهُ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا: رِوَايَةُ التَّنْجِيسِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ كَثْرَةُ الْمَاءِ الْخَارِجِ يَخْرُجُ مِنْهُ، لَا لِنَجَاسَةٍ فِي نَفْسِهِ. قَالَ: وَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانِ، وَيَأْتِي إذَا سَقَطَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ قَوْلُهُ (وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ) يَعْنِي: لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إذَا لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَنْجُسُ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ يُؤْكَلُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يُكْرَهُ مَا مَاتَ فِيهِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْكَرَاهَةِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَنْجُسُ إنْ شَقَّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَإِلَّا تَنَجَّسَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: جَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الذُّبَابَ وَالْبَقَّ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ. وَقِيلَ: لَا يُنَجِّسُهُ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: لَا يُنَجِّسُهُ إنْ شَقَّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَإِلَّا نُجِّسَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يَنْجُسُ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ. فَيَنْجُسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي الْأَصَحِّ إنْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ غَالِبًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " كَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِ " فَنَحْوُ الذُّبَابِ: الْبَقُّ، وَالْخَنَافِسُ، وَالْعَقَارِبُ، وَالزَّنَابِيرُ، وَالسَّرَطَانُ، وَالْقَمْلُ، وَالْبَرَاغِيثُ، وَالنَّحْلُ، وَالنَّمْلُ، وَالدُّودُ، وَالصَّرَاصِيرُ، وَالْجُعَلُ. وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَزَغَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْحَيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي تَنْجِيسِ الْوَزَغِ وَدُودِ الْقَزِّ وَبِزْرِهِ: وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الْيَسِيرِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ، هَلْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا؟ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَمْ يَنْجُسْ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقِيلَ: يَنْجُسُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وُجِدَ فِيهِ رَوْثَةٌ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ: طَاهِرٌ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَنْجُسُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرَّوْثِ وَالْبَوْلِ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ الْإِبِلِ لِلْأَثَرِ.

وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَجِسٌ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ. يَجُوزُ شُرْبُ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِلضَّرُورَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. وَأَمَّا شُرْبُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: أَمَّا مِنْ عِلَّةٍ فَنَعَمْ، وَأَمَّا رَجُلٌ صَحِيحٌ: فَلَا يُعْجِبُنِي. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطِّبِّ: يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إمَّا عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ طَهَارَتِهِ: فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ انْتَهَى. وَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا لِغَيْرِ التَّدَاوِي. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَيَأْتِي هَذَا وَغَيْرُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بَوْلَ السَّمَكِ وَنَحْوَهُ. مِمَّا لَا يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ لَمْ يَحْكِ فِي طَهَارَتِهِ خِلَافًا. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا بِنَجَاسَتِهِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ بِنَجَاسَتِهِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ بَوْلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ إذَا كَانَ طَاهِرًا نَجِسٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَنِيَّ: مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا كَانَ طَاهِرًا نَجِسٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَمَحَلُّ هَذَا: فِي غَيْرِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ فِي قَوْلِنَا. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَجْهًا وَاحِدًا. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ نَجَاسَتُهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا. قَوْلُهُ (وَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَرُوهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ، مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. لَا يَجِبُ فِيهِ فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَجِبُ أَحَدُهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَعَادَ مَا صَلَّى فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، يُجْزِئُ

فَرْكُ يَابِسِهِ، وَمَسْحُ رَطْبِهِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ مِنْ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ. قَدَّمَهَا فِي الْفَرْكِ فِي الْحَاوِي. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْبَوْلِ فَلَا يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَنِيِّ الْخَصِيِّ. لِاخْتِلَاطِهِ بِمَجْرَى بَوْلِهِ. وَقِيلَ: مَنِيُّ الْجِمَاعِ نَجِسٌ، دُونَ مَنِيِّ الِاحْتِلَامِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ. مَنِيُّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ، دُونَ مَنِيِّ الرَّجُلِ. حَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: مَنِيُّ الْمُسْتَجْمِرِ نَجِسٌ دُونَ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَدْيَ نَجِسٌ. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْمَذْيِ، جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْهِدَايَةِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَذْيِ قَرِيبًا، وَحُكْمُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَعَنْ الْوَدْيِ. قَوْلُهُ (وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رِوَايَتَانِ) أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: هُوَ طَاهِرٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ نَجِسَةٌ. اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَصَابَ مِنْهُ فِي حَالِ الْجِمَاعِ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْمَذْيِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: بَلْغَمُ الْمَعِدَةِ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: كَالْقَيْءِ. وَأَمَّا بَلْغَمُ الرَّأْسِ إذَا انْعَقَدَ وَازْرَقَّ وَبَلْغَمُ الصَّدْرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ

طَهَارَتُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ طَهَارَتُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْفَائِقُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: فِيهِمَا الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي بَلْغَمِ الْمَعِدَةِ. قُلْت: ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْغَمُ الصَّدْرِ نَجِسٌ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلْغَمُ الصَّدْرِ إنْ انْعَقَدَ وَازْرَقَّ كَالْقَيْءِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَنْقُضُ خُرُوجُ الْبَلْغَمِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ نَجِسَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَعَنْهُ طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْأَقْوَى دَلِيلًا. وَعَنْهُ فِي الطَّيْرِ: لَا يُعْجِبُنِي عَرَقُهُ إنْ أَكَلَ الْجِيَفَ. فَدَلَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ لِأَكْلِهِ النَّجَاسَةَ فَقَطْ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَعَنْهُ سُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ: مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ لِلْحَدَثِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ وَلِلنَّجِسِ. فَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ وَتَيَمَّمَ: صَلَّى بِهِ، وَهُوَ لُبْسٌ عَلَى طَهَارَةٍ لَا يُصَلِّي بِهَا. فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّيَمُّمِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَاةً، لِيُؤَدِّيَ فَرْضَهُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَجِسًا تَأَدَّى فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا كَانَتْ الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ، وَلَمْ يَضُرَّهُ فَسَادُ الْأُولَى. أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ تَيَمَّمَ، ثُمَّ صَلَّى لَمْ يَتَيَقَّنْ الصِّحَّةَ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهَذَا

أَصَحُّ عِنْدِي. وَمَتَى تَيَمَّمَ مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ دُونَ وُضُوئِهِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ) مُرَادُهُ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ. فَإِنَّهُمَا نَجِسَانِ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَمُرَادُهُ: غَيْرُ الْهِرِّ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: دُخُولُ شَعْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَغَيْرُهُمْ: كُلُّ حَيَوَانٍ حُكْمُ شَعْرِهِ حُكْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ. فَائِدَةٌ: لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ نَجِسٌ. وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، قِيلَ: نَجِسٌ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي لَبَنِ حِمَارٍ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي لَبَنِ السِّنَّوْرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقِيلَ: طَاهِرٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَحُكْمُ بَيْضِهِ حُكْمُ لَبَنِهِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِمَا لَا يُؤْكَلَانِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَسُؤْرُ الْهِرِّ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ طَاهِرٌ) ، وَهُوَ بَقِيَّةُ طَعَامِ الْحَيَوَانِ وَشَرَابِهِ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ. يَعْنِي أَنَّهَا وَمَا دُونَهَا طَاهِرٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: فِيمَا دُونَ الْهِرِّ مِنْ الطَّيْرِ. وَقِيلَ وَغَيْرُهُ: وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الطَّيْرِ ابْنُ تَمِيمٍ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْوَجْهُ بِنَجَاسَتِهِ ضَعِيفٌ. قَالَ الْآمِدِيُّ: سُؤْرُ مَا دُونَ الْهِرِّ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا بِنَجَاسَةِ شَعْرِ الْهِرِّ الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ سُؤْرُ الْهِرِّ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِرِّ وَالْفَأْرِ، وَقَدَّمَهُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا تَطُوفُ، وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ، كَالْحَيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْهِرِّ كَالْهِرِّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ سُؤْرُ الْفَأْرِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسِي. وَحَكَى رِوَايَةً، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَسُؤْرُ الْفَأْرِ مَكْرُوهٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يُكْرَهُ فِي الْأَشْهَرِ. وَأَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِ مَا دُونَ الْهِرِّ رِوَايَتَيْنِ، الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَعَتْ هِرَّةٌ، أَوْ فَأْرَةٌ، أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَنْضَمُّ دُبُرُهُ إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ فَخَرَجَتْ حَيَّةً. فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَقَعَتْ فِي جَامِدٍ، وَإِنْ وَقَعَتْ وَمَعَهَا رُطُوبَةٌ فِي دَقِيقٍ وَنَحْوِهِ: أُلْقِيَتْ وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ حَرُمَ. نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ مَا حَدُّ الْجَامِدِ مِنْ الْمَائِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ " وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي آخِرِ مَا يُعْفَى عَنْهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ نَجَاسَةً، ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ غَيْبَتِهَا أَوْ قَبْلَهَا. فَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا: فَالْمَاءُ طَاهِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ نَجِسٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ،

وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهَا إنْ وَلَغَتْ عَقِيبَ الْأَكْلِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ يَزُولُ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِالرِّيقِ: لَمْ يَنْجُسْ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يَقْوَى عِنْدِي جَعْلُ الرِّيقِ مُطَهِّرًا أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. كُلِّ بَهِيمَةٍ طَاهِرَةٍ كَذَلِكَ. انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْفَائِقِ: أَنَّ أَفْوَاهَ الْأَطْفَالِ وَالْبَهَائِمِ طَاهِرَةٌ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَنَقَلَ أَنَّ ابْنَةَ الْمُوَفَّقِ نَقَلَتْ أَنَّ أَبَاهَا سُئِلَ عَنْ أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ؟ فَقَالَ الشَّيْخُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» قَالَ الشَّيْخُ: هُمْ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ. قَالَ: فَشَبَّهَ الْهِرَّ بِهِمْ فِي الْمَشَقَّةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: طَاهِرٌ إنْ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ وُرُودُهَا عَلَى مَا يُطَهِّرُ فَمَهَا، وَإِلَّا فَنَجِسٌ. وَقِيلَ: طَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَدْرَ مَا يُطَهِّرُ فَمَهَا وَإِلَّا فَنَجِسٌ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ الْوُلُوغُ قَبْلَ غَيْبَتِهَا. فَقِيلَ: طَاهِرٌ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: نَجِسٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمَجْدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. الرَّابِعَةُ: سُؤْرُ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ سُؤْرُ الْكَافِرِ نَجِسٌ. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ غَالِبًا، أَوْ تَدَيَّنَ بِهَا، أَوْ كَانَ وَثَنِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا، أَوْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ النَّجِسَةَ: فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ رِوَايَةٌ مَشْهُورَةٌ مُخْتَارَةٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الْخَامِسَةُ: يُكْرَهُ سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْبُوطَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ رِوَايَةٌ بِأَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ طَاهِرٌ. وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ نَجِسٍ.

باب الحيض

[بَابُ الْحَيْضِ] ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (هُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) الْحَيْضُ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ. فَيَخْرُجُ مِنْ قَعْرِهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ، عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، مَعَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، لِحُكْمِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا. وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ. وَعِنْدَ الْوَضْعِ يَخْرُجُ مَا فَضَلَ عَنْ غِذَاءِ الْوَلَدِ، ثُمَّ يَقْلِبُهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ الْوَلَدُ. وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ مُرْضِعٌ. فَإِذَا خَلَتْ مِنْ حَمْلٍ وَرَضَاعٍ بَقِيَ ذَلِكَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ. فَيَخْرُجُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ. وَالنِّفَاسُ: خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجِ لِلْوِلَادَةِ. وَالِاسْتِحَاضَةُ: دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ. فَمُ ذَلِكَ الْعِرْقِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ. يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالْعَاذِرَ، لُغَةً فِيهِ. حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ. وَالْمُسْتَحَاضَةُ: مَنْ عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَالدَّمُ الْفَاسِدُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: الْمَحِيضُ: مَوْضِعُ الْحَيْضِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ: زَمَنُهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَحِيضُ الْحَيْضُ. فَهُوَ مَصْدَرٌ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْمَحِيضِ الْحَيْضُ، أَوْ مَوْضِعُهُ، إنْ قُلْنَا: هُوَ مَكَانَهُ. اخْتَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى مَا عَدَاهُ قَوْلُهُ (وَيَمْنَعُ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَوُجُوبِهَا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا. قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: هَلْ تَقْضِي النُّفَسَاءُ إذَا طَرَحَتْ نَفْسَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ النَّهْيِ: التَّحْرِيمُ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَكُونُ. لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ. قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. فَيُعَايَى بِهَا. انْتَهَى.

قُلْت: وَفِي هَذِهِ الْمُعَايَاةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ بِهِ. صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي قَرِيبًا وَجْهٌ: أَنَّهَا إذَا تَوَضَّأَتْ لَا تُمْنَعُ مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْهَا: يُفِيدُ حُكْمًا. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ الْغُسْلُ مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ؟ فِي بَابِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) . تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ مِنْهُ، وَحَكَى رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدُ الْأَثَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ. وَقَالَ: إنْ ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي الْفَائِقِ. وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَلِلْجُنُبِ. وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ، وَهِيَ أَشَدُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَقَدَّمَ تَفَاصِيلُ مَا يَقْرَأُ مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ، وَهِيَ مِنْهُمْ، فِي أَثْنَاءِ بَابِهِ، فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) . تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ إذَا تَوَضَّأَتْ وَأَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالَ " وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ. وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ " فَظَاهِرُهُ: دُخُولُ الْحَائِضِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ نَقُولُ: عُمُومُ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَخْصُوصٌ بِمَا هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ. وَقِيلَ: تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ. وَحَكَى رِوَايَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَهَا الْعُبُورُ لِتَأْخُذَ شَيْئًا، كَمَاءٍ وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهَا. لَا لِتَتْرُكَ فِيهِ

شَيْئًا، كَنَعْشٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ جَوَازَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَهَا لِحَاجَةٍ. وَأَمَّا إذَا خَافَتْ تَلْوِيثَهُ: لَمْ يَجُزْ لَهَا الْعُبُورُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُمْنَعُ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: تَمُرُّ، وَلَا تَقْعُدُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ مَا يُسَمَّى مَسْجِدًا وَمَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ: إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَتَوَضَّأَتْ مَا حُكْمُهُ؟ قَوْلُهُ (وَالطَّوَافُ) . فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَائِضَ تُمْنَعُ مِنْ الطَّوَافِ مُطْلَقًا. وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَتَجْبُرُهُ بِدَمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَهُ لَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَا دَمَ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فِي آخِرِ بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ " وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهُ إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَوَجَّهُ إبَاحَتُهُ حَالَ الشِّقَاقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَمْنَعُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ. وَحَكَى فِي الْوَاضِحِ فِي الْخُلْعِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَحْرُمُ الْفَسْخُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ، هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ. أَوْ لِحَقِّهَا، فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ وَتَقَدَّمَ هَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ حَيْضِهَا؟ فِي بَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ "

قَوْلُهُ (وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ إلَّا فِي الِاعْتِدَادِ) . وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَوْنُ النِّفَاسِ لَا يُوجِبُ الْبُلُوغَ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ قَبْلَ النِّفَاسِ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِنْ مَنَعْنَا الْحَائِضَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَنَقَلَ ابْنُ ثَوَابٍ: تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْحَائِضِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إيمَاءً إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِوَطْءِ النُّفَسَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْحَيْضِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ فِي النِّفَاسِ تَقْوَى لِطُولِ مُدَّتِهِ غَالِبًا. فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الزَّاجِرِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: إنَّ وَطْءَ النُّفَسَاءِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ. قَالَ: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ فَرَّعَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي الْحَائِضِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ وَالطَّلَاقِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحَانِ حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الطَّلَاقِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: أُبِيحَ الصَّوْمُ، وَلَمْ تُبَحْ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ تُبَاحُ الْقِرَاءَةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمَنْ يَقُولُ: تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ، فَهُنَا أَوْلَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ لِلنُّفَسَاءِ دُونَ الْحَائِضِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ. فَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَنْعَ الْوَطْءِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ إنْ عَدِمَتْ

الْمَاءَ تَيَمَّمْت وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا. فَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ حَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. فَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْغُسْلِ غُسِّلَتْ الْمُسْلِمَةُ قَهْرًا، وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَا لِلْعُذْرِ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ الزَّكَاةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِهَذَا الْغُسْلِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ. وَتُغَسَّلُ الْمَجْنُونَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَنْوِيهٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسِّلَهَا لِيَطَأَهَا، وَيَنْوِيَ غُسْلَهَا تَخْرِيجًا عَلَى الْكَافِرَةِ، وَيَأْتِي غُسْلُ الْكَافِرَةِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِيهِمَا: لَا نِيَّةَ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهَا تُعِيدُهُ إذَا أَفَاقَتْ وَأَسْلَمَتْ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْكَافِرَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ وَطْئَهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ وَأَمْكَنَ قَبْلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا خَرَّجَهُ مِنْ مَحْبِسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الطَّلَاقِ. وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَعْمَلَ بِقَرِينَةٍ وَأَمَارَةٍ. قُلْت: مُرَادُهُ بِالتَّخْرِيجِ مِنْ الطَّلَاقِ، لَوْ قَالَتْ: قَدْ حِضْت وَكَذَّبَهَا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْحَيْضَةِ. فَإِنَّ هُنَاكَ رِوَايَةً: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَخَرَّجَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ هُنَاكَ رِوَايَةً إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ أَوْ يَخَافَ. وَقَطَعَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: بِأَنَّهُ إذَا

لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَكُونَ طَرِيقًا إلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى هَذَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَفَّارَةً. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ. وَالشَّارِحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ: دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: يُجْزِئُ نِصْفُ دِينَارٍ. وَالْكَمَالُ دِينَارٌ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَعَلَيْهَا لَوْ كَفَّرَ بِدِينَارٍ كَانَ الْكُلُّ وَاجِبًا. وَخَرَّجَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَجْهًا: أَنَّ نِصْفَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَيْهِ دِينَارٌ كَفَّارَةً. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ فِي إدْبَارِهِ، وَدِينَارٌ فِي إقْبَالِهِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ إذَا وَطِئَهَا فِي دَمٍ أَصْفَرَ، وَدِينَارٌ إنْ وَطِئَهَا

فِي دَمٍ أَسْوَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ سَوَاءٌ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ فِي آخِرِهِ أَوْ أَوْسَطِهِ، وَدِينَارٌ فِي أَوَّلِهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرْجِ: عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ لِعُذْرٍ. وَقِيلَ: إنْ عَجَزَ عَنْ دِينَارٍ أَجْزَأَ نِصْفُ دِينَارٍ. وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ غُسْلِهَا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْوَطْءِ فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: إذَا وَطِئَ الْمُسْتَحَاضَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ: إذَا امْتَنَعَتْ الذِّمِّيَّةُ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ. هَلْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا؟ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ كَالرَّجُلِ إنْ طَاوَعَتْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانِ: ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَتْ: فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِهِمَا وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ. وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ الْعُذْرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْعَالِمِ، فَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْجَاهِلِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: بِنَاءً عَلَى الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبَانَ بِهَذَا: أَنَّ مَنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ: أَنَّهُ فِي تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ كَالصَّوْمِ. الرَّابِعَةُ: يَلْزَمُ الصَّبِيَّ كَفَّارَةٌ بِوَطْئِهِ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: انْبَنَى عَلَى وَطْءِ الْجَاهِلِ.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْفَائِقِ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ، الْخَامِسَةُ: لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. السَّادِسَةُ: لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ وَطْئِهِ. فَإِنْ اسْتَدَامَ: لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ: انْبَنَى عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، يَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي أَثْنَاءِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ مُحَرَّرًا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ جِمَاعٌ. تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْمَعْذُورِ، وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي، وَنَحْوِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ أَيْضًا: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، إنْ جَامَعْتُك: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ النَّزْعُ فِي غَيْرِ زَوْجَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. السَّابِعَةُ: لَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً. ثُمَّ وَطِئَ فَهُوَ كَالْوَطْءِ بِلَا خِرْقَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّامِنَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً " أَنَّ الْمَخْرَجَ كَفَّارَةٌ. فَتُصْرَفُ مَصْرِفَ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَفَّارَةٌ. قَالَ

أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا إلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُطْلَقَةُ. التَّاسِعَةُ: لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَسْقُطُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ، وَلَا تَسْقُطُ غَيْرُهَا بِالْعَجْزِ. مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ، وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ هُنَاكَ أَيْضًا. وَعَنْهُ تَسْقُطُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ: وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ هُنَا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا كُلِّهَا لَا عَنْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ فِيهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. الْعَاشِرَةُ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْكَفَّارَةَ مِنْ أَيِّ ذَهَبٍ كَانَ، إذَا كَانَ صَافِيًا خَالِيًا مِنْ الْغِشِّ، تِبْرًا كَانَ أَوْ مَضْرُوبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَضْرُوبُ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ خَاصَّةً، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، الْحَادِيَةَ عَشَرَ: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هُوَ فِي إخْرَاجِ الْقِيمَةِ كَالزَّكَاةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْأَظْهَرُ لَا يُجْزِئُ كَزَكَاةٍ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي

الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْأُولَى: يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ الدِّينَارُ هُنَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَ دَرَاهِمَ: كَمْ يُخْرِجُ؟ وَإِلَّا فَلَا أَخْرَجَ ذَهَبًا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ بِلَا شَكٍّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ: تِسْعُ سِنِينَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ عَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا أَقَلَّ لِسِنِّ الْحَيْضِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: أَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ كَذَا. فَهُوَ تَحْدِيدٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، أَوْ عَشْرَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. إنْ قُلْنَا بِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. [فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُقْنِعِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْعِنَايَةِ] . وَحُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: تَحِيضُ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ تَقْرِيبًا [وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ تَقْرِيبًا] قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلِ وَقِيلَ.

قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذَاهِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، قَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ فِي الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ سَنَةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَالْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ سِتُّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ لِلْعَجَمِ وَالنَّبَطِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالسِّتُّونَ لِلْعَرَبِ وَنَحْوِهِمْ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ: حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُمَا فِي الْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْعَدَدِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ: فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ فَلِلْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَاتٌ. وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَنَاظِمُهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. فَعَلَيْهَا تَصُومُ وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ

ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ. وَعَنْهُ اسْتِحْبَابًا. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ سِنِّ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تَحِيضُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْقَاسِمِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ وُجِدَ فِي زَمَنِنَا وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تَحِيضُ مِقْدَارَ حَيْضِهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَيَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى صِفَةِ حَيْضِهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إِسْحَاقَ نَاظَرَ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إِسْحَاقَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ مَا تَرَاهُ اسْتِحْبَابًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: وُجُوبًا. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ فَهُوَ نِفَاسٌ. وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ مِنْ الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا مُجَرَّدُ رُؤْيَةِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ: فَلَا تُتْرَكُ لَهُ الْعِبَادَةُ. ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ قُرْبُهُ مِنْ الْوَضْعِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ: أَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنْ الْفَرْضِ فِيهِ. وَلَوْ رَأَتْهُ مَعَ الْعَلَامَةِ، فَتَرَكَتْ الْعِبَادَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَهُ عَنْ الْوَضْعِ: أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ فِيهِ مِنْ وَاجِبٍ. فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْوَلَدِ اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ مَعَهُ مِنْ الْمُدَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَالدَّمُ الْخَارِجُ مَعَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ نِفَاسٌ، يُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ. وَخَرَجَ أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ. فَالدَّمُ الْخَارِجُ مَعَهُ نِفَاسٌ. وَعَنْهُ: بَلْ فَسَادٌ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ الْوَضْعِ وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي النِّفَاسِ.

قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَعَنْهُ يَوْمٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ يَكُونُ مَعَ لَيْلَتِهِ. فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي أَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. انْتَهَى. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا اسْتَقَرَّ عَادَةً لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ، أَوْ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ السَّبْعَةَ عَشَرَ، مَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَاضَةً. قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْخَلَّالُ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً، وَعَنْهُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقِيلَ: وَلَيْلَةً. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ . قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتَيْهِ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ. فَإِذَا قِيلَ: أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ. فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قِيلَ: أَكْثَرُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ. فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا: ثَلَاثَةَ عَشَرَ. [وَقَطَعَ بِهِ] الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّنْبِيهِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَالْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، مَا قُلْنَا أَوَّلًا: أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالُوا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، لَا تَزِيدُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا تَنْقُصُ. وَالْوَاقِعُ قَطْعًا

بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً، وَعَنْهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ. رَوَاهَا جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا عِبْرَةَ بِحِكَايَةِ ابْنِ حَمْدَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ تَخْطِئَتِهِ. وَعَنْهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ إلَّا فِي الْعِدَّةِ. يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ فَرَاغَ عِدَّتِهَا فِي شَهْرٍ. فَإِنَّهَا تُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ: غَالِبُ الطُّهْرِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ (الْمُبْتَدَأَةُ) أَيْ الْمُبْتَدَأُ بِهَا الدَّمُ (تَجْلِسُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَسْوَدَ جَلَسَتْهُ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَحْمَرَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَحْمَرَ إذَا رَأَتْهُ تَجْلِسُهُ كَالْأَسْوَدِ. وَقِيلَ: لَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَحْمَرَ إذَا مَا قُدِّرَ، وَإِنْ أَجْلَسْنَاهَا الْأَسْوَدَ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْأَحْمَرَ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ، فَقِيلَ: إنَّهَا لَا تَجْلِسُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَحَّحَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. عِنْدَ أَحْكَامِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ. فَنَاقَضَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ " كَأَنَّهَا تَجْلِسُ بِمُجَرَّدِ مَا تَرَاهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: أَنَّهَا لَا تَجْلِسُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَعَلَيْهِ تَفْعَلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِهِ فَمَا دُونَ: اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ. إحْدَاهَا: تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ وَالثَّالِثَةُ: تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا. وَالرَّابِعَةُ: تَجْلِسُ إلَى أَكْثَرِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: أَثْبَتَ طَرِيقَةَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ، الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَجَعَلَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَجُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً قَبْلَ انْقِطَاعِهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَتَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ فِي الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ: صَارَ عَادَةً. وَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجْلِسُ مَا جَاوَزَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ إلَّا بَعْدَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَتَجْلِسُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: تَجْلِسُهُ فِي الثَّالِثَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَعَنْهُ يَصِيرُ عَادَةً بِمَرَّتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَتَجْلِسُهُ فِي الثَّالِثِ عَلَى الصَّحِيحِ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: فِي الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: إنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ: جَلَسَتْ فِي الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِثَلَاثٍ جَلَسَتْ فِي الثَّالِثِ. قَوْلُهُ (وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنْ الْفَرْضِ فِيهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَقْتُ الْإِعَادَةِ: بَعْدَ أَنْ تَثْبُتَ الْعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: قَبْلَ ثُبُوتِهَا، احْتِيَاطًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الدَّمِ الزَّائِدِ عَمَّا أَجْلَسْنَاهَا فِيهِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ فِي إبَاحَتِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: هِيَ كَمُسْتَحَاضَةٍ. انْتَهَى. وَيُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي طُهْرِهَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ أَمِنَتْ الْعَنَتَ، وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُكْرَهُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ) فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا، بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ. (فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ) أَنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْمُتَمَيِّزَ الْأَسْوَدَ إذَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُفْتَقَرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: إنَّهَا تَجْلِسُ مِنْ التَّمْيِيزِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، لِثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. وَيُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي الْعَادَةِ، كَمَا سَبَقَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي التَّمْيِيزِ خِلَافٌ ثَانٍ. فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هَذِهِ الْعَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي فِي الْأَشْهُرِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ. فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ وَيَأْتِي قَرِيبًا: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي جُلُوسِ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الْمُسْتَحَاضَةِ. أَمْ لَا؟ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تَجْلِسُ الْمُمَيِّزَةُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، أَوْ الدَّمِ الثَّخِينِ، أَوْ الدَّمِ الْمُنْتِنِ، بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّوْنُ فَقَطْ. وَقِيلَ: وَلَمْ يَنْقُصْ غَيْرُهُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ جَاوَزَ التَّمْيِيزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. فَتَجْلِسُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ. وَجَاوَزَ الْأَسْوَدُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ جَلَسَتْ مِنْ الدَّمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: تَجْلِسُ مِنْ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِدَمِ الْحَيْضِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَفِي اعْتِبَارِ التَّكْرَارِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَلَوْ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا. ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ: جَلَسَتْ الْأَسْوَدَ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: وَتَجْلِسُ مِنْ الْأَحْمَرِ أَقَلَّ الْحَيْضِ، لِإِمْكَانِ حَيْضَةٍ أُخْرَى. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ زِيَادَةِ الدَّمَيْنِ عَلَى شَهْرٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ عَلَى شَهْرٍ فِي الْأَصَحِّ، قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ. وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا. كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا " إطْلَاقُ الْأَقَارِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ

كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى. مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَيَكُونُ تَبَيُّنًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِمْ. فَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ جَلَسَتْ الْأَقَلَّ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. تَبَعًا لِابْنِ حَمْدَانَ: وَقِيلَ تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تَتَحَرَّى. انْتَهَى. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ رُدَّتْ إلَى غَالِبِ عَادَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِ، وَهِيَ السِّتُّ أَوْ السَّبْعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مِنْ نِسَاءِ بَلَدِهَا. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، الثَّانِي: لَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي نَقْلَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا إلَى أَبِي الْخَطَّابِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إثْبَاتِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ أَمْرٍ. غَايَتُهُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا الْخِلَافَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمُصَنَّفِ. فَعُزِيَ النَّقْلُ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى نَقْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ نَقَلَهُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، لَكِنْ لَا تَجْلِسُ أَحَدَهُمَا إلَّا بِالتَّحَرِّي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَيْهَا. فَتَجْلِسُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ: كَوُجُوبِ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ.

قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى أَنَّ لَهَا الْخِيرَةَ فِي وُجُوبِ الْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي جُلُوسِ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الِاسْتِحَاضَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَشْهَرُ. فَتَجْلِسُ قَبْلَ تَكَرُّرِهِ أَقَلَّهُ، وَلَا تَرُدُّ إلَى غَالِبِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَعَنْهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: تَثْبُتُ بِدُونِ تَكْرَارٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَيْهَا تَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ، غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ. وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِدُونِ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ تَفْتَقِرُ إلَى التَّكْرَارِ، كَالْمُبْتَدِئَةِ وَيَأْتِي حُكْمُ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ . قَوْلُهُ (وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ الْمُعْتَادَةُ رَجَعَتْ إلَى عَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لَهَا عَادَةٌ تَعْرِفُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْعَادَةَ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ. أَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ وَنَسِيَتْهَا: عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ بِلَا نِزَاعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي. وَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ، فَتَارَةً يَتَّفِقَانِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. فَتَجْلِسُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ. وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ، إمَّا بِمُدَاخَلَةِ بَعْضِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، أَوْ مُطْلَقًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَجْلِسُ الْعَادَةَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هُوَ

ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ اجْتَمَعَا عُمِلَ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقَطَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ يَعْنِي بِهِ ابْنَ أَبِي الْفَهْمِ الْعَمَلَ بِهِمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ إذَا أَمْكَنَ. فَائِدَةٌ: لَا تَكُونُ مُعْتَادَةً حَتَّى تَعْرِفَ شَهْرَهَا، وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا. وَشَهْرُهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ. [وَلَوْ نَقَصَتْ عَادَتُهَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ جَلَسَتْ مِقْدَارَ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ، وَلَا غَيْرُ، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ) . بِلَا نِزَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ [وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ] وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَأَنْ لَا يَنْقُصَ الْأَحْمَرُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ. فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ، ثُمَّ الْأَصْفَرَ بَعْدَهَا. فَالْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ. وَالْأَحْمَرُ مَعَ الْأَصْفَرِ اسْتِحَاضَةٌ. وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَصْفَرَ. فَالْأَحْمَرُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا أَقْوَى مَا تَرَاهُ مِنْ دَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّتِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّمْيِيزِ اللَّوْنُ فَقَطْ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِمُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ. فَتَجْلِسُ الْأَكْثَرَ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَتَقَدَّمَتْ الْأَمْثِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ سَوَاءٌ فَلْيُعَاوَدْ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلتَّمْيِيزِ تَكْرَارٌ. بَلْ مَتَى عَرَفَتْ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَفْتَقِرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا. عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُمَيِّزَةِ . قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ) يَعْنِي إذَا نَسِيَتْ الْعَادَةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ. وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ. وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَحَدُهَا: أَنْ تَنْسَى الْوَقْتَ وَالْعَدَدَ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَخْرِيجًا. وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِيهَا وَجْهًا: لَا تَجْلِسُ شَيْئًا، بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ، وَيُمْنَعُ وَطْؤُهَا. وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْوَاجِبَ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً ثَالِثَةً مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ: تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا. وَأَثْبَتَهَا فِي الْكَافِي رِوَايَةً. فَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمَّا حُكِيَ فِي الْكَافِي الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَخْرِيجًا

وَتَخْرِيجُ الْقَاضِي رِوَايَةٌ، وَهُوَ سَهْوٌ. بَلْ الثَّانِيَةُ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَالثَّالِثَةُ مُخَرَّجَةٌ وَقِيلَ: فِيهَا الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ يَعْنِي الَّتِي فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَخَرَّجَ فِيهَا رِوَايَتَيْ الْمُبْتَدَأَةِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. لَكِنْ قَالَ: الْمَشْهُورُ انْتِفَاءُ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ. وَعَادَةِ نِسَائِهَا. وَحَيْثُ أَجْلَسْنَاهَا عَدَدًا، فَفِي مَحَلِّهِ الْخِلَافُ الْآتِي. [تَنْبِيهٌ] : مَحَلُّ جُلُوسِهَا غَالِبَ الْحَيْضِ: إنْ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لِأَقَلِّ الطُّهْرِ. وَكَانَ الْبَاقِي غَالِبَ الْحَيْضِ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَجْلَسْنَاهَا الزَّائِدَ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَقَطْ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا حَيْضَهَا. وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ. وَهُوَ الْبَاقِي عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَا يَنْقُصُ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ شَهْرُهَا جَلَسَتْ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبَ [الْحَيْضِ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا، وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، جَلَسَتْهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهَذَا الْحَالُ الثَّانِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِيَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ) . أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ. كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْآخَرِ: تَجْلِسُهُ بِالتَّحَرِّي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا

وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: تَجْلِسُ مِنْ تَمْيِيزٍ لَا تَعْتَدُّ بِهِ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا: إنْ ذَكَرَتْ أَوَّلَ الدَّمِ كَمُعْتَادَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ جَاءَ الدَّمُ خَامِسَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ مَثَلًا، أَوْ اسْتَمَرَّتْ وَقَدْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ. فَفِيهَا الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: تَجْلِسُ مِنْ خَامِسِ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ، اخْتَارَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ طَالَ عَهْدُهَا بِزَمَنِ افْتِتَاحِ الدَّمِ وَنَسِيَتْهُ: أَنَّهَا تَتَحَرَّى وَقْتَ جُلُوسِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي شَرْحَيْهِمَا، فِيمَنْ عَلِمَتْ قَدْرَ الْعَادَةِ، وَجَهِلَتْ مَوْضِعَهَا: إنَّهَا لَا تَجْلِسُ شَيْئًا. وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا مَضَى قَدْرُهَا. وَتَقْضِي مِنْ رَمَضَانَ بِقَدْرِهَا، وَالطَّوَافِ. وَلَا تُوطَأُ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً لَا تَجْلِسُ شَيْئًا. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ أَجْلَسْنَاهَا بِالتَّحَرِّي، أَوْ بِالْأَوَّلِيَّةِ. فَإِنَّهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً. فَائِدَةٌ: إذَا تَعَذَّرَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِيَّةِ أَوْ التَّحَرِّي عَمِلَتْ بِالْآخَرِ، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَلَمَّا ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْوَجْهَيْنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ التَّحَرِّيَ، قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ. فَإِنْ عَرَفَتْ فَهُوَ أَوَّلُ دُورِهَا. وَجَعَلْنَاهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ، لَكِنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ فِي وَقْتٍ، جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا عَقِبَ ذَلِكَ الطُّهْرِ. انْتَهَى، وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي بِأَنْ يَتَسَاوَى عِنْدَهَا الْحَالُ، وَلَمْ تَظُنَّ شَيْئًا وَتَعَذَّرَتْ الْأَوَّلِيَّةُ أَيْضًا، بِأَنْ قَالَتْ: حَيْضِي فِي كُلِّ عِشْرِينَ يَوْمًا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَأُنْسِيت زَمَنَ افْتِتَاحِ الدَّمِ. وَالْأَوْقَاتُ كُلُّهَا فِي نَظَرِي سَوَاءٌ. وَلَا أَعْلَمُ: هَلْ أَنَا الْآنَ طَاهِرٌ أَوْ حَائِضٌ؟ فَقَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا أَعْرِفُ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ

كَلَامًا. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهَا سُلُوكُ طَرِيقِ الْيَقِينِ. بَلْ يُجْزِئُهَا الْبِنَاءُ عَلَى أَصْلٍ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ فَسَادٌ فِي صَوْمِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا. فَتَصُومُ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَتَقْضِي مِنْهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَدْرُ حَيْضِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فَسَادُهُ. وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ. فَلَا تُفْسِدُهُ. وَتُوجِبُ قَضَاءَهُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ: فَتُصَلِّيهَا أَبَدًا، لَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ فِي الْحَالِ غُسْلًا. ثُمَّ عَقِيبَ انْقِضَاءِ قَدْرِ حَيْضِهَا غُسْلًا ثَانِيًا. وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا بَعْدَهُمَا، بِقَدْرِ مُدَّةِ طُهْرِهَا. فَإِنْ انْقَضَتْ لَزِمَهَا غُسْلَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ. وَكَذَلِكَ أَبَدًا كُلَّمَا مَضَى قَدْرُ الطُّهْرِ اغْتَسَلَتْ غُسْلَيْنِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ وَالْمَعْرُوفُ، خِلَافُهُ. فَائِدَةٌ: مَتَى ضَاعَتْ أَيَّامُهَا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَا عَدَا الْمُدَّةَ طُهْرٌ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْمُدَّةِ فَأَقَلُّ حَيْضِهَا بِالتَّحَرِّي أَوْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَإِنْ زَادَ ضُمَّ الزَّائِدُ إلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ. وَالشَّكُّ فِيمَا بَقِيَ. فَائِدَةٌ: مَا جَلَسَتْهُ النَّاسِيَةُ مِنْ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ: فَهُوَ كَالْحَيْضِ الْمُتَيَقَّنِ فِي الْأَحْكَامِ. وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إلَى الْأَكْثَرِ، فَقِيلَ: هِيَ فِيهِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهَا. وَقِيلَ: هُوَ كَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ. قَالَهُ الْقَاضِي: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِينٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، إلَّا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا. فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي (هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الطُّهْرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمُتَيَقَّنِ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَجَزَمَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ بِمَنْعِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ إثْمٌ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. وَنَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَمْنَعَ عَنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَقْضِي مَا صَامَتْهُ فِيهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ

وَطْؤُهَا فِيهِ وَقَبْلَهُ فِي مُبْتَدَأَةٍ اُسْتُحِيضَتْ وَقُلْنَا لَا تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ حَيْضِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ) مِثْلَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ: جَلَسَتْهَا فِيهِ، إمَّا مِنْ أَوَّلِهِ، أَوْ بِالتَّحَرِّي) . عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا إذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا هُنَاكَ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا. وَهُنَا كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ مَحْصُورَةٌ فِي جَزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ. وَفِيهَا مِنْ الْخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَالِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ، جَلَسَتْ فِيهِ غَالِبَ الْحَيْضِ، أَوْ أَقَلَّهُ) عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُعْتَادَةُ عَادَةً وَلَا تَمْيِيزَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ هُنَاكَ. وَهَذَا الْحَالُ الثَّالِثُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهَا إذَا كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَهَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ التَّمْيِيزِ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ تَقَدُّمٍ، أَوْ تَأَخُّرٍ، أَوْ انْتِقَالٍ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ) . عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا هُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، بَلْ كُلُّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ ". قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَلَا يَسَعُ النِّسَاءَ الْعَمَلُ بِغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَشْبَهُ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الشِّيحُ أَبُو الْفَرَجِ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَلْتَفِتُ إلَى الْخَارِجِ عَنْ الْعَادَةِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي فِي الْمُدَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِيهَا. وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْعَادَةِ، وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الدَّمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَارِجِ عَنْ الْعَادَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَلَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا صَارَ عَادَةً. وَأَعَادَتْ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، وَالطَّوَافِ، وَالِاعْتِكَافِ. وَعَنْهُ يَحْتَاجُ الزَّائِدُ عَنْ الْعَادَةِ إلَى التَّكْرَارِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ يَئِسَتْ قَبْلَ التَّكْرَارِ. لَمْ تَقْضِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَقْضِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ لُزُومُ الْقَضَاءِ كَصَوْمِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي النِّفَاسِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ هُنَاكَ. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ كَنَقَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي

أُخْرَى: النِّفَاسُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ. فَلَا مَشَقَّةَ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَضَاءُ وَاجِبِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ عَادَتَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ أَبِي مُوسَى النَّقَاءَ الْمَوْجُودَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ. وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا فِيهِ قَضَاءَ مَا صَامَتْهُ فِيهِ مِنْ وَاجِبٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ: لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الطُّهْرُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ. انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَقَلُّ الطُّهْرِ زَمَنَ الْحَيْضِ: أَنْ يَكُونَ نَقَاءٌ خَالِصًا لَا تَتَغَيَّرُ مَعَهُ الْقُطْنَةُ إذَا احْتَشَتْ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَنْ بَكْرٍ: هِيَ طَاهِرٌ إذَا رَأَتْ الْبَيَاضَ. قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ سَاعَةً. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا دُونَ الْيَوْمِ، إلَّا أَنْ تُدْرِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي النِّفَاسِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي الْعَادَةِ فَهَلْ تَلْتَفِتُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ، وَالشَّرْحُ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي إحْدَاهُمَا: تَلْتَفِتُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ فَتَجْلِسُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْأَوْلَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ الْغَالِبُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الرِّوَايَةِ. وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ لِلْفَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ كَدَمِ النُّفَسَاءِ الْعَائِدِ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا عَادَ فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا. فَأَمَّا إنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لَا. فَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ فَمَا دُونَ. فَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَيْسَ الْعَائِدُ بِحَيْضٍ، فَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا. وَمَنْ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ هُنَاكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِحَيْضٍ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَمِيعُهُ حَيْضٌ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضٌ، مَا لَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا وَافَقَ الْعَادَةَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّرْحُ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَمَّا إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا أَوْ لَا. فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، بِأَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَتُلَفَّقُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى. وَيُجْعَلَانِ حَيْضَةً وَاحِدَةً إذَا تَكَرَّرَ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكُلٌّ مِنْ الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِمُفْرَدِهِ. فَيَكُونَانِ حَيْضَتَيْنِ إذَا تَكَرَّرَ، وَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ. فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَمُّهُ إلَى مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ الطُّهْرِ. فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَا. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ. فَنَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا. فَرَأَتْ مِنْهَا خَمْسَةً دَمًا. وَطَهُرَتْ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ. ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ. فَالْخَمْسَةُ

الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، تُلَفِّقُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ رَأَتْ الثَّانِيَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتَكَرَّرَ هَذَا، كَانَا حَيْضَتَيْنِ. لِوُجُودِ طُهْرٍ صَحِيحٍ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا، ثُمَّ اثْنَتَيْ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا. فَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً؛ لِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ، مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطُّهْرِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَا جَعْلُهُمَا حَيْضَتَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِانْتِفَاءِ طُهْرٍ صَحِيحٍ. فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْهُمَا: مَا وَافَقَ الْعَادَةَ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةً. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مُرَادِ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَيَّامُهَا " فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: مُرَادُهُ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ، وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَنَعَهَا أَنْ تَلْتَفِتَ إلَيْهِ مُطْلَقًا. وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالَ: حَتَّى يَتَكَرَّرَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ وَلَمْ يَعْبُرْ. فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَبْلَ التَّكْرَارِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فِي كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ. فَيُتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الزَّمَانَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَظْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَسَكَتَ عَنْ التَّكْرَارِ لِتَقَدُّمِهِ لَهُ فِيمَا إذَا زَادَتْ الْعَادَةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ. وَعَلَى هَذَا: إذَا عَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ حَيْضًا انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ وَقُلْنَا لَا تَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ وَجَبَ قَضَاءُ مَا صَامَتْهُ فِي الطُّهْرِ وَطَافَتْهُ فِيهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ النِّفَاسِ: لَا يَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ.

قَوْلُهُ (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ: مِنْ الْحَيْضِ) . يَعْنِي فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ لَيْسَتَا بِحَيْضٍ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَيْضِ، وَتَكَرَّرَتَا. فَلَيْسَتَا بِحَيْضٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَنَصَرَهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَزَادَ صَاحِبُ الْمُفْرَدَاتِ: أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ. فَقَالَ: لَيْسَ بِحَيْضٍ ذَا وَلَوْ تَكَرَّرَ. وَغُسْلُهَا لَيْسَ بِذَا تَقَرُّرًا. وَعَنْهُ إنْ تَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَشَرَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ اتِّصَالَهَا بِالْعَادَةِ. وَقُطِعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ حُكْمَهَا مَعَ اتِّصَالِ الْعَادَةِ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ حَيْضٌ، إذَا تَكَرَّرَ: لَوْ رَأَتْهُ بَعْدَ الطُّهْرِ، وَتَكَرَّرَ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَجْهَيْنِ: هَلْ هُمَا حَيْضٌ مُطْلَقًا، أَوْ لَا يَكُونَانِ حَيْضًا مُطْلَقًا؟ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: إذَا لَمْ يُجَاوِزْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ . قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا طُهْرًا. فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلَى الدَّمِ. فَيَكُونُ حَيْضًا. وَالْبَاقِي طُهْرًا) . هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمِثَالِ. وَإِلَّا فَمَتَى رَأَتْ دَمًا مُتَفَرِّقًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ

الْحَيْضِ، وَنَقَاءً. فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ، وَالدَّمُ حَيْضٌ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَعَنْهُ أَيَّامُ النَّقَاءِ وَالدَّمِ حَيْضٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ تَقَدَّمَ دَمٌ يَبْلُغُ الْأَقَلَّ عَلَى مَا نَقَصَ عَنْ الْأَقَلِّ. فَهُوَ حَيْضٌ تَبَعًا لَهُ، وَإِلَّا فَلَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ. تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ فِي الطُّهْرِ وَلَا تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى غُسْلٍ، حَتَّى تَرَى مِنْ الدَّمِ مَا يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَيْضًا وَجْهَانِ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: تَغْتَسِلُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ فِي أَنْصَافِ الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ مِنْ الدَّمِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ. وَقِيلَ: إنْ نَقَصَ النَّقَاءُ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ طُهْرًا تَغْتَسِلُ عَنْهُ، وَلَا تَجْلِسُ غَيْرَ الدَّمِ الْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ وَطْؤُهَا زَمَنَ طُهْرِهَا وَرَعًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُبَاحُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. فَتَكُونَ مُسْتَحَاضَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مُلَفِّقَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ لَمْ يَتَّصِلْ دَمُهَا الْمُجَاوِزُ الْأَكْثَرَ بِدَمِ الْأَكْثَرِ، فَالنَّقَاءُ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا إعَادَةُ شَدِّهِ وَغَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا لَمْ تُفَرِّطْ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ

مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا، إنْ خَرَجَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) إذَا خَرَجَ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ: فَلَا تَتَوَضَّأُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. فَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ قَبْلَ وَقْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ طُهْرُهَا إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. وَكَذَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَقَالَ: وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ طُهْرٌ يَبْطُلُ ... لِمَنْ بِهَا اسْتِحَاضَةٌ قَدْ نَقَلُوا لَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَوْ تَطَهَّرَتْ ... لِلْفَجْرِ لَمْ تَبْطُلْ بِشَمْسٍ ظَهَرَتْ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ: أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَبِخُرُوجِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَقَبْلَ أَوَّلِهِ: بَطَلَ بِدُخُولِهِ. وَتُصَلِّي قَبْلَهُ نَفْلًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِيهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، بَطَلَ بِخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَكَانَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ

كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ) . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ. فَقَالَ: لَا تَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ، لِلْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِخِفَّةِ عُذْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي قَائِمَةً بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُبِيحُ الْجَمْعَ انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا: أَنْ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ مَا شَاءَتْ مِنْ صَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَوَائِتِ، وَالنَّوَافِلِ. وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: إنْ تَوَضَّأَتْ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، أَوْ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ: بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا. وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً. وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْخِرَقِيِّ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَعِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: تَجْمَعُ بِالْغُسْلِ. لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ، نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا تَجْمَعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا تَطُوفُ، إلَّا أَنْ تَطُولَ اسْتِحَاضَتُهَا. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: لَعَلَّهُ غَلَطٌ.

الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى لَهَا: أَنْ تُصَلِّيَ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا. فَإِنْ أَخَّرَتْ لِحَاجَةٍ مِنْ انْتِظَارِ جَمَاعَةٍ أَوْ لِسُتْرَةٍ أَوْ تَوَجُّهٍ، أَوْ تَنَفُّلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ: جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ. فَبِذَا تَعَيَّنَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا عِبْرَةَ بِانْقِطَاعِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ . الرَّابِعَةُ: لَوْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ أَبْطَلَ طَهَارَتَهَا. فَإِنْ وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الشُّرُوعُ فِيهَا. فَإِنْ خَالَفَتْ وَشَرَعَتْ وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَفِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ، فَفِي بَقَاءِ طُهْرِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ. الْخَامِسَةُ: لَوْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ الْمُبْطِلُ لِلْوُضُوءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا مَعَ الْوُضُوءِ. وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: تَخْرُجُ تَتَوَضَّأُ وَتَبْنِي. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا ثَالِثًا. لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ بَلْ تُتِمُّهُمَا. قَالَ الشَّارِحُ. انْبَنَى عَلَى الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَدَثَ هُنَا مُتَجَدِّدٌ، وَلَمْ يُوجَدْ عَنْهُ بَدَلٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَنَظِيرُهُ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ " السَّادِسَةُ: مُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ. وَقِيلَ: لَا تَنْصَرِفُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. فَقَالَ: وَعِنْدِي لَا تَنْصَرِفُ، مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاتِّسَاعِ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَتْ وَلَمْ تَنْصَرِفْ، بَلْ مَضَتْ فَعَادَ الدَّمُ قَبْلَ مُدَّةِ الِاتِّسَاعِ، فَعِنْدَ الْأَصْحَابِ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الِانْقِطَاعِ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. السَّابِعَةُ: لَوْ تَوَضَّأَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ، فَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى اتَّسَعَ أَوْ بَرَأَتْ بَطَلَ وُضُوءُهَا إنْ وُجِدَ مِنْهَا دَمٌ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا . الثَّامِنَةُ: لَوْ كَثُرَ الِانْقِطَاعُ. وَاخْتَلَفَ بِتَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَوُجِدَ مَرَّةً وَعُدِمَ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ بِاتِّصَالٍ وَلَا بِانْقِطَاعٍ: فَهَذِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ الْمُتَّسِعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ دُونَ مَا دُونَهُ وَفِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُضِيِّ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَبَيُّنِ اتِّسَاعِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي هُنَا: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ. بَلْ يَكْفِي وُجُودُ الدَّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. التَّاسِعَةُ: لَا يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ دَائِمٌ. وَيَكْفِي فِيهِ الِاسْتِبَاحَةُ. فَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ: فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَجْدِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيُ وَالرِّيحُ وَالْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ، وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَشِيَ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَلْزَمُهُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ لِأَجْلِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ: لَزِمَهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ كَالْمَكَانِ النَّجِسِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بَدَلَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْقِرَاءَةُ، أَوْ لَحِقَهُ السَّلَسُ إنْ صَلَّى قَائِمًا: صَلَّى قَائِمًا. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ كَانَ لَوْ قَامَ وَقَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَلَوْ اسْتَلْقَى حَبْسَهُ: صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ " . قَوْلُهُ (وَهَلْ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، مَعَ عَدَمِ الْعَنَتِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْهَا الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَيُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فَعَلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الرِّعَايَةِ: احْتِمَالٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ حَرَامٍ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: شَمِلَ قَوْلُهُ " خَوْفِ الْعَنَتِ " الزَّوْجَ. أَوْ الزَّوْجَةَ، أَوْ هُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا خَافَ الْعَنَتَ يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ

صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّوْلَ لِنِكَاحِ غَيْرِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: الشَّبَقُ الشَّدِيدُ كَخَوْفِ الْعَنَتِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ مُطْلَقًا. مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُبَاحُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ. كَالْعَزْلِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: فِي الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ: قَوْلُ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ جَوَابِهِ " وَالزَّوْجَةُ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا " وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ. وَقَالَ: وَفِعْلُ الرَّجُلِ ذَلِكَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ يُتَوَجَّهُ تَحْرِيمُهُ، لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مُطْلَقًا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْكَافُورِ وَنَحْوِهِ لَهُ لِقَطْعِ الْحَيْضِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَجُوزُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِحُصُولِ الْحَيْضِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. قُلْت: وَلَيْسَ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ: إذَا شَرِبَتْ شَيْئًا لِتُلْقِي مَا فِي بَطْنِهَا . قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ سِتُّونَ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ النِّفَاسِ. وَلَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ السِّتِّينَ، أَوْ السَّبْعِينَ وَانْقَطَعَ. فَهُوَ نِفَاسٌ، لَكِنْ إنْ اتَّصَلَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ. وَحِينَئِذٍ: فَالْأَرْبَعُونَ مُنْتَهَى الْغَالِبِ وَتَقَدَّمَ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) فَلْيُعَاوَدْ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ. فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ، إنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً وَلَمْ يُجَاوِزْهَا. فَإِنْ صَادَفَ عَادَةً وَلَمْ يُجَاوِزْهَا. فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَهَا فَاسْتِحَاضَةٌ، إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، إذَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. قُلْت: وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بَعْدَ السِّتِّينَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَلَا فَرْقَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) . يَعْنِي: لَا حَدَّ بِزَمَنٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ: وَعَنْهُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. ذَكَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَقَدْ قِيلَ لَهُ: «إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمٍ فَقَالَ بَعْدَ يَوْمٍ؟ لَا يَكُونُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ» فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُجِدَ فَأَقَلُّهُ قَطْرَةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ:. . . مَجَّةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ. وَقِيلَ: قَدْرُ لَحْظَةٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ، وَرِوَايَةَ: أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ . قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تُتَمِّمَ الْأَرْبَعِينَ) . يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: كُرِهَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ [نَصَّ عَلَيْهِ] وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إنْ أَمِنَ الْعَنَتَ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ . قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فِيهَا. فَهُوَ نِفَاسٌ) عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَهُوَ نِفَاسٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي. وَعَنْهُ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا أَشْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ كَانَ الثَّانِي يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهُ، وَلَا تَقْضِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ الْعَائِدُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَا وَجَبَ فِيهِمَا، مِنْ صَوْمٍ، وَطَوَافٍ، وَسَعْيٍ، وَاعْتِكَافٍ احْتِيَاطًا. نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَلَدَتْ مَنْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَشْكُوكٌ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: هُوَ نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَخْرُجُ هَذَا الدَّمُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، هَلْ هُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، أَوْ نِفَاسٌ؟ قَالَ: فَإِنْ صَلَحَ الْعَائِدُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَصَادَفَ الْعَادَةَ: لَمْ يَبْقَ مَشْكُوكًا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا كَامِلًا أَوْ لَا. ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَسَائِرُهُمْ أَطْلَقَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ: طُهْرٌ صَحِيحٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. تَصُومُ، وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ

الْوَاجِبَ وَنَحْوَهُ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ تَقْضِي الصَّوْمَ مَعَ عَوْدِهِ، وَلَا تَقْضِي الطَّوَافَ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فِيهَا " أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا: طُهْرٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ إنْ رَأَتْ النَّقَاءَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ: لَا تَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ. وَمِنْهَا خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الْحَيْضِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ ثُمَّ عَادَ فِيهَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِسْقَاطِ نُطْفَةٍ. ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ: يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. قَالَ: وَلَهُ وَجْهٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَحْوَطُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَعْمِلُ دَوَاءً يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ . الثَّانِيَةُ: مَنْ اسْتَمَرَّ دَمُهَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهَا بِقَدْرِ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا، وَوَلَدَتْ فَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ وَدَمُ النِّفَاسِ مِنْ فَمِهَا. فَغَايَتُهُ: يُنْقَضُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُهُ حَيْضًا، كَزَائِدٍ عَلَى الْعَادَةِ، أَوْ كَمَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ . قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ. فَأَوَّلُ النِّفَاسِ: مِنْ الْأَوَّلِ. وَآخِرُهُ: مِنْهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَعَلَيْهَا لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي، نُصَّ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ. وَقِيلَ: تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ. وَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ مِنْ الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَآخِرَهُ مِنْ الْأَخِيرِ. فَعَلَيْهَا تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ مِنْ وِلَادَتِهِ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرُ. فَهُمَا نِفَاسَانِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّلْخِيصِ. وَعَنْهُ نِفَاسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ

ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: الْكُلُّ نِفَاسٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ، وَالثَّانِي دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ: فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ: مِنْ الثَّانِي. فَمَا قَبْلَهُ كَدَمِ الْحَامِلِ إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ: نِفَاسٌ، وَإِنْ زَادَ: فَفَاسِدٌ. وَقِيلَ: بَلْ نِفَاسٌ لَا يُعَدُّ مِنْ غَيْرِ مُدَّةِ الْأَوَّلِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَوَّلُ مُدَّةِ النِّفَاسِ: مِنْ الْوَضْعِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ مِنْ الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَلَدِ: اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ مَعَهُ مِنْ الْمُدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي الْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا عِنْدَ قَوْلِهِ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) فَلْيُعَاوَدْ. الثَّانِيَةُ: يَثْبُتُ حُكْمُ النِّفَاسِ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَمُدَّةُ تَبْيِينِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ غَالِبًا: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْعَدَدِ: وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ: وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا. فَلَوْ وَضَعَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَعَنْهُ يَثْبُتُ بِوَضْعِ مُضْغَةٍ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ وَعَلَقَةٌ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ النُّفَسَاءِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ الْعِدَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى (وَدَمُ السِّقْطِ: نِفَاسٌ دُونَ دُونِهِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ دَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ دُونَ مَنْ وُضِعَ لِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَدَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ.

كتاب الصلاة

[كِتَابُ الصَّلَاةِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لِلصَّلَاةِ مَعْنَيَانِ: مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الشَّرْعِ. فَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ. وَهِيَ فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ، مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ، مُخْتَتَمَةً بِالتَّسْلِيمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ، مُشْتَمِلَةٍ عَلَى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذِكْرِهِ. انْتَهَى. وَسُمِّيَتْ " صَلَاةً " لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ " صَلَاةً " لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ كَالْمُصَلِّي مِنْ السَّابِقِ فِي الْخَيْلِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صَلَاةً لِمَا يَعُودُ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ الْبَرَكَةِ. وَتُسَمَّى الْبَرَكَةُ صَلَاةً فِي اللُّغَةِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمَغْفِرَةِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ بِالصَّلَاةِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صَلَاةً، لِمَا تَتَضَمَّنُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخَشْيَةِ لِلَّهِ. مَأْخُوذٌ مِنْ صَلَيْت الْعُودَ إذَا لَيَّنْته، وَالْمُصَلِّي يَلِينُ وَيَخْشَعُ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صَلَاةً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَتْبَعُ مَنْ تَقَدَّمَهُ. فَجِبْرِيلُ أَوَّلُ مَنْ تَقَدَّمَ بِفِعْلِهَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَعًا لَهُ وَمُصَلِّيًا، ثُمَّ الْمُصَلُّونَ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صَلَاةً لِأَنَّ رَأْسَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ صَلَوَى إمَامِهِ، وَ (الصَّلَوَانِ) عَظْمَانِ عَنْ يَمِينِ الذَّنَبِ وَيَسَارِهِ فِي مَوْضِعِ الرِّدْفِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ. إلَّا الْقَوْلُ الثَّانِي. فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ . الثَّانِيَةُ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَهُوَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ. وَقِيلَ: سِتَّةٍ. وَقِيلَ: بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ لَهُ كَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ

الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَقْضِيهَا مُسْلِمٌ قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ. وَقِيلَ: لَا يَقْضِيهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَجَ رِوَايَتَانِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْخِطَابِ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي حَرْبِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْوَجْهَانِ فِي كُلِّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ كَمَنْ لَمْ يَتَيَمَّمْ لِعَدَمِ الْمَاءِ، لِظَنِّهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِهِ. أَوْ لَمْ يُزَكِّ، أَوْ أَكَلَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، لِظَنِّهِ ذَلِكَ. أَوْ لَمْ تُصَلِّ مُسْتَحَاضَةٌ وَنَحْوُهُ، قَالَ: وَالْأَصَحُّ لَا فَرْضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَمُرَادُهُ وَلَمْ يَقْضِ، وَإِلَّا أَثِمَ. وَكَذَا لَوْ عَامَلَ بِرِبًا، أَوْ نَكَحَ فَاسِدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ) يَعْنِي: لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ النُّفَسَاءَ إذَا طَرَحَتْ نَفْسَهَا لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهَا. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ عَلَى النَّائِمِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ، أَوْ إغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ) أَمَّا النَّائِمُ: فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا. وَيَجِبُ إعْلَامُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ إعْلَامُهُ. وَقِيلَ: يَجِبُ وَلَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، بَلْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ. وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ مُطْلَقَاتٌ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَكَذَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَدَمَ الْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: تَلْزَمُهُ بِلَا نِزَاعٍ

وَقِيلَ: لَا تَجِبُ إذَا سَكِرَ مُكْرَهًا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ. وَتَجِبُ عَلَى مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ بِلَا نِزَاعٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جُنَّ مُتَّصِلًا بِكُرْهٍ فَفِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ زَمَنَ جُنُونِهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهِيَ لِأَبِي الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: الْوُجُوبُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، كَالْمُرْتَدِّ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُبَاحُ مِنْ السَّمُومِ تَدَاوِيًا مَا الْغَالِبُ عَنْهُ السَّلَامَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، الثَّانِي: لَا يُبَاحُ كَمَا لَوْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فِيهِ: مَا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُهَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. كَالنَّائِمِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَأَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ، يَعْنِي مُبَاحًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: أَنَّ الْإِغْمَاءَ بِتَنَاوُلِ الْمُبَاحِ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ، وَالْإِغْمَاءَ بِالْمَرَضِ لَا يُسْقِطُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ خَوْفًا مِنْ مَشَقَّةِ الْقَضَاءِ. فَتَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: مَنْ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ بِهِ. فَإِنْ كَانَ زَوَالًا لَا يَدُومُ كَثِيرًا، فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) . الْكَافِرُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا. فَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا: لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَقْضِهَا. وَهَذَا إجْمَاعٌ. وَأَمَّا وُجُوبُهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَنْهُ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِهَا. وَعَنْهُ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الْأَوَامِرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا تَلْزَمُ كَافِرًا أَصْلِيًّا. وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ، وَهِيَ أَصَحُّ. انْتَهَى وَمَحَلُّ ذَلِكَ أُصُولُ الْفِقْهِ.

وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ. وَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الصُّغْرَى، مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ. قَالَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَعَدَمُ إلْزَامِهِ بِقَضَائِهَا بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَبَعْدَهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. لَكِنْ قَالَ: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَنَصَرَهُ. وَعَنْهُ لَا يَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَلَا بَعْدَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَاخْتَارَ الْأَخِيرَةَ. وَقَدَّمَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا تَرَكَهُ حَالَةَ رِدَّتِهِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَقْضِي مَا تَرَكَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ: وَإِذَا أَسْلَمَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي رِدَّتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَمَنَ الرِّدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، الْمَذْهَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ بَنَاهُمَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ وَالطُّوفِيُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ: هَلْ يُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَهُمَا فَائِدَةٌ: فِي بُطْلَانِ اسْتِطَاعَةِ قَادِرٍ عَلَى الْحَجِّ بِرِدَّتِهِ وَوُجُوبِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي رِدَّتِهِ فَقَطْ. هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ نَقْلًا وَمَذْهَبًا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ طَرَأَ

عَلَيْهِ جُنُونٌ فِي رِدَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ رُخْصَةٌ تَخْفِيفًا، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي كَالْحَائِضِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ: جَارٍ فِي الزَّكَاةِ إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ عَلَى مَا يَأْتِي وَكَذَا هُوَ جَارٍ فِي الصَّوْمِ. فَإِنْ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ أَخَذَهَا الْإِمَامُ. وَيَنْوِي بِهَا لِلتَّعَذُّرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ الزَّكَاةِ: كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَخْذِ الْإِمَامِ. أَجْزَأَتْهُ ظَاهِرًا. وَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ. وَقِيلَ: إنْ أَسْلَمَ قَضَاهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يَجْزِيهِ إخْرَاجُهُ حَالَ كُفْرِهِ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَقِيلَ وَلَا قَبْلَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إخْرَاجَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ مُرَاعًى. فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ ارْتَدَّ لَمْ تُجْزِهِ كَالْحَجِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إذَا عَجَّلَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ ثُمَّ ارْتَدَّ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ. وَإِلَّا انْقَطَعَ. وَأَمَّا إعَادَةُ الْحَجِّ، إذَا فَعَلَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَاتُهُ فِي إسْلَامِهِ إذَا عَادَ. وَلَوْ الْحَجَّ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ. فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْإِفَادَاتِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَوْزِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ، وَاخْتَارَ

الْإِعَادَةَ أَيْضًا الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِعَادَةِ: قِيلَ بِحُبُوطِ الْعَمَلِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: كَإِيمَانِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ. وَيَلْزَمُهُ ثَانِيًا. وَالْوَجْهَانِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: الْإِحْبَاطُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الثَّوَابِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعَمَلِ، لِبَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَحِلِّ مَا كَانَ ذَبَحَهُ، وَعَدَمِ نَقْضِ تَصَرُّفِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَكَانَ قَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَجِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَذْهَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ هُنَا إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الْحَجِّ، لِفِعْلِهَا فِي إسْلَامِهِ الثَّانِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَبْطُلُ عِبَادَةٌ فَعَلَهَا فِي الْإِسْلَامِ السَّابِقِ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ صَامَ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا مَجْنُونٍ) . يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ فَيَقْضِيهَا. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: لَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ، وَلَا عَلَى الْأَبْلَهِ لِلَّذِينَ لَا يُفِيقَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَقْضِي الْأَبْلَهُ، مَعَ قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ: الْأَبْلَهُ كَالْمَجْنُونِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَا ذُكِرَ.

قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْضِي عَلَى قَوْلٍ. وَهَذَا لَفْظُهُ " وَيَقْضِيهَا مَعَ زَوَالِ عَقْلِهِ بِنَوْمٍ كَذَا وَكَذَا " ثُمَّ قَالَ " أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ مُحْرِمٍ، أَوْ أَبْلَهَ، وَعَنْهُ أَوْ مَجْنُونٍ " فَهُوَ إنَّمَا حَكَى الْقَضَاءَ فِي الْأَبْلَهِ قَوْلًا. فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِي الصَّوْمِ. فَمَا بَيْنَ كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَنَافٍ. بَلْ كَلَامُهُ مُتَّفِقٌ فِيهِمَا، وَجَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ جُنُونٍ لَمْ يَسْقُطْ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ ضُرِبَ رَأْسُهُ فَجُنَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ . قَوْلُهُ (وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: إنْ صَلَّى جَمَاعَةً حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، لَا إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا. وَقَالَهُ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ الْحُكْمُ لِلصَّلَاةِ. أَوْ لِتَضَمُّنِهَا الشَّهَادَةَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِي الظَّاهِرِ: وَجْهَانِ. وَفِي ابْنِ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْقَاضِي: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. ذَكَرَهُ فِي النُّكَتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: شَرْطُ الصَّلَاةِ تَقَدُّمُ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْإِسْلَامِ. فَإِذَا تَقَرَّبَ بِالصَّلَاةِ يَكُونُ بِهَا مُسْلِمًا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا. وَلَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ، لَا لِفَقْدِ الْإِسْلَامِ. وَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ فِي الظَّاهِرِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَعَلَيْهِ تَصِحُّ إمَامَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ تَصِحُّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، الْأَصْوَبُ أَنَّهُ إنْ أَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ: إنَّمَا فَعَلْتهَا وَقَدْ اعْتَقَدَتْ الْإِسْلَامَ. قُلْنَا صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَإِنْ قَالَ: فَعَلْتهَا تَهَزُّؤًا قَبِلْنَا مِنْهُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ إلْزَامِ الْفَرَائِضِ. وَلَمْ نَقْبَلْ

مِنْهُ فِيمَا يُؤْثِرُهُ مِنْ دِينِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ. فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُسْلِمُ بِغَيْرِ فِعْلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُسْلِمُ إذَا أَذَّنَ فِي وَقْتِهِ وَمَحَلِّهِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا إذَا أَذَّنَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ وَمَحَلِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ. وَزَكَاةِ مَالِهِ، وَحَجِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ. وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْحَجِّ فَقَطْ. وَالْتَزَمَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِبَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ وَالْأَقْوَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِنَا، كَجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا يُكَفِّرُ الْمُسْلِمَ بِإِنْكَارِهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ الْكَافِرُ، قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ) لَا يَخْلُو الصَّبِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ دُونَ التَّمْيِيزِ، أَوْ يَكُونَ مُمَيِّزًا. فَإِنْ كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ ابْنَ سَبْعٍ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنَّ ظَاهِرَ الْخِرَقِيِّ: صِحَّةُ صَلَاةِ الْعَاقِلِ، مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِسِنٍّ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنَّ ظَاهِرَ الْخِرَقِيِّ: ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ أَيْضًا وَنَحْوُهُ، يَصِحُّ إسْلَامُهُ إذَا عَقَلَهُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُمَيِّزًا، أَوْ هُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ ابْنَ سِتٍّ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ ابْنُ عَشْرٍ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي الْمُطْلِعِ: هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ. بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ. وَقَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ ابْنَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ يَفْهَمُ ذَلِكَ غَالِبًا. وَضَبَطُوهُ بِالسِّنِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ تِسْعًا: تَجِبُ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُرَاهِقِ، اخْتَارَهَا أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي الْأُصُولِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ابْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ قُتِلَ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَأَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَذَكَرَهَا فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ. قَالَ فِي الْجُمُعَةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَإِذَا أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَهَلْ الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِمَا عَدَا الْجُمُعَةَ، أَمْ يَعُمُّ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا، أَصَحُّهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ قُلْنَا بِتَكَلُّفِهِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمُمَيِّزِ: لَوْ فَعَلَهَا صَحَّتْ مِنْهُ، بِلَا نِزَاعٍ. وَيَكُونُ ثَوَابُ عَمَلِهِ لِنَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْفُنُونِ. وَقَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: الصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ،

وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ تَصَرُّفِهِ: ثَوَابُهُ لِوَالِدَيْهِ قَوْلُهُ (وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَمْرُهُ بِهَا، وَتَعْلِيمُهُ إيَّاهَا، وَالطَّهَارَةُ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، خِلَافًا لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ أَنْ يُنَزِّهَهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ. وَلَا أَنْ يُزِيلَهَا عَنْهُمَا. بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَذَكَرَ وَجْهًا: أَنَّ الطَّهَارَةَ تَلْزَمُ الْمُمَيِّزَ قَوْلُهُ (وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ) اعْلَمْ أَنَّ ضَرْبَ ابْنِ عَشْرٍ عَلَى تَرْكِهَا: وَاجِبٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا " تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ " فَيُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَبِيرِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: إلَّا فِي السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا بِدُونِ الْخِمَارِ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا، أَوْ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا: لَزِمَهُ إعَادَتُهَا) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْبُلُوغِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِيهِمَا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا بَلَغَ بَعْدَ فَرَاغِهَا، اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ لَزِمَتْهُ وَأَتَمَّهَا كَفَتْهُ، وَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا إذَا بَلَغَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ وَجَبَتْ وَهُوَ فِيهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِإِعَادَتِهَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَحَيْثُ قُلْنَا " لَا تَجِبُ " فَهَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ دَخَلَ

فِي نَفْلٍ. هَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ: أَنَّهُ يُتِمُّهَا. وَذَكَرَ الثَّانِيَ احْتِمَالًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ بُلُوغِهِ، ثُمَّ بَلَغَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، كَوُضُوءِ الْبَالِغِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ. وَقُصَارَاهُ: أَنْ يَكُونَ كَوُضُوءِ الْبَالِغِ لِلنَّافِلَةِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُحَرَّرًا فِي التَّيَمُّمِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ " فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ لَا يَصِحُّ نَفْلًا. فَإِذَا وُجِدَ فَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَبُ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي خِلَافًا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: الْإِسْلَامُ أَصْلُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْلَاهَا. فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ. وَمَعَ التَّسْلِيمِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ، أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا) . زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ " إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا، قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا " وَهُوَ مُرَادٌ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ، لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِشَرْطِهَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ الِاشْتِغَالَ بِالشَّرْطِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنِّهَايَةِ لَهُ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِشَرْطِهَا عَلَى قِسْمَيْنِ. قِسْمٌ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ. فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِسْمٌ يَحْصُلُ بَعْدَ زَمَنٍ قَرِيبٍ فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يُجَوِّزُونَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنِّهَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا إلَّا لِنَاوِي جَمْعِهَا) ، أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا " فَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ مِنْ سَائِرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيُّ. فَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ صُوَرًا مَعْرُوفَةً كَمَا إذَا أَمْكَنَ الْوَاصِلَ إلَى الْبِئْرِ أَنْ يَضَعَ حَبْلًا يَسْتَقِي بِهِ، وَلَا يَفْرُغُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ. أَوْ أَمْكَنَ الْعُرْيَانَ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبًا، وَلَا يَفْرُغُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَنَحْوِ هَذِهِ الصُّوَرِ. وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. وَمَا أَظُنُّ يُوَافِقُهُ إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا: أَنَّ الْعُرْيَانَ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَرْيَةٍ يَشْتَرِي مِنْهَا ثَوْبًا، وَلَا يُصَلِّ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى حَسَبَ حَالِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا كَانَ دَمُهَا يَنْقَطِعُ بَعْدَ الْوَقْتِ: لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّأْخِيرُ، بَلْ تُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ حَالِهَا. انْتَهَى وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُهُ إنْ اسْتَيْقَظَ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا تَقْدِيمَ الشَّرْطِ إذَا اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ جُنُبٌ وَخَافَ إنْ اغْتَسَلَ خَرَجَ الْوَقْتُ: اغْتَسَلَ وَصَلَّى، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَهَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوز لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ ". وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ بِالشُّرُوطِ: نَظَرٌ وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّنْ يَعْلَمُهُ، بَلْ نَقَلُوا عَدَمَ الْجَوَازِ. وَاسْتَثْنَوْا: مَنْ نَوَى الْجَمْعَ لَا غَيْرُ. وَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هِدَايَتِهِ، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا، وَفِي خُلَاصَتِهِ.

وَثَانِيهِمَا: أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَمْدًا حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ الصَّلَاةِ، وَلَا وَجْهَ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ: إذَا خَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، أَوْ الْجِنَازَةَ وَنَحْوَهَا: هَلْ يَشْتَغِلُ بِالشَّرْطِ، أَوْ يَتَيَمَّمُ؟ وَيَأْتِي آخِرَ صَلَاةِ الْخَوْفِ: هَلْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أَمْ لَا؟ . تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْقَاتٌ مُوَسَّعَةٌ. لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْأَصْحَابُ بِمَا إذَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ، وَكَمَنْ أُعِيرَ سُتْرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَطْ، أَوْ مُتَوَضِّئٍ عَدِمَ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ، وَطَهَارَتُهُ لَا تَبْقَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَتْ لِلْمُسْتَحَاضَةِ عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهَا. فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْمَوَانِعُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ فِعْلِهَا، لَكِنْ بِشَرْطِ عَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِدُونِ الْعَزْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ. وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَالَ إلَيْهِ الْقَاضِي فِي الْكِفَايَةِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: هَلْ يَأْثَمُ الْمُتَرَدِّدُ حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُهَا عَنْ بَعْضِهَا أَمْ لَا؟ . فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْعَصْرِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لَا يُكْرَهُ أَدَاؤُهَا وَيَأْتِي فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ مَنْ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ قَبْلَ الْفِعْلِ، لَمْ يَأْثَمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَأْثَمُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْقُطُ إذَنْ بِمَوْتِهِ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا، لَا جُحُودًا، دُعِيَ إلَى فِعْلِهَا. فَإِنْ أَبَى حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا: وَجَبَ قَتْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إذَا أَبَى حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ أَوَّلِ صَلَاةٍ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَيَأْتِي لَفْظُهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا الْأُولَى مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لَا يَجِبُ قَتْلُهُ بِهَا، حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ قَتْلُهُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثًا وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ، قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. رِوَايَةً: يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ أَبَى بَعْدَ الدُّعَاءِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَجَبَ قَتْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ تَرَكَ صَلَاتَيْنِ. وَعَنْهُ إنْ تَرَكَ ثَلَاثًا. قَالَ: وَحَكَى الْأَصْحَابُ اعْتِبَارَ ضِيقِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَضِيقِ وَقْتِ الرَّابِعَةِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَغَالَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ. فَقَالَ: يُقْتَلُ لِتَرْكِ الْأُولَى، وَلِتَرْكِ كُلِّ فَائِتَةٍ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. إذْ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا " وَفِي الرِّوَايَةِ

الثَّالِثَةِ " وَيَضِيقُ وَقْتُ الرَّابِعَةِ " قِيلَ فِي الْأُولَى: يَضِيقُ الْوَقْتُ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ. وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: عَنْ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْمَتْرُوكَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا عَنْ فِعْلِهَا فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الدَّاعِي لَهُ: هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. فَلَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً قَبْلَ الدُّعَاءِ لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ. وَلَا يَكْفُرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَكَذَا لَوْ تَرَكَ كَفَّارَةً أَوْ نَذْرًا. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يُدْعَ إلَيْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، عِنْدَ قَوْلِهِ " أَوْ اغْتَسَلَ " يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ. الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: بِمَ كَفَرَ إبْلِيسُ؟ فَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: أَنَّهُ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ. لَا بِجُحُودِهِ. وَقِيلَ: كَفَرَ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشِّفَاهِيِّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَاطَبَهُ بِذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ: قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ لَهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا كَفَرَ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ، وَعَانَدَ، وَطَغَى وَأَصَرَّ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي تَمَرُّدِهِ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ (خَيْرٌ مِنْهُ) فَكَانَ تَرْكُهُ لِلسُّجُودِ تَسْفِيهًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ. وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ. وَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ. وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ: كَفَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ. وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا) . حُكْمُ اسْتِتَابَتِهِ هُنَا: حُكْمُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، مِنْ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ. فَائِدَةٌ: يَصِيرُ هَذَا الَّذِي كَفَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُسْلِمًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: تَوْبَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَصْوَبُ:

أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا. وَبِمُقْتَضَى مَا فِي الصُّوَرِ: أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الشَّهَادَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالصَّلَاةِ وَبِالْإِتْيَانِ بِهَا. ذُكِرَ ذَلِكَ فِي النُّكَتِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ) أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى الْقَتْلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُضْرَبُ ثُمَّ يُقْتَلُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ تَهَاوُنًا " غَيْرُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ زَكَاةٍ بُخْلًا. وَلَا بِتَرْكِ صَوْمٍ وَحَجٍّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا. وَعَنْهُ: يَكْفُرُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ. وَعَنْهُ: يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ الزَّكَاةَ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ: يَكْفُرُ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ. وَحَيْثُ قُلْنَا " لَا يَكْفُرُ بِالتَّرْكِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ " فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُقْتَلُ. وَعَنْهُ يُقْتَلُ بِالزَّكَاةِ فَقَطْ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُنَا فِي الْحَجِّ: يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ كَعَزْمِهِ عَلَى تَرْكِهِ. أَوْ ظَنِّهِ الْمَوْتَ مِنْ عَامِهِ بِاعْتِقَادِهِ الْفَوْرِيَّةَ: يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا وَاضِحٌ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَلَا وَجْهَ لَهُ. ثُمَّ اخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قُلْنَا بِالْفَوْرِيَّةِ قُتِلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. فَإِنَّهُ قَالَ: قِيَاسُ قَوْلِهِ: يُقْتَلُ كَالزَّكَاةِ قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ. فَقَالَ: الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ سَوَاءٌ، يُسْتَتَابُ. فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِيمَنْ لَا اعْتِقَادَ لَهُ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِاعْتِقَادِهِ أَوْلَى وَيَأْتِي مَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ. هَلْ يَفْسُقُ بِهِ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ فَائِتَةٍ، لِلْخِلَافِ فِي الْفَوْرِيَّةِ. قَالَ

فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا سَبَقَ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا. فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ. وَكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ: الْمُخْتَلَفُ فِيهِ لَيْسَ هُوَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ، كَمَا نَحُدُّهُ بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَفِي الْأَصْلِ نَظَرٌ مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا، أَوْ لِكُفْرِهِ؟) عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّارِحُ. إحْدَاهُمَا: يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُونَ. قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: اخْتَارَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَذُكِرَ فِي الْوَسِيلَةِ: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَنَّهَا اخْتِيَارُ الْأَثْرَمِ وَالْبَرْمَكِيِّ. قُلْت: وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُقْتَلُ حَدًّا، اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ. وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفُرُ، وَقَالَ: الْمَذْهَبُ عَلَى هَذَا. لَمْ أَجِدْ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافَهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: هُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ

باب الأذان

وَابْنُ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُقْتَلُ حَدًّا. وَقِيلَ: لِفِسْقِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ فَرَضَ مُتَأَخِّرُو الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةً يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا، وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ. فَدُعِيَ إلَيْهَا ثَلَاثًا، وَامْتَنَعَ مَعَ تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُصَلِّ، حَتَّى قُتِلَ: هَلْ يَمُوتُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ. إذْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتَنِعَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَهَا وَلَا يَفْعَلُهَا، وَيَصْبِرَ عَلَى الْقَتْلِ، هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ قَطُّ. انْتَهَى. قُلْت: وَالْعَقْلُ يَشْهَدُ بِمَا قَالَ. وَيَقْطَعُ بِهِ، وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا كَافِرًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ. فَلَا يُغَسَّلُ. وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُ مُسْلِمًا، وَلَا يَرِثُهُ مُسْلِمٌ. فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي يُدْفَنُ مُنْفَرِدًا. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مَنْ قُتِلَ مُرْتَدًّا يُتْرَكُ بِمَكَانِهِ وَلَا يُدْفَنُ وَلَا كَرَامَةَ. وَعَلَيْهَا لَا يَرِقُّ، وَلَا يُسْبَى لَهُ أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: حُكْمُهُ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ. فَائِدَةٌ: يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَيْثُ يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ. [بَابُ الْأَذَانِ] ِ فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْإِقَامَةُ أَفْضَلُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: هُمَا فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ. الثَّانِيَةُ: الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: اخْتَارَهُ

ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. وَعَنْهُ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ: وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ وَجَمِيعِ خِصَالِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةُ: لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ أَفْضَلُ. وَقَالَ: مَا صَلَحَ لَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَهُمَا مَشْرُوعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ فَائِتَةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الْفَائِتَةِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا. وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ " أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُشْرَعُ لِلْمَنْذُورَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَا يَقُولُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْجِنَازَةِ، وَالتَّرَاوِيحِ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (لِلرِّجَالِ) أَنَّهُ يُشْرَعُ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا، سَفَرًا أَوْ حَضَرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي قَضَاءً أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَذَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ، إلَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا يُشْرَعُ. بَلْ حَصَلَ لَهُ الْفَضِيلَةُ كَقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ عَلَى الْإِقَامَةِ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا: هَلْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُسَافِرِ أَمْ لَا؟ الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لِلرِّجَالِ " أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْخَنَاثَى، وَلَا لِلنِّسَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ

الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يُبَاحَانِ لَهُمَا مَعَ خَفْضِ الصَّوْتِ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: تُمْنَعُ مِنْ الْجَهْرِ بِالْأَذَانِ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبَّانِ لِلنِّسَاءِ. ذَكَرَهَا فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ يُسَنُّ لَهُنَّ الْإِقَامَةُ، لَا الْأَذَانُ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَرَاهَتِهِمَا لِلنِّسَاءِ، بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ يُسَنُّ الْإِقَامَةُ فَقَطْ، وَيُتَوَجَّهُ فِي التَّحْرِيمِ جَهْرًا: الْخِلَافُ فِي قِرَاءَةٍ وَتَلْبِيَةٍ. انْتَهَى. وَمَنَعَهُنَّ فِي الْوَاضِحِ مِنْ الْأَذَانِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (وَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ) اعْلَمْ أَنَّهُمَا تَارَةً يُفْعَلَانِ فِي الْحَضَرِ، وَتَارَةً فِي السَّفَرِ. فَإِنْ فَعَلَهُمَا فِي الْحَضَرِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ هُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْأَمْصَارِ، سُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا. وَعَنْهُ هُمَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْأَذَانُ فَرْضٌ، وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ. وَعَنْهُ هُمَا وَاجِبَانِ لِلْجُمُعَةِ فَقَطْ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا نِزَاعَ فِيمَا نَعْلَمُهُ فِي وُجُوبِهَا لِلْجُمُعَةِ، لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ لَهَا. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ عُذْرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَسْقُطُ الْفَرْضُ لِلْجُمُعَةِ بِأَوَّلِ أَذَانٍ، وَإِنْ فُعِلَا فِي السَّفَرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُمَا سُنَّةٌ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ حُكْمُ السَّفَرِ حُكْمُ الْحَضَرِ فِيهِمَا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:

وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَيْسَ هُمَا فِي حَقِّهِمْ فَرْضَ كِفَايَةٍ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: بِفَرْضِيَّتِهِمَا فِيهِنَّ. وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُنْفَرِدِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكِفَايَةِ. وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (إنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ) أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِهِمَا، فَلَا يُقَاتَلُونَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُقَاتَلُونَ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَائِدَةٌ: يَكْفِي مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فِي الْمِصْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكْفِي مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا: بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِأَهْلِهِ الْعِلْمُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ سَقَطَ عَمَّنْ صَلَّى مَعَهُ. لَا عَمَّنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ وَإِنْ سَمِعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِأَذَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْفَجْرِ فَقَطْ. كَبِلَالٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِفِعْلِ عُثْمَانَ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْأَوْلَى: أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ. وَيُقِيمَ مَنْ أَذَّنَ أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِعْلَامُ بِوَاحِدٍ يَزِيدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ، أَوْ دَفْعَةٍ

وَاحِدَةٍ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ. وَيُقِيمُ أَحَدُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِلَا حَاجَةٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَجُوزُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ كَانَ فَقِيرًا. وَلَا يَجُوزُ مَعَ غِنَاهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَكَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْإِجَارَةِ: هَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا رَزَقَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُومُ بِهِمَا) كَرِزْقِ الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِمَا، لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ الْإِمَامُ غَيْرَهُ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ امْتِيَازٍ بِحُسْنِ الصَّوْتِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا، أَمِينًا، عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْعَبْدِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. وَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ حُرًّا بَالِغًا طَاهِرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا فَرْقَ. قُلْت: قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا: وَأَمَّا الْأَعْمَى: فَصَرَّحَ بِأَذَانِهِ الْأَصْحَابُ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا عَلِمَ بِالْوَقْتِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ " وَيَنْبَغِي " مُرَادُهُ: يُسْتَحَبُّ. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ ذُكُورِيَّتُهُ، وَعَقْلُهُ، وَإِسْلَامُهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِالْوَقْتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَيَأْتِي ذِكْرُ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا ". قَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ نَفْسَانِ قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ) يَعْنِي فِي الصَّوْتِ وَالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ بِالْوَقْتِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ " ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ " هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ عَلَى الْأَفْضَلِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقُدِّمَ فِي الْكَافِي الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الصَّوْتِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالْعِلْمِ. وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْقُرْعَةُ عَلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ. نَقْلُهَا طَاعَةٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: إذَا اسْتَوَيَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْخِصَالِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ: قُدِّمَ أَعْمَرُهُمْ لِلْمَسْجِدِ، وَأَتَمُّهُمْ لَهُ مُرَاعَاةً، وَأَقْدَمُهُمْ تَأْذِينًا، وَجُزِمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: يُقَدَّمُ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا. أَوْ أَبُوهُ. وَقَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ جَازَ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمُصَنَّفِينَ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ. بَعْضُهَا مُبَايِنٌ لِبَعْضٍ. فَأَنَا أَذْكُرُ لَفْظَ كُلِّ مُصَنِّفٍ. تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ. فَقَالَ فِي الْكَافِي " فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ قُدِّمَ أَكْمَلُهُمَا فِي هَذِهِ الْخِصَالِ. وَهِيَ

الصَّوْتُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالْعِلْمُ بِالْوَقْتِ، وَالْبَصَرُ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ مَنْ يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ ". وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ " فَإِنْ تَشَاحَّ اثْنَانِ قُدِّمَ الْأَدْيَنُ الْأَفْضَلُ فِيهِ ثُمَّ مَنْ قُرِعَ ". وَقَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثُمَّ الْأَدْيَنُ، ثُمَّ مُخْتَارُ جَارٍ مُصَلٍّ. ثُمَّ مَنْ قُرِعَ " وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ بِعَيْنِهَا. لَكِنْ شُرِطَ فِي الْجَارِ: أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ " وَيُقَدَّمُ عِنْدَ التَّشَاحُنِ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فِي الدِّينِ، ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْإِقْرَاعُ ". وَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ " وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثُمَّ فِي دِينِهِ، ثُمَّ مُرْتَضَى الْجِيرَانِ، ثُمَّ الْقَارِعُ ". وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " وَيُقَدَّمُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَدْيَنُ، ثُمَّ مُخْتَارٌ ثُمَّ قَارِعٌ " فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ طَرِيقَتُهُمْ كَطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ النَّاظِمُ " يُقَدَّمُ مُتْقِنٌ عِنْدَ التَّنَازُعِ، ثُمَّ أَدْيَنُ، ثُمَّ أَعْقَلُ، ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ، ثُمَّ الْإِقْرَاعُ " فَقُدِّمَ الْأَدْيَنُ عَلَى الْأَعْقَلِ، وَلَا يُنَافِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ، قُدِّمَ مَنْ لَهُ التَّقْدِيمُ، ثُمَّ الْأَعْقَلُ، ثُمَّ الْأَدْيَنُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثُمَّ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي لَهُ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا فِيهِ. وَقِيلَ: أَوْ أَبُوهُ، ثُمَّ مَنْ قُرِعَ مَعَ التَّسَاوِي. وَعَنْهُ: بَلْ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا فِي صَوْتِهِ، وَأَمَانَتِهِ، وَعِلْمِهِ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ ". وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " فَإِنْ تَشَاحَّ اثْنَانِ، قُدِّمَ الْأَدْيَنُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ فِيهِ، ثُمَّ الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي لَهُ، ثُمَّ الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا فِيهِ، ثُمَّ مَنْ قُرِعَ وَعَنْهُ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ ".

وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ " فَإِنْ تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ. قُدِّمَ أَدْيَنُهُمَا، ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا، ثُمَّ أَعْمَرُهُمَا لِلْمَسْجِدِ، وَأَكْثَرُهُمَا مُرَاعَاةً لَهُ، ثُمَّ أَسْبَقُهُمَا تَأْذِينًا فِيهِ، ثُمَّ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ ثُمَّ مَنْ قُرِعَ ". وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ " وَإِنْ تَشَاحَّا فِيهِ اثْنَانِ، قُدِّمَ الْأَفْضَلُ فِيهِ، وَالْأَدْيَنُ الْأَعْقَلُ، الْأَخْبَرُ بِالْوَقْتِ، الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ الْمُرَاعِي لَهُ، الْأَقْدَمُ تَأْذِينًا، ثُمَّ مَنْ قُرِعَ. وَعَنْهُ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ ". وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ " وَأَحَقُّهُمْ بِهِ: أَفْضَلُهُمْ، ثُمَّ أَصْلَحُهُمْ لِلْمَسْجِدِ، ثُمَّ مُخْتَارُ الْجِيرَانِ، ثُمَّ الْقَارِعُ. وَعَنْهُ الْقَارِعُ، ثُمَّ مُخْتَارُ الْجِيرَانِ ". وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ " فَإِنْ تَشَاحُّوا قُدِّمَ أَكْمَلُهُمْ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ وَفَضْلِهِ. فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ مَزِيَّةٌ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ، أَوْ التَّقْدِيمِ بِالْأَذَانِ، وَعَنْهُ يَقُومُ مَنْ يَرْتَضِي الْجِيرَانُ ". وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ " وَإِنْ تَشَاحُّوا قُدِّمَ مَنْ رَضِيَهُ الْجِيرَانُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأُخْرَى يُقَدَّمُ مَنْ تُخْرِجُهُ الْقُرْعَةُ " وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ " وَإِنْ تَشَاحَّا اثْنَانِ فِي الْأَذَانِ: أَذَّنَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ " وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَمَعَ التَّشَاجُرِ: يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الْأَدْيَنُ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ هُوَ، ثُمَّ اخْتِيَارُ الْجِيرَانِ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ. وَعَنْهُ هِيَ قَبْلَهُمْ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَهُ الْقَاضِي: وَعَنْهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا بِمَزِيَّةِ عِمَارَةٍ. وَقِيلَ: أَوْ سَبْقِهِ بِأَذَانٍ " انْتَهَى. وَهِيَ أَحْسَنُ الطُّرُقِ وَأَصَحُّهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْعُقُودِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَالْأَذَانُ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لَا تَرْجِيعَ فِيهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُخْتَارَ مِنْ الْأَذَانِ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ

وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ التَّرْجِيعُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَعَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ إلَى الْيَوْمِ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ قُبَيْلَ الْأَذَانِ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُوصَلُ الْأَذَانُ بِذِكْرٍ قَبْلَهُ، خِلَافَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعَوَامّ الْيَوْمَ. وَلَيْسَ مَوْطِنَ قُرْآنٍ. وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ السَّلَفِ. فَهُوَ مُحْدَثٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ. يَقُولُ فِي آخِرِ دُعَاءِ الْقُنُوتِ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الإسراء: 111] الْآيَةَ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا قَبْلَ الْأَذَانِ. قَوْلُهُ (وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً) . هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَتَثْنِيَتِهَا فَائِدَةٌ: لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، إلَّا لِنَفْسِهِ مَعَ عَجْزِهِ. . قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ، أَوْ ثَنَّى فِي الْإِقَامَةِ، فَلَا بَأْسَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي تَرْجِيعُ الْأَذَانِ. وَعَنْهُ التَّرْجِيعُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. فَائِدَةٌ: " التَّرْجِيعُ ": قَوْلُ الشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا بَعْدَ التَّكْبِيرِ. ثُمَّ يَجْهَرُ بِهِمَا . قَوْلُهُ (وَيَقُولُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لَا نِزَاعَ فِي اسْتِحْبَابِ قَوْلِ ذَلِكَ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَجِبُ ذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ أَذَانِ الْفَجْرِ. وَيُكْرَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ أَيْضًا. وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ نِدَاءِ الْأُمَرَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ " وَنَحْوُهُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْبِدْعَةِ لِفِعْلِهِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرَ الْإِقَامَةَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ: إنَّهُ يَكُونُ فِي حَالِ تَرَسُّلِهِ وَحَدْرِهِ: لَا يَصِلُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مُعْرَبًا، بَلْ جَزْمًا وَإِسْكَانًا. وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّةَ عَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ " شَيْئَانِ مَجْزُومَانِ، كَانُوا لَا يُعْرِبُونَهُمَا: الْأَذَانُ، وَالْإِقَامَةُ " قَالَ: وَقَالَ أَيْضًا " الْأَذَانُ جَزْمٌ " قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَعْنَاهُ: اسْتِحْبَابُ تَقْطِيعِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَقْفِ عَلَى كُلِّ جُمْلَةٍ. فَيَحْصُلُ الْجَزْمُ وَالسُّكُونُ بِالْوَقْفِ، لَا أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْوَقْفِ عَلَى الْجُمْلَةِ يَتْرُكُ إعْرَابَهَا، كَمَا قَالَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ فِي الْأَذَانِ، وَيَحْدُرَ الْإِقَامَةَ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْإِعْرَابِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجْزِمُهُمَا، وَلَا يُعْرِبُهُمَا. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ " وَيُؤَذِّنُ قَائِمًا ". يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا. فَلَوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ قَاعِدًا، أَوْ رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ مَاشِيًا: جَازَ، وَيُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَقَدْ كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَيَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِغَيْرِ الْقَائِمِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا لَا يُعْجِبُنِي وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ بِالْكَرَاهَةِ لِلْمَاشِي، وَبِعَدَمِهَا لِلرَّاكِبِ الْمُسَافِرِ

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا فِي السَّفِينَةِ وَالْمَرَضِ جَالِسًا وَقَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ حَالَ مَشْيِهِ وَرُكُوبِهِ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَلَا يَمْشِي فِيهِمَا، وَلَا يَرْكَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ رَكِبَ كُرِهَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحَانِ لِلْمُسَافِرِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ أَذَّنَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَضَرًا كُرِهَ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ فِي الْحَضَرِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا، أَوْ مَشَى فِيهِ كَثِيرًا بَطَلَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ إنْ مَشَى فِي الْأَذَانِ كَثِيرًا عُرْفًا بَطَلَ وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى عَدَمِ إجْزَاءِ أَذَانِ الْقَاعِدِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ. حَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً: أَنَّهُ يُعِيدُ إنْ أَذَّنَ قَاعِدًا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى نَفْيِ الِاعْتِدَادِ بِهِ. قَوْلُهُ (مُتَطَهِّرًا) . يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ لَهُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. وَلَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى لَهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَصِحُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، لَكِنْ تُكْرَهُ لَهُ الْإِقَامَةُ بِلَا نِزَاعٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يُكْرَهْ الْأَذَانُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْأَذَانُ أَيْضًا. وَهِيَ فِي الْإِقَامَةِ أَشَدُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَيَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَعَنْهُ يُعِيدُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِيضَاحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ فِي إعَادَتِهِ احْتِمَالَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ أَذَانُهُ فِي مَسْجِدٍ. فَإِنْ كَانَ مَعَ جَوَازِ اللُّبْثِ، إمَّا بِوُضُوءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ نَجَسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. صَحَّ. وَمَعَ تَحْرِيمِ اللُّبْثِ، فَهُوَ كَالْأَذَانِ، وَالزَّكَاةِ فِي مَكَان غَصْبٍ. وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ الْمَذْهَبُ

عِنْدَ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ: الصِّحَّةُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: الْبُطْلَانُ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَطَعَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ كَمَكَانِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَلَمْ يَسْتَدِرْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ يُزِيلُ قَدَمَهُ فِي مَنَارَةٍ وَنَحْوِهَا نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ. زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ كِبَرِ الْبَلَدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: يَشْرَعُ إزَالَةَ قَدَمَيْهِ فِي الْمَنَارَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْفُرُوعُ: وَظَاهِرُهُ يُزِيلُ صَدْرَهُ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُحَوِّلُ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ أَذَّنَ فِي صَوْمَعَةٍ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا. وَلَمْ يُحَوِّلْ قَدَمَيْهِ. وَإِنْ أَذَّنَ عَلَى الْأَرْضِ: فَهَلْ يَلْتَفِتُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَرِيبَةٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَقُولُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " فِي الْمَرَّتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ. وَيَقُولُ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " كَذَلِكَ عَنْ يَسَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ يَقُولُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " يَمِينًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا، ثُمَّ يَقُولُ

حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " يَمِينًا، ثُمَّ يُعِيدُهُ يَسَارًا، وَقِيلَ: يَقُولُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَنْ يَسَارِهِ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " مَرَّةً. ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا فِي الْحَيْعَلَةِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي فِيهِ وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) . يَعْنِي السَّبَّابَتَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ عَلَى أُذُنَيْهِ مَبْسُوطَةً مَضْمُومَةً. سِوَى الْإِبْهَامِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهِدَايَةِ: وَلْيَجْعَلْ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً عَلَى أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ قَبْضِهِ عَلَى كَفَّيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ بَطَّةَ. فَقَالَ: سَأَلْت أَبَا الْقَاسِمِ الْخِرَقِيَّ عَنْ صِفَةِ ذَلِكَ؟ فَأَرَانِيهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا. وَضَمَّ أَصَابِعَهُ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَوَضَعَهُمَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْبُلْغَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَخَيَّرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ بَيْنَ وَضْعِ أَصَابِعِهِ وَإِصْبُعَيْهِ. فَائِدَةٌ: يَرْفَعُ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ فِي الْأَذَانِ كُلِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقِيلَ: عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى

وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَرْفَعُ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَالشَّهَادَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَيَتَوَلَّاهُمَا مَعًا) . يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ الْمُؤَذِّنُ وَغَيْرُهُ فِي الْإِقَامَةِ سَوَاءٌ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. وَقِيلَ: تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ لِغَيْرِ الَّذِي أَذَّنَ، وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ: تُكْرَهُ إلَّا أَنْ يُؤَذِّنَ الْمَغْرِبَ بِمَنَارَةٍ. فَلَا تُكْرَهُ الْإِقَامَةُ لِغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ. إذَا تَشَاحَّ فِيهِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ. وَهَلْ تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ؟ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيُقِيمُ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِالْمَنَارَةِ، وَيُقِيمَ أَسْفَلَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ. وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِيَلْحَقَ " آمِينَ " مَعَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا إلَّا بِنِيَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ. فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْضَهُ وَكَمَّلَهُ آخَرُ، لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ رُكْنٌ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاضِرٍ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إذَا كَانَ لِغَيْرِ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ. أَوْ لِجَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ. فَإِنْ شَاءَ رَفَعَ صَوْتَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ بِالْكُلِّ أَوْ بِالْبَعْضِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، بَلْ هُوَ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إنْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ لِلْغَائِبِينَ، أَوْ فِي

الصَّحْرَاءِ. فَزَادَ " فِي الصَّحْرَاءِ " وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ يَقُومُ بِهِ لِجَمَاعَةٍ: رُكْنٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ قَدْرَ طَاقَتِهِ، مَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِنَفْسِهِ. وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ التَّوَسُّطُ [وَلَا بَأْسَ بِالنَّحْنَحَةِ قَبْلَهُمَا نُصَّ عَلَيْهِ] . فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ ذُكُورِيَّتُهُ وَعَقْلُهُ، وَإِسْلَامُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِهِ وَعَدَالَتِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَكَّسَهُ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ، أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ، أَوْ مُحَرَّمٍ: لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) . يَعْنِي لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَذَانِ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ: لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُحَرَّمَ تَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا، وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَبْطَلَ الْأَذَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ يُعْتَدُّ بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ يَسِيرًا، لَمْ يُعْتَدَّ بِالْأَذَانِ. وَأَبْطَلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. [وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَلَا يَقْطَعُهُمَا بِفَصْلٍ كَثِيرٍ. وَلَا كَلَامٍ مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا] وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ. لَا يُبْطِلُهُ، وَيُعْتَدُّ بِالْأَذَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ ارْتَدَّ فِي الْأَذَانِ، أَبْطَلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُبْطِلُهُ إنْ أَعَادَ فِي الْحَالِ، كَجُنُونِهِ وَإِفَاقَتِهِ سَرِيعًا. وَبَالَغَ الْقَاضِي فَأَبْطَلَ الْأَذَانَ

بِالرِّدَّةِ بَعْدَهُ. قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ الْمُبَاحَ، وَالسُّكُوتَ الْيَسِيرَ. يُكْرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. . قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِالْيَسِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَتَكَلَّمُ فِي الْإِقَامَةِ بِحَالٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، إلَّا الْفَجْرُ. فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْأَذَانِ، وَإِجْزَاؤُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَثِيرًا. . قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا قَبْلَ الْوَقْتِ يَسِيرًا. وَنَقَلَ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ، إذَا كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَعْنِي الْكَاذِبَ وَقِيلَ: الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ قَبْلَهَا كَغَيْرِهَا إجْمَاعًا. وَكَالْإِقَامَةِ. . قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ: يَجُوزُ الْأَذَانُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلْفَجْرِ، وَالْجُمُعَةِ قَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ. لِعُمُومِ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدُوسٍ، مَعَ الْفَجْرِ: الصَّلَاةَ الْمَجْمُوعَةَ. قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ صَارَا وَقْتًا وَاحِدًا. وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ خَاصَّةً بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَعَنْهُ لَا. إلَّا أَنْ يُعَاوِدَ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ، وَأَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ عَادَةً. لِئَلَّا يَضُرَّ النَّاسَ. وَفِي الْكَافِي: مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ يُكْرَهَ الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَغْنَى، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُعِدْهُ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً. فَإِنْ كَانَ عَادَةً لَمْ يُكْرَهْ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ. وَهِيَ ظَاهِرُ إدْرَاكِ الْغَايَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجُوزُ فِيهِ لِفَجْرِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَبْلَهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ. إلَّا أَنْ يُعَادَ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ . قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جَلْسَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يُقِيمَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي أَنَّ الْجَلْسَةَ تَكُونُ خَفِيفَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَجْلِسُ بِقَدْرِ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قَالَ أَحْمَدُ: يَقْعُدُ الرَّجُلُ مِقْدَارَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ وُضُوءٍ وَرَكْعَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا. . قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: يَجْلِسُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةٍ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا وَفِي الْمَغْرِبِ يَجْلِسُهُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَجْلِسُ فِي الْمَغْرِبِ وَمَا يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا بِقَدْرِ

حَاجَتِهِ وَوُضُوئِهِ. وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بِقَدْرِ وُضُوءٍ وَرَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ الْوُضُوءِ، وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبُ. فَإِنَّهُ يَجْلِسُ جَلْسَةً خَفِيفَةً، وَاسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ، وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: تُبَاحُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَرْكَعُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ شَيْئًا. وَعَنْهُ يُسَنُّ فِعْلُهُمَا جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُكْرَهُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ " وَقَالَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ: أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى. ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا) وَهِيَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. بَلْ لَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ تُجْزِئُ إقَامَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ. وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يَجْمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، فَيُؤَذِّنَ لَهَا أَيْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ جَمَعَ فِي وَقْتٍ لِلْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، أَوْ قَضَى فَرَائِضَ: أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَقَامَ. قَالَ فِي النُّكَتِ فِي الْجَمْعِ: إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ

الثَّانِيَةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهَا، صَلَّاهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ كَالْفَائِتَيْنِ إذَا فَرَّقَهُمَا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَجَمَاعَةٌ لَمْ يُفَرِّقُوا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ. فَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَقَامَ، وَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِلْأُولَى خَاصَّةً، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا قَضَى فَوَائِتَ أَوْ جَمَعَ، فَإِنْ شَاءَ أَذَّنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَقَامَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَوْ دَخَلَ مَسْجِدًا، قَدْ صَلَّى فِيهِ: خُيِّرَ، إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَحَوَاشِي الْمُحَرَّرِ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ. لِلْبَالِغِينَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ قَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ أَذَانُ الْمُرَاهِقِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي الْمُرَاهِقِ. فَائِدَةٌ: عَلَّلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ الصِّحَّةِ: بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَفِعْلُ الصَّبِيِّ نَفْلٌ. وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا: بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَخَرَّجُ فِي أَذَانِهِ رِوَايَتَانِ. كَشَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ. وَقَالَ: أَمَّا صِحَّةُ أَذَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَوْنُهُ جَائِزًا إذَا أَذَّنَ غَيْرُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. وَمِنْ

الْأَصْحَابِ مَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَذَانَ الَّذِي يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَيُعْتَمَدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَهُ صَبِيٌّ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ. وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي مَوَاقِيتِ الْعِبَادَاتِ. وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً فِي مِثْلِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الْمِصْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَهَذَا فِيهِ الرِّوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْفَاسِقِ وَالْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَمَّا أَذَانُ الْفَاسِقِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْفُصُولِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ تَقِيًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَدُّ بِهِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ بَالِغٍ وَفَاسِقٍ عَلَى الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ: حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ. وَغَيْرُهُمْ. وَحَكَاهُ رِوَايَتَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا الْأَذَانُ الْمُلَحَّنُ، إذَا لَمْ يُحِلْ الْمَعْنَى: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ.

أَحَدُهُمَا: يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَقَاءِ الْمَعْنَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالشَّرْحِ: وَشَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ الْمَلْحُونِ حُكْمُ الْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي إجْزَاءِ الْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ وَقِيلَ: وَالْمَلْحُونِ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ صِحَّتُهُ. لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ. قَالَ: فَيُتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا بَقَاءُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَنْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ، إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّامِعُ فِي الْحَيْعَلَةِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " فَقَطْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّارِحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. حَكَاهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمَا: يَقُولُ كَمَا يَقُولُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا

يَقُولُ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْعَلَ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ حَوْقَلَ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ إجَابَتُهُ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ " وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ " الْمُؤَذِّنُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. فَيُجِيبُ نَفْسَهُ خُفْيَةً. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ " وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ " مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ. وَقِيلَ: لَا يُجِيبُ نَفْسَهُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَحُكِيَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: هَذَا الْأَرْجَحُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: إجَابَةُ مُؤَذِّنٍ ثَانٍ وَثَالِثٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ: حَيْثُ يُسْتَحَبُّ، يَعْنِي الْأَذَانَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْأَذَانُ مَشْرُوعًا. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْقَارِئَ، وَالطَّائِفَ، وَالْمَرْأَةَ: يُجِيبُونَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَأَمَّا الْمُصَلِّي إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ: فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا بَلْ يَقْضِيَهُ إذَا سَلَّمَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَهُ، وَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ. انْتَهَى. فَإِنْ أَجَابَهُ فِيهَا بَطَلَتْ بِالْحَيْعَلَةِ فَقَطْ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ. فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا وَقَالَ: وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْحَيْعَلَةِ أَيْضًا. إنْ نَوَى الْأَذَانَ، لَا إنْ نَوَى الذِّكْرَ. وَأَمَّا الْمُتَخَلِّي: فَلَا يُجِيبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ إذَا خَرَجَ أَجَابَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجِيبُهُ فِي الْخَلَاءِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ.

الرَّابِعُ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِهِ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " " أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا " زَادَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ " مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " وَقِيلَ: يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ " أَقَامَهَا اللَّهُ " وَبَيْنَ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ". الْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّثْوِيبِ " صَدَقْت وَبَرَرْت " فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يَقُولُ " صَدَقْت وَبِالْحَقِّ نَطَقْت ". السَّادِسُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ " لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ. فَلَا يَقُلْهُمَا. وَقَدْ حَكَى لِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ مَرَّ بِهِ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ فِيهَا " الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْمُؤَذِّنُ قَدْ شَرَعَ فِي الْأَذَانِ: لَمْ يَأْتِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا بِغَيْرِهَا حَتَّى يَفْرُغَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: غَيْرُ أَذَانِ الْخُطْبَةِ، لِأَنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَهَمُّ اخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَهُوَ يَسْمَعُ التَّأْذِينَ. فَهَلْ يُقَدِّمُ إجَابَتَهُ عَلَى التَّحِيَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ «وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ» بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. هَكَذَا وَرَدَ فِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِمَا، وَتَابَعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَمَاعَةً وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُمَا إلَّا مُنْكِرِينَ. فَيَقُولُ: " وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا " مُوَافَقَةً لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَرَدُّ ابْنِ الْقَيِّمِ الْأَوَّلُ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ بِلَا عُذْرٍ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَكَرِهَهُ أَبُو الْوَفَا، وَأَبُو الْمَعَالِي. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يَخْرُجُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ. فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ نُصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. الثَّانِيَةُ: لَا يُؤَذَّنُ قَبْلَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ، إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ وَقْتِ التَّأْذِينِ كَالْإِمَامِ وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِتَحْرِيمِهِ. وَمَتَى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ الرَّاتِبُ، وَقَدْ أَذَّنَ قَبْلَهُ: اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهُ نُصَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَا يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. لِأَنَّ وَقْتَ الْإِقَامَةِ إلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَالَ الْأَذَانِ. الرَّابِعَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنَادِي لِلْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدِ بِقَوْلِهِ " الصَّلَاةَ جَامِعَةً " أَوْ " الصَّلَاةُ " وَقِيلَ: لَا يُنَادِي لَهُنَّ. وَقِيلَ: لَا يُنَادِي لِلْعِيدِ فَقَطْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُنَادِي لِلْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا،. وَيَأْتِي هَلْ النِّدَاءُ لِلْكُسُوفِ سُنَّةٌ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي بَابِهِ؟ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَصْبُ " الصَّلَاةِ " عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَنَصْبُ " جَامِعَةٍ " عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَرْفَعُهُمَا. وَيَنْصِبُهُمَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُنَادِي عَلَى الْجِنَازَةِ وَالتَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يُنَادِي لَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يُنَادِي لِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي أَبْوَابِهِ

باب شروط الصلاة

[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوَّلُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ. لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ. وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ. وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ. وَهِيَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ. إذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ: الْخِطَابُ. وَكَذَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنْ مِنْ السَّبَبِ وَقْتِيٌّ كَالزَّوَالِ لِلظُّهْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ النِّيَّةِ، عَنْ النِّيَّةِ: هِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ وَلَا تَكُونُ شَرْطًا سَادِسًا إلَّا بِكَوْنِ دُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطًا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَمَّاهُ سَبَبًا. وَحَكَمَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ. قُلْت: السَّبَبُ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ يَنْفَكُّ عَنْهُ. فَهُوَ هُنَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ. فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَجَمِيعُهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ، دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْوَقْتَ. فَإِنَّ دُخُولَهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ جَمِيعًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْجَمِيعِ. انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ: فَإِذَا دَخَلَ وَجَبَتْ. وَإِذَا وَجَبَتْ وَجَبَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهَا. كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ. الظُّهْرُ. وَهِيَ الْأُولَى) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأُولَى. لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْخَمْسِ افْتِرَاضًا. وَبِهَا بَدَأَ جِبْرِيلُ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْبَيْتِ. وَبَدَأَ بِهَا الصَّحَابَةُ حِينَ سُئِلُوا عَنْ الْأَوْقَاتِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَبَدَأَ فِي الْإِرْشَادِ وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ. وَالْمُبْهِجِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: بِالْفَجْرِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: بَدَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَالْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَغَيْرِهِمَا بِالظُّهْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ

بَدَأَ بِالْفَجْرِ كَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قَالَ: وَهَذَا أَجْوَدُ. لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوُسْطَى إذَا كَانَتْ الْفَجْرُ الْأُولَى. انْتَهَى. وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْفَجْرِ لِبُدَاءَتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِهَا لِلسَّائِلِ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْأَوَّلِ. وَنَاسِخٌ لِبَعْضِهِ. وَبَدَأَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ بِالْفَجْرِ. ثُمَّ ثَنَّيَا بِالظُّهْرِ. وَقَالَا هِيَ الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْغَيْمُ وَشِدَّةُ الْحَرِّ: اُسْتُحِبَّ تَعْجِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فَقَطْ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَرَجَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْفَخْرِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقُ، وَشَرَطَ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ مَعَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ كَوْنَهُ فِي بَلَدٍ حَارٍّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، اشْتَرَطَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ. انْتَهَى. وَشَرَطَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ كَوْنَهُ فِي مَسَاجِدِ الدُّرُوبِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اُخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ بِالْإِبْرَادِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حُصُولُ الْخُشُوعِ فِيهَا. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ خَشْيَةُ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَشْيِهِ فِي الْحَرِّ. فَتَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُقْصَدُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ وَقْتُ تَنَفُّسِ جَهَنَّمَ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ: انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُؤَخِّرُ لِيَمْشِيَ فِي الْفَيْءِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُؤَخِّرُ حَتَّى يَنْكَسِرَ الْحَرُّ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: حَتَّى يَنْكَسِرَ الْفَيْءُ، ذِرَاعًا وَنَحْوَهُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَضْلٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا مَعَ الْغَيْمِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَنَصَرُوهُ. وَعَنْهُ لَا يُؤَخِّرُ مَعَ الْغَيْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَجَمَاعَةٍ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِذَلِكَ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فِي الْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ وَحْدَهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يُؤَخِّرُ

إلَى قَرِيبٍ مِنْ وَسَطِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي: تُؤَخَّرُ لِقُرْبِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْغَيْمِ: الْجُمُعَةُ. فَإِنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مُطْلَقًا. . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ مَعَ الْغَيْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَجَمَاعَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الْأُولَى لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَالْأَثْرَمِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فِي الْغَيْمِ حُكْمُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي الْغَيْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (عَنْ الْعَصْرِ وَهِيَ الْوُسْطَى) هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُ. وَلَا عَنْهُمْ فِيهَا خِلَافًا. قُلْت: وَذَكَرَ الْحَافِظُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حُجْرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِيهَا عِشْرِينَ قَوْلًا. وَذَكَرَ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَدَلِيلَهُ. فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا مُلَخَّصَةً. فَنَقُولُ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، الْمَغْرِبِ، الْعِشَاءِ، الْفَجْرِ، الظُّهْرِ جَمِيعًا بِهَا، وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، التَّوَقُّفُ، الْجُمُعَةُ، الظُّهْرُ فِي الْأَيَّامِ، وَالْجُمُعَةُ فِي غَيْرِهَا، الصُّبْحُ، أَوْ الْعِشَاءُ، الصُّبْحُ، أَوْ الْعَصْرُ، الصُّبْحُ، أَوْ الْعَصْرُ عَلَى التَّرْدِيد، وَهُوَ غَيْرُ الَّذِي قَبْلَهُ. صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ. صَلَاةُ الْخَوْفِ، صَلَاةُ عِيدِ النَّحْرِ، صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ. صَلَاةُ الْوِتْرُ، صَلَاةُ الضُّحَى، صَلَاةُ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ

الْعَصْرِ يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ. وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عَنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: وَعَنْ أَحْمَدَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَبَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. قَوْلُهُ (إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَهِيَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَعَنْهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ النِّهَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. قَوْلُهُ (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) يَعْنِي إنْ قُلْنَا: وَقْتُ الِاخْتِيَارِ: إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَمَا بَعْدَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ. وَإِنْ قُلْنَا: إلَى مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. فَكَذَلِكَ. فَلَهَا وَقْتَانِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازِ الِاصْفِرَارِ. وَبَعْدَهُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ إلَى الْغُرُوبِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: هُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ الْجَوَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا

بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ، مَعَ الْكَرَاهَةِ. فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي. مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، بَلْ قَالَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَالْجَوَازِ. انْتَهَى. وَنَقُولُ: هُوَ وَقْتُ جَوَازٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَعْذُورِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ: أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مَعَ الْغَيْمِ، دُونَ الصَّحْوِ. نَقَلَهَا صَالِحٌ. . قَالَهُ الْقَاضِي. وَلَفْظُ رِوَايَةِ صَالِحٍ " يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إلَيَّ. آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ " فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا إلَّا مَعَ الصَّحْوِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَقِيلَ: عَنْهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا مَعَ الصَّحْوِ. قَوْلُهُ عَنْ الْمَغْرِبِ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ فِي الْحَضَرِ، وَالْأَحْمَرِ فِي غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: تُعْتَبَرُ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ، لِدَلَالَتِهَا عَلَى غَيْبُوبَةِ الْأَحْمَرِ لَا لِنَفْسِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ، فَهَلْ يَدْخُلُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَعَ بَقَاءِ الْحُمْرَةِ، أَوْ حَتَّى يَذْهَبَ ذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَةٌ: لِلْمَغْرِبِ وَقْتَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ. وَقَالَ: مَنْ أَخَّرَ حَتَّى يَبْدُوَ النَّجْمُ فَقَدْ أَخْطَأَ.

قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ، لِمَنْ قَصَدَهَا) يَعْنِي لِمَنْ قَصَدَهَا مُحْرِمًا. وَهَذَا إجْمَاعٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لَوْ دُفِعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَحَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ وَقْتَ الْغُرُوبِ: أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا. وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا. قَالَ: كَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا فِي الْغَيْمِ كَالظُّهْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَكُونُ تَأْخِيرُهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ. . قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. وَاقْتُصِرَ فِي الْفُصُولِ عَلَى قَوْلِهِ: وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا بِمِنًى، يُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ نُسُكٌ وَفَضِيلَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَوْلُهُ " إلَّا بِمِنًى " هُوَ فِي الْفُصُولِ وَصَوَابُهُ " إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ ". الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: يُكْرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ كَثُرَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ كُرِهَ. وَإِلَّا فَلَا وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ تَسْمِيَتُهَا بِالْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ عَنْ الْعِشَاءِ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَعْنِي وَقْتُ الِاخْتِيَارِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ. انْتَهَى. وَعَنْهُ نِصْفُهُ جَزَمَ بِهِ

فِي الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. كَمَا قَالَ فِي الْعَصْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَنَّ الْأَدَاءَ بَاقٍ وَتَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ فِي كَلَامِهِ. وَوَافَقَ الْكَافِيَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبُ، وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ. فَقَالُوا: وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَخْرُجُ الْوَقْتُ مُطْلَقًا بِخُرُوجِ وَقْت الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجِيزِ لِلْعِشَاءِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْضِهَا إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْعَصْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ

بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ". قَوْلُهُ (وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ يُشَقَّ) اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَقَّ التَّأْخِيرُ عَلَى جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ كُرِهَ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ شَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ كُرِهَ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا، أَوْ يُرَاعَى حَالُ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَ الْأَشَقِّ عَلَيْهِمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَحَكَوْا الْخِلَافَ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ: يُسَنُّ تَأْخِيرُهَا. وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِينَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ: اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: إذَا أُخِّرَ الْمَغْرِبُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ أَوْ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ. . قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا مَعَ الْغَيْمِ نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَعَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ مَعَهُ، وَالْخُرُوجِ إلَيْهَا. فَوَائِدُ يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ شَغْلٍ أَوْ شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَالْأَصَحُّ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ الْأَهْلِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُكْرَهُ لِمُسَافِرٍ وَلِمُصَلٍّ بَعْدَهَا. وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَا تَسْمِيَةُ الْفَجْرِ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْأَخِيرَةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْأُولَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: الْأَشْهَرُ عَنْهُ: إنَّمَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهَا الِاسْمُ، وَأَنَّ مِثْلَهَا فِي الْخِلَافِ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ.

قَوْلُهُ عَنْ الْفَجْرِ (وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. فَعَلَى هَذَا: يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَعَنْهُ إنْ أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ فَالْأَفْضَلُ: الْإِسْفَارُ. وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْمَأْمُومِينَ وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهَا بَعْضُهُمْ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا الْحَاجُّ بِمُزْدَلِفَةَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ وِفَاقٌ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَرْفَقُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ الْإِسْفَارَ مَعَ حُضُورِهِمْ، أَوْ حُضُورِ بَعْضِهِمْ. أَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْجِيرَانُ كُلُّهُمْ، فَالْأَوْلَى هُنَا: التَّأْخِيرُ بِلَا خِلَافٍ، عَلَى مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، بَلْ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ. كَمَا فِي الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ: لَهَا وَقْتَيْنِ، وَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَهُوَ إلَى الْإِسْفَارِ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ اخْتِيَارِ الْأَوْلَى فِي اخْتِصَامِ الْمَلَاءِ الْأَعْلَى: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَقَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ مُفْرِطٍ. إنَّمَا الْإِسْفَارُ: أَنْ يَنْتَشِرَ الضَّوْءُ عَلَى الْأَرْضِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ، فَيَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ، إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْمَجْدِ: قَدْرُ الطَّهَارَةِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ قَوْلًا يَتَطَهَّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا: فَقَدْ أَدْرَكَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَوْ كَانَ آخِرَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ جَمْعَهُمَا. وَعَنْهُ لَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبْدُوسٍ تِلْمِيذِ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مُقْتَضَى قَوْلِهِ " فَقَدْ أَدْرَكَهَا " بِنَاءُ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَنْ الْوَقْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ الْأَدَاءَ فِي الْوَقْتِ، وَوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ. . قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَابِعُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ الْآتِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: جَمِيعُ الصَّلَاةِ الَّتِي قَدْ أَدْرَكَ بَعْضَهَا فِي وَقْتِهَا أَدَاءٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: تَكُونُ جَمِيعُهَا أَدَاءً فِي الْمَعْذُورِ. دُونَ غَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ ابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ. وَقِيلَ: قَضَاءٌ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: الْخَارِجُ عَنْ الْوَقْتِ قَضَاءٌ. وَاَلَّذِي فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: الْجُمُعَةُ. فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَعَنْهُ تُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، لَكِنَّ عُمُومَ كَلَامِهِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا قَالَهُ هُنَاكَ، وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ شَكَّ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ) فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ صَلَّى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ. . قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا احْتِيَاطًا، إلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ، أَوْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْغَيْمِ. فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إذَا تَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مُشَاهَدَةُ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرٌ عَنْ يَقِينٍ: قَبِلَ قَوْلَهُ) . يَعْنِي إذَا كَانَ يَثِقُ بِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ سَمِعَ أَذَانَ ثِقَةٍ عَارِفٍ يَثِقُ بِهِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي نِهَايَتِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ: يَعْمَلُ بِالْأَذَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَا يَعْمَلُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى يَعْلَمَ إسْلَامَ الْمُؤَذِّنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ،

مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، كَمَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ، خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ لَمْ يُقْبَلْ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عَمِلَ بِقَوْلِهِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي عَلِيٍّ الْعُكْبَرِيِّ، وَأَبِي الْمَعَالِي، وَابْنِ حَمْدَانَ، وَغَيْرِهِمَا لَا يُقْبَلُ أَذَانٌ فِي غَيْمٍ. لِأَنَّهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَيَجْتَهِدُ هُوَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ يُعْرَفُ الْوَقْتُ بِالسَّاعَاتِ، أَوْ تَقْلِيدِ عَارِفٍ: عَمِلَ بِهِ وَجَزَمَ بِهَذَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ، مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَخِلَافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ: الْأَعْمَى الْعَاجِزُ يُقَلِّدُ. فَإِنْ عَدِمَ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَصَلَّى أَعَادَ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَرَتَّبُ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَلَوْ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ. وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَلِهَذَا قِيلَ: يُخَيَّرُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَهُ الْأَدَاءُ. اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ إلَّا إنْ تَضَايَقَ الْوَقْتُ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُوجَدُ الْمَانِعُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) يَعْنِي: إذَا طَرَأَ عَدَمُ التَّكْلِيفِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا تَارَةً تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا، وَتَارَةً لَا تُجْمَعُ. فَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا: وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِشَرْطِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ تُجْمَعُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا فَقَطْ. وَلَوْ خَلَا جَمِيعُ وَقْتِ الْأُولَى مِنْ الْمَانِعِ، وَسَوَاءٌ فَعَلَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِيهِ، وَفِي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَجْمُوعَةِ إلَيْهَا. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ: لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: لَزِمَهُمْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ) . يَعْنِي إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْوَقْتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بِقَدْرِ جُزْءٍ مَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ. قَالَ: وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِرَكْعَةٍ. فَيَكُونُ فَائِدَةَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخِلَافَ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ أَوْ تَكْلِيفٌ: هَلْ يُعْتَبَرُ بِتَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ وَاخْتَارَ بِرَكْعَةٍ فِي التَّكْلِيفِ. انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَإِنَّهُ إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ لَا تُجْمَعُ. لَزِمَتْهُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا إلَيْهَا، لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا إذَا تَابَ لَا يَشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا. وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، بَلْ يُكْثِرُ مِنْ التَّطَوُّعِ. وَكَذَا الصَّوْمُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا. مِنْهُمْ الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ، وَابْنُ بَطَّةَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا. فَإِنْ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْفَوْرِيَّةُ نُصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (مُرَتَّبًا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ: كَانَ أَحْمَدُ لِشِدَّةِ وَرَعِهِ يَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَإِلَّا فَأَجَابَ سِنِينَ عَدِيدَةً بِبَقَاءِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَائِتَةٍ فِي الذِّمَّةِ: لَا يَكَادُ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ. قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَعْيَانِ شُيُوخِنَا الْحَنْبَلِيِّينَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ، وَسَأَلَهُ عَمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَيُّهَا أَرْجَحُ؟ قَالَ: فَفَهِمْت مِنْهُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى رُجْحَانِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ. وَلَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ. وَلَهُ نَظَائِرُ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَثُرَتْ الْفَرَائِضُ الْفَوَائِتُ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ سُنَنِهَا. . قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ سُنَّةَ الْفَجْرِ. وَقَالَ: لَا يُهْمِلُهَا. وَقَالَ فِي الْوِتْرِ: إنْ شَاءَ قَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَلَا. وَنَقَلَ مَهَنَّا: يَقْضِي سُنَّةَ

الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ. قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ عِنْدَهُ دُونَهَا. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَقْضِي السُّنَنَ. قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ مُهَنَّا الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهِ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ كَمَا يَقْضِي غَيْرَهُ مِنْ الرَّوَاتِبِ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ فِي رِوَايَةٍ خَاصَّةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَتَطَوَّعُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مُتَقَدِّمَةٌ إلَّا الْوِتْرَ. فَإِنَّهُ يُوتِرُ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفِي بَقِيَّةِ الرَّوَاتِبِ مِنْ النَّوَافِلِ: رِوَايَتَانِ. نَصٌّ عَلَى الْوِتْرِ لَا يَقْضِي. وَعَنْهُ يَقْضِي انْتَهَى. وَأَمَّا انْعِقَادُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، لِتَحْرِيمِهِ إذَنْ كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ. . قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَأَنَّ عَلَى الْمَنْعِ لَا يَصِحُّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَكَذَا يَتَخَرَّجُ فِي النَّفْلِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، أَوْ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْفَوَاتِ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ " قَوْلُهُ (فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ) . سَقَطَ وُجُوبُهُ. يَعْنِي وُجُوبَ التَّرْتِيبِ. فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَفْعَلُهَا فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهَا. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَفْصٍ. قَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلًا قَدِيمًا أَوْ غَلَطًا. وَعَنْهُ يَسْقُطُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ عَنْ قَضَاءِ كُلِّ الْفَوَائِتِ، فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ. وَعَنْهُ يَسْقُطُ بِخَشْيَةِ فَوَاتِ الْجَمَاعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِكَوْنِهَا جُمُعَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ السُّقُوطِ، ثُمَّ يَقْضِيهَا ظُهْرًا. وَفِيهِ وَجْهٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُ

الْجُمُعَةِ إذَا قُلْنَا لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ: وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ لِخَوْفِ فَوْتِهَا. وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَاتَتْهُ نُصَّ عَلَيْهِ . فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَاضِرَةِ، مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. الثَّانِيَةُ: لَا تَنْعَقِدُ النَّافِلَةُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الْحَاضِرَةِ، إذَا فَعَلَهَا عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْمَجْدِ. وَهُوَ أَعَمُّ. الثَّالِثَةُ: خَشْيَةُ خُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَخَشْيَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِذَا خَشِيَ الِاصْفِرَارَ صَلَّى الْحَاضِرَةَ. . قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ: سَقَطَ وُجُوبُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. حَتَّى قَالَ الْقَاضِي: إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ سَقَطَ وُجُوبُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ. فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَلَطًا أَوْ قَوْلًا قَدِيمًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. فَقَالَ: هُوَ كَالنَّاسِي لِلتَّرْتِيبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ذَكَرَ فَائِتَةً، وَقَدْ أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ. فَتَارَةً يَكُونُ إمَامًا، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ، وَيُتِمُّهَا نَفْلًا، إمَّا رَكْعَتَيْنِ وَإِمَّا أَرْبَعًا. وَعَنْهُ يُتِمُّهَا الْمَأْمُومُ دُونَ الْمُنْفَرِدِ. وَعَنْهُ عَكْسُهَا. حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ يُتِمُّهَا فَرْضًا

اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ تَبْطُلُ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَوَهِمَهُ الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ ذِكْرُ الْفَائِتَةِ فِي الْحَاضِرَةِ: يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ عَنْ الْمَأْمُومِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَقْطَعُهُمَا. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمْ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ. فَعَلَى هَذَا: إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْفَرْضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ: أَتَمَّهَا كَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فَرْضًا. وَعَنْهُ تَبْطُلُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَ عَيْنَهَا، صَلَّى خَمْسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نُصَّ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ. وَعَنْهُ يُصَلِّي فَجْرًا، ثُمَّ مَغْرِبًا، ثُمَّ رُبَاعِيَّةً. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَخَرَّجُ إيقَاعُ وَاحِدَةٍ بِالِاجْتِهَادِ، أَخْذًا مِنْ الْقِبْلَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ: تَحَرَّى فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا، ثُمَّ عَصْرًا، ثُمَّ ظُهْرًا. قَالَ وَقِيلَ: عَصْرًا، ثُمَّ ظُهْرًا، ثُمَّ عَصْرًا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: لَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَقْوَ عِنْدَهُ شَيْءٌ: بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرًا، أَوْ عَكْسَهُ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ أَوْ لَا. فَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ: ظُهْرٌ، ثُمَّ عَصْرٌ، ثُمَّ ظُهْرٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ. أَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ الظُّهْرَ وَصَلَاةً أُخْرَى لَا يَعْلَمُ: هَلْ هِيَ الْمَغْرِبُ

باب ستر العورة

أَوْ الْفَجْرُ؟ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ، ثُمَّ الظُّهْرَ، ثُمَّ الْمَغْرِبَ. وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ. لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا قَبْلَهَا. الرَّابِعَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ. ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِنْ إحْدَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا: لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاتَيْنِ. وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ لِلثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا، وَقُلْنَا: لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ: لَزِمَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِلْأُولَى خَاصَّةً. لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. [بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَسَتْرُهَا عَنْ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَاجِبٌ) . فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ كَشْفَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ: تَارَةً يَكُونُ فِي خَلْوَةٍ وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ زَوْجَتِهِ، أَوْ سُرِّيَّتِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ غَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِمَا: حَرُمَ كَشْفُهَا. وَوَجَبَ سَتْرُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، كَالتَّدَاوِي وَالْخِتَانِ، وَمَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْعَيْبِ، وَالْوِلَادَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي خَلْوَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَالتَّخَلِّي وَنَحْوِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ: أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا هُنَاكَ. وَعَنْهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ.

فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ حَمَّامٍ أَوْ يَحْضُرُهُ مَلَكٌ، أَوْ جِنِّيٌّ، أَوْ حَيَوَانٌ بَهِيمٌ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ. فَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ، وَلَمْ يَزُرَّهُ وَلَا شَدَّ وَسَطَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَرَى عَوْرَتَهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ غَيْرِهِ فِي مَنْعِ الْإِجْزَاءِ نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ سَتْرُهَا مِنْ أَسْفَلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاعْتَبَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي إنْ تَيَسَّرَ النَّظَرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: فَلَوْ صَلَّى عَلَى حَائِطٍ، فَرَأَى عَوْرَتَهُ مِنْ تَحْتٍ. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. انْتَهَى. وَيَكْفِي فِي سَتْرِهَا نَبَاتٌ وَنَحْوُهُ، كَالْحَشِيشِ وَالْوَرَقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الْحَشِيشُ مَعَ وُجُودِ ثَوْبٍ. وَيَكْفِي مُتَّصِلٌ بِهِ، كَيَدِهِ وَلِحْيَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ لَا يَكْفِي. وَهِيَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ. وَقَدْ تَرَدَّدَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ فِي السَّتْرِ بِلِحْيَتِهِ فَجَزَمَ تَارَةً بِأَنَّ السَّتْرَ بِالْمُتَّصِلِ لَيْسَ بِسَتْرٍ فِي الصَّلَاةِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ. وَرَجَعَ إلَى أَنَّهُ سَتْرٌ فِي الصَّلَاةِ. انْتَهَى. وَلَا يَلْزَمُهُ لُبْسُ بَارِيَةٍ وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَضُرُّهُ. وَلَا ضَفِيرَةٍ. وَلَا يَلْزَمُ سَتْرُهَا بِالطِّينِ وَلَا بِالْمَاءِ الْكَدِرِ جُزِمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي الْمَاءِ وَقَدَّمَهُ فِي الطِّينِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ بِالطِّينِ لَا بِالْمَاءِ الْكَدِرِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي: أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَيِّنَ بِهِ عَوْرَتَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ لُزُومِ الِاسْتِتَارِ بِالطِّينِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِالْمَاءِ. وَأَطْلَقَ فِي الطِّينِ الْوَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ سَتْرِهَا بِالطِّينِ: لَوْ صَلَّى بِهِ، ثُمَّ تَنَاثَرَ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ: يَلْزَمُهُ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ " أَنَّهُ إذَا كَانَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ مِنْ وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ. فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ: لَمْ يَضُرَّ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا تُغَطِّي خُفَّهَا لِأَنَّهُ يَصِفُ قَدَمَهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ. قَوْلُهُ " وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ. وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا الْفَرْجَانِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: هِيَ أَظْهَرُ. وَإِلَيْهَا مَيْلُ صَاحِبِ النَّظْمِ أَيْضًا فِيهِ. وَأَمَّا عَوْرَةُ الْأَمَةِ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْهَادِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالشِّيرَازِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ عَوْرَتُهَا: مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ

ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَأَمَةٌ مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، عَلَى الْأَظْهَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: مَا عَدَا رَأْسَهَا وَيَدَيْهَا إلَى مِرْفَقَيْهَا وَرِجْلَيْهَا إلَى رُكْبَتَيْهَا فَهُوَ عَوْرَةٌ. قَالَ الْآمِدِيُّ: عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا خَلَا الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ، وَالْقَدَمَيْنِ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْأَمَةُ الْبَرْزَةُ كَالرَّجُلِ، بِخِلَافِ الْخَفْرَةِ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَالْأَمَةُ الْبَرْزَةُ كَالرَّجُلِ. وَالْخَفْرَةُ مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَا عَدَا رَأْسَهَا عَوْرَةٌ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لَا قَائِلَ بِهِ، غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَهُ. وَعَنْهُ عَوْرَةُ الْأَمَةِ: الْفَرْجَانِ كَالرَّجُلِ. ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْأَمَةِ عَوْرَةٌ. قَالَ: وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ عَوْرَتَهَا السَّوْأَتَانِ فَقَطْ كَالرِّوَايَةِ فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ. قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ عَلَى الْمَذْهَبِ خُصُوصًا. وَعَلَى الشَّرِيعَةِ عُمُومًا. وَكَلَامُ أَحْمَدَ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ حَكَى جَدُّهُ وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْأَمَةِ عَوْرَةً إجْمَاعًا، وَرَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا عَتَقَتْ فِي الصَّلَاةِ قَرِيبًا . فَائِدَةٌ: قِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَةِ سَتْرُ رَأْسِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَقَدْ بَالَغَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَقَالَ: لَوْ صَلَّتْ مُغَطَّاةُ الرَّأْسِ لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ رَأْسِ أُمِّ الْوَلَدِ. إنْ قُلْنَا هِيَ كَرَجُلٍ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ " عَدَمُ دُخُولِهِمَا فِي الْعَوْرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ هُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ الرُّكْبَةُ فَقَطْ مِنْ الْعَوْرَةِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ " أَنَّ عَوْرَةَ مَنْ هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ مِنْ الذُّكُورِ، مُخَالِفٌ لِعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إلَّا أَبَا الْمَعَالِي ابْنَ الْمُنَجَّا. فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّغِيرُ بَعْدَ الْعَشْرِ كَالْبَالِغِ. وَمِنْ السَّبْعِ إلَى الْعَشْرِ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ " أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ. قَالَا: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصَّغِيرِ مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَبِيرِ، إلَّا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَعَلَّلَاهُ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ " أَنَّ عَوْرَةَ الْخُنْثَى مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَتِهِ فِي الْحُكْمِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ " أَنَّ الْخُنْثَى مُخَالِفٌ لَهَا فِي الْحُكْمِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّ عَوْرَتَهُ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ فِي النَّظَرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَوْرَتُهُ كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قُلْت: وَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْوَطُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا قُلْنَا " الْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ " سَتَرَ الْخُنْثَى فَرْجَهُ، وَذَكَرَهُ وَدُبُرَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَحْتَاطُ فَيَسْتُرُ كَالْمَرْأَةِ.

قَوْلُهُ (وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ، حَتَّى ظُفْرُهَا وَشَعْرُهَا، إلَّا الْوَجْهَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا. وَعَنْهُ الْوَجْهُ عَوْرَةٌ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ جَمِيعَهَا عَوْرَةٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا الْوَجْهَ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَجْهُ عَوْرَةٌ. وَإِنَّمَا كُشِفَ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ عَوْرَةٌ فِي بَابِ النَّظَرِ، إذَا لَمْ يَجُزْ النَّظَرُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ لَهُ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: هُمَا عَوْرَةٌ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَفِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِيضَاحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ جُزِمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، عَوْرَةٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فِي الْخِمَارِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: قَدْ يُقَالُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ " الْمُمَيِّزَةَ وَالْمُرَاهِقَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَاهِقَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيهَا. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَالْبَالِغَةِ فِي عَوْرَةِ الصَّلَاةِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: أَنَّ الْمُرَاهِقَةَ كَالْأَمَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمُرَاهِقَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَمُمَيِّزَةٌ كَأَمَةٍ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، فِي شَعْرٍ وَسَاقٍ وَسَاعِدٍ: لَا يَجِبُ سَتْرُهُ حَتَّى تَحِيضَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: الْمُمَيِّزَةُ كَالْأَمَةِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ بَعْدَ تِسْعٍ كَبَالِغٍ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْأَصْحَابِ إلَّا فِي كَشْفِ الرَّأْسِ، وَقَبْلَ التِّسْعِ: وَقِيلَ السَّبْعِ الْفَرْجَانِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ مَا سِوَاهُمَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْأَمَةِ) . أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ فِي حُكْمِ الْعَوْرَةِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْهَادِي، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا كَالْأَمَةِ أَيْضًا. كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هِيَ كَالْأَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعْتَقَ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. فَائِدَةٌ: الْمُكَاتَبَةُ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ: كَالْأَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ كَالْحُرَّةِ. وَعَنْهُ الْمُدَبَّرَةُ كَأُمِّ الْوَلَدِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: هِيَ كَأُمِّ الْوَلَدِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. بَلْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. لَكِنْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَعَ سَتْرِ رَأْسِهِ، وَالْإِمَامُ أَبْلَغُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَجْزَأَهُ، إذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ مِنْ اللِّبَاسِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي عَلَيْهِ

أَصْحَابُنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ سَتْرُهُمَا وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَعَنْهُ سُنَّةٌ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ: صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَأَبَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ. وَأَمَّا فِي النَّفْلِ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ مِنْ اللِّبَاسِ، فَهُوَ كَالْفَرْضِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَعَلَى الرَّجُلِ الْقَادِرِ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَمَنْكِبَيْهِ، وَأَطْلَقَ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي النَّفْلِ، دُونَ الْفَرْضِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نُصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جُزِمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ مِنْ اللِّبَاسِ " أَنَّهُ يُجْزِئُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَصْلُحُ لِلسَّتْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ الْجَمِيعِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. يُجْزِئُ، وَلَوْ بِحَبْلٍ أَوْ خَيْطٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْوَاضِحِ. وَنَسَبَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي

الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَكْفِي سَتْرُ أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ نُصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْإِقْنَاعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْمَنْكِبَيْنِ. وَهُمَا عَاتِقَاهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَمَاعَتُهُ، وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لِأَنَّ عَاتِقَهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِلْحَفَةٍ) يَعْنِي الْحُرَّةَ وَأَمَّا الْأَمَةُ: فَتَقَدَّمَ مَا يُسْتَحَبُّ لُبْسُهُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ فِي الْمُغَلَّظَةِ فَقَطْ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا. وَقَدَّرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْعَفْوَ بِظُهُورِ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكُوعِ فَقَطْ. وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إذَا انْكَشَفَ " أَنَّهُ إذَا انْكَشَفَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ

مَحَلُّ الْخِلَافِ. أَمَّا لَوْ كُشِفَ يَسِيرٌ مِنْ الْعَوْرَةِ قَصْدًا فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قَدْرُ الْيَسِيرِ مَا عُدَّ يَسِيرًا عُرْفًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْيَسِيرُ مِنْ الْعَوْرَةِ مَا كَانَ قَدْرَ رَأْسِ الْخِنْصَرِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: كَشْفُ الْكَثِيرِ مِنْ الْعَوْرَةِ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ كَالْكَشْفِ الْيَسِيرِ فِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ هُنَاكَ. وَقِيلَ: إنْ احْتَاجَ عَمَلًا كَثِيرًا فِي أَخْذِهَا، فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: الْخِلَافَ فِي كَشْفِ الْيَسِيرِ مِنْ الْعَوْرَةِ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى: بِالْعَفْوِ عَنْ الْكَشْفِ الْكَثِيرِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ، أَوْ مَغْصُوبٍ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مِنْ عَالِمٍ بِالنَّهْيِ، وَتَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إنْ كَانَ شِعَارًا يَعْنِي يَلِي جَسَدَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ قَدْرَ سَتْرِ عَوْرَةٍ، كَسَرَاوِيلَ وَإِزَارٍ. وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ دُونَ غَيْرِهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ قَوْلًا وَاحِدًا.

فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ فِي النَّافِلَةِ. ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ، وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارِ وَقْفُ الصِّحَّةِ عَلَى تَحْلِيلِ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ. وَقَدْ نُصَّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي النَّفْلِ قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا. فَائِدَةٌ: لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا، أَوْ تِكَّةً، وَصَلَّى فِيهَا: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي التِّكَّةِ. وَلَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ ذَهَبٌ، أَوْ دُمْلُجٌ، أَوْ فِي رِجْلِهِ خُفٌّ حَرِيرٌ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّبْصِرَةِ احْتِمَالًا فِي بُطْلَانِهَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، إنْ كَانَ رَجُلًا. وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ حَدِيدٌ أَوْ صُفْرٌ: أَعَادَ صَلَاتَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ، صَلَّى فِيهِ، وَلَمْ يُعِدْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُصَلِّي وَيُعِيدُ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: فَأَمَّا الْحَرِيرُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُعِيدُ. وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِعَادَةَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ. قَالَ: وَهُوَ وَهْمٌ. لِأَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ فِيهِ التَّحْرِيمُ. وَقَدْ زَالَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ إجْمَاعًا. فَأَشْبَهَ زَوَالَهَا بِالْجَهْلِ وَالْمَرَضِ. انْتَهَى. وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا مَغْصُوبًا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَصَلَّى عُرْيَانًا. . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَلَوْ خَالَفَ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِارْتِكَابِ النَّهْيِ. وَقِيلَ تَصِحُّ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ النَّفْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ حُكْمُ الْفَرْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَإِنْ لَمْ

نُصَحِّحْهَا فِي الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ أَخَفُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَفْلُهُ كَفَرْضِهِ كَثَوْبٍ نَجِسٍ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. لِأَنَّهُ أَخَفُّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: مَنْ صَلَّى نَفْلًا فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ، نَجِسٌ وَحَرِيرٌ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُمَا. فَالْحَرِيرُ أَوْلَى. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ غَصْبًا أَوْ حَرِيرًا، أَوْ حُبِسَ فِي مَكَان غَصْبٍ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي فِي حَبْسِهِ بِغَصْبٍ، رِوَايَتَيْنِ: ثُمَّ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِي ثَوْبٍ يَجْهَلُ غَصْبَهُ لِعَدَمِ إثْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَمِنْهَا: لَا يَصِحُّ نَفْلُ الْآبِقِ، وَيَصِحُّ فَرْضُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. لِأَنَّ زَمَنَ فَرْضِهِ مُسْتَثْنًى شَرْعًا، فَلَمْ يَغْصِبْهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بُطْلَانُ فَرْضِهِ قَوِيٌّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ: صِحَّةُ صَلَاتِهِ مُطْلَقًا، إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْإِبَاقَ. وَمِنْهَا: تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ، أَوْ غَصْبٍ، قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَ الْمَسْأَلَةِ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مَكَان فَخَالَفَهُ وَأَقَامَ. وَمِنْهَا: لَوْ غَيَّرَ هَيْئَةَ مَسْجِدٍ فَكَغَيْرِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ مَنَعَهُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: أَوْ زَحَمَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ، فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهَا أَوْلَى لِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَقْوَى الْبُطْلَانُ.

وَمِنْهَا: يَصِحُّ الْوُضُوءُ، وَالْأَذَانُ، وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمُ، وَالْعَقْدُ فِي مَكَان غَصْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَصَلَاةٍ. وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الشِّرَاءِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَقَوَّى عَلَى أَدَاءِ عِبَادَةٍ بِأَكْلٍ مُحَرَّمٍ: صَحَّتْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي بِئْرٍ حُفِرَ بِمَالٍ غَصْبٍ: لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا. وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا: لَا أَدْرِي. وَيَأْتِي إذَا صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ فِي الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى فِيهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهِ مُطْلَقًا. بَلْ يُصَلِّي عُرْيَانًا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَعَنْهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى فِيهِ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ مُطْلَقًا مَعَ نَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَيُصَلِّي عُرْيَانًا. . قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا " يُصَلِّي عُرْيَانًا " فَإِنَّهُ لَا يُعِدْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُعِيدُ. قَوْلُهُ (وَأَعَادَ عَلَى الْمَنْصُوصِ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْعُمْدَةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا رِوَايَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يُعِيدَ) بِنَاءً عَلَى مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. فَمِمَّنْ خَرَّجَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ: أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: سَوَّى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَمْ يُخَرِّجْ طَائِفَةً مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا قَالَ فِي أُصُولِهِ. وَأَكْثَرُ مَنْ خَرَّجَ خَرَّجَهَا مِمَّنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ، كَمَا خَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ: فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ الْإِعَادَةَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَلَمْ يُخَرِّجْ بَعْضَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: هُوَ مَا قَالَهُ أَوْ جَرَى مِنْهُ مَجْرَى الْقَوْلِ مِنْ تَنْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي جَوَازِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، أَوْ مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ: وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ: لَوْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: لَمْ يَجُزْ النَّقْلُ وَالتَّخْرِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى. كَقَوْلِ الشَّارِعِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ وَشَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: الْجَوَازَ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ: وَالْأَوْلَى جَوَازُ ذَلِكَ، بَعْدَ الْجَدِّ وَالْبَحْثِ مِنْ أَهْلِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُطْلِعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ. وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَتَحْرِيرُهُ آخِرَ الْكِتَابِ فِي الْقَاعِدَةِ. وَكَذَا لَوْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَسَكَتَ عَنْ نَظِيرَتِهَا. فَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ فِيهَا. لَا يَجُوزُ نَقْلُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، بَلْ هُنَا عَدَمُ النَّقْلِ أَوْلَى.

قَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقِيَاسُ الْجَوَازِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: نَقْلُ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، إذَا عُدِمَ الْفَرْقُ الْمُؤَثِّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ النَّظَرِ الْبَالِغِ مِنْ أَهْلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِيهَا، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا تَكُونُ إلَّا فِي نَصَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ. وَأَمَّا التَّخْرِيجُ وَحْدَهُ: فَهُوَ أَعَمُّ. لِأَنَّهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الشَّرْعِ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ بَنَى فَرْعًا عَلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ مُشْتَرَكٍ. فَائِدَةٌ: إذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً: أَوْمَأَ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ، وَجَلَسَ عَلَى قَدَمَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً: فَكَذَلِكَ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَمَنْ مَحَلُّهُ نَجِسٌ بِضَرُورَةٍ أَوْمَأَ، وَلَمْ يُعِدْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَقَالَ: يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ كَمَنْ صَلَّى فِي مَاءٍ وَطِينٍ. قَالَ الْقَاضِي: يَقْرُبُ أَعْضَاؤُهُ مِنْ السُّجُودِ. بِحَيْثُ لَوْ زَادَ شَيْئًا لَمَسَّتْهُ النَّجَاسَةُ. وَيَجْلِسُ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَلَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرَهُمَا. وَعَنْهُ يَجْلِسُ وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هِيَ الصَّحِيحَةُ. وَهِيَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ سَتَرَهَا) إنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ لَا تَكْفِي إلَّا الْعَوْرَةَ فَقَطْ، أَوْ مَنْكِبَيْهِ فَقَطْ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُصَلِّي قَائِمًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى سُتْرَةٍ تَتَّسِعُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَيَشُدَّهَا مِنْ وَرَائِهِ

فَتَسْتُرَ دُبُرَهُ، وَالْقُبُلُ مَسْتُورٌ بِضَمِّ فَخِذَيْهِ عَلَيْهِ. فَيَحْصُلَ سَتْرُ الْجَمِيعِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ تَكْفِي عَوْرَتَهُ فَقَطْ، أَوْ تَكْفِي مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ فَقَطْ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا: أَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُصَلِّي قَائِمًا، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَعَجُزَهُ، وَيُصَلِّي جَالِسًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَسْتُرُ مَنْكِبَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا جَمِيعًا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: سَتَرَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهَادِي، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي. وَقِيلَ: بِالتَّسَاوِي. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا سَتَرَ أَحَدَهُمَا، وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ

فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقِيلَ: سَتْرُ أَكْثَرِهِمَا أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، إذَا كَانَتْ عَارِيَّةً) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وُهِبَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ السُّتْرَةِ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَالزِّيَادَةُ هُنَا عَلَى قِيمَةِ الْمِثْلِ مِثْلُ الزِّيَادَةِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ: صَلَّى جَالِسًا، يُومِئُ إيمَاءً. فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا جَازَ) صَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ الصَّلَاةَ جَالِسًا وَقَائِمًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقُوَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّ الصَّلَاةَ جَالِسًا أَوْلَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَجِبُ الصَّلَاةُ جَالِسًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلُّونَ قِيَامًا. إذَا رَكَعُوا وَسَجَدُوا بَدَتْ عَوْرَاتُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ. يَعْنِي يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَى رِوَايَةٍ فَمُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ. وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْهُ. فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَشْهُورَةٌ مَنْقُولَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَالْمُخْتَصَرَةِ. وَذَكَرَهَا ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، بَلْ قَوْلُهُ مُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ. غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهَا عَدَمُ إثْبَاتِهَا. وَإِنَّمَا نَفَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُصَلِّي جَمَاعَةً. وَمَنْ أَثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَفَى. وَقِيلَ: يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ. وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا فِي الْمُنْفَرِدِ: أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً. قَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّتْرَ كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ تَوَارَى بَعْضُ الْعُرَاةِ عَنْ بَعْضٍ، فَصَلَّوْا قِيَامًا، فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ: لَا يَلْزَمُ الْقِيَامُ خَلْوَةً. وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلُّوا جُلُوسًا. وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتَيْهِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ: أَنَّ الْعُرَاةَ إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً يُصَلُّونَ جُلُوسًا. وَلَا يَجُوزُ قِيَامًا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْجَمَاعَةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ صَلَّى جَالِسًا، يُومِئُ إيمَاءً) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى جَالِسًا، أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَصَاحِبُ الْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا " يُصَلِّي جَالِسًا " فَإِنَّهُ لَا يَتَرَبَّعُ، بَلْ يَنْضَمُّ، بِأَنْ يَضُمَّ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ.

وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَنْهُ يَتَرَبَّعُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ صَلَّى عُرْيَانًا، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ إذَا قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَلْحَقَهُ الدِّينَوَرِيُّ بِعَادِمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ) يَعْنِي قَرِيبَةً عُرْفًا (سَتَرَ وَبَنَى، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً عُرْفًا سَتَرَ وَابْتَدَأَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ يَبْنِي مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَبْنِي مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ انْتَظَرَ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ انْتِظَارُ وَاجِدٍ كَانْتِظَارِ الْمَسْبُوقِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إذَا قَدَرَ عَلَى السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ أَوْ يَبْنِي؟ يُخَرَّجُ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ. وَجُوِّزَ لِلْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ فِي الصَّلَاةِ: الْبِنَاءُ مَعَ الْقُرْبِ، وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَصَلَّتْ كَذَلِكَ عَاجِزَةً عَنْ سُتْرَةٍ عَتَقَتْ. وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ، دُونَ الْعِتْقِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْمُعْتَقَةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُ وَاجِدِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ حَامِدٍ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَهِيَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ السُّتْرَةَ، لَكِنَّ حُكْمَهَا فِي الْبِنَاءِ مَعَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَكَذَا إنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ سِتْرًا لَهُ وَاحْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ. بِخِلَافِ الْعَارِي. إذْ الصَّحِيحُ فِيهِ عَدَمُ تَخْرِيجِهِ عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. انْتَهَى. وَلَوْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ، أَوْ وُجُوبَ السُّتْرَةِ، أَوْ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ: لَزِمَهَا الْإِعَادَةُ. كَخِيَارِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ طُعِنَ فِي دُبُرِهِ، فَصَارَتْ الرِّيحُ تَتَمَاسَكُ فِي حَالِ جُلُوسِهِ. فَإِذَا سَجَدَ خَرَجَتْ مِنْهُ: لَزِمَهُ السُّجُودُ بِالْأَرْضِ، نُصَّ عَلَيْهِ، تَرْجِيحًا لِلرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ يُومِئُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْيَانِ. وَقَوَّاهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَتَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ". قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي الْعُرَاةُ جَمَاعَةً) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وُجُوبًا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (وَإِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إمَامَ الْعُرَاةِ يَجِبُ أَنْ يَقِفَ بَيْنَهُمْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمْ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ بَطَلَتْ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ. وَلَوْ كَانَ الْمَكَانُ يَضِيقُ عَنْهُمْ صَفًّا وَاحِدًا: صَلَّى الْكُلُّ جَمَاعَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَثُرَتْ صُفُوفُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقِيلَ: يُصَلُّونَ جَمَاعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ. كَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ: فَإِنْ لَمْ يَسَعْهُمْ صَفٌّ وَاحِدٌ وَقَفُوا صُفُوفًا، وَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ، وَإِنْ صَلَّى كُلُّ صَفٍّ جَمَاعَةً فَهُوَ أَحْسَنُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ لِوَاحِدٍ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا. فَلَوْ أَعَارَهَا وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَيُسْتَحَبُّ إعَارَتُهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ وَصَلَّى بِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. فَإِنْ خَافُوا خُرُوجَ الْوَقْتِ دُفِعَتْ السُّتْرَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي فِيهَا إمَامًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيُصَلِّي الْبَاقِي عُرَاةً. وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ الْإِمَامُ بِالسُّتْرَةِ، بَلْ يُصَلِّي فِيهَا

وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَهَلْ يَلْزَمُ انْتِظَارُ السُّتْرَةِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ لَا يَلْزَمُ انْتِظَارُهَا، كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الصَّوَابُ، وَجُزِمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ انْتِظَارُهَا لِيُصَلِّيَ فِيهَا، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَقْيَسُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى بِهَا وَاحِدٌ. قُلْت: إنْ عَيَّنَهُ رَبُّهَا، وَإِلَّا اقْتَرَعُوا إنْ تَشَاحُّوا. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ صَلَّى صَاحِبُ الثَّوْبِ وَقَدْ بَقِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُ لِمَنْ يَصْلُحُ لِإِمَامَتِهِمْ، وَإِنْ أَعَارَهُ لِغَيْرِهِ جَازَ. وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ صَاحِبِ الثَّوْبِ. فَإِنْ اسْتَوَوْا وَلَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. فَيَكُونُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ أَحَقَّ بِهِ، وَإِلَّا قُدِّمَ مَنْ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِعَارِيَّتِهِ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَاجِدَ الْمَاءِ أَصْلًا لِلُّزُومِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَلَا فَرْقَ. وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ: الِانْتِظَارَ. وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى اتِّسَاعِ الْوَقْتِ. الثَّانِيَةُ: الْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالسُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ مِنْ الرَّجُلِ وَتَقَدَّمَ آخِرَ التَّيَمُّمِ: إذَا بُذِلَتْ سُتْرَةٌ الْأَوْلَى مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ: أَنْ يُصَلِّيَ الْحَيُّ ثُمَّ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ بَعْدَهَا إذَا احْتَاجَ إلَى لِفَافَةِ الْمَيِّتِ. وَهَلْ يُصَلِّي عَلَيْهِ عُرْيَانًا أَوْ يَأْخُذُ لِفَافَتَهُ؟ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ إنْ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ. وَعَنْهُ إنْ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ وَإِزَارٌ لَمْ يُكْرَهْ. وَإِلَّا كُرِهَ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ

مُطْلَقًا. حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ فَيُعِيدُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِعَادَةِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ لَمْ يُعِدْ بِاتِّفَاقٍ. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبًا، وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى) . وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي اللِّبَاسِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُوَ أَنْ يَضَعَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبًا مَنْشُورًا وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: هُوَ أَنْ يَطْرَحَ الثَّوْبَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بِالثَّوْبِ وَيُرْخِيَ طَرَفَيْهِ، وَلَا يَرُدَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى، وَلَا يَضُمَّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: هُوَ أَنْ يُرْخِيَ ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يَمَسُّهُ. وَقِيلَ: هُوَ إسْبَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَعَ طَرْحِهِ عَلَى أَحَدِ كَتِفَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ وَضْعُ وَسَطِ الرِّدَاءِ عَلَى رَأْسِهِ، وَإِرْسَالُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى ظَهْرِهِ. وَهِيَ لِبْسَةُ الْيَهُودِ. وَقِيلَ: هُوَ وَضْعُهُ عَلَى عُنُقِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى كَتِفَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ فِي الصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ فَيُعِيدُ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا فِي

بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَعَادَ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّارِحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، إذَا كَانَ فَوْقَ الْإِزَارِ دُونَ الْقَمِيصِ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: هُوَ أَنْ يَضَعَ الرِّدَاءَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَسْدُلَ طَرَفَيْهِ إلَى رِجْلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ السَّامِرِيُّ: هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ وَيَرْفَعَ طَرَفَيْهِ إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ. وَلَا يَبْقَى لِيَدَيْهِ مَا يُخْرِجُهُمَا مِنْهُ. وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ، وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلَفُّ الْكُمِّ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ وَالتَّلَثُّمَ عَلَى الْفَمِ وَلَفَّ الْكُمِّ مَكْرُوهٌ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. وَأَمَّا التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ التَّلَثُّمُ عَلَى الْأَنْفِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَصَحَّحَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَشَدُّ الْوَسَطِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ

لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَشُدَّهُ لِعَمَلِ الدُّنْيَا. فَيُكْرَهَ. نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِكَرَاهَةِ شَدِّهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِعَمَلِ الدُّنْيَا. مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: كَرَاهَةُ شَدِّ وَسَطِهِ بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ: لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِالنَّصَارَى فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ " أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُشْبِهُهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يُسْتَحَبُّ، نُصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ، وَأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْعَوْرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ بِمِنْدِيلٍ، أَوْ مِنْطَقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الشَّدُّ بِالْحِيَاصَةِ يَعْنِي لِلرَّجُلِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ شَدَّ وَسَطَهُ بِمَا يُشْبِهُ الزُّنَّارَ كَالْحِيَاصَةِ وَنَحْوِهَا كُرِهَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمِنْطَقَةَ فِي الصَّلَاةِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: يُكْرَهُ شَدُّ وَسَطِهِ عَلَى الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْيَهُودِ. وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْقَبَاءِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا بَأْسَ بِشَدِّ الْقَبَاءِ فِي السَّفَرِ عَلَى غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. فَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَيُكْرَهُ الشَّدُّ فَوْقَ ثِيَابِهَا، لِئَلَّا يَحْكِيَ حَجْمَ أَعْضَائِهَا وَبَدَنِهَا. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ شَدُّ وَسَطِهَا بِمِنْدِيلٍ وَمِنْطَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ) .

يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، إنْ أَرَادُوا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. وَلَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الْمُرَادُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ. وَحُكِيَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْخِلَافُ فِي كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ إلَّا فِي حَرْبٍ، أَوْ يَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ. قُلْت: هَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ إسْبَالُ ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ فِي غَيْرِ حَرْبٍ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَذْهَبُ هُوَ حَرَامٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَالْإِفَادَاتُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (يَحْرُمُ، أَوْ يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ) . قَالُوا فِي الْحَاجَةِ: كَوْنُهُ حَمْشَ السَّاقَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُرَادُ: وَلَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: جَوَازُ إسْبَالِ الثِّيَابِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ، بَلْ يُقَالُ: يَجُوزُ الْإِسْبَالُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ لِحَاجَةٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ هَذَا فِي قَصِيرَةٍ اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ فَلَمْ تُعْرَفْ. فَوَائِدُ مِنْهَا: يَجُوزُ الِاحْتِبَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَأَمَّا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ: فَيَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهَا: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ الرَّجُلِ إلَى فَوْقِ نِصْفِ سَاقِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ زِيَادَتُهُ إلَى تَحْتِ كَعْبَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ " مَا تَحْتَهُمَا فِي النَّارِ " وَذَكَرَ النَّاظِمُ: مَنْ لَمْ يَخَفْ خُيَلَاءَ لَمْ يُكْرَهْ. وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ، هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَيَجُوزُ زِيَادَةُ ثَوْبِهَا إلَى ذِرَاعٍ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: ذَيْلُ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي الْبَيْتِ كَالرَّجُلِ، مِنْهُمْ السَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ تَطْوِيلُ كُمِّ الرَّجُلِ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ، أَوْ أَكْثَرَ بِيَسِيرٍ، وَيُوَسِّعُهَا قَصْدًا. وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ كُمِّ الْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمْ فِي سَعَتِهِ قَصْدًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَوْسِيعُ الْكُمِّ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ. بِخِلَافِ الرَّجُلِ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لُبْسُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَلَوْ لِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَرَهَا إلَّا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّاظِمِ فِي آدَابِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَأَمَّا لُبْسُهَا مَا يَصِفُ اللِّينَ وَالْخُشُونَةَ وَالْحَجْمَ فَيُكْرَهُ. مِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الزِّيقَ الْعَرِيضَ لِلرَّجُلِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا كُرِهَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّهْرَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كُرِهَ الْإِفْرَاطُ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْفَرْجِ لِلدُّرَّاعَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا: قَدْ سَمِعْت. وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ خَلَفِهَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ سَعَةً عِنْدَ الرُّكُوبِ وَمَنْفَعَةً. وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ لُبْسَ زِيِّ الْأَعَاجِمِ، كَعِمَامَةٍ صَحَّاءَ، وَكَنَعْلٍ صِرَّارَةٍ لِلزِّينَةِ لَا لِلْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ، أَوْ خِلَافُ زِيِّ بَلْدَةٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَنَصُّهُ لَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ شُهْرَةً، وَهُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الِارْتِفَاعُ، وَإِظْهَارُ التَّوَاضُعِ لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ: فَالْأَشْهَرُ لَا يَحْرُمُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْآدَابِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَوَائِدُ: الْأَوَّلُ: لَوْ أُزِيلَ مِنْ الصُّورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ: زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ صُوَرُ الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ، وَتِمْثَالٌ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ تَصْوِيرُ مَا فِيهِ رُوحٌ. وَلَا يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ. وَالتِّمْثَالِ مِمَّا لَا يُشَابِهُ مَا فِيهِ رُوحٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ التَّصْوِيرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ، وَاسْتِعْمَالُهُ. وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّلَاةَ عَلَى مَا فِيهِ صُورَةٌ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ صُورَةٌ، وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ. الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ، وَسَتْرُ الْجِدَارِ بِهِ، وَتَصْوِيرُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَحُكِيَ رِوَايَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ. وَلَا يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ، وَلَا جَعْلُهُ مِخَدَّةً بَلْ وَلَا يُكْرَهُ فِيهَا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ. الرَّابِعَةُ: يُكْرَهُ الصَّلِيبُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ) بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. فَتَحْرُمُ تِكَّةُ الْحَرِيرِ وَالشِّرَابَةُ الْمُفْرَدَةُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَيَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ، وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ. وَيَحْرُمُ سَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ ذَكَرَ تَحْرِيمَ لُبْسِهِ فَقَطْ. وَمِثْلُهُ تَعْلِيقُهُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا لَا يُنَقِّي، كَالْحَرِيرِ النَّاعِمِ. وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ فِي فَشَخَانَةٍ وَالْخَيْمَةِ وَالْبُقْجَةِ وَكَدَالَّةٍ وَنَحْوِهِ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ (وَمَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ) أَيْ: لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْغَالِبَ يَكُونُ بِالظُّهُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ فِي الْوَزْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْآدَابِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ. قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْجَوَازَ. قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ: بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْكُفَّارِ. وَإِذَا جَازَ بَيْعُهَا لَهُمْ جَازَ صُنْعُهَا لِبَيْعِهَا لَهُمْ، وَعَمَلُهَا لَهُمْ بِالْأُجْرَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي الْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ كَالذَّكَرِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَالْخُنْثَى فِي الْحَرِيرِ وَنَحْوِهِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْهُ وَغَيْرِهَا كَذَكَرٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَى هُوَ وَمَا نُسِجَ مَعَهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. لَكِنْ إنَّمَا أَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَزْنًا، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْمَجْدَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جُزِمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي التَّحْرِيمِ: أَوْ مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْبَنَّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْرُمُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ تَغْلِيبُ التَّحْلِيلِ بِأَوْلَى مِنْ التَّحْرِيمِ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لُبْسُ الْقِسِيِّ وَالْمُلْحَمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: دُخُولُ الْخَزِّ فِي الْخِلَافِ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ إبْرَيْسِمَ وَصُوفٍ، أَوْ وَبَرٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَةُ الْخَزِّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ قَدْ لَبِسَهُ الصَّحَابَةُ، وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: " الْخَزُّ " مَا عُمِلَ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ. قَالَهُ فِي الْمُطْلِعِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ إبْرَيْسِمَ وَوَبَرٍ طَاهِرٍ. كَوَبَرِ

الْأَرْنَبِ وَغَيْرِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ. قَالَ: وَمَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ حَرِيرٍ وَمِشَاقَتِهِ، وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ بَلَهٍ مِنْ تَقَطُّعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ. فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا. قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: وَالْخَزُّ الْآنَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْإِبْرَيْسِمَ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِ: الْخَزُّ: مَا سُدِيَ بِالْإِبْرَيْسَمِ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ أَوْ صُوفٍ، لِغَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى الْحَرِيرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهِ بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: حُكْمُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ حُكْمُ الْحَرِيرِ الْمَنْسُوجِ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَنْسُوجَ بِالْفِضَّةِ وَالْمُمَوَّهَ بِهَا كَالْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهِ بِهِ، فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَا نُسِجَ بِذَهَبٍ وَقِيلَ: أَوْ فِضَّةٍ حَرُمَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. فَهَؤُلَاءِ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِيمَا اسْتَحَالَ لَوْنُهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُ الْمُمَوَّهِ فَوَجْهَانِ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِحَالَتِهِ لَا يَحْصُلُ عَنْهُ شَيْءٌ. فَهُوَ مُبَاحٌ وَجْهًا وَاحِدًا. وَكَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ: وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْمَنْسُوجِ وَالْمُمَوَّهِ بِذَهَبٍ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: يَحْرُمُ مَا نُسِجَ، أَوْ مُوِّهَ بِذَهَبٍ بَاقٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقِيلَ: مُطْلَقًا أُبِيحَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِيمَا اسْتَحَالَ لَوْنُهُ مِنْ الْمُمَوَّهِ وَنَحْوِهِ بِذَهَبٍ وَقِيلَ: لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا حُكَّ

وَجْهَانِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَلَا يَحْرُمُ وَقِيلَ: مَا اسْتَحَالَ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا حُكَّ: حَلَّ وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ: يُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ حَكِّهِ لَمْ يُبَحْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَفِي الْمُسْتَحِيلِ لَوْنُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْإِبَاحَةُ، وَعَدَمُهَا، وَالْفَرْقُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ لِمَرَضٍ أَوْ حَكَّةٍ) . فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ لَهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَحَفِيدُهُ: يُبَاحُ لَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ فِي الْحَكَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ لَهُمَا. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ حَكَّةٍ " أَنَّهُ سَوَاءٌ أَثَّرَ لُبْسُهُ فِي زَوَالِهَا أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا أَثَّرَ فِي زَوَالِهَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَوْلُهُ (أَوْ فِي الْحَرْبِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُبَاحُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَالْوُسْطَى: يُبَاحُ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ لِلْإِبَاحَةِ إلَّا الْمَرَضَ وَالْحَكَّةَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ يُبَاحُ مَعَ مُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ بِهِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ ضَرُورَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ فِي الْحَرْبِ حَرُمَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ كَالْجُبَّةِ لِلْقِتَالِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ حَالَ شِدَّةِ الْحَرْبِ ضَرُورَةً. وَفِي لُبْسِهِ أَيَّامَ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ رِوَايَتَانِ. وَهَذِهِ طَرِيقَتُهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْحَاجَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي مَعْنَى الْحَاجَةِ: مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فِي آخِرِ بَابٍ فِيهِ: وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْقِتَالُ مُبَاحًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ وَلَوْ احْتَاجَهُ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ غَيْرَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (أَوْ أَلْبَسَهُ الصَّبِيَّ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الشَّارِحُ: التَّحْرِيمُ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. لِتَقْيِيدِهِمْ التَّحْرِيمَ بِالرَّجُلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ صَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فِي آخِرِ بَابٍ عَنْهُ: وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلصِّبْيَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى: لَا يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ إلْبَاسِهِ الذَّهَبَ حُكْمُ إلْبَاسِهِ الْحَرِيرَ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ وَالْفَرْشِ بِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ كِتَابَةُ الْمَهْرِ فِي الْحَرِيرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْأَقْيَسِ. وَلَا يَبْطُلُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ [وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عَقِيلٍ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ الْعَلَمُ الْحَرِيرُ فِي الثَّوْبِ، إذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونَ) يَعْنِي مَضْمُومَةً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَإِدْرَاكِ

فوائد

الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُبَاحُ قَدْرَ الْكَفِّ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلْأَوَّلِ مُخَالِفٌ لِهَذَا، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ. انْتَهَى. وَغَايَرَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا دُونَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ. وَمَا رَأَيْت مَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ الدَّقِيقِ، دُونَ الْعَرِيضِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ، وَإِنْ كَانَ مُذَهَّبًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ: يَحْرُمُ، نُصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَبِسَ ثِيَابًا فِي كُلِّ ثَوْبٍ قَدْرٌ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا: لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يُبَاحُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يُعْفَى عَنْهَا هَلْ يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ فِي الْمُزَعْفَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي الْمُزَعْفَرِ. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا: تَحْرِيمَ الْمُزَعْفَرِ. وَفِي الْمُزَعْفَرِ وَجْهٌ: يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّلْخِيصِ. قَالَهُ فِي الْآدَابِ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: لَا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَابِسًا ثِيَابًا مُسْبَلَةً أَوْ خُيَلَاءَ وَنَحْوَهُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يُعِيدُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. [فَوَائِدُ] ُ: الْأُولَى: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْأَحْمَرِ الْمُصْمَتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِغَيْرِ زِينَةٍ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، يُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ آلُ قَارُونَ وَآلُ فِرْعَوْنَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: كَذَا الْخِلَافُ فِي الْبِطَانَةِ. الثَّانِيَةُ: يُسَنُّ لُبْسُ الثِّيَابِ الْبِيضِ وَالنَّظَافَةُ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَمَجْلِسِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهَا: وَهِيَ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ: يُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلْجُنْدِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إلَّا لِمُصَابٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَخْرِقُهُ الْوَصِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ سَلَامَ لَابِسِهِ. الرَّابِعَةُ: يُبَاحُ الْكَتَّانُ إجْمَاعًا. وَيُبَاحُ أَيْضًا الصُّوفُ. وَيُسَنُّ الرِّدَاءُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُبَاحُ كَفَتْلِ طَرَفِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَيْمُونِيِّ فِيهِ: يُكْرَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَيُكْرَهُ الطَّيْلَسَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَرِهَ السَّلَفُ الطَّيْلَسَانَ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْمُقَوَّرُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُكْرَهُ، بَلْ يُبَاحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْآدَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْآدَابِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُدَوَّرُ. وَقِيلَ: وَغَيْرُهُمَا غَيْرُ الْمُرَبَّعِ الْخَامِسَةُ: يُسَنُّ إرْخَاءُ ذُؤَابَتَيْنِ خَلْفَهُ، نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَحَسَنٌ. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْعِمَامَةُ مُحَنَّكَةً. السَّادِسَةُ: يُسَنُّ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا بَأْسَ. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي مَعْنَاهُ التُّبَّانُ. وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: السَّرَاوِيلُ أَسْتَرُ فِي الْإِزَارِ. وَلِبَاسُ الْقَوْمِ كَانَ الْإِزَارَ. قَالَ فِي

باب اجتناب النجاسة

الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ لُبْسُ الْقَمِيصِ. السَّابِعَةُ: يُبَاحُ لُبْسُ الْعَبَاءَةِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ لِلنِّسَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِلَا تَشَبُّهٍ. الثَّامِنَةُ: يُبَاحُ نَعْلٌ خَشَبٌ. وَنَعْلٌ فِيهِ حَرْفٌ لَا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ. التَّاسِعَةُ: مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ بَيْعُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَأُجْرَتُهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، الْعَاشِرَةُ: يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ طَهُرَ بِدَبْغِهِ لُبِسَ بَعْدَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَيَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ دَابَّةً. وَقِيلَ: مُطْلَقًا كَثِيَابٍ نَجِسَةٍ. [بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ. فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ حَمَلَهَا: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَبُقْعَتِهِ وَهِيَ مَحَلُّ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ: شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: طَهَارَةُ مَحَلِّ ثِيَابِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ [وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ لَاقَاهَا ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ] فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ، أَوْ آدَمِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ مَسَّ ثَوْبًا، أَوْ حَائِطًا نَجِسًا، أَوْ قَابَلَهَا وَلَمْ يُلَاقِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْمَبْسُوطَةُ عَلَيْهَا رَطْبَةً: لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْحَائِلُ صَفِيقًا. فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا أَوْ مُهَلْهَلًا لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَجْهًا بِالصِّحَّةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ إذَا بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ إذَا بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهَا هُنَاكَ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَضَعَ عَلَى حَرِيرٍ يَحْرُمُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ إنْ صَحَّ جَازَ جُلُوسُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ الْغَصْبِ ثَوْبًا لَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: لَمْ تَصِحَّ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عُلُوٌّ، فَغَصَبَ السُّفْلَ وَصَلَّى فِي الْعُلُوِّ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ غَصْبٍ، أَوْ بَسَطَ عَلَى أَرْضِهِ مَا غَصَبَهُ: بَطَلَتْ.

قُلْت: وَيُتَخَرَّجُ صِحَّتُهَا. زَادَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَهِيَ مَا إذَا بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ غَصْبٍ. وَفِي الْفُرُوعِ هُنَا بَعْضُ نَقْصٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، مِنْ بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ، وَطَرَفُهُ نَجِسٌ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ، وَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ طَاهِرٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجَسُ بِحَرَكَتِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ النَّجَسُ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ شَيْءٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَسٍ، أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا نَجَاسَةٌ، أَوْ أَمْسَكَ بِحَبْلٍ مُلْقًى عَلَى نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ، وَالْحَيَوَانِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَ الشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِمَّا لَا يُمْكِنُ جَرُّهُ مَعَهُ كَالْفِيلِ لَمْ يَصِحَّ، كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ مَا لَا يَنْجَرُّ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ لَوْ انْجَرَّ. قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ: هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ وَجْهًا: أَنَّهَا تَبْطُلُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنْ جَهِلَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي النَّاسِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِمَا فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، فَيُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ الْإِعَادَةُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَعَادَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِفَادَاتُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي النَّاسِي. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ إزَالَتُهَا شَرْطًا أَعَادَ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُعِيدُ، إنْ كَانَ قَدْ تَوَانَى، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقُطِعَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي الْإِزَالَةِ وَقِيلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُعِيدُ بِالنِّسْيَانِ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْآمِدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِ. فَأَمَّا النَّاسِي: فَيُعِيدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ عَنْهُ نَصٌّ فِي النَّاسِي. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي. قَالَهُ الْمَجْدُ. حَكَى الْخِلَافَ فِيهِمَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْكَافِي. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَهَا وَاجِبٌ: فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ حَكَى قَوْلًا وَاحِدًا: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ، إنْ قُلْنَا وَاجِبٌ، وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ: أَعَادَ. فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ. الثَّالِثُ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ " أَوْ جَهِلَهَا " جَهْلُ عَيْنِهَا. هَلْ هِيَ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا؟ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَحَقَّقَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِقَرَائِنَ. فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ وَجَهِلَ حُكْمَهَا: فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حُكْمُ الْجَهْلِ بِحُكْمِهَا: حُكْمُ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَمْ لَا. وَجُزِمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَأَمَّا إذَا جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا: فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ: هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ " فَوَائِدُ الْأُولَى: حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَتِهَا عَنْهُ حُكْمُ النَّاسِي لَهَا فِي الصَّلَاةِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَكَذَا لَوْ زَادَ مَرَضُهُ لِتَحْرِيكِهِ أَوْ نَقْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَوْ احْتَاجَهُ لِحَرْبٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ تَبْطُلُ مُطْلَقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ أَمْكَنَ إزَالَتُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ. وَلَا مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ: فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فِيهَا إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا إعَادَةَ هُنَاكَ: أَزَالَهَا هُنَا وَبَنَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُزَلْ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، أَوْ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالْمَذْهَبُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَقِيلَ: يُزِيلُهَا وَيَبْنِي. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، الثَّالِثَةُ: لَوْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا نَجِسًا، أَوْ قَابَلَهَا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَلَمْ يُلَاقِهَا. أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَزَالَهَا سَرِيعًا، أَوْ زَالَتْ هِيَ سَرِيعًا، أَوْ مَسَّ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ

إلَيْهِ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْجَمِيعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ أَوْ آجُرَّةً بَاطِنُهَا نَجِسٌ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَلَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ حَمَلَ آدَمِيًّا مُسْتَجْمِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إذَا حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَابْنِ تَمِيمٍ. وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً مَذِرَةً، أَوْ عُنْقُودَ عِنَبٍ حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. فَإِنَّ الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ قَاسَهَا عَلَى الْقَارُورَةِ. وَقَالَ: بَلْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ فَوَجْهَانِ، الْخَامِسَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْبَابِ: بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مُقَوٍّ لِلدَّمِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ، بِحَيْثُ لَا يَخْلُو مِنْهَا. فَأَجْرَيْنَا لِذَلِكَ حُكْمَ الطَّهَارَةِ مَا دَامَ فِيهِ تَبَعًا. وَقَالَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ " وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَاللَّبَنُ وَالْقُرُوحُ: فَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً عَنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُسْتَتِرًا بِسِتَارٍ خِلْقَةً لَيْسَ بِنَجِسٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ. وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي الْمَكَانَيْنِ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَلَكِنْ أَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَ الطَّهَارَةِ تَبَعًا وَضَرُورَةً. وَفِي الثَّانِي: قَطَعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ. وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا اسْتَتَرَ فِي الْبَاطِنِ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ لَيْسَ بِنَجِسٍ. بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ، كَذَا قَالَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجُبِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا لَوْ خَافَ التَّلَفَ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ. وَإِذَا لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ: قُلِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ لَمْ يُقْلَعْ لِلْمَثُلَةِ. وَإِلَّا قُلِعَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُقْلَعُ، سَوَاءٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا، فَثَبَتَتْ. فَهِيَ طَاهِرَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إذَا جَبَرَ بِهِ سَاقَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ ثَبَتَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ. وَيُعِيدُ مَا صَلَّى مَعَهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَعَادَهُ فِي الْحَالِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرِبَ خَمْرًا، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ: غَسَلَ فَمَهُ وَصَلَّى، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَيْؤُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ، لِإِمْكَانِ إزَالَتِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْحُشِّ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَتَصِحُّ. قَالَ الْمَجْدُ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ لَفْظًا بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ. وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَقِيلَ: إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، صَحَّتْ. وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي مَوَاضِعِ النَّهْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ. وَتَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ. هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: عُمُومُ قَوْلِهِ " وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ " يَدُلُّ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهَا النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا تَجُوزُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: تُبَاحُ فِي مَسْجِدٍ وَمَقْبَرَةٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يُكْرَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجُوزُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ فِي مَقْبَرَةٍ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَضُرُّ قَبْرٌ وَلَا قَبْرَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَضُرُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْفَائِقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يُسَمَّى مَقْبَرَةً أَمْ لَا؟ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ: أَنَّ الْخَشْخَاشَةَ فِيهَا جَمَاعَةُ قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَنَ بِدَارِهِ مَوْتَى لَمْ تَصِرْ مَقْبَرَةً. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ، وَغَيْرُهُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ عَنْ أَعْطَانِ الْإِبِلِ " الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا وَتَأْوِي إلَيْهَا " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُوَ مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا إذَا صَدَرَتْ

عَنْ الْمَنْهَلِ. زَادَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ: وَمَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ. زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَالَ وَقِيلَ: هُوَ مَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَوْ تَقِفُ لِعَلَفِهَا. الرَّابِعَةُ: الْحُشُّ: مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. فَيُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَوْضِعُ الْكَنِيفِ وَغَيْرِهِ. الْخَامِسَةُ: الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: تَعَبُّدٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَعَبُّدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ. وَقِيلَ: مُعَلَّلٌ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ. فَهُوَ مُعَلَّلٌ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ. فَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْأُولَى: حُكْمُ مُسَلَّحِ الْحَمَامِ وَأَتُونِهِ كَدَاخِلِهِ. وَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا غَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي حَمَّامٍ وَأَتُونِهِ وَبُيُوتِهِ وَمَجْمَعِ وَقُودِهِ، وَكُلِّ مَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَمَاكِنِ وَتَحْوِيهِ حُدُودُهُ. وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. فَلَا فَرْقَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَالْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِ الْمَنْبُوشَةِ. وَعَلَى الثَّانِي: تَصِحُّ فِي أَسْطِحَةِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ (وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. حَكَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ: لَمْ تَصِحَّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ. وَقِيلَ يَصِحُّ النَّفَلُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ.

فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ فِي النَّفْلِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ. وَحَيْثُ قُلْنَا " لَا تَصِحُّ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ " فَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي كُلِّ أَرْضٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ. فَلِهَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: حَمْلُهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْلَى، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت: وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى إرَادَةِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا أَوْلَى مِنْ الطَّرِيقِ. وَأَنَّ الْأَرْضَ الْمُزْدَرَعَةَ: كَغَيْرِهَا. قَالَ: وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ، وَلَوْ كَانَتْ لِكَافِرٍ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ بِأَرْضِهِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حُكْمُ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَسْطِحَتِهَا: كَذَلِكَ) يَعْنِي كَالْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الشَّارِحُ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَلْحَقَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ: الْمَجْزَرَةَ. وَمَحَجَّةَ الطَّرِيقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهَا فِي غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ عَلَى أَسْطِحَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهَا فِي دَاخِلِهَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَا: سَطْحُ النَّهْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَالطَّرِيقِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَنْعُ فِيهَا. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى أَسْطِحَتِهَا. وَكَرِهَهَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَعْفَرٍ عَلَى نَهْرٍ وَسَابَاطٍ. وَقَالَ الْقَاضِي

فِيمَا تَجْرِي فِيهِ سَفِينَةٌ كَالطَّرِيقِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: الصِّحَّةَ كَالسَّفِينَةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي. وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَالطَّرِيقِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الصِّحَّةَ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: لَوْ جَمَدَ مَاءُ النَّهْرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ: صَحَّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي الْمَدْبَغَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالْمَجْزَرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: " الْمَجْزَرَةُ ": مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَالنَّحْرِ. وَ " الْمَزْبَلَةُ " مَا أُعِدَّ لِلنَّجَاسَةِ وَالْكُنَاسَةِ وَالزُّبَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً. وَ " قَارِعَةُ الطَّرِيقِ " مَا كَثُرَ سُلُوكُ السَّابِلَةِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سَالِكٌ أَوْ لَا، دُونَ مَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمَارَّةِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ طُولًا، إنْ لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، لَا عَرْضًا. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ. الثَّانِيَةُ: إنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ بِمَقْبَرَةٍ: فَالصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ حَوْلَهُ، أَوْ فِي قِبْلَتِهِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَصِحُّ. يَعْنِي مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ. وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: لَوْ وُضِعَ الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بُنِيَ فِيهَا مَسْجِدٌ، بَعْدَ أَنْ انْقَلَبَتْ أَرْضُهَا بِالدَّفْنِ: لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بُنِيَ فِي أَرْضٍ الظَّاهِرُ نَجَاسَتُهَا. كَالْبُقْعَةِ النَّجِسَةِ وَإِنْ

بُنِيَ فِي سَاحَةٍ طَاهِرَةٍ، وَجُعِلَتْ السَّاحَةُ مَقْبَرَةً جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي جِوَارِ مَقْبَرَةٍ. وَلَوْ حَدَثَ طَرِيقٌ بَعْدَ بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى سَابَاطٍ: صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قَدْ يُتَوَجَّهُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ أَطْلَقَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا فِي الطَّرِيقِ وَحَافَّتَيْهَا. فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، كَذَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يُضْطَرُّونَ إلَى الصَّلَاةِ فِي الطُّرُقَاتِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ: صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْكُسُوفَيْنِ. وَقِيلَ: وَالِاسْتِسْقَاءِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ: الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ فِي طَرِيقٍ، وَمَوْضِعِ غَصْبٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ. وَخُصَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ بَعْدَ إمَامَةِ الْفَاسِقِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. الرَّابِعَةُ: مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: صَلَّى فِيهَا. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا، كَمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَنَحْوِهِ. قُلْت: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ عَجَزَ عَنْ مُفَارَقَةِ الْغَصْبِ صَلَّى، وَلَا إعَادَةَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ

الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَيْهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَالْحُشِّ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَى الْمَقْبَرَةِ، وَالْحُشِّ، وَالْحَمَّامِ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي إلَى قَبْرٍ أَوْ حُشٍّ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، قَالَ الْقَاضِي: وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ إذَا صَلَّى إلَيْهَا إلَّا الْكَعْبَةَ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ، وَلَوْ كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، حَتَّى يَكْفِيَ الْخَطُّ بَلْ كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يَضُرُّ بُعْدٌ كَثِيرٌ عُرْفًا، كَمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَارٍّ أَمَامَ الْمُصَلِّي. وَعَنْهُ لَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فِي قِبْلَتِهِ حُشٌّ وَتَأَوَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ النَّصَّ عَلَى سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مَقَامِ الْمُصَلِّي وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَيِّنُ صِحَّةَ تَأْوِيلِي لَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ: لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ. وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْقِبْلَةِ كَهِيَ تَحْتَ الْقَدَمِ لَبَطَلَتْ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْكَلْبِ آكَدُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخَلَاءِ، لِغَسْلِهَا بِالتُّرَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِالْخَطِّ هُنَا. وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَعَدَمُهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ غُيِّرَتْ مَوَاضِعُ النَّهْيِ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَجَعْلِ الْحَمَّامِ دَارًا، وَنَبْشِ الْمَقْبَرَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى قَوْلًا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. فَوَائِدُ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ كَانَتْ رَطْبَةً. ثُمَّ قَالَ: قُلْت مَعَ ظَنِّ نَجَاسَتِهَا. وَعَنْهُ الْوَقْفُ. وَتُكْرَهُ فِي أَرْضِ الْخَسْفِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَتُكْرَهُ فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوَّلًا، إنْ قُطِعَتْ الصُّفُوفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَتُكْرَهُ فِي الرَّحَى. وَعَلَيْهَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَقَالَ: مَا سَمِعْت فِي الرَّحَى شَيْئًا. وَلَهُ دُخُولُ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ تُكْرَهُ. وَعَنْهُ: مَعَ صُوَرٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَحْرُمُ دُخُولُهُ مَعَهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنَّهَا كَالْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ. وَقَالَ: وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْوَلِيمَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ. وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا: صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، إلَّا تَوْجِيهًا لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ قَوْلٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ: لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَى الْبَيْتِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ

صَلَّى خَارِجَهُ لَكِنْ سَجَدَ فِيهِ: صَحَّتْ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبِ الْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِيهَا وَعَلَيْهَا، بِشَرْطِهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَعَنْهُ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ صَحَّتْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهَا إنْ نَقَصَ الْبِنَاءُ وَصَلَّى إلَى مَوْضِعِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ النَّفَلُ فَوْقَهَا. وَيَصِحُّ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ فَوْقَهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَكَذَا فِي الْمُنَوِّرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا " أَنَّهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا: أَنَّهَا تَصِحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا: صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَالشَّاخِصُ كَالْبِنَاءِ، وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ، أَوْ الْمَفْتُوحِ، أَوْ عَتَبَتِهِ الْمُرْتَفِعَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْبَابِ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا فَتَارَةً يَبْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِمَّنْ فِي الْبَيْتِ إذَا سَجَدَ، وَتَارَةً لَا يَبْقَى شَيْءٌ، بَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَاهُ. فَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَى الْبَيْتِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ: فَهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا إذَا سَجَدَ، وَلَكِنْ مَا ثَمَّ شَاخِصٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الصِّحَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهَيْنِ لِأَكْثَرِهِمْ. وَعِبَارَتُهُ

فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ، أَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ آجُرٌّ مُعَبَّأٌ غَيْرُ مَبْنِيٍّ، أَوْ خَشَبٌ غَيْرُ مَسْمُورٍ فِيهَا. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ " وَيَصِحُّ النَّفَلُ فِي الْكَعْبَةِ إلَى شَاخِصٍ مِنْهَا " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ " وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ بِاسْتِقْبَالِ مُتَّصِلٍ بِهَا " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَا اعْتِبَارَ بِالْآجُرِّ الْمُعَبَّأِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلَا الْخَشَبِ غَيْرِ الْمَسْمُورِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سُتْرَةً. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ بِمَا يَكُونُ سُتْرَةً فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ شَاخِصٌ. الثَّانِيَةُ: إذَا قُلْنَا " تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا. وَنَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُصَلِّي فِيهِ إذَا دَخَلَهُ وَجَاهُهُ كَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَقُومُ كَمَا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نُقِضَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ، أَوْ خَرِبَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى صَلَّى إلَى مَوْضِعِهَا

دُونَ أَنْقَاضِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي النَّفْلِ وَجْهٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهَا لِحَالِ نَقْضِهَا، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ بَاقِيًا. وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى الْحِجْرِ: فَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.

باب استقبال القبلة

[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُقُوطُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْعَجْزِ مُطْلَقًا كَالْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَالْهَرَبِ مِنْ السَّيْلِ وَالسَّبُعِ وَنَحْوِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَعَجْزِ الْمَرِيضِ عَنْهُ وَعَمَّنْ يُدِيرُهُ، وَالْمَرْبُوطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ التَّوَجُّهَ لَا يَسْقُطُ حَالَ كَسْرِ السَّفِينَةِ، مَعَ أَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إنَّمَا يَسْقُطُ حَالَ الْمُسَايَفَةِ لِمَعْنًى مُتَعَدٍّ إلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ الْخِذْلَانُ عِنْدَ ظُهُورِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. قَوْلُهُ (وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ عَلَيْهَا، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَيْهَا. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: جَوَازَ صَلَاةِ الْوِتْرِ رَاكِبًا وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، إذَا قُلْنَا إنَّهُ وَاجِبٌ. تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " النَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْضًا إذَا تَنَفَّلَ فِي الْحَضَرِ كَالرَّاكِبِ السَّائِرِ فِي مِصْرِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَنَسٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ وَالْإِرْشَادِ.

الثَّانِي: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا. فَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَسْقُطْ الِاسْتِقْبَالُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثُ: لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدُورَ فِي السَّفِينَةِ وَالْمِحَفَّةِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَالرِّعَايَةِ، وَزَادَ: الْعِمَارِيَّةَ وَالْمَحْمَلَ وَنَحْوَهُمَا. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ كَاَلَّذِي فِي الْعِمَارِيَّةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِحَفَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ لَا يَجِبُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ: وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يَدُورَ قَالَ: وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَلَّاحِ لِحَاجَتِهِ. الرَّابِعُ: يَدُورُ فِي ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ حَامِدٍ [وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ] . قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ فِي التَّنَفُّلِ لِلْمَاشِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ: وَمَاشِيًا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَصَّهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي لِلْخِلَافِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَى الْقِبْلَةِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فَإِنْ أَمْكَنَهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ ". وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَقَطْ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيَفْعَلُ الْبَاقِيَ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ مُنَجَّى وَشَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ كَرَاكِبٍ. اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يَمْشِي حَالَ قِيَامِهِ إلَى جِهَتِهِ، وَمَا سِوَاهُ يَفْعَلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَ مَاشٍ، بَلْ يَقِفُ، وَيَفْعَلُهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ. لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِرَاكِبِ التَّعَاسِيفِ، وَهُوَ رُكُوبُ الْفَلَاةِ وَقَطْعُهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَيْ الرَّاكِبَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْكَافِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ الرَّاكِبَ الْإِحْرَامُ إلَى الْقِبْلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ. نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَلْزَمُهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خَرَّجَهَا أَبُو الْمَعَالِي وَالْمُصَنِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو دَاوُد وَصَالِحٌ يُعْجِبُنِي ذَلِكَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: إذَا أَمْكَنَ الرَّاكِبَ فِعْلُهَا رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً، لِلتَّسَاوِي فِي الرُّخَصِ الْعَامَّةِ. انْتَهَى. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الرِّعَايَةِ إلَّا قَوْلًا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي دَوَرَانِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْهَا، أَوْ لِجِمَاحِهَا وَنَحْوِهِ، أَوْ عَدَلَ هُوَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ غَفْلَةً، أَوْ نَوْمًا، أَوْ جَهْلًا، أَوْ لِظَنِّهِ أَنَّهَا جِهَةُ سَيْرِهِ وَطَالَ: بَطَلَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَسَاهٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ بِعُدُولِهِ هُوَ، وَإِنْ قَصُرَ لَمْ تَبْطُلْ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. قُلْت: وَحَيْثُ قُلْنَا: يَسْجُدُ لِفِعْلِ الدَّابَّةِ، فَيُعَايَى بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِي ذَلِكَ بِأَنْ عَدَلَتْ دَابَّتُهُ وَأَمْكَنَهُ رَدُّهَا، أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ: بَطَلَتْ، وَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ، فَصَارَ قَفَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَمْدًا: بَطَلَتْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ انْحِرَافُهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِالْتِفَاتِ الْمُبْطِلِ. الثَّالِثَةُ: مَتَى لَمْ يَدُمْ سَيْرُهُ، فَوَقَفَ لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ مُنْتَظِرًا لِلرُّفْقَةِ، أَوْ لَمْ يَسِرْ كَسَيْرِهِمْ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ: اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الرَّاكِبِ طَهَارَةُ مَحَلِّهِ نَحْوَ سَرْجٍ وَرِكَابٍ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ رَكِبَ الْمُسَافِرُ النَّازِلُ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي نَفْلٍ: بَطَلَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهُ كَرُكُوبِ مَاشٍ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلَ الرَّاكِبُ فِي أَثْنَائِهَا نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا نَصَّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ أَمْكَنَهُ " عَائِدٌ إلَى الرَّاكِبِ فَقَطْ. وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَى الْمَاشِي وَلَا إلَى الْمَاشِي وَالرَّاكِبِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ لَهُ التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فِيهِ إشْعَارُ بِأَنَّهُ تَارَةً يُمْكِنُهُ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الرَّاكِبِ إذْ الْمَاشِي لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الرَّاكِبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: فِي عَوْدِهِ إلَى الرَّاكِبِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ قَالَ: وَلَقَدْ أَمْعَنْت فِي الْمُطَالَعَةِ وَالْمُبَالَغَةِ مِنْ أَجْلِ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ: فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ صَرَّحُوا بِالرِّوَايَتَيْنِ مِنْهُمْ الشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا الْمَعَالِي وَالْمُصَنِّفَ خَرَّجَا رِوَايَةً بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ فَلَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ. وَإِطْلَاقُ الرِّوَايَةِ الْمُخَرَّجَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّخْرِيجِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ صَالِحٌ وَأَبُو دَاوُد " يُعْجِبُنِي لِلرَّاكِبِ الْإِحْرَامُ إلَى الْقِبْلَةِ " وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِلنَّدْبِ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَهَذِهِ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِافْتِتَاحُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا يَلْزَمُهُ

قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ: إصَابَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا) بِلَا نِزَاعٍ، وَأَلْحَقَ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قَرُبَ مِنْهُ قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي مَعْنَاهُ كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - إذَا ضُبِطَتْ جِهَتُهُ، وَأَلْحَقَ النَّاظِمُ بِذَلِكَ أَيْضًا مَسْجِدَ الْكُوفَةِ قَالَ: لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيمَا، قَالَهُ النَّاظِمُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَجَمَاعَةٍ: عَدَمُ الْإِلْحَاقِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَكَانَ يَنْصُرُهُ، وَقَالَ الشَّارِحُ: وَفِيمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ نَظَرٌ وَنَصَرَهُ غَيْرُهُ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: وَيُجْزِئُ بِبَعْضِهِ أَيْضًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا " الْمُشَاهِدُ لَهَا. وَمَنْ كَانَ يُمْكِنُهُ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ نَشَأَ بِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ مُحْدَثٍ، كَالْجُدْرَانِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ تَعَذَّرَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ، كَمَنْ هُوَ خَلْفَ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْتَهِدُ إلَى عَيْنِهَا. وَعَنْهُ أَوْ إلَى جِهَتِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ تَعَذَّرَ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِلْقَرِيبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَعِيدِ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ قَدَرَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، إلَّا أَنَّهُ مُسْتَتِرٌ بِمَنْزِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ كَمُشَاهِدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَبَعِيدٍ. الثَّالِثَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ " الْحِجْرَ " مِنْ الْبَيْتِ، وَقَدْرَهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ: سَبْعَةٌ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ جَوَازَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ

وَالدَّارُ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَجُوزُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النُّسَخِ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمَكِّيِّ، وَأَمَّا صَلَاةُ النَّافِلَةِ: فَمُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ: فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ أَرَ بِهِ نَقْلًا وَالظَّاهِرُ: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ. انْتَهَى. قُلْت: يُتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ فِيهِ، وَإِنْ مَنَعْنَا الصِّحَّةَ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَلَى هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ فَعَلَيْهَا يُعْفَى عَنْ الِانْحِرَافِ قَلِيلًا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ: فَعَلَيْهَا لَا يَضُرُّ التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا. وَعَنْهُ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ إلَى عَيْنِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَعَلَيْهَا يَضُرُّ التَّيَامُنُ وَالتَّيَاسُرُ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي اُجْتُهِدَ إلَيْهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنْ رَفَعَ وَجْهَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ: مُنِعَ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي كِتَابِ الْمُهَذَّبِ: إنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْفَرْضَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ: هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الْجِهَةُ؟ إنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، فَمَتَى رَفَعَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى خَرَجَ وَجْهُهُ عَنْ مُسَامَتَةِ الْقِبْلَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَنُقِلَ مِنْهَا وَغَيْرُهُ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: يَسْتَدِيرُ الصَّفَّ الطَّوِيلَ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: فِي اسْتِدَارَةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَسْتَدِيرُ لِخَفَائِهِ وَعُسْرِ اعْتِبَارِهِ. الثَّانِيَةُ: يَنْحَرِفُ طَرْفَ الصَّفِّ يَسِيرًا، يَجْمَعُ بِهِ تَوَجُّهَ الْكُلِّ إلَى الْعَيْنِ.

فَائِدَةٌ: الْبُعْدُ هُنَا: هُوَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبُعْدِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، وَلَا بِالْقُرْبِ دُونَهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا هُنَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِخَبَرِ ثِقَةٍ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ: لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: وَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ أَيْضًا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يَكْفِي أَيْضًا خَبَرُ الْمُمَيِّزِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقِ فِي الْقِبْلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ فِي بَيْتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْإِشَارَاتِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: وَإِنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ بِهَا. قَوْلُهُ (عَنْ يَقِينٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ يَقِينٍ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يُقَلِّدْهُ، وَاجْتَهَدَ فِي الْأَظْهَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَلَا، وَذَكَرَهُ

الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي آخِرِ التَّمْهِيدِ: يُصَلِّيهَا حَسَبَ حَالِهِ ثُمَّ يُعِيدُ إذَا قَدَرَ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ يُصَلِّي وَيُعِيدُ. قَوْلُهُ (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الثِّقَةِ إذَا كَانَ عَنْ يَقِينٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَيْسَ لِلْعَالِمِ تَقْلِيدُهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ: لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ. فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْقِبْلَةِ، وَسَوَاءٌ كَانُوا عُدُولًا أَوْ فُسَّاقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَجْتَهِدُ إلَّا إذَا كَانَ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْهُ يَجْتَهِدُ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْوَجِيزِ. قُلْت: وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ بِعَدَمِ الِاجْتِهَادِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِمَحَارِيبِ الْكُفَّارِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قِبْلَتَهُمْ، كَالنَّصَارَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يَجْتَهِدُ فِي مِحْرَابٍ لَمْ يُعْرَفْ بِمَطْعَنٍ بِقَرْيَةٍ مَطْرُوقَةٍ قَالَ: وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: وَلَا يَنْحَرِفُ؛ لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْقَطْعِ، كَالْحَرَمَيْنِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا بِالدَّلَائِلِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ: اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا فَمَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ جِهَةُ الْقِبْلَةِ صَلَّى إلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَجْتَهِدُ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، مِنْ مَنْصُوصِهِ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ قَوْلُهُ (وَأَثْبَتَهَا: الْقُطْبُ إذَا جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَنْحَرِفُ فِي دِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الْمَشْرِقِ قَلِيلًا، وَكُلَّمَا قَرُبَ إلَى الْمَغْرِبِ كَانَ انْحِرَافُهُ أَكْثَرَ. وَيَنْحَرِفُ بِالْعِرَاقِ وَمَا قَارَبَهُ إلَى الْمَغْرِبِ قَلِيلًا، وَكُلَّمَا قَرُبَ إلَى الشَّرْقِ كَانَ انْحِرَافُهُ أَكْثَرَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " إذَا جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ " إذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَحَرَّانَ وَسَائِرِ الْجَزِيرَةِ وَمَا حَاذَى ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ فَلَا تَتَفَاوَتُ هَذِهِ الْبُلْدَانُ فِي ذَلِكَ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَالرِّيَاحُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّيَاحَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ، عَلَى صِفَةٍ مَا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الِاسْتِدْلَال بِالرِّيحِ ضَعِيفٌ. فَوَائِدُ. الْأَوْلَى: " الْجَنُوبُ " تَهُبُّ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَشْرِقِ، وَ " الشَّمَالُ " تُقَابِلُهَا وَ " الدَّبُورُ " تَهُبُّ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ، وَ " الصَّبَا " تُقَابِلُهَا، وَتُسَمَّى الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ يُقَابِلُهُ. وَعَادَةُ أَبْوَابِ الْعَرَبِ إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فَتُقَابِلُهُمْ، وَمِنْهُ: سُمِّيَتْ الْقِبْلَةُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَالرِّيَاحُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ دَلَائِلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

فَأَمَّا قِبْلَةُ الشَّامِ: فَهِيَ مُشْرِقَةٌ عَنْ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ فَيَكُونُ مَهَبُّ الْجَنُوبِ لِأَهْلِ الشَّامِ قِبْلَةً. وَهُوَ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَ " الشَّمَالُ " مُقَابِلَتُهَا تَهُبُّ مِنْ ظَهْرِ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ الْقُطْبِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ. وَالصَّبَا تَهُبُّ عَنْ يَسْرَةِ الْمُتَوَجِّهِ إلَى قِبْلَةِ الشَّامِ، لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ إلَى مَطْلَعِ " الْعَيُّوقِ "، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَ " الدَّبُّورُ " مُقَابِلَتُهَا. الثَّانِيَةُ: مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ: الْأَنْهَارُ الْكِبَارُ غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ. فَكُلُّهَا بِخِلْقَةِ الْأَصْلِ تَجْرِي مِنْ مَهَبِّ الشَّمَالِ مِنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلَى يَسْرَتِهِ عَلَى انْحِرَافٍ قَلِيلٍ، إلَّا نَهْرًا بِخُرَاسَانَ وَنَهَرًا بِالشَّامِ عَكْسُ ذَلِكَ فَلِهَذَا سُمِّيَ الْأَوَّلُ " الْمَقْلُوبُ " وَالثَّانِي " الْعَاصِي "، وَمِمَّنْ قَالَ يُسْتَدَلُّ بِالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْقِبْلَةِ: الْجِبَالُ فَكُلُّ جَبَلٍ لَهُ وَجْهٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ يَعْرِفُهُ أَهْلُهُ وَمَنْ مَرَّ بِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْقِبْلَةِ: الْمَجَرَّةُ فِي السَّمَاءِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَتَكُونُ مُمْتَدَّةً عَلَى كَتِفِ الْمُصَلِّي الْأَيْسَرِ إلَى الْقِبْلَةِ [فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ] ، وَفِي آخِرِهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأَيْمَنِ فِي الصَّيْفِ، وَفِي الشِّتَاءِ تَكُونُ أَوَّلَ اللَّيْلِ مُمْتَدَّةً شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى الْكَتِفِ الْأَيْسَرِ إلَى نَحْوِ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَفِي آخِرِهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأَيْمَنِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الصَّيْفِ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِنُدْرَتِهِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَخَفِيَتْ الْقِبْلَةُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، قَوْلًا وَاحِدًا، لِقِصَرِ زَمَنِهِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُقَلِّدُ لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ مَعَ سَعَةِ

الْوَقْتِ، وَمَعَ ضِيقِهِ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فَإِنْ أَمْكَنَ التَّعَلُّمُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ، وَقِيلَ: بَلْ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) إذَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدَانِ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ قَطْعًا، بِحَيْثُ إنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَى جِهَتِهِ، وَأَمَّا اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: فَتَارَةً يَكُونُ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِهَةٍ، بِأَنْ يَمِيلَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا، وَتَارَةً يَكُونُ فِي جِهَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ ائْتِمَامُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ حَتَّى قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِهَتَيْنِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ قَوْلًا وَقَالَ: كَإِمَامَةِ لَابِسِ جُلُودِ الثَّعَالِبِ وَلَامِسِ ذَكَرِهِ، وَقَدْ نَصَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت: يَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ أَعْنِي: إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ، وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إذَا اقْتَدَى بِهِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ ائْتِمَامُهُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ. فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لَوْ اتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا فَأَتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَمَنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ انْحَرَفَ وَأَتَمَّ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ لِلْعُذْرِ وَيُتِمُّ، وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَةُ: لَوْ اجْتَهَدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجْتَهِدْ الْآخَرُ لَمْ يَتْبَعْهُ، عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ

الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَتْبَعُهُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَلَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَيَتْبَعُ الْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ تَقْلِيدِ الْأَوْثَقِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ لِلْجَاهِلِ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَالْأَعْمَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ لَا يَجِبُ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، فَيُخَيَّرُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْفُرُوعِ كَعَامِّيٍّ فِي الْفُتْيَا، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَدْيَنَ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَتَى أَمْكَنَ الْأَعْمَى الِاجْتِهَادُ، كَمَعْرِفَتِهِ مَهَبَّ الرِّيحِ، أَوْ بِالشَّمْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَسَاوَى عِنْدَهُ اثْنَانِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي جِهَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ خُيِّرَ فِي اتِّبَاعِ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ فِي جِهَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي إلَى الْجِهَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ فَأَخْطَأَ، أَوْ صَلَّى الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ: أَعَادَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا صَلَّى فِي الْحَضَرِ فَأَخْطَأَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ إذَا كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ. احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَضِيَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الزَّاغُونِيِّ حَكَى رِوَايَةً: أَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَلَوْ فِي الْحَضَرِ.

تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَصِيرَ إذَا صَلَّى فِي الْحَضَرِ وَلَمْ يُخْطِئْ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُعِيدُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَهُ، وَهُوَ السُّؤَالُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: وَمَكِّيٌّ كَغَيْرِهِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ " قَدْ تَحَرَّى " فَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الْإِجْزَاءِ وُجُودَ التَّحَرِّي، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَكِّيِّ، وَعَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا عَلِمَ بِالْخَطَأِ فَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ اجْتِهَادٍ إلَى يَقِينٍ. فَيُنْقَضُ اجْتِهَادُهُ كَالْحَاكِمِ إذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ وَجَدَ النَّصَّ، وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا نُسَلِّمُهُ، وَالَأَصَحُّ تَسْلِيمُهُ. الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الْبَصِيرُ مَحْبُوسًا لَا يَجِدُ مَنْ يُخْبِرُهُ تَحَرَّى وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ، قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَيَأْتِي كَلَامُ أَبِي بَكْرٍ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَعْمَى مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى، وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ) وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ.

وَالثَّانِي: يُعِيدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَخْطَأَ أَعَادَ، وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا يُعِيدُ: لَا بُدَّ مِنْ التَّحَرِّي. فَلَوْ لَمْ يَتَحَرَّ وَصَلَّى أَعَادَ إنْ أَخْطَأَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا إنْ أَصَابَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُعِيدُ إنْ أَصَابَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَحَرَّى الْمُجْتَهِدُ أَوْ الْمُقَلِّدُ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ كَانَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ، أَوْ تَفَاوَتَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ، أَوْ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ زَمَنٍ يَجْتَهِدُ فِيهِ: صَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا، حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُعِيدُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ فِي الْمُجْتَهِد، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَحْبُوسُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ جِهَةً يُصَلِّي إلَيْهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَا يُعِيدُ، إنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَرِوَايَتَانِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ التَّمِيمِيِّ وَالشَّارِحِ فِي الْمَحْبُوسِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ كَانَ خَطَؤُهُ يَقِينًا أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ. وَخَرَّجَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً يُعِيدُ مِنْ مَسْأَلَةِ " لَوْ بَانَ الْفَقِيرُ غَنِيًّا " وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إنْ بَانَ خَطَؤُهُ يَقِينًا، وَلَا إعَادَةَ إنْ كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَبَيْنَ الْوَقْتِ وَبَيْنَ أَخْذِ الزَّكَاةِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ وَفِي الزَّكَاةِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمِلَ بِالثَّانِي، وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، فَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَارَةً يَكُونُ وَهُوَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ اجْتَهَدَ لِلصَّلَاةِ قَطْعًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ فِيهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ يَعْمَلَ بِالثَّانِي وَيَبْنِيَ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَبْطُلُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ جِهَتُهُ الْأُولَى اخْتَارَهُ ابْنُ مُوسَى وَالْآمِدِيُّ لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ، ثُمَّ شَكَّ: لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَبَنَى كَذَا إنْ زَالَ ظَنُّهُ وَلَمْ يَبِنْ لَهُ الْخَطَأُ، وَلَا ظَهَرَ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى، وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خَطَأُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا، وَلَمْ يَظُنَّ جِهَةً غَيْرَهَا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ بَانَ لَهُ صِحَّةُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ اسْتَمَرَّ، وَصَحَّتْ. وَإِنْ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا بَنَى، وَقِيلَ: إنْ أَبْصَرَ فِيهَا مَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ، وَفَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ، وَلَمْ يَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى صَوَابِهِ بَطَلَتْ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خَطَأُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا، وَظَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اسْتَدَارَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَبَنَى، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ، ثُمَّ بَانَ لَهُمْ الْخَطَأُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ: اسْتَدَارُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، وَإِنْ بَانَ لِلْإِمَامِ وَحْدَهُ، أَوْ لِلْمَأْمُومِينَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ: اسْتَدَارَ مَنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ، وَنَوَى بَعْضُهُمْ مُفَارَقَةَ بَعْضٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا يَجُوزُ الِائْتِمَامُ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ

باب النية

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُقَلِّدٌ تَبِعَ مَنْ قَلَّدَهُ وَانْحَرَفَ بِانْحِرَافِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أُخْبِرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِالْخَطَأِ يَقِينًا: لَزِمَ قَبُولُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إلَّا إنْ كَانَ الثَّانِي يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ، فَيَكُونُ كَمَنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ صَلَّى مَنْ فَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، ثُمَّ بَانَ مُصِيبًا: لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. [بَابُ النِّيَّةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ فَرْضٌ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ، وَوَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: شَرَائِطُهَا خَمْسَةٌ، فَنَقَصُوا مِنْهَا النِّيَّةَ وَعَدُّوهَا رُكْنًا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَهِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ، وَفِيهَا رُكْنٌ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، ذَكَرَهُ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ لَهُمَا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ بِمَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا يَنْوِيهَا مِمَّا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إجْمَاعًا فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ أَجْزَأَهُمْ كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ

لَوْ كَانَ عَلَيْهِ شِيَاهٌ عَنْ إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ، أَوْ آصُعَ طَعَامٍ مِنْ عُشْرٍ وَزَكَاةِ فِطْرٍ، فَأَخْرَجَ شَاةً أَوْ صَاعًا يَنْوِيهِ مِمَّا عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ، لَمَّا لَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ شَرْطًا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لَا فَرْقَ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إنْ لَمْ تَصِحَّ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجِبُ التَّعْيِينُ لِلْفَرْضِ فَلَا يَجِبُ فِي نَفْلٍ مُعَيَّنٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَتَى نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ لَا يَعْلَمُ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ؟ فَصَلَّى أَرْبَعًا يَنْوِي الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَجْزَأَهُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَوْلُهُ (وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ مُعَيَّنَةً، مِثْلُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهَا، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجْهَانِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَجِبُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ [وَالْمُنَوِّرِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ حَاضِرَةٌ وَفَائِتَةٌ فَصَلَّاهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا فِي إحْدَاهُمَا لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا: لَزِمَهُ ظُهْرَانِ، حَاضِرَةٌ وَمَقْضِيَّةٌ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ ظُهْرٌ وَاحِدَةٌ، يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ فَائِتَتَانِ ظُهْرًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُعَيِّنَ السَّابِقَةَ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ كَصَلَاةِ نَذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ هُنَا فِي التَّرْتِيبِ كَإِخْرَاجِ نِصْفِ دِينَارٍ عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْنِ، أَوْ كَفَّارَةٍ عَنْ إحْدَى أَيْمَانٍ حَنِثَ فِيهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ يُعَيِّنُ السَّابِقَةَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ ظُهْرِ الْيَوْمِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْحَاضِرَةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهِ، وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَجَعَلَهَا ابْنُ تَمِيمٍ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ، وَجَهِلَ عَيْنَهَا، أَوْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ. الرَّابِعَةُ: يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ إذَا كَانَ خِلَافَ ظَنِّهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَلَا إعَادَةَ، وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ مُوسَى: أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَلَا بِالْعَكْسِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ مَعَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِلْفَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الْحَاضِرَةَ فَرْضًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَامِدٍ لَا يَلْزَمُهُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَأَمَّا نِيَّةُ الْفَرْضِ لِلْمَكْتُوبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَدَاءٌ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَا: هُوَ أَوْلَى وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ [وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ كَاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ لِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلْفَرْضِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَصْحَابُنَا فِي النِّيَّةِ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ: الْأَشْبَهُ اشْتِرَاطُهُ.

قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، دُونَ الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَجُوزُ، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ أَيْضًا، مَا لَمْ يَفْسَخْهَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ " إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَهُوَ نِيَّةٌ. أَتُرَاهُ كَبَّرَ وَهُوَ لَا يَنْوِي الصَّلَاةَ؟ " وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا قُلْت: وَفِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّقْدِيمِ: لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَهَا وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: تَبْطُلُ كَمَا لَوْ كَفَرَ. تَنْبِيهٌ: اشْتَرَطَ الْخِرَقِيُّ فِي التَّقْدِيمِ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَوَلَدُهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إمَّا لِإِهْمَالِهِمْ لَهُ، أَوْ اعْتِمَادًا عَلَى الْغَالِبِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ قَالَ الْقَاضِي: وَقَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ. انْتَهَى. قُلْت: الْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ عَدَمَ الْجَوَازِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ الْجَوَازُ، لَكِنْ لَمْ أَرَ بِالْجَوَازِ تَصْرِيحًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَقَدُّمِهَا عَدَمُ فَسْخِهَا وَبَقَاءُ إسْلَامِهِ قَالَ الْقَاضِي

فِي التَّعْلِيقِ، وَالْوَسِيلَةِ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ: أَوْ يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ مِثْلِ عَمَلِ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ، أَوْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، عَلَى مَا يَأْتِي، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الرِّعَايَةِ، أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِمَا يُلْهِيهِ، وَقَطْعِ جَمَاعَةٍ، أَوْ بِتَعَمُّدِ حَدَثٍ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ نِيَّةُ الْفَرْضِ مِنْ الْقَاعِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ نَوَى فَرْضًا وَهُوَ قَاعِدٌ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَنْعَقِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ نَفْلًا قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: إنْ نَوَى قَرِيبًا لَمْ تَبْطُلْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عَزَمَ عَلَى فَسْخِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي قَطْعِهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالْعَزْمِ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِالتَّرَدُّدِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى،

وَالْحَاوِي، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: إنْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا أَوْ تَرَدَّدَ فَأَوْجُهٌ الثَّالِثُ: تَبْطُلُ مَعَ الْعَزْمِ دُونَ التَّرَدُّدِ، وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَإِنْ قَطَعَهَا أَوْ عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا عَاجِلًا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ، أَوْ تَوَقَّفَ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَقْطَعُهَا، أَوْ عَلَّقَ قَطْعَهَا عَلَى شَرْطٍ: فَوَجْهَانِ، وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا: إذَا شَكَّ هَلْ نَوَى فَعَمِلَ مَعَهُمْ أَيْ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا ثُمَّ ذَكَرَ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَبْنِي؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُزِيلُ حُكْمَ النِّيَّةِ. فَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ كَمَا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ عَمَلًا، وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ، لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ قَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا: إنْ كَانَ الْعَمَلُ قَوْلًا لَمْ تَبْطُلْ لِتَعَمُّدِ زِيَادَتِهِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ فِعْلًا بَطَلَتْ، لِعَدَمِ جَوَازِهِ كَتَعَمُّدِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ عَمَلًا وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ عَمَلًا عَلَى أَصْلِنَا. وَلِهَذَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يَقْطَعْهَا، لَمْ تَبْطُلْ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الْآمِدِيُّ: وَإِنْ قَطَعَهَا بَطَلَتْ بِقَطْعِهِ لَا نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَوْ كَانَ عَمَلًا لَاحْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْعِبَادَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي خِلَافِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْقِرَاءَةُ عِبَادَةٌ تُعْتَبَرُ لَهَا النِّيَّةُ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا شَكُّهُ هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ، وَذَكَرَ فِيهَا، يَعْنِي هَلْ تَبْطُلُ أَوْ لَا؟ وَقِيلَ: يُتِمُّهَا نَفْلًا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. كَشَكِّهِ هَلْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ؟ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ إمَامٍ صَلَّى بِقَوْمٍ الْعَصْرَ فَظَنَّهَا الظُّهْرَ فَطَوَّلَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَقَالَ: يُعِيدُ، وَإِعَادَتُهُمْ عَلَى اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ شَكَّ هَلْ نَوَى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؟ أَتَمَّهَا

نَفْلًا، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا فَيُتِمُّهَا فَرْضًا، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ عَمَلًا خُرِّجَ فِيهِ الْوَجْهَانِ. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ فَرْضِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ أَحْرَمَ بِفَرْضِ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً أَوْ فَجْرًا أَوْ التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ ذَكَرَ: بَطَلَ فَرْضُهُ وَلَمْ يَبْنِ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَالِمًا قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ يَبْنِي كَظَنِّهِ تَمَامَ مَا أَحْرَمَ بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ خُرُوجُهُ بِشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا دَخَلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَشَكِّهِ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ: انْقَلَبَ نَفْلًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَعَنْهُ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ [قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَخَرَّجَ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً: أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا] كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، فَائِدَةٌ: مِثْلُ هَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَائِتَةٍ فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ [أَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ وَقْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا جَازَ) إذَا أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا فَتَارَةً يَكُونُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ

وَأَمَّا إذَا قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَتَصِحُّ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَأَكْثَرُهُمْ جَزَمَ بِهِ، وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَةً مِنْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُذْهَبِ: إنْ كَانَتْ فَجْرًا أَتَمَّهَا فَرِيضَةً؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَهْيٍ عَنْ النَّفْلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ فِعْلُهُ أَفْضَلُ أَمْ تَرْكُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهُ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَضِيلَةٍ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بَطَلَتْ الصَّلَاتَانِ) تَسَاهُلٌ. إذْ الثَّانِيَةُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا حَتَّى تَبْطُلَ، بَلْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ بَطَلَ فَرْضُهُ، وَالْمُرَادُ وَلَمْ يَنْوِ الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِهِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي. فَائِدَةٌ: إذَا بَطَلَ الْفَرْضُ الَّذِي انْتَقَلَ مِنْهُ، فَفِي صِحَّةِ نَفْلِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فَقَطْ. إذَا وُجِدَ فِيهِ، كَتَرْكِ الْقِيَامِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَالِائْتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ، إذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْفَرْضُ، وَالِائْتِمَامِ بِصَبِيٍّ إنْ اُعْتُقِدَ جَوَازَهُ، صَحَّ نَفْلًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ، وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا) أَمَّا الْمَأْمُومُ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا الْإِمَامُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ

الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ فِي الْإِمَامِ فِي سِوَى الْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ امْرَأَةً لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهَا بِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ إذَا وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُهُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْمَأْمُومُ مِثْلُهُ، وَلَا يَنْوِي كَوْنَهَا مَعَهُ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِالْفَرْقِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ بِرَجُلٍ صَحَّ ائْتِمَامُ الْمَرْأَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا كَالْعَكْسِ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ: لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَصَلَّى خَلْفَهُ، وَنَوَى مِنْ صَلَّى خَلْفَهُ الِائْتِمَامَ: صَحَّ وَحَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَيُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: مُقْتَدٍ وَمُقْتَدًى بِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمُقْتَدِي دُونَ الْمُقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدَى بِهِ نَوَى مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَالْمُقْتَدِي نَوَى الِاقْتِدَاءَ، وَقَدْ صَحَّحْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ: يَنْوِي الْمُنْفَرِدُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اعْتَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ، أَوْ مَأْمُومُهُ: لَمْ تَصِحَّ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: تَصِحُّ فُرَادَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ فُرَادَى إذَا نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَأْمُومُ الْآخَرِ فَقَطْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ إذَا اعْتَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ فَصَلَاتُهُمَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّةُ الْإِمَامِ، صَحَّتْ الصَّلَاةُ فُرَادَى فِيمَا إذَا نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ. وَكَذَا إذَا نَوَى إمَامَةَ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ، كَامْرَأَةٍ تَؤُمُّ رَجُلًا، لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي الْأَشْهُرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ أَمَّ أُمِّيٌّ قَارِئًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا لَمْ تَصِحَّ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا تَصِحُّ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ وَيُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَتَى فَرَغَ قَبْلَ إمَامِهِ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ جَازَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ صَحَّ فِي النَّفْلِ) يَعْنِي: إذَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الْإِمَامَةَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَلَمْ تَصِحَّ فِي الْفَرْضِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ: يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِمَامَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ الْمُفْتَرِضُ إمَامَةَ مَنْ لَحِقَهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ، فَوَجْهَانِ فِي الصِّحَّةِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ إنْ رَضِيَ الْمُفْتَرِضُ مَجِيءَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ أَوَّلَ رَكْعَةٍ، فَجَاءَ وَرَكَعَ مَعَهُ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: إنْ صَلَّى وَحْدَهُ رَكْعَةً لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ أَحَدٌ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَرِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَإِلَّا صَلَّى وَحْدَهُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ عَادَتُهُ الْإِمَامَةُ. انْتَهَى. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ: صَحَّ، وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَصِحَّ فَلَوْ ظَنَّ حُضُورَهُ فَلَمْ يَحْضُرْ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَاضِرٍ فَانْصَرَفَ قَبْلَ إحْرَامِهِ، أَوْ عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَقِيلَ: إنْ ظَنَّهُمَا وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا فِي الْأَصَحِّ فَأَخْطَأَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مُنْفَرِدًا كَانْصِرَافِ الْحَاضِرِ بَعْدَ دُخُولِهِ مَعَهُ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَإِنْ عَيَّنَ جِنَازَةً فَأَخْطَأَ فَوَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ عَيَّنَ وَقَصْدُهُ خَلْفَ مَنْ حَضَرَ، وَعَلَى مَنْ حَضَرَ: صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَتَمَّهَا إمَامُهُ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهَا لَا هِيَ مِنْهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا، بِدَلِيلِ السَّهْوِ، وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي قِيَاسَ الْمَذْهَبِ الثَّالِثَةُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَيْهَا يُتِمُّونَهَا فُرَادَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ وَالْأَشْهَرُ أَوْ جَمَاعَةً، وَكَذَا جَمَاعَتَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ بِتَرْكِ فَرْضٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَفِي مُنْهًى عَنْهُ، كَحَدَثٍ: عَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَرْطٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ رُكْنٍ، أَوْ تَعَمُّدِ مُفْسِدٍ، وَإِلَّا فَلَا، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا ثُمَّ نَوَى الِانْفِرَادَ لِعُذْرٍ جَازَ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ اسْتَثْنَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ مَسْأَلَةً، وَصُورَتُهَا: مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يُعَجِّلُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْفِرَادَ إذْ اسْتَفَادَ بِهِ تَعْجِيلَ لُحُوقِهِ لِحَاجَتِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ خِلَافَهُ، فَيُعَايَى بِهَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِهِمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا " لِعُذْرٍ " وَهُنَا لَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ الِانْفِرَادُ. فَائِدَةٌ: الْعُذْرُ مِثْلُ تَطْوِيلِ إمَامِهِ، أَوْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ نُعَاسٍ، أَوْ شَيْءٍ، يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، أَوْ عَلَى مَالٍ، أَوْ أَهْلٍ، أَوْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ وَنَحْوِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْعُذْرُ مَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَجُزْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَإِلَيْهَا مَيْلُ الشَّارِحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ

فَوَائِدُ. مِنْهَا: مَتَى زَالَ الْعُذْرُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ الدُّخُولُ مَعَ الْإِمَامِ، وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فَارَقَهُ فِي الْقِيَامِ أَتَى بِبَقِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَلَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ ظَنَّ فِي صَلَاةِ السِّرِّ أَنَّ الْإِمَامَ قَرَأَ: لَمْ يَقْرَأْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ، وَمِنْهَا: لَوْ فَارَقَهُ الْعُذْرُ، وَقَدْ صَلَّى مَعَهُ رَكْعَةً فِي الْجُمُعَةِ: أَتَمَّهَا جُمُعَةً بِرَكْعَةٍ أُخْرَى كَمَسْبُوقٍ، وَإِنْ فَارَقَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَزْحُومِ فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الظُّهْرُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَتَمَّ نَفْلًا فَقَطْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ فَارَقَهُ فِي الْأُولَى فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يُتِمُّهَا جُمُعَةً، وَالثَّانِي: يُصَلِّيهَا ظُهْرًا، وَهَلْ يَسْتَأْنِفُ أَوْ يَبْنِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ الظُّهْرُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا فَيُتِمُّهَا نَفْلًا، سَوَاءٌ فَارَقَهُ فِي الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: أَنَّهُ إذَا فَارَقَهُ فِي الْأُولَى لِعُذْرٍ يُتِمُّهَا جُمُعَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لَهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَتَعَمُّدِهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَيَبْنِي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا فَيَبْنِي إذَا تَطَهَّرَ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالِاسْتِئْنَافِ

وَأَمَّا الْمَأْمُومُ: فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ اخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ: فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ: فَحُكْمُهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى صِحَّتِهَا وَالْأَشْهَرِ، وَبُطْلَانٍ نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ: هَذَا الْأَشْهَرُ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ هُنَا، وَإِنْ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ مَا إذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يَسْتَخْلِفُ، فَاسْتَخْلَفَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَحَضَرَ، ثُمَّ صَارَ إمَامًا: فَعَنْهُ يَصِحُّ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ تَطَهَّرَ يَعْنِي الْإِمَامُ قَرِيبًا، ثُمَّ عَادَ فَائْتَمَّ بِهِمْ جَازَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ فِي الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَسْبُوقًا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ، فَيَأْتِي بِمَا عَلَيْهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِثَلَاثَةِ أَئِمَّةٍ

قَالَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَسَلَّمُوا مُنْفَرِدِينَ أَوْ انْتَظَرُوهُ حَتَّى سَلَّمَ بِهِمْ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ كُلِّهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ: يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ سَلَامُهُمْ قَبْلَهُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَعَهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: يَسْتَخْلِفُ أُمِّيًّا فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ هُنَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مُرَتَّبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا جَلَسَ عَقِيبَهَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْتِيبِ إمَامِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ، فَيَجْلِسَ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهِيَ ثَالِثَةٌ لِلْمَأْمُومَيْنِ وَيَتْبَعُونَهُ فِي ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَعَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي الْمَسْبُوقِ الَّذِي دَخَلَ مَعَهُ، وَقَالَ فِي الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ: الْأَظْهَرُ فِيهِ التَّخْيِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُتَابَعَةَ ابْتِدَاءً. الثَّانِيَةُ: يَبْنِي الْخَلِيفَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا قُلْنَا يَبْنِي عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ الْأَوَّلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ سِرًّا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَهِيَ عَجِيبٌ مِنْهُ

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَقْرَأُ سِرًّا مَا فَاتَهُ مِنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَوَّلِ جَهْرًا إنْ كَانَتْ صَلَاةَ جَهْرٍ. وَقَالَ عَنْ الْمَنْصُوصِ: لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي، إلَّا أَنْ يَقُولَ مَعَهُ بِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهَا بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْمُومًا بِحَالٍ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فَيَسْقُطُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ بِمَا يَقْرَؤُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَمَّلْ الْقِرَاءَةَ هُنَا. الثَّالِثَةُ: مَنْ اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ: اعْتَدَّ بِهِ لِلْمَأْمُومِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا فِي الرُّكُوعِ لَغَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ، قَرَأَ لِنَفْسِهِ وَانْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُ ثُمَّ رَكَعَ وَلَحِقَ الْمَأْمُومَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَدَّى الْإِمَامُ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ، مِثْلُ أَنْ يُحْدِثَ رَاكِعًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَوْ حَدَثَ سَاجِدًا فَرَفَعَ وَقَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، إنْ قُلْنَا يَبْنِي ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَبْطُلُ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ أَدَاءَ رُكْنٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاشْتَبَهَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى بَعْضِهِمْ فَزَادَ وَنَقَصَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ وَصَلُّوا وُحْدَانًا: صَحَّ، وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا طُعِنَ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا، وَإِنْ اسْتَخْلَفُوا لِأَنْفُسِهِمْ صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ اسْتَخْلَفَ كُلُّ طَائِفَةٍ رَجُلًا، أَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّى الْبَاقُونَ فُرَادَى فَلَا بَأْسَ.

السَّادِسَةُ: حُكْمُ مَنْ حَصَلَ لَهُ مَرَضٌ أَوْ خَوْفٌ، أَوْ حَصْرٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ قَصْرٌ وَنَحْوُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ، وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْمَوْتِ، وَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: أَوْ بِلَا عُذْرٍ حُكْمُ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُبِقَ اثْنَانِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ، لَمَّا حَكَوْا الْخِلَافَ هُنَا: بِنَاءً عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَتَقَدَّمَ جَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ هُنَا فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ هُنَا. وَإِنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ: لَوْ أَمَّ مُقِيمٌ مِثْلَهُ إذَا سَلَّمَ مُسَافِرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: الْمَسْبُوقَ فِي الْجُمُعَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ائْتِمَامُ مَسْبُوقٍ بِمَسْبُوقٍ فِيهَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ مَرَّةً لَمْ تُقَمْ فِيهِ ثَانِيَةً، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِ الْمُجَرَّدِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبِلَا عُذْرِ السَّبْقِ كَاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ بِلَا عُذْرٍ قَالَ فِي النُّكَتِ: صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَلَامُهُ فِي الْمُقْنِعِ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ يَصِحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَسْأَلَةِ الِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمُغْنِي وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الِاسْتِخْلَافِ لِغَيْرِ عُذْرٍ رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ يَصِحَّ إذَا انْتَقَلَ عَنْ إمَامِهِ إلَى إمَامٍ آخَرَ فَائْتَمَّ بِهِ أَوْ صَارَ الْمَأْمُومُ إمَامًا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ، ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَأَحْرَمَ بِهِمْ، وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، فَصَارَ الْإِمَامُ مَأْمُومًا فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ شَيْخِنَا أَبِي يَعْلَى، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ هُنَا أَوْجُهًا، وَكَذَا حَكَاهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

باب صفة الصلاة

وَحَكَاهُ رِوَايَاتٍ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مَنْصُوصَةٌ وَتَقَدَّمَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ ثُمَّ صَارَ إمَامًا. فَائِدَتَانِ. أَحَدُهُمَا: الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ كَالْخِلَافِ فِي الصِّحَّةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ دُخُولِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا لِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ إمَامًا لِلنَّاسِ " وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ بِإِمَامَيْنِ، وَصَرَّجَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بِذَلِكَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامَ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ إمَامَ النَّاسِ، وَقِيلَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إمَامًا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ وَرَاءَهُمَا صَفًّا، وَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ فِي الْمَوْقِفِ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقُومَ إلَى الصَّلَاةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ، سَوَاءٌ رَأَى الْإِمَامَ أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَائِبًا. وَتَقَدَّمَ غَيْرُهَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، قَامُوا عِنْدَ ذِكْرِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا قُرْبَهُ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى يَرَوْهُ، وَقِيلَ: لَا يَقُومُونَ إذْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَرَوْهُ، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَقِيَامُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِهِ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ) هَكَذَا عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِهِمْ. وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ: وَيُسَوِّي الْإِمَامُ صَفَّهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ سُنَّةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وُجُوبُهُ، وَقَالَ: مُرَادُ مَنْ حَكَاهُ إجْمَاعًا اسْتِحْبَابُهُ لَا نَفْيُ وُجُوبِهِ، وَذَكَرَ فِي النُّكَتِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا: بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْنَعَ الصِّحَّةَ، وَيُحْتَمَلُ لَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فَوَائِدُ. الْأُولَى: التَّسْوِيَةُ الْمَسْنُونَةُ فِي الصُّفُوفِ: هِيَ مُحَاذَاةُ الْمَنَاكِبِ وَالْأَكْعُبِ دُونَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ

الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَرَاصُّ الصُّفُوفِ، وَسَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي فِيهَا، وَتَكْمِيلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلُ فَلَوْ تَرَكَ الْأَوَّلَ كُرِهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَهُوَ أَوْلَى، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَطَوُّعُ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ. وَقَاسَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْمَأْمُومِينَ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي النُّكَتِ: يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ كَلَامِهِمْ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ إذَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ لَمْ تَفُتْهُ قَالَ: لَكِنْ هِيَ فِي صُورَةٍ نَادِرَةٍ، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُحَافِظُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا: لَا يَسْعَى إذَا أَتَى الصَّلَاةَ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ. قَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فَإِنْ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ، مَا لَمْ يَكُنْ عَجَّلَ لِفَتْحٍ قَالَ: وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يُعَجِّلُ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَكِنْ هَلْ يُقَيَّدُ الْمَسْأَلَتَانِ بِتَعَذُّرِ الْجَمَاعَةِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يُحَافِظُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّكْعَةِ مِنْ نَصِّهِ " يُسْرِعُ إلَى التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى " قَالَ: وَالْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ إذَا لَمْ تَفُتْهُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، وَإِلَّا حَافَظَ عَلَيْهَا، فَيُسْرِعُ لَهَا. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَيَمِينُ كُلِّ صَفٍّ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا قُرْبُ الْأَفْضَلِ وَالصَّفُّ مِنْهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّ بُعْدَ يَمِينِهِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ قُرْبِ يَسَارِهِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ.

الْخَامِسَةُ: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْمَفْضُولِ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ نَصَّ عَلَيْهِ (وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْإِيثَارِ بِمَكَانِهِ، وَفِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَوْقِفِ. السَّادِسَةُ: الصَّفُّ الْأَوَّلُ: هُوَ مَا يَقْطَعُهُ الْمِنْبَرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَغَيْرِهِمَا: الْمِنْبَرُ لَا يَقْطَعُ الصَّفَّ، وَعَنْهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي يَلِي الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ. حَكَى هَذَا الْخِلَافَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَمَا تَقْطَعُهُ الْمَقْصُورَةُ فَلَيْسَ بِأَوَّلٍ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَرَجَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ لِأَحْمَدَ بِهِ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّهُ اخْتَارَهُ. السَّابِعَةُ: لَيْسَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ دُعَاءٌ مَسْنُونٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا) يَعْنِي لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ، وَيَكُونُ مُرَتَّبًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، وَاَللَّهُ الْأَعْظَمُ " جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ فِي " اللَّهُ الْأَكْبَرُ " وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ " الْأَكْبَرُ اللَّهُ، أَوْ الْكَبِيرُ اللَّهُ، أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ " ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ " أَكْبَرُ " كَالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَبْلَغَ إذَا قِيلَ: أَكْبَرُ مِنْ كَذَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

تَنْبِيهٌ: مِنْ شَرْطِ الْإِتْيَانِ بِقَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " أَنْ يَأْتِيَ بِهِ قَائِمًا، إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهِ رَاكِعًا، أَوْ أَتَى بِهِ كُلِّهِ رَاكِعًا، أَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، أَوْ أَتَمَّهُ قَائِمًا: لَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا، وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ مِمَّنْ كَمَّلَهَا رَاكِعًا فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي نَفْلٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ سَمَّعَ أَوْ حَمِدَ قَبْلَ انْتِقَالِهِ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَ انْتِهَائِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَرْكَعُ مُكَبِّرًا ". فَائِدَةٌ: لَوْ زَادَ عَلَى التَّكْبِيرِ، كَقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، أَوْ وَأَجَلُّ " وَنَحْوِهِ كُرِهَ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ: لَمْ يُسْتَحَبَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالزِّيَادَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ، قِيلَ: يَجُوزُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا) بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهَا فِي مَكَانِهِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ بَادِيًا بَعِيدًا فَيَقْصِدُ الْبَلَدَ لِتَعَلُّمِهَا فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ) ، وَكَذَا إنْ عَجَزَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَنْهُ لَا يُكَبِّرُ بِلُغَتِهِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. وَكَذَا حُكْمُ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالدُّعَاءِ، قَالَهُ فِي

الْقَاعِدَةَ الْعَاشِرَةَ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلًا، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا فَعَلَيْهِ: يَحْرُمُ بِلُغَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ لُغَاتٍ، فَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: يُقَدَّمُ السُّرْيَانِيُّ، ثُمَّ الْفَارِسِيُّ، ثُمَّ التُّرْكِيُّ، وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ التُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ عَرَفَ لِسَانًا فَارِسِيًّا وَسُرْيَانِيًّا فَأَوْجَهُ. الثَّالِثُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَيُقَدَّمَانِ عَلَى التُّرْكِيِّ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ التُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ لَمْ يُقَدَّمَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قُلْت: وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ، بَلْ أَطْلَقُوا فَيُجْزِيهِ التَّكْبِيرُ بِأَيِّ لُغَةٍ أَرَادَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مَقْطُوعَ اللِّسَانِ كَبَّرَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكْ لِسَانَهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ كَانَ أَقْوَى، وَقِيلَ: يَجِبُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْإِفَادَاتِ فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ بِقَلْبِهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إلَّا فِي التَّكْبِيرِ فَقَطْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ. الثَّانِيَةُ: الْحُكْمُ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ التَّعَلُّمِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي كُلِّ ذِكْرٍ مَفْرُوضٍ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ بِلُغَتِهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ: فَلَا يُتَرْجِمُ عَنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُحْسِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَتَى بِهِ بِلُغَتِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ، وَيُسِرُّ غَيْرُهُ بِهِ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ الْجَهْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ لَا يُكْرَهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ إذْنِهِ وَبِالتَّحْمِيدِ. قَوْلُهُ (وَبِالْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَفِي التَّكْبِيرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الِاكْتِفَاءَ بِالْإِتْيَانِ بِالْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ سَمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ " إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَانِعٌ، كَطَرَشٍ أَوْ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا تَمْنَعُهُ مِنْ سَمَاعِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ أَتَى بِهِ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ. قَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهَا قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَيُخْفِضُهُمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ (مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ، مَضْمُومًا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ مُفَرَّقَةً. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِبُطُونِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ الْقِبْلَةَ حَالَ التَّكْبِيرِ، عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: قَائِمَةً حَالَ الرَّفْعِ وَالْحَطِّ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ النَّاظِمُ: وَلِلْبَيْتِ لَا لِلْأُذُنِ وَاجِهْ بِأَجْوَدَ قَوْلُهُ (إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ وَإِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُخَيَّرُ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْكَافِي، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: لَا خِلَافَ فِيهِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ: يَرْفَعُهُمَا إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ النِّهَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَعَنْهُ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ إلَى صَدْرِهِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يُجَاوِزُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِبْهَامَيْهِ عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَقَالَ: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَاذِيَ بِمَنْكِبَيْهِ كُوعَيْهِ، وَبِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَبِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ: أَنْ تَكُونَا فِي حَالِ الرَّفْعِ مَكْشُوفَتَانِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ هُنَا وَفِي الدُّعَاءِ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ إشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا أَنَّ السَّبَّابَةَ إشَارَةٌ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا، ثُمَّ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَضَعُ بَعْضَ يَدِهِ عَلَى الْكَفِّ وَبَعْضَهَا عَلَى الذِّرَاعِ، وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَزَادَ: وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ قَالَ: وَيَقْبِضُ بِأَصَابِعِهِ عَلَى الرُّسْغِ، وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَائِدَةٌ: مَعْنَى ذَلِكَ: ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عِزٍّ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ يُرْسِلُهُمَا مُطْلَقًا إلَى جَانِبَيْهِ، وَعَنْهُ يُرْسِلُهُمَا فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الرِّوَايَةِ: الْجِنَازَةُ مَعَ النَّفْلِ، وَنُقِلَ عَنْ الْخَلَّالِ: أَنَّهُ أَرْسَلَ يَدَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، إلَّا حَالَ إشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ.

فَائِدَةٌ: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ فِي هَذَا الْبَابِ: غَيْرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إلَى الْعَدُوِّ، وَكَذَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ فَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ ضَيَاعِ مَالِهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ إذَا نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لَكَانَ قَوِيًّا، بَلْ لَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَهَذَا فِي النَّظَرِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ فَإِنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالنَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك) هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ الِاسْتِفْتَاحَ بِخَبَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلِّهِ، وَهُوَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ " وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَمْعَهُمَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا أُخْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ مِنْ الْوَارِدِ كَانَ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَعِيذُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ " إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ يَقُولُ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " جَزَمَ بِهِ فِي

الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ يَزِيدُ مَعَهُ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. اخْتَارَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هِيَ قُرْآنٌ، وَهِيَ آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ سِوَى بَرَاءَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ، لِقَوْلِهِ: " ثُمَّ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ". وَعَنْهُ لَيْسَتْ قُرْآنًا مُطْلَقًا، بَلْ هِيَ ذِكْرٌ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ: وَفِي ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرٌ. فَائِدَةٌ. لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى الْفَاتِحَةِ بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا خِلَافَ عَنْهُ نَعْلَمُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ إلَّا فِي الْفَاتِحَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ لَا تَخْتَلِفُ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ [وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ] وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمُوهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. فَيُعَايَى بِهَا

وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي الْجَهْرِ بِهَا، إنْ قُلْنَا هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي إشَارَاتِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا فِي الْمَدِينَةِ، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ بِهَا فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا وَبِالتَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ فِي الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا أَحْيَانَا، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، تَعْلِيمًا لِلسُّنَّةِ وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ تَرْكَ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ تَأْلِيفًا لِلْمَأْمُومِ. فَائِدَةٌ: يُخَيَّرُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فِي الْجَهْرِ بِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْقَاضِي: كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّعَوُّذِ، وَعَنْهُ يَجْهَرُ، وَعَنْهُ لَا يَجْهَرُ، وَيَأْتِي إذَا عَطَسَ فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أَوْ قَالَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " يَنْوِي بِذَلِكَ الْعَطْسَةَ، وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ الذِّكْرَ، عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِذَا قَامَ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ". تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ. وَفِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) يَأْتِي: هَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا) لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَرْتِيبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيَاسُ: يُتَسَامَحُ إذَا تَرَكَ تَرْتِيبَهَا سَهْوًا قَوْلُهُ (أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا) يَعْنِي إذَا تَرَكَ تَشْدِيدَةً مِنْهَا (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا مَعَ تَلْيِينِهِ، أَوْ إظْهَارِ الْمُدْغَمِ

قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ خَفَّفَ الشَّدَّةَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّطْقِ بِهِ، مَعَ الْعَجَلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ غَيْرُ قَوْلِ تَرْكِ التَّشْدِيدِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْعُمَدِ. الثَّانِي: مَحَلُّ قَوْلِهِ أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ إذَا كَانَ عَمْدًا فَلَوْ كَانَ سَهْوًا عُفِيَ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ سَكَتَ كَثِيرًا نَسِيَانَا أَوْ نَوْمًا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا غَلَطًا فَطَالَ بَنَى عَلَى مَا قَرَأَ مِنْهَا. وَقِيلَ: لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ غَفْلَةٍ، أَوْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ أَوْ السُّكُوتُ مَشْرُوعًا، كَالتَّأْمِينِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّسْبِيحِ لِلتَّنْبِيهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ: لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، وَإِنْ طَالَ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتٍ لِلْإِمَامِ وَلَا تَبْطُلُ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: تَبْطُلُ إذَا سَكَتَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (فَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: آمِينَ) فِي مَحَلِّ قَوْلِ الْمَأْمُومِ آمِينَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ

وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقُولُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَرْكُ الْجَهْرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ جَهْرًا لِيُذَكِّرَهُ، وَكَذَا لَوْ أَسَرَّهُ الْإِمَامُ جَهَرَ بِهِ الْمَأْمُومُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَرَأَ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْوَجْهَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ضَعَّفَهُ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. (وَقِيلَ: يَقْرَأُ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا) قَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَأَطْلَقَهُ هُوَ وَالْأَوَّلُ فِي الْمُذْهَبِ، وَأَطْلَقَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ: قَرَأَ قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَجْهَانِ

وَقِيلَ: يَقْرَأُ بِعَدَدِ حُرُوفِهَا وَآيَاتِهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ آيَةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَرَأَ قَدْرَهَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ تَعَلُّمُهَا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا يَسْقُطُ تَعَلُّمُهَا لِخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ، وَلَا يُصَلِّي بِغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَطُولَ زَمَنُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا آيَةً كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْآيَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ قِرَاءَتُهَا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَيَأْتِي بِقَدْرِ بَقِيَّةِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الذِّكْرِ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا آيَةً أَنْ تَكُونَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِهَا، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ: أَعَمُّ وَأَوْلَى. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَشَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكَرِّرُ الْآيَةَ الَّتِي مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهَا، وَقِيلَ: يَقْرَأُ الْآيَةَ وَالشَّيْءَ الَّذِي مِنْ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، إنْ كَانَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا كَرَّرَ بِقَدْرِهَا. لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ كَانَ الَّذِي يُحْسِنُهُ مِنْ آخِرِ الْفَاتِحَةِ، فَلْيَجْعَلْ قِرَاءَتَهُ أَخِيرًا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ بَعْضَ آيَةٍ: أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: هُوَ كَالْآيَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرَارٌ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى) هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَالْهَادِي. وَافَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى زِيَادَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يَقُولُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَعَنْهُ يُكَرِّرُ هَذَا بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الصَّرْصَرِيُّ فِي زَوَائِدِ الْكَافِي قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُكَرِّرَهُ، أَوْ يُضِيفَ إلَيْهِ ذِكْرًا آخَرَ حَتَّى يَصِيرَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ [قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَيُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ] وَمَا قَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ، وَيَزِيدُ كَلِمَتَيْنِ مِنْ أَيِّ ذِكْرٍ شَاءَ لِيَكُونَ سَبْعًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ، وَقَالَ ابْنُهُ فِي تَبْصِرَتِهِ يُسَبِّحُ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ يُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِخَبَرِ رِفَاعَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْكُلَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا شَيْءَ مُعَيَّنٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ ذَلِكَ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ) يَعْنِي بِقَدْرِ الذِّكْرِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: يُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ ذَلِكَ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِيهِ التَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الذِّكْرِ وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ) كَالْأَخْرَسِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ أَعْلَمُهُ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، وَالْأَخْرَسَ: الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا فِي وَجْهٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: خِلَافُ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْأَشْهَرِ يَلْزَمُ غَيْرَ حَافِظٍ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي،

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ. بَلْ لَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ إذَا كَبَّرَ لَكَانَ مُتَّجَهًا فَإِنَّ هَذَا كَالْعَبْدِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْأَخْرَسِ وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَيَأْتِي حُكْمُ السُّورَةِ فِي ذِكْرِ السُّنَنِ، وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ: مِنْ سُورَةِ (ق) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: أَوَّلُهُنَّ (الْحُجُرَاتُ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي الْمَطْلَعِ: لِلْعُلَمَاءِ فِي الْمُفَصَّلِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ أَوَّلِ الْفَتْحِ وَالرَّابِعُ: مِنْ أَوَّلِ الْقِتَالِ وَصَحَّحَهُ وَلَدُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَزَادَ فِي الْآدَابِ قَوْلَيْنِ، وَهُمَا: وَقِيلَ مِنْ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] وَقِيلَ مِنْ {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي الْعَصْرِ نِصْفَ الظُّهْرِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَصْرِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَا اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ قَوْلًا غَيْرَ هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ مُرَادَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وَيَكُونَ بَيَانًا لَهُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ:

لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُمَا، بَلْ اسْتَحَبَّهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَالَفَ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، وَلِمَا يُكْرَهُ بِطُوَالِهِ فِي الْمَغْرِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا قَالَ الشَّارِحُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحُكِيَ قَوْلٌ بِالْجَهْرِ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: الْمُنْفَرِدُ وَالْقَائِمُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ، يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: يُخَيَّرُ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى: وَكَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَجْهَرُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، فَإِنَّهُ يُسِرُّ قَوْلًا وَاحِدًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفَوَائِدِ هُنَاكَ. وَمِنْهَا: لَا تَجْهَرُ الْمَرْأَةُ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا أَجْنَبِيٌّ، بَلْ يَحْرُمُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمَنْعَ قَالَ فِي الْحَاوِي: وَتُسِرُّ

بِالْقِرَاءَةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، فِي أَوَاخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: وَتَجْهَرُ الْمَرْأَةُ فِي الْجَهْرِ مَعَ الْمَحَارِمِ وَالنِّسَاءِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَجْهَرُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا أَجْنَبِيٌّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ التَّحْرِيمَ وَعَدَمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجْهَرُ إنْ صَلَّتْ بِنِسَاءٍ، وَلَا تَجْهَرُ إنْ صَلَّتْ وَحْدَهَا. وَمِنْهَا: حُكْمُ الْخُنْثَى فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَرْأَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ جَهْرُهُ نَهَارًا فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيُخَيَّرُ لَيْلًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، زَادَ بَعْضُهُمْ: نَفْلٌ لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ: وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَرْفَعُ لَيْلًا، يُرَاعَى الْمَصْلَحَةَ. وَمِنْهَا: لَوْ قَضَى صَلَاةَ سِرٍّ لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، سَوَاءٌ قَضَاهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ قَضَى صَلَاةَ جَهْرٍ فِي جَمَاعَةٍ لَيْلًا جَهَرَ فِيهَا، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ قَضَاهَا نَهَارًا لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً، وَقِيلَ: يَجْهَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ الَّذِي يَقْضِي: الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَسِيَ الْجَهْرَ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَأَسَرَّ، ثُمَّ ذَكَرَ جَهَرَ، وَبَنَى عَلَى مَا أَسَرَّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَبْتَدِئُ الْقِرَاءَةَ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ الْإِسْرَارَ فِي صَلَاةِ السِّرِّ فَجَهَرَ ثُمَّ ذَكَرَ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى قِرَاءَتِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ

وَمِنْهَا: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّهَارِ: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَبِاللَّيْلِ: مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) وَتَحْرُمُ؛ لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَتَصِحُّ إذَا صَحَّ سَنَدُهُ؛ لِصَلَاةِ الصَّحَابَةِ بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيمَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ، حَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَنْهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءٌ، قَالَ: إنَّهَا لَيْسَ فِيهَا مَدٌّ وَلَا هَمْزٌ، كَأَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَشَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ، وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلَيْهِمْ ثَمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ مِنْهُ، مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ اخْتَارَ قِرَاءَةَ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ: وَهَذَا يَعُمُّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: أَيُّ الْقِرَاءَاتِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا؟ قَالَ: قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى. وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَرْكَعُ، مُكَبِّرًا) فَيَكُونُ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَعَنْهُ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا بَعْدَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالنُّهُوضِ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَاءِ الِانْتِقَالِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ. فَإِنْ كَمَّلَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مَحَلِّهِ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَهُ، أَوْ كَمَّلَهُ بَعْدَهُ، فَوَقَعَ بَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ، فَهُوَ كَتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهُ فِي مَحَلِّهِ. فَأَشْبَهَ مَنْ تَمَّمَ قِرَاءَتَهُ رَاكِعًا، أَوْ أَخَذَ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ قُعُودِهِ. وَقَالُوا: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ كَمَا لَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفَاقَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ يَعْسُرُ، وَالسَّهْوَ بِهِ يَكْثُرُ، فَفِي الْإِبْطَالِ بِهِ أَوْ السُّجُودِ لَهُ مَشَقَّةٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الصِّحَّةُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْحَوَاشِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَحُكْمُ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ حُكْمُ التَّكْبِيرِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ: لَوْ أَتَى بِبَعْضِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رَاكِعًا. قَوْلُهُ (وَقَدْرُ الْإِجْزَاءِ الِانْحِنَاءُ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ) مُرَادُهُ: إذَا كَانَ الرَّاكِعُ مِنْ أَوْسَطِ النَّاسِ وَقَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ

وَجَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنْ يَمَسَّ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ، مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي قَدْرِ الْإِجْزَاءِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُقْنِعِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. فَيَصْدُقُ بِرُءُوسِ أَصَابِعِهِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: أَنَّهُ قَدْرُ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ أَخْذِ رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ فِي حَقِّ أَوْسَاطِ النَّاسِ، أَوْ قَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالَانِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ: أَنْ يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَفْضَلَ قَوْلُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ قَوْلُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ. قَوْلُهُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ فِي تَسْبِيحَيْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا أَعْلَى الْكَمَالِ: فَتَارَةً يَكُونُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَمَالَ فِي حَقِّهِ يَكُونُ إلَى عَشْرٍ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَابَعَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْأَصَحُّ مَا بَيْنَ الْخَمْسِ إلَى الْعَشْرِ قَالَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، مَا لَمْ يُوتِرْ الْمَأْمُومُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ: وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَشُقَّ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ إلَّا بِرِضَا الْمَأْمُومِ، أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ الثَّلَاثُ لَهُ. وَقِيلَ: سَبْعٌ قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ الْكَمَالَ فِي حَقِّهِ قَدْرُ قِرَاءَتِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: الْكَمَالُ خَمْسٌ، لِيُدْرِكَ الْمَأْمُومُ ثَلَاثًا. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَطُلْ عُرْفًا، وَقِيلَ: أَوْسَطُهُ سَبْعٌ. وَأَكْثَرُهُ بِقَدْرِ الْقِيَامِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ: فَالصَّحِيحُ، أَنَّهُ لَا حَدَّ لِغَايَتِهِ، مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ. وَنَسَبَهُ الْمَجْدُ إلَى غَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْعُرْفُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: سَبْعٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْحَوَاشِي، وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَقِيلَ: أَوْسَطُهُ سَبْعٌ، وَأَكْثَرُهُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْقِيَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ مَحَلُّ رَفْعِ يَدَيْهِ: بَعْدَ اعْتِدَالِهِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ

ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ، إنْ قُلْنَا: لَا يَقُولُ بَعْدَ الرَّفْعِ شَيْئًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَبْتَدِئُهُ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ إنْ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ قَوْلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: بِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ يَكُونُ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا قَامَ قَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِهِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ الْإِتْيَانُ بِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ فَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَتَخَيَّرُ فِي تَرْكِهَا، بَلْ يَأْتِي بِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ: لَهُ قَوْلُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَبِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِالْوَاوِ وَجَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ مَعَ عَدَمِ الْوَاوِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ مَعَ الْوَاوِ، وَهِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ) : هَكَذَا، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَعْنِي مِلْءَ السَّمَاءِ عَلَى الْإِفْرَادِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُغْنِي، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْبَارِ

مِلْءَ السَّمَوَاتِ " بِالْجَمْعِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَطَسَ، فَقَالَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْعَطْسَةِ وَذِكْرُ الرَّفْعِ: لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُجْزِئُهُ، وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الْفَاتِحَةِ فَعَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْعُطَاسِ وَالْقِرَاءَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُمَا لَا تُبْطِلُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ: إنْ شَاءَ أَرْسَلَ يَدَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِذَا قَامَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْمَأْمُومُ حَطَّهُمَا وَقَالَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَوَضَعَ كُلُّ مُصَلٍّ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ فَوْقَهَا تَحْتَ صَدْرِهِ، أَوْ أَرْسَلَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَعَنْهُ إذَا قَامَ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ حَطَّهُمَا فَقَطْ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا انْتَصَبَ قَائِمًا أَرْسَلَ يَدَيْهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي افْتِرَاشِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ بَعِيدٌ

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَعَنْهُ يَزِيدُ مِلْءَ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ مُحْتَمَلٌ، تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا لَمْ يَزِدْ عَلَى رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ فَقَطْ، وَعَنْهُ يُسَمِّعُ فَقَطْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهَا ضَعْفٌ، وَعَنْهُ يُحَمِّدُ فَقَطْ. فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ فَيَقُولُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجَاوِزُ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الزِّيَادَةِ لِمَنْ يَكْتَفِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِأَدْنَى الْكَمَالِ، وَقَوْلُهَا إذَا أَطَالَهُمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: يَجُوزُ، لِلْأَثَرِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ قَوْلِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ: بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالِ قِيَامِهِمَا يَقُولَانِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَمَحَلُّهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ: حَالَ رَفْعِهِ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهُمَا، وَعَنْهُ يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. فَائِدَةٌ. حَيْثُ اُسْتُحِبَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، مَنْ رَفَعَ أَتَمُّ صَلَاةً مِمَّنْ لَمْ يَرْفَعْ، وَعَنْهُ لَا أَدْرِي قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى نَحْوِ مَا، قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ إنَّ الرَّفْعَ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَنْ التَّمَامِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ فَضِيلَةٍ وَسُنَّةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ مَنْ تَرَكَ الرَّفْعَ يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ قَالَ: لَا يَقُولُ هَكَذَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: رَاغِبٌ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ يَضَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْمُسْتَحَبَّةُ، وَتَكُونُ أَصَابِعُهُ مُفَرَّقَةً مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ بُطُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ أَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ؟ فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ: وُجُوبُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ أَوْ خُفٌّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ يَجِبُ فَتْحُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، جَازَ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ ضَمُّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيُوَجِّهُهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ ".

الثَّالِثَةُ: لَوْ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ عَادَ قَائِمًا بِهِ، وَإِنْ اطْمَأَنَّ عَادَ فَانْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ سَجَدَ فَإِنْ اعْتَدَلَ حَتَّى سَجَدَ سَقَطَ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامِهِ سَاجِدًا عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ بِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامٍ لَمَّا أَرَادَ الِانْحِنَاءَ قَامَ رَاكِعًا، فَلَوْ أَكْمَلَ قِيَامَهُ ثُمَّ رَكَعَ لَمْ يُجْزِئْهُ كَرُكُوعَيْنِ. قَوْلُهُ (وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) وَاجِبٌ أَيْ رُكْنٌ (إلَّا الْأَنْفَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، إحْدَاهُمَا: يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَرَوَى الْآمِدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ النَّاظِمُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَمُبَاشَرَةَ الْمُصَلَّى بِهَا وَاجِبٌ لَا رُكْنٌ. وَقَالَ: يَجْبُرُهُ إذَا تَرَكَهُ سَاهِيًا أَتَى بِسُجُودِ السَّهْوِ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُتَّجَهٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ إذْ لَمْ نَرَ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كَأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ حَالَةَ السُّجُودِ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: إذَا وَضَعَ مَنْ يَدَيْهِ بِقَدْرِ الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ السُّجُودُ بِبَعْضِ الْكَفِّ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، وَبَعْضِ الْجَبْهَةِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْيَدَيْنِ بِالسُّجُودِ، وَيُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ أَوْ مَا أَمْكَنَهُ، سَقَطَ السُّجُودُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، فَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِالْأَنْفِ، وَلَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ بِالْوَجْهِ تَبِعَهُ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِتَعْلِيقِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ وَضْعُهُ بِدُونِ بَعْضِهَا، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا الْجَبْهَةَ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) : وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي. إحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا، يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ، صَحَّتْ الصَّلَاةُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ سَجَدَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِتَوَقِّي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ: جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ: إنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، وَكَانَتْ مُحَنَّكَةً جَازَ، وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي كَرَاهَةِ فِعْلِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِغَيْرِ الْجَبْهَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا بِالْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ: فَلَا يَجِبُ الْمُبَاشَرَةُ بِهَا إجْمَاعًا، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ رُكْبَتَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا بِالْيَدَيْنِ فَالصَّحِيحُ عَنْ الْمَذْهَبِ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: الْيَدُ كَالْجَبْهَةِ فِي اعْتِبَارِ الْمُبَاشَرَةِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يَسْجُدُ وَيَدَاهُ فِي ثَوْبِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْجُدُ عَلَى ذَيْلِهِ أَوْ كُمِّهِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ

وَقَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ: إذَا سَجَدَ وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ، وَفِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَانِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ سَتْرُهُمَا، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ سَجَدَ عَلَى مَا لَيْسَ بِحَائِلٍ لَهُ، فَلَا كَرَاهَةَ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً. ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لِتَرْكِ الْخُشُوعِ، كَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ. فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) قَالَ الْأَصْحَابُ " وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ " وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ. فَإِنْ آذَى جَارَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِالطُّولِ، بَلْ أَطْلَقُوا، وَقِيلَ: يَعْتَمِدُ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَ قِيَامِهِ، وَيُرَاوِحَ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ يُكْرَهُ التَّرَاوُحُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ كَعْبَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ سَجَدَ عَلَى مَكَان أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ كَنَشَزٍ وَنَحْوِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَكُونُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اسْتِعْلَاءُ الْأَسْفَلِ وَاجِبٌ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ إنْ كَثُرَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: إنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ دُونَ الْكَثِيرِ، قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يُكْرَهْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ سَجَدَ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرَدٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ: لَمْ يَصِحَّ، لِعَدَمِ الْمَكَانِ الْمُسْتَقِرِّ. قَوْلُهُ (وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُ: يَجْعَلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ، يَعْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا فِي أَدْنَى الْكَمَالِ وَأَعْلَاهُ وَأَوْسَطِهِ كَالْخِلَافِ فِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ (يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي صِفَةِ الِافْتِرَاشِ لَا غَيْرَ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَوْ يُضْجِعُهُمَا تَحْتَ يُسْرَاهُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَمَالَ هُنَا ثَلَاثٌ لَا غَيْرُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى:

السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ. وَالْكَمَالُ فِيهِ مِثْلُ الْكَمَالِ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، عَلَى مَا مَضَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْكَمَالُ هُنَا سَبْعٌ، وَقِيلَ: لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيُسَنُّ مَا سَهُلَ وِتْرًا. فَائِدَةٌ: لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلَا عَلَى سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، مِمَّا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ، وَقِيلَ: وَالْفَرْضِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ؟ قَوْلُهُ (وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْحُسَيْنِ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْمَشَايِخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْخَلَّالُ، وَقَالَ: إنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقِيلَ: يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا. تَنْبِيهٌ. قَوْلُهُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ (يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَأَلْيَتَيْهِ) فِي صِفَةِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ رِوَايَاتٌ. إحْدَاهُمَا: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ صِفَةَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْقَاضِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَلَا يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَالْآمِدِيُّ، وَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إذَا قَامَ لَا يَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ إذَا قَامَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَيَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَيَكْفِيهِ تَكْبِيرُهُ حِينَ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ. وَقِيلَ: يَنْهَضُ مُكَبِّرًا، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَرَدَّهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا. الثَّانِيَةُ: لَيْسَتْ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَلْ هِيَ فَصْلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهَا فَصْلٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ الْأُولَى. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى، إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَالِاسْتِفْتَاح) بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا إذَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: مَتَى قُلْنَا بِوُجُوبِ الِاسْتِفْتَاحِ فَنَسِيَهُ فِي الْأُولَى، أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِهِ، فَهَلْ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَأْتِي بِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَتَعَوَّذُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: هِيَ الرَّاجِحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَعَوَّذُ اخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَبَعَّدَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: وَهُوَ الْأَصَحُّ دَلِيلًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَعَاذَ فِي الْأُولَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَعِذْ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّانِيَةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. قُلْت: وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى ثُمَّ اسْتَثْنَى الِاسْتِعَاذَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي الْأُولَى. فَائِدَةٌ. اسْتَثْنَى أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا النِّيَّةَ، أَيْ تَجْدِيدَهَا، وَكَذَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ لَوْ تَرَكَ أَبُو الْخَطَّابِ اسْتِثْنَاءَهَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّرَائِطِ دُونَ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهَا عِنْدَنَا لِجُزْءٍ مِنْ الْأُولَى، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَهَا اكْتِفَاءً بِالدَّوَامِ الْحُكْمِيِّ، وَقَدْ تَسَاوَتْ الرَّكْعَتَانِ فِيهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت إنْ أَرَادَ أَبُو الْخَطَّابِ بِاسْتِثْنَائِهَا أَنَّهُ لَا تُسَنُّ ذِكْرًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اسْتِصْحَابَهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمًا فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ التَّكْرَارَ عِبَارَةٌ عَنْ إعَادَةِ شَيْءٍ فَرَغَ مِنْهُ وَانْقَضَى، وَلَوْ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ النِّيَّةِ حُكْمًا لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ إذَنْ. انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا أَرَادَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يُجَدِّدُ لَهَا نِيَّةً كَمَا جَدَّدَهَا لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ. لَكِنَّ تَرْكَ اسْتِثْنَائِهَا أَوْلَى، لِمَا قَالَهُ الْمَجْدُ، وَكَذَلِكَ تَرَكَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَدِّدُ نِيَّةً لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ إنْ تَوَرَّكَ جَازَ وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ، حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ، وَيُلْحِقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيَعْقِدُ إبْهَامَهُ كَخَمْسِينَ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يَبْسُطُهَا كَالْيُسْرَى، وَعَنْهُ يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ بِالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ مَا سِوَاهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْسُطُ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَيَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى. قَوْلُهُ (وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ فِي تَشَهُّدِهِ مِرَارًا) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ ثَلَاثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُشِيرُ بِهَا، وَلَمْ يَقُولُوا مِرَارًا مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ

فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ مَرَّةً، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَخْبَارِ، وَقَالَ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. تَنْبِيهٌ: الْإِشَارَةُ تَكُونُ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ رَسُولِهِ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ تَشَهُّدِهِ، وَقِيلَ: هَلْ يُشِيرُ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ رَسُولِهِ فَقَطْ، أَوْ عِنْدَ كُلِّ تَشَهُّدٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: لَا يُحَرِّكُ إصْبَعَهُ حَالَةَ الْإِشَارَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُحَرِّكُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا بِغَيْرِهَا، لَوْ عُدِمَتْ. وَوُجِّهَ احْتِمَالًا أَنَّهُ يُشِيرُ بِغَيْرِهَا إذَا عُدِمَتْ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُشِيرُ بِالْإِبْهَامِ طُولَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْبِضُ الْبَاقِيَ. قَوْلُهُ (وَيَبْسُطُ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، أَوْ يُلْقِمَهَا رُكْبَتَهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ إنْ زَادَ أَسَاءَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي

الْجَامِعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ زِيَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَزَادَ وَعَلَى آلِهِ. فَائِدَةٌ. لَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ تَرْكُهَا أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَكَرِهَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقِيلَ: قَوْلُهَا أَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَالْأَوْلَى تَخْفِيفُهُ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ التَّشَهُّدَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ سَوَاءٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَشَهُّدُ عُمَرَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، سَلَامُ عَلَيْك إلَى آخِرِهِ وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْهُ فِي الْوَاجِبَاتِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَاءَ قَالَ (كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ) أَنَّ صِفَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُولَى، وَهَذِهِ فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ فَيُخَيَّرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا أَوْلَى وَأَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ،

وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ يُخَيَّرُ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ بِإِسْقَاطِ عَلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَنْكَرَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الصِّحَاحِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ بَلْ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَالطُّرُقِ لَفْظُ آلِ إبْرَاهِيمَ وَفِي بَعْضِهَا لَفْظُ إبْرَاهِيمَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظِ إبْرَاهِيمَ، وَآلِ إبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَوْقُوفًا. انْتَهَى. قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ، قُلْت: قَدْ رَوَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ فِي قَوَاعِدِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ، فِي الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الْأَفْضَلُ تَرْتِيبُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّشَهُّدِ عَلَى مَا وَرَدَ، فَيُقَدَّمُ التَّشَهُّدُ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. فَإِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَبْلَهُ، أَوْ نَكَّسَهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى لَمْ يُجْزِئْهُ، وَقِيلَ: بَلَى، ذَكَرَهُ الْقَاضِي،

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَبْدَلَ آلَ بِأَهْلِ فِي الصَّلَاةِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْمَطْلَعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَيُجْزِيهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَغَّرَ فَقَالَ أُهَيْلِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِيهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو حَفْصٍ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ الْقَرَابَةُ، وَالْآلَ الْأَتْبَاعُ فِي الدِّينِ. الثَّالِثَةُ: آلُهُ أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمَطْلَعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحَيْهِمَا، وَقِيلَ آلُهُ أَزْوَاجُهُ وَعَشِيرَتُهُ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ قَيَّدَهُ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: بَنُو هَاشِمٍ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ آلُهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقِيلَ: أَهْلُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ آلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَالَ: هُوَ نَصُّ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَفِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَةُ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفَائِقِ آلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ فِي الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَهَلْ أَزْوَاجُهُ مِنْ آلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْمُخْتَارُ، دُخُولُ أَزْوَاجِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا، أَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ: عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ. الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمْ الْكِسَاءَ وَخَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ

قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ حَمْزَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. الرَّابِعَةُ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ مُنْفَرِدًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْخِرَقِيِّ: وَلَا تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِالْأَنْبِيَاءِ عِنْدَنَا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِعُمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ إلَّا تَبَعًا لَهُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: يُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَنْعَ الشِّعَارِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَمَّا هُوَ: فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى وَغَيْرِهِمْ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] . الْخَامِسَةُ: تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتَتَأَكَّدُ كَثِيرًا عِنْدَ ذِكْرِهِ. قُلْت: وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا لِلْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، ذَكَرَهُ عَنْهُ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ، وَقَالَ: ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ. وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَنْهُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا الْبَزْدَوِيُّ مِنْهُمْ، ذَكَرَهُ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ عَنْهُ، وَأَظُنُّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ اخْتَارَهُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا: تَجِبُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً. وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَالَ: تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ إلَى آخِرِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ التَّعَوُّذُ وَاجِبٌ، حَكَاهَا الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعَادَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الدُّعَاءِ عَمْدًا يُعِيدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ فَلَا بَأْسَ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ: الْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ أَخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَا يَدْعُو بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمِثْلُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلْيَتَخَيَّرْ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا أَحَبَّ، وَلَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِهَا. انْتَهَى. زَادَ غَيْرُهُمْ: وَأَخْبَارُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِالْأَخْبَارِ أَخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَالسَّلَفِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إنْ دَعَا بِغَيْرِ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ: أَنَّ بِهِ بَأْسًا وَهُوَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ كَالدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ الْفَوَاحِشِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَدْعُوُّ بِهِ يُشْبِهُ مَا وَرَدَ فَهَذَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي وَجْهٍ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ قَالَ الشَّارِحُ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، الْقِسْمُ الثَّانِي: الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ، وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا. كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ، وَحُلَّةً خَضْرَاءَ، وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَدْعُو لِجَمَاعَةٍ فِي الصَّلَاةِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ: إذَا لَمْ يَأْتِ فِي الدُّعَاءِ بِكَافِ الْخِطَابِ فَإِنْ أَتَى بِهَا بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَيْضًا: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تَبْطُلُ بِقَوْلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْطَانِ، عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَوَّذَ نَفْسَهُ بِقُرْآنٍ لِحُمَّى، وَلَا مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَا بِالْحَوْقَلَةِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَيَأْتِي ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا اُرْتُجَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ يَكُونُ حَالَ الْتِفَاتِهِ قَدَّمَهُ فِي

الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَلْتَفِتُ بِالرَّحْمَةِ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَيَأْتِي إذَا سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، عِنْدَ قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجْهَرُ بِهِ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَسَّرَ بِهِ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يُسِرُّ بِهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ عَنْ يَسَارِهِ، عَكْسُ الْأَوَّلِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، لِئَلَّا يُسَابِقَهُ الْمَأْمُومُ فِي السَّلَامِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهِمَا، وَيَكُونُ الْجَهْرُ فِي الْأُولَى أَكْثَرَ، وَقِيلَ: يُسِرُّهُمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا أَسَرَّهُمَا. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: الْمُنْفَرِدُ كَالْمَأْمُومِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْتِفَاتُهُ عَنْ يَسَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْتِفَاتِهِ عَنْ يَمِينِهِ، فَعَلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. وَحَدُّهُ الْتِفَاتُهُ بِحَيْثُ يُرَى خَدَّاهُ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ

وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِلْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ الْجَهْرُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَإِخْفَاءُ الثَّانِيَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَى، وَهُوَ حَذْفُ السَّلَامِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهُ، وَيَمُدَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى النَّاسِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إرَادَتُهُمَا، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ جَزْمُهُ وَعَدَمُ إعْرَابِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فِي سَلَامِهِ رُكْنٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ النَّاظِمُ وَهُوَ الْأَقْوَى وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ لِذِكْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِيهِ، يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَمَّا قَوْلُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فِي الْجِنَازَةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ بِدُونِ ذِكْرِ

الرَّحْمَةِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إذَا لَمْ نُوجِبْهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ هُنَاكَ احْتَمَلَ فِي الْجِنَازَةِ وَجْهَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ، فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ عَلَيْك السَّلَامُ أَيُّهَا النَّبِيُّ، أَوْ عَلَيْنَا السَّلَامُ، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُمَا وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَكَّرَ السَّلَامَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ نَكَّسَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ. فَقَالَ عَلَيْك السَّلَامُ أَيُّهَا النَّبِيُّ أَوْ عَلَيْنَا السَّلَامُ، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهُ أَوْلَى قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ يُجْزِئُ مَعَ التَّنْوِينِ، وَلَا يُجْزِي مَعَ عَدَمِهِ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِ الرَّحْمَةِ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ الْأَوْلَى، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: إنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَحَسَنٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فَإِنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ جَازَ. قَوْلُهُ (وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ جَازَ) يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ:

هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ، إذْ هُوَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، فَشَمَلَتْهُ نِيَّتُهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. يَعْنِي أَنَّهَا رُكْنٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ: إنْ سَهَا عَنْهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، يَعْنِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَاجِبَةٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، قَالَ الْآمِدِيُّ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا فَتَرَكَهَا عَمْدًا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا صَحَّتْ، وَيَسْجُدُ السَّهْوَ فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَى بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ، وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَازَ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِلتَّشْرِيكِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى بِسَلَامِهِ عَلَى الْحَفَظَةِ، وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْجَوَازُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِتَمَحُّضِهِ كَلَامَ آدَمِيٍّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَعَنْهُ يَنْوِي الْمَأْمُومُ بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى إمَامِهِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ قَالَ: وَهَلْ هُوَ مَسْنُونٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ، أَوْ جَائِزٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يُسَنُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ، وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ: إذَا نَوَى بِتَسْلِيمِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ قَالَ، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ رَدُّ سَلَامٍ فَيَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الرَّدِّ إلَى بَعْدِ السَّلَامِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِتَرْكِ السَّلَامِ عَلَى إمَامِهِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ لَا يَتْرُكُ السَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبِالثَّانِيَةِ: الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْحَفَظَةِ وَمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، إنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي حَفْصٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ، يَنْوِي كَذَلِكَ، إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ: سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ: نَوَى بِالْأُولَى الْحَفَظَةَ، وَبِالثَّانِيَةِ الْخُرُوجَ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَنْوِي بِالْأُولَى الْخُرُوجَ فَقَطْ، وَفِي الثَّانِيَةِ: وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَى ذَلِكَ نِيَّةَ الْحَفَظَةِ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: نِيَّةُ الْخُرُوجِ فِي الْأُولَى إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ قُلْنَا: هِيَ وَاجِبَةٌ كَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بَلْ فِي الْأَوَّلَةِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ رَدَّ سَلَامَهُ الْحَاضِرُونَ وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ وَجَبَتْ الثَّانِيَةُ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْخُرُوجُ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ

وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَنْوِي الْخُرُوجَ بِالْأُولَى سِرًّا إنْ قُلْنَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ قُلْنَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالثَّانِيَةِ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ نَوَى بِالْأُولَى الْخُرُوجَ، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ فَرْضٌ نَوَى الْخُرُوجَ بِالثَّانِيَةِ خَاصَّةً. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ فِي مَغْرِبٍ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، نَهَضَ مُكَبِّرًا إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ مُكَبِّرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَرْفَعُهُمَا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ، وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) لَا يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُسَنُّ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ، وَالْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، بَلْ تُبَاحُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ [فَائِدَةٌ: النَّفَلُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَالْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَيْضًا: فِيمَا إذَا شَفَعَ الْمَغْرِبَ بِرَابِعَةٍ فِي إعَادَتِهَا يَقْرَأُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ كَالتَّطَوُّعِ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد وَقَطَعَ بِهِ] الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا، يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) يَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي صِفَتِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ [الشَّرْحِ] وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ تَوَرَّكَ، فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ بَاطِنَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَأَيُّهُمَا فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يُخْرِجُ قَدَمَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ تَحْتِ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَقْعُدُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، أَوْ يَجْعَلُ فَخِذَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَلَى بَاطِنِ قَدَمِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَقْعُدُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ يُؤَخِّرُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، أَوْ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يَتَوَرَّكُ فِي الْمَغْرِبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ، تَوَرَّكَ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ثُنَائِيَّةٍ: فَهَلْ يَتَوَرَّكُ أَوْ يَفْتَرِشُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَفْتَرِشُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: افْتَرَشَ فِي الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَوَرَّكُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ

سُجُودِ السَّهْوِ، وَيَأْتِي أَيْضًا تَوَرُّكُ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ " قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ تَسْدِلُ رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلُهَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا) فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ السَّدْلِ وَالتَّرَبُّعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، لَكِنْ قَالَا: تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً، أَوْ مُتَوَرِّكَةً وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّدْلَ أَفْضَلُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَحَكَاهُ رِوَايَةً فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهَا تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً، وَأَمَّا إسْرَارُهَا بِالْقِرَاءَةِ: فَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ إحْدَاهُمَا: يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ، الثَّانِيَةُ: لَا يُسَنُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ، وَعَنْهُ تَرْفَعُهُمَا قَلِيلًا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ. فَائِدَةٌ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالْمَرْأَةِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ، كَمَا إذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ وَنَحْوُهُ لَمْ يُكْرَهْ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا فَأَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا، مِثْلَ إنْ اسْتَدَارَ بِجُمْلَتِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِلَا نِزَاعٍ. قُلْت: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا اسْتَدَارَ بِجُمْلَتِهِ، وَكَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ فَيُعَايَى بِهَا، وَقَدْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا: مَا إذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ إلَى جِهَةِ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْجِهَةُ بَقِيَتْ قِبْلَتُهُ فِيمَا إذَا اسْتَدَارَ عَنْ الْقِبْلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ " أَنَّهُ لَوْ الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ مَعَ وَجْهِهِ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِهِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: حَالَةُ التَّجَشِّي فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَغَيْرِهِ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ وَجْهَهُ إلَى فَوْقٍ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ مَنْ حَوْلَهُ بِالرَّائِحَةِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَجَشَّأَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْفَعْ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ آذَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ رِيحِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ جَائِزٌ.

تَنْبِيهٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صِفَةَ الْإِقْعَاءِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ أَنْ يُقِيمَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَوْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيُقِيمَ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: هُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَهُمَا، نَاصِبًا قَدَمَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ إنْ أَزْعَجَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ، وَحَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ صَلَاةِ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّوَقَانُ إلَى الْأَكْلِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ، فَخَرَّجَ مِنْهَا وَجْهًا بِالْكَرَاهَةِ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ رِيحٍ مُحْتَبِسَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: هِيَ فِي مَعْنَى مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي الْمُدَافَعَةِ هُنَا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي كَلَامَ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الْمُدَافَعَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ قَالَ: وَكَذَا حُكْمُ الْجُوعِ الْمُفْرِطِ، وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطِ، وَاحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَتَجِيءُ الرِّوَايَاتُ قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ بِخُشُوعِهَا، كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي مَكَان، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ: أَنْ يَعِيَ

أَفْعَالَهَا وَيَعْقِلَهَا، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتْ فَعَلَهَا عَلَى كَمَالِ خُشُوعِهَا وَفِعْلُهَا عَلَى كَمَالِ خُشُوعِهَا بَعْدَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ بِدُونِ كَمَالِ خُشُوعِهَا. قَوْلُهُ (أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْعُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا تَائِقًا إلَى الطَّعَامِ، وَهُوَ أَوْلَى قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ تَائِقًا إلَى شَرَابٍ أَوْ جِمَاعٍ مَا الْحُكْمُ؟ لَمْ أَجِدْهُ، وَالظَّاهِرُ: الْكَرَاهَةُ. انْتَهَى. قُلْت: بَلْ هُمَا أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْخَلَاءِ وَالْأَكْلِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالتَّرَوُّحُ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَغَمٍّ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ، جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ تَرَوُّحُهُ، وَقِيلَ: يَسِيرًا لِغَمٍّ أَوْ حُزْنٍ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي لَا يُكْرَهُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ هُنَا بِالتَّرَوُّحِ: أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مُرَاوَحَتُهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَمُسْتَحَبَّةٌ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إذَا طَالَ قِيَامُهُ، وَيُكْرَهُ كَثْرَتُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَنْقُصُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ

الْقَاضِي وَتَابَعَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ عَلَى تَرْكِهِ قَادِرًا، وَعَنْهُ يَجِبُ رَدُّهُ، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَغْلِبْهُ، وَعَنْهُ يَرُدُّهُ فِي الْفَرْضِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهُ رَدَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ مُحْتَاجًا إلَى الْمُرُورِ أَوْ لَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ، وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمِنْهَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمِنْهَا: الْقُرْبُ هُنَا: ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْوَى عِنْدِي وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: الْعُرْفُ، وَقِيلَ: مَا لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِقَتْلِ الْحَيَّةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ مَرَّ بِقُرْبِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ مَا لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا فِي السُّتْرَةِ وَالْمُرُورِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدَّمَهُ هُوَ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: جَوَازُ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ وَلَا كَرَاهَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ مَرَّ بِقُرْبِهِ دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَلَا سُتْرَةَ لَهُ أَوْ مَرَّ دُونَ سُتْرَتِهِ، فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَكَّةَ، وَقِيلَ: وَالْحَرَمِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ أَمَامَهُ دُونَ سُتْرَتِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَكَّةَ، وَقِيلَ: وَالْحَرَمِ، وَقِيلَ: وَفِيهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: الْحَرَمُ كَمَكَّةَ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِهِ. فَائِدَةٌ. حَيْثُ قُلْنَا: لَهُ رَدُّ الْمَارِّ، وَرَدَّهُ فَأَبَى فَلَهُ دَفْعُهُ فَإِنْ أَصَرَّ فَلَهُ قِتَالُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ قِتَالُهُ، وَمَتَى خَافَ فَسَادَ صَلَاتِهِ لَمْ يُكَرِّرْ دَفْعَهُ، وَيَضْمَنْهُ إنْ كَرَّرَهُ، وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا، وَعَنْهُ لَهُ تَكْرَارُ دَفْعِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ (وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحُ) لَهُ عَدُّ الْآيِ بِأَصَابِعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ النَّاظِمُ،

وَلَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ فِي مَعْنَى عَدِّ الْآيِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُكْرَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: لَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يُكْرَهُ قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ الْأَجْوَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمُبَاحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَا: نَصَّ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ قَالَ الشَّارِحُ: قَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَفِي كَرَاهَةِ عَدِّ التَّسْبِيحِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْقَمْلَةِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِشَرْطِهِ، وَلَهُ قَتْلُ الْقَمْلَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي بِالتَّغَافُلِ عَنْهَا أَوْلَى، وَعَنْهُ يَصُرُّهَا فِي ثَوْبِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ رَمَى بِهَا جَازَ. فَائِدَةٌ: إذَا قَتَلَ الْقَمْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ دَفْنُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَالْبُصَاقِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ دَفْنُهَا، إنْ قِيلَ بِنَجَاسَةِ دَمِهَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ

فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: أَعْمَاقُ الْمَسْجِدِ كَظَاهِرِهِ فِي وُجُوبِ صِيَانَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا كَانَ عَمْدًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " مَشَى وَتَكَلَّمَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَدَخَلَ الْحُجْرَةَ " وَمَعَ ذَلِكَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَعَ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِهِ لَا تَبْطُلُ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ كَالنَّاسِي. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا) يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَفْعَالًا مُتَفَرِّقَةً، وَكَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ مُتَوَالِيَةً لَكَانَتْ كَثِيرَةً: لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا " إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ كَحَالَةِ الْخَوْفِ وَالْهَرَبِ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: لَمْ تَبْطُل بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَعُدَّ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ مِنْ الضَّرُورَةِ: إذَا كَانَ بِهِ حَكَّةٌ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. الثَّانِي: يَرْجِعُ فِي طُولِ الْفِعْلِ وَقِصَرِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ كَثِيرٌ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَا عُدَّ فِي الْعُرْفِ يَسِيرٌ فَهُوَ يَسِيرٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ،

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ عِنْدَ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: قَدْرُ الْكَثِيرِ مَا خُيِّلَ لِلنَّاظِرِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الثَّلَاثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ فِيمَنْ رَأَى عَقْرَبًا فِي الصَّلَاةِ: أَنَّهُ يَخْطُو إلَيْهَا وَيَأْخُذُ النَّعْلَ وَيَقْتُلُهَا وَيَرُدُّ النَّعْلَ إلَى مَوْضِعِهَا، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: الْيَسِيرُ كَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ حِينَ مَشَى إلَى الدَّابَّةِ، وَقَدْ انْفَلَتَتْ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَالْعَمَلِ، سَوَاءٌ فُهِمَتْ أَوْ لَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إشَارَتُهُ الْمَفْهُومَةُ كَالْكَلَامِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا بِرَدِّ السَّلَامِ. الثَّانِيَةُ: عَمَلُ الْقَلْبِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ طَالَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يُبْطِلُ إنْ طَالَ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى مَا عَمِلَهُ بِقَلْبِهِ. الثَّالِثَةُ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِإِطَالَةِ النَّظَرِ فِي كِتَابٍ إذَا قَرَأَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا أَثَرَ لِعَمَلِ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، كَصَبِيٍّ مَصَّ ثَدْيَ أُمِّهِ ثَلَاثًا فَنَزَلَ لَبَنُهَا. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: الْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ لَا بَأْسَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ النَّاظِمُ عَنْ الْأَوَّلِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، كَتَكْرَارِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَتَفْرِيقِ سُورَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا، مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهَادِي، وَالشَّارِحُ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ أَوْسَاطُ السُّوَرِ دُونَ أَوَاخِرِهَا.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَقِيلَ: أَوَاخِرُهَا أَوْلَى، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي فَرْضٍ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ، وَلِلْإِطَالَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ مُلَازَمَةُ سُورَةٍ، مَعَ اعْتِقَادِ جَوَازِ غَيْرِهَا قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ، يَعْنِي بِالْكَرَاهَةِ، لِعَدَمِ نَقْلِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إنْ طَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ فِي النَّفْلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ جَازَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ فَتَحَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: عُمُومُ قَوْلِهِ (وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ) يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ: فَلَا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْفَتْحِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّانِي: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْإِمَامِ " لِلْعَهْدِ، أَيْ إمَامِهِ فَلَا يَفْتَحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُصَلِّيًا أَوْ قَارِئًا، لَكِنْ لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيُكْرَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ لِتَجَرُّدِهِ لِلتَّفْهِيمِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَعَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أُرْتِجَ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْفَاتِحَةِ، وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا، فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعِيدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ: وَلَوْ كَانَ إمَامًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي إمَامِ الْحَيِّ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ مِثْلُ سَهْوِ إمَامِهِ، أَوْ اسْتِئْذَانِ إنْسَانٍ عَلَيْهِ سَبَّحَ إنْ كَانَ رَجُلًا) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَ، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّصْفِيقُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ كَثُرَ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً صَفَحَتْ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى) أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَنْ لَا يُكْثِرَ فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، فَلَوْ سَبَّحَتْ كَالرَّجُلِ كُرِهَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ بِتَصْفِيقِهَا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ قَالَ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَرَاهَةِ التَّنْبِيهِ بِنَحْنَحَةٍ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، قُلْت: الصَّوَابُ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ قَالَ: أَظْهَرُهُمَا يُكْرَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَمِنْهَا: لَا يُكْرَهُ تَنْبِيهُهُ بِقِرَاءَةٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: وَعَنْهُ تَبْطُلُ بِذَلِكَ، إلَّا فِي تَنْبِيهِ الْإِمَامِ وَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إلَّا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِتَنْبِيهِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ عَطَسَ، فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " أَوْ لَسَعَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ " بِسْمِ اللَّهِ " أَوْ سَمِعَ، أَوْ رَأَى مَا يَغُمُّهُ فَقَالَ " إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ " أَوْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ " سُبْحَانَ اللَّهِ " وَنَحْوَهُ: كُرِهَ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَرْكُ الْحَمْدِ؛ لِلْعَاطِسِ أَوْلَى. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي رَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. انْتَهَى. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَنْ عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَنَقَلَ هَهُنَا، فِيمَنْ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ " وُلِدَ لَك غُلَامٌ " فَقَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ " أَوْ احْتَرَقَ دُكَّانُك " فَقَالَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " أَوْ " ذَهَبَ كِيسُك " فَقَالَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ خَاطَبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، مِثْلُ أَنْ يُسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] أَوْ يَقُولُ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] وَنَحْوَ ذَلِكَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قَصَدَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الذِّكْرَ فَقَطْ: لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَدَ خِطَابَ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا فَوَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: وَيَتَأَتَّى الْخِلَافُ أَيْضًا فِي تَحْذِيرِ ضَرِيرٍ مِنْ وُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ إذَا نَبَّهَ غَيْرَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَدَرَهُ الْبُصَاقُ فَلَا يَبْصُقُ إلَّا فِي ثَوْبِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ جَوَازَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَدَفْنَهُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ)

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، بَلْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ قَدَمُهُ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمَا: لَكِنْ إنْ كَانَ يُصَلِّي فَفِي ثَوْبِهِ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ جَازَ الْأَمْرَانِ، وَفِي الْبُقْعَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ نَظَافَةَ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ الظَّاهِرَاتِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ حُرْمَةُ الْبُقْعَةِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَبْصُقُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَسْجِدِ فِي ثَوْبِهِ وَفِي غَيْرِهِمَا عَنْ يَسَارِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ كَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي، وَإِلَّا فَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُتَابِعًا. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " جَازَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ " أَنَّهُ لَا يَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا أَمَامَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ، مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاضِحِ الْوُجُوبَ قَوْلُهُ (مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: يَكُونُ طُولُهَا ذِرَاعًا، وَعَرْضُهَا لَا حَدَّ لَهُ قَالَ

ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَعَنْهُ مِثْلِ عَظْمِ الذِّرَاعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: عُلُوُّ شِبْرٍ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ عُلُوُّ شِبْرٍ. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: تَكْفِي السُّتْرَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِدَارٍ قَرِيبٍ، أَوْ سَارِيَةٍ، أَوْ جَمَادٍ غَيْرِهِ، أَوْ حَرْبَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ عَصًا، أَوْ إنْسَانٍ، أَوْ حَيَوَانٍ بَهِيمٍ طَاهِرٍ، غَيْرِ وَجْهَيْهِمَا، وَيُكْرَهُ إلَى وَجْهِ آدَمِيٍّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: أَوْ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، أَوْ لَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ مِخَدَّةٍ، أَوْ شَيْءٍ شَاخِصٍ غَيْرِ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، كَبَعِيرٍ أَوْ رَحْلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَصًا مُلْقَاةٌ عَرْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ سَوْطٌ، أَوْ سَهْمٌ، أَوْ مُصَلَّاهُ الَّذِي تَحْتَهُ، أَوْ خَيْطٌ، أَوْ مَا اعْتَقَدَهُ سُتْرَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ غَرْزُ الْعَصَا وَضَعَهَا. الثَّانِيَةُ: عَرْضُ السُّتْرَةِ أَعْجَبُ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهَا يَسِيرًا، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْقُرْبُ مِنْ سُتْرَتِهِ، بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْخَطُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ مِثْلَ الْهِلَالِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكْفِي طُولًا. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: السُّتْرَةُ الْمَغْصُوبَةُ وَالنَّجِسَةُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ: لَا تُفِيدُ شَيْئًا، وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي الْمَغْصُوبَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ النَّجِسَةَ لَيْسَتْ كَالْمَغْصُوبَةِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَالصَّلَاةُ إلَيْهَا كَالْقَبْرِ قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: وَعَلَى قِيَاسِهِ سُتْرَةُ الذَّهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَهَا: لَوْ وَضَعَ الْمَارُّ سُتْرَةً وَمَرَّ، أَوْ تَسَتَّرَ بِدَابَّةٍ جَازَ. قَالَ الشَّارِحُ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْكَافِي: الْوَجْهَانِ هُنَا، بِنَاءً عَلَى الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ سُتْرَةً. الثَّانِيَةُ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَسُتْرَةُ الْمَأْمُومِ لَا تَكْفِي أَحَدَهُمَا، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ سُتْرَةٌ، وَلَيْسَتْ سُتْرَةً لَهُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إذَا مَرَّ مَا يُبْطِلُهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذَا فِيمَا يُبْطِلُهَا خَاصَّةً، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي نَهْيِ الْآدَمِيِّ عَنْ الْمُرُورِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: لَمْ أَجِدْ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِجَوَازِ مُرُورِ الْإِنْسَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَأْمُومِينَ فَيَحْتَمِلُ جَوَازَهُ، اعْتِبَارًا بِسُتْرَةِ الْإِمَامِ لَهُمْ حُكْمًا، وَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْإِبْطَالِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْجَمِيعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ: عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَقَالَ: احْتِجَاجُهُمْ بِقَضِيَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَهِيمَةِ الَّتِي أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَدَارَأَهَا حَتَّى الْتَصَقَتْ بِالْجِدَارِ فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ، مُخْتَلِفٌ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: صَوَابُهُ الثَّانِي أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقِ الشَّافِعِيَّةِ. أَعْنِي عُمُومَ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَا يُبْطِلُهَا وَلِغَيْرِهِ كَمُرُورِ الْآدَمِيِّ، وَمَنْعِ

الْمُصَلِّي الْمَارَّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَنْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ قَامَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنْ مَشَى إلَيْهَا عَرْضًا كُرِهَ، وَعَنْهُ لَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُرُورِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَهُ رَدُّ الْمَارِّ ". فَائِدَتَانِ. الْأُولَى (الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ) هُوَ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الصَّيْدِ: هُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا لَوْنَ فِيهِ غَيْرُ السَّوَادِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ إنْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ بَهِيمًا، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ يُخَالِفَانِ لَوْنَهُ، لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا عَنْ اسْمِ " الْبَهِيمِ " وَأَحْكَامِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّيْدِ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ " الْبَهِيمُ " فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرُ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالسَّوَادِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، إحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ قَالَ فِي الْمُغْنِي:

هِيَ الْمَشْهُورَةُ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهُرُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا تَبْطُلُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَبْطُلُ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْحِمَارِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَجْهٌ: أَنَّهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: اسْمُ الْحِمَارِ إذَا أُطْلِقَ، إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ الْمَأْلُوفِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْأَهْلِيُّ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِمُرَادِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَمَا يُوهِمُ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ وَجْهًا بِذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَاعِدَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعُرْفِ قَالَ: وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، مِثْلُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَهَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ بَقَرِ الْوَحْشِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا، فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَمَا أَشْبَهَهُ. انْتَهَى. فَالْوَجْهُ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ فِي النُّكَتِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: تُشْبِهُ خَلْوَةَ الصَّغِيرَةِ بِالْمَاءِ، هَلْ يَلْحَقُ بِخَلْوَةِ الْمَرْأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى

قُلْت: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَلَامُهُمْ فِي الصَّغِيرَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ مُرُورِ الشَّيْطَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي حُكْمُ مُرُورِ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمُرُورِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ رِوَايَةً: أَنَّ السِّنَّوْرَ الْأَسْوَدَ فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ. الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْمُرُورِ، فَلَا تَبْطُلُ بِالْوُقُوفِ قُدَّامَهُ وَلَا الْجُلُوسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: وَلَيْسَ وُقُوفُهُ كَمُرُورِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُكْرَهُ إلَى بَعِيرٍ وَظَهْرٍ وَرَحْلٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، الْخَامِسَةُ: لَا فَرْقَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ الْمُرُورُ إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ، ذَكَرَهَا فِي التَّمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ إذَا كَانَ فِي نَفْلٍ أَوْ جِنَازَةٍ. السَّادِسَةُ: يَجِبُ رَدُّ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ دَمُهُ عَنْ بِئْرٍ إذَا كَانَ يُصَلِّي، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَرَدِّ مُسْلِمٍ عَنْ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا [وَقِيلَ: لَا يَجِبُ رَدُّ الْكَافِرِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى] وَتَقَدَّمَ مَا قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ حَذَّرَ ضَرِيرًا قُبَيْلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَدَرَهُ الْبُصَاقُ " وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ إذَا هَرَبَ مِنْهُ غَرِيمُهُ. نَقَلَ حُبَيْشٌ: يَخْرُجُ فِي طَلَبِهِ، وَكَذَا إنْقَاذُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: نَفْلًا فَلَوْ أَبَى قَطْعَهَا صَحَّتْ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. السَّابِعَةُ: لَوْ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ هَلْ تَبْطُلُ؟ الْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَلَا يُجِيبُ وَالِدَيْهِ فِي الْفَرْضِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا فِي النَّفْلِ إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ أَجَابَهُمَا، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَجِبْ أُمَّك، وَلَا تُجِبْ أَبَاك، وَهَلْ ذَلِكَ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا؟ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ بِالْوُجُوبِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْ يَنْظُرُ إلَى قَرِينَةِ الْحَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْجِهَادِ، حَيْثُ قَالُوا: لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ، وَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ لَوْ دَعَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى الْفِطْرِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ) يَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِيهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ حَافِظٍ فَقَطْ، وَعَنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْفَرْضَ، وَقِيلَ: وَالنَّفَلَ، وَتَقَدَّمَ إذَا نَظَرَ فِي كِتَابٍ وَأَطَالَ، بَعْدَ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا) . قَوْلُهُ (وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ [وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لِكُلِّ مُصَلٍّ، وَقِيلَ: السُّؤَالُ وَالِاسْتِعَاذَةُ هُنَا إعَادَةُ قِرَاءَتِهَا] اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الدِّينَوَرِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: وَفِيهِ ضَعْفٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَابَعُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْدَ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ قَائِلِهِ

وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جَوَازِهِ فِي الْفَرْضِ رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يَفْعَلُهُ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْ الْفَرْضِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْفَضْلُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَهُ مَأْمُومٌ، وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا قَالَ " سُبْحَانَك فَبَلَى " فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَقُولُهُ فِيهَا، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ فِي نَفْلٍ قَالَ: وَكَذَا إنْ قَرَأَ فِي نَفْلٍ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] فَقَالَ (بَلَى) لَا يَفْعَلُ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] هَلْ يَقُولُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "؟ قَالَ: إنْ شَاءَ قَالَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَجْهَرُ بِهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ فِي نَفْلٍ فَقَطْ صَلَّى عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكْرُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -: جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِنَافِلَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّانِيَةُ: لَهُ رَدُّ السَّلَامِ مِنْ إشَارَةٍ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَكْرَه فِي الْفَرْض، وَعَنْهُ يَجِبُ، وَلَا يَرُدُّهُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الرَّدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا. الثَّالِثَةُ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَاسَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمَشْغُولِ بِمَعَاشٍ أَوْ حِسَابٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ إنْ تَأَذَّى بِهِ كُرِهَ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إنْ عَرَفَ الْمُصَلِّي كَيْفِيَّةَ الرَّدِّ بِهِ وَإِلَّا كُرِهَ. قَوْلُهُ (أَرْكَانُ الصَّلَاةِ اثْنَا عَشَرَ. الْقِيَامِ) مَحَلُّ ذَلِكَ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ لَوْ كَانَ عُرْيَانًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ أَوْ مَنْكِبَيْهِ فَلَوْ كَانَ نَفْلًا لَمْ يَجِبْ الْقِيَامُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْوِتْرِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، تَنْبِيهٌ: عَدَّ الْأَصْحَابُ " الْقِيَامَ " مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: فِي عَدِّ الْقِيَامِ مِنْ الْأَرْكَانِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ عَلَى التَّكْبِيرِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النِّيَّةِ بِكَوْنِهِ شَرْطًا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ هِيَ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَتُسْتَصْحَبُ إلَى آخِرِهَا، وَالرُّكْنُ يُفْرَغُ مِنْهُ وَيُنْتَقَلُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْقِيَامُ كَذَلِكَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: حَدُّ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: حَدُّهُ الِانْتِصَابُ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ فَرْضَ الْقِيَامِ، وَلَا يَضُرُّهُ مَيْلُ رَأْسِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْإِجْزَاءُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا أَدْرِي، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يُجْزِئُهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ

وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ " لَوْ أَتَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بِبَعْضِهَا رَاكِعًا " عِنْدَ قَوْلِهِ " ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا ". الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ، بَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ لَهَا شُرُوطُهَا. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ رُكْنٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَعَنْهُ لَيْسَتْ رُكْنًا مُطْلَقًا، وَيُجْزِئُهُ آيَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصُرَتْ، وَلَوْ كَانَتْ كَلِمَةً، وَأَنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْجِنَازَةِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً: لَا يَكْفِي إلَّا سَبْعُ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَعَنْهُ مَا تَيَسَّرَ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْفَجْرِ، وَعَنْهُ إنْ نَسِيَهَا فِيهِمَا قَرَأَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مَرَّتَيْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. زَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي ثَلَاثٍ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَاسْتَأْنَفَهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ نَسِيَهَا فِي رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا فِيمَا بَعْدَهَا مَرَّتَيْنِ وَيَعْتَدُّ بِهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ فِي الْفُنُونِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَجِبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَكَذَا عَلَى الْمَأْمُومِ، لَكِنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ، هَذَا الْمَعْنَى فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، حَيْثُ تَجِبُ فِيهِمَا عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَحَدُّهَا حُصُولُ السُّكُونِ وَإِنْ قَلَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَاحْتِمَالَانِ، وَقِيلَ: هِيَ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ الْأَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفَائِدَةُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي رُكُوعِهِ، أَوْ سُجُودِهِ، أَوْ التَّحْمِيدَ فِي اعْتِدَالِهِ، أَوْ سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ فِي جُلُوسِهِ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ لِعُجْمَةٍ أَوْ خَرَسٍ، أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ، وَقُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ، وَاطْمَأَنَّ قَدْرًا لَا يَتَّسِعُ لَهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا تَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَقِيلَ: هِيَ بِقَدْرِ ظَنِّهِ أَنَّ مَأْمُومَهُ أَتَى بِمَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ أَيْضًا وَقِيلَ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَاجِبٌ، وَالْجُلُوسُ لَهُ رُكْنٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ فَرْضٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الذِّكْرِ فِيهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَعَنْهُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فَقَطْ سُنَّةٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَيُجْزِئُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

وَقِيلَ: الْوَاجِبُ الْجَمِيعُ إلَى قَوْلِهِ (إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) الْأَخِيرَتَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمُجْزِئُ التَّشَهُّدُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يَعْنِي حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: كَانَ يَلْزَمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ فِي التَّشَهُّدِ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وَالشَّهَادَتَانِ فِي الْأَذَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ لُزُومُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ) اعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ عَدَّ التَّرْتِيبَ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: التَّرْتِيبُ صِفَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِلْأَرْكَانِ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا زَائِدًا، كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ وَتَرْتِيبَهَا مُعْتَبَرٌ، وَلَا يُعَدُّ رُكْنًا آخَرَ، وَالتَّشَهُّدُ كَذَلِكَ، وَكَذَا

السُّجُودُ رُكْنٌ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ رُكْنًا، إلَى نَظَائِرِ ذَلِكَ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بَعْضُهُمْ يَعُدُّ التَّرْتِيبَ رُكْنًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مُقَوِّمٌ لِلْأَرْكَانِ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَكِنْ يَلْزَمُ أَنْ لَا تُعَدَّ الطُّمَأْنِينَةُ رُكْنًا؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا صِفَةُ الرُّكْنِ وَهَيْئَتُهُ فِيهِ. انْتَهَى. قُلْت: لَعَلَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ إذْ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ: التَّكْبِيرَةُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَرَّةً مَرَّةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ، وَعَنْهُ التَّكْبِيرُ رُكْنٌ إلَّا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فَوَاجِبٌ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً) يَعْنِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا وَاجِبٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُجْزِئُ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) . قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رُكْنٌ، وَعَنْهُ سُنَّةٌ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُجْزِئَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخَانِ.

وَزَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ " وَالصَّلَوَاتُ " وَزَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي صَاحِبِ الْفُرُوعِ " وَبَرَكَاتُهُ " وَزَادَ بَعْضُهُمْ (وَالطَّيِّبَاتُ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ " السَّلَامُ " مُعَرَّفًا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي الْأَوَّلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ أَسْقَطَ (أَشْهَدُ) الثَّانِيَةَ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَالْمَنْصُوصُ الْإِجْزَاءُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ: إذَا خَالَفَ التَّرْتِيبَ فِي أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ فَهَلْ يُجْزِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: لَوْ تَرَكَ وَاوًا أَوْ حَرْفًا أَعَادَ الصَّلَاةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ حِكَايَةِ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: مَتَى أَخَلَّ بِلَفْظَةٍ سَاقِطَةٍ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَ. انْتَهَى. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُجْزِئُ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا لَمْ يَرْفَعْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْضِعِهَا) يَعْنِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا رُكْنٌ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ

قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ هِيَ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: رُكْنٌ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذِهِ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رُكْنٌ، عَلَى الْأَشْهَرِ عَنْهُ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ كَخَارِجِ الصَّلَاةِ، وَنَقَلَ أَبُو زُرْعَةَ: رُجُوعَهُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ تُسْتَحَبُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ شَاءَ قَالَ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ) . قَوْلُهُ (وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهَا فِي الْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَهُمَا وَاجِبَانِ، لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا رُكْنٌ مُطْلَقًا كَالْأُولَى جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْهِدَايَةِ فِي عَدِّ الْأَرْكَانِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: رُكْنٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهَا فِي الْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ كَذَا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَحْتَمِلُهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ،

قُلْت: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فَقَالَ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: هَذَا مُبَالَغَةٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذِهِ عَادَتُهُ إذَا رَأَى قَوْلَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ حَكَاهُ إجْمَاعًا وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ فِي النَّفْلِ، دُونَ الْفَرْضِ وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي النَّفْلِ وَقَدَّمَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ فِي الْجِنَازَةِ وَالنَّافِلَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ: هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَمْ لَا؟ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَفِي وُجُوبِهَا فِي الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَفِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ رِوَايَتَانِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: السَّلَامُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: هِيَ مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُصَادِفُ جُزْءًا مِنْهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُشُوعَ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: هُوَ وَاجِبٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

فِي بَعْضِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ صَلَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ) . الثَّالِثَةُ: أَلْحَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: الْجَهْلَ بِالسَّهْوِ فِي تَرْكِ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ، مِنْ بَابِ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ، فِيمَا إذَا عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ أُنْسِيهَا: فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا لَوْ جَهِلَهَا لِأَنَّ مَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ يُعْذَرُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ، كَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " مَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ " تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ لِمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ تُجْزِئُهُ، وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ. قُلْت فَيُعَايَى بِهَا، وَلَوْ قِيلَ: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكَانَ سَدِيدًا كَوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، وَسُقُوطِهَا عَنْهُ بِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ أَوْ يُقَالُ: هُنَا سَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ تَحَمُّلٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَسُنَنُ الْأَقْوَالِ اثْنَا عَشَرَ: الِاسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: التَّعَوُّذُ وَحْدَهُ وَاجِبٌ، وَعَنْهُ يَجِبُ التَّعَوُّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا. هَلْ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا؟ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَقَوْلُ: آمِينَ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، عَنْهُ وَاجِبٌ قَالَ فِي

رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: آمِينَ أَمْرٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْفِعْلِ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْقَصْرُ وَالْمَدُّ، وَهُوَ أَوْلَى، وَيَحْرُمُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَجِبُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ بَعْدَهَا، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ. فَائِدَةٌ يَبْتَدِئُ السُّورَةَ الَّتِي يَقْرَؤُهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِالْبَسْمَلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: سِرًّا قَالَ الشَّارِحُ: الْخِلَافُ فِي الْجَهْرِ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ (وَالْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هُمَا وَاجِبَانِ، وَقِيلَ: الْإِخْفَاتُ وَحْدَهُ وَاجِبٌ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إذَا خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ ذَكَرَ، يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ، فَيَجْهَرُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مَنْ يُشْرَعُ لَهُ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ مُسْتَوْفًى. تَنْبِيهٌ: فِي عَدِّ الْمُصَنِّفِ (الْجَهْرَ وَالْإِخْفَاتَ) مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُمَا هَيْئَةٌ لِلْقَوْلِ لَا أَنَّهُمَا قَوْلٌ، مَعَ أَنَّهُ عَدَّهُمَا أَيْضًا مِنْ سُنَنِ الْأَقْوَالِ فِي الْكَافِي. تَنْبِيهٌ: وَقَوْلُهُ (مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ) يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ شُرِعَ لَهُ قَوْلُ ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ وَاجِبٌ إلَى آخِرِهِ.

قَوْلُهُ (وَالتَّعَوُّذُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ وَاجِبٌ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعَادَ، وَعَنْهُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الدُّعَاءِ عَمْدًا أَعَادَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ) . قَوْلُهُ (وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ أَكْثَرُهُمْ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَهَذِهِ سُنَنٌ، لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا) لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهَا، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْرَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِيَيْنِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. إحْدَاهُمَا: يُشْرَعُ لَهُ السُّجُودُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: سُنَّ فِي رِوَايَةٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ

قَوْلُهُ (وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهُ) وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي قَالَ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ: تَرْكُ السُّجُودِ هُنَا أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي سُنَنِ الْأَفْعَالِ أَيْضًا، وَأَنَّهُمَا فِي سُنَنِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُخَرَّجَتَانِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ قَالَ " إنْ سَجَدَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ " وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ " يَسْجُدُ لِذَلِكَ، وَمَا يَضُرُّهُ إنْ سَجَدَ؟ ". فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَسْجُدُ فِي سُنَنِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَلَا بَأْسَ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَذَكَرُوا فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَيْنِ، وَقَالُوا: إذَا قُلْنَا: سَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ لَا يَسْجُدُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَالْمَذْهَبُ تَبْطُلُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يُخَرَّجَ هُنَا مِثْلُ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: عَدَّ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي سُنَنَ الْأَفْعَالِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْهَيْئَاتِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَذَكَرَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ هَيْئَةً، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَالُوا: سُمِّيَتْ هَيْئَةً، لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي غَيْرِهَا

باب سجود السهو

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَكُلُّ صُورَةٍ، أَوْ صِفَةٍ لِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ: فَهِيَ هَيْئَةٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْهَيْئَاتُ هِيَ صُوَرُ الْأَفْعَالِ وَحَالَاتُهَا فَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ سُنَنُ الْأَفْعَالِ. [وَقَدْ عَدَّهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ تَشْمَلُ سُنَنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ تَكُونُ رُكْنًا كَالطُّمَأْنِينَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَدَّ فِيهَا: أَنَّ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْجَهْرَ وَالْإِخْفَاتَ، وَعَدَّهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي سُنَنِ الْأَقْوَالِ. كَمَا تَقَدَّمَ] . [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] ِ قَوْلُهُ (وَلَا يُشْرَعُ فِي الْعَمْدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَبَنَى الْحَلْوَانِيُّ سُجُودَهُ لِتَرْكِ سُنَّةٍ عَلَى كَفَّارَةِ قَتْلِ الْعَمْدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَسْجُدُ لِعَمْدٍ، مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ (وَيُشْرَعُ لِلسَّهْوِ فِي زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَشَكٍّ لِلنَّافِلَةِ، وَالْفَرْضِ) سِوَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِمَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَسُجُودِ الشُّكْرِ، وَكَذَا لَا يَسْجُدُ إذَا سَهَا فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا سَهَا بَعْدَهُمَا، وَقِيلَ: سَلَامُهُ فِي السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ فِي الْجَائِزِ فَأَمَّا سَهْوُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ: فَلَا يَسْجُدُ لَهُ أَيْضًا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنُّكَتِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَلَوْ سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِذَلِكَ، وَقَطَعَا بِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْجُدُ لَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ،

وَكَذَا لَا يَسْجُدُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ، وَلَا لِلنَّظَرِ إلَى شَيْءٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ، وَقَالَ: لَخَّصْت ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ: فَمَتَى زَادَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا، عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لَهُ) أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ سَهْوًا فِي مَحَلِّ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ بِمِقْدَارِهَا: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ، وَفِي آخَرَ: ظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الْخِلَافِ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ كَانَ جُلُوسُهُ يَسِيرًا فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، إلَّا إذَا قُلْنَا تُجْبَرُ الْهَيْئَاتُ بِالسُّجُودِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِي الْخَوْفِ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا لَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي أَحْكَامُ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَتَقَدَّمَ سُجُودُ السَّهْوِ لِلنَّفْلِ إذَا صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.

الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَمَنْ تَبِعَهُ: مَنْ كَثُرَ مِنْهُ السَّهْوُ، حَتَّى صَارَ كَالْوَسْوَاسِ فَإِنَّهُ يَلْهُو عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعِ مُكَابَرَةٍ فَيَقْضِي إلَى الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا وَنَحْوِهِ فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ نَحْوُهُ] قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) يَعْنِي إذَا كَانَا ثِقَتَيْنِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَعْمَلُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَوْ لَا، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الرُّجُوعُ فَيَعْمَلُ بِيَقِينِهِ أَوْ بِالتَّحَرِّي، وَذَكَرَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْفَاسِقِ احْتِمَالًا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ، إنْ قُلْنَا يَصِحُّ أَذَانُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَ الْأَخِيرَةِ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ رَجَعَ إلَى ثِقَتَيْنِ، وَلَوْ ظَنَّ خَطَأَهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْحُكْمِ مَعَ الرِّيبَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إذَا ظَنَّ خَطَأَهُمَا. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إذَا سَبَّحَ بِهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى ثِقَةٍ فِي زِيَادَةٍ فَقَطْ وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: يَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَى وَاحِدٍ يَظُنُّ صِدْقَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ عَمِلَ بِظَنِّهِ لَا بِتَسْبِيحِهِ. الثَّالِثُ: مَحَلُّ قَبُولِ الثِّقَتَيْنِ وَالْوَاحِدِ إذَا قُلْنَا يَقْبَلُ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ

فَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ كَثُرُوا. هَذَا جَادَّةُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً كَحُكْمِهِ بِشَاهِدَيْنِ وَتَرْكِهِ يَقِينَ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا سَهْوٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي بِتَرْكِ الْإِمَامِ الْيَقِينَ، وَمُرَادُهُ الْأَصْلُ قَالَ: كَالْحَاكِمِ يَرْجِعُ إلَى الشُّهُودِ وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ، وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ، وَكَذَا شَهَادَتُهُمَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَيَتْرُكُ الْيَقِينَ وَالْأَصْلَ، وَهُوَ بَقَاءُ الشَّهْرِ. الرَّابِعُ: قَدْ يُقَالُ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُصَلِّيَ وَحْدَهُ، وَأَنَّهُ كَالْإِمَامِ فِي تَنْبِيهِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَحَيْثُ قُلْنَا: يَرْجِعُ الْإِمَامُ إلَى الْمُنَبِّهِ: يَرْجِعُ الْمُنْفَرِدُ إذَا نُبِّهَ قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ الْمُنْفَرِدُ، وَإِنْ رَجَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ مَنْ فِي الصَّلَاةِ أَشَدَّ تَحَفُّظًا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، الْخَامِسُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَنْبِيهِهَا فَائِدَةٌ، وَلَمَا كُرِهَ تَنْبِيهًا بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ احْتِمَالًا لَهُ وَقَوَّاهُ وَنَصَرَهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْمُمَيِّزِ خِلَافُهُ وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِيهِ. السَّادِسُ: لَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ يُنَبِّهُهُ سَقَطَ قَوْلُهُمْ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ،

وَقِيلَ: يَعْمَلُ بِقَوْلِ مُوَافِقِهِ قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: هُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَقِيلَ: يَعْمَلُ بِقَوْلِ مُخَالِفِهِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، [السَّابِعُ: يَلْزَمُ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ إذَا سَهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَلَوْ تَرَكُوهُ فَالْقِيَاسُ فَسَادُ صَلَاتِهِمْ] قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ اتَّبَعَهُ عَالِمًا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اتَّبَعَهُ عَالِمًا تَبْطُلُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَعَنْهُ تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِي الرَّكْعَةِ، لِاحْتِمَالِ تَرْكِ رُكْنٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ بِتَعَيُّنِ الْمُتَابَعَةِ بِالشَّكِّ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي مُتَابَعَتِهِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَتُهُ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا قُلْنَا: يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لَمْ تَبْطُلْ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَارَقَهُ، أَوْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ) يَعْنِي صَلَاتَهُ، وَكَذَا إنْ نَسِيَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِيمَا إذَا جَهِلُوا وُجُوبَ الْمُفَارَقَةِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجِبُ انْتِظَارُهُ، نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ وَاخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي انْتِظَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّخْيِيرُ فِي مُتَابَعَتِهِ. الثَّانِيَةُ: تَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ مَعَهُ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا، فَتَبِعَهُ يَظُنُّهَا رَابِعَةً: انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَعْتَدُّ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ: يَعْتَدُّ بِهَا، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا الْمَسْبُوقُ إنْ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَرْجِعُ إلَى فِعْلِ الْمَأْمُومِ، مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِلْأَمْرِ بِالتَّنْبِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قَالَهُ شَيْخُنَا، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قُلْت: فِعْلُ ذَلِكَ بَعْضِهِمْ مِمَّا يُسْتَأْنَسُ، بِهِ وَيُقَوِّي ظَنَّهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا صَلَّى بِقَوْمٍ تَحَرَّى، وَنَظَرَ إلَى مَنْ خَلْفَهُ فَإِنْ قَامُوا تَحَرَّى وَقَامَ، وَإِنْ سَبَّحُوا بِهِ تَحَرَّى وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُونَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: وَيَجِبُ حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ رَأْيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ نَوَى صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، هَذَا إذَا كَانَ نَهَارًا، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا فَرُجُوعُهُ أَفْضَلُ، فَيَرْجِعُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ حُكْمَ قِيَامِهِ إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا كَقِيَامِهِ إلَى ثَالِثَةٍ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ " فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَمْدًا، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَتَبْطُلُ بِهِ أَيْضًا سَهْوًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحَكَاهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا، وَحَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي سَهْوِهِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ سَهْوًا لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ مَشَى وَتَكَلَّمَ، وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَكْثَرِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ (فَإِنْ طَالَ الْفِعْلُ فِي الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا) وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ حَدُّ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ فَلْيُعَاوَدْ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ عَمَلِ الْجَاهِلِ فِي الصَّلَاةِ هُنَاكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا تَبْطُلُ بِالْيَسِيرِ، لَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُشْرَعُ لَهُ السُّجُودُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ لِحَاجَةٍ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ) إذَا أَكَلَ عَمْدًا: فَتَارَةً يَكُونُ فِي نَفْلٍ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي فَرْضٍ فَإِنْ كَانَ

فِي فَرْضٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِشُرْبٍ يَسِيرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْلٍ: فَتَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا، وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ أَنْ قَدَّمَهُ هَذَا أَوْلَى قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَهُ فَهُوَ إذَنْ الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: تَبْطُلُ بِالْأَكْلِ فَقَطْ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ إذَا كَانَ يَسِيرًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالْأَكْلِ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ سَهْوًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْفَرْضُ فَقَطْ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: الْجَهْلُ بِذَلِكَ كَالسَّهْوِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،

وَقَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الْجَهْلَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فِي فَمِهِ سُكَّرٌ أَوْ نَحْوُهُ مُذَابٌ وَبَلَعَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْأَكْلِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا، وَذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ فِي النَّفْلِ رِوَايَتَيْنِ قَالَ: وَكَذَا لَوْ فَتَحَ فَاهُ فَنَزَلَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَابْتَلَعَهُ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ بَلَعَ مَاءً وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ لَمْ تَبْطُلْ، وَمِنْهَا: لَوْ بَلَعَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّيقُ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ مِنْ ذَلِكَ يُفْسِدُ ابْتِلَاعُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ وَالْقُعُودِ، وَالتَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِقِرَاءَتِهِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا عَمْدًا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِهِ عَمْدًا مُطْلَقًا، ذُكِرَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ بِالْعَمْدِيَّةِ: يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ: غَيْرُ السَّلَامِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: لَا يَبْطُلُ بِالْعَمْدِيَّةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْرَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي، إحْدَاهُمَا: يُشْرَعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِسَهْوِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: يُشْرَعُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَقْوَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْرَعُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ عَمْدًا أَبْطَلَهَا) بِلَا نِزَاعٍ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا: أَتَمَّهَا وَسَجَدَ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ تَكَلَّمَ، عَلَى مَا يَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا، وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا: عَدَمَ الْحَدَثِ فَإِنْ أَحْدَثَ بَطَلَتْ، وَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ يَسِيرًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْحَدَثِ هُنَا حُكْمَ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ. هَلْ يَبْنِي مَعَهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَدَثِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَيْرِهِمَا؟ عَلَى الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ كَالصَّرِيحِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ كَانَ سَلَامُهُ ظَنًّا أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ انْقَضَتْ أَمَّا لَوْ كَانَ السَّلَامُ مِنْ الْعِشَاءِ يَظُنُّهَا التَّرَاوِيحَ، أَوْ مِنْ الظُّهْرِ يَظُنُّهَا الْجُمُعَةَ، أَوْ الْفَجْرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ، وَلَا تَنَاقُضَ عَلَيْهِ؛ لِاشْتِرَاطِ دَوَامِ النِّيَّةِ ذِكْرًا أَوْ حُكْمًا، وَقَدْ زَالَتْ بِاعْتِقَادِ صَلَاةٍ أُخْرَى، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ

قُلْت: يُتَوَجَّهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، وَلَكِنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْأُولَى بَعْدَ قَطْعِ مَا شَرَعَ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يَجْعَلُ مَا يَشْرَعُ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ تَمَامًا لِلصَّلَاةِ الْأُولَى فَيَبْنِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَيَصِيرُ وُجُودُ السَّلَامِ كَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ سَهْوٌ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ تَبْطُلُ الْأُولَى، إنْ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ تَبْطُلُ الْأُولَى مُطْلَقًا. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ وَمُهَنَّا، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَرَكَ رُكْنًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا ظَنَّ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ وَتَكَلَّمَ عَمْدًا لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، كَقَوْلِهِ: يَا غُلَامُ، اسْقِنِي مَاءً وَنَحْوَهُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ لَا تَبْطُلُ) نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ،

وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْقِصَّةِ: بِأَنَّهَا كَانَتْ حَالَةَ إبَاحَةِ الْكَلَامِ، وَضَعَّفَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرِّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ، أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ الصَّلَاةِ بِإِشَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَتَكَلَّمَ فَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ: تَبْطُلُ. (وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَبْطُلُ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ: هِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، (وَالثَّالِثَةُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، دُونَ الْإِمَامِ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ) فَعَلَى هَذِهِ: الْمُنْفَرِدُ كَالْمَأْمُومِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: لَا تَبْطُلُ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا سَهْوًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفَائِقِ وَنَصَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ) إنْ كَانَ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا بِغَيْرِ السَّلَامِ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ أَيْضًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَكَلَّمَ سَهْوًا فَرِوَايَاتٌ أَشْهَرُهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمَا الْبُطْلَانُ وَنَصَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ إذَا كَانَ سَاهِيًا اخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، [وَيَحْتَمِلُ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ إطْلَاقَ الْخِلَافِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا تَبْطُلُ إذَا تَكَلَّمَ سَهْوًا لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَنْ اخْتَارَهَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ، أَوْ الْإِبْطَالِ بِهِ: فَهَلْ هُوَ كَالنَّاسِي، أَمْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ فَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ النَّاسِي، فِيهِ رِوَايَتَانِ فَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ الْجَاهِلَ كَالنَّاسِي وَقَدَّمَ أَنَّهُ كَكَلَامِ الْعَامِدِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالنَّاسِي: فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ مَا فِي النَّاسِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ قَالَ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَفِي كَلَامِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ فِيهِ رِوَايَةُ النَّاسِي. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كَلَامَ الْجَاهِلِ لَا يُبْطِلُ، وَإِنْ أَبْطَلَ كَلَامُ النَّاسِي وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي الْجَاهِلِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا يُبْطِلُهَا كَلَامُ الْجَاهِلِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا يُبْطِلُهَا كَلَامُ النَّاسِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَحَكَى الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: لَا أَعْرِفُ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا فِي ذَلِكَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: قَسَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُتَكَلِّمَ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ يَظُنُّ تَمَامَ صَلَاتِهِ فَيُسَلِّمَ، ثُمَّ يَتَكَلَّمَ إمَّا لِمَصْلَحَتِهَا أَوْ لِغَيْرِهَا. الثَّانِي: مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ فَحَكَى فِي الْأَوَّلِ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، وَحَكَى فِي الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ

وَهَذِهِ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ لِلْأَصْحَابِ، وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكَلَامِ هُنَا قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ كَإِمَامٍ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إعْلَامِ الْمَأْمُومِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ فِي الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، الثَّانِيَةُ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْكَلَامِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا: تَبْطُلُ بِكَلَامِ النَّاسِي فَكَذَا كَلَامُ الْمُكْرَهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ أَنْدَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ بِخِلَافِ النَّاسِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالنَّاسِي كَالْمُتَعَمِّدِ، وَكَذَا جَاهِلٌ وَمُكْرَهٌ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ لَا فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ الْبُطْلَانُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْذَرُ النَّاسِي فَفِي الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ: مُطْلَقًا وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا تَبْطُلُ بِكَلَامِ النَّاسِي، وَلَا بِكَلَامِ الْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ سَبْقُ اللِّسَانِ، وَكَلَامُ الْمُكْرَهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُكْرَهَ بِالنَّاسِي، وَقَالَ الْقَاضِي: بَلْ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ النَّاسِي، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَنَصَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، الثَّالِثَةُ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا لَوْ خَافَ عَلَى ضَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، فَتَكَلَّمَ مُحَذِّرًا لَهُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ عَلَّلَ صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ أَجَابَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الْكَلَامِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَمْ يَجِبْ عَيْنًا، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لُزُومُ الْإِجَابَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَأَى مَنْ يَقْتُلُ رَجُلًا مَنَعَهُ فَإِذَا فَعَلَ فَسَدَتْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وَجَبَ الْكَلَامُ لِتَحْذِيرِ مَعْصُومٍ ضَرِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ لَا تَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ عَنْ وُقُوعِهِ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: الْعَفْوُ وَالْبِنَاءُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ نَامَ فِيهَا فَتَكَلَّمَ، أَوْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ، أَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ، أَوْ تَثَاؤُبٌ وَنَحْوُهُ فَبَانَ حَرْفَانِ: لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْهُ ذَلِكَ بَطَلَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ كَالنَّفْخِ وَأَوْلَى. الْخَامِسَةُ: حَيْثُ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ، فَمَحَلُّهُ فِي الْكَلَامِ الْيَسِيرِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ الْكَثِيرُ: فَتَبْطُلُ بِهِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هُوَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَلَامِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي حَقِّ النَّاسِي، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ طَالَ مِنْ النَّاسِي أَفْسَدَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَالزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَهْقَهَ فَبَانَ حَرْفَانِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَشَرْحِهَا لِلْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ، وَلَوْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَحَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ إجْمَاعًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ قَوْلُهُ (أَوْ نَفَخَ فَبَانَ حَرْفَانِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ النَّفْخَ لَيْسَ كَالْكَلَامِ، وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ: أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَرُوهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْحَرْفَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، قَوْلُهُ (أَوْ انْتَحَبَ، فَبَانَ حَرْفَانِ) فَهُوَ كَالْكَلَامِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: إنْ غَلَبَهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. .

فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَدْعَى الْبُكَاءَ كُرِهَ كَالضَّحِكِ، وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا إذَا لَحَنَ فِي الصَّلَاةِ: فَيَأْتِي عَنْهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ) قَوْلُهُ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّحْنَحَةُ مِثْلُ ذَلِكَ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَرَاهَا مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ فَلَيْسَتْ كَالْكَلَامِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هِيَ كَالْكَلَامِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (فَمَتَى تَرَكَ رُكْنًا فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، بَطَلَتْ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَبْطُلُ الرَّكْعَةُ بِشُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى فَمَتَى ذَكَرَ قَبْلَ سُجُودِ الثَّانِيَةِ رَجَعَ فَسَجَدَ لِلْأُولَى، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ كَانَ السُّجُودُ عَنْ الْأُولَى، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: مَنْ تَرَكَ رُكْنًا نَاسِيًا، فَذَكَرَهُ حِينَ شَرَعَ فِي رُكْنٍ آخَرَ، بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَرَأَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مَرَّتَيْنِ، وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الثَّلَاثِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَاسْتَأْنَفَهَا، وَذَكَرَ

ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ نَسِيَهَا فِي رَكْعَةٍ فَأَتَى بِهَا فِيمَا بَعْدَهَا مَرَّتَيْنِ يُعْتَدُّ بِهَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ فِي فُنُونِهِ: وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ رَجَعَ إلَى الرَّكْعَةِ الَّتِي قَدْ بَطَلَتْ عَالِمًا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فَمَتَى تَرَكَ رُكْنًا فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى " غَيْرَ النِّيَّةِ، إنْ قُلْنَا هِيَ رُكْنٌ، وَغَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَمَتَى تَرَكَ رُكْنًا فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا) أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَا قَبْلَ تِلْكَ الرَّكْعَةِ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا الرُّكْنُ وَلَا تَبْطُلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ أَيْضًا مَا قَبْلَهَا اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ (عَادَ فَأَتَى بِهِ، وَبِمَا بَعْدَهُ) مِثْلُ إنْ قَامَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَامَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَلَوْ كَانَ قَامَ مِنْ السَّجْدَةِ وَكَانَ قَدْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ، لَمْ يَجْلِسْ لَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْلِسُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: عِنْدِي يَجْلِسُ لِيَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ جُلُوسٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَأَمَّا إذَا قَامَ وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ: جَلَسَ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يُحْتَمَلُ جُلُوسُهُ وَسُجُودُهُ بِلَا جِلْسَةٍ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَلَوْ سَجَدَ سَجْدَةً، ثُمَّ جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَقَامَ قَبْلَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، لَمْ تُجْزِئْهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ جِلْسَةِ الْفَصْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَعِنْدِي يُجْزِئُهُ، وَعَلَّلَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُعِدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) يَعْنِي إذَا ذَكَرَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُعِدْ عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ سَهْوًا بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُعِدْ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يَعْنِي مِنْ تَمَامِ الرَّكْعَةِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: فَإِنْ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سَجْدَةً، فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ جَعَلَهَا أُولَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا عَادَ فَتَمَّمَ الرَّكْعَةَ. كَمَا لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ يَأْتِي بِهَا، إلَّا أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ الِانْحِطَاطِ مِنْ قِيَامِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهَا تَلْغُو وَيَجْعَلُ الثَّانِيَةَ أُولَتَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِتَرْكِ الرُّكْنِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ: أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهُ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِالرُّكْنِ وَبِمَا بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا بِطُولِ الْفَصْلِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ

وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: إذَا أَتَى بِذَلِكَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لِتَرْكِ الرُّكْنِ، وَالسَّلَامَ تَبَعٌ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ) يَعْنِي يَأْتِي بِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقُرْبِ الْفَصْلِ عُرْفًا، وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِدَوَامِهِ فِي الْمَسْجِدِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَلَوْ كَانَ الْفَصْلُ قَرِيبًا، وَلَكِنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، عَادَ فَأَتَمَّ الْأُولَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَعْدَ قَطْعِ مَا شَرَعَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُهَا لِتَضَمُّنِ عَمَلِهِ قَطْعَ نِيَّتِهَا، وَعَنْهُ يَسْتَأْنِفُهَا إنْ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ: يُتِمُّ الْأَوَّلَةَ مِنْ صَلَاتِهِ الثَّانِيَةِ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ) وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ كَانَتَا صَلَاتَيْ جَمْعٍ أَتَمَّهَا تَمَّ سَجَدَ عَقِبَهَا لِلسَّهْوِ عَنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ يَسْجُدُ عِنْدَنَا لِلسَّهْوِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ آخِرِ رَكْعَةٍ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ سَلَامًا أَتَى بِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ تَشَهُّدًا أَتَى بِهِ وَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا أَتَى بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرُّكْنِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً فَصَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ

تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَعَنْهُ يَبْنِي عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، ذَكَرَهَا الْآمِدِيُّ، وَنَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ، وَعَنْهُ يَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ، ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحَ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلًا لِأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ كَمَنْ ذُكِرَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ، وَأَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ، فَلَمْ يَدْرِ حَتَّى سَلَّمَ: أَنَّهُ كَمَنْ تَرَكَ رَكْعَةً، وَهُنَا الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِذَا كَانَ كَمَنْ تَرَكَ رَكْعَةً، وَالْحَاصِلُ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ رَأْسًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ: ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ تَرَكَ رُكْنًا، فَلَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى سَلَّمَ: أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ فَأَمَّا عَلَى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ فِي الْبِنَاءِ، إذَا ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ: فَإِنَّهُ يَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ إذَا ذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، بَعْدَ أَنْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْخَامِسَةُ أُولَاهُ، وَلَغَا مَا قَبْلَهَا، وَلَا يُعِيدُ الِافْتِتَاحَ فِيهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ

الثَّانِيَةُ: تَشَهُّدُهُ قَبْلَ سَجْدَتَيْ الْأَخِيرَةِ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَقَبْلَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةٌ قَوْلِيَّةٌ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَهِلَهُمَا: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ ثَلَاثٍ: صَلَّى ثَلَاثًا، وَإِنْ تَرَكَ مِنْ الْأَوَّلَةَ سَجْدَةً، وَمِنْ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ وَمِنْ الرَّابِعَةِ سَجْدَةً، وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ: سَجَدَ سَجْدَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، أَوْ مِنْ أَرْبَعٍ: أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فَصَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ، لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَاسِيًا وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا فَهُنَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ لِلتَّشَهُّدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ، وَلَوْ بَعْدَ قِيَامِهِمْ وَشُرُوعِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ. الْحَالُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الرُّجُوعَ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ قَالَ الشَّارِحُ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ، وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي: أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَعَنْهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ وُجُوبًا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَعَنْهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ إمَامًا، فَلَمْ يُذَكِّرْهُ الْمَأْمُومُ حَتَّى قَامَ، فَاخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ: لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَتَشَهَّدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: يَتَشَهَّدُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَتْبَعُهُ فِي الْقِيَامِ فَإِنْ تَبِعَهُ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. الْحَالُ الثَّالِثَةُ: ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَهُنَا لَا يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ) قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِذَلِكَ كُلِّهِ) أَمَّا فِي الْحَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ: فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِمَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا وَرَجَعَ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِذَلِكَ، وَعَنْهُ إنْ كَثُرَ نُهُوضُهُ سَجَدَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَسْجُدُ إنْ كَانَ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. فَائِدَةٌ: لَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ دُونَ الْجُلُوسِ لَهُ، فَحُكْمُهُ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ حُكْمُ مَا لَوْ نَسِيَهُ مَعَ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَوْلِ (رَبِّ اغْفِرْ لِي) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَكُلُّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَهُ: حُكْمُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، فَيَرْجِعُ إلَى تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَمَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا رَجَعَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ وَيَبْطُلُ. لِعَمْدِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ.

وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ، وَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الرُّجُوعُ. كَمَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَإِذَا انْتَصَبَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنْ رَجَعَ جَازَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ فِيهِمَا: لَوْ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ، وَهُوَ رَاكِعٌ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُدْرِكُهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ كَرُجُوعِهِ إلَى الرُّكُوعِ سَهْوًا. قَوْلُهُ (وَأَمَّا الشَّكُّ، فَمَتَى شَكَّ: فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَفُرُوعِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَعَنْهُ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: عَلَى هَذَا عَامَّةُ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ فِي طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرَمْيِ جِمَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ،

قَوْلُهُ (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَالْإِمَامَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ) ، وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، يَعْنُونَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتُلِفَ فِي اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيَأْخُذُ مُنْفَرِدٌ بِيَقِينِهِ، وَإِمَامٌ بِظَنِّهِ، عَلَى الْأَشْهَرِ فِيهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَبْنِي الْمُنْفَرِدُ عَلَى الْيَقِينِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا الْإِمَامُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّ لَهُ مَنْ يُنَبِّهُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا أَخَذَ الْإِمَامُ بِالْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَبِدَلِيلِ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ لَا يَرْجِعُ إلَى فِعْلِ إمَامِهِ، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَيُعَايَى بِهَا. انْتَهَى. وَبِدَلِيلِ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ لَا يَرْجِعُ. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا لَا يُقَلِّدُ إمَامَهُ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ الْإِمَامُ إلَى تَسْبِيحِ الْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ، لَكِنْ مَتَى كَانَ مَنْ سَبَّحَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ خَطَأِ إمَامِهِ لَمْ يُتَابِعْهُ وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا، فَشَكَّ الْمَأْمُومُ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا نَصًّا عَنْ أَصْحَابِنَا. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يُقَلِّدُ إمَامَهُ، وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ كَالْمُنْفَرِدِ، لَكِنْ لَا يُفَارِقُهُ قَبْلَ السَّلَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَى بِالرَّكْعَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: يَأْخُذُ الْمَأْمُومُ بِفِعْلِ إمَامِهِ، وَفِي فِعْلِ نَفْسِهِ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ أَوْ التَّحَرِّي، فَفَعَلَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِيمَا فَعَلَهُ، فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَمْ يَسْجُدْ إلَّا أَنْ يَزُولَ شَكُّهُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ مَعَهُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ. مِثَالُهُ: لَوْ كَانَ فِي سُجُودِ رَكْعَةٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، وَشَكَّ هَلْ هِيَ أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتُهُ؟ فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَصَلَّى أُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ إلَّا مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت بَلْ قَدْ زَادَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَتَرَكَهُ فِي مَوْضِعِهِ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَوْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ ثَلَاثًا، أَوْ شَرَعَ فِي ثَالِثَةٍ، ثُمَّ تَحَقَّقَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ سَجَدَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ مُتَرَدِّدًا فِي كَوْنِهِ زِيَادَةً، وَذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَلَوْ شَكَّ وَهُوَ سَاجِدٌ هَلْ هُوَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ؟ . ثُمَّ زَالَ شَكُّهُ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ، فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ شَكُّهُ حَتَّى سَجَدَ ثَانِيًا، لَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ شَاكًّا فِي كَوْنِهِ زَائِدًا قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَفِيهِمَا وَجْهٌ لَا يَسْجُدُ فِي الْقِسْمَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَقَالَ: وَإِذَا سَهَا فَتَذَكَّرَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَسْجُدْ. انْتَهَى. كَلَامُ الْمَجْدِ، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يَسْجُدُ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ

قَوْلُهُ (وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ فَهُوَ كَتَرْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ قِيَاسًا، فَيَتَحَرَّى وَيَعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَقَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي قَوْلٍ وَفِعْلٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَوْ جَهِلَ عَيْنَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ بَنَى عَلَى الْأَحْوَطِ فَإِنْ شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ جَعَلَهُ قِرَاءَةً، وَإِنْ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَعَلَهُ رُكُوعًا، وَإِنْ تَرَكَ آيَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَوَالِيهِمَا جَعَلَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَتَحَرَّى، وَيَعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فِي تَرْكِ الرُّكْنِ كَالرَّكْعَةِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: التَّحَرِّي سَائِغٌ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. (إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ يَسْجُدْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَكَّ، هَلْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ؟ جَعَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا، ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ: هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ رَاكِعًا أَمْ لَا؟ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَعْتَدُّ بِهَا، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ لَمْ يَسْجُدْ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. كَشَكِّهِ فِي الزِّيَادَةِ وَقْتَ فِعْلِهَا، وَأَطْلَقَهَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ سَجَدَ لِشَكٍّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِسَائِيّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنُّكَتِ: فَفِي وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يَسْجُدُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْجُدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي النَّقْصِ لَا فِي الزِّيَادَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَا أَثَرَ لِشَكِّ مَنْ سَلَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى، مَعَ قِصَرِ الزَّمَنِ. الثَّالِثَةُ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ سَهَا فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ: هَلْ هُوَ مِمَّا يُسْجَدُ لَهُ أَمْ لَا؟ لَمْ يَسْجُدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ أَمْ لَا؟ سَجَدَ مَرَّةً، وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَقِيلَ: يَفْعَلُ مَا تَرَكَهُ وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، وَقِيلَ: إنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لَهُ:

سَجَدَ لَهُ سَجْدَتَيْنِ، وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ فِعْلِ مَا تَرَكَهُ كُلُّ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَخَالَفَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَسْهُوَ إمَامُهُ فَيَسْجُدَ مَعَهُ) يَعْنِي وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ يُتِمُّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهُ ثُمَّ يُعِيدُ السُّجُودَ ثَانِيًا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَالْمُغْنِي، إحْدَاهُمَا: يَسْجُدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: سَجَدَ هُوَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: الْأَصَحُّ فِعْلُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: سَجَدَ الْمَأْمُومُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَصَرَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ يَسْجُدْ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا سُجُودَ عَلَى مَأْمُومٍ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ الْمَجْدُ، وَمَنْ تَابَعَهُ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ سَهْوًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَسْهُ الْمَأْمُومُ

فَإِنْ سَهَوْا مَعًا وَلَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً: لِئَلَّا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ عَنْ جَابِرٍ فِي حَقِّهِ، مَعَ نَقْصِهَا مِنْهُ حِسًّا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ: فَإِنَّ سُجُودَهُ لَا يُخِلُّ بِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فَلِذَا قُلْنَا: يَسْجُدُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ: وَأَمَّا إنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ عَمْدًا وَهُوَ مِمَّا يُشْرَعُ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ يَأْتِي أَصْلُهُمَا. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ وُجُوبِهِ فَهُوَ كَتَرْكِهِ سَهْوًا عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى تَرْكِ الْإِمَامِ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ، وَمِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ: فَمَحَلُّهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَأَلَّا يَيْأَسَ مِنْ سُجُودِهِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ذَكَرَ فَسَجَدَ، وَقَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يَرَى السُّجُودَ بَعْدَ السَّلَامِ، فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ تَارِكٌ إلَّا بِذَلِكَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ (سَبِّحْ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ الْمُرَادُ أَشَارَ لَهُ إلَى السُّجُودِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ إنْ سَهَا الْإِمَامُ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ، وَكَذَا إنْ سَهَا فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ مَعَهُ إنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِلَّا قَضَى بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ سَجَدَ، وَعَنْهُ يَقْضِي ثُمَّ يَسْجُدُ، سَوَاءٌ سَجَدَ إمَامُهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي مُتَابَعَتِهِ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ مَعَهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ: أَصْلُهُمَا هَلْ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِ إمَامِهِ، أَوْ لِمُتَابَعَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِذَا قُلْنَا: يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ مَعَ إمَامِهِ، فَلَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ سَجَدَ هُوَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ جَابِرٌ مِنْ إمَامِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِي مَعْنَاهُ: إذَا انْفَرَدَ الْمَأْمُومُ بِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ

وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ، قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَحْكَامُ السَّهْوِ إذَا فَارَقَتْهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ جَهْلًا بِمَا عَلَيْهِ مِنْ سُجُودٍ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، وَقَدْ نَسِيَهُ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ: رَجَعَ فَسَجَدَ مَعَهُ وَبَنَى نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُتِمَّ قِيَامَهُ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَسْجُدُ هُوَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَعِنْدِي إنْ لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَرْجِعْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَسَجَدَ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ أَتَى بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَضَى صَلَاتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ الْأُخْرَى، بَلْ يَقْضِي صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ، وَمِنْهَا: لَوْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَقَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْهَا: لَوْ سَهَا فَسَلَّمَ أَوْ سَهَا مَعَهُ، أَوْ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ: سَجَدَ. قَوْلُهُ (وَسُجُودُ السَّهْوِ لِمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ: وَاجِبٌ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ السُّجُودُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ مَسْنُونٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قُلْت: هُوَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: سُجُودُ السَّهْوِ نَفْسُهُ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ مَعَ سَهْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي، دُونَ عَمْدِهِ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ، عَلَى قَوْلٍ يَأْتِي، وَلَا يَجِبُ لِسَهْوِهِ سُجُودٌ آخَرُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا: إذَا لَحَنَ لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ

صَلَاتُهُ، كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الْمَجْدَ قَطَعَ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ مُبْطِلٌ فَوَجَبَ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، إلَّا فِي السَّلَامِ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَفِيمَا إذَا بَنَى الْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَهَا مَشَايِخُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا يَبْنِي الْإِمَامُ عَلَى الْيَقِينِ: فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَيَكُونُ السُّجُودُ بَعْدَهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ (السَّلَامُ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ) وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ " السَّلَامُ عَنْ نَقْصٍ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا: وَالْأَفْضَلُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُوجَبُ الدَّلِيلِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْجَمِيعَ يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَابْنُهُ أَبُو الْفَرَجِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ، قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقُ، وَعَنْهُ أَنَّ الْجَمِيعَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَعَنْهُ مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَانَ قَبْلَهُ فَيَسْجُدُ مَنْ أَخَذَ بِالْيَقِينِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَنْ أَخَذَ بِظَنِّهِ بَعْدَهُ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ كَانَ قَبْلَهُ، عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا.

فَائِدَةٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ: هَلْ هُوَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ قَبْلَهُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ؟ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ، فَيَجُوزُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ إذَا كَانَ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَعَكْسُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: مَحَلُّهُ وُجُوبًا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: عَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَهُ قَبْلَ السَّلَامِ قَضَاهُ، مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ) . اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ لِقَضَاءِ السُّجُودِ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَلَى الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالتَّلْخِيصُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ نَسِيَهُ قَبْلَهُ سَجَدَ بَعْدَهُ إنْ قَرُبَ الزَّمَنُ، وَقِيلَ: أَوْ طَالَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ، ذَكَرَهَا الشَّرِيفُ فِي مَسَائِلِهِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ إنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ يَسْجُدُ مَعَ قِصَرِ

الْفَصْلِ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ اخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَسِيَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ إنْ قَرُبَ زَمَنُهُ. قَالَ الشَّارِحُ: اخْتَارَهَا الْقَاضِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُطِلْ، سَجَدَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ نَسِيَ السُّجُودَ فَذَكَرَهُ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَجَدَ، وَعَنْهُ لَا يَسْجُدُ، سَوَاءٌ قَصُرَ الْفَصْلُ أَوْ طَالَ، خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، وَعَنْهُ يَسْجُدُ وَإِنْ بَعُدَ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ الْمَشْرُوعِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ نَسِيَ سُجُودًا، وَأَطْلَقَ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا يَسْجُدُ فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ إذَا تَوَضَّأَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ إذَا تَوَضَّأَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ لِإِطْلَاقِهِمْ، وَتَقَدَّمَ إذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ سَهْوًا، وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ طَالَ الْفَصْلُ: هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَوَّلَ الْبَابِ. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا يَسْجُدُ فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، سَجَدَ إذَا سَلَّمَ أَطْلَقَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي،

وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ، فَيُخَفِّفُهَا مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ لِيَسْجُدَ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَسْجُدُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ: إنْ طَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ، وَإِلَّا سَجَدَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَسْجُدُ إنْ قَصُرَ الزَّمَنُ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَتَا صَلَاتَيْ جَمْعٍ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، الرَّابِعَةُ: طُولُ الْفَصْلِ وَقِصَرُهُ مَرْجِعُهُ إلَى الْعُرْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: طُولُ الْفَصْلِ قَدْرُ رَكْعَةٍ طَوِيلَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَقِيلَ: بَلْ قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثَانِيًا. قَوْلُهُ (وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَحَلُّهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، أَحَدُهُمَا: يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ إفْرَادُ سَهْوٍ بِسُجُودٍ، بَلْ يَتَدَاخَلُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُجْزِيهِ سَجْدَتَانِ يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى

الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُغَلِّبُ أَسْبَقُهُمَا وُقُوعًا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُحَرَّرِهِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: مَا مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَحَكَاهُ بَعْدَهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَعْنَى اخْتِلَافِ مَحَلِّهِمَا: هُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ، وَالْآخَرُ بَعْدَهُ، لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَقْصٍ، وَالْآخَرُ عَنْ زِيَادَةٍ، مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَقُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَهِيَ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ بِهِ وَسَهَا إمَامُهُ فِيمَا تَابَعَهُ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْتَهِي قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَعَلَى قَوْلِنَا: هُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ مَحَلُّهُمَا وَاحِدًا، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْجِنْسَيْنِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ: يُحْتَمَلُ كَوْنُهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ قَالُوا: وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً؛ وَدَخَلَ مَعَ مُسَافِرٍ فَنَوَى مُتَابَعَتَهُ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ إمَامُهُ لِيُتِمَّ مَا عَلَيْهِ، فَقَدْ حَصَلَ مَأْمُومًا فِي وَسَطِ صَلَاتِهِ، مُنْفَرِدًا فِي طَرَفَيْهَا، وَإِذَا سَهَا فِي الْوَسَطِ وَالطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا، فَعَلَى قَوْلِنَا: إنْ كَانَ مَحَلُّ سُجُودِهِمَا

وَاحِدًا، فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ مَحَلُّ السُّجُودِ فَهِيَ جِنْسَانِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هِيَ جِنْسَانِ. انْتَهَى.، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: خَرَجَ عَنْ السَّهْوِ مِنْ جِنْسَيْنِ، لِتَغَايُرِ الْفُرَادَى وَالْمُتَابَعَةِ، وَقِيلَ: لَا يُوجِبُ ذَلِكَ جَعْلُهُمَا جِنْسَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَكْفِيهِ سُجُودٌ فِي الْأَصَحِّ لِسَهْوَيْنِ أَحَدُهُمَا: جَمَاعَةً، وَالْآخَرُ: مُنْفَرِدًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَتَشَهَّدُ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَتَشَهَّدُ، وَلَوْ نَسِيَهُ وَفَعَلَهُ بَعْدَهُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَشَهَّدُ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَتَشَهَّدُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ: وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: يَتَوَرَّكُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا "، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً، فَإِنَّهُ يَتَوَرَّكُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: سُجُودُ السَّهْوِ وَمَا يَقُولُهُ فِيهِ وَبَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ فَلَوْ خَالَفَ

أَعَادَهُ بِنِيَّتِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ كَبَّرَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ مَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ عَنْهَا وَاجِبٌ لَهَا كَالْأَذَانِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الرِّوَايَتَانِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ السُّجُودِ الْوَاجِبِ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ. كَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ، وَقِيلَ: إنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِتَرْكِهِ فَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ: الَّذِي لَا يَسْجُدُ لَهُ.

باب صلاة التطوع

[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] تَنْبِيهٌ: يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ (وَهِيَ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ) أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ التَّطَوُّعَاتِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّطَوُّعُ بِالْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعَاتِ سِوَى الْجِهَادِ؛ لِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ " وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ " وَيَكُونُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا مَخْصُوصًا أَوْ يُقَالُ: لَمْ يَدْخُلْ الْجِهَادُ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ لَا يَحْصُلُ بِالْبَدَنِ فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعَاتِ الْمَقْصُورَةِ عَلَى الْبَدَنِ، كَالصَّوْمِ وَالْوُضُوءِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْجِهَادِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا يَأْتِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ (تَطَوُّعَ الْبَدَنِ) أَيْ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ، الْمَقْصُورُ عَلَى فَاعِلِهِ فَأَمَّا الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ: فَهُوَ آكَدُ مِنْ نَفْلِ الصَّلَاةِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَنْ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي عَلَى نَفْلِ الْبَدَنِ غَيْرِ الْمُتَعَدِّي. انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيرَ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ أَفْضَلَ التَّطَوُّعَاتِ مُطْلَقًا الْجِهَادُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْجِهَادُ أَفْضَلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْأَصْحَابُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الرِّبَاطِ، وَقِيلَ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ، وَحَكَى رِوَايَةً، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ فِي الثَّغْرِ، وَفِي غَيْرِهِ نَظِيرُهَا

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّفَقَةُ فِي الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: الصَّدَقَةُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ الثَّغْرَ " أَقِمْ عَلَى أُخْتِك أَحَبُّ إلَيَّ أَرَأَيْت إنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثُ مَنْ يَلِيهَا؟ " وَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ " أَقِمْ عَلَى وَلَدِك وَتَعَاهَدْهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ " وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ يَعْنِي فِي غَزْوٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ، وَمِنْ الْجِهَادِ، وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةُ أَهْلٍ ": " هَلْ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ أَمْ لَا، أَمْ هِيَ أَفْضَلُ زَمَنَ الْمَجَاعَةِ، أَوْ عَلَى الْأَقَارِبِ؟ وَهَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ أَمْ لَا؟ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي لَمْ تَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ، وَهِيَ فِي غَيْرِ الْعَشْرِ تَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ. انْتَهَى. وَعَنْهُ الْعِلْمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ قِيلَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَصِحُّ النِّيَّةُ؟ قَالَ: يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ، وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَاخْتَارَ بَعْدَهُ الْجِهَادَ، ثُمَّ بَعْدَ الْجِهَادِ إصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ، ثُمَّ صِلَةَ الرَّحِمِ، وَالتَّكَسُّبَ عَلَى الْعِيَالِ مِنْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي نَظْمِهِ: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ، بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَالنِّكَاحِ الْمُؤَكَّدِ وَاخْتَارَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: أَنَّ الرِّحْلَةَ إلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ، وَمِنْ سَائِرِ النَّوَافِلِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمَهُ يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي الْجِهَادِ، وَأَنَّهُ

نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. قَالَ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ أَنَّ أَفْضَلَ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ، وَذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْشِئَهُ تَطَوُّعًا، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَيْهِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَإِذَا بَاشَرَهُ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ فَهَلْ يَقَعُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّاهَا غَيْرُهُ، وَانْبَنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَوَازُ فِعْلِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فَرْضًا، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ تَطَوُّعًا. كَمَا فِي التَّطَوُّعِ الَّذِي يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فَإِنَّهُ كَانَ نَفْلًا، ثُمَّ يَصِيرُ إتْمَامُهُ وَاجِبًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ، وَأَوْلَاهُمْ بِهِ: أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً. انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْجِهَادِ وَالْعِلْمِ أَفْضَلُ التَّطَوُّعَاتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَدْخُلُهُ رِيَاءٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَفْضَلُ مَا يَتَعَبَّدُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُ الصَّوْمُ، وَقِيلَ: مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي كُتُبِهِ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ كَلَامَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى هَذَا، وَكَذَا صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إذَا صَلَّى وَقَرَأَ وَاعْتَزَلَ فَلِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَقْرَأَ فَلَهُ وَلِغَيْرِهِ، يُقْرِئُ أَعْجَبُ إلَيَّ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ،

وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: التَّكَسُّبُ لِلْإِحْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعَلُّمِ؛ لِتَعَدِّيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِلْخَبَرِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ " وَكَذَا عَطَاءٌ، هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ: الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ مَا سَبَقَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهِ يُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَقِيلَ: الْحَجُّ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: فَظَهَرَ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ الْعِتْقِ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ فَكَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْجِهَادِ، يَكُونُ شَهِيدًا، وَذَكَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: عَلَى هَذَا فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ، لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ، وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ، عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَفِيهِ إهْلَالُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ مَاتَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: الْفِكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَيَكُونُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ: عَمَلَ الْجَوَارِحِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفُنُونِ رِوَايَةَ مُهَنَّا، فَقَالَ: يَعْنِي الْفِكْرَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَدَلَائِلِ صُنْعِهِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي يُنْتِجُ أَفْعَالَ الْخَيْرِ، وَمَا أَثْمَرَ الشَّيْءُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ، لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: مَنْ انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ عَمَلٍ بِقَلْبِهِ بِدَوَامِ ذِكْرٍ أَوْ فِكْرٍ: فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْدِلُ بِهِ النِّيَّةَ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَالِمَ بِاَللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَالِمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ وَبِثَمَرَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي خُطْبَةِ كِفَايَتِهِ: إنَّمَا تَشْرُفُ الْعُلُومُ بِحَسَبِ مُؤَدَّيَاتِهَا، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الْبَارِي فَيَكُونُ الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَجُوزُ: أَجَلُّ الْعُلُومِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ، وَأَنَّ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِلَا قَلْبٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَصْوَبُ الْأُمُورِ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يُطَهِّرُ الْقَلْبَ وَيُصَفِّيهِ لِلذِّكْرِ وَالْأُنْسِ فَيُلَازِمُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَفْضِيلَ أَحْمَدَ لِلْجِهَادِ، وَالشَّافِعِيِّ لِلصَّلَاةِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِلذِّكْرِ، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الِاعْتِنَاءُ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَجَبٌ مِمَّنْ احْتَجَّ بِالْفُضَيْلِ، وَقَالَ: لَعَلَّ الْفُضَيْلَ قَدْ اكْتَفَى، وَقَالَ لَا يُثَبِّطُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا جَاهِلٌ، وَقَالَ: لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَعَابَ عَلَى مُحَدِّثٍ لَا يَتَفَقَّهُ، وَقَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فَهِمًا فِي الْفِقْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَالَ أَحْمَدُ: مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ فِيهِ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي خُطْبَةِ الْمُذْهَبِ: بِضَاعَةُ الْفِقْهِ أَرْبَحُ الْبَضَائِعِ، وَالْفُقَهَاءُ يَفْهَمُونَ مُرَادَ الشَّارِعِ، وَيَفْهَمُونَ الْحِكْمَةَ فِي كُلِّ وَاقِعٍ، وَفَتَاوِيهِمْ تُمَيِّزُ الْعَاصِيَ مِنْ الطَّائِعِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ: الْفِقْهُ عُمْدَةُ الْعُلُومِ، وَقَالَ فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ: الْفِقْهُ عَلَيْهِ مَدَارُ الْعُلُومِ فَإِنْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلتَّزَيُّدِ مِنْ الْعِلْمِ فَلْيَكُنْ فِي التَّفَقُّهِ فَإِنَّهُ الْأَنْفَعُ، وَفِيهِ: الْمُهِمُّ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ هُوَ الْمُهِمُّ.

قَوْلُهُ (وَآكَدُهَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) يَعْنِي آكَدُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْوِتْرُ آكَدُ مِنْهُمَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ فَائِدَةٌ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، قَالَهُ ابْن مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِي بِأَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ الْوِتْرُ ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ) أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ الْوِتْرِ، وَأَنَّهَا فِي الْفَضِيلَةِ مِثْلُ مَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ، مِنْ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَأَفْضَلُ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا مِمَّا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْوِتْرَ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّوَاتِبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ سُنَّةُ الْفَجْرِ آكَدُ مِنْهَا اخْتَارَهَا الْقَاضِي، لِاخْتِصَاصِهَا بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَيَأْتِي: هَلْ سُنَّةُ الْفَجْرِ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ أَمْ هِيَ آكَدُ؟ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ.

اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وُجُوبَهُ عَلَى مَنْ يَتَهَجَّدُ بِاللَّيْلِ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ آخِرُهُ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فَائِدَةٌ: أَفْضَلُ وَقْتِ الْوِتْرِ: آخِرُ اللَّيْلِ لِمَنْ وَثِقَ بِنَفْسِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ كَصَلَاةِ الْعِشَاءِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: الْكُلُّ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَقِيلَ: الْوِتْرُ رَكْعَةٌ، وَمَا قَبْلَهُ لَيْسَ مِنْهُ، نَقَلَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ (أَنَا أَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ، وَلَكِنْ يَكُونُ قَبْلَهَا صَلَاةٌ) قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ إذَا كَانَتْ مَفْصُولَةً فَأَمَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِغَيْرِهَا، كَمَا لَوْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ، فَالْجَمِيعُ وِتْرٌ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَعْلِيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، لَا يُصَلِّي خَمْسًا وَلَا سَبْعًا وَلَا تِسْعًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَاحِدَةِ مَفْصُولَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَشْيَاخِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ حَتَّى فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَمَنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ، وَتُسَمَّى الْبُتَيْرَاءُ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ بِالْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ لِعُذْرٍ، مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ قَاعِدًا؟ فِي أَوَّلِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ كَالتِّسْعِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ سَرَدَ عَشْرًا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِالْأَخِيرَةِ، وَتَحَّى وَسَلَّمَ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَهُ سَرْدُ إحْدَى عَشْرَةَ فَأَقَلَّ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَسَلَامٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَهُ سَرْدُ الْإِحْدَى عَشْرَةَ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ صَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ: سَرَدَ ثَمَانِيًا، وَجَلَسَ، وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ صَلَّى التَّاسِعَةَ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: كَإِحْدَى عَشْرَةَ فَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ السَّبْعُ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ،

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْرُدُ السَّبْعَ كَالْخَمْسِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: كَإِحْدَى عَشْرَةَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: كَتِسْعٍ، وَقِيلَ: كَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَهَلْ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ أَوْ يَجْلِسُ عَقِيبَ الشَّفْعِ، وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَجْلِسُ عَقِيبَ الْوِتْرِ، وَيُسَلِّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هِيَ عَلَى صِفَاتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَيْرَهُ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ هَذَا فَمَحَلُّ نُصُوصِ أَحْمَدَ عَلَى الْجَوَازِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَهُ سَرْدُ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَجُوزُ بِخَمْسٍ، وَسَبْعٍ، وَتِسْعٍ بِسَلَامٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الصِّفَاتِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَثْنَى قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّ الْوِتْرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ كَإِحْدَى عَشْرَةَ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ،

قَوْلُهُ (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ) أَيْ بِسَلَامَيْنِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَإِنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ فِيهِنَّ لَمْ يَضِقْ عَلَيْهِ عِنْدِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبِتَسْلِيمَةٍ يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: وَبِوَاحِدَةٍ لَا بَأْسَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: بِسَلَامَيْنِ، أَوْ سَرْدًا بِسَلَامٍ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: إذَا قُلْنَا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ: أَنَّهَا تَكُونُ سَرْدًا قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: إذَا صَلَّى الثَّلَاثَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يَكُونُ وِتْرًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَفْعَلُ الثَّلَاثَ كَالْمَغْرِبِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ جَازَ، وَيَجْلِسُ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَخَيَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَقْنُتُ فِيهَا) أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يَقْنُتُ إلَّا فِي نِصْفِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَخْتَارُ الْقُنُوتَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِنْ قَنَتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ قَالَ فِي الْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَقْنُتَ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ خَطَّابٍ، فَقَالَ: كُنْت أَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت السَّنَةَ كُلَّهَا، وَخَيَّرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ بَيْنِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَنَتَ جَمِيعَ الشَّهْرِ، أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ، أَوْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالٍ فَقَدْ أَحْسَنَ.

قَوْلُهُ (بَعْدَ الرُّكُوعِ) يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ جَازَ، وَلَمْ يُسَنَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، تَنْبِيهٌ: قَوْلِي (فَلَوْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ جَازَ، وَلَمْ يُسَنَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يُسَنُّ ذَلِكَ) هَكَذَا، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَإِنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ جَازَ. قَوْلُهُ (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى قَوْلِهِ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَدْعُو بِدُعَاءِ عُمَرَ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ " وَبِدُعَاءِ الْحَسَنِ " اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت إلَخْ " وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ " إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ " " وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ " وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: وَيَدْعُو مَعَهُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: بِمَا شَاءَ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَيْسَ فِي الدُّعَاءِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ، وَمَهْمَا دَعَا بِهِ جَازَ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى دُعَاءِ (اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُسْتَحَبُّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: اخْتَارَهُ أَحْمَدُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الدُّعَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ، وَزَادَ

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] الْآيَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا قُبَيْلَ الْأَذَانِ، وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي: يُكْرَهُ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُوصَلُ الْأَذَانُ بِذِكْرٍ قَبْلَهُ، خِلَافَ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعَوَامّ الْيَوْمَ، وَلَيْسَ مَوْطِنَ قُرْآنٍ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ السَّلَفِ فَهُوَ مُحْدَثٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: مَحَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَّلُ الدُّعَاءِ، وَوَسَطُهُ وَآخِرُهُ. الثَّانِيَةُ: يُفْرِدُ الْمُنْفَرِدُ الضَّمِيرَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يُفْرِدُهُ بَلْ يَجْمَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. الثَّالِثَةُ: يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَقْنُتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ فِي الثَّنَاءِ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ، وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامُ دَعَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ، وَحَيْثُ قُلْنَا يَقْنُتُ: فَإِنَّهُ لَا يَجْهَرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ قَالَ فِي النُّكَتِ: ثُمَّ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ: فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَقِيلَ بَلْ فِي الْكَرَاهَةِ. الرَّابِعَةُ: يَجْهَرُ الْمُنْفَرِدُ بِالْقُنُوتِ كَالْإِمَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَجْهَرُ إلَّا الْإِمَامُ فَقَطْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. الْخَامِسَةُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إلَى صَدْرِهِ وَيَبْسُطُهُمَا، وَتَكُونُ بُطُونُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ،

إحْدَاهُمَا: يَمْسَحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَمْسَحُ قَالَ الْقَاضِي: نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، فَعَلَيْهَا رُوِيَ عَنْهُ: لَا بَأْسَ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْمَسْحُ صَحَّحَهَا فِي الْوَسِيلَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى يَضَعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ إذَا دَعَا، عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ رَفْعَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَمْسَحْ، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقُنُوتِ رَفَعَ يَدَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْعَلُهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي الرُّكْنِ السَّابِعِ وَهَلْ يَرْفَعُهُمَا لِرَفْعِ الرُّكُوعِ، أَوْ لِيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ؟

عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا سَلَّمَ (سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثًا) وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ (رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) . قَوْلُهُ (وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ كَغَيْرِهَا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: لَا يَجُوزُ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ. قُلْت: النَّصُّ الْوَارِدُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ) مُحْتَمِلُ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ أَيْضًا (لَا يُعْجِبُنِي) وَفِي هَذَا اللَّفْظِ لِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي مُحَرَّرًا آخِرَ الْكِتَابِ فِي الْقَاعِدَةِ، وَقَالَ أَيْضًا (لَا أُعَنِّفُ مَنْ يَقْنُتُ) وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ فِي الْفَجْرِ، وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِدْعَةٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ ائْتَمَّ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ تَابَعَهُ، فَأَمَّنَ أَوْ دَعَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ بِالْمُتَابَعَةِ، وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: تَابَعَهُ فِي الدُّعَاءِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تَبِعَهُ فَأَمَّنَ وَدَعَا، وَقِيلَ: أَوْ قَنَتَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَفِي سُكُوتِ مُؤْتَمٍّ وَمُتَابَعَتِهِ كَالْوِتْرِ رِوَايَتَانِ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: يُسْتَحَبُّ عِنْدَ أَحْمَدَ مُتَابَعَتُهُ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنْ زَادَ كُرِهَ مُتَابَعَتُهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ كَانَ أَوْلَى، وَإِنْ صَبَرَ وَتَابَعَهُ جَازَ، وَعَنْهُ لَا يُتَابِعُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدِي. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، فَلِلْإِمَامِ خَاصَّةً الْقُنُوتُ) هَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ،

وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَعَنْهُ وَيَقْنُتُ نَائِبُهُ أَيْضًا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَخْتَصُّ الْقُنُوتُ بِالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبِأَمِيرِ الْجَيْشِ لَا بِكُلِّ إمَامٍ، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ نَائِبُهُ بِإِذْنِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ إمَامُ جَمَاعَةٍ، وَعَنْهُ وَكُلُّ مُصَلٍّ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَلْ يُشْرَعُ لِسَائِرِ النَّاسِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ: وَلِلْإِمَامِ خَاصَّةً الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: يَقْنُتُ فِي الْجَهْرِيَّاتِ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَعَنْهُ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَقَطْ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا يَصِحُّ هَذَا وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي النَّوَازِلِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ يَقْنُتُ مَعَ الصُّبْحِ فِي الْمَغْرِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ خَلَا الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْجُمُعَةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَقْنُتُ لِرَفْعِ الْوَبَاءِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّازِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ لِرَفْعِهِ فِي الْأَظْهَرِ

؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْيَارِ، فَلَا يُسْأَلُ رَفْعُهُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُنُوتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ، وَظَاهِرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، وَهِيَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ ثَمَانٍ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَ الظُّهْرِ شَيْئًا، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الرَّوَاتِبُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَعَدَّ رَكْعَةَ الْوِتْرِ، وَذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، لَكِنْ لَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ فَأَفْرَدَهُ قَوْلُهُ (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَرْبَعٌ قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، وَحَكَى: لَا سُنَّةَ قَبْلَهَا، وَحَكَى سِتٌّ قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجَعَلَ الْقَاضِي قَبْلَ الظُّهْرِ سِتًّا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُمَا آكَدُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَحَكَى أَنَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ آكَدُ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلًا. فَوَائِدُ. يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَقِرَاءَتُهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَفِي الْأُولَى بَعْدَهَا {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الْآيَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64] الْآيَةَ وَيَجُوزُ فِعْلُهَا رَاكِبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ رَاكِبًا فَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا مَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ صَالِحٌ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مَا سَمِعْت فِيهِمَا بِشَيْءٍ، وَلَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَنْعُ فِعْلِ السُّنَنِ رَاكِبًا، تَبَعًا لِلْفَرَائِضِ. خُولِفَ فِي الْوِتْرِ لِلْخَبَرِ فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ فَقَدْ مَنَعَ يَعْنِي الْقَاضِي غَيْرَ الْوِتْرِ مِنْ السُّنَنِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ «غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» وَلِلْبُخَارِيِّ «إلَّا الْفَرَائِضَ» . انْتَهَى. وَيُسْتَحَبُّ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو طَالِبٍ وَمُهَنَّا: كَرَاهَةَ الْكَلَامِ بَعْدَهَا، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنَّا نَتَنَاظَرُ فِي الْمَسَائِلِ، أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَنَّهُ أَجَازَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ، لَا الْكَلَامِ الْكَثِيرِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: بِسَلَامَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِيهَا وَجْهَيْنِ فَائِدَةٌ: فِعْلُ الرَّوَاتِبِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَعَنْهُ التَّسْوِيَةُ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ سُنَّةُ الْمَغْرِبِ بِصَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ.

ذَكَرَهُ الْبَرْمَكِيُّ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ، وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا الرَّوَاتِبَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ: لَا تُجْزِيهِ إلَّا فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَ " هِيَ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ " قَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: سُنَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا، وَعَنْهُ يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ إلَى الضُّحَى وَقِيلَ: لَا يَقْضِي إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضُّحَى وَرَكْعَتَيْ الظُّهْرِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَأْثَمُ تَارِكُهُنَّ مِرَارًا وَيُرَدُّ قَوْلُهُ قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْوِتْرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْضَى، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ فَعَلَى هَذَا: يُقْضَى مَعَ شَفْعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْوِتْرَ الْمَجْمُوعُ، وَعَنْهُ يَقْضِيهِ مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَعَنْهُ لَا يُقْضَى اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَعَنْهُ لَا يُقْضَى بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقْضَى مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ قَضَاءِ رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا " مَعَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ تَرْكُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَمَتَى دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْقَاضِي: وَيَأْثَمُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا إثْمَ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْعَدَالَةِ، وَقَالَ عَنْ كَلَامِ الْقَاضِي: مُرَادُهُ إذَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ فَرْضٍ، وَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. الثَّانِيَةُ: تُجْزِئُ السُّنَّةُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا عَكْسَ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَسُنَّتِهِ بِقِيَامٍ أَوْ كَلَامٍ. الرَّابِعَةُ: لِلزَّوْجَةِ وَالْأَجِيرِ وَالْوَلَدِ وَالْعَبْدِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُمْ. الْخَامِسَةُ: لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، أَوْ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا بَعْدَهَا، وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا: كَانَتْ قَضَاءً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: أَدَاءً [أَوْ صَلَّى] بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَضَاءً بِلَا نِزَاعٍ فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَضَى بَعْدَهَا وَبَدَأَ بِهَا قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ الْبَعْلِيُّ: وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: بَابُ مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ سُنَّتَيْ الظُّهْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَهَذَا مُخَالِفٌ لَمَا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الْحَكَمُ كَمَا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَا: بَدَأَ بِهَا عِنْدَنَا، وَنَصَرَاهُ عَلَى دَلِيلِ الْمُخَالِفِ. وَقَاسَاهُ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِمَا " عِنْدَنَا ".

السَّادِسَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَ الرَّوَاتِبِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: سِتًّا، وَقِيلَ: أَوْ أَكْثَرَ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا، فَقِيلَ: هُمَا سُنَّةٌ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَدَّهُمَا الْآمِدِيُّ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عَدَّهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ، وَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَقَالَ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ فِي الْهَدْي: هُمَا سُنَّةُ الْوِتْرِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ فِي بَابِ الْأَذَانِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) يَعْنِي أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: بِوُجُوبِهَا. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) أَنَّ الْوِتْرَ وَالسُّنَنَ الرَّوَاتِبَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: عِشْرُونَ، وَقِيلَ: أَوْ أَزْيَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كُلُّ ذَلِكَ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ حَسَنٌ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ وَتَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَكْفِيهَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَمِنْهَا: أَوَّلُ وَقْتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَسُنَّتِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَعَنْهُ بَلْ قَبْلَ السُّنَّةِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ، نَقَلَهَا حَرْبٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَتُسَنُّ التَّرَاوِيحُ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ. انْتَهَى. وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِجَوَازِهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ، وَمِنْهَا: فِعْلُهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ: أَطْلَقَهُ فِي الْفُرُوعِ فَقَالَ فِعْلُهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إلَّا بِمَكَّةَ فَلَا بَأْسَ بِتَأْخِيرِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا بِمَكَّةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُنَافِيًا لَمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْهَا: فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، وَعَنْهُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ، ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ أَنَّ صَلَاتَهَا جَمَاعَةٌ أَفْضَلُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَمِنْهَا: يَسْتَرِيحُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِجِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ فَعَلَهُ السَّلَفُ، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ، وَلَا يَدْعُو إذَا اسْتَرَاحَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْحَرِفُ إلَى الْمُصَلِّينَ وَيَدْعُو، وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ الدُّعَاءَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَأَوْتَرَ مَعَهُ قَامَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يُوتِرَ مَعَهُ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، [وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ " ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ] ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يُوتِرْ مَعَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي وِتْرِهِ، لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ، وَحَمَلَ نَصُّ أَحْمَدَ عَلَى رِوَايَةِ إعَادَةِ الْمَغْرِبِ وَشَفْعِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ جَازَ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ وِتْرُهُ وَيُصَلِّي، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْتَرَ قَبْلَ التَّهَجُّدِ لَمْ يَنْقُضْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ فَعَلَى هَذَا: لَا يُوتِرُ إذَا فَرَغَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُوتِرُ، وَعَنْهُ يَنْقُضُهُ اسْتِحْبَابًا بِرَكْعَةٍ يُصَلِّيهَا فَتَصِيرُ شَفْعًا، ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ يُوتِرُ قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَعَنْهُ يَنْقُضُهُ وُجُوبًا عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ نَقْضِهِ وَتَرْكِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْوِتْرِ مَثْنَى

مَثْنَى، زَادَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَالُوا: وَإِنْ نَقَضَهُ بِرَكْعَةٍ صَلَّى مَا شَاءَ وَأَوْتَرَ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ نَقْضُهُ، وَعَنْهُ يَجِبُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: إنْ قَرُبَ زَمَنُهُ شَفَعَهُ بِأُخْرَى، وَإِنْ بَعُدَ فَلَا بَلْ يُصَلِّي مَثْنَى، وَلَا يُوتِرُ بَعْدَهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ إذَا طَافَ مَعَ إمَامِهِ وَإِلَّا كُرِهَ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ فِي كِتَابَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: الْكَرَاهَةُ قَوْلٌ قَدِيمٌ. نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ. قُلْت: لَيْسَ هَذَا بِقَادِحٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ النَّاظِمُ: يُكْرَهُ فِي الْأَظْهَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُكْرَهُ التَّعْقِيبُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ طَالَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَصُرَ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ: إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَمْ يُكْرَهْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا رَجَعُوا قَبْلَ الْإِمَامِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ تَنَفَّلُوا جَمَاعَةً بَعْدَ رَقْدَةٍ، أَوْ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، لَمْ يُكْرَهْ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إذَا أَخَّرَهُ بَعْدَ أَكْلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِمَنْ نُقِضَ وِتْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ فَوَجْهَانِ قَوْلُهُ (فِي جَمَاعَةٍ) هَذَا الصَّحِيحُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ " فِي جَمَاعَةٍ " بَلْ أَطْلَقُوا وَاخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ زَادَ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَامَ مِنْ التَّرَاوِيحِ إلَى ثَالِثَةٍ: يَرْجِعُ وَإِنْ قَرَأَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَةً وَلَا بُدَّ، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا قَرِيبًا. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِسُورَةِ الْقَلَمِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِذَا سَجَدَ قَرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ يَقْرَأُ بِهَا فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَحْسَنُ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ الْإِمَامُ عَلَى خِتْمَةٍ، إلَّا أَنْ يُؤْثِرَ الْمَأْمُومُ، وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ النَّقْصُ عَنْ خِتْمَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ حَالُ الْمَأْمُومِينَ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: التَّقْدِيرُ بِحَالِ الْمَأْمُومِينَ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَزِيدُ عَلَى خِتْمَةٍ، لِئَلَّا يَشُقَّ فَيَسْأَمُوا، فَيَتْرُكُوا بِسَبَبِهِ فَيَعْظُمُ إثْمُهُ، وَيَدْعُو لِخَتْمِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ، وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُسَنُّ خَتْمُهُ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَمَوْعِظَتُهُ بَعْدَ الْخَتْمِ، وَقِرَاءَةُ دُعَاءِ الْقُرْآنِ، مَعَ رَفْعِ الْأَيْدِي نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَخْتِمُ فِي الْوِتْرِ وَيَدْعُو؟ فَسَهَّلَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (وَأَفْضَلُهَا: وَسَطُ اللَّيْلِ، وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ يَعْنِي أَنَّ أَفْضَلَ الْأَثْلَاثِ: الثُّلُثُ الْوَسَطُ، وَأَفْضَلُ النِّصْفَيْنِ: النِّصْفُ الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَشَرْحِهَا لِلْمَجْدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ أَفْضَلُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي، الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: أَنَّ أَفْضَلَهُ الثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ، كَصَلَاةِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالْأَفْضَلُ عِنْدِي: أَنْ يَنَامَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ، أَوْ ثُلُثَهُ

الْأَوَّلَ، أَوْ سُدُسَهُ الْأَخِيرَ، وَيَقُومَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: آخِرُهُ خَيْرٌ مِنْ أَوَّلِهِ، ثُمَّ وَسَطُهُ، وَقِيلَ: خَيْرُهُ: أَنْ يَنَامَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ، وَقِيلَ: بَلْ ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ سُدُسُهُ الْأَخِيرُ، وَيَقُومُ مَا بَيْنَهُمَا. انْتَهَى.، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَفْضَلُهُ نِصْفُهُ الْأَخِيرُ، وَأَفْضَلُهُ ثُلُثُهُ الْأَوَّلُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: آخِرُهُ، وَقِيلَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الْوَسَطِ. انْتَهَى. فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ (ثُلُثَهُ الْأَوَّلَ) الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، وَإِنْ أَرَادَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ثُلُثَ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي، وَفِيهِ بُعْدٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيْت الْقَاضِيَ أَبَا الْحُسَيْنِ ذَكَرَ فِي فُرُوعِهِ: أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُومُ سُدُسَهُ، أَوْ رُبْعَهُ فَقَوْلُهُ " ثُمَّ يَقُومُ سُدُسَهُ " مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ مَا فِي الْفُرُوعِ فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ أَفْضَلُ مِنْ الثُّلُثِ الْوَسَطِ وَمِنْ غَيْرِهِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: ثُلُثُهُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ الثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَقِيلَ: أَفْضَلُهُ النِّصْفُ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، حَكَاهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: أَنْ يَكُونَ مَثْنَى كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ، وَلَوْ جَاوَزَ ثَمَانِيًا لَيْلًا، أَوْ أَرْبَعًا نَهَارًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُهُ عَلِمَ الْعَدَدَ أَوْ نَسِيَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا مَثْنَى فِيهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا مَثْنَى فِي اللَّيْلِ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ شِهَابٍ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ قَامَ فِي التَّرَاوِيحِ إلَى ثَالِثَةٍ يَرْجِعُ، وَإِنْ قَرَأَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا، وَلَا بُدَّ فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَثْنَى لَيْلًا: لَوْ فَعَلَهُ كُرِهَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ لَوْ فَعَلَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا كُرِهَ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ نَهَارًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كُرِهَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَقُلْنَا: يَصِحُّ، وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَقَدْ تَرَكَ الْأَوْلَى وَيَجُوزُ، بِدَلِيلِ الْوِتْرِ. وَكَالْمَكْتُوبَةِ عَلَى رِوَايَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ تَطَوَّعَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْفَرْضِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَحْرَمَ بِعَدَدٍ، فَهَلْ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِيمَنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فِي التَّرَاوِيحِ: لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ خِلَافٌ، ذَكَرَهُ فِي لُحُوقِ زِيَادَةٍ بِالْعَقْدِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُجُودِ السَّهْوِ " لَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ". قَوْلُهُ (وَصَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ

فِي آخِرِ بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ وَالسَّهْوِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: هِيَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا الْمُتَرَبِّعَ. انْتَهَيَا. قُلْت: قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدِيثًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ (وَيَكُونُ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَفْتَرِشُ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: إنْ كَثُرَ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ لَمْ يَتَرَبَّعْ، وَإِلَّا تَرَبَّعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي سُجُودِهِ، بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا فِي رُكُوعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّرْحِ، وَعَنْهُ لَا يُثْنِيهِمَا فِي رُكُوعِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى فِعْلِ أَنَسٍ، وَأَخَذَ بِهِ قَالَ فِي حَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ: هَذَا أَقْيَسُ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَمُتَرَبِّعًا أَفْضَلُ، وَقِيلَ: حَالَ قِيَامِهِ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ إنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ صَلَاةِ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ: إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ: فَإِنَّهَا كَصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْأَجْرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ فَرْضًا وَنَفْلًا. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا وَعَكْسُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُضْطَجِعِ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ

الْمَذْهَبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: الْمَنْعُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَّزَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَصِحُّ فَيَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ فِي السَّلَفِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي نَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ مُضْطَجِعًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْإِفَادَاتِ، وَجَعَلَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَغَالِبُ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَطْلَقَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: هَلْ يُومِئُ، أَوْ يَسْجُدُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، وَالنُّكَتِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: التَّطَوُّعُ سِرًّا أَفْضَلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُسِرُّ بِنِيَّتِهِ، وَعَنْهُ هُوَ وَالْمَسْجِدُ سَوَاءٌ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ جَمَاعَةً أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. قُلْت: مِنْهُمْ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَتَّخِذْ عَادَةً وَسُنَّةً قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا سَمِعْته، وَتَقَدَّمَ هَلْ يُكْرَهُ الْجَهْرُ نَهَارًا، وَهَلْ يُخَيَّرُ لَيْلًا؟ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ ".

الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْهَا قَاعِدًا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكَثْرَةَ أَفْضَلُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ: كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فِي النَّهَارِ، وَطُولُ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظَمَهَا، وَعَنْهُ التَّسَاوِي اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: التَّحْقِيقُ أَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، وَأَمَّا نَفْسُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: فَأَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْقِيَامِ، فَاعْتَدَلَا، وَلِهَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مُعْتَدِلَةً فَكَانَ إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ذَلِكَ حَتَّى يَتَقَارَبَا. قَوْلُهُ (وَأَدْنَى صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهُمَا ثَمَانٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهَا اثْنَا عَشَرَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُهَا) : (إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَهَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَة، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ: إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ حَرُّهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: حِينَ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مِنْ عُلُوِّ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: وَبَيَاضِهَا، وَقِيلَ: وَشِدَّةُ حَرِّهَا، وَقِيلَ: بَلْ زَوَالُ وَقْتِ النَّهْيِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ عَنْ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالنَّصِّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ. فَائِدَةٌ: آخِرُ وَقْتِهَا: إلَى الزَّوَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ. انْتَهَى. قُلْت: هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِمْ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ (إلَى الزَّوَالِ) لَا يَدْخُلُ الزَّوَالُ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْتَهِي إلَيْهِ، وَلَهُ نَظَائِرُ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: لَهُ فِعْلُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ قَضَاهَا نَدْبًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى فِعْلِهَا، بَلْ تُفْعَلُ غِبًّا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا يُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: لَا تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ اسْتِحْبَابَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَنَقَلَهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاسْتِحْبَابُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا أَوْلَى قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَلَا تُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهَا. فَتَلَخَّصَ: أَنَّ الْآجُرِّيَّ، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَأَبَا الْخَطَّابِ، وَابْنَ الْجَوْزِيِّ، وَالْمَجْدَ،

وَابْنَ حَمْدَانَ، وَابْنَ تَمِيمٍ، وَصَاحِبَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: اخْتَارُوا اسْتِحْبَابَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا لِمَنْ لَمْ يَقُمْ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَهُ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ: مَا لَيْسَ بِرَاتِبٍ لَا يُدَاوَمُ عَلَيْهِ كَالرَّاتِبِ. الثَّانِيَةُ. أَفْضَلُ وَقْتِهَا: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُمَا فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يَصِحُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِرَكْعَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، الْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظَمَهَا وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَنَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ: أَقَلُّ الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ

وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ: حُكْمُ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ وَالْخَمْسِ حُكْمُ التَّنَفُّلِ بِرَكْعَةٍ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِفَرْدِ رَكْعَةٍ. قَوْلُهُ (وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ) فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلنَّافِلَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ خَارِجُ الصَّلَاةِ، لَا يَفْتَقِرُ إلَى وُضُوءٍ، وَبِالْوُضُوءِ أَفْضَلُ، وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ: الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ سُنَّةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، [فَعَلَيْهَا يَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ فَوْتِهِ، وَقِيلَ: بَلَى. وَبَعْضُهُمْ خَرَّجَهَا عَلَى التَّيَمُّمِ لِلْجِنَازَةِ. وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يَسْجُدُ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَلَا يَقْضِيهَا إذَا تَوَضَّأَ. انْتَهَى.] وَعَنْهُ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي اسْتِحْبَابِهَا لِلطَّائِفِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُذْهَبِ قُلْت: الْأَظْهَرُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ يَسْجُدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ [قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى قَطْعِ الْمُوَالَاةِ بِهِ وَعَدَمِهِ] وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ لِسُجُودِهِ قِصَرُ الْفَصْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَيَسْجُدُ مُتَوَضِّئٌ، وَيَتَيَمَّمُ مَنْ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ قَالَ فِي الْفُنُونِ: سَهْوُهُ عَنْهُ كَسُجُودِ سَهْوٍ، يَسْجُدُ مَعَ قِصَرِ الْفَصْلِ، وَعَنْهُ وَيَتَطَهَّرُ أَيْضًا مُحْدِثٌ وَيَسْجُدُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْقَارِئِ وَلِلْمُسْتَمِعِ، دُونَ السَّامِعِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ،

وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ السَّامِعُ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ فَلَا يَسْجُدُ قُدَّامَ إمَامِهِ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ بِشَرْطٍ مَوْقِفٌ مُتَعَيِّنٌ، وَقَطَعَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. كَسُجُودِهِ لِتِلَاوَةِ أُمِّيٍّ، وَزَمِنٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ لَيْسَا مِنْ فُرُوضِهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِمَا خِلَافًا. وَلَا يَسْجُدُ رَجُلٌ لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَفِي سُجُودِهِ لِتِلَاوَةِ صَبِيٍّ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُجُودُهُ لِتِلَاوَةِ الصَّبِيِّ. لِأَنَّهُ كَالنَّافِلَةِ وَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ إمَامَةِ الصَّبِيِّ فِي النَّافِلَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَلِمُسْتَمِعِهِ الْجَائِزِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ صَحَّتْ إمَامَتُهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ فِي الْمُذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ صَبِيٍّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ أَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ تَعَرَّضَ لِلرَّفْعِ قَبْلَ الْقَارِئِ فَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ كَالصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا يُفْضِي إلَى كَبِيرِ مُخَالَفَةٍ وَتَخْلِيطٍ، وَقَالُوا: لَا يَسْجُدُ قَبْلَهُ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي: هَلْ يَسْجُدُ أَمْ لَا؟ بِخِلَافِ رَفْعِهِ قَبْلَهُ. انْتَهَى. قُلْت: الثَّانِي: هُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ لَمْ يَسْجُدْ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ غَيْرُ مُصَلٍّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْوَسِيلَةِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يَسْجُدُ فِي صَلَاةٍ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. كَقِرَاءَةِ مَأْمُومٍ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ فِي النَّفْلِ، دُونَ الْفَرْضِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَخَصَّ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ الْخِلَافَ بِالنَّفْلِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَجْدُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ إذَا فَرَغَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ السُّجُودِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَ فِي الْفَائِقِ الْبُطْلَانَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَقُومُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ بَلَى، وَقِيلَ: يُجْزِئُ الرُّكُوعُ مُطْلَقًا، أَعْنِي سَوَاءً كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى عَنْ الْقَاضِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُجْزِئُ رُكُوعُ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ. انْتَهَى. قُلْت: اخْتَارَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يَقُومُ الرُّكُوعُ مَقَامَهُ، وَتَقُومُ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ الثَّالِثَةُ: لَوْ سَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ فَفِي إعَادَتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَكَذَا يَتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْحَالِ مَرَّةً أُخْرَى، لَا لِأَجْلِ السُّجُودِ فَهَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: إنْ سَجَدَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى فَقَرَأَهَا فِيهَا، أَعَادَ السُّجُودَ، وَإِنْ سَجَدَ فِي

صَلَاةٍ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، لَمْ يَسْجُدْ، وَقَالَ: إذَا قَرَأَ سَجْدَةً فِي رَكْعَةٍ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَقِيلَ: يُعِيدُ السُّجُودَ، وَقِيلَ: لَا، وَإِنْ كَرَّرَ سَجْدَةً، وَهُوَ رَاكِبٌ فِي صَلَاةٍ لَمْ يُكَرِّرْ السُّجُودَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكَرِّرْ السُّجُودَ كَذَا وُجِدَ فِي النُّسَخِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَ. قُلْت: إنْ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَةٍ سَجَدَ مَرَّةً، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ آخِرَ سُورَةٍ فَلَهُ السُّجُودُ وَتَرْكُهُ، وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي مَجْلِسٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ سَجَدَ قَبْلَهَا فَهَلْ يَسْجُدُ لِلثَّانِيَةِ أَوْ لِلْأَوَّلَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: إنْ قَرَأَهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا، وَقِيلَ: فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَمِعَ سَجْدَتَيْنِ مَعًا، فَهَلْ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، أَمْ يَكْتَفِي بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الْبُزْرَاطِيِّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِوَاحِدَةٍ، وَقَدْ خَرَّجَ الْأَصْحَابُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَجْهًا فَهُنَا أَوْلَى. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً) (فِي الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ فِي الْحَجِّ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَهِيَ الْأُولَى نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ، وَعَنْهُ هِيَ الثَّانِيَةُ فَتَكُونُ السَّجَدَاتُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَعَنْهُ سَجْدَةُ (ص) مِنْهُ فَتَكُونُ خَمْسَ عَشْرَةَ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: سَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ فَيَسْجُدُ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ رِوَايَةٍ، وَلَا يَسْجُدُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْمُذْهَبُ، وَالْفَائِقُ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ:

عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لَا فَائِدَةَ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، إلَّا هَلْ هَذِهِ السَّجْدَةُ مُؤَكَّدَةٌ كَتَأْكِيدِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، أَمْ هِيَ دُونَهُ فِي التَّأْكِيدِ كَسُجُودِ الشُّكْرِ؟ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ آكَدُ مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ. فَائِدَةٌ: السَّجْدَةُ فِي (حم) عِنْدَ قَوْلِهِ {يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عِنْدَ قَوْلِهِ {يَعْبُدُونَ} [هود: 109] اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ) أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ قَوْلُهُ (وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيُكَبِّرُ غَيْرُ الْمُصَلِّي فِي الْأَصَحِّ لِلْإِحْرَامِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ فِي تَكْبِيرَةِ السُّجُودِ خِلَافًا قَوْلُهُ (وَإِذَا رَفَعَ) يَعْنِي يُكَبِّرُ إذَا رَفَعَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ تَكْبِيرَةُ السُّجُودِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُ (وَيَجْلِسُ) هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَعَلَّ الْمُرَادَ النَّدْبُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا جُلُوسَهُ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْزِئُهُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَجِبُ الثِّنْتَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَشَهَّدُ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ لَا يُسَنُّ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهَا: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ عَنْ قِيَامٍ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ؟ فَقَالَ: يَسْجُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْجُدَ عَنْ قِيَامٍ، وَإِنْ سَجَدَ عَنْ جُلُوسٍ فَحَسَنٌ الثَّانِيَةُ. يَقُولُ فِي سُجُودِهِ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَحَسَنٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ) (نَصَّ عَلَيْهِ) يَعْنِي فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَا يَرْفَعُهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فِي النُّكَتِ: ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قُلْت: مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: هَذَا الْأَصَحُّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقُنُوتِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ؟ فِي أَحْكَامِ الْوِتْرِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا سَجَدَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا يَرْفَعُهُمَا، وَيُحْتَمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَامَ الْمُصَلِّي مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فَإِنْ شَاءَ قَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ، وَإِنْ شَاءَ رَكَعَ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا) بَلْ يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَالْمَأْمُومُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ وَتَرْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ جَزَمَ بِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ إمَامِهِ فِي السُّجُودِ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، بَلْ يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: الرَّاكِبُ يُومِئُ بِالسُّجُودِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا الْمَاشِي فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْجُدُ بِالْأَرْضِ، وَقِيلَ: يُومِئُ أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي، وَقِيلَ: يُومِئُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِلَّا سَجَدَ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُسْتَحَبُّ لِأَمِيرِ النَّاسِ لَا غَيْرُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ قَوْلُهُ (عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ، وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ) يَعْنِي الْعَامَّتَيْنِ لِلنَّاسِ. هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقُوا، وَقَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُقَلَاءَ يُهَنُّونَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَارِضِ، وَلَا يَفْعَلُونَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَصْرِفُ عَنْهُمْ الْبَلَاءَ وَالْآفَاتِ، وَيُمَتِّعُهُمْ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَيُفَرِّقُونَ فِي التَّهْنِئَةِ بَيْنَ النِّعْمَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، كَذَلِكَ السُّجُودُ لِلشُّكْرِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَسْجُدَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَسْجُدُ [قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ: يُسَنُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لِتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ، وَدَفْعِ نِقْمَةٍ عَامَّتَيْنِ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: أَوْ خَاصَّتَيْنِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَسْجُدُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِيهَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي انْتِصَارِ أَبِي الْخَطَّابِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَبَبَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَارِضٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سَجَدَ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا، لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ، مَنْ حَمِدَ لِنِعْمَةٍ، أَوْ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَةٍ. فَائِدَةٌ: وَلَوْ رَأَى مُبْتَلًى فِي دِينِهِ سَجَدَ شُكْرًا بِحُضُورِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ سَجَدَ وَكَتَمَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَسْجُدُ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْخَبَرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُرَادُ إنْ قُلْنَا: يَسْجُدُ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ. قُلْت: فَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَهَلْ يَسْجُدُ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لَكِنْ إنْ سَجَدَ لِرُؤْيَةِ مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ لَمْ يُشْعِرْهُ. فَاسْتَدْرَكَ مِنْ السُّجُودِ لِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ: هِيَ خَمْسَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ عِنْدَ قِيَامِهَا لَيْسَ بِوَقْتِ نَهْيٍ لِقِصَرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ نَهْيٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ أَوْقَاتَ النَّهْيِ ثَلَاثَةٌ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَهَذَا الْوَقْتُ يَشْتَمِلُ عَلَى وَقْتَيْنِ، وَعَنْهُ لَا نَهْيَ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا قَرِيبًا أَتَمَّ مِنْ هَذَا.

قَوْلُهُ (بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) يَعْنِي الْفَجْرَ الثَّانِيَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِزْقُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ. قَوْلُهُ (وَبَعْدَ الْعَصْرِ) يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا جَمَعَ، وَعَنْهُ لَا نَهْيَ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ لَا نَهْيَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. فَائِدَةٌ: الِاعْتِبَارُ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، لَا بِالشُّرُوعِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ قَلَبَهَا نَفْلًا لِعُذْرٍ: صَحَّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهَا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَالِاعْتِبَارُ أَيْضًا: بِصَلَاتِهِ فَلَوْ صَلَّى مُنِعَ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ غَيْرُهُ، وَمَتَى لَمْ يُصَلِّ فَلَهُ التَّطَوُّعُ وَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: حَتَّى تَبْيَضَّ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. قَوْلُهُ (وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ نَهْيٍ، لِقِصَرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُمُعَةِ: إذَنْ لَا يُعْجِبُنِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَامِعَ، وَقَالَ الْقَاضِي: لِيَسْتَظْهِرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ سَاعَةً بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ زَوَالَهَا كَسَائِرِ الْأَيَّامِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مُنِعَ مِنْ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ

بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقُ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ الثَّانِيَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ الْعَصْرِ إذَا جَمَعَ، سَوَاءٌ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَفْعَلُهَا إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُصَلِّي سُنَّةَ الْأُولَى إذَا فَرَغَ مِنْ الثَّانِيَةِ، إذَا لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ عَصْرًا، وَهَذَا فِي الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً، وَتُقَدَّمُ سُنَّةُ الْأُولَى مِنْهُمَا عَلَى الثَّانِيَةِ، كَمَا قُدِّمَ فَرْضُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَنْعَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا نَهْيَ بِمَكَّةَ. وَهِيَ قَوْلٌ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا إنْ قُلْنَا الْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي: أَنَّ هُنَا مِثْلَهُ وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا نَهْيَ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ) أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ النَّهْيِ يَحْصُلُ قَبْلَ شُرُوعِهَا فِي الْغُرُوبِ فَيَكُونُ: أَوَّلُهُ إذَا اصْفَرَّتْ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى وَأَحْوَطُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَوَّلُهُ إذَا شَرَعَتْ فِي الْغُرُوبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ

ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْخَامِسِ فَعَنْهُ أَوَّلُهُ: إذَا شَرَعَتْ فِي الْغُرُوبِ، وَعَنْهُ أَوَّلُهُ إذَا اصْفَرَّتْ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي تَعْدَادِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ: وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، حَتَّى تَتِمَّ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَحَكَى فِي التَّبْصِرَةِ فِي قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ رِوَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ صَلَاةُ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْأَشْهَرُ الْجَوَازُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهَا، ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ صَلَاةِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَنْعَقِدُ النَّذْرُ، وَيَأْتِي بِهِ فِيهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ مُوجِبًا لَهَا، وَتَبِعَهُمْ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَفْعَلُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّهْيِ وَيُكَفِّرُ كَنَذْرِهِ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: أَوْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ فِي وَقْتٍ وَفَاتَ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ صَوْمَ النَّذْرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، مَعَ تَأَكُّدِ الصَّوْمِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَكَان غُصِبَ فَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى: يَنْعَقِدُ فَقِيلَ لَهُ: يُصَلِّي فِي غَيْرِهَا؟ فَقَالَ: فَلَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَإِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ إذَا أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا إجْمَاعًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلًا بِصَلَاةِ الْفَرْضِ مِنْهُمَا، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَقَطْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ فِعْلِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِمَا مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَتُعَادُ الْجَمَاعَةُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ إذَا أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ دَخَلَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، سَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، لَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّخُولُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ الْمَنْعُ فِيهَا مُطْلَقًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ (فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا) قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي هَلْ يَجُوزُ فِعْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَإِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ؟ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْخُلَاصَةُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ فِعْلِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَإِعَادَةُ

الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازَ إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَجُوزُ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرْحِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي الْأَشْهَرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجُوزُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَشَرْحِهَا لِلْمَجْدِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، ذَكَرَاهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُصَلِّي عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا حَالَ الْغُرُوبِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِالْجَوَازِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، إلَّا حَالَ الْغُرُوبِ وَالزَّوَالِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا، أَمَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ كُلِّهَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ فَرْضًا لَمْ يَحْرُمْ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا حَرُمَتْ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ، وَحَكَى قَوْلًا: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسِ.

وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا تَجُوزُ بَعْدَ الْعَصْرِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِهَا عَلَى الْجِنَازَةِ خَوْفَ الِانْفِجَارِ، وَقَدْ أُمِنَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: وَصَلَّى قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِفَتْوَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَلَعَلَّهُ قَاسَ عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ: وَحَكَى عَنْهُ: أَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ، وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِغَيْرِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ إلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ) التَّطَوُّعُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ لَهُ سَبَبٌ، وَنَوْعٌ لَا سَبَبَ لَهُ فَأَمَّا الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ وَهُوَ التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ فَدَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ وَهُوَ فِيهَا حَرُمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَبْتَدِئُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَلَاةً يَتَطَوَّعُ بِهَا، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، لَكِنْ قَالَ: يُخَفِّفُهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ابْتَدَأَ التَّطَوُّعَ الْمُطْلَقَ فِيهَا لَمْ يَنْعَقِدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي التَّاسِعَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: لَمْ تَنْعَقِدْ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ: لَا تَنْعَقِدُ مِنْ الْجَاهِلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ مِنْهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَهُ سَبَبٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْوَاضِحِ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ: إنَّهُ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ (هُوَ) قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي الْكُسُوفِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَفُرُوعِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِيهَا اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَجُوزُ قَضَاءُ وِرْدِهِ وَوِتْرِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي قَضَاءِ وِتْرِهِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَخَبِ بِجَوَازِ قَضَاءِ السُّنَنِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ جَوَازَ قَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ، وَهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا

فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، جَوَازَ قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَجَوَازَ قَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَاخْتَارَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: صَحَّحَهُ الْقَاضِي وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ جَوَازَ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يَجُوزُ قَضَاءُ وِتْرِهِ، وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ مُطْلَقًا، إنْ خَافَ إهْمَالَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ فِي الْكُسُوفِ: فَإِنَّهُ يَذْكُرُ وَيَدْعُو حَتَّى يَنْجَلِيَ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي غَيْرِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لَيْسَ عَنْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ، وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْكَلَامِ فَهُوَ أَخَفُّ، وَالنَّهْيُ هُنَا اخْتَصَّ الصَّلَاةَ فَهُوَ آكَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا عَلَى الْعِلَّتَيْنِ أَظْهَرُ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَنْعُ تَرَكْنَاهُ لِخَبَرِ سُلَيْكٍ. فَائِدَةٌ: مِمَّا لَهُ سَبَبٌ: الصَّلَاةُ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صَلَاةَ الِاسْتِخَارَةِ بِمَا يَفُوتُ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُنَا، وَغَيْرِهِمْ: وَسُجُودُ الشُّكْرِ، وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَعَدُّوهُمَا فِيمَا لَهُ سَبَبٌ وَصَحَّحُوا جَوَازَ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ. قُلْت: ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ فِيمَا لَهُ سَبَبٌ: ضَعِيفٌ بَعِيدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَجُوزُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَقْتَ نَهْيٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُنَاكَ وَغَيْرُهُمْ: بِلَا خِلَافٍ.

باب صلاة الجماعة

قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ إجْمَاعًا. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَلَا تُصَلَّى رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِحْرَامِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الرِّجَالِ لَا بِشَرْطٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا فِي اشْتِدَادِ الْخَوْفِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ، وَعَنْهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. وَمُقَاتَلَةُ تَارِكِهَا كَالْأَذَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَالْإِقْنَاعِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ عَنْهُمْ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ غَصْبٍ، وَالنَّهْيُ يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ بُعْدٌ، وَعَنْهُ حُكْمُ الْفَائِتَةِ وَالْمَنْذُورَةِ حُكْمُ الْحَاضِرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ حُكْمَ الْفَائِتَةِ فَقَطْ حُكْمُ الْحَاضِرَةِ.

تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْعَبِيدِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا ابْنُ هَانِئٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: تَلْزَمُ عَلَى الْأَصَحِّ كُلَّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ قَادِرٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِمْ رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْخَنَاثَى وَهُوَ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْمُذْهَبِ وُجُوبُهَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، غَيْرِ خُنْثَى وَأُنْثَى، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ النِّسَاءِ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ أَبَا يَعْلَى الصَّغِيرَ مَالَ إلَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِنَّ إذَا اجْتَمَعْنَ، وَهُوَ غَرِيبٌ. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ الرِّجَالِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: تَجِبُ عَلَى ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ، وَكَذَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الصَّغِيرِ: تَلْزَمُ الرِّجَالَ، وَقِيلَ: هُوَ كَالرَّجُلِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَنْقُصْ أَجْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلِنَقْلِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَهُ

فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَأَبِي الْخَطَّابِ فِيمَنْ عَادَتُهُ الِانْفِرَادُ، مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَإِلَّا تَمَّ أَجْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ حَالَ وُجُودِ الْعُذْرِ، فَإِنَّ أَجْرَهُ يَكْمُلُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ: خَبَرُ التَّفْضِيلِ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَسَاوِيهِمَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَالْفَضْلُ بِالْمُضَاعَفَةِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، ذَكَرُوهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ إذَا اجْتَمَعْنَ أَنْ يُصَلِّينَ فَرَائِضَهُنَّ جَمَاعَةً، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَجُوزُ فِي النَّافِلَةِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. هَذَا الْحُكْمُ إذَا كُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، سَوَاءٌ كَانَ إمَامُهُنَّ مِنْهُنَّ أَوْ لَا فَأَمَّا صَلَاتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ جَمَاعَةً: فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْمُسْتَحْسَنَةِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: وَلِلْعَجُوزِ وَالْبَرْزَةِ حُضُورُ جَمْعِ الرِّجَالِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ تَحْضُرَ الْعَجَائِزُ جَمْعَ الرِّجَالِ، وَعَنْهُ يُبَاحُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ

يُبَاحُ فِي الْفَرْضِ وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مِثْلُهَا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ لَهَا، أَوْ يُبَاحُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ، بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا) وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا اسْتَأْذَنَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ) (فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هِيَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا، وَهِيَ عِنْدِي بَعِيدَةٌ جِدًّا إنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِاثْنَيْنِ فَإِنْ أَمَّ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ، كَانَا جَمَاعَةً كَذَلِكَ، وَإِنْ أَمَّ صَبِيًّا فِي النَّفْلِ جَازَ، وَإِنْ أَمَّهُ فِي الْفَرْضِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَمَّ رَجُلًا مُتَنَفِّلًا، قَالَهُ فِي الْكَافِي. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِاسْتِبْعَادِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ قَبْلَ

الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ قَالَ: وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِهِ، وَعَنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَقُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ بُعْدٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِهِ مُنْكَرٌ كَغِنَاءٍ لَمْ يَدَعْ الْمَسْجِدَ، وَيُنْكِرُهُ، نَقَلَهُ يَعْقُوبُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَقَيَّدَهُ النَّاظِمُ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِحُضُورِهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيهِ إلَّا أَنَّ فِي قَصْدِ غَيْرِهِ كَسْرَ قَلْبِ إمَامِهِ أَوْ جَمَاعَةٍ، زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ وَقِيلَ: أَوْ كَثُرَتْ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ بِحُضُورِهِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَبْعَدُ ثُمَّ مَا تُمِّمَتْ جَمَاعَتُهُ بِهِ فَقَطَعَ أَنَّ الْعَتِيقَ وَالْأَبْعَدَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمَاعَةً، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَالْخُلَاصَةُ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَسْجِدَ الْعَتِيقَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَوْلَى قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: الْأَبْعَدُ وَالْأَقْرَبُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمْعًا [حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الْأَبْعَدَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمْعًا] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَوْلُهُ (وَهَلْ الْأَوْلَى قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوْ الْأَقْرَبِ؟) (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: الْأَبْعَدُ أَوْلَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى: فَالْأَبْعَدُ أَفْضَلُ، وَإِنْ قَلَّ جَمْعُهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْتَقَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْأَقْرَبُ أَوْلَى كَمَا لَوْ تَعَلَّقَتْ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: الْأَقْرَبُ أَوْلَى إنْ اسْتَوَيَا فِي الْقِدَمِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِلَّا فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا هُنَا بِالْقِدَمِ لَا بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ أَيْضًا، وَقِيلَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي الْعِتْقِ فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَفْضَلُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ فَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْقَرِيبُ الْعَتِيقَ

فَالْأَكْثَرُ جَمْعًا أَفْضَلُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ فَالْعَتِيقُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْعَدِ، وَالْأَعْتَقُ أَوْلَى إنْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ وَالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْتَقَ وَالْآخَرُ أَكْثَرَ جَمْعًا، رُجِّحَ الْأَبْعَدُ، وَعَنْهُ بَلْ الْأَقْرَبُ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ بَعْضُ تَكْرَارٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْجِدَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ عَتِيقَيْنِ سَوَاءٌ، اخْتَلَفَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ وَقِلَّتِهِ، أَوْ اسْتَوَيَا. فَائِدَةٌ: انْتِظَارُ كَثْرَةِ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، مَعَ قِلَّةِ الْجَمْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الِانْتِظَارُ أَفْضَلُ، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مَعَ قِلَّةِ الْجَمْعِ مِنْ انْتِظَارِ كَثْرَةِ الْجَمْعِ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلِّيَ وَلَا يَنْتَظِرَ، لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِير، وَالْفَائِقِ وَأَمَّا تَقْدِيمُ انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَلَّتْ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا: فَهُوَ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَغَيْرهمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَلَا يَؤُمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إمَامِهِ الرَّاتِبِ إلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي يَحْرُمُ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي: مَنْعُ غَيْرِ إمَامِ الْحَيِّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ وَيَؤُمَّ بِالْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْأَذَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: قَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ لَا يَؤُمُّ، إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَيَضِيقَ

الْوَقْتُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ غَيْرُ الْإِمَامِ، مَعَ غَيْبَتِهِ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عُذْرَهُ انْتَظَرَ، وَرُوسِلَ، مَا لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ) إذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ، رُوسِلَ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَمْ يَكُنْ مَشَقَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ حُضُورُهُ صَلَّوْا، وَكَذَا لَوْ ظَنَّ حُضُورَهُ وَلَكِنْ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُهُ، قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا يَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ إمَامِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَأَمَّ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَصِحُّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَلَا يَؤُمُّ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَيُكْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ الْبُطْلَانُ، لِلنَّهْيِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَاءَ الْإِمَامُ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ، وَيَصِيرُ إمَامًا، وَالْإِمَامُ مَأْمُومًا؟ لِأَنَّ حُضُورَ إمَامِ الْحَيِّ يَمْنَعُ الشُّرُوعَ فَكَانَ عُذْرًا بَعْدَ الشُّرُوعِ، أَمْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ، أَمْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَقَطْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِيهِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ النِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَحْرَمَ إمَامًا لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ) وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا) وَكَذَا لَوْ جَاءَ مَسْجِدًا فِي غَيْرِ وَقْتِ نَهْيٍ، وَلَمْ يَقْصِدْهُ لِلْإِعَادَةِ، وَأُقِيمَتْ هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ

فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي، وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى جَمَاعَةً، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يُعِيدُهَا مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَعَنْهُ تَجِبُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ إلَّا (الْمَغْرِبَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُهَا صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. فَعَلَيْهَا يَشْفَعُهَا بِرَابِعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ يَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ كَالتَّطَوُّعِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَقِيلَ: لَا يَشْفَعُهَا قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَشْفَعُهَا: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ انْبَنَى عَلَى صِحَّةِ التَّطَوُّعِ بِوِتْرٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يُعِيدُ فَالْأُولَى فَرْضٌ نَصَّ عَلَيْهِ. كَإِعَادَتِهَا مُنْفَرِدًا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَيَنْوِي الْمُعَادَةَ نَفْلًا ثُمَّ وَجَدْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ قَالَ: وَإِذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ نَوَى بِالثَّانِيَةِ مُعَادَةً، وَكَانَتْ الْأُولَى فَرْضًا، وَالثَّانِيَةُ نَفْلًا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا، وَقِيلَ: ذَلِكَ إلَى اللَّهِ. انْتَهَى. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ قَصْدُ الْمَسَاجِدِ لِإِعَادَةِ الْجَمَاعَةِ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ، وَلِأَجْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِفَوْتِهَا لَهُ، لَا لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ، نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ.

وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَقْتَ نَهْيٍ لِلصَّلَاةِ مَعَهُمْ: فَيَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ وَقْتَ نَهْيٍ لِلصَّلَاةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ، وَيَحْرُمُ مَعَ غَيْرِهِ، وَيُخَيَّرُ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ إذَا كَانَ غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ. [وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ وَقْتَ النُّهَى لِلْإِعَادَةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ] ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَ غَيْرِهِ، فِيمَا سِوَى الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بَعْدَهَا، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا قَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) مَعْنَى إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ الرَّاتِبُ، ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةً لَمْ يُصَلُّوا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، يَعْنِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تُكْرَهُ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ بِالْمَسَاجِدِ الْعِظَامِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ يَقُولُ (يُسْتَحَبُّ أَوْ لَا يُكْرَهُ) نَفْيُ الْكَرَاهَةِ لَا أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ: نَفْيَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالُوهُ لِأَجْلِ الْمُخَالِفِ، أَوْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَكِنْ لِيُصَلُّوا فِي غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ الْمُعَادَةِ، لَمْ يُسَلِّمْ مَعَ إمَامِهِ، بَلْ يَقْضِي مَا فَاتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ " أَنَّهَا

تُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ تُقَامُ، إلَّا الْمَغْرِبَ، بِمَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، هُوَ فِيهِ، وَكَذَا فِي التَّسْهِيلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُكْرَهُ إلَّا مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَطْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ قَالَ الْمَجْدُ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ أَيْضًا فِيهِنَّ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَأَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ وَعَدَمَهَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِيهِنَّ مَعَ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ تَلَبَّسَ بِنَافِلَةٍ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لَمْ تَنْعَقِدْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْمَجْدِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَهُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَعَلَيْهِ فَوَائِتُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَلْيُعَاوَدْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا، إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَيَقْطَعَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ خَفِيفَةً رَكْعَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَشْرَعَ فِي الثَّالِثَةِ. فَيُتِمَّ الْأَرْبَعَ نَصَّ عَلَيْهِ لِكَرَاهَةِ

الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ، أَوْ لَا يَجُوزُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَذَانِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ الثَّالِثَةِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ، وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْجَمَاعَةَ أَتَمَّهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا، وَقِيلَ: أَوْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ قَطَعَهُ، وَعَنْهُ بَلْ يُتِمُّهُ، وَيُسَلِّمُ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَيَلْحَقُهُمْ، وَعَنْهُ يُتِمُّهُ، وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ أَرَادَ فَوْتَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا: الْمُرَادُ بِالْفَوَاتِ فَوَاتُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَكُلٌّ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتِمُّ النَّافِلَةَ مَنْ هُوَ فِيهَا، وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ، وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ قَطَعَهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الشُّرُوعِ فِي نَافِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ، وَلَوْ بِبَيْتِهِ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِبَيْتِهِ وَلَا بِالْمَسْجِدِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَهِلَ الْإِقَامَةَ فَكَجَهْلِ وَقْتِ نَهْيٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِأَنَّهُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ. كَمَا لَوْ سَمِعَهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ، فِي الْجَمْعِ: قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقِيلَ: لَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: وَعَلَيْهَا إنْ تَسَاوَتْ الْجَمَاعَةُ فَالثَّانِيَةُ مِنْ أَوَّلِهَا أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: مَا نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضْلَ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ يُدْرِكُ فَضْلَ الْحَجِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَمَعْنَاهُ: أَصْلُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، لَا حُصُولُهَا فِيمَا سُبِقَ بِهِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُنْفَرِدٌ حِسًّا وَحُكْمًا إجْمَاعًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُدْرِكُهَا بِمُجَرَّدِ التَّكْبِيرِ قَبْلَ سَلَامِهِ، سَوَاءٌ جَلَسَ أَوْ لَمْ يَجْلِسْ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُدْرِكُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ، وَقَبْلَ سَلَامِهِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا إذَا كَبَّرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى، وَقَبْلَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يُدْرِكُهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ يُدْرِكُهَا أَيْضًا إذَا كَبَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَكَانَ تَكْبِيرُهُ قَبْلَ سُجُودِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَلَوْ خَالَفَ وَقَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ، فَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْهَا، إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ خَرَجَ مِنْ الِائْتِمَامِ، وَبَطَلَ فَرْضُهُ وَصَارَ نَفْلًا. زَادَ بَعْضُهُمْ: صَارَ نَفْلًا بِلَا إمَامٍ، وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ ائْتِمَامُهُ، وَلَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ، إنْ قِيلَ: بِمَنْعِ الْمُفَارَقَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ رَأْسًا فَلَا يَصِحُّ لَهُ نَفْلٌ وَلَا فَرْضٌ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقُلْت: إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ ائْتِمَامُهُ فَقَطْ. الثَّانِيَةُ: يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى الْقَضَاءِ بِتَكْبِيرٍ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَمْ يُكَبِّرْ عِنْدَ قِيَامِهِ، وَقِيلَ: لَا يُكَبِّرُ مَنْ كَانَ جَالِسًا لِمَرَضٍ أَوْ نَفْلٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ قَامَ مُكَبِّرًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا فَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ لَا، إذَا اطْمَأَنَّ هُوَ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يُدْرِكُهَا إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي؛ وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ: إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ فَوَاتِ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ: هَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ: تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، إذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْرِيَ الزِّيَادَةُ مَجْرَى الْوَاجِبِ فِي بَابِ الِاتِّبَاعِ خَاصَّةً. إذْ الِاتِّبَاعُ قَدْ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ؛ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَمُصَلِّي الْجُمُعَةِ، مِنْ امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرِ فِي حَالِ قِيَامِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَوْ أَتَى بِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ رَاكِعًا أَوْ قَاعِدًا، هَلْ تَنْعَقِدُ؟ ".

فَائِدَةٌ: إنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَمْ لَا؟ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا أَنَّهُ يُدْرِكُهَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رُكُوعِهِ. قَوْلُهُ (وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَتُجْزِئُهُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ مَعَهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ إذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ وَلِلرُّكُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ لَحِقَهُ رَاكِعًا لَحِقَ الرَّكْعَةَ، وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ أَمْكَنَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: إنْ أَمْكَنَ وَأَمِنَ فَوْتُهُ، وَقَالَ: إنْ تَرَكَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَنْوِهَا بِالْأَوَّلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ، وَيُجْزِئُ، وَقِيلَ: إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا صَحَّتْ، وَسَجَدَ لَهُ فِي الْأَقْيَسِ انْتَهَى. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَوَى بِالتَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ لَمْ تَنْعَقِدْ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَإِنْ نَوَاهَا بِتَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ

سُنَّةٌ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ لَمْ يَصِحَّ التَّشْرِيكُ قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ فِي حَالِ الْقِيَامِ، خِلَافُ مَا يَقُولُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الدُّخُولُ مَعَهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَنْحَطُّ مَعَهُ بِلَا تَكْبِيرَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ. قَوْلُهُ (وَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَغَيْرُهُ فَمِنْهَا مَحَلُّ الِاسْتِفْتَاحِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَفْتِحُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيمَا أَدْرَكَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: لَا يُشْرَعُ الِاسْتِفْتَاحُ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لِفَوْتِ مَحَلِّهِ، وَمِنْهَا: التَّعَوُّذُ إذَا قُلْنَا: هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَعَوَّذُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ فِيمَا أَدْرَكَهُ. قُلْت: الصَّوَابُ هُنَا: أَنْ يَتَعَوَّذَ فِيمَا أَدْرَكَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِمَشْرُوعِيَّتِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ: فَتَلْغُو هَذِهِ الْفَائِدَةُ، وَمِنْهَا: صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَهَرَ فِي قَضَائِهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِنْ أَمَّ فِيهِمَا وَقُلْنَا: بِجَوَازِهِ سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا جَهْرَ هُنَا، وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

وَمِنْهَا: مِقْدَارُ الْقِرَاءَةِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: إنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْمَقْضِيَّتَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ مَعَهَا، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْخَلَّالُ: أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا نَعْلَمُ عَنْهُمْ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَحْمَدَ، الثَّانِي: يَبْنِي قِرَاءَتَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَهُ الْآجُرِّيُّ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَأَنْكَرَ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى، وَقَالَ: لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إذَا نَسِيَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَالَ: أُصُولُ الْأَئِمَّةِ تَقْتَضِي الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قُلْت: وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى مَأْخَذٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِمَا، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَيَحْتَاطُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ أَدْرَكَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِالْحَمْدِ فَقَطْ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: يَحْتَاطُ وَيَقْرَأُ فِي الثَّلَاثَةِ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ قَالَ الْخَلَّالُ: رَجَعَ عَنْهَا أَحْمَدُ، وَمِنْهَا: قُنُوتُ الْوِتْرِ إذَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ مَنْ يُصَلِّيهِ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يُعِيدُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُعِيدُهُ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ يَقْضِيهَا، وَمِنْهَا: تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ الزَّوَائِدُ. إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكَبِّرُ فِي الْمَقْضِيَّةِ سَبْعًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: خَمْسًا، وَمِنْهَا: إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ يَقْضِيهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ، بَلْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَمِنْهَا: مَحَلُّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْمَغْرِبِ، أَوْ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ: رَكْعَةً فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَقَرَّتْ الرِّوَايَاتُ عَلَيْهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ، وَعَنْهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ، وَعَنْهُ يَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْكُلِّ. نَقَلَهَا حَرْبٌ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْكُلُّ جَائِزٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَاخْتُلِفَ فِي بِنَاءِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ قُلْنَا: مَا يَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، لَمْ يَجْلِسْ إلَّا عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا: مَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا تَشَهَّدَ عَقِيبَ رَكْعَةٍ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ آخَرُ صَلَاتِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرْقَانِيِّ، وَمِنْهَا: تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَرْتِيبُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ تَخْرِيجًا لَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا: بِاسْتِحْبَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ، سَوَاءٌ قَامَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ مِنْ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ الْمُعْتَدِّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: التَّوَرُّكُ مَعَ إمَامِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَمَا يَتَوَرَّكُ إذَا قَضَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأُولَى يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ كَمَا يَقْضِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ يَفْتَرِشُ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ " إنَّهُ هَلْ يَتَوَرَّكُ مَعَ إمَامِهِ أَوْ يَفْتَرِشُ؟ " أَنَّ هَذَا الْقُعُودَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ؟ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: الْقُعُودُ الْفَرْضُ مَا يَفْعَلُهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَيَعْقُبُهُ السَّلَامُ، وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا فَجَرَى مَجْرَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ هَلْ هُوَ رُكْنٌ فِي حَقِّهِ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؟ كَذَا هُنَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِتَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ إجْمَاعًا، لَا مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَا مِنْ آخِرِهَا، وَيَأْتِي فِيهِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، لِوُقُوعِهِ وَسَطًا، وَيُكَرِّرُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ مَنْ سُبِقَ بِرَكْعَتَيْنِ لَا يَتَوَرَّكُ إلَّا فِي الْآخِرِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: فِي الزَّائِدَةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يَتَوَرَّكُ إذَا قَضَى مَا سُبِقَ بِهِ، وَقِيلَ: هَلْ يُوَافِقُ إمَامَهُ فِي تَوَرُّكِهِ، أَمْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ: إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهَا، حَكَاهُ فِي النَّوَادِرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَقْرَأُ خَلْفَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إذَا جَهَرَ قَالَ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يُجْزِئُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ " مَعْنَاهُ: أَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ،

وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، وَسُجُودَ السَّهْوِ، وَالسُّتْرَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: وَكَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ إذَا سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَلْ الْأَفْضَلُ قِرَاءَتُهُ لِلْفَاتِحَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا أَمْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَ الْفَاتِحَةَ؟ وَمُقْتَضَى نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ: أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا أَفْضَلُ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ قَرَأَ خَلْفَ إمَامِهِ إذَا فَرَغَ الْفَاتِحَةَ. يُؤَمِّنُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا سَمِعْت، وَلَا أَرَى بَأْسًا وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ: مُقْتَضَى هَذَا إنَّمَا يَكُونُ غَيْرُهَا أَفْضَلَ إذَا سَمِعَهَا، وَإِلَّا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَفْرِيقَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. الثَّالِثُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنَّ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ: هُمَا سَكْتَتَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. إحْدَاهُمَا: تَخْتَصُّ بِأَوَّلِ رَكْعَةٍ

لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَالثَّانِيَةُ: سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا، لِيَرُدَّ إلَيْهِ نَفَسَهُ، لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَهُ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ سَكْتَتَيْنِ: عَقِيبَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ؛ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَسْكُتَ سَكْتَةً تَسَعُ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَاثْنَتَانِ فِي سَائِرِ الرَّكَعَاتِ: بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَسْكُتُ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، وَعَنْهُ لَا يَسْكُتُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَقِفُ قَبْلَ الْحَمْدِ سَاكِتًا وَبَعْدَهَا وَعَنْهُ بَلْ قَبْلَهَا، وَعَنْهُ بَلْ بَعْدَهَا، وَعَنْهُ بَلْ بَعْدَ السُّورَةِ، قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْحَمْدَ. فَائِدَةٌ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ لِتَنَفُّسِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَقْرَأُ فِي حَالِ تَنَفُّسِهِ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) . يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، وَفِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ

فَيَقْرَأُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيَقْرَأُ بِهَا أَيْضًا فَقَطْ فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَيَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ يُكْرَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ بِالْحَمْدِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَقْرَأُ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُعْجِبُنِي وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: يَحْرُمُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ أَيْضًا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. قَوْلُهُ (أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ لِبُعْدِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَقْرَأُ، وَحَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سَمِعَ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ: لَمْ يَقْرَأْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ يَقْرَأُ، نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَلَاةِ

الْجَمَاعَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَشْغَلُ مَنْ إلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: قَرَأَ فِي الْأَقْيَسِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقْرَأُ، بَلْ يُكْرَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: كَوْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ الْأَطْرَشِ أَيَقْرَأُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَبَعْضُهُمْ خَصَّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا خَلَّطَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْوَجْهَانِ إذَا كَانَ قَرِيبًا لَا يَمْنَعُهُ إلَّا الطَّرَشُ وَكَذَا أَضَافَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُقْنِعِ، وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبٍ تَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ، لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ الْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مَا هُوَ؟ لِتَوَسُّطِ الْإِبَاحَةِ بَيْنَهُمَا فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ الطَّرَشِ الْبُعْدُ قَرَأَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا يَقْرَأُ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَسْمَعُ: لَمْ يَقْرَأْ صَاحِبُ الطَّرَشِ هُنَا، قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ طُرُقًا أَحَدُهَا: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: فِي حَالِ سُكُوتِ الْإِمَامِ فَأَمَّا فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ، فَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ،

وَصَاحِبِ الْفَائِقِ، وَابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ: يَخْتَصُّ حَالَةَ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَسَمَاعِ الْمَأْمُومِ لَهُ دُونَ حَالَةِ سَكَتَاتِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِلَافِ، وَالطَّرِيقَةِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ النِّزَاعَ فِي حَالَةِ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي حَالِ جَهْرِ الْإِمَامِ وَسُكُوتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، لِكَوْنِهِمْ حَكَوْا الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ، ثُمَّ حَكَوْا رِوَايَةً بِالتَّفْرِقَةِ قُلْت: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنَّ النَّاقِلَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهَا فَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَسْتَعِيذَ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَسْتَعِيذَ مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ سَمَّعَ الْإِمَامَ كُرِهَ، وَإِلَّا فَلَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَلَا يَسْتَفْتِحُ، وَلَا يَتَعَوَّذُ مَعَ جَهْرِ إمَامِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ الْأَقْوَى، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ وَقْتَ مُخَافَتَةِ إمَامِهِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِفْتَاحِهِ وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الِاسْتِفْتَاحُ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ بَدَلٌ عَنْ قِرَاءَتِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ أَوَّلُهَا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَتَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ) ؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِيمَنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ صَلَاةِ الْعِيدِ: لَوْ أَدْرَكَ الْقِيَامَ رَتَّبَ الْأَذْكَارَ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَمِيعِهَا بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهَا فَرْضٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ، لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّ رُكُوعَ الْمَأْمُومِ أَوْ سُجُودَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا مُحَرَّمٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْفُصُولِ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ: لَا تَبْطُلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ لَا تَبْطُلُ، إنْ عَادَ إلَى مُتَابَعَتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ فِيهِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ إذَا فَعَلَهُ عَمْدًا، ذَكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، فَقَالَ: وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ لَوْ كَانَ لَهُ صَلَاةٌ لَرُجِيَ لَهُ الثَّوَابُ، وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَاكَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُلْنَا تَبْطُلُ بِالْعَمْدِيَّةِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا، إلَّا الْقَاضِيَ) يَعْنِي إذَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ

يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ إمَامِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْبِقُ الْإِمَامَ بِالْقَدْرِ الْيَسِيرِ يَعْنِي يُعْفَى عَنْهُ كَفِعْلِهِ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالرُّكُوعِ فَقَطْ، وَقَالَ الْمَجْدُ إذَا تَعَمَّدَ سَبْقَهُ إلَى الرُّكْنِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَقُلْنَا: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَمْ يُعِدْ، وَمَتَى عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عِنْدَنَا قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ سَهْوًا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَكَذَا الْجَاهِلُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ مِنْهُمَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ إمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ أَشْهَرُ فَعَلَيْهِ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَبَنَيَا هُمَا

وَغَيْرُهُمَا الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. فَائِدَةٌ. حَكَى الْآمِدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، إحْدَاهُمَا: تَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُعِيدُ الرَّكْعَةَ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَجَ مِنْهَا صِحَّةُ صَلَاتِهِ عَمْدًا. انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا مَعَ إمَامِهِ فَأَمَّا إنْ أَتَى بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ صَحَّتْ رَكْعَتُهُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُعِيدُهَا إنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَكَعَ أَوْ رَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ) لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِإِمَامِهِ فِيهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثَالُ مَا إذَا سَبَقَهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ كَامِلٍ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ، وَمِثَالُ مَا إذَا سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ: أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ يَسْجُدَ قَبْلَ رَفْعِهِ كَمَا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا. الثَّانِيَةُ: الرُّكُوعُ كَرُكْنٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: كَرُكْنَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالسَّجْدَةُ وَحْدَهَا كَالرُّكُوعِ فِيمَا قُلْنَا، وَقِيلَ: بَلْ السَّجْدَتَانِ. الثَّالِثَةُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ سَبْقِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي الْأَفْعَالِ فَأَمَّا سَبْقُهُ لَهُ فِي الْأَقْوَالِ فَلَا يَضُرُّ، سِوَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِالسَّلَامِ فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ: فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إمَامِهِ فَلَوْ أَتَى بِهَا مَعَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يُعْتَدُّ بِهَا إنْ كَانَ سَهْوًا، وَأَمَّا السَّلَامُ: فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ، وَلَا يُعْتَدُّ بِسَلَامِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ سُجُودِ السَّهْوِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُعْتَدُّ بِسَلَامِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إذَا سَبَقَ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ لَمْ يَضُرَّهُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ بِمَا عَدَاهَا. الرَّابِعَةُ: الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِمَّا كَانَ فِيهِ. انْتَهَى. فَإِنْ وَافَقَهُ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِالرُّكُوعِ

فَقَطْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِسَلَامِهِ مَعَ إمَامِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ إنْ سَلَّمَ عَمْدًا، وَتَقَدَّمَ سَبْقُهُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ. الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْأَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْمَأْمُومُ عَقِيبَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَإِنْ سَلَّمَ بَعْدَ الْأُولَى جَازَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الثَّانِيَةَ وَاجِبَةٌ، لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: أَنَّ الْأَوْلَى سَلَامُ الْمَأْمُومِ عَقِيبَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ كُلِّ تَسْلِيمَةٍ، وَأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْأُولَى وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ. السَّادِسَةُ: فِي تَخَلُّفِ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ فَكَالسَّبْقِ بِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِعُذْرٍ يَفْعَلُهُ وَيَلْحَقُهُ، وَفِي اعْتِدَادِهِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فِي قَوْلِهِ (وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ وَتَبِعَهُ، وَصَحَّتْ رَكْعَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ تَبِعَ إمَامَهُ وَلَغَتْ رَكْعَتُهُ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضٌ لِتَكْمِيلِ رَكْعَةٍ مَعَ إمَامِهِ عَلَى صِفَةِ مَا صَلَّاهَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَحْتَسِبُ بِالْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَزْحُومٍ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ، وَلَمْ يَسْجُدْ مَعَ إمَامِهِ حَتَّى فَرَغَ، قَالَ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَيَقْضِي رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْأُولَى ابْتِدَاءً فَعَلَى الثَّانِي كَرُكُوعَيْنِ، وَعَنْهُ يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا وُجُوبًا، وَتَلْغُو أُولَاهُ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ فَيُكْمِلُ الْأُولَى وُجُوبًا. وَيَقْضِي الثَّانِيَةَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَسْبُوقٍ وَعَنْهُ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ، إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِمَامُ قَائِمًا فِي الثَّانِيَةِ فَتَلْغُو الْأُولَى، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا

تَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ بِرُكْنَيْنِ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الثَّالِثُ: إنْ كَانَ رُكُوعًا بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ: لَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ، يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ فَيَأْتِي بِسَجْدَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِهِ وَإِلَّا عِنْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ الْخِلَافُ، وَإِنْ ظَنَّ تَحْرِيمَ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ فَسَجَدَ جَهْلًا: اُعْتُدَّ لَهُ بِهِ، كَسُجُودِ مَنْ يَظُنُّ إدْرَاكَ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ، لِأَنَّ فَرْضَهُ الرُّكُوعُ، وَلَا تَبْطُلُ لِجَهْلِهِ فَعَلَى الْأُولَى: إنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَفِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ فِيهِ، وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ تَبِعَهُ، وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ يَأْتِي رَكْعَةً، فَتَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ، أَوْ بِثَلَاثٍ تَتِمُّ بِهَا رُبَاعِيَّةٌ، أَوْ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِسُجُودِهِ إنْ أَتَى بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ تَبِعَهُ، وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ، وَأَدْرَكَ بِهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ تَبِعَهُ فِي السُّجُودِ فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ وَالْمُتَابَعَةُ مَعًا، وَتَمَّ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَوْ اُعْتُدَّ بِهِ لِلْمَأْمُومِ مِنْ غَيْرِهَا: اخْتَلَّ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ فَيَأْتِي بِسُجُودٍ آخَرَ، وَإِمَامُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَهُ وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ. وَكَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ. تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إتْمَامِهَا) إذَا لَمْ يُؤْثِرْ الْمَأْمُومُ التَّطْوِيلَ فَإِنْ آثَرَ الْمَأْمُومُ التَّطْوِيلَ اُسْتُحِبَّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إلَّا أَنْ يُؤْثِرَ الْمَأْمُومُ، وَعَدَدُهُمْ مَحْصُورٌ قَوْلُهُ (وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ الثَّانِيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ بِالْآيَاتِ أَمْ بِالْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ؟ يَتَوَجَّهُ كَعَاجِزٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ فِي تَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ (الْغَاشِيَةَ) أَطْوَلُ مِنْ (سَبِّحْ) وَسُورَةُ (النَّاسِ) أَطْوَلُ مِنْ (الْفَلَقِ) وَصَلَّى النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ طَوَّلَ قِرَاءَةَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَقَالَ أَحْمَدُ: يُجْزِئُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ سُرْعَةٌ تَمْنَعُ الْمَأْمُومَ مِنْ فِعْلِ مَا يُسَنُّ فِعْلُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ، إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ. وَقَالَ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَفْعَلُهُ غَالِبًا، وَيَزِيدُ وَيُنْقِصُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ،

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا، وَالرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ، فَيُبَاحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يُكْرَهُ، وَتَحْتَمِلُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بِبُطْلَانِهَا تَخْرِيجٌ مِنْ تَشْرِيكِهِ فِي نِيَّةِ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَخْرِيجٌ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُنَا فِي تِلْكَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ مَا لَمْ يَشُقَّ أَوْ يَكْثُرْ الْجَمْعُ [مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَشُقَّ أَوْ يَكْثُرْ الْجَمْعُ] أَوْ يَطُولْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ دَاخِلٍ) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ أَيَّ دَاخِلٍ كَانَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَا حُرْمَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَنْتَظِرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَنَحْوِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَاتِ وَالْهَيْئَاتِ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ مَنْ عَادَتُهُ يُصَلِّي جَمَاعَةً قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ وَقَالَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: يُكْرَهُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ انْتِظَارًا

لِأَحَدٍ فِي مَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ، وَفِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ. فَائِدَةٌ حُكْمُ الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ حُكْمُهُ فِي الرُّكُوعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ حَالَ الْقِيَامِ كَالرُّكُوعِ فِي هَذَا مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: بِأَنَّ التَّشَهُّدَ كَالرُّكُوعِ عَلَى الْخِلَافِ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. زَادَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالِاسْتِحْبَابُ هُنَا أَظْهَرُ، لِئَلَّا تَفُوتَ الدَّاخِلَ الْجَمَاعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدِمِ الْمَشَقَّةِ لِجُلُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُهَا شَرْطًا فِي الِانْتِظَارِ حَيْثُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ مَعَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَأَسْبَقُ حَقًّا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَتَى أَحَسَّ بِدَاخِلٍ اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَوَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْتَظِرُهُ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ فِي قِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَقِيلَ: وَتَشَهُّدِهِ، وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ مِمَّنْ دَخَلَ مُطْلَقًا لِيُصَلِّيَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ مَنْعُهَا، وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ مَنْعِهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ الْخَبَرِ مَنْعُ الرَّجُلِ مِنْ مَنْعِهَا فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: تَحْرِيمُ الْمَنْعِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: مَتَى خَشِيَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا مَنَعَهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ:

وَمَتَى خَشِيَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا جَازَ مَنْعُهَا أَوْ وَجَبَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَإِنْ خِيفَ فِتْنَةٌ نُهِيَتْ عَنْ الْخُرُوجِ. قَالَ الْقَاضِي: مِمَّا يُنْكَرُ خُرُوجُهَا عَلَى وَجْهٍ يَخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: يُكْرَهُ مَنْعُهَا إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَا ضَرَرًا، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يُمْنَعْنَ مِنْ الْعِيدِ أَشَدَّ الْمَنْعِ، مَعَ زِينَةٍ وَطِيبٍ وَمُفْتِنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْعُهُنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ الْخُرُوجِ أَنْفَعُ لَهُنَّ وَلِلرِّجَالِ مِنْ جِهَاتٍ، وَمَتَى قُلْنَا: لَا تُمْنَعُ فَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (هَلْ يُسَنُّ لَهُنَّ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟) . فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَرَاهَةَ تَطَيُّبِهَا إذَا أَرَادَتْ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَحْرِيمُهُ أَظْهَرُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. الثَّانِيَةُ: السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ كَالزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي الْمَنْعِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا غَيْرُهُمَا، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ قُلْنَا بِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إنَّ مَنْ بَلَغَ رَشِيدًا لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى: فَوَاضِحٌ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ مَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ شَرْعًا فَظَاهِرٌ أَيْضًا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لِلْأُنْثَى أَنْ تَنْفَرِدَ، وَلِلْأَبِ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ دُخُولُ مَنْ يُفْسِدُهَا، وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ (الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ قَامَ أَوْلِيَاؤُهَا مَقَامَهُ أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ الْمَحَارِمُ، اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ، وَعَلَى هَذَا: فِي الرِّجَالِ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْخَالِ أَوْ الْحَاكِمِ الْخِلَافُ فِي الْحَضَانَةِ.

وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ وَلَا ضَرَرَ، حَرُمَ الْمَنْعُ عَلَى وَلِيٍّ أَوْ عَلَى غَيْرِ أَبٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) أَيْ لِكِتَابِ اللَّهِ (ثُمَّ أَفْقُهُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ عَلَى الْأَقْرَأِ، إنْ قَرَأَ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ رَأَى تَقْدِيمَ الْفَقِيهِ عَلَى الْقَارِئِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُقَدَّمُ الْأَقْرَأُ الْفَقِيهُ عَلَى الْأَفْقَهِ الْقَارِئِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُقَدَّمُ الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً عَلَى الْأَكْثَرِ قُرْآنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا اخْتَارَهُ صَاحِبُ رَوْضَةِ الْفِقْهِ، الثَّانِيَةُ: مِنْ شَرْطِ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فِقْهَ صَلَاتِهِ فَقَطْ حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ أَحْكَامَ سُجُودِ السَّهْوِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: لَوْ كَانَ الْقَارِئُ جَاهِلًا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ يَأْتِي بِهَا فِي الْعَادَةِ صَحِيحَةً: أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَقِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَفْقَهَ الْحَافِظَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ يُقَدَّمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَسَّنَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ يَعْنِي إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِرَاءَةِ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ قُدِّمَ أَقْرَؤُهُمَا، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي جَوْدَةِ الْقِرَاءَةِ قُدِّمَ أَكْثَرُهُمَا قُرْآنًا، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ قُدِّمَ أَجْوَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْفَقِيهَيْنِ أَفْقَهَ، أَوْ أَعْلَمَ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ قُدِّمَ، وَيُقَدَّمُ قَارِئٌ لَا يَعْرِفُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ عَلَى فَقِيهٍ أُمِّيٍّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) يَعْنِي إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ قُدِّمَ أَسَنُّهُمْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: تَقْدِيمُ الْأَقْدَمِ هِجْرَةً عَلَى الْأَسَنِّ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، الْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَنَظْمِهَا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ بِتَقْدِيمِ الْأَقْدَمِ إسْلَامًا عَلَى الْأَسَنِّ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، ثُمَّ الْأَسَنُّ، عَكْسُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، حَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ عَلَى الْأَقْدَمِ هِجْرَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةُ وَالْمُذْهَبُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَتْقَى عَلَى الْأَشْرَفِ، وَلَمْ يُقَدِّمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالنَّسَبِ، ذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِيضَاحِ. فَائِدَةٌ: قِيلَ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً: مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقِيلَ. السَّبْقُ بِآبَائِهِ قَالَ الْآمِدِيُّ: الْهِجْرَةُ مُنْقَطِعَةٌ فِي وَقْتِنَا، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ بِهَا مَنْ كَانَ لِآبَائِهِ سَبْقٌ، وَقِيلَ: السَّبْقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَطَعَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ وَالْحَوَاشِي، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا الْأَشْرَفُ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُرَشِيُّ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَمَعْنَى الشَّرَفِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَيُقَدَّمُ الْعَرَبُ عَلَى غَيْرِهِمْ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، ثُمَّ بَنُو هَاشِمٍ، وَكَذَلِكَ أَبَدًا، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَعْنَى الشَّرَفِ: عُلُوُّ النَّسَبِ وَالْقَدْرِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قُلْت: وَقَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحُ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَةٌ: السَّبْقُ بِالْإِسْلَامِ كَالْهِجْرَةِ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَتْقَاهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الْأَسَنِّ وَالْأَشْرَفِ وَالْأَقْدَمِ هِجْرَةً: الْأَتْقَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَتْقَى عَلَى الْأَشْرَفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ

احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ عَلَى الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْفُصُولِ. وَزَادَ: أَوْ يَفْضُلُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنْعَقِدَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بَلْ الْأَعْمَرُ لِلْمَسْجِدِ، الرَّاعِي لَهُ، وَالْمُتَعَاهِدُ لِأُمُورِهِ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَحَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعَ سَوَاءٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: ثُمَّ الْأَتْقَى ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ مَنْ قَرَعَ، وَعَنْهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ) يَعْنِي بَعْدَ الْأَتْقَى، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ مَنْ اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْقُرْعَةِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَقُومُ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَتَعَاهُدِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الْجِيرَانُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قُدِّمَ أَعْمَرُهُمْ لِلْمَسْجِدِ وَمَا رَضِيَ بِهِ الْجِيرَانُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقُرْعَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ثُمَّ بَعْدَ الْأَتْقَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، لِمَعْنًى مَقْصُودٍ شَرْعًا، كَكَوْنِهِ أَعْمَرَ لِلْمَسْجِدِ، أَوْ أَنْفَعَ لِجِيرَانِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعُودُ بِصَلَاحِ الْمَسْجِدِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ اخْتَلَفُوا فِي اخْتِيَارِهِمْ عَمِلَ بِاخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقِيلَ: يُقْرَعُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَقِيلَ: يَخْتَارُ السُّلْطَانُ الْأَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِاخْتِيَارِ السُّلْطَانِ: لَا يَتَجَاوَزُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُمَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلِي فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (مَنْ اخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ) هَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَنْ رَضِيَهُ وَأَرَادَهُ الْمُصَلُّونَ، وَقِيلَ: الْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ: الْجِيرَانُ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْقُرْعَةَ بَعْدَ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعِ، أَوْ مَنْ تَخْتَارُهُ الْجَمَاعَةُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَيْضًا بِحُسْنِ الْخِلْقَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: تَحْرِيرُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْأَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ فِي الْإِمَامَةِ فَالْأَوْلَى: الْأَقْرَأُ جَوْدَةً، الْعَارِفُ فِقْهَ صَلَاتِهِ ثُمَّ الْقَارِئُ كَذَلِكَ ثُمَّ الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً، وَالْأَسْبَقُ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، لَا فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَوُجُوبِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَطَعُوا بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَوْلَى، وَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا.

قَوْلُهُ (وَصَاحِبُ الْبَيْتِ، وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) يَعْنِي أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، إذَا كَانَ مِمَّنْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ صَلَحَا لِلْإِمَامَةِ بِهِمْ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمَا مَعَ التَّسَاوِي وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا أَنْ يُقَدِّمَا أَفْضَلَ مِنْهُمَا. فَائِدَةٌ: لَهُمَا تَقْدِيمُ غَيْرِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ تَقْدِيمُ أَبَوَيْهِمَا مُطْلَقًا، فَغَيْرُهُمَا أَوْلَى أَنْ يُكْرَهَ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي إذْنِ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ غَيْرَهُمَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا. فَائِدَةٌ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُؤَجِّرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَوْلَى مِنْ الْمَالِكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَيُخَرَّجُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَوْلَى، إنْ قُلْنَا: الْعَارِيَّةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَا سُلْطَانٍ) يَعْنِي فَيَكُونَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَمِنْ إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُمَا أَحَقُّ مِنْهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالسُّلْطَانِ. فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ لِعَبْدٍ فَسَيِّدُهُ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ، قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ صَاحِبُ الْبَيْتِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ لِلْمُكَاتَبِ كَانَ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُقَدَّمَانِ فِي بَيْتِهِمَا عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ الْمُكَاتَبِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ،

وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَسَاوَيَا، وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا إمَامًا رَاتِبًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ إذَا قُلْنَا: تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِالْبَالِغِينَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ إمَامَةَ الْعَبْدِ صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، إلَّا مَا يَأْتِي فِي إمَامَتِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ بِالْأَحْرَارِ نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنْ الْمُسَافِرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ فِيهِمْ إمَامٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، قَالَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ الْمُقِيمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: إنْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَا مُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ، وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَلَيْسَ بِمُتَنَفِّلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: أَنْكَرَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خَلْفَهُ رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مُتَنَفِّلٌ، لِسُقُوطِهِمَا بِالتَّرْكِ لَا إلَى بَدَلٍ، وَمَنَعَهُ

الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا رُخْصَةٌ فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْهُ تَعَيَّنَ الْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الْأَرْبَعُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ التَّوَقُّفَ فِيهَا، وَقَالَ: دَعْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، لِصِحَّةِ بِنَاءِ مُقِيمٍ عَلَى نِيَّةِ مُسَافِرٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَتَمَّ الْمُسَافِرُ كُرِهَ تَقْدِيمُهُ، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ قَصَرَ لَمْ يُكْرَهْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إجْمَاعًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الْمُقِيمُ إمَامًا لِمُسَافِرٍ، وَنَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ، لِوُقُوعِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهُ بِلَا نِيَّةٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَابَعَةِ لَزِمَهُ نِيَّةُ الْمُتَابَعَةِ، كَنِيَّةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّيهَا وَاحْتُمِلَ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ حُكْمًا. الرَّابِعَةُ: الْحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنْ الْبَدْوِيِّ، وَالْمُتَوَضِّئُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَيَمِّمِ. قَوْلُهُ (وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فَالْخِلَافُ عَائِدٌ إلَيْهِمَا فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، أَحَدُهُمَا: الْبَصِيرُ أَوْلَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْ الْأَعْمَى عِنْدِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنِّهَايَةِ، وَنَظْمِهَا وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي: هُمَا سَوَاءٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْ الْبَصِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْأَعْمَى أَصَمَّ صَحَّتْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِيهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ لَوْ أَذِنَ الْأَفْضَلُ لِلْمَفْضُولِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُكْرَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ، رِوَايَةُ مُهَنَّا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمُوا إلَّا أَعْلَمَهُمْ وَأَخْوَفَهُمْ، وَإِلَّا لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ، وَكَذَا قَالَ فِي الْغُنْيَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ يُقَدِّمُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَوْ مَعَ شَرْطِ وَاقِفٍ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. فَإِمَامَةُ الْمَفْضُولِ بِدُونِ إذْنِ الْفَاضِلِ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الْأَخْوَفُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ النَّصَّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ سِوَى إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَصَاحِبِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ عَلَى مَنْعِ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِالْأَقْرَأِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ فَإِذَا قُدِّمَ الْأُمِّيُّ خُولِفَ الْأَمْرُ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ وَكَذَا احْتَجَّ فِي الْفُصُولِ، مَعَ قَوْلِهِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا اسْتَخْلَفَ أَنْ يُرَتِّبَ كَمَا يُرَتِّبُ الْإِمَامُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ. كَالْإِمَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ إمَامَةٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَصِحُّ إمَامُهُ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ أَمَّا الْفَاسِقُ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى،

وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَجَمَاعَةٍ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ الْأَشْهَرُ، قَالَ النَّاظِمُ: الْأَوْلَى وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْفَاسِقِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تَصِحُّ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفَسَقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ، وَتُكْرَهُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَصِحُّ النَّفَلُ خَلْفَ الْفَاسِقِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْمَجْدُ، فَإِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ بِالِاعْتِقَادِ بِحَالٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ الْإِعَادَةُ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِفِسْقِهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْأَثْرَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا إعَادَةَ إذَا جُهِلَ حَالُهُ مُطْلَقًا كَالْحَدَثِ، وَالنَّجَاسَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ بِأَنَّ الْفَاسِقَ يَعْلَمُ بِالْمَانِعِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ النَّاسِي. إذْ لَوْ عَلِمَ لَمْ تَصِحَّ خَلْفَهُ (بِحَالٍ) وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِسْقُهُ ظَاهِرًا أَعَادَ، وَإِلَّا فَلَا، لِلْعُذْرِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْأَصَحُّ أَنْ يُعِيدَ خَلْفَ الْمُعْلِنِ. وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ لَمَّا سَلَّمَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَهُ فَرِوَايَتَانِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: وَإِنْ ائْتَمَّ بِفَاسِقٍ مَنْ يَعْلَمُ فِسْقَهُ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يُعِيدُ لِفِسْقِ إمَامِهِ الْمُجَرَّدِ، وَقِيلَ: تَقْلِيدًا فَقَطْ.

فَائِدَةٌ الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ: هُوَ الْمُظْهِرُ لَهَا، ضِدُّ الْإِسْرَارِ، كَالْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَالدَّاعِي إلَيْهَا، وَالْمُنَاظِرِ عَلَيْهَا، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعْلِنُ بِالْبِدْعَةِ: مَنْ يَعْتَقِدُهَا بِدَلِيلٍ، وَضِدُّهُ: مَنْ يَعْتَقِدُهَا تَقْلِيدًا، وَقَالَ: الْمُقَلِّدُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يَفْسُقُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَدْلِ إذَا كَانَ نَائِبًا لِفَاسِقٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ مَنْ لَا يُبَاشِرُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ عَدْلًا وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ صَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَخَالَفَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ فَاسِقًا، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ قُلْت: وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، فَقَالَا: وَلَا يَؤُمُّ فَاسِقٌ مِثْلَهُ. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُ خَوْفَ أَذًى وَيُعِيدُ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الِانْفِرَادَ وَوَافَقَهُ فِي أَفْعَالِهَا لَمْ يُعِدْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: يُصَلِّي خَلْفَهُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ جُمُعَةٍ أُخْرَى خَلْفَ عَدْلٍ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَيْضًا خَلْفَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَسَوَّى الْآمِدِيُّ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَقْدِيمِ الْفَاسِقِ فَعَلَى

الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ مَنْ أَعَادَهَا فَمُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ، إذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَعَنْهُ يُعِيدُهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُعَادُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذِكْرُ غَيْرِ وَاحِدٍ الْإِعَادَةَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَغَيْرِهَا قُلْت: مِمَّنْ قَالَهُ: هُوَ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، فَلَا تَضُرُّ صَلَاتِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك: أُصَلِّي قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَلَا أُصَلِّي قَبْلُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يُصَلَّى الظُّهْرُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُمَا: الْإِعَادَةُ، وَعَدَمُهَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِالْجُمُعَةِ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ، وَتَابَعَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: وَالْعِيدَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُقْتَدَى بِالْفَاسِقِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: حُكْمُ مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا فِي بُقْعَةِ غَصْبٍ لِلضَّرُورَةِ: حُكْمُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيمَنْ كَفَرَ بِاعْتِقَادِهِ، وَيُعِيدُ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ.

الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ إمَامٍ لَا يَعْرِفُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ خَالَفَ فِي الْفُرُوعِ، لِدَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عَلَى مَا يَأْتِي قَالَ الْمَجْدُ لِمَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ: هَذَا خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ (وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ شَارِبِ نَبِيذٍ، مُعْتَقِدًا حِلَّهُ، رِوَايَتَيْنِ) وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَقُولُ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَقِيلَ: وَلَا خَلْفَ مَنْ يُجِيزُ رِبَا الْفَضْلِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ. لِلْإِجْمَاعِ الْآنَ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا، وَأَمَّا الْأَقْلَفُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ رِوَايَتَيْنِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ الْمَفْتُوقِ قَلَفَتُهُ. وَخَصَّ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ بِالْأَقْلَفِ الْمُرْتَتِقِ، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَتْ إمَامَتُهُ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: هَلْ الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ إمَامَتِهِ لِتَرْكِ الْخِتَانِ الْوَاجِبِ، أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَأْخَذِ الْمَنْعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُهُ الْخِتَانَ الْوَاجِبَ. فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، أَوْ سَقَطَ الْقَوْلُ بِهِ لِضَرَرٍ: صَحَّتْ إمَامَتُهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ: هُوَ عَجْزُهُ عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ التَّطَهُّرُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَعَلَى هَذَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ، إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ كَانَ تَارِكًا لِلْخِتَانِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ ضَرَرٍ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ: فَسَقَ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِيهِ: الرِّوَايَتَانِ لِفِسْقِهِ، لَا لِكَوْنِهِ أَقْلَفَ، وَإِنْ تَرَكَهُ تَأَوُّلًا، أَوْ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ: صَحَّتْ إمَامَتُهُ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمَنْعَ لِعَجْزِهِ عَنْ غُسْلِ النَّجَاسَةِ. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ بِمِثْلِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِبْ الْخِتَانُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَارِئٌ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي إمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ وَجْهَانِ) ، وَحَكَاهُمَا الْآمِدِيُّ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ.

إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: كَوْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَتَوَقَّفَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ أَقْطَعِ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَحَدِ الْيَدَيْنِ: حُكْمُ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْخِلَافَ فِي أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ أَوْ إحْدَاهُنَّ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ إمَامَةِ أَقْطَعَ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ دُونَ أَقْطَعِهِمَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ الْخِلَافَ فِي أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّ إمَامَةَ أَقْطَعِهِمَا لَا تَصِحُّ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَصَرَّحَ بِصِحَّةِ إمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ بِمِثْلِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي أَقْطَعِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصِّحَّةَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ خَلْفَ مُبْتَدِعٍ كَافِرٍ بِبِدْعَتِهِ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَافِرِ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ بِهَا، وَبَنَى عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ صِحَّةَ إمَامَتِهِ عَلَى احْتِمَالٍ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنَّمَا صَلَّى تَهَزُّؤًا فَنَصُّ أَحْمَدَ: يُعِيدُ الْمَأْمُومُ، كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ كَمَنْ جُهِلَ حَالُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ مِنْ إنْسَانٍ حَالَ رِدَّةٍ، وَحَالَ إسْلَامٍ، أَوْ حَالَ إفَاقَةٍ، وَحَالَ جُنُونٍ: كُرِهَ تَقْدِيمُهُ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَلَى أَيِّ الْحَالَيْنِ هُوَ؟ أَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ إسْلَامَهُ، وَشَكَّ فِي رِدَّتِهِ، فَلَا إعَادَةَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَلَا أَخْرَسَ) عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ وَبِغَيْرِهِ أَمَّا إمَامَتُهُ بِغَيْرِهِ: فَلَا تَصِحُّ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْخَرَسُ دُونَ الْأَصْلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَمَّا إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَصِحُّ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجَزَمَ بِهِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ، وَعِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ مِثْلَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى. كَالْأُمِّيِّ وَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ يَؤُمُّ مِثْلَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ،

وَبِغَيْرِهِ أَمَّا بِغَيْرِهِ: فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِهِ، وَأَمَّا بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ لِمَنْ لَا سَلَسَ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَؤُمُّ أَخْرَسُ وَلَا دَائِمٌ حَدَثُهُ، وَعَاجِزٌ عَنْ رُكْنٍ، وَأُنْثَى بِعَكْسِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ، أَوْ شَرْطٍ: لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ عَنْ التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا عَاجِزٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ) الْوَاوُ هُنَا: بِمَعْنَى " أَوْ " وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الشَّرْطِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصِّحَّةَ، قَالَهُ فِي إمَامَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إزَالَتِهَا. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمِثْلِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْإِمَامَةَ جَالِسًا مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ) حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ: حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الرُّكُوعِ، أَوْ السُّجُودِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (إلَّا إمَامُ الْحَيِّ الْمَرْجُوُّ زَوَالُ عِلَّتِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إمَامَةَ إمَامِ الْحَيِّ وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ الْعَاجِزِ عَنْ

الْقِيَامِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ جَالِسًا، صَحِيحَةٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ، وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ الْإِمَامَةَ جَالِسًا مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ، وَعَنْهُ يُصَلُّونَ قِيَامًا، ذَكَرَهَا فِي الْإِيضَاحِ وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالتَّحْقِيقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جُلُوسًا، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: صَحَّتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِيمَا أَظُنُّ وَاخْتَارَهُ عُمَرُ بْنُ بَدْرٍ الْمَغَارِبِيُّ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ اخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إذَا جَهِلَ وُجُوبَ الْجُلُوسِ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إذَا لَمْ يُرْجَ زَوَالُ عِلَّتِهِ أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَفِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُنْتَخَبِ: إنْ لَمْ يُرْجَ صَحَّتْ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ قَائِمًا. الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إمَامِ الْحَيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُ عِلَّتِهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: إلَّا إمَامَ الْحَيِّ، وَالْإِمَامَ الْكَبِيرَ قَوْلُهُ (وَإِنْ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَجَلَسَ: أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا) بِلَا نِزَاعٍ، وَلَمْ يَجُزْ الْجُلُوسُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيّ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إمَامَ الْحَيِّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أُرْتِجَ عَلَى الْمُصَلِّي فِي الْفَاتِحَةِ، وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا، فَهُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، يَأْتِي بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُعِيدُهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ النِّيَّةِ، وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، فِيمَا إذَا أُرْتِجَ الْإِمَامُ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ: لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، كَالْإِمَامِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُعِيدُ إنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا، وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي إمَامٍ يَعْلَمُ حَدَثَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الرُّكْنُ، وَالشَّرْطُ الْمَتْرُوكُ يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ رُكْنًا وَشَرْطًا، دُونَ الْإِمَامِ:

لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَمَالَ إلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الرِّوَايَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ اخْتِلَافًا دَائِمًا، ظَوَاهِرُهَا: أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَأٍ الْمُخَالِفِ يَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَأِ الْمُخَالِفِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. وَقِيَاسُ الْأُصُولِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يُعِيدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قُلْت: صَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ كَانَ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ رِوَايَتَانِ، فَفِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ سَلَامِهِ: فَلَا إعَادَةَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُعِيدُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ لَوْ تَرَكَ الْمُصَلِّي رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ: أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ، وَعَنْهُ يُعِيدُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَا يُعِيدُ إنْ طَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي

الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. انْتَهَى. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ قَارِئَةً وَهُمْ أُمِّيُّونَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ مِنْ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ أَقْرَأَ وَذَا رَحِمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ ذَا رَحِمٍ أَوْ عَجُوزٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ صِحَّةَ إمَامَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ؛ لِخَبَرِ أُمِّ وَرَقَةَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْخَاصِّ: رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ بِإِسْنَادٍ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَإِنْ صَحَّ: فَيَتَوَجَّهُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّهْيِ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: تَصِحُّ إمَامَتُهَا بِهِمْ، فَإِنَّهَا تَقِفُ خَلْفَهُمْ. لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَيَقْتَدُونَ بِهَا، هَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَنْهُ تَقْتَدِي هِيَ بِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ. فَيَنْوِي الْإِمَامَةَ أَحَدُهُمْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي

فِي الْخِلَافِ فَقَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ إمَامَتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً، دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْخُنْثَى لِلرِّجَالِ وَلَا لِلْخَنَاثَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ احْتِمَالًا بِصِحَّةِ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ لِلتَّسَاوِي قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَقْتَدِي الْخُنْثَى بِمِثْلِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ سَهْوٌ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْخُنْثَى الرِّجَالَ فِيمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَؤُمَّ فِيهِ الرَّجُلَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ إمَامَةِ الْخُنْثَى بِالنِّسَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ الْقَاضِي: رَأَيْت لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ أَنَّ الْخُنْثَى لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي جَمَاعَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ قَامَ مَعَ الرِّجَالِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَإِنْ قَامَ مَعَ النِّسَاءِ، أَوْ وَحْدَهُ، أَوْ ائْتَمَّ بِامْرَأَةٍ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَإِنْ أَمَّ الرِّجَالَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ، انْتَهَى قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ مُرَادُ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مُشْرِكٍ، أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَعَادَ " الْعُمُومَ قَطْعًا فَإِنَّ إمَامَةَ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ صَحِيحَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ، بَلْ مُرَادُهُ: وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ: أَنَّ الْخُنْثَى يَكُونُ مَأْمُومًا، وَرَدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ لَوْ أَمَّ امْرَأَةٌ وَكَانَتْ خَلْفَهُ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ

كَانَ رَجُلًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً صَحَّتْ إمَامَتُهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ أَدْخَلَ فِي حَصْرِهِ إمَامَتَهُ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَّ الرِّجَالَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً " لَكِنَّهُ مَا ذَكَرَ: إذَا أَمَّ امْرَأَةً، وَلَكِنْ تُسَمَّى جَمَاعَةً فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَؤُمُّ خُنْثَى نِسَاءً، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ امْرَأَةٍ بِجَنْبِ رَجُلٍ: لَمْ يُصَلِّ جَمَاعَةً. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ إمَامَةِ الْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَقِفُ وَرَاءَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا أَمَّ الْخُنْثَى نِسَاءً قَامَ وَسَطَهُنَّ. فَائِدَةٌ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ خُنْثَى ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ رَجُلًا: لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُعِيدُ إذَا عَلِمَهُ خُنْثَى، أَوْ جَهِلَ إشْكَالَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا إمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ إلَّا فِي النَّفْلِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالْمُحَرَّرُ، اعْلَمْ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ تَارَةً تَكُونُ فِي الْفَرْضِ وَتَارَةً تَكُونُ فِي النَّفْلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْفُرُوضِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَصِحُّ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَحَكَاهَا فِي الْفَائِقِ تَخْرِيجًا، وَاخْتَارَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُخَرَّجُ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ ابْنِ عَشْرٍ وَجْهٌ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْلِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَصِحُّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ،

وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ فِي النَّفْلِ أَيْضًا قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ إلَّا بِمِثْلِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَانْتِصَارِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، فَقَالَ: لَا تَصِحُّ، وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَبِنَاؤُهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ تَقْتَضِي صِحَّةَ إمَامَتِهِ إنْ لَزِمَتْهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مِنْ عِنْدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ خَرَّجَ وَجْهًا بِصِحَّةِ إمَامَةِ ابْنِ عَشْرٍ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَيْضًا فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ قُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: تَصِحُّ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ قَارِئًا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " لِبَالِغٍ " صِحَّةُ إمَامَتِهِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ ابْنِ الشِّيرَازِيِّ: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مُحْدِثٍ، وَلَا نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ فِي الْإِشَارَةِ: تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُحْدِثِ، وَالنَّجِسِ، إنْ جَهِلَهُ الْمَأْمُومُ وَعَلِمَهُ الْإِمَامُ، وَبَنَاهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَيْضًا عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجِزُ عَنْ إزَالَتِهَا بِمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالْمَأْمُومُ حَتَّى قَضَوْا الصَّلَاةَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَحْدَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَوْلَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ أَوْ الْمَأْمُومُ فِيهَا: أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ فَيَسْتَأْنِفُهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَبْنِي الْمَأْمُومُ، نَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَبْنُونَ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فِيمَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ وَشَكَّ فِي وُضُوئِهِ لَمْ يُجْزِهِ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ إنْ شَاءُوا قَدَّمُوا وَاحِدًا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةً. انْتَهَى. وَأَمَّا الْإِمَامُ: فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عَلِمَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ أَعَادَ جَمِيعُ الْمَأْمُومِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَّا الْعَالِمُ فَقَطْ، وَكَذَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إنْ عَلِمَهُ اثْنَانِ، وَأَنْكَرَ هُوَ إعَادَةَ الْكُلِّ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأُمِّيِّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تَصِحُّ، وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَهُ فِي النَّافِلَةِ، وَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ اقْتِدَاءَ مَنْ يُحْسِنُ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ قُرْآنًا قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْعَاجِزِ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْحَمْدِ بِالْعَاجِزِ عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا عَكْسُهُ.

قَوْلُهُ (إلَّا بِمِثْلِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِمِثْلِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقِيلَ: تُكْرَهُ إمَامَتُهُمْ، وَتَصِحُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مَنَعَ الصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْأَرَتِّ وَالْأَلْثَغِ، وَصِحَّةِ إمَامَتِهِمَا وَعَدَمِهَا، وَإِنْ كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اقْتَدَى قَارِئٌ وَأُمِّيٌّ بِأُمِّيٍّ فَإِنْ كَانَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ الْأُمِّيُّ عَنْ يَمِينِهِ: صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْأُمِّيِّ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَارِئِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ، أَوْ الْقَارِئُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُمِّيُّ عَنْ يَسَارِهِ: فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا تَفْسُدُ، وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَشْهَرُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ كَانَا خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ فِي الْأَصَحِّ، وَبَقِيَ نَفْلًا، وَقِيلَ: لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، وَقِيلَ: إلَّا الْإِمَامَ. انْتَهَى. وَفِي الْمَذْهَبِ: وَجْهٌ آخَرُ حَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ الْفَسَادَ يَخْتَصُّ بِالْقَارِئِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي تَعْلِيلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْقَارِئَ تَكُونُ صَلَاتُهُ نَافِلَةً، فَمَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِرْ الْأُمِّيُّ بِذَلِكَ فَذًّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَلَاةُ الْقَارِئِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَعْرِفَةِ هَذَا عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ يَشُقُّ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ، وَفِي بَقَائِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ: صَحَّتْ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ: بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ بَطَلَ فَرْضُ الْقَارِئِ، فَهَلْ تَبْقَى نَفْلًا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ، أَمْ لَا يَبْقَى فَتَبْطُلُ، أَمْ تَبْطُلُ إلَّا صَلَاةَ الْإِمَامِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ الثَّانِيَةُ: الْأُمِّيُّ نِسْبَةً إلَى الْأُمِّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ وِلَادَةِ أُمِّهِ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَقِيلَ: نِسْبَةً إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، أَوْ يُدْغِمُ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ، أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا، أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى) فَاللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: كَضَمِّ التَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا مِنْ " أَنْعَمْتَ " أَوْ كَسْرِ كَافِ " إيَّاكَ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقُلْنَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا، وَقِيلَ: أَوْ قِرَاءَةُ بَدَلِهَا انْتَهَى. فَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ " اهْدِنَا " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا لَحْنٌ يُحِيلُ الْمَعْنَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُحِيلُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ: يُحِيلُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: فَتْحُهَا لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. فَائِدَةٌ: لَوْ قَرَأَ قِرَاءَةً تُحِيلُ الْمَعْنَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إصْلَاحِهَا مُتَعَمِّدًا حَرُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إصْلَاحِهَا قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ، وَمَا زَادَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ، وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَانَ لِجَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ أَنَّهُ جَعْلًا لَهُ كَالْمَعْدُومِ فَلَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: هُوَ كَكَلَامِ النَّاسِ، فَلَا يَقْرَؤُهُ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ عَدَمَ جَوَازِ قِرَاءَةِ مَا فِيهِ لَحْنٌ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إصْلَاحِهِ، وَكَذَا إبْدَالُ حَرْفٍ لَا يُبْدَلُ فَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِمَا هُوَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُحِيلُ مَعْنَاهُ، كَقَوْلِهِ " إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ " وَنَحْوِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، نَقَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَمِنْهَا أَخَذَ ابْنُ شَاقِلَا قَوْلَهُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا " أَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ ضَادَّ " الْمَغْضُوبِ " عَلَيْهِمْ وَ " الضَّالِّينَ " بِظَاءٍ مُشَالَةٍ: أَنْ لَا تَصِحَّ إمَامَتُهُ. (*) وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ عَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ فَائِدَةٌ: " الْأَرَتُّ " هُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفًا لَا يُدْغَمُ، أَوْ حَرْفًا فِي حَرْفٍ، وَقِيلَ: مَنْ يَلْحَقُهُ دَغْمٌ فِي كَلَامِهِ، وَ " الْأَلْثَغُ " الَّذِي يُبَدِّلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ لَا يُبَدَّلُ بِهِ، كَالْعَيْنِ بِالزَّايِ وَعَكْسِهِ، أَوْ الْجِيمِ بِالشِّينِ، أَوْ اللَّامِ أَوْ نَحْوِهِ. وَقِيلَ: مَنْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِغَيْرِهِ قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَرَتِّ وَالْأَلْثَغِ كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْبَنَّا: صِحَّةُ إمَامَتِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَسِيرُ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَيَمْنَعُ كَثِيرُهُ.

قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ) يَعْنِي الَّذِي لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: لَا يُصَلَّى خَلْفَهُ. تَنْبِيهَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ " وَيُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ " أَيْ الْكَثِيرِ اللَّحْنِ، لَا مَنْ يَسْبِقُ لِسَانُهُ بِالْيَسِيرِ فَقَدْ لَا يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ إمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَتُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانِ " صِحَّةُ إمَامَتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ وَمُتَعَمِّدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ قَالَ: وَكَلَامُهُمْ فِي تَحْرِيمِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَوَّلُهُمَا: يَحْرُمُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، فِي التَّلْحِينِ الْمُغَيِّرِ لِلنَّظْمِ: يُكْرَهُ، لِقَوْلِهِ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْنِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ عَجْزًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ غَيْرُ الْمُصَلِّي. قَوْلُهُ (وَالْفَأْفَاءُ) الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ (وَالتَّمْتَامُ) الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَلَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، تُكْرَهُ إمَامَتُهُمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحُكِيَ قَوْلٌ: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَالتَّمْتَامُ وَالْفَأْفَاءُ: تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ بِمِثْلِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ بِمَنْ هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُمْ قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ) كَالْقَافِ وَالضَّادِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا أَبْدَلَ الضَّادَ ظَاءً.

قَوْلُهُ (وَأَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ) يَعْنِي يُكْرَهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: وَلَا رَجُلَ مَعَهُنَّ قَرِيبٌ لِإِحْدَاهُنَّ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: وَلَا رَجُلَ مَعَهُنَّ مَحْرَمًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَفَسَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ آخِرَ الْكُسُوفِ يُكْرَهُ لِلشَّوَابِّ وَذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْخُرُوجُ، وَيُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ فَإِنْ صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مَحْرَمٌ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْجَهْرِ فَقَطْ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَظَاهِرُهُ: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فِيهِنَّ، هَذَا فِي مَوْضِعِ الْإِجَازَةِ فِيهِ فَلَا وَجْهَ إذَنْ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا وَمَحْرَمًا مَعَ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا أَوْ بَعْضُهُمْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَيَلْزَمُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ، وَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيمَهَا، عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي آخِرَ الْعِدَدِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فِي إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجِنْسَ فَلَا تَلْزَمُ الْأَحْوَالُ، وَيُعَلَّلُ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِيهَا. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ قَرِيبًا قَالَ الشَّارِحُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَقِيلَ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَتَى بِوَاجِبٍ وَمُحَرَّمٍ يُقَاوِمُ صَلَاتَهُ فَلَمْ تُقْبَلْ، إذْ الصَّلَاةُ الْمَقْبُولَةُ مَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَهُ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " أَنَّهُ لَوْ كَرِهَهُ النِّصْفُ: لَا يُكْرَهُ

أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ أَيْضًا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَإِنْ اسْتَوَى الْفَرِيقَانِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ، إزَالَةً لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا وَجْهَيْنِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِمَامِ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ، وَيُكْرَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا يَكْرَهُونَهُ بِحَقٍّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُكْرَهُ لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ أَوْ فَضْلِهِ. اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُصُولِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً ائْتِلَافُهُمْ بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَكْرَهُونَهُ لِشَحْنَاءَ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ بِغَيْرٍ حَقٍّ كَمَا لَوْ كَرِهُوهُ لِدِينٍ أَوْ سُنَّةٍ لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ، صِيَانَةً لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ زِنًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَتِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَدَمُ كَرَاهَةِ إمَامَتِهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَالْجُنْدِيُّ) يَعْنِي لَا بَأْسَ بِإِمَامَتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلَفَ غَيْرِهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ اللَّقِيطِ، وَالْمَنْفِيِّ بِلِعَانٍ، وَالْخَصِيِّ، وَالْأَعْرَابِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْبَدْوِيُّ إنْ سَلِمَ دِينُهُمْ وَصَلَحُوا لَهَا قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَكَذَا الْأَعْرَابِيُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ إمَامَةُ الْبَدْوِيِّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّانِيَةُ: فَائِدَةٌ غَرِيبَةٌ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْخُنْثَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ وَالْجُمُعَةُ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِمُسْلِمِي الْجِنِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ النُّبُوَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا، وَالْمُرَادُ فِي الْجُمُعَةِ: مَنْ لَزِمْته؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِآدَمِيٍّ لَا تَلْزَمُهُ، كَمُسَافِرٍ وَصَبِيٍّ فَهُنَا أَوْلَى. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالتَّكْلِيفِ قَالَ: وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ التَّكْلِيفِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي الْبَقَاءِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا) مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُهْرُ أَمْسِ، فَأَرَادَ قَضَاءَهَا، فَائْتَمَّ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ ظُهْرُ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ الصِّحَّةُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ غَيْرَهَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ النَّاظِمُ [هُوَ أَصَحُّ] وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. نَقَلَهَا صَالِحٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ ائْتِمَامِ مَنْ يَقْضِي الصَّلَاةَ بِمَنْ يُؤَدِّيهَا حُكْمُ ائْتِمَامِ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَصِحُّ الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَفِي الْعَكْسِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا فِي الْمُذْهَبِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَطَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالصِّحَّةِ. وَقَالَ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ قَضَى فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُؤَدِّيهِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَدَّاهُ خَلْفَ مَنْ يَقْضِيهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا: ائْتِمَامُ قَاضِي ظُهْرِ يَوْمٍ بِقَاضِي ظُهْرِ يَوْمٍ آخَرَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: كَمَا لَوْ كَانَا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَائْتِمَامُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَجَدْتهَا فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ، وَأَكْثَرُ النُّسَخِ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ لَا يَؤُمُّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ مَنْ تَطَهَّرَ بِأَحَدِهِمَا، وَيَأْتَمُّ الْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاسِحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اخْتَارَهَا صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قُلْت: مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَائِدَةٌ: عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ائْتِمَامُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ يَصِحُّ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ لَا نَعْلَمُ فِي صِحَّتِهَا خِلَافًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَصِحُّ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ يَصِحُّ وَالرِّوَايَتَانِ فِي ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ، وَنَحْوُهَا عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ. فَائِدَةٌ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ائْتِمَامُ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالرِّوَايَتَانِ فِي ظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ، وَنَحْوُهَا عَنْ بَعْضِهِمْ فَشَمَلَ كَلَامُهُ ائْتِمَامَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَعَكْسَهُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْفَجْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي رُبَاعِيَّةً تَامَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً، وَعَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَتَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الْخِلَافُ أَيْضًا جَارٍ هُنَا كَالْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصِّحَّةَ هُنَا قَالَ الْمَجْدُ: صَحَّ عَلَى مَنْصُوصِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَصَحُّ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. إلَّا الْمَغْرِبَ خَلْفَ الْعِشَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْجَوَازَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: مُفَارَقَةُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ، وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمُ قَبْلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْأَخِيرُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَاهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُتِمُّ وَقِيلَ: أَوْ يَنْتَظِرُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَارِقَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ انْتِظَارِ الْإِمَامِ وَالْمُفَارَقَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَلْ يَنْتَظِرُهُ، أَوْ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يُسَلِّمُ قَبْلَهُ، وَالثَّانِي: إنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهَلْ يُتِمُّ هُوَ لِنَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ، أَوْ يَصْبِرُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِي تَخْيِيرِهِ بَيْنَهُمَا احْتِمَالٌ، وَقِيلَ: وَجْهٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا يَعْنِي عَلَى الصِّحَّةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ صَبِيًّا، أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ خُيِّرُوا بَيْنَهُمَا، أَوْ قَدَّمُوا مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، حَتَّى يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الْجُمُعَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ، إنْ دَخَلَ مَعَهُمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ صَحَّ، وَإِنْ دَخَلَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَلَا أَصْلًا فِيهَا، وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ وَأَوْلَى، لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، كَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ، أَوْ مَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَقْوَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِمَا وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي التَّرَاوِيحِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتُشْرَعُ عِشَاءُ الْآخِرَةِ خَلْفَ إمَامِ التَّرَاوِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي الْخِلَافَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: يُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ كَمَسْبُوقٍ وَمُقِيمٍ خَلْفَ قَاصِرٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ فِي مُقِيمِينَ خَلْفَ قَاصِرٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُتِمُّ بِالْمَسْبُوقِ فَكَذَا بِنَاءٌ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ اقْتَضَتْ انْفِرَادَهُ فِيمَا يَقْضِيهِ، وَإِذَا ائْتَمَّ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ كَمُنْفَرِدٍ صَارَ مَأْمُومًا، وَلِكَمَالِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً، بِخِلَافِهِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ خَلْفَ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ مِثْلَ أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ بِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْبِنَاءِ خُرِّجَ

الِاقْتِدَاءُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَدْ اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ، مَعَ مَنْعِهِ مِنْ بِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ ائْتِمَامِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَمُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْعَصْرِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاعْتَذَرَ لَهُ بِكَوْنِهِ لَمْ يُدْرِكْ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ صِحَّةُ الدُّخُولِ إذَا أَدْرَكَ مَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّلَاةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا قَالُوهُ: وَتَصِحُّ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا لَهُ لِعُذْرٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ، فَلَمَّا أَذَّنَ جَاءَ فَصَلَّى، قُدَّامَهُ عُذِرَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: قُلْت وَهُوَ مُخَرَّجٌ مَنْ تَأَخُّرِ الْمَرْأَةِ فِي الْإِمَامَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ " أَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُومِ فَقَطْ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ نَوَى الْإِمَامَةَ مَنْ يُصَلِّي قُدَّامَهُ، مَعَ عِلْمِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، أَوْ لَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الْإِمَامَةَ بِالرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ بِمَنْ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَنًّا وَاعْتِقَادًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ فَصَلَّوْا قُدَّامَهُ، انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ، عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ. كَمَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ مَنْ عَادَتُهُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ عِنْدَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الثَّانِيَةُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ قُدَّامَ الْإِمَامِ، وَمُرَادُهُ غَيْرُ حَوْلِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَدَارُوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَالْإِمَامُ مِنْهَا عَلَى ذِرَاعَيْنِ، وَالْمُقَابِلُونَ لَهُ عَلَى ذِرَاعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا: صَحَّتْ إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. انْتَهَى. هَذَا إذَا كَانَ فِي جِهَاتٍ أَمَّا إنْ كَانَ فِي جِهَةٍ، فَلَا يَجُوزُ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ مَسَافَةٌ فَوْقَ بَقِيَّةِ جِهَاتِ الْمَأْمُومِينَ فَهَلْ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَالْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا: صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ إمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ، وَيُعْفَى عَنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْفَى، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَنْعَقِدُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَلَوْ كَانَ دَاخِلَهَا فَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ خَطَأَهُ، وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَقَابَلَا مِنْهَا صَحَّتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ {وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ} بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ، فَيَجِيءُ الْوَجْهُ تَصِحُّ مُنْفَرِدًا، وَنَقَلَ

أَبُو طَالِبٍ فِي رَجُلٍ أَمَّ رَجُلًا قَامَ عَنْ يَسَارِهِ يُعِيدُ، وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُهُ: تَصِحُّ مُنْفَرِدًا دُونَ الْمَأْمُومِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ {فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ} يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ صَحَّتْ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ إذَا صَلَّى رَكْعَةً مُنْفَرِدًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْفَائِقِ: وَقَالَ الشَّرِيفُ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَلَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِهِ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ كَانَ خَلْفَهُ صَفٌّ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ انْقَطَعَ الصَّفُّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ خَلْفِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ بَعْدَهُ مَقَامُ ثَلَاثِ رِجَالٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الصَّفِّ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ خَلْفِهِ، وَكَذَا إنْ بَعُدَ الصَّفُّ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ} أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَوْقِفٌ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَسَارِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاةَ مَنْ يَلِيهَا: أَنَّهَا كَالرَّجُلِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَصِحُّ إنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي تَقْدِيمِهَا أَمَامَ النِّسَاءِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا وَاحِدًا، فَمَوْقِفُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَحْدَهَا فَمَوْقِفُهَا خَلْفَ الْإِمَامِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ إذَا وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَوْقِفًا كَمَا جَعَلَ لِلرَّجُلِ مَوْقِفًا. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَوْ كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا عُرْيَانًا، وَالْمَأْمُومُ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تَقِفُ إلَى خَلْفِهِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمَّ رَجُلٌ خُنْثَى صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو حَفْصٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ، قِيلَ: يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ جَنْبَ الرَّجُلِ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَوُقُوفُهُ خَلْفَهُ فِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ رَجُلًا فَذًّا، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي الْبُطْلَانِ بِهِ قَالَ: وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا مِنْهُمْ، عَلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ سَهْوٌ عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ، وَقِيلَ: يَقِفُ خَلْفَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى، ثُمَّ النِّسَاءُ} أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ فَالْخُنْثَى بِطَرِيقِ أَوْلَى، ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَنَاثَى: جَوَازُ صَلَاتِهِمْ صَفًّا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَا: فَإِنْ بَنَيْنَاهُ عَلَى أَنَّ وُقُوفَ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا يُبْطِلُ، وَلَا يَكُونُ فَذًّا كَمَا يَجِيءُ عَنْ الْقَاضِي فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ. وَأَمَّا إذَا أَبْطَلْنَا صَلَاةَ مَنْ يَلِيهَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ جَعَلْنَاهُ مَعَهَا فَذًّا كَقَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ بَعُدَ الْقَوْلُ جِدًّا بِجَعْلِ الْخَنَاثَى صَفًّا، لِتَطَرُّقِ الْفَسَادِ إلَى بَعْضِهِمْ بِالْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِهِ قَوْلُهُمْ: كَوْنُ الْفَسَادِ هُنَا أَنَّهَا تَقَعُ فِي حَقِّ مُكَلَّفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. كَالْمَنِيِّ وَالرِّيحِ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّا لَا نُوجِبُ غُسْلًا وَلَا وُضُوءًا، كَذَا هُنَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: فَسَادُ صَلَاتِهِمْ صَفًّا، لِشَكِّنَا فِي انْعِقَادِ صَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ نَظَرْنَا إلَيْهِمْ مُجْتَمَعِينَ، فَقَدْ شَكَكْنَا فِي الِانْعِقَادِ فِي الْبَعْضِ فَيَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِعَادَةِ الْجَمِيعِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ لِيَخْرُجُوا مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ، كَقَوْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا جُهِلَتْ السَّابِقَةُ. انْتَهَيَا. وَتَابَعَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْخَنَاثَى يَقِفُونَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَعِنْدِي: أَنَّ صَلَاةَ الْخَنَاثَى جَمَاعَةً إنَّمَا تَصِحُّ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ يَلِي الْمَرْأَةَ إذَا صَلَّتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُهَا مِنْ أَصْحَابِنَا: فَلَا يَصِحُّ لِلْخَنَاثَى جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا إلَى جَنْبِ امْرَأَةٍ،

وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا صَفًّا، بِاحْتِمَالِ الذُّكُورِيَّةِ فَيَكُونَ فَذًّا فَإِذَا حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ وَقَفُوا كَمَا قُلْنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْإِمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ} ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ {وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ} . فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أُولُو الْفَضْلِ وَالسِّنِّ، وَأَنْ يَلِيَ الْإِمَامَ أَكْمَلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " يَلِي الْإِمَامَ الشُّيُوخُ، وَأَهْلُ الْقُرْآنِ، وَيُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ " لَكِنْ لَوْ سَبَقَ مَفْضُولٌ هَلْ يُؤَخَّرُ الْفَاضِلُ؟ جَزَمَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخَّرَ قَيْسَ بْنَ عُبَادَةَ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَوَقَفَ مَكَانَهُ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ هَلْ يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ بِحُضُورِ الْفَاضِلِ، أَوْ لَا يُؤَخَّرُ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالْأَجْنَاسِ؛ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجَنَائِزِ وَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: جَوَازَ تَأْخِيرِ الصَّبِيِّ عَنْ الصَّفِّ الْفَاضِلِ، وَإِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّفِّ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ فِعْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِقَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ أَحْرَارٌ وَعَبِيدٌ قُدِّمَ الْأَحْرَارُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ إذَا كَانَ دُونَهُ. قَوْلُهُ {وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا كَافِرٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ فَهُوَ فَذٌّ} . أَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا كَافِرٌ: فَإِنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ مَعَهُ مَجْنُونٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا امْرَأَةٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يَكُونُ فَذًّا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَ رَجُلٍ. فَقَالَ جَمَاعَةٌ: فَذٌّ، وَعَنْهُ لَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حُكْمُ وُقُوفِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ: حُكْمُ وُقُوفِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهَا وَلَا أَمَامَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَاخْتَارَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً:

تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ الْأَشْبَهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَمَنْ خَلْفَهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ أَيْضًا صَلَاةُ مَنْ أَمَامَهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي الْفُصُولِ، تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ فِي صَلَاتِهِمْ فَأَمَّا صَلَاتُهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ الشَّرِيفِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ، هَذَا الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ عِنْدِي، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكُونُ فَذًّا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ مَعَهُ نَجِسٌ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَهُ، بَلْ جَهِلَهُ، وَجَهِلَ مُصَافَّتَهُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: حُكْمُهُ حُكْمُ جَهْلِ الْمَأْمُومِ حَدَثَ الْإِمَامِ، عَلَى مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ {وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إلَّا فِي النَّافِلَةِ} يَعْنِي لَوْ وَقَفَ مَعَ رَجُلٍ خَلْفَ الْإِمَامِ كَانَ الرَّجُلُ فَذًّا، إلَّا فِي النَّافِلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَتَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ مُصَافَّةِ الصَّبِيِّ حُكْمُ إمَامَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ

جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إمَامَتُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا، قَالَهُ أَصْوَبُ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يَقِفُ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ خَلْفَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقِفَانِ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ مِنْ جَانِبَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ إمَامَتُهُ دُونَ مُصَافَّتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ {وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً} {وَقَفَ فِيهَا} يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُقَابِلَتَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُقَابِلَةٍ لَهُ يَمْشِي إلَيْهَا عُرْضًا: كُرِهَ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الصَّفُّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ دَخَلَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ فُرْجَةٌ. قَوْلُهُ {فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَكَانَ الصَّفُّ مَرْصُوصًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ، وَيَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا قَدَرَ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: بَلْ يُؤَخِّرُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ، وَقِيلَ: يَقِفُ فَذًّا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ قَوِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُصَافَّةِ: إنَّمَا هُوَ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ: فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِكَلَامٍ أَوْ نَحْنَحَةٍ أَوْ إشَارَةٍ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَيَتْبَعُهُ، وَيُكْرَهُ جَذْبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْرَهُ جَذْبُهُ فِي الْمَنْصُوصِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ هُنَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا جَذْبَ رَجُلٍ يَقُومُ مَعَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالشَّرْحِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ ابْنَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَالَ الْعِبَادَةِ. كَالْأَجْنَبِيِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي جَوَازِ جَذْبِهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ، فَهَلْ يَخْرِقُ الصَّفَّ لِيُصَلِّيَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، أَوْ يُؤَخِّرُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ، أَوْ يَقِفُ فَذًّا؟ عَلَى أَوْجُهٍ اخْتَارَ شَيْخُنَا الثَّالِثَ. انْتَهَى. وَمُرَادُهُ بِشَيْخِنَا: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ حَضَرَ اثْنَانِ وَفِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ، فَأَنَا أُفَضِّلُ وُقُوفَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يَسُدُّ أَحَدُهُمَا الْفُرْجَةَ، وَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ رَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الِاصْطِفَافَ مَعَ بَقَاءِ الْفُرْجَةِ؛ لِأَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَالِاصْطِفَافَ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ {وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا} {لَمْ تَصِحَّ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ تَصِحُّ فِي النَّفْلِ فَقَطْ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَبَنَاهُ فِي الْفُصُولِ عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَكُونُ. وَأَنَّهُ يَصِحُّ صَلَاتُهُمْ تَلْفِيقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: لِعُذْرٍ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَقِفُ فَذًّا مَعَ ضِيقِ الْمَوْضِعِ أَوْ ارْتِصَاصِ الصَّفِّ، وَكَرَاهَةِ أَهْلِهِ دُخُولَهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ لِعُذْرٍ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَإِلَّا صَحَّتْ، وَقِيلَ: يَقِفُ فَذًّا فِي الْجِنَازَةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا، قَالَ: فَإِنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ صَفًّا ثَالِثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَتَكُونُ مَسْأَلَةَ مُعَايَاةٍ، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَلَّتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ خَلْفَ امْرَأَةٍ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا " يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ " فَالْمُرَادُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ تَصِحَّ " أَنَّهُ إذَا لَمْ تَفْرُغْ الرَّكْعَةُ، حَتَّى دَخَلَ مَعَهُ آخَرُ، أَوْ دَخَلَ هُوَ فِي الصَّفِّ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ فَذًّا، وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ فَذًّا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْفَرْضِ فَذًّا بَطَلَ اقْتِدَاؤُهُ، وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَرْضًا، وَفِي بَقَائِهَا نَفْلًا وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَوْ الرَّكْعَةُ وَحْدَهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ اخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ الثَّانِيَةَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمَجْزُومُ بِهِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ الرَّكْعَةُ. لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَإِلَّا صَحَّتْ، وَهُوَ

ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ: وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ إذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ دُونَ الصَّفِّ، طَمَعًا فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ جَازَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ {وَإِنْ رَفَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ صَحَّتْ} يَعْنِي إذَا رَكَعَ الْمَأْمُومُ فَذًّا، ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ رَاكِعًا، وَالْإِمَامُ قَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَسْجُدْ فَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَنَصَرَهُ، وَحَمَلَ هُوَ وَالشَّارِحُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَرَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، لِيُوَافِقَ الْمَنْصُوصَ، وَجُمْهُورَ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: بَطَلَتْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَفَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ صَحَّتْ " أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ وَسَجَدَ إمَامُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّفِّ، أَوْ قَبْلَ وُقُوفِ آخَرَ مَعَهُ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الرَّكْعَةُ بِلَا نِزَاعٍ، وَهَلْ يَخْتَصُّ الْبُطْلَانُ بِهَا حَتَّى لَوْ دَخَلَ الصَّفَّ بَعْدَهَا، أَوْ انْضَافَ إلَيْهِ آخَرُ، وَيَصِحُّ مَا بَقِيَ، وَيَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ، أَمْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ رَأْسًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَفْصٍ وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُوجَزِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْجُدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ تَصِحُّ وَلَوْ سَجَدَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ} {لَمْ تَصِحَّ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَهُوَ بَاطِلٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخَيْنِ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ فِعْلِهِ لِعُذْرٍ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَتَصِحُّ إنْ زَالَتْ فُذُوذِيَّتُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ وَجْهَيْنِ. لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ. فَائِدَةٌ: مِثَالُ فِعْلِ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ: أَنْ لَا يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ زُحِمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْ الصَّفِّ وَبَقِيَ فَذًّا فَإِنَّهُ يَنْوِي مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ لِعُذْرٍ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً؛ لِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رَكْعَةً. كَالْمَسْبُوقِ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مُتَابَعَةِ إمَامِهِ، وَتَابَعَهُ فَذًّا صَحَّتْ مَعَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا ظُهْرًا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: بَلْ يُكْمِلُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ جُمُعَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا مَعَهُ.

قَوْلُهُ {وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ بِهِ، إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ} عُمُومُهُ يَشْمَلُ إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ. فَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ الْآمِدِيُّ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا قَالَ فِي النُّكَتِ وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ، أَوْ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ فَاشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اتِّصَالَ الصُّفُوفِ مَعَ رُؤْيَةِ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إذَا كَانَ يَرَى الْإِمَامَ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ فِي بَعْضِهَا، وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ، وَلَوْ جَاوَزَ ثَلَاثَمِائَةٍ ذِرَاعٍ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُرْجَعُ فِي اتِّصَالِ الصُّفُوفِ إلَى الْعُرْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ حَيْثُ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: اتِّصَالُ الصُّفُوفِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ: مَتَى كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَا يَقُومُ فِيهِ صَفٌّ آخَرُ فَلَا اتِّصَالَ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَيْثُ اُعْتُبِرَ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ.

وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي اتِّصَالَ الصُّفُوفِ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِبُعْدٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، بِحَيْثُ يَمْنَعُ إمْكَانَ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ فَرَجَعَ إلَى الْعُرْفِ قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ تَفْسِيرُ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ غَرِيبٌ، وَإِمْكَانُ الِاقْتِدَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَمْنَعُ شُبَّاكٌ وَنَحْوُهُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الِاتِّصَالُ حِسًّا مَعَ اخْتِلَافِ الْبُنْيَانِ، كَمَا إذَا وَقَفَ فِي بَيْتٍ آخَرَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الصَّفِّ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ، أَوْ وَقَفَ عَلَى عُلُوٍّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْإِمَامُ فِي سُفْلٍ. فَالِاتِّصَالُ بِمُوَازَاةِ رَأْسِ أَحَدِهِمَا رُكْبَةَ الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا فِيمَا إذَا تَوَاصَلَتْ الصُّفُوفُ لِلْحَاجَةِ كَالْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ وَقَفَ قَوْمٌ فِي طَرِيقٍ وَرَاءَ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَعَ الْقُرْبِ الصَّحِيحِ، وَكَانَ النَّهْرُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ طَرِيقٌ، وَلَمْ تَتَّصِلْ فِيهِ الصُّفُوفُ، إنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَكَذَا قَالَ فِي النُّكَتِ وَالْحَوَاشِي وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنَّهُ تُرِكَ لِلْآثَارِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ مَعَ الضَّرُورَةِ اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: إذَا كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى مَقْرُونَةٍ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ، وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً، قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ لَمْ تَصِحَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الطَّيِّبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الصِّحَّةَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَأَلْحَقَ الْآمِدِيُّ النَّارَ وَالْبِئْرَ بِالنَّهْرِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الشَّوْكِ وَالنَّارِ، وَأَلْحَقَ فِي الْمُبْهِجِ النَّارَ وَالسَّبُعَ بِالنَّهْرِ قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةَ جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ، أَوْ جِنَازَةٍ: لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ جَوَازَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ {وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ} {لَمْ تَصِحَّ} شَمَلَ مَا إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ وَيَسْمَعُ التَّكْبِيرَ: فَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. (*) قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ تَصِحُّ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ.

وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ الْمِنْبَرُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ لِلْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هَذَا قَالَهُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُشَاهَدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا. فَقَالَ: يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ، نَظَرًا لِلْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِذَلِكَ الْبِنَاءَ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي النُّكَتِ وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَانِعُ لِمَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. قُلْت: قَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَفَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِالْمِنْبَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِ التَّكْبِيرِ؛ لِعَدَمِ الْمُوَافِقِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا خَارِجَيْنِ عَنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُومِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَلَكِنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَعَنْهُ يَصِحُّ قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبْوَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي النَّفْلِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً، وَعَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ حَائِطَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَمْنَعْ، وَإِلَّا مَنَعَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَرَاهُ مَنْ وَرَاءَهُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ مَنَعَ الْحَائِلُ الِاسْتِطْرَاقَ، دُونَ الرُّؤْيَةِ، كَالشُّبَّاكِ: لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَكَى فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً بِتَأْثِيرِهِ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَجْهًا،

الثَّانِيَةُ: تَكْفِي الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ {وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُومِينَ} يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيمَ وَإِلَّا كُرِهَ اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ قَوْلُهُ {فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟} {عَلَى وَجْهَيْنِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ تَبْطُلْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ النَّاظِمِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا بَأْسَ بِالْعُلُوِّ الْيَسِيرِ، كَدَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: الْكَرَاهَةَ. الثَّانِيَةُ: مِقْدَارُ الْكَثِيرِ ذِرَاعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ: أَنَّ الْيَسِيرَ كَدَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: مِقْدَارُهُ قَدْرُ قَامَةِ الْمَأْمُومِ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَةٍ، وَهُوَ كَقَوْلِ الْمُصَنِّف وَالْمَجْدِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَاوَى الْإِمَامُ بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ النَّازِلِينَ عَنْهُمْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ. الرَّابِعَةُ: لَا بَأْسَ بِعُلُوِّ الْمَأْمُومِينَ عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَسَطْحِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ اخْتِصَاصُ الْجَوَازِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ مَعَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ {وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ كَسُجُودِهِ فِيهِ، وَعَنْهُ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَرَاهَةِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ يَمْنَعُ مُشَاهَدَةَ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ فِيهِ.، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: يَقِفُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قَوْلُهُ {وَأَنْ يَتَطَوَّعَ فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ} يَعْنِي يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَرْكُهُ أَوْلَى. كَالْمَأْمُومِ.

قَوْلُهُ {وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومَيْنِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي إذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ كَالْإِمَامِ. وَكَالْمِنْبَرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ بَيْنَهُمَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " إذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ " أَطْلَقَ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: شَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنْ يَكُونَ عُرْضُ السَّارِيَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْطَعُ الصَّفَّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ الْعُرْفُ، وَمَثَّلَ نَظَائِرَهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ {وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إطَالَةُ الْقُعُودِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ} أَنَّ الْقُعُودَ الْيَسِيرَ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَوْلُهُ {وَإِذَا صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ وَسَطَهُنَّ} هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ لَكِنْ لَوْ صَلَّتْ أَمَامَهُنَّ وَهُنَّ خَلْفَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا وَسَطًا فَإِنْ خَالَفَتْ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ مُوجَبُهُ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةٌ ". فَائِدَةٌ: لَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَلْفَهَا مُنْفَرِدَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي الصِّحَّةَ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ {وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمَرِيضُ} بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهِمَا لِخَوْفِ حُدُوثِ الْمَرَضِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا، أَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُودَ أَعْمَى: لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُهُ كَالْجَمَاعَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الْجُمُعَةِ: يَكْتَرِي وَيَرْكَبُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ضَعْفٍ عَقِبَ الْمَرَضِ فَأَمَّا مَعَ الْمَرَضِ: فَلَا يَلْزَمُهُ، لِبَقَاءِ الْعُذْرِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِيمَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ فَيَعْجِزُ عَنْ الْجَمَاعَةِ يَوْمَيْنِ مِنْ التَّعَبِ قَالَ: لَا أَدْرِي. الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْجَمَاعَةُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، مَعَ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ {أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ} . بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ: يَأْكُلُ مَا يُسْكِنُ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْجُمُعَةِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيَأْكُلُ، تَبِعَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ لَا الْجُمُعَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: بِقَدْرِ مَا يُسْكِنُ نَفْسَهُ وَيَسُدُّ رَمَقَهُ كَأَكْلِ خَائِفٍ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ. قُلْت: هَذَا إذَا رَجَى إدْرَاكَهَا. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِلَّا فَمَا كَانَ فِي الْخِلَافِ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ بَدَأَ بِالطَّعَامِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، ابْتَدَرَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ {وَالْخَائِفُ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ} كَشُرُودِ دَابَّتِهِ، وَإِبَاقِ عَبْدِهِ، وَنَحْوِهِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ نَحْوِهِ قَوْلُهُ {أَوْ فَوَاتِهِ} كَالضَّائِعِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ فِي مَكَان، أَوْ قَدِمَ بِهِ مِنْ سَفَرٍ لَكِنْ قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ مَا يَرْجُو وُجُودَهُ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ {أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ} كَاحْتِرَاقِ خُبْزِهِ أَوْ طَبِيخِهِ، أَوْ أَطْلَقَ الْمَاءَ عَلَى زَرْعِهِ وَيَخَافُ إنْ تَرَكَهُ فَسَدَ، وَنَحْوُهُ قَالَ الْمَجْدُ: وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ سَبَبَ ضَرَرِ الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ إذَا تَعَمَّدَ السَّبَبَ قَالَ: كَسَائِرِ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا أَطْلَقَ، وَاسْتَدَلَّ، وَعَنْهُ إنْ خَافَ ظُلْمًا فِي مَالِهِ فَلْيَجْعَلْهُ وِقَايَةً لِدِينِهِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ. فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يُعْذَرُ بِهِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: خَوْفُ الضَّرَرِ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا، أَوْ مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِهِ، وَكَنِطَارَةِ بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ {أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ} . بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي أُمُورِهِ. فَائِدَةٌ: وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي تَرْكِهَا لِتَمْرِيضِ قَرِيبِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيهِ: وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْجُمُعَةَ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ حُضُورِهِ وَمِثْلُهُ مَوْتُ رَقِيقِهِ أَوْ تَمْرِيضُهُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَتِهِ} هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ إنْشَاءً وَاسْتِدَامَةً، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قَوْلُهُ {أَوْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ} هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَدَّ فِي الْكَافِي الْأَعْذَارَ ثَمَانِيَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا " غَلَبَةَ النُّعَاسِ ". تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي غَلَبَةِ النُّعَاسِ: أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَكَذَا مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ عُذْرٌ فِيهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَطَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِمَا بِخَوْفِهِ بُطْلَانَ وُضُوئِهِ بِانْتِظَارِهِمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا: الصَّبْرُ وَالتَّجَلُّدُ عَلَى دَفْعِ النُّعَاسِ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ {وَالْأَذَى بِالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ} ، وَكَذَا الثَّلْجُ، وَالْجَلِيدُ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي السَّفَرِ فَقَطْ. قَوْلُهُ {وَالرِّيحُ الشَّدِيدَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ} اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّيحِ: أَنْ تَكُونَ شَدِيدَةً بَارِدَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: يَكْفِي كَوْنُهَا بَارِدَةً فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَاشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ " مُظْلِمَةً " إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ أَعْذَارٌ صَحِيحَةٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، خَلَا الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ، وَعَنْهُ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعْذَرُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَطَرٍ وَخَوْفٍ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَذْهَبَ فِي الْمَطَرِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قُلْنَا يَسْعَى مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، لَأَذْهَبَتْ الْخُشُوعَ، وَجَلَبَتْ السَّهْوَ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَذْهَبَ الْخُشُوعَ كَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ عُذْرٌ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ أَصْحَابُنَا كَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِأَيْسَرِ عُذْرٍ، كَمَنْ لَهُ عَرُوسٌ تُجَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ: كَذَا قَالَ. الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الزَّلْزَلَةُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خَوْفٍ. الرَّابِعَةُ: مِنْ الْأَعْذَارِ: مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِ قَوَدٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِعُذْرٍ، إذَا رَجَاهُ عَلَى مَالٍ فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ، وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ، أَوْ حَدُّ قَذْفٍ: فَلَا يُعْذَرُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي

الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ: أَنَّهُ عُذْرٌ إنْ رَجَا الْعَفْوَ. الْخَامِسَةُ: ذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ فِعْلَ جَمِيعِ الرُّخَصِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا، غَيْرَ الْجَمْعِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَجْدَ وَغَيْرَهُ قَالَ: التَّجَلُّدُ عَلَى دَفْعِ النُّعَاسِ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ مَا يَرْجُوهُ، لَا مَا يَخَافُ تَلَفَهُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي قَرِيبًا، وَنَقْلُ أَبِي طَالِبٍ، السَّادِسَةُ: لَا يُعْذَرُ بِمُنْكَرٍ فِي طَرِيقِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لِنَفْسِهِ لَا قَضَاءَ حَقٍّ لِغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَجْلِ مَا يَتْبَعُهَا مِنْ نَوْحٍ وَتَعْدَادٍ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا هُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ السَّابِعَةُ: لَا يُعْذَرُ أَيْضًا بِجَهْلِ الطَّرِيقِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ. الثَّامِنَةُ: لَا يُعْذَرُ أَيْضًا بِالْعَمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: الْإِسْقَاطُ بِهِ هُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: الْمَرَضُ وَالْعَمَى مَعَ عَدَمِ الْقَائِدِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الْمُجَاوِرِ فِي الْجَامِعِ، وَلِلْمُجَاوِرِ لِلْجَامِعِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَتَقَدَّمَ هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا تَبَرَّعَ لَهُ مَنْ يَقُودُهُ أَوَّلَ الْفَصْلِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَغَيْرِهِ: وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ، كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ. التَّاسِعَةُ: يُكْرَهُ حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ فُجْلًا أَوْ نَحْوَهُ، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ خَلَى الْمَسْجِدُ مِنْ آدَمِيٍّ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ قَالَ: وَالْمُرَادُ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ قَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُصُولِ وَتُكْرَهُ صَلَاةُ مَنْ أَكَلَ ذَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مَعَ بَقَائِهَا، أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْأَطْعِمَةِ: يُكْرَهُ أَكْلُ كُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، لِأَجْلِ رَائِحَتِهِ

باب صلاة أهل الأعذار

أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ " إنَّ لَك عُذْرًا " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ، وَأَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَكِنْ إنْ حَرُمَ دُخُولُهُ وَجَبَ إخْرَاجُهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَنْ بِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَلِهَذَا سَأَلَهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّفْطِ، أَيُسْرَجُ بِهِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ يُتَأَذَّى بِرَائِحَتِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. [بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ] ِ قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ، كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا» ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامَ مُعْتَمِدًا عَلَى شَيْءٍ، أَوْ مُسْتَنِدًا عَلَى حَائِطٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُهُ اكْتِرَاءُ مَنْ يُقِيمُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ فِي صُورَةِ رَاكِعٍ لِحَدَبٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَمْكَنَهُ، وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْأَحْدَبِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا} بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ، أَوْ زِيَادَةُ مَرَضٍ، أَوْ تَأَخُّرُ بُرْءٍ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ رَوَيْنَاهُ، وَأَسْقَطَ الْقَاضِي الْقِيَامَ بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ، وَأَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حَتَّى زَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا كَانَ قِيَامُهُ يُوهِنُهُ وَيُضْعِفُهُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُصَلِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَاعِدًا إنْ أَمْكَنَ مَعَهُ الصَّوْمُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ، أَوْ بَيْتٍ قَصِيرٍ سَقْفُهُ، وَتَعَذَّرَ الْقِيَامُ وَالْخُرُوجُ، أَوْ خَافَ عَدُوًّا إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا: صَلَّى جَالِسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي قَائِمًا مَا أَمْكَنَهُ، لِأَنَّهُ إنْ جَلَسَ جَلَسَ مُنْحَنِيًا ثُمَّ إذَا رَكَعَ، فَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ قَلِيلًا، وَقِيلَ: يَزِيدُ فَإِنْ عَجَزَ حَنَى رَقَبَتَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ يَجِبُ، وَجَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا " يُصَلِّي قَاعِدًا " فَإِنَّهُ يَتَرَبَّعُ اسْتِحْبَابًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجِبُ التَّرَبُّعُ، وَعَنْهُ إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ تَرَبَّعَ، وَإِلَّا افْتَرَشَ وَحَيْثُ تَرَبَّعَ فَإِنَّهُ يُثْنِي رِجْلَيْهِ. كَالْمُتَنَفِّلِ قَاعِدًا عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ إنْ قَدَرَ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا رَكَعَ قَاعِدًا، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وَفِي الرُّكُوعِ رِوَايَتَانِ وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: هَلْ يُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعِهِ كَسُجُودِهِ أَمْ لَا؟ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ} أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشُقَّ الْقُعُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى جَنْبٍ، بَلْ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ إذَا شَقَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَائِدَةٌ: حَيْثُ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى جَنْبِهِ فَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ.

قَوْلُهُ {فَإِنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ} ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ [وَالتَّلْخِيصِ] وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَالَ إلَيْهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَبَاحُوا الصَّلَاةَ عَلَى الظَّهْرِ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ كِلَاهُمَا جَائِزٌ، وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ: يُصَلِّي عَلَى مَا قَدَرَ وَتَيَسَّرَ لَهُ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا: يَكُونُ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ وَصَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى جَنْبِهِ: فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ عَلَى ظَهْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: صَلَاتُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِلْقَائِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَعَكْسُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ قَوْلُهُ (وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) .

يَعْنِي مَهْمَا أَمْكَنَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: أَقَلُّ رُكُوعِهِ مُقَابَلَتُهُ وَجْهَهُ مَا وَرَاء رُكْبَتِهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى مُقَابَلَةٍ، وَتَتِمَّتُهَا الْكَمَالُ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَجَدَ قَدْرَ مَا أَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ رَفَعَهُ: كُرِهَ، وَأَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يُجْزِئُهُ كَيَدِهِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسُجُودِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَعَنْهُ: هُوَ أَوْلَى مِنْ الْإِيمَاءِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ} {أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَيَكُونُ نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا لِلْفِعْلِ وَالْقَوْلِ إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِقَلْبِهِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: صَلَّى بِقَلْبِهِ أَوْ طَرَفِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ وَحَاجِبَيْهِ، أَوْ قَلْبِهِ. وَقَاسَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرَفِهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ انْتَهَى قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ: ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ، وَلَا يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالطَّرْفِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَوْ بِقَلْبِهِ، إنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرْفِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْأَحْدَبُ يُجَدِّدُ لِلرُّكُوعِ نِيَّةً، لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَرِيضٍ لَا يُطِيقُ الْحَرَكَةَ يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا، كَ " فُلْكٍ " فَإِنَّهُ يَصْلُحُ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ {وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ} يَعْنِي بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي كَمَا قَالَ هُنَا، وَزَادَ " مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا " قَالَ فِي النُّكَتِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ " وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ

ثَابِتًا " عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَنْوِي بِقَلْبِهِ مَعَ الْإِيمَاءِ بِطَرَفِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَضَعَّفَهَا الْخَلَّالُ. قَوْلُهُ {فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ الْقُعُودِ فِي أَثْنَائِهَا: انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَأَتَمَّهَا} وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ لَمْ يَقْرَأْ قَامَ فَقَرَأَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ قَامَ وَرَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَيَبْنِي عَلَى إيمَائِهِ، وَيَبْنِي عَاجِزٌ فِيهِمَا، وَلَوْ طَرَأَ عَجْزٌ فَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ فِي انْحِطَاطِهِ أَجْزَأَ، إلَّا مَنْ بَرِئَ فَأَتَمَّهَا فِي ارْتِفَاعِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالتَّحْرِيمَةِ مُنْحَطًّا لَا تُجْزِئُهُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا تُجْزِئُهُ التَّحْرِيمَةُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَجَالِسًا فِي الْجَمَاعَةِ: خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَالنُّكَتِ] ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: صَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَادِرٌ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَقُعُودُهُمْ خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ ثُمَّ وَجَدْت أَبَا الْمَعَالِيَ قَدَّمَ هَذَا، وَتَقَدَّمَ لَوْ كَانَ بِهِ رِيحٌ وَنَحْوُهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهِ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَهَلْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، أَوْ يُومِئُ؟ فِي بَابِ الْحَيْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ ".

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: إنْ أَفْطَرْت فِي رَمَضَانَ قَدَرْت عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا، وَإِنْ صُمْت صَلَّيْت قَاعِدًا أَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت قَائِمًا لَحِقَنِي سَلَسُ الْبَوْلِ، أَوْ امْتَنَعَتْ عَلَيَّ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ صَلَّيْت قَاعِدًا امْتَنَعَ السَّلَسُ فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُصَلِّي قَاعِدًا فِيهِمَا، لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوْلَى، وَلِسُقُوطِ الْقِيَامِ فِي النَّفْلِ، وَلَا صِحَّةَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَالْحَدَثِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْمَجْدِ: أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدَرَ عَلَى وَضْعِ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ: لَمْ يَلْزَمْهُ وَضْعُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ تَبَعًا، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {وَإِذَا قَالَ ثِقَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ لِلْمَرِيضِ: إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا: أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك. فَلَهُ ذَلِكَ} إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ يَنْفَعُهُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَجُوزُ لِمَنْ بِهِ رَمَدٌ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا إذَا قَالَ ثِقَاتُ الطِّبِّ: إنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ ثَلَاثَةٍ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ: الْجِنْسُ مَعَ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْعَدَدَ إذْ لَمْ يَقُلْ بِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي غَيْرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ فِعْلِ ذَلِكَ، بِقَوْلِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ، إذَا كَانَ طَبِيبًا حَاذِقًا فَطِنًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ اثْنَانِ، وَتَقَدَّمَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قَبِلْنَا قَوْلَ الطَّبِيبِ: فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ خِبْرَةٍ أَنْ يَكُونَ عَنْ يَقِينٍ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ {وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ} بِلَا نِزَاعٍ، وَلَوْ كَانَتْ سَائِرَةً، وَيَجُوزُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تُقَامُ إنْ صَلَّوْا جُلُوسًا نَصَّ عَلَيْهِ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا: صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِيهَا، وَأَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكُلَّمَا دَارَتْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْفَرْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ كَالنَّفْلِ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي النَّافِلَةِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ قَوْلُهُ {وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، خَشْيَةَ التَّأَذِّي بِالْوَحْلِ} وَكَذَا بِالْمَطَرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ. قَوْلُهُ {وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ؟} {عَلَى رِوَايَتَيْنِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْإِرْشَادِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ النُّزُولَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنْ زَادَ تَضَرُّرُهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّهُ مَتَى تَضَرَّرَ بِالنُّزُولِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ: صَلَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ كَانَ كَالصَّحِيحِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهَا كَصَلَاتِهِ عَلَى الْأَرْضِ: لَمْ يَلْزَمْهُ النُّزُولُ فَإِنْ كَانَ إذَا نَزَلَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا عَلَى الرَّاحِلَةِ: لَزِمَهُ النُّزُولُ إذَا كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَإِنْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ مُتَوَسِّطَةً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ صِفَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: أُجْرَةُ مَنْ يُنْزِلُهُ لِلصَّلَاةِ. كَمَاءِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي الثَّانِيَةُ: لَوْ خَافَ الْمَرِيضُ بِالنُّزُولِ: أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ إذَا نَزَلَ، أَوْ يَعْجِزَ مِنْ رُكُوبِهِ إذَا نَزَلَ: صَلَّى عَلَيْهَا. كَالْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ بِنُزُولِهِ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ. الثَّالِثَةُ: وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِ الْمَرِيضِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي

وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ مَعْنَاهُ ابْنُ هَانِئٍ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ عُذْرًا نَادِرًا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ جَوَازُهُ لِخَائِفٍ وَمَرِيضٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ. كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَسْجُدُ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ كَالْغَرِيقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِ وَقِيلَ فِي الْغَرِيقِ: يُومِئُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ الْكُلَّ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا عُذْرٍ قَائِمًا، أَوْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَهِيَ وَاقِفَةٌ أَوْ سَائِرَةٌ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمَا فِي الرَّاحِلَةِ وَقَدَّمَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي السَّفِينَةِ: هَلْ تَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَمْ لَا كَالرَّاحِلَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَحُكْمُ الْعَجَلَةِ وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوُهُمَا فِي الصَّلَاةِ فِيهَا: حُكْمُ الرَّاحِلَةِ وَالسَّفِينَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ لَا تَصِحُّ هُنَا. كَمُعَلَّقٍ فِي الْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْمَنْعُ هُنَا أَوْجَهُ مِنْ الْمَنْعِ هُنَاكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَصِحُّ فِي الْعَجَلَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ. كَالْأُرْجُوحَةِ، مَعَ أَنَّهُ اخْتَارَ الصِّحَّةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالسَّفِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَمَا، قَالَهُ بَعِيدٌ جِدًّا، لِكَوْنِ السَّفِينَةِ فَوْقَ الْمَاءِ، وَظَهْرُ الْحَيَوَانِ أَقْرَبُ إلَى التَّزَلْزُلِ وَعَدَمِ الْقَرَارِ مِنْ جَمَادٍ مُعْظَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ فَهِيَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْوَاقِفَةِ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ، وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي أُرْجُوحَةٍ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ شِهَابٍ: وَمِثْلُهَا زَوْرَقٌ صَغِيرٌ وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي أُرْجُوحَةٍ، وَلَا مِنْ مُعَلَّقٍ فِي الْهَوَاءِ وَسَاجِدٍ عَلَى هَوَاءٍ أَوْ مَاءٍ قُدَّامَهُ، أَوْ عَلَى حَشِيشٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ ثَلْجٍ، وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُسْتَقَرِّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. فَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي السَّفِينَةِ: يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِلصَّلَاةِ، زَادَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا يُحَاذِي الصَّدْرَ مُقِرًّا فَلَوْ حَاذَاهُ رَوْزَنَةً وَنَحْوَهَا صَحَّتْ، بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى قُطْنٍ مُنْتَفِشٍ لَمْ تَصِحَّ. [قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ] تَنْبِيهٌ: اشْتَمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ {وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا} عَلَى مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ، وَالْمَفْهُومُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ، وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ فَالْمَنْطُوقُ: جَوَازُ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ مُطْلَقًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا غَيْرَ نُزْهَةٍ وَلَا فُرْجَةٍ اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي؛ لِأَنَّهُ لَهْوٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ وَلَا حَاجَةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إذَا سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ مُكَاثِرًا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ فِي سَفَرِهِ مُبَاحًا جَازَ الْقَصْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي قَصْدِهِ، أَوْ غَلَبَ الْحَظْرُ: لَمْ يَقْصُرْ قَوْلًا وَاحِدًا. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مُحَرَّمٍ، امْتَنَعَ الْقَصْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ [وَالنَّظْمِ] وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُحَرَّمَ إلَى مُبَاحٍ كَمَا لَوْ تَابَ، وَقَدْ بَقِيَ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَلَهُ الْقَصْرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا يَقْصُرُ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ وَلَوْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّرَخُّصُ لِلزَّانِي إذَا غُرِّبَ، وَلِقَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا شُرِّدَ، وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَالْفُرُوعِ، وَكَلَامُهُ فِيهِ بَعْضُ تَعْقِيدٍ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّرَخُّصُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ لِلْمُسَافِرِ مُكْرَهًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْأَسِيرِ، وَعَنْهُ لَا يَقْصُرُ الْمُكْرَهُ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: إنْ أُكْرِهَ عَلَى سَفَرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَصَرَ، وَفِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَقْصُرُ، وَمَتَى صَارَ الْأَسِيرُ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ أَتَمَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يَقْصُرُ.

الرَّابِعَةُ: تَقْصُرُ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ تَبَعًا لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، فِي نِيَّتِهِ وَسَفَرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَفِيهَا وَجْهٌ فِي النَّوَادِرِ: لَا قَصْرَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، لَكِنْ قَالَ: الْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَشْهَرُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: تُعْتَبَرُ نِيَّةُ مَنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ قَالَ: وَالْجَيْشُ مَعَ الْأَمِيرِ، وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ، إنْ كَانَ رِزْقُهُمْ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ، فَفِي أَيِّهِمَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِزْقُهُمْ فِي مَالِهِمْ كَالْأَجِيرِ وَالْعَبْدِ لِشَرِيكَيْنِ تُرَجَّحُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا. الْخَامِسَةُ: يَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ حَبَسَهُ مَرَضٌ، أَوْ مَطَرٌ وَنَحْوُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ سَفَرِهِ؛ لِوُجُودِ صُورَةِ الْإِقَامَةِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: كَقَصْرِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ السَّفَرِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَمَّا الْمَفْهُومُ: فَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ سَفَرُهُ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا، كَسَفَرِ الْحَجِّ، وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ، وَزِيَارَةِ الْإِخْوَانِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَزِيَارَةِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ وَالْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ: يَشْمَلُ قِسْمَيْنِ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْقَصْرِ فِيهِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ، وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ اخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةً، وَقَالَ: هِيَ أَظْهَرُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: لَهُ تُبْ وَكُلْ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْحَجْرِ إذَا سَافَرَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَحِلُّ فِي سَفَرِهِ، أَوْ هُوَ حَالٌّ: هَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَتَرَخَّصُ مَنْ قَصَدَ مَشْهَدًا أَوْ مَسْجِدًا غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ قَصَدَ قَبْرًا غَيْرَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْت: أَوْ نَبِيٍّ غَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ بِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَاصِدُ الْمَشَاهِدِ وَزِيَادَتُهَا لَا يَتَرَخَّصُ انْتَهَى. [وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ] وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ التَّرَخُّصِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي السَّفَرِ إلَى الْمَشَاهِدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا سَافَرَ سَفَرًا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ، وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

فَظَاهِرُهُمَا: جَوَازُ الْمَسْحِ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ. قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: وَيُسَنُّ لِمُسَافِرٍ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ. انْتَهَى. وَمَنْ يُجِيزُ الْقَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى قَوْلُهُ {يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا} الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ: أَنْ تَكُونُ مَسَافَةُ السَّفَرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا بَرًّا أَوْ بَحْرًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عِشْرِينَ فَرْسَخًا. حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَمَنْ بَعْدَهُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْقَصْرِ فِي مَسَافَةِ فَرْسَخٍ، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ حَدَّ فَتَحْدِيدُهُ بِبَرِيدٍ أَجْوَدُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لَا حُجَّةَ لِلتَّحْدِيدِ، بَلْ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ، إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَنَّ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ: تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْرِيبٌ، وَهُوَ أَوْلَى قُلْت: هَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْمَسَافَةُ تَحْدِيدٌ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْأَمْيَالُ تَحْدِيدٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. الثَّانِيَةُ: السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا يَوْمَانِ قَاصِدَانِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ. وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ، وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ. وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ. وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ: الْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِالْوَاسِطِيِّ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: هُوَ أَلْفُ خُطْوَةٍ بِخُطَى الْجَمَلِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ أَلْفَا خُطْوَةٍ، ثُمَّ قَالَ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بِاخْتِلَافِ خُطْوَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْمِيلُ أَلْفُ بَاعٍ كُلُّ بَاعٍ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فَقَطْ، كُلُّ ذِرَاعٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا، كُلُّ إصْبَعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بُطُونِ بَعْضٍ، عُرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتِ بِرْذَوْنٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ، فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: وَقِيلَ: الْمِيلُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ قَالَ: الذِّرَاعُ الَّذِي ذَكَرَ: قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا: فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ: خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا قَالَ: وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةُ قَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ إلَيْهَا. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِيلُ مِنْ الْأَرْضِ: مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ، وَقِيلَ: حَدُّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّخْصِ فِي أَرْضٍ مُسَطَّحَةٍ، فَلَا يَدْرِي: هُوَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَهُوَ ذَاهِبٌ أَمْ هُوَ آتٍ؟ الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَسَافَةَ، حَكَاهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ قَالَ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَوْ شَكَّ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَقْصُرْ فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ رَجَعَ: لَمْ يَقْصُرْ وَلَوْ بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ: الْقَصْرَ بِبُلُوغِ الْمَسَافَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. كَنِيَّةِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ يَجْهَلُ مَسَافَتَهُ ثُمَّ عَلِمَهَا، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بَعْدَ عِلْمِهِ كَجَاهِلٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً.

وَيَأْتِي إذَا سَافَرَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ سَفَرًا طَوِيلًا، ثُمَّ كُلِّفَ فِي أَثْنَائِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ". الْخَامِسَةُ: لَا يَقْصُرُ سَائِحٌ وَلَا هَائِمٌ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قَالَ فِي الْكُبْرَى: لَا يَتَرَخَّصُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ: كَذَا لَا يَتَرَخَّصُ تَائِهٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ كَغَيْرِهِمْ إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: لَا يُجْمِعُونَ وَلَا يَقْصُرُونَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ لَهُمْ فَيُعَايَى بِهَا وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ الْجَمْعِ فَقَطْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ} أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُفَارِقَ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ وَالْخَرِبَةَ، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَارِقَ الْبُيُوتَ الْخَرِبَةَ، بَلْ لَهُ الْقَصْرُ إذَا فَارَقَ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ، سَوَاءٌ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَرِبَةٌ أَوْ الْبَرِّيَّةُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَمَّا إنْ وَلِيَ الْبُيُوتَ الْخَرِبَةَ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ: فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْبُيُوتِ الْخَرِبَةِ وَالْعَامِرَةِ الَّتِي تَلِيهَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْخَرَابَ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ وَلَوْ فِي فَصْلِ النُّزْهَةِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إلَّا إذَا فَارَقَ الْبُيُوتَ، سَوَاءٌ كَانَتْ دَاخِلَ السُّورِ أَوْ خَارِجَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ إذَا فَارَقَ سُورَ بَلَدِهِ، وَلَوْ لَمْ يُفَارِقْ الْبُيُوتَ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ الْقَصْرِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ بَلَدٌ آخَرُ أَوْ لَا، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِصَالَهُ وَلَوْ بِذِرَاعٍ، مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ: لَا يَتَّصِلُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِذَا تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ أَوْ حُلَّتَانِ فَهُمَا كَوَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَبَاعَدَنَا فَلَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ بَرَزُوا بِمَكَانٍ لِقَصْدِ الِاجْتِمَاعِ، ثُمَّ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُنْشِئُونَ السَّفَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلَا قَصْرَ حَتَّى يُفَارِقُوهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْصُرُونَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي سُكَّانِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إلَيْهِ عُرْفًا، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْمَعَالِي، وَأَبُو الْوَفَاءِ مُفَارَقَةَ مَنْ صَعِدَ جَبَلًا: الْمَكَانَ الْمُحَاذِيَ لِرُءُوسِ الْحِيطَانِ وَمُفَارَقَةَ مَنْ هَبَطَ: لِأَسَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرَ مُفَارَقَةَ الْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً اعْتَبَرَ هُنَا مُفَارَقَةَ سَمْتِهَا. قَوْلُهُ {وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ} ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ قَوْلُهُ {وَإِنْ أَتَمَّ} {جَازَ} يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ، وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي الْإِتْمَامُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْإِتْمَامُ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَنَفُّلٌ،

لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ فِيهِمَا، وَهُوَ مُتَمَشٍّ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْقَصْرِ، وَيَأْتِي عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ: هَلْ الْأَصْلُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَرْبَعٌ أَوْ رَكْعَتَانِ.؟ فَائِدَةٌ: يُوتِرُ فِي السَّفَرِ، وَيُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ أَيْضًا، وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسَنُّ تَرْكُ التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ الْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: التَّطَوُّعُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي التَّخْيِيرَ فِي النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ. قُلْت: هُوَ فِعْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَتَطَوَّعُ أَفْضَلُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا بَأْسَ بِتَنَفُّلِ الْمُسَافِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ أَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ: لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ فِيهِمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ أَوْقَعَ بَعْضَ صَلَاتِهِ مُقِيمًا كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ أَتَمَّ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلًا لِمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَقِيلَ: إنْ نَوَى الْقَصْرَ، مَعَ عِلْمِهِ بِإِقَامَتِهِ فِي أَثْنَائِهَا، صَحَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ مَسَحَ فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَتْ فِي الْأَشْهَرِ؛ لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَلَى مُقِيمٍ ثُمَّ سَافَرَ: أَتَمَّهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَقْصُرُ اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، كَقَضَاءِ الْمَرِيضِ مَا تَرَكَهُ فِي الصِّحَّةِ نَاقِصًا، وَكَوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي عَتَقَ بَعْدَ

الزَّوَالِ. وَكَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقِيلَ: إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقْصُرْ، وَعَنْهُ إنْ فَعَلَهَا فِي وَقْتِهَا قَصَرَ. اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَصَرَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا، ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ: أَجْزَأَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا بِتَيَمُّمٍ، ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ {وَإِذَا ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ، أَوْ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ} هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ يَقْصُرُ أَيْضًا فِي عَكْسِهَا، اعْتِبَارًا بِحَالَةِ أَدَائِهَا. كَصَلَاةِ صِحَّةٍ فِي مَرَضٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ {أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، أَوْ بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ: لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إلَّا إذَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ فَعَلَيْهَا يَقْصُرُ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فِي الْجُمُعَةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتِمُّ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ يَقْصُرُ مُطْلَقًا، كَمَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ إيقَاعَهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ، كَمَنْ نَوَى الْقَصْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ، لِنِيَّتِهِ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ ابْتِدَاءً. كَنِيَّةِ مُقِيمٍ الْقَصْرَ وَنِيَّةِ مُسَافِرٍ، وَعَقَدَ الظُّهْرَ خَلْفَ إمَامِ جُمُعَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِتْمَامِ تَعْيِينُهُ بِنِيَّةٍ فَيُتِمُّ تَبَعًا. كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ

عَالِمٍ، وَإِنْ صَحَّ الْقَصْرُ بِلَا نِيَّةِ قَصْرٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ فِي الْعَبْدِ إنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَنَوَى الْقَصْرَ: لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُتَّجَهُ أَنْ تُجْزِئَهُ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَإِنْ ائْتَمَّ مَنْ يَقْصُرُ الظُّهْرَ بِمُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ يُصَلِّي الصُّبْحَ: أَتَمَّ. قَوْلُهُ {أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا فَفَسَدَتْ وَأَعَادَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ} إذَا أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا فَفَسَدَتْ إنْ كَانَ فَسَادُهَا وَإِعَادَتُهَا عَنْ غَيْرِ حَدَثِ الْإِمَامِ، لَزِمَهُ إتْمَامُهَا، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهَا لِكَوْنِ الْإِمَامِ بَانَ مُحْدِثًا بَعْدَ السَّلَامِ: لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ أَيْضًا، وَإِنْ بَانَ مُحْدِثًا قَبْلَ السَّلَامِ: فَفِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ بَانَ مُحْدِثًا مُقِيمًا مَعًا قَصَرَ، وَكَذَا إنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوَّلًا، لَا عَكْسُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ خَائِفٌ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً، ثُمَّ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا، لَزِمَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِتْمَامُ لِائْتِمَامِهِمْ بِمُقِيمٍ، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى: فَإِنْ نَوَوْا مُفَارَقَةَ الْأَوَّلِ قَصَرُوا، وَإِنْ لَمْ يَنْوُوا مُفَارَقَتَهُ أَتَمُّوا، لِائْتِمَامِهِمْ بِمُقِيمٍ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ ائْتَمَّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ جَاهِلًا حَدَثَ نَفْسِهِ بِمُقِيمٍ، ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ لَهُ. قَوْلُهُ {أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ} يَعْنِي عِنْدَ الْإِحْرَامِ {لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ} .

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ: أَنْ يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَحْتَاجُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ إلَى نِيَّةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْقَصْرِ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَالنُّصُوصُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْقَصْرَ أَصْلٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّتِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ وَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَيَتَخَيَّرُ مُطْلَقًا كَالصَّوْمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت قَدْ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ فِعْلُ الْأَصْلِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْأَرْبَعِ وَجَوَّزَ لَهُ تَرْكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْأَصْلُ، وَوَقَعَتْ الْأَرْبَعُ فَرْضًا أَوْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي حَقِّهِ رَكْعَتَانِ، وَجَوَّزَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ فَلَهُ فِعْلُ الْأَصْلِ، وَهُوَ رَكْعَتَانِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا: الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي: أَظُنُّهُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ إذَا ائْتَمَّ بِهِ مُقِيمٌ: هَلْ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ هُوَ كَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ؟ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ إمَامَهُ إذَنْ مُسَافِرٌ، وَلَوْ بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ عَمَلًا بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت: لَمْ يَضُرَّ ثُمَّ فِي قَصْرِهِ إنْ سَبَقَ إمَامَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ وَجْهَانِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ] قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَهُ الْقَصْرُ فِي الْأَصَحِّ [وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ] . فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُمْ بِاقْتِدَائِهِمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ تَحْرِيمَتِهِ؛ وَلِأَنَّ قُدُومَ السَّفِينَةِ بَلَدَهُ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَتَقَدَّمَ إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ مُقِيمًا فِي الْخَوْفِ، وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مُقِيمٌ مُسَافِرًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ: قَصَرَ.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ: هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ ذَكَرَ فِيمَا بَعْدَ أَنَّهُ كَانَ نَوَى، لِوُجُودِ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ فِي بَعْضِهَا فَكَذَا فِي جَمِيعِهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِنْ التَّفْضِيلِ مَا يُقَالُ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ.؟ وَمِنْهَا: لَوْ ذَكَرَ مَنْ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا قَطَعَ، فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَتَمَّ وَأَتَى لَهُ بِرَكْعَتَيْنِ سِوَى مَا سَهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَلْغُو، وَلَوْ كَانَ مَنْ سَهَا إمَامًا بِمُسَافِرٍ تَابَعَهُ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ سَهْوَهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُتَابَعَتِهِ، وَيَتَخَرَّجُ لَا تَبْطُلُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ سَهْوًا: فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ، وَالزِّيَادَةُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ جَازَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَتَكُونُ الْأُولَيَانِ فَرْضًا، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا مَعَ بَقَاءِ نِيَّةِ الْقَصْرِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ، وَفِعْلُهُ دَلِيلُ بُطْلَانِ نِيَّةِ الْقَصْدِ. قَوْلُهُ {وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ طَرِيقٌ بَعِيدٌ وَطَرِيقٌ قَرِيبٌ فَسَلَكَ الْبَعِيدَ فَلَهُ الْقَصْرُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْصُرُ إلَّا لِغَرَضٍ لَا فِي سُلُوكِهِ سِوَى الْقَصْرِ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى سَفَرِ النُّزْهَةِ، وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ لَا يَقْصُرُ إنْ سَلَكَهُ لِيَقْصُرَ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ وَقُلْت: وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ رُخَصِ السَّفَرِ. قَوْلُهُ {أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي آخَرَ فَلَهُ الْقَصْرُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ

فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ ذَكَرَهَا فِي إقَامَةٍ مُتَخَلَّلَةٍ أَتَمَّ، وَقِيلَ: يَقْصُرُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ابْتِدَاءُ وُجُوبِهَا فِيهِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِقَامَةِ الْمُتَخَلَّلَةِ: الَّتِي يُتِمُّ فِيهَا الصَّلَاةَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا: إذَا كَانَ سَفَرًا وَاحِدًا. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ " وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ أَوْ عَكْسَهُ " وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ نَسِيَهَا فِي سَفَرٍ، ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ، ثُمَّ قَضَاهَا فِي سَفَرٍ آخَرَ: أَتَمَّهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ أَرَادَ هَذَا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ " وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي الْحَضَرِ ". تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ: أَنَّهُ يَقْصُرُ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ " أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ الْمُسَافِرُ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا، أَوْ ضَاقَ عَنْهَا: أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ

بِالنَّاسِي، وَمِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا يَعْنِي إذَا سَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُتِمُّ مَنْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَهَا بِلَا عُذْرٍ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا. وَقَاسَهُ عَلَى السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ، وَقَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ تُفْعَلَ فِي وَقْتِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ: إنْ سَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَمْ يَقْصُرْهَا؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَلَا تَثْبُتُ الرُّخْصَةُ مَعَ التَّفْرِيطِ فِي الْمُرَخَّصِ فِيهِ. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ مَأْخَذًا لِمَسْأَلَةِ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِعَدَمِ قَصْرِهَا وَجَزَمَ بِأَنَّهُ إذَا نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا: أَنَّهُ يَقْصُرُهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ كَوْنُهَا مُؤَدَّاةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَهُ لَمْ يَصِحَّ قَصْرُ الْمَنْسِيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: فِي قَوْلِ شَيْخِنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِمَا إذَا نَسِيَهَا، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ إنَّمَا قَالَ " إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا " وَأَنَّهُ مُقَاسٌ عَلَى السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ، وَأَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قَالَ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ الْحَلْوَانِيِّ قَصْرَهَا إذَا نَسِيَهَا: أَنْ يَقْصُرَهَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ لِلْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي مَسَائِلَ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ. انْتَهَى. وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمَجْدَ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهَا قَبْلَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ، وَلَوْ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ. وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ وَنَصَرَهُ فِي النُّكَتِ، وَرَدَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَجْدُ قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِ الْمَجْدِ: مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَمْدًا فِي السَّفَرِ وَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ، فَلَهُ الْقَصْرُ كَالنَّاسِي قَالَ: فَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَأْثَمِ. انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ نَحْوَهُ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَعُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ إتْمَامَ الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ فَقَالَ: وَهَكَذَا فِي الْحُكْمِ مَنْ إذَا تَرَكْ ... صَلَاتَهُ حَتَّى إذَا الْوَقْتُ انْفَرَكْ وَكَانَ عَمْدًا فَرْضُهُ الْإِتْمَامَ ... وَلَيْسَ كَالنَّاسِي يَا غُلَامَ وَهُوَ قَدْ قَالَ " هَيَّأْتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ " وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ {إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ} هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ، وَتَأَوَّلَ كُلَّ مَا خَالَفَهُ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَعَنْهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذِهِ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ.

وَعَنْهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُنَّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَحْسِبُ يَوْمَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمُدَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُحْسَبَانِ مِنْهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةً مُطْلَقَةً، أَوْ أَقَامَ بِبَادِيَةٍ لَا يُقَامُ بِهَا، أَوْ كَانَتْ لَا تُقَامُ فِيهَا الصَّلَاةُ: لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَقِيلَ: أَوْ غَيْرُهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: إقَامَةُ الْجَيْشِ لِلْغَزْوِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ وَإِنْ طَالَتْ. لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَ فِي النُّكَتِ: يُشْتَرَطُ فِي الْإِقَامَةِ الَّتِي لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ، إذَا نَوَاهَا: الْإِمْكَانُ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ لُبْثٍ وَقَرَارٍ فِي الْعَادَةِ فَعَلَى هَذَا: لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ لَمْ يَقْصُرْ، لِأَنَّ الْمَانِعَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي بَلْدَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: فَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِقَامَةُ فِيهَا أَصْلًا، كَالْمَفَازَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: إنَّ لَهُ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ، وَإِنَّهُ مُسَافِرٌ، مَا لَمْ يَجْمَعْ عَلَى إقَامَةٍ وَيَسْتَوْطِنُ. قَوْلُهُ {وَإِذَا أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ} قَصَرَ أَبَدًا. يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، وَلَا يَعْلَمُ فَرَاغَ الْحَاجَةِ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْقَصْرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَجُوزُ فِيهَا الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ

فوائد

الْقَصْرُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. [فَوَائِد] ُ. إحْدَاهَا: لَوْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَقِيتُ فُلَانًا فِي هَذَا الْبَلَدِ أَقَمْتُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا: لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا بِذَلِكَ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَلْقَهُ فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ لَقِيَهُ صَارَ مُقِيمًا إذَا لَمْ يَفْسَخْ نِيَّتَهُ الْأُولَى. فَإِنْ فَسَخَهَا قَبْلَ لِقَائِهِ، أَوْ حَالَ لِقَائِهِ: فَهُوَ مُسَافِرٌ. فَيَقْصُرُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَ لِقَائِهِ، فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْقَصْرِ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ قَبْلَ تَمَامِ الْإِقَامَةِ، هَلْ لَهُ الْقَصْرُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ. وَيَكُونُ كَالْمُبْتَدِئِ لَهُ كَمَا لَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ: يَقْصُرُ إذَا سَافَرَ، كَمَا لَوْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَنَقَلَهُ صَالِحٌ: أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ نَوَى السَّفَرَ. فَأَبْطَلَ النِّيَّةَ الْأُولَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَرَّ بِوَطَنِهِ أَتَمَّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَقْصُرُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ سِوَى الْمُرُورِ. وَلَوْ مَرَّ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ امْرَأَةٌ، أَوْ تَزَوَّجَ فِيهِ، أَتَمَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُتِمُّ أَيْضًا إذَا مَرَّ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَاشِيَةٌ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: أَوْ مَالٌ وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: لَا مَالَ مَنْقُولٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ بِهِ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ دَارٌ: قَصَرَ، وَفِي أَهْلِ غَيْرِهِمَا، أَوْ مَالٌ: وَجْهَانِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ فَارَقَ وَطَنَهُ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ بِقُرْبٍ لِحَاجَةٍ: لَمْ يَتَرَخَّصْ حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ رَجَعَ عَلَيْهِ لِغَرَضِ الِاجْتِيَازِ بِهِ فَقَطْ، لِكَوْنِهِ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمَجْدُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا " يَقْصُرُ الْمُجْتَازُ عَلَى وَطَنِهِ " فَيَقْصُرُ هُنَا فِي خُرُوجِهِ مِنْهُ أَوَّلًا، وَعَوْدِهِ إلَيْهِ وَاجْتِيَازِهِ بِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَافِي. انْتَهَى. وَإِذَا فَارَقَ أَوَّلًا وَطَنَهُ بِنِيَّةِ الْمُضِيِّ بِلَا عَوْدٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ لِحَاجَةٍ فَتَرَخُّصُهُ قَبْلَ نِيَّةِ عَوْدِهِ جَائِزٌ. وَبَعْدَهَا غَيْرُ جَائِزٍ، لَا فِي عَوْدِهِ وَلَا فِي بَلَدِهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَتَرَخَّصُ فِي عَوْدِهِ إلَيْهِ لَا فِيهِ، كَنِيَّةٍ طَارِئَةٍ لِلْإِقَامَةِ بِقَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إذَا دَخَلَ وَطَنَهُ، وَلَكِنْ يَقْصُرُ فِي عَوْدِهِ إلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: لَا يَنْتَهِي حُكْمُ السَّفَرِ بِبُلُوغِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرِ. وَقِيلَ: بَلَى. الْخَامِسَةُ: لَوْ سَافَرَ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ مِنْ كَافِرٍ وَحَائِضٍ سَفَرًا طَوِيلًا، ثُمَّ كُلِّفَ بِالصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ مُطْلَقًا فِيمَا بَقِيَ. وَقِيلَ: يَقْصُرُ إنْ بَقِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. السَّادِسَةُ: لَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ أَقَامَ بِهِ إقَامَةً مَانِعَةً: تَرَخَّصَ مُطْلَقًا حَتَّى فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، لِزَوَالِ نِيَّةِ إقَامَتِهِ. كَعَوْدِهِ مُخْتَارًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: كَوَطَنِهِ.

فَائِدَةٌ: كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا عَكْسَ. لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَقَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مَثَلًا فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ. أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْفِطْرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ يُعَايَى بِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ: أَنَّ مَنْ قَصَرَ جَمَعَ. لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ. قَالَ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ لَا يَجْمَعُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ: لَهُ الْجَمْعُ، لَا مَا زَادَ. وَقِيلَ لِلْقَاضِي: إذَا لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً لَا يَقْصُرُ، لِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ؟ فَقَالَ: لَا يُسَلَّمُ هَذَا، بَلْ لَهُ الْجَمْعُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ مَنْ قَصَرَ؟ قَالَ الْأَصْحَابُ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ هُوَ مُسَافِرٌ مَا لَمْ يَفْسَخْ، أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ، أَوْ يَتَزَوَّجُ، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى أَهْلٍ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعَةٌ: الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ، وَالْمَسْحُ، ثَلَاثًا، وَالْفِطْرُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فَإِنْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا. وَخَرَجَ عَنْ رُخْصَةِ السَّفَرِ، وَيَسْتَبِيحُ الرُّخْصَ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ إذَا نَوَى مَا دُونَهَا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَالْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ: لَهُ التَّرَخُّصُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمَلَّاحِ وَمَنْ فِي حِكْمَةِ كَوْنُ أَهْلِهِ مَعَهُ، فَلَا يَتَرَخَّصُ وَحْدَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ خِلَافُ نُصُوصِهِ. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ مَعَ عَدَمِ التَّرَخُّصِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لِتَفْوِيتِ رَمَضَانَ بِلَا فَائِدَةٍ، لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ، وَكَمَا تَقْعُدُ امْرَأَتُهُ مَكَانَهَا كَمُقِيمٍ.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمِثْلُ الْمَلَّاحِ مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَا وَطَنَ، وَلَا مَنْزِلَ يَقْصِدُهُ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَانٍ، وَلَا يَأْوِي إلَيْهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْهَائِمَ وَالسَّائِحَ وَالتَّائِهَ لَا يَتَرَخَّصُونَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْمُكَارِي وَالرَّاعِي وَالْفَيْجُ وَالْبَرِيدُ وَنَحْوُهُمْ: كَالْمَلَّاحِ لَا يَتَرَخَّصُونَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: عَنْهُ يَتَرَخَّصُونَ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَخَّصْ الْمَلَّاحُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ لَا. لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ مَشْقُوقٌ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ الْمَلَّاحِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، الثَّانِيَةُ: الْفَيْجُ بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ السَّاكِنَةِ، وَالْجِيمِ رَسُولُ السُّلْطَانِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: رَسُولُ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ رَاجِلًا. وَقِيلَ: هُوَ السَّاعِي.، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَقِيلَ: هُوَ الْبَرِيدُ. قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ. وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا. لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: السَّفَرِ الطَّوِيلِ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ: أَنْ تَكُونَ مُدَّتُهُ مِثْلَ مُدَّةِ الْقَصْرِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ: وَيَجُوزُ أَيْضًا الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ. وَأَطْلَقَهُمَا. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ الْجَمْعُ " أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ. وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ الْجَمْعُ أَفْضَلُ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ، كَجَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ.

قَوْلُهُ (فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى كَالثَّانِيَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ إلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، إذَا كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً. وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا لِسَائِرٍ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِ: أَنَّ صِفَةَ الْجَمْعِ: فِعْلُ الْأُولَى آخَرَ وَقْتِهَا وَفِعْلُ الثَّانِيَةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحَاجَةِ، لَا أَنَّهُ مَنْ رُخَصِ السَّفَرِ الْمُطْلَقَةِ كَالْقَصْرِ. وَقَالَ أَيْضًا: فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ. لِأَنَّا لَا نَثِقُ بِدَوَامِ الْمَطَرِ إلَى وَقْتِهَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ جَمْعُ الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " السَّفَرِ الطَّوِيلِ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمَكِّيِّ وَمَنْ قَارَبَهُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ [أَكْثَرُ] الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْجَمْعِ لَهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا أَوَّلَ الْبَابِ فِي الْقَصْرِ. قَوْلُهُ (وَالْمَرَضُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِتَرْكِ الْجَمْعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمَرَضِ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْن فِي تَمَامِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ جَازَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ، وَإِلَّا فَلَا.

فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمَرَضِ لِلْمَشَقَّةِ بِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هُوَ كَمَرِيضٍ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ أَيْضًا لِعَاجِزٍ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالتَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَالْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَعَنْهُ إنْ اغْتَسَلَتْ لِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْجَمْعُ إلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ أَيْضًا لِلْعَاجِزِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ، كَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ. وَمِنْهَا: مَا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمَنْ لَهُ شَغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ حَرَمِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُشَيْشٍ: الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ إذَا كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ مِثْلُ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ. قَالَ الْقَاضِي: أَرَادَ بِالشُّغْلِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْذَارَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ كُلَّهَا تُبِيحُ الْجَمْعَ. وَقَالَا أَيْضًا: الْخَوْفُ يُبِيحُ الْجَمْعَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ. وَأَوْلَى، لِلْخَوْفِ عَلَى ذَهَابِ النَّفْسِ وَالْمَالِ مِنْ الْعَدُوِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَشَرْحِهِ، [وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ] مُرَادَ الْقَاضِي غَيْرُ غَلَبَةِ النُّعَاسِ. قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ. فَقَالَ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِمَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، عَدَا نُعَاسٍ وَنَحْوِهِ.

وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ كَلَامِ الْقَاضِي قُلْت: إلَّا النُّعَاسَ. وَجَزَمَ فِي التَّسْهِيلِ بِالْجَوَازِ فِي كُلِّ مَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيَّ الدِّينِ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّنْ يُخْشَى فَسَادُ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ بِتَرْكِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ (وَالْمَطَرُ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ) . وَمِثْلُهُ: الثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَالْجَلِيدُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الْجَمْعِ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِشَرْطِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ " أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبُلَّ الثِّيَابَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلطَّلِّ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ جَمْعَ الْمَطَرِ يَخْتَصُّ الْعِشَاءَيْنِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِيهَا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَجُوزُ الْجَمْعُ كَالْعِشَاءَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينُ وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَالتَّسْهِيلِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالطُّوفِيِّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَعَلَى الثَّانِي: لَا يَجْمَعُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْعَصْرِ [فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ] قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ: ذَكَرُوهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي هُنَاكَ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْوَحْلِ؟) . عَلَى وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَصْحَابُنَا: الْوَحْلُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا. وَالْمُبْهِجُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالتَّسْهِيلُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ خَاصَّةً. وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا كَانَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَمْ يُقَيِّدْ الْجُمْهُورُ الْوَحْلَ بِالْبَلَلِ. وَذَكَرَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا وَغَيْرُهَا: أَنَّ الْجَوَازَ مُخْتَصٌّ بِالْبَلَلِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قُلْنَا يَجُوزُ لِلْوَحِلِ، فَمَحَلُّهُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. فَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَطَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْجَوَازَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجْلِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ؟) عَلَى وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي الْوَحْلِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْعِشَاءَيْنِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. زَادَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي: مَعَ ظُلْمَةٍ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ كَالْمُصَنِّفِ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ) ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ نَالَهُ شَيْءٌ يَسِيرٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، فَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَنَصَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرِينَ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَيَجُوزُ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ لَيْلًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْجَمْعُ هُنَا لِمَنْ خَافَ فَوْتَ مَسْجِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ جَمَعَ. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي يَجْمَعُ الْإِمَامُ. وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْجَمْعِ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ، وَلِلصَّلَاةِ فِي حَمَّامٍ مَعَ جَوَازِهَا فِيهِ خَوْفَ فَوْتِ الْوَقْتِ، وَلِخَوْفٍ يَخْرُجُ فِي تَرْكِهِ أَيُّ مَشَقَّةٍ.

قَوْلُهُ (وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ: مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أَوْ تَقَدُّمُ الثَّانِيَةِ إلَيْهَا) . هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَقِيلَ: يَفْعَلُ الْمَرِيضُ الْأَرْفَقَ بِهِ، مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ. زَادَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ، فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ إلَّا فِي جَمْعِ الْمَطَرِ. فَإِنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ. وَعَنْهُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَوَاشِي. وَقَالَ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ السَّفَرِ. وَقَالَ فِي رَوْضَةِ الْفِقْهِ: الْأَفْضَلُ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ: التَّأْخِيرُ. وَقِيلَ: جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إنْ كَانَ سَائِرًا فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنْزِلِ فَالْأَفْضَلُ التَّقْدِيمُ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ الِارْتِحَالَ فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَلَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ النُّزُولُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ: أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَجَمْعُ التَّأْخِيرِ أَفْضَلُ فِي غَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ، لِأَنَّا لَا نَثِقُ بِدَوَامِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. قُلْت: ذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ وَجْهًا بِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ مُؤَخَّرًا بِعُذْرٍ الْمَطَرِ. نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ عِنْدَهُ: فَلَوْ اسْتَوَيَا، فَقَالَ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: الْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ فِي الْمَرَضِ، وَفِي الْمَطَرِ التَّقْدِيمُ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَرَضِ. قَوْلُهُ (وَلِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: نِيَّةُ الْجَمْعِ) يَعْنِي أَحَدَهَا: نِيَّةُ الْجَمْعِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِلْجَمْعِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (عِنْدَ إحْرَامِهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ إحْرَامِ الصَّلَاةِ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُجْزِئَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا) وَهُوَ وَجْهٌ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَفِي وَقْتِ نِيَّةِ الْجَمْعِ هَذِهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يَنْوِي الْجَمْعَ فِي أَيِّ جَزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ الْأُولَى، مِنْ حِينِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا، وَقَبْلَ إحْرَامِ الثَّانِيَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ. وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ إحْرَامِ الثَّانِيَةِ. اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: مَحَلُّ النِّيَّةِ إحْرَامُ الثَّانِيَةِ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ إحْرَامِ الْأُولَى وَإِحْرَامِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَتَى قُلْنَا:

مَحَلُّ النِّيَّةِ الْأُولَى، فَهَلْ تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَمَتَى قُلْنَا مَحَلُّ النِّيَّةِ الْأُولَى: لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: تَجِبُ. قَوْلُهُ (وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ. وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ " لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ " وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ. وَأَخَذَهُ أَيْضًا: مِنْ نَصِّهِ فِي جَمْعِ الْمَطَرِ إذَا صَلَّى إحْدَاهُمَا فِي بَيْتِهِ، وَالصَّلَاةُ الْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا بَأْسَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ " هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. زَادَ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا: لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ إذَا أَحْدَثَ. وَالتَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، أَوْ ذِكْرٍ يَسِيرٍ، مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ: الْمَرْجِعُ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ. لَا حَدَّ لَهُ سِوَى ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ، وَقَدَّمَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ إلَى الْعُرْفِ وَإِنَّمَا قَرُبَ تَحْدِيدُهُ بِالْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْإِقَامَةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْوُضُوءِ فِيهِ. وَهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ. وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ غَالِبًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ،

وَلَا إلَى أَكْثَرِ مِنْ زَمَنِهِ. انْتَهَيَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُرْفًا، أَوْ أَزْيَدَ مِنْ قَدْرِ وُضُوءٍ مُعْتَادٍ، أَوْ إقَامَةِ صَلَاةٍ: بَطَلَ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ الْمُوَالَاةُ. وَقَالَ: مَعْنَاهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ وَلَا كَلَامٍ، لِئَلَّا يَزُولَ مَعْنَى الِاسْمِ. وَهُوَ الْجَمْعُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الثَّانِيَةِ وَقُلْنَا: تَبْطُلُ بِهِ فَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُطِلْ، فَفِي بُطْلَانِ جُمْعِهِ احْتِمَالَانِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَجْهًا: أَنَّ الْجَمْعَ يُبْطِلُهُ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ خَفِيفًا. فَأَمَّا مَنْ طَالَ وُضُوءُهُ، بِأَنْ يَكُونُ الْمَاءُ مِنْهُ عَلَى بُعْدٍ، بِحَيْثُ يَطُولُ الزَّمَانُ. فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَمْعُهُ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ الرِّعَايَةِ الْمُتَقَدِّمِ إيمَاءٌ إلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا) (بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: أَظْهَرُ الْقَوْلِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْبُطْلَانِ إلْحَاقًا لِلسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ لِتَأَكُّدِهَا. وَأَمَّا صَلَاةُ غَيْرِ الرَّاتِبَةِ: فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَجُوزُ التَّنَفُّلُ أَيْضًا بَيْنَهُمَا. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ الْمُوَالَاةُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لَا يَشْتَرِطُ الْمُوَالَاةَ فِي الْجَمْعِ.

وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُطِلْ الصَّلَاةَ. فَإِنْ أَطَالَهَا بَطَلَ الْجَمْعُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْوُضُوءِ. فَائِدَةٌ: يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: إنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، لِبَقَاءِ الْوَقْتِ إذَنْ [وَيُصَلِّي فِي جَمْعٍ، وَلِتَقْدِيمِ سُنَّةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي: أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ. وَذَكَرَ الْأَوَّلَ احْتِمَالًا] . قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَمْ لَا. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعُذْرِ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَثَرَ لِانْقِطَاعِهِ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى إذَا عَادَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ الْأُولَى. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ أَحْرَمَ بِالْأُولَى مَعَ قِيَامِ الْمَطَرِ، ثُمَّ انْقَطَعَ، وَلَمْ يَعُدْ. فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَحَلَّ بَطَلَ الْجَمْعُ، وَإِلَّا إنْ حَصَلَ مِنْهُ وَحَلَّ وَقُلْنَا: يَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِهِ لَمْ

تَبْطُلُ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ حَصَلَ بِهِ وَحَلَّ، فَوَجْهَانِ، انْتَهَى. وَلَوْ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ مُسَافِرٌ لِأَجْلِ السَّفَرِ. فَزَالَ سَفَرُهُ وَوُجِدَ وَحْلٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ مَطَرٌ، بَطَلَ الْجَمْعُ. وَمِنْهَا: يُعْتَبَرُ بَقَاءُ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، حَتَّى يَفْرُغُ مِنْ الثَّانِيَةِ. فَلَوْ قَدِمَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ صَحَّ، أَوْ أَقَامَ. بَطَلَ الْجَمْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالْقَصْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَقَالَ: وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الثَّانِيَةِ فَيُتِمُّهَا نَفْلًا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ. كَانْقِطَاعِ الْمَطَرِ فِي الْأَشْهَرِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ نَتِيجَةَ الْمَطَرِ وَحْلٌ فَتَبِعَهُ. وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ يَخْلُفُهُ عُذْرٌ مُبِيحٌ. وَهُوَ الْوَحْلُ. بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. انْتَهَى. وَمِنْهَا: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ شُرُوطٍ، وَبَقِيَ شَرْطٌ رَابِعٌ. وَهُوَ التَّرْتِيبُ، لَكِنْ تَرَكَهُ لِوُضُوحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّارِحُ: مَتَى جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى. وَمَوْضِعُهَا فِي وَقْتِ الْأُولَى: مِنْ أَوَّلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيهَا. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ: اُشْتُرِطَتْ نِيَّةُ الْجَمْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى بِقَدْرِهَا، لِفَوَاتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ. وَهُوَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَهُمَا. وَقَالَهُ غَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يَصِحُّ وَلَوْ بَقِيَ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ مِنْ وَقْتِهَا أَوْ رَكْعَةٍ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي

الْعُقُودِ: وَقْتُ النِّيَّةِ إذَا أَخَّرَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى قَدْرُ مَا يَنْوِيهَا فِيهِ. لِأَنَّهُ بِهِ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا أَدَاءً. قَوْلُهُ (وَاسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ) . مُرَادُهُ غَيْرُ التَّرْتِيبِ. فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَعَلَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي: أَصْلًا لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِالنِّسْيَانِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ. لِأَنَّ إحْدَاهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهِمَا. كَالْفَوَائِتِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ: التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرٌ هُنَا، لَكِنْ بِشَرْطِ الذِّكْرِ، كَتَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ مِنْهَا تَخْرِيجًا بِالسُّقُوطِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِضِيقِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، كَفَائِتَةٍ مَعَ مُؤَدَّاةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ لَهَا أَدَاءً، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. تَنْبِيهٌ: أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ) الْمُوَالَاةُ. فَلَا تُشْتَرَطُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ. فَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَمْدًا، وَتَكُونُ الْأُولَى قَضَاءً. وَلَا يَقْصُرُهَا الْمُسَافِرُ. وَقَدَّمَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ: فَصَحِيحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. كَمَا لَوْ صَلَّى الْأُولَى فِي وَقْتِهَا مَعَ نِيَّةِ الْجَمْعِ، ثُمَّ تَرَكَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ مَنْعُهُ. فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ اتِّخَاذُ الْإِمَامِ وَلَا الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ الْجَمْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

فصل في صلاة الخوف

الْمَذْهَبِ، فَلَوْ صَلَّى الْأُولَى وَحْدَهُ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، أَوْ تَعَدَّدَ الْإِمَامُ بِأَنْ صَلَّى بِهِمْ الْأُولَى، وَصَلَّى الثَّانِيَةَ إمَامٌ آخَرُ أَوْ تَعَدَّدَ الْمَأْمُومُ فِي الْجَمْعِ، بِأَنْ صَلَّى مَعَهُ مَأْمُومٌ فِي الْأُولَى. وَصَلَّى فِي الْأُخْرَى مَأْمُومٌ آخَرُ. أَوْ نَوَى الْجَمْعَ الْمَعْذُورَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. كَمَنْ نَوَى الْجَمْعَ خَلَفَ مَنْ لَا يَجْمَعُ أَوْ بِمَنْ لَا يَجْمَعُ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا صَلَّى إحْدَى صَلَاتَيْ الْجَمْعِ فِي بَيْتِهِ، وَالْأُخْرَى مَعَ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ (وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ عَدَمَ اتِّخَاذِهِ الْإِمَامَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُعْتَبَرُ اتِّخَاذُهُ الْمَأْمُومَ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْتَبَرُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ اتِّخَاذُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. [فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ] قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، أَوْ سِتَّةٍ. كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلَهُ) . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. (فَمِنْ ذَلِكَ: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ) ، (صَفَّ الْإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ خَلَفَهُ صَفَّيْنِ) . يَعْنِي فَأَكْثَرَ. فَهَذِهِ صِفَةُ مَا صَلَّى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي عُسْفَانَ. (فَيُصَلِّي بِهِمْ جَمِيعًا إلَى أَنْ يَسْجُدَ، فَيَسْجُدُ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَيَحْرُسُ الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ، فَيَسْجُدُ وَيَلْحَقُهُ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّ الصَّفَّ الْمُؤَخَّرَ هُوَ الَّذِي يَحْرُسُ أَوَّلًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّف. قَالَ فِي النُّكَتِ: هُوَ الصَّوَابُ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالتَّسْهِيلِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَحْرُسُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ أَوَّلًا. لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَإِنْ صَفَّ فِي نَوْبَةِ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَكُونُ كُلُّ صَفٍّ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ. وَقِيلَ: أَوْ أَقَلَّ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ كَانَ أَوْلَى، لِلتَّسْوِيَةِ فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَفْضَلِيَّةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَرَسَ بَعْضُ الصَّفِّ، أَوْ جَعَلَهُمْ الْإِمَامُ صَفًّا وَاحِدًا جَازَ. الرَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرُسَ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. الْخَامِسَةُ: يُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ هَذِهِ الصِّفَةِ: أَنْ لَا يَخَافُوا كَمِينًا، وَأَنْ يَكُونَ قِتَالُهُمْ مُبَاحًا، سَوَاءٌ كَانَ حَضَرَا أَوْ سَفَرًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ الْكُفَّارَ لِخَوْفِ هُجُومِهِمْ قَوْلُهُ (الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ) : (جَعَلَ طَائِفَةً حِذَاءَ الْعَدُوِّ) .

بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الطَّائِفَةِ: أَنْ تَكْفِيَ الْعَدُوَّ. زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّائِفَةِ عَدَدٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيُّ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. لِإِطْلَاقِهِمْ الطَّائِفَةَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْقِيَاسُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ عَدَدٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحُدُودِ مِقْدَارُ الطَّائِفَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ فَرَّطَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَوْ فِيمَا فِيهِ حَظٌّ لِلْمُسْلِمِينَ: أَثِمَ، وَيَكُونُ قَدْ أَتَى صَغِيرَةً. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [تَبَعًا لِصَاحِبِ الْفُصُولِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَهَا عَلَى الْأَشْبَهِ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ] . وَقِيلَ: يَفْسُقُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ. كَالْمُودَعِ وَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ إذَا فَرَّطَ فِي الْأَمَانَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: وَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَبْنِيَّةً عَلَى إمَامَةِ الْفَاسِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَقَ قَطْعًا، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْمُودَعِ وَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ إذَا فَرَّطَ: هَذَا الْخِلَافُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (فَإِذَا قَامُوا إلَى الثَّانِيَةِ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى، وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ إلَى الْعَدُوِّ) . الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُتِمُّهَا لِنَفْسِهَا: تَقْرَأُ فِيهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ. وَتَنْوِي الْمُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا أَنْ تَسْجُدَ لِسَهْوِ إمَامِهَا الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ مُنْفَرِدَةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ ابْنُ حَامِدٍ: هِيَ مَنْوِيَّةٌ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ مَنْوِيَّةٌ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ فَيَسْجُدُونَ لِسَهْوِهِ فِيمَا أَدْرَكُوهُ وَفِيمَا فَاتَهُمْ كَالْمَسْبُوقِ. وَلَا يَسْجُدُونَ لِسَهْوِهِمْ، وَمَنَعَ أَبُو الْمَعَالِي انْفِرَادَهُ. فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ إمَامَهُ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ إمَامَتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " ثَبَتَ قَائِمًا " يَعْنِي يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ حَتَّى تَحْضُرُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ (وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ) . فَيَقْرَأُ الْإِمَامُ إذَا جَاءُوا الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ، وَإِنْ كَانَ قَرَأَ قَرَأَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ. وَلَا يُؤَخِّرُ الْقِرَاءَةَ إلَى مَجِيئِهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السُّكُوتُ، وَلَا التَّسْبِيحُ، وَلَا الدُّعَاءُ، وَلَا الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ. لَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِرَاءَةُ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ طَوِيلَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ " لَا يَجُوزُ " أَيْ يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: يَكْفِي إدْرَاكُهَا لِرُكُوعِهَا. وَيَكُونُ تَرْكُ الْإِمَامِ الْمُسْتَحَبَّ، وَفِي الْفُصُولِ: فَعَلَ مَكْرُوهًا. قَوْلُهُ (فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ وَسَلَّمَ بِهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي أَنَّهَا تُتِمُّ صَلَاتَهَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ، يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى

يُسَلِّمَ بِهِمْ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَوْ أَتَمَّتْ بَعْدَ سَلَامِهِ جَازَ. وَقِيلَ: تَقْضِي الطَّائِفَةُ بَعْدَ سَلَامِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: تَسْجُدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ لِسَهْوِهِ، وَلَا تُعِيدُهُ؛ لِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَمَسْبُوقٍ. وَقِيلَ: إنْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهَا، أَوْ سَهَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ. فَهَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ؟ وَإِذَا لَحِقُوهُ فِي التَّشَهُّدِ هَلْ يُعْتَبَرُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَأْخُوذٌ مِمَّنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ إذَا سَهَا فِيمَا يَأْتِي بِهِ، أَوْ سَهَا إمَامُهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ، أَوْ سَهَا الْمُنْفَرِدُ، ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَأَوْجَبَ أَبُو الْخَطَّابِ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْمَزْحُومِ؛ لِانْفِرَادِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْبَاقِي كَذَلِكَ. قَالَ الْمَجْدُ: وَانْفِرَادُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ انْفِرَادَ الْمَأْمُومِ بِمَا لَا يَقْطَعُ قُدْوَتَهُ، مَتَى سَهَا فِيهِ، أَوْ بِهِ حَمَلَهُ عَنْهُ الْإِمَامُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى: فَهِيَ فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ. إنْ سَهَا لَزِمَهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِ، وَسَجَدُوا لَهُ، وَإِنْ سَهَوْا لَمْ يَلْحَقْهُمْ حُكْمُ سَهْوِهِمْ. وَإِذَا فَارَقُوهُ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ لَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ. وَإِنْ سَهَوْا سَجَدُوا، قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ السَّهْوِ: أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ سَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْجُدُ. الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى قَطَعَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْآتِي بَعْدُ. وَفَضَّلُوهَا عَلَيْهِ. وَفَعَلَهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ.

الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الصِّفَةُ تُفْعَلُ وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ: مِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: كَوْنُ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْمَجْدُ: نَصُّ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ صَلَاةَ عُسْفَانَ. لِاسْتِئْثَارِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةَ عُسْفَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً) . بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ عَكْسُ الصِّفَةِ الْأُولَى صَحَّتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجٌ بِفَسَادِهَا مِنْ بُطْلَانِهَا إذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا. صَحَّ وَلَمْ يُخَرِّجْ فِيهَا فِي الْفُرُوعِ. وَخَرَّجَ ابْنُ تَمِيمٍ الْبُطْلَانَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُفَارِقُهُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّرْحِ، أَحَدُهُمَا: تُفَارِقُهُ عِنْدَ فَرَاغِ التَّشَهُّدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُفَارِقُهُ فِي الثَّالِثَةِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ جَالِسًا، يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ. فَإِذَا أَتَتْ. قَامَ زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: تُحْرِمُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَكُونُ الِانْتِظَارُ فِي الثَّالِثَةِ، فَيَقْرَأُ سُورَةً مَعَ الْفَاتِحَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَفِيهَا احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يُكَرِّرُ الْفَاتِحَةَ. فَائِدَةٌ: لَا تَتَشَهَّدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلُّ تَشَهُّدِهَا. وَقِيلَ: تَتَشَهَّدُ مَعَهُ، إنْ قُلْنَا تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، لِئَلَّا تُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ. قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا: تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ يُعَايَى بِهَا، لَكِنْ يَظْهَرُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُقَالَ: لَا تَتَشَهَّدُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَإِذَا قَضَتْ تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ. وَيُتَصَوَّرُ فِي الْمَغْرِبِ أَيْضًا سِتُّ تَشَهُّدَاتٍ بِأَنْ يُدْرِكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، فَيَتَشَهَّدَ مَعَهُ. وَيَكُونُ عَلَى الْإِمَامِ سُجُودُ سَهْوٍ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. فَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ ثَلَاثُ تَشَهُّدَاتٍ. ثُمَّ يَقْضِي فَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ، وَفِي آخِرِ صَلَاتِهِ. وَلِسَهْوٍ لِمَا يَجِبُ سُجُودُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ، فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ) . لِمُفَارَقَتِهِمَا قَبْلَ الِانْتِظَارِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمُبْطِلُ. ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَى هَذَا التَّفْرِيقِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ (وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ إنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِنَا إنْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ لِحَاجَةٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْكُلِّ كَحَاجَتِهِمْ

إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَالْجَيْشُ أَرْبَعُمِائَةٍ. لِجَوَازِ الِانْفِرَادِ لِعُذْرٍ. وَالِانْتِظَارُ إنَّمَا هُوَ تَطْوِيلُ قِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَى، لِجَوَازِ مُفَارَقَتِهَا. بِدَلِيلِ جَوَازِ صَلَاتِهِ بِالثَّانِيَةِ الرَّكَعَاتِ الثَّلَاثَ. وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالثَّانِيَةُ لِانْفِرَادِهَا بِلَا عُذْرٍ. وَهُوَ مُبْطِلٌ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، لِدُخُولِهِمَا فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْكُلِّ بِنِيَّةِ صَلَاةٍ مُحَرَّمٍ ابْتِدَاؤُهَا. وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، لِانْصِرَافِهِمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَيَيْنِ. إنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ " أَنَّهُمَا إذَا جَهِلَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِشَرْطِ أَنْ يَجْهَلَ الْإِمَامُ أَيْضًا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ جَهْلُ الْإِمَامِ أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ لَمْ يَجْهَلْ الْإِمَامُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قِيلَ: لَا تَصِحُّ كَحَدَثِهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ جَهِلُوا، لِلْعِلْمِ بِالْمُفْسِدِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِنَا. وَالْجَهْلُ بِالْحُكْمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْحَدَثِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْجَمْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْرِيقُ لِحَاجَةٍ، وَلَمْ يَعْذُرْ الْمَأْمُومِينَ لِجَهْلِهِمْ، لَمْ يَبْعُدْ. قَوْلُهُ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِيَ إلَى الْعَدُوِّ، وَتَأْتِيَ الْأُخْرَى، فَيُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَةً، وَيُسَلِّمَ وَحْدَهُ. وَتَمْضِيَ هِيَ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُولَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إذَا أَتَمَّتْهَا الطَّائِفَةُ الْأُولَى تَلْزَمُهَا الْقِرَاءَةُ فِيمَا تَقْضِيهِ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ: لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهَا، بَلْ إنْ شَاءَتْ قَرَأَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَقْرَأْ. لِأَنَّهَا مُؤْتَمَّةٌ بِالْإِمَامِ حُكْمًا. انْتَهَى. وَلَوْ زَحَمَ الْمَأْمُومُ أَوْ نَامَ حَتَّى سَلَّمَ إمَامُهُ قَرَأَ فِيمَا يَقْضِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: لَا يَحْتَاجُ إلَى قِرَاءَةٍ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى قَوْلٍ فِيهِمَا. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: فَتَلْزَمُهَا الْقِرَاءَةُ فِيمَا تَقْضِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هَذِهِ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ: وَرَدَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ، وَلَيْسَتْ مُخْتَارَةً عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ، بَلْ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ: الْوَجْهُ الثَّانِي، كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَضَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى رَكْعَتَهَا حِينَ تُفَارِقُ الْإِمَامَ وَسَلَّمَتْ، ثُمَّ مَضَتْ، وَأَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ كَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحَّ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَوْلَى عِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ. قَوْلُهُ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً وَيُسَلِّمَ بِهَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ مَنَعْنَا اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ وَغَيْرِهِمْ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ فَعَلَهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ. قَوْلُهُ (الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً. وَتُصَلِّيَ

مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ. وَلَا يَقْضِيَ شَيْئًا. فَتَكُونُ لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَحِيحَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا تَصِحُّ، لِاحْتِمَالِ سَلَامِهِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَتَكُونُ الصِّفَةُ الَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ: وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَةِ مَعَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ. وَنَصَرَاهُ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ فَعَلَهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. قُلْت: فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَايَى بِهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَصَرَ الصَّلَاةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنَعَ الْأَكْثَرُ صِحَّةَ هَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، قَالَ الْقَاضِي: الْخَوْفُ لَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الرَّكَعَاتِ. قَالَ فِي الْكَافِي: كَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ. انْتَهَى. وَهَذَا: هُوَ الْوَجْهُ السَّادِسُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا: (الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَلَا يَقْضِيَ شَيْئًا) وَكَذَا قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقُولُ: الْوَجْهُ السَّادِسُ:

إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ صَلَّاهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِذِي قِرْدٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْأَثْرَمُ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي الْخَوْفِ. فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً بَعْدَ حُضُورِهَا الْخُطْبَةَ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا: حُضُورُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لَهَا. وَقِيلَ: أَوْ الثَّانِيَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَإِنْ أَحْرَمَ بِاَلَّتِي لَمْ تَحْضُرْهَا، لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَخْطُبَ لَهَا. وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ، بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَتَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا جَهْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ تَبْطُلَ إنْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ ذَهَابِ الطَّائِفَةِ، كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ هُنَا لِلْعُذْرِ. لِأَنَّهُ مُتَرَقِّبٌ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِنْ صَلَّاهَا كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ جَازَ. وَأَمَّا صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ: فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ: تُصَلَّى ضَرُورَةً كَالْمَكْتُوبَةِ. وَكَذَا الْكُسُوفُ وَالْعِيدُ. إلَّا أَنَّهُ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ السِّلَاحِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُثْقِلُهُ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَكَاهُ أَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: أَمَّا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ فِيمَا إذَا حَرَسَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَهِيَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ، فَكَذَلِكَ. وَإِلَّا كَانَ مُسْتَحَبًّا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا بَأْسَ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَ عَدَمِ أَذَى مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ. وَلَوْ كَانَ السِّلَاحُ مُذَهَّبًا. وَلَا يُشْتَرَطُ حَمْلُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يُثْقِلُهُ " أَنَّهُ إذَا أَثْقَلَهُ لَا يُسْتَحَبُّ حَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْجَوْشَنِ وَهُوَ صَحِيحٌ، بَلْ يُكْرَهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَا يُثْقِلُهُ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهُ مِنْ إكْمَالِ الصَّلَاةِ كَالْمِغْفَرِ، أَوْ يُؤْذِي غَيْرَهُ كَالرُّمْحِ إذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا. فَإِنْ حَمَلَ ذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا مِنْ حَاجَةٍ. وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْأَرْكَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ: اسْتِيفَاؤُهَا عَلَى الْكَمَالِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، فِي مَكَان آخَرَ: إلَّا فِي حَرْبٍ مُبَاحٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي مَكَان آخَرَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ حَمْلُ النَّجَسِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِلْحَاجَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ نَجَسٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَنْ يَخَافُ وُقُوعَ الْحِجَارَةِ وَالسِّهَامِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسَنُّ حَمْلُ كَذَا. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَ عَدَمِ أَذًى، وَإِنْ كَانَ لِلسِّلَاحِ مَذْهَبًا. وَقِيلَ: أَوْ نَجَسًا، مِنْ عَظْمٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ عَصَبٍ، وَرِيشٍ، وَشَهْمٍ. وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ فِي الصَّلَاةِ سِلَاحًا فِيهِ نَجَاسَةٌ. فَلَعَلَّهُ أَرَادَ: مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّعَايَةِ: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَحَيْثُ حَمَلَ ذَلِكَ وَصَلَّى، فَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مِنْ عِنْدِهِ يَحْتَمِلُ الْإِعَادَةَ وَعَدَمَهَا وَجْهَيْنِ. قُلْت: يُعْطَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ نَظَائِرِهَا، مِثْلُ مَا لَوْ تَيَمَّمَ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ. وَصَلَّى، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حَمْلُ السِّلَاحِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فِي الصَّلَاةِ مَحْظُورٌ. وَقَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: مِنْ رَفْعِ الْجُنَاحِ عَنْهُمْ رَفْعُ الْكَرَاهَةِ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا، إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا يُومِئُونَ إيمَاءً عَلَى الطَّاقَةِ) فَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُؤَخَّرُ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَهُ التَّأْخِيرُ إذَا احْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِقِتَالٍ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ جَوَازِ تَأْخِيرِهَا حَالَ الْحَرْبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالصَّحِيحُ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فَالْحُكْمُ فِي صَلَاةٍ تُجْمَعُ مَعَ مَا بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَوْلَى الْمَجْمُوعَتَيْنِ، فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا. وَالْخَوْفُ يُبِيحُ الْجَمْعَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُمْ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ لَا يَجِبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْوَجِيزِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً بِاللُّزُومِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَكَيْفَ يَلْزَمُ شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ؟ وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الرِّعَايَةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِي وُجُوبِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ رِوَايَتَانِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ الْعَجْزِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي: يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَمَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ ذَلِكَ. انْتَهَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَنْعَقِدُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَنْعَقِدُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْصُوصِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا احْتَجُّوا بِهِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ. وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ وَلَا تَجِبُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِهِمْ " وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً " فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْفَى عَنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ وَعَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ، بِشَرْطِ إمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ. وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، وَلَا يَجِبُ سُجُودُهُ عَلَى دَابَّتِهِ. وَلَهُ الْكَرُّ، وَالْفَرُّ، وَالضَّرْبُ وَالطَّعْنُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَلَا يَزُولُ الْخَوْفُ إلَّا بِانْهِزَامِ الْكُلِّ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا، أَوْ مِنْ سَيْلٍ، أَوْ مِنْ سَبُعٍ كَالنَّارِ. فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ دَفْعُ الْعَدُوِّ مِنْ سَيْلٍ وَسَبُعٍ، وَسُقُوطِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ السَّيْلِ وَالسَّبُعِ: خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ ذَبُّهُ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَوْ خَوْفُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي كَذَلِكَ لِخَوْفِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُصَلِّي كَذَلِكَ لِخَوْفِهِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ، وَعَنْهُ بَلَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الْخَائِفِ فَوْتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي النَّظْمِ يَجُوزُ فِي الْأُولَى. وَنَصَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَجُوزُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُصَلِّيهَا إلَّا إذَا كَانَ طَالِبًا لِلْعَدُوِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: إنْ خَافَ عَوْدَهُ عَلَيْهِ صَلَّى كَخَائِفٍ، وَإِلَّا فَكَآمِنٍ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْقَوْمِ يَخَافُونَ فَوْتَ الْغَارَةِ، فَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَوْ يُصَلُّونَ عَلَى دَوَابِّهِمْ؟ قَالَ: كُلٌّ أَرْجُو.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَنْ خَافَ كَمِينًا، أَوْ مَكِيدَةً، أَوْ مَكْرُوهًا، إنْ تَرَكَهَا: صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا: رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَلَا يُعِيدُ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِلْخَائِفِ فَوْتَ عَدُوِّهِ كَالصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا، فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: وَفِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِلْخَائِفِ فَوْتَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ صَلَاةُ الْخَوْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ احْتِمَالُ وَجْهٍ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: صَلَّى مَاشِيًا فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ رَأَى سَوَادًا، فَظَنَّهُ عَدُوًّا أَوْ سَبُعًا، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ، فِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فِي الْأَسْفَارِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ فِي نَفْسِهَا. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ. وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ، وَهُوَ احْتِمَالُ وَجْهٍ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَمْنِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَهُنَّ أَوْجَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا. فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوِّ. فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ رِوَايَةً. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إذَا ظَنُّوا سَوَادًا عَدُوًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ. فَائِدَةٌ: لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهُ يَقْصِدُ غَيْرَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ بِوُجُودِ عَدُوٍّ يَخَافُ هُجُومَهُ كَمَا لَا يُعِيدُ مَنْ خَافَ عَدُوًّا فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ رَفِيقِهِ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ بَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. قَوْلُهُ (أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُهُ. فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ إنْ خَفِيَ الْمَانِعُ، وَإِلَّا أَعَادَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ خَافَ هَدْمَ سُورٍ، أَوْ طَمَّ خَنْدَقٍ إنْ صَلَّى آمِنًا، صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي آمِنًا مَا لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: صَلَاةُ النَّفْلِ مُنْفَرِدًا يَجُوزُ فِعْلُهَا. كَالْفَرْضِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ " هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي اشْتِدَادِ الْخَوْفِ؟ "

باب صلاة الجمعة

[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] ِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: سُمِّيَتْ " جُمُعَةً " لِجَمْعِهَا الْخَلْقَ الْكَثِيرَ. قَدَّمَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنَّمَا سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: لِجَمْعِ طِينِ آدَمَ فِيهَا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاشْتِقَاقُهَا قِيلَ: مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَقِيلَ: بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْخَلِيفَةِ فِيهِ وَكَمَالِهَا، وَيُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ. الثَّانِيَةُ: الْجُمُعَةُ أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ بِلَا نِزَاعٍ. وَهِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو يُعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ: فَلَا يُجْمَعُ فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ، وَلَيْسَ لِمَنْ قَلَّدَهَا أَنْ يَؤُمَّ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَنْهُ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ وَغَيْرِهِمَا: الْجُمُعَةُ هِيَ الْأَصْلُ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: رُخْصَةً فِي حَقِّ مَنْ فَاتَتْهُ. وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ وَجْهَيْنِ. هَلْ هِيَ فَرْضُ الْوَقْتِ، أَوْ الظُّهْرُ فَرْضُ الْوَقْتِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ بِلَا شَرْطٍ؟ وَلِهَذَا يَقْضِي مَنْ فَاتَتْهُ ظُهْرًا. وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ عِنْدَ أَحْمَدَ، لِأَنَّهَا الْمُخَاطَبُ بِهَا، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ. وَذُكِرَ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ: وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ خَوْفَ فَوْتِهَا، وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَائِتَةً. نَصَّ عَلَيْهِ،

وَقَالَ فِي الْقَصْرِ: قَدْ قِيلَ: إنَّ الْجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: أَنَّهَا قَبْلَ فَوَاتِهَا لَا يَجُوزُ الظُّهْرُ. وَإِذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْ الظُّهْرُ. قَالَ: فَدَلَّ أَنَّهَا قَضَاءٌ لِلْجُمُعَةِ تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) . أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ. فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ، بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ. لَكِنْ إنَّ لَزِمَتْهُ الْمَكْتُوبَةُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبَةُ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ) أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مُسْتَوْطِنٍ، وَلَا عَلَى مُسْتَوْطِنٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ، كَبُيُوتِ الشَّعْرِ، وَالْحَرَاكِي، وَالْخِيَامِ وَنَحْوِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ صِحَّتَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ أَوْ خِيَامٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاشْتَرَطَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنْ يَكُونُوا يَزْرَعُونَ كَمَا يَزْرَعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَرِيحًا. قَوْلُهُ (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ،

وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَزَادَ فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ غَالِبًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ بَلَى الْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ النِّدَاءِ لِإِمْكَانِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا كَانَ مُسْتَوْطِنًا يَسْمَعُ النِّدَاءَ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ " فَرْسَخٌ " وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ إنْ فَعَلُوهَا، ثُمَّ رَجَعُوا لِبُيُوتِهِمْ لَزِمَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالرَّابِعَةَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ ذِكْرَ الْفَرْسَخِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْسَخٌ تَقْرِيبًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُعْتَبَرُ إمْكَانُ السَّمَاعِ فَيُحَدُّ بِفَرْسَخٍ، وَعَنْهُ بِحَقِيقَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَعَنْهُ تَحْدِيدُهُ بِالْفَرْسَخِ فَمَا دُونَ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً ثَانِيَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، الصَّوْتُ قَدْ يُسْمَعُ عَنْ فَرْسَخٍ. فَائِدَةٌ: فَعَلَى رِوَايَةِ " أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمْكَانُ سَمَاعِ النِّدَاءِ " فَمَحَلُّهُ: إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً، وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةً، وَالْمَوَانِعُ مُنْتَفِيَةً. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ " إذَا حَدَّدْنَا بِالْفَرْسَخِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ السَّمَاعِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي.

وَعَنْهُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَيَكُونُ إذَا قُلْنَا " مِنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ " مِنْ الْمَنَارَةِ وَنَحْوِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْمُعْتَبَرُ مِنْ أَيِّهِمَا وُجِدَ: مِنْ مَكَانِ الْجُمُعَةِ، أَوْ مِنْ أَطْرَافِ الْبَلَدِ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّقْدِيرِ بِالْفَرْسَخِ، أَوْ إمْكَانِ سَمَاعِ النِّدَاءِ، أَوْ سَمَاعِهِ، أَوْ ذَهَابِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ فِي يَوْمِهِمْ: إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقِيمِ بِقَرْيَةٍ لَا يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا، أَوْ فِيمَنْ كَانَ مُسَافِرًا دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَؤُلَاءِ وَشَبَهِهِمْ. أَمَّا مَنْ هُوَ فِي الْبَلَدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ فَرَاسِخُ، سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بُنْيَانُهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، إذَا شَمِلَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا: تَلْزَمُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَسَعَى إلَيْهَا، أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ [فِيهَا] لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، أَوْ شُغْلٍ غَيْرِهِ، غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا سَفَرًا لَا قَصْرَ مَعَهُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِهِمْ لَا بِأَنْفُسِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ. وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ أَصْلًا. وَفِي صِحَّةِ إمَامَتِهِمْ وَجْهَانِ، وَوَجْهُهُمَا كَوْنُهَا وَاجِبَةً عَلَيْهِمْ، وَكَوْنُهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فِي الْمُقِيمِ غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَبِي بَكْرٍ. لِأَنَّهُمَا عَلَّلَا مَنْعَ إمَامَةِ الْمُسَافِرِ فِيهَا بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَهْلُ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ فَوْقِ فَرْسَخٍ، لِعُلُوِّ مَكَانِهَا، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ دُونِهِ لِجَبَلٍ حَائِلٍ أَوْ انْخِفَاضِهَا. فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْوُجُوبَ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَدَمَ الْوُجُوبِ. فَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِهِ فِي الْمُنْخَفِضَةِ، أَوْ مَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ حَائِلٌ: لَزِمَهُمْ قَصْدُ الْجُمُعَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِالسَّمَاعِ فِيهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: تُجْعَلُ كَأَنَّهَا عَلَى مُسْتَوًى مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا مَانِعَ. فَإِنْ أَمْكَنَ سَمَاعُ النِّدَاءِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِحَالٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وُجِدَ قَرْيَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ لَيْسَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ: لَمْ يُتَمِّمْ الْعَدَدَ مِنْهُمَا، لِعَدَمِ اسْتِيطَانِ الْمُتَمِّمِ. وَلَا يَجُوزُ تَجْمِيعُ أَهْلِ بَلَدٍ كَامِلٍ فِي نَاقِصٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: الْجَوَازَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِمْ عَنْ حُكْمِ بَعْضِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ وُجِدَ الْعَدَدُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَلْدَتَيْنِ. فَالْأَوْلَى تَجْمِيعُ كُلِّ قَوْمٍ فِي بَلَدِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْقَوْمَ قَصْدُ مِصْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا فَرْسَخٌ فَأَقَلَّ. وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ. وَحُكِيَ رِوَايَةً. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) . يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْمُسَافِرُ السَّفَرَ الطَّوِيلَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. يُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَهُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ:

وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا وَحُكِيَ رِوَايَةً: تَلْزَمُهُ بِحُضُورِهَا فِي وَقْتِهَا، مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالِانْتِظَارِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَيَؤُمُّ فِيهَا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَات أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَقَامَ مُدَّةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِيطَانًا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّر، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي مَوْضُوعٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا تَلْزَمُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ مَا فِي الْكَافِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. فَيَشْمَلُ الْمُسَافِرَ سَفَرًا قَصِيرًا فَوْقَ فَرْسَخٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَلْزَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَلَا عَبْدٍ) . يَعْنِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَأَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَعَلَيْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدَهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ. فَلَوْ مَنَعَهُ خَالَفَهُ وَذَهَبَ إلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى الشَّيْخُ رِوَايَةَ الْوُجُوبِ. وَقَالَ: لَا يَذْهَبُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، قَالَهُ نَاظِمُهَا، وَعَنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا.

فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ: كَالْقِنِّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ: فَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا تَجِبُ عَلَى عَبْدٍ " وُجُوبُهَا عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبْدٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِي أَوَّلِ الْبَابِ " حُرًّا " أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُرٍّ. وَفِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ. وَكَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا عَلَى الْقِنِّ: فَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ بِطَرِيقِ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَلَا امْرَأَةٍ) . يَعْنِي لَا تَجِبُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَحَكَى الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: رِوَايَةً بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ. قُلْت: وَهَذِهِ مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ، وَمَا أَظُنُّهَا إلَّا غَلَطًا. وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَاهُ إجْمَاعًا [وَوَجَدْت ابْنَ رَجَبٍ، فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ غَلَّطَ مَنْ قَالَهُ] وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: إذَا حَضَرَتْهَا. وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ. وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ. أَمَّا الْمَرْأَةُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهَا. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُسَافِرِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا قُلْنَا. لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَتَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَمُمَيِّزٌ كَعَبْدٍ " وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ بِهِ وَأَمَّ فِيهَا. وَإِلَّا فَلَا. هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَنْعَقِدُ بِالصَّبِيِّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: كُلُّ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْمَرِيضُ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ: أَنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى: لَكَانَ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ إذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ) . قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: نَحْوُ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ، وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. وَهُوَ ذَلِكَ. فَلَوْ حَضَرَهَا إلَى آخِرِهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا، أَوْ انْصَرَفَ لِشُغْلٍ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرِهِ: كَانَ عَاصِيًا. أَمَّا لَوْ اتَّصَلَ ضَرَرُهُ بَعْدَ حُضُورِهِ، فَأَرَادَ الِانْصِرَافَ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ: جَازَ عِنْدَنَا، لِوُجُودِ الْمُسْقِطِ كَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ. لَكِنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ هُنَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَمَنْ دَامَ ضَرَرُهُ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ عَلَى مَا حَكَاهُ الْأَصْحَابُ. فَيَكُونُ مُرَادُهُ التَّخْصِيصَ. وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى جَمَعُوا. فَإِنَّهُ يُوجَدُ الْمُسْقِطُ فِي حَقِّهِمْ. وَهُوَ اشْتِغَالُهُمْ بِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ. فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِحَالَةٍ فَيَخْرُجُ الْمُسَافِرُ. فَإِنَّ سَفَرَهُ هُوَ الْمُسْقِطُ، وَهُوَ بَاقٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوجِبَ: هُوَ حُضُورُهُمْ وَتَجْمِيعُهُمْ، فَيَكُونُ عِلَّةَ نَفْسِهِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ: مُرَادُهُ الْخَاصُّ، إنْ أَرَادَ بِالْحُضُورِ حُضُورَ مَكَانِهَا وَإِنْ أَرَادَ فِعْلَهَا: فَخِلَافُ الظَّاهِرِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا لَزِمَهُ السَّعْيُ إلَيْهَا. وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى وَفَرَغَ، ثُمَّ يُصَلِّي. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ: احْتِمَالُ أَنَّهُ مَتَى ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، فَلَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَسَبَقَ وَجْهٌ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الظُّهْرُ. فَعَلَيْهِ تَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنَّ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ تَأْخِيرًا مُنْكَرًا، فَلِلْغَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا، وَتُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. لِخَبَرِ تَأْخِيرِ الْأُمَرَاءِ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا. وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَيَّدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِالتَّأْخِيرِ، إلَى أَنْ يَخْرُجَ أَوَّلَ الْوَقْتِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ. فَلَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ: أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَفَادَنَا أَنَّهُمْ لَوْ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ: أَنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ زَالَ عُذْرُهُمْ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَفِي الْإِمَامَةِ فِي الشَّافِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَرِيضِ.

وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إنْ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ بِحُضُورِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِهِ: نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ فَصَلَّاهَا كَانَتْ نَفْلًا فِي حَقِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: فَرْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: فَتَكُونُ الظُّهْرُ إذَنْ نَفْلًا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَصِحُّ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ فِيمَنْ دَامَ عُذْرُهُ كَامْرَأَةٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ لَهُ التَّقْدِيمُ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا: صَلَاةُ الظُّهْرِ فِي جَمَاعَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ، أَوْ لِمَعْذُورٍ، الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ. وَفِي مَكَانِهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ أَحْمَدُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَمَا كَانَ يَكْرَهُ إظْهَارَهَا. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: لَا يُصَلِّي فَوْقَ ثَلَاثَةٍ جَمَاعَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَرِهَ قَوْمٌ التَّجْمِيعَ لِلظُّهْرِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعُذْرِ، لِئَلَّا يُضَاهِيَ بِهَا جُمُعَةً أُخْرَى، احْتِرَامًا لِلْجُمُعَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي يَوْمِهَا كَامْرَأَةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ) مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمْ جَازَ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُعْذَرُ فِيهِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ.

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لَمْ يَجُزْ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ، حَتَّى يُصَلِّيَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بِنَاءً عَلَى اسْتِقْرَارِهَا بِأَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلِهَذَا خَرَجَ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يُحْرِمْ؛ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ قَبْلَهُ) يَعْنِي وَبَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلُزُومٍ عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الطُّوفِيِّ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْأَذَانِ لَهَا، لِجَوَازِ أَنْ يَشْرَعَ فِي ذَلِكَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَا نِزَاعَ فِي تَحْرِيمِ السَّفَرِ حِينَئِذٍ. لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِالْإِقَامَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ. انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ هُوَ أَصَحُّ الطَّرِيقَتَيْنِ، أَعْنِي أَنَّ مَحَلِّ الرِّوَايَاتِ: فِيمَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ

الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ وُجُوبِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَ الْمَجْدُ: الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ بِالزَّوَالِ، وَمَا قَبْلَهُ وَقْتُ رُخْصَةٍ وَجَوَازٍ، لَا وَقْتُ وُجُوبٍ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ تَجِبُ بِدُخُولِ وَقْتِ جَوَازِهَا. فَلَا يَجُوزُ السَّفَرُ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضُوعٍ: مَنْعُ السَّفَرِ بِدُخُولِ وَقْتِ فِعْلِ الْجُمُعَةِ، وَجَعَلَ الِاخْتِلَافَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ. انْتَهَى. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ. فَأَمَّا إنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. الثَّالِثُ: إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْجَوَازِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَلَّ مَنْ يَفْعَلُهُ إلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ: أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ.

وَهُوَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْمُفْرَدَاتِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَتَلْخِيصُهُ: أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ أَوَّلُ وَقْتِهَا: بَعْدَ الزَّوَالِ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَهُوَ الْأَفْضَلُ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَلْزَمُ بِوَقْتِ الْعِيدِ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو حَفْصٍ الْمَغَازِلِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ ذَكَرَ: هَلْ تَسْتَقِرُّ بِأَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهَا أَوْ لَا تَسْتَقِرُّ حَتَّى يُحْرِمَ بِهَا؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلُّوا رَكْعَةً: أَتَمُّوهَا جُمُعَةً) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا السَّلَامَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ. أَحَدُهُمَا: يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْتَأْنِفُونَهَا ظُهْرًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ تُسْتَأْنَفُ ظُهْرًا. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْخِرَقِيِّ الْآتِيَانِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَيَسْتَأْنِفُهَا ظُهْرًا. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا. تَنْبِيهٌ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا جُمُعَةً. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: مَنْ تَلَبَّسَ بِهَا فِي وَقْتِهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً. قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالُوا: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: أَتَمَّهَا جُمُعَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا الْخِرَقِيَّ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَسَبَقَهُمَا الْفَخْرُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الْخُطْبَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا يَلْزَمُهُمْ إنْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ. وَعَلَيْهِ: لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ فِيهَا، فَهُوَ كَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ إذَا جَوَّزْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ، وَجَمَعَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا. فَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَ الْأَزَجِيُّ صِحَّتَهَا وَوُجُوبَهَا عَلَى الْمُسْتَوْطِنِينَ بِعَمُودٍ أَوْ خِيَامٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَاشْتَرَطَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنْ يَكُونُوا يَزْرَعُونَ كَمَا يَزْرَعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " مُسْتَوْطِنِينَ " قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ، إذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ وَفِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانُ مِنْ الصَّحْرَاءِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا فِي الْجَامِعِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هِيَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَاطِلَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: كَلَامُ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُ إبْرَازَهُ وَلَوْ بَعُدَ، وَأَنَّ الْأَشْبَهَ بِتَأْوِيلِهِ الْمَنْعُ. كَالْعِيدِ. يَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ لَا فِيمَا بَعُدَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا أُقِيمَتْ فِي صَحْرَاءَ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ. اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ فِي الْقُرَى بِثَلَاثَةٍ. وَبِأَرْبَعِينَ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ. نَقَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِحُضُورِ سَبْعَةٍ. نَقَلَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِخَمْسَةِ. وَعَنْهُ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ. وَعَنْهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِحُضُورِ خَمْسِينَ.

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ اشْتَرَطْنَا عَدَدًا مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ. فَيُعَدُّ الْإِمَامُ مِنْهُمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَنْ الْعَدَدِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِمَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ عَلَى كُلِّ رِوَايَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ. حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا نَاسِيًا لَهُ، لَا يُجْزِهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا بِدُونِهِ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ لَا يُجْزِيهِمْ مُطْلَقًا. قَالَ الْمَجْدُ: بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّ بِنَاسٍ حَدَثَهُ: يُفِيدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ خَلْفَهُ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ صَلَاةَ انْفِرَادٍ. فَوَائِدُ. لَوْ رَأَى الْإِمَامُ اشْتِرَاطَ عَدَدٍ دُونَ الْمَأْمُومِينَ، فَنَقَصَ عَنْ ذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ. وَلَزِمَهُ اسْتِخْلَافُ أَحَدِهِمْ. وَلَوْ رَآهُ الْمَأْمُومُونَ دُونَ الْإِمَامِ: لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَلَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ، لَمَا يَجُزْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَلَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ، لِقَصْرِ وِلَايَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدُهُمْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إتْمَامِهَا اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَمَالُ الْعَدَدِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا عَنْ أَحْمَدَ: إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ الصَّلَاةَ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً. وَقِيلَ: يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً إنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ إنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا ظُهْرًا، وَإِنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا جُمُعَةً. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَسْبُوقٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاقِلَا فِي الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ، كَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ. انْتَهَى. وَفَرَّقَ ابْنُ مُنَجَّا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ جُمُعَةٍ تَمَّتْ شَرَائِطُهَا وَصَحَّتْ، فَجَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا، خِلَافُ هَذِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفَرَّقَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا صَحَّتْ مِنْ الْمَسْبُوقِ تَبَعًا. كَصِحَّتِهَا مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ تَبَعًا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ نَقَصُوا، وَلَكِنْ بَقِيَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ أَتَمُّوا جُمُعَةً. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: سَوَاءٌ كَانُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، أَوْ لَحِقُوهُمْ قَبْلَ نَقْصِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، كَبَقَائِهِ مَعَ السَّامِعِينَ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ أَحْرَمَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا، قَدْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ ثُمَّ انْفَضُّوا، وَبَقِيَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا: أَتَمُّوا جُمُعَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، إذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يَنْوِي جُمُعَةً، وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ: هَذَا

الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِلَّا أَتَمَّهَا ظُهْرًا. انْتَهَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: فَإِنَّهُ فَرَّ مِنْ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ فِي الْبِنَاءِ. وَالْوَاجِبُ الْعَكْسُ أَوْ التَّسْوِيَةُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْبِنَاءِ اخْتِلَافٌ. يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ. انْتَهَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قَوْلُهُ بَعِيدٌ جِدًّا. يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ إنَّ مَبْنَى الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، أَوْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا وَلَا يَصِحُّ، لِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ. لِأَنَّهُ إنْ نَوَى الظُّهْرَ خَالَفَ نِيَّةَ إمَامِهِ. وَإِنْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ الظُّهْرُ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، أَوْ الْفُنُونِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يَنْوِيَهَا ظُهْرًا. لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ. فَإِنْ دَخَلَ نَوَى جُمُعَةً وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إنَّمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَنْوِي جُمُعَةً وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَهِيَ جُمُعَةٌ لَا ظُهْرٌ، لَكِنْ لَمَّا قَالَ " يُتِمُّهُمَا أَرْبَعًا " ظَنَّ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا تَكُونُ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا هِيَ جُمُعَةٌ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَنَا وَجَدْت لَهُ مُصَنَّفًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ. فَصَلَاةُ الْعِيدِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَّاهَا أَرْبَعًا. انْتَهَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إتْمَامُهَا جُمُعَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِيهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَكِيمٍ فِي شَرْحِهِ. قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ

الصَّلَوَاتِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ بِإِدْرَاكِ أَقَلَّ مِنْهَا. كَالْمُسَافِرِ يُدْرِكُ الْمُقِيمَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إدْرَاكُهُ إدْرَاكُ إلْزَامٍ. وَهَذَا إدْرَاكُ إسْقَاطٍ لِلْعَدَدِ فَافْتَرَقَا، وَبِأَنَّ الظُّهْرَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ، خِلَافُ مَسْأَلَتِنَا. فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ صَلَّى الْجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ مَنْ فَاتَتْهُ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ ظُهْرًا، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ دَخَلَ انْعَقَدَتْ نَفْلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَبْنِيَ عَلَيْهَا ظُهْرًا، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ شَاقِلَا، وَيَجِبُ أَنْ يُصَادِفَ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهِ زَوَالَ الشَّمْسِ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحُوهُ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ، وَلَا عَلَى رِجْلِهِ. وَيُومِئُ غَايَةَ الْإِمْكَانِ وَعَنْهُ إنْ شَاءَ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ زَوَالَ الزِّحَامِ، وَالْأَفْضَلُ السُّجُودُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ احْتَاجَ إلَى مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ أَيْضًا، فَهَلْ يَجُوزُ وَضْعُهُمَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الْجَبْهَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ،

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ إلَّا عَلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ صَحَّتْ، كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلَ طَرَفَ الْمُصَلِّي وَذَيْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا لِلْجِوَازِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ لِمَرَضٍ أَوْ غَفْلَةٍ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ كَالْمُتَخَلِّفِ بِالزِّحَامِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيَسْجُدُ الْمَزْحُومُ إذَا أَمِنَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَسْجُدُ السَّاهِي بِحَالٍ، بَلْ تُلْغَى رَكْعَتُهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ يُمْكِنُهُ سَجَدَ إذَا زَالَ الزِّحَامُ) بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، فَيُتَابَعَ الْإِمَامَ فِيهَا، وَتَصِيرَ أُولَاهُ فَتَلْغُو الْأُولَى، وَيُتِمَّهَا جُمُعَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يُتَابِعُهُ، بَلْ يَشْتَغِلُ بِسُجُودِ الْأُولَى، وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ تَلْغُو الْأُولَى وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِسُجُودٍ.

فَوَائِدُ. وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ أَوْ نَسِيَهُ، وَأَدْرَكَ الْقِيَامَ، وَزُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى سَلَّمَ أَوْ تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ وَقُلْنَا: يَبْنِي وَنَحْوُ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَعَنْهُ جُمُعَةً وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَعَنْهُ يُتِمُّ جُمُعَةً مَنْ زُحِمَ عَنْ سُجُودٍ أَوْ نَسِيَهُ، لِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ كَمَنْ أَتَى بِالسُّجُودِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي جَمَاعَةٍ، وَالْإِدْرَاكُ الْحُكْمِيُّ كَالْحَقِيقِيِّ. كَحَمْلِ الْإِمَامِ السَّهْوَ عَنْهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ فَزُحِمَ وَصَلَّى فَذًّا لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ أَخْرَجَ فِي الثَّانِيَةِ: فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ أَتَمَّ جُمُعَةً، وَإِلَّا فَعَنْهُ يُتِمُّ جُمُعَةً، وَعَنْهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ فَذٌّ فِي رَكْعَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الثَّانِيَةِ) الِاعْتِبَارُ فِي فَوْتِ الثَّانِيَةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ، فَتَابَعَ إمَامَهُ فِيهَا، ثُمَّ طَوَّلَ: لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ، فَبَادَرَ الْإِمَامَ فَرَكَعَ: لَمْ يَضُرَّهُ الْإِمَامُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ، فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيُعَايَى بِهَا، وَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِتَحْصِيلِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ لَهُ بِهَذَا السُّجُودِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَيَأْتِي

بِسَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي تَشَهُّدِهِ، وَإِلَّا عِنْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ فِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ الْخِلَافُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " إذَا رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ ". فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهُوَ كَالْمَزْحُومِ عَنْ السُّجُودِ فَيَشْتَغِلُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ وَجْهٌ تَلْغُو رَكْعَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إنْ زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ وَحْدَهُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: يَأْتِي بِهِ وَيَلْحَقُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالثَّانِي: تَلْغُو رَكْعَتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، الثَّانِيَةُ: لَوْ زُحِمَ عَنْ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَأْتِي بِهِ قَائِمًا وَيُجْزِيهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْأَوْلَى انْتِظَارُ زَوَالِ الزِّحَامِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَةً فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا: فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ أَوْ يَبْنِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ أَنَّهُ يَبْنِي. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاعْتِدَادَ بِسُجُودِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَسُجُودِهِ يَظُنُّ إدْرَاكَ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ بِهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الرُّكُوعُ، وَلَمْ يَبْطُلْ لِجَهْلِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ أَتَى بِالسُّجُودِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ، وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ سَجَدَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ: تَبِعَهُ فِيهِ، وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ تَبِعَهُ، وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ، يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَتَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ السُّجُودَ فِيهَا فَهَلْ تَكْمُلُ بِهِ الْأُولَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا: تَكْمُلُ، حَصَلَ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَقْضِي أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا يَسْجُدُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: خَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِهِ وَتَبِعَهُ فِي السُّجُودِ، فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ وَالْمُتَابَعَةُ مَعًا، وَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ، وَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَوْ اعْتَدَّ بِهِ الْمَأْمُومُ مِنْ غَيْرِهَا: احْتَمَلَ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ، فَيَأْتِي بِسُجُودٍ آخَرَ وَإِمَامُهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هَاتَانِ الْخُطْبَتَانِ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت هَذَا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا صَلَاةٌ تَامَّةٌ فَلَا. انْتَهَى، وَقِيلَ: لَيْسَتَا بَدَلًا عَنْهُمَا.

الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَتَصِحُّ مَعَ الْعَجْزِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يُعْتَبَرُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللَّهِ) بِلَا نِزَاعٍ فَيَقُولُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِهَذَا اللَّفْظِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي النُّكَتِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُ ذِكْرُ الرَّسُولِ لَا لَفْظُ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَاجِبَةٌ لَا شَرْطٌ، وَأَوْجَبَ فِي مَكَان آخَرَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَوْجَبَ أَيْضًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَعَ الدُّعَاءِ الْوَاجِبِ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّفْسِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ وُجُوبِ السَّلَامِ عَلَيْهِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا دُخُولُ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ قِرَاءَةُ آيَةٍ مُطْلَقًا فِي كُلِّ خُطْبَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ

وَعَنْهُ لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ قِرَاءَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ صَدَقَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ تَخْرِيجُ ابْنِ عَقِيلٍ مِنْ صِحَّةِ خُطْبَةِ الْجُنُبِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ بَعْضُهَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ: يُجْزِئُ بَعْضُهَا فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وَلِلْمَجْدِ احْتِمَالُ يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ تُفِيدُ مَقْصُودَ الْخُطْبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] وَقَالُوهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَوْ: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمَجْدِ أَيْضًا، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22] ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَيْضًا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي. فَائِدَةٌ: لَوْ قَرَأَ مَا يَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تَكُونُ خُطْبَةً إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ خُطْبَةً تَامَّةً قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ وَقَرَأَ، وَوَعَظَ وَلَمْ يَقُلْ: فِي الْأُولَى وَوَعَظَ وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي

شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، احْتِمَالُ لَا يَجِبُ إلَّا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَوْعِظَةُ فَقَطْ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَمُّ الدُّنْيَا، وَذِكْرُ الْمَوْتِ، زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: الْحِكَمُ الْمَعْقُولَةُ الَّتِي لَا تَتَحَرَّك لَهَا الْقُلُوبُ، وَلَا تَنْبَعِثُ بِهَا إلَى الْخَيْرِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَطِيعُوا اللَّهَ، وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ فَالْأَظْهَرُ: لَا يَكْفِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَوْصِيَةٌ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْمِ الْخُطْبَةِ عُرْفًا وَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِصَارٍ يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: أَوْجَبَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ: الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتَارَهُ صَدَقَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَجَعَلَهُ شَرْطًا، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ، وَيُثَنِّي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُثَلِّثُ بِالْمَوْعِظَةِ، وَيُرَبِّعُ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَرْتِيبُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، لَكِنْ حَكَاهُمَا احْتِمَالَيْنِ فِيهِمَا، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْمُولَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُمَا عَلَى الصَّلَاةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخُطْبَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَيْضًا النِّيَّةُ، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ،

وَمِنْهَا: تَبْطُلُ الْخُطْبَة بِكَلَامٍ يَسِيرٍ مُحَرَّمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ كَالْأَذَانِ وَأَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ حَرُمَ الْكَلَامُ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ، وَهَلْ يَجِبُ إبْدَالُ عَاجِزٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِذِكْرٍ أَمْ لَا؟ لِحُصُولِ مَعْنَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ، قُلْت: الصَّوَابُ الْوُجُوبُ. قَوْلُهُ (وَحُضُورُ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ) يَعْنِي فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخُطْبَةِ كَذَا سَائِرُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُعْتَبَرُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ سَمَاعٌ لِعَارِضٍ، مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، صَحَّتْ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ لِبُعْدٍ، أَوْ خَفْضِ صَوْتِهِ: لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ كَانُوا طُرْشًا أَوْ عُجْمًا، وَكَانَ عَرَبِيًّا سَمِيعًا: صَحَّتْ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ صُمًّا فَذَكَرَ الْمَجْدُ تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ غَيْرُ الْمَجْدِ: لَا تَصِحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صُمٌّ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْمَعُ، وَلَكِنَّ الْأَصَمَّ قَرِيبٌ، وَمَنْ يَسْمَعُ بَعِيدٌ فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ [وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ] قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ أَوْلَى فِي مَوْضِعٍ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَالزَّرْكَشِيِّ،

وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ خُرْسًا مَعَ الْخَطِيبِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ ظُهْرًا لِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: يُصَلُّونَ جُمُعَةً، وَيَخْطُبُ أَحَدُهُمْ بِالْإِشَارَةِ، فَيَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ جَمِيعُ عِبَادَاتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِمَامَتِهِ، وَظِهَارِهِ وَلِعَانِهِ وَيَمِينِهِ، وَتَلْبِيَتِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا. فَائِدَةٌ: لَوْ انْفَضُّوا عَنْ الْخَطِيبِ، وَعَادُوا، وَكَثُرَ التَّفَرُّقُ عُرْفًا فَقِيلَ: يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفُهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِاشْتِرَاطِهِمْ سَمَاعَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِلْخُطْبَةِ، وَقَدْ انْتَفَى قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ انْفَضُّوا ثُمَّ عَادُوا قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الْفَصْلُ صَلَّاهَا جُمُعَةً فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الْفَصْلُ لَا يُصَلِّي جُمُعَةً مَا لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْخُطْبَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ [وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ انْفَضُّوا لِفِتْنَةٍ أَوْ عَدُوٍّ: ابْتَدَأَهَا كَالصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ كَالْوَقْتِ يَخْرُجُ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَقْتَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْخُطْبَتَيْنِ أَعْنِي الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالشَّرْحِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَتَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُنَا قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَخُطْبَتَيْنِ، وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ نَصًّا وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: جَزَمَ الْأَكْثَرُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى دُونَ الصُّغْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ تُشْتَرَطُ لَهُمَا. قَالَ الشَّرِيفُ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِدَادِهِ بِأَذَانِ الْجُنُبِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: فَلَوْ خَطَبَ جُنُبًا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قُلْت: قَالَهُ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ وَتَعْلِيقِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيَخْطُبُ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَاصٍ بِقِرَاءَةِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ لُبْثَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ كَصَلَاةِ مَنْ مَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ كَتَحْرِيمِ لُبْثِهِ، وَإِنْ عَصَى بِتَحْرِيمِ

الْقِرَاءَةِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ لَهَا، فَهُوَ كَصَلَاتِهِ بِمَكَانٍ غَصْبٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْآيَةَ لَا تُشْتَرَطُ، وَهُوَ أَشْبَهُ، أَوْ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْآيَةِ لِلْجُنُبِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ، أَوْ عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يُحْمَلُ عَلَى النَّاسِ إذَا ذَكَرَ اعْتَدَّ بِخُطْبَتِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. كَطَهَارَةٍ صُغْرَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْمَسْجِدِ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا فَإِذَا وَصَلَ الْقِرَاءَةَ اغْتَسَلَ وَقَرَأَ، إنْ لَمْ يُطِلْ أَوْ اسْتَنَابَ مَنْ يَقْرَأُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قَرَأَ جُنُبًا، أَوْ خَطَبَ فِي الْمَسْجِدِ عَالِمًا مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، صَحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالتَّحْقِيقُ صِحَّةُ خُطْبَةِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَكَانَ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ، وَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ كُلُّهُ خَرَجَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الْغَصْبِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا، وَعَدَمِ الْأَجْزَاءِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْبَعْضِ، وَمَتَى قُلْنَا: يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ، أَوْ تَعْيِينُ الْآيَةِ وَلَا يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ خَرَجَ فِي خُطْبَتِهِ وَجْهَانِ. قِيَاسًا عَلَى أَذَانِهِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ: حُكْمُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي الْأَجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ تَوَلِّي الصَّلَاةِ مَنْ تَوَلَّى الْخُطْبَةَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ [ذَلِكَ] وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: صَحَّتْ أَوْ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مِنْ سُنَنِهِمَا: أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، فَعَلَيْهَا لَوْ خَطَبَ مُمَيِّزٌ وَنَحْوَهُ، وَقُلْنَا: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِيهَا فَفِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ أَذَانِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَنَسَبَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَأَمَّا مَعَ عُذْرٍ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي قَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ إذَا تَوَلَّى الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا اثْنَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: إنْ جَازَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، فَهُنَا وَجْهَانِ، وَهِيَ طَرِيقُ ابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ حَمْدَانَ وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِالْجَوَازِ قَالَ فِي النُّكَتِ: يُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِدْعَةٌ مَحْضَةٌ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ قُلْنَا: تَصِحُّ لِعُذْرٍ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ النَّائِبِ الْخُطْبَةَ كَالْمَأْمُومِ، لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ الْخُطْبَةَ إلَّا تَبَعًا كَالْمُسَافِرِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْدَثَ الْخَطِيبُ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ صَحَّ

فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مَا تَتِمُّ بِهِ جُمُعَتُهُ. وَكَوْنُهُ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى مَعَهُ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَسَبَقَ فِي ظُهْرٍ مَعَ عَصْرٍ، وَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمُّوا فُرَادَى، قِيلَ: ظُهْرًا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ، وَقِيلَ: جُمُعَةٌ بِرَكْعَةٍ مَعَهُ كَمَسْبُوقٍ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: جُمُعَةٌ مُطْلَقًا، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَأَتَمُّوا فُرَادَى لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ. وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ غَيْرُ الْإِمَامِ اُعْتُبِرَتْ عَدَالَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَخَرَّجَ رِوَايَتَانِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (وَمِنْ سُنَنِهَا: أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ، أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يَكُونُ الْمِنْبَرُ عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ كَذَا كَانَ مِنْبَرُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَكَانَ ثَلَاثُ دَرَجٍ، وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي مَكَانَ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الثَّانِيَةِ ثُمَّ عُمَرُ عَلَى الْأُولَى تَأَدُّبًا ثُمَّ وَقَفَ عُثْمَانُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ وَقَفَ عَلِيُّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ قَلَعَهُ مَرْوَانُ، وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجٍ فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ سِتَّ دَرَجٍ، وَيَقِفُونَ مَكَانَ عُمَرَ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ الْخَطِيبُ عَلَى الْأَرْضِ: فَإِنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ)

بِلَا نِزَاعٍ. وَيُسَلِّمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ إذَا خَرَجَ. الثَّالِثَةُ: رَدُّ هَذَا السَّلَامِ وَكُلِّ سَلَامٍ مَشْرُوعٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ كَابْتِدَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ اسْتَدْبَرَ الْخَطِيبُ السَّامِعِينَ صَحَّتْ الْخُطْبَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. الْخَامِسَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْحَرِفَ الْمَأْمُومُونَ إلَى الْخُطْبَةِ لِسَمَاعِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ إذَا خَرَجَ، وَيَتَرَبَّعُونَ فِيهَا، وَلَا تُكْرَهُ الْحَبْوَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَرِهَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ. السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَجْلِسُ إلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْأَذَانُ الْمُحَرِّمُ لِلْبَيْعِ وَاجِبٌ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَسْقُطُ الْفَرْضُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَوَّلِ أَذَانٍ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: يُبَاحُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ: الْأَذَانُ لَهَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: إنْ أَرَادَ: مَشْرُوعٌ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، أَوْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ: سُنَّةً يَجُوزُ تَرْكُهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَإِنْ صَلَّيْنَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، فَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ كَلَامًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْرَعَ كَالثَّانِي. انْتَهَى. وَأَمَّا وُجُوبُ السَّعْيِ إلَيْهَا: فَيَأْتِي حُكْمُهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُبَكِّرُ إلَيْهَا مَاشِيًا ".

قَوْلُهُ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ جُلُوسَهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ جَزَمَ بِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْخُطْبَةَ جَالِسًا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سَكْتَةً بَدَلَ الْجِلْسَةِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: تَكُونُ الْجِلْسَةُ خَفِيفَةً جِدًّا قَالَ جَمَاعَةٌ: بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فَلَوْ أَبِي الْجُلُوسَ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ. قَوْلُهُ (وَيَخْطُبُ قَائِمًا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُطْبَةَ قَائِمًا سُنَّةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: شَرْطٌ جَزَمَ بِهِ فِي النَّصِيحَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصَى) بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يُمْنَاهُ أَوْ يُسْرَاهُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا يَكُونُ فِي يُسْرَاهُ. وَأَمَّا الْيَدُ الْأُخْرَى فَيَعْتَمِدُ بِهَا عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ أَوْ يُرْسِلُهَا، وَإِذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَيْءٍ أَمْسَكَ يَمِينَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةُ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ؛ لِكَيْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ أَقَصَرَ.، قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا: يَرْفَعُ صَوْتَهُ حَسَبِ طَاقَتِهِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي عُمُومًا، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَيَجُوزُ لِمُعَيِّنٍ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَالدُّعَاءُ لَهُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ؛ لِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَإِنْ دَعَا لِسُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَمِنْهَا: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَقِيلَ: يَرْفَعُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ بِدْعَةٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ. وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ إنْ قَدَرَ عَلَى إذْنِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: تَصِحُّ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا لَا لِجَوَازِهَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ، وَالشَّالَنْجِيُّ: إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرُ مَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ جَمَعُوا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فَلَوْ مَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ: لَمْ تَلْزَمْ الْإِعَادَةُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِلْمَشَقَّةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُمَا فِي الْحَوَاشِي، وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ؛ لِبَيَانِ عَدَمِ الشَّرْطِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعَ اعْتِبَارِهِ فَلَا تُقَامُ إذَا مَاتَ حَتَّى يُبَايِعَ عِوَضَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: مَعَ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ، وَقِيلَ: إنْ اعْتَبَرْنَا الْإِذْنَ أَعَادُوا، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فَمَاتَ لَمْ تَقُمْ حَتَّى يُبَايِعَ عِوَضَهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ فَأَقَامُوا فِيهِ الْجُمُعَةَ فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ

اتِّبَاعِهِمْ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ قُلْنَا مِنْ شَرْطِهَا الْإِمَامُ، إذَا كَانَ خُرُوجُهُمْ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا غَلَبَ الْخَارِجِيُّ عَلَى بَلَدٍ، وَصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ أُعِيدَتْ ظُهْرًا. الثَّانِيَةُ: إذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ نَزَلَ، وَهَلْ يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظَةِ الْإِقَامَةِ، أَوْ إذَا فَرَغَ بِحَيْثُ يُصَلِّ إلَى الْمِحْرَابِ عِنْدَ قَوْلِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ: وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ] أَحَدُهُمَا: يَنْزِلُ عِنْدَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالثَّانِي: يَنْزِلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِالْمُنَافِقِينَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ هُوَ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ سَبِّحْ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ: وَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَحَسَنٌ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْرَأُ بِالْحَمْدِ وَسُورَةً، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ جَهْرًا. فَوَائِدُ. يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الم السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ. انْتَهَى. وَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهَا. وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ قِرَاءَةَ سَجْدَةٍ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَمُّدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ سَجْدَةٍ غَيْرَ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمُنَافِقِينَ، وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ حَاجَةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ، فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. انْتَهَى، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُخْتَارُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا) يَعْنِي: لَا يَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاجَةِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْحَاجَةُ هُنَا الضِّيقُ، أَوْ الْخَوْفُ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ بُعْدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ كَانَ الْبَلَدُ قِسْمَيْنِ بَيْنَهُمَا نَائِرَةٌ كَانَ عُذْرًا أَبْلَغُ مِنْ مَشَقَّةِ الِازْدِحَامِ. الثَّانِيَةُ: الْحُكْمُ فِي الْعِيدِ فِي جَوَازِ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْضِعٍ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ: كَالْجُمُعَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلُوا فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةُ) يَعْنِي إذَا أَقَامُوا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ فَتَكُونُ جُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَّحِيحَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الْإِمَامُ هِيَ السَّابِقَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً فَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى، وَقِيلَ: السَّابِقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَقُلْنَا: إذْنُهُ شَرْطٌ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ إذْنُهُ بِشَرْطٍ. فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ مَا أَذِنَ فِيهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ، وَالثَّانِي: صَحَّتْ السَّابِقَةُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْإِذْنِ أَوْ عَدَمِهِ لَكِنْ إحْدَاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَالْأُخْرَى فِي مَكَان لَا يَسَعُ النَّاسَ، أَوْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، لِاخْتِصَاصِ السُّلْطَانِ

وَجُنْدِهِ بِهِ، أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ، وَالْأُخْرَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّابِقَةَ هِيَ الصَّحِيحَةُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: صَلَاةُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَنْ فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ هِيَ الصَّحِيحَةُ مُطْلَقًا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الثَّانِيَةُ: السَّبْقُ يَكُونُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت: أَوْ بِالسَّلَامِ. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ صَحَّحْنَا وَاحِدَةً مِنْهَا أَوْ مِنْهَا فَغَيْرُهَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قُلْنَا: يَصِحُّ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجُمُعَةِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لِفَوْتِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُتِمُّونَ ظُهْرًا. كَالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْقَصْرَ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا بَطَلَتَا مَعًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُصَلُّونَ جُمُعَةً، إنْ أَمْكَنَ بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا فِي إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ عَدَمِهِ، أَوْ جُهِلَتْ الْأُولَى بَطَلَتَا مَعًا) بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا، وَيُصَلُّونَ ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: يُصَلُّونَ جُمُعَةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ أَبِي الْخَطَّابِ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُمْ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِفَسَادِهِمَا مَعًا، فَكَأَنَّ الْمِصْرَ مَا صُلِّيَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ جَهِلَ هَلْ وَقَعَتَا مَعًا، أَوْ وَقَعَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى؟ بَطَلَتَا مَعًا فَإِنْ قُلْنَا تُعَادُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا جُمُعَةً فَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا تُعَادُ ظُهْرًا أُعِيدَتْ هُنَا ظُهْرًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى وَقِيلَ: تُعَادُ هُنَا جُمُعَةً. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عُلِمَ سَبْقُ إحْدَاهُمَا، وَجُهِلَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا، صَلَّوْا ظُهْرًا، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، الثَّالِثَةُ: لَوْ عُلِمَ بِسَبَقِ إحْدَاهُمَا وَعُلِمَتْ السَّابِقَةُ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ نُسِيَتْ: صَلَّوْا ظُهْرًا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، الرَّابِعَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَبَقَهُ غَيْرُهُ: أَتَمَّهَا ظُهْرًا، وَقِيلَ يَسْتَأْنِفُ ظُهْرًا، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّ غَيْرَهَا سَبَقَتْ أَوْ فَرَغَتْ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْبَنِي الظُّهْرَ عَلَى نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْبَنِي فَوَجْهَانِ فِي الْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتَزَأَ بِالْعِيدِ وَصَلَّى ظُهْرًا جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنَّمَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْهُمْ إسْقَاطَ حُضُورٍ لَا وُجُوبٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ لَا الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فَلَوْ حَضَرَ الْجَامِعَ لَزِمَتْهُ كَالْمَرِيضِ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ فِيهَا، وَتَنْعَقِدُ بِهِ، حَتَّى لَوْ صَلَّى الْعِيدَ أَهْلُ بَلَدٍ كَافَّةً كَانَ لَهُ التَّجْمِيعُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ بَلَغُوا الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ أَوْ لَمْ يَبْلُغُوا ثُمَّ إنْ بَلَغُوا بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ حَضَرَ مَعَهُمْ تَمَامُ الْعَدَدِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ تَمَامُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: وَقَالَ بَعْضُ

أَصْحَابِنَا: إنَّ تَتْمِيمَ الْعَدَدِ وَإِقَامَةَ الْجُمُعَةِ إنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ قَالَ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قَوْلُهُ (إلَّا لِلْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْضًا، وَتَسْقُطُ عَنْهُ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ بِحُضُورِ الْعِيدِ، مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَتُقَامُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ السُّقُوطِ عَنْ الْإِمَامِ: يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ، فَتَصِيرُ الْجُمُعَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ تَسْقُطُ بِحُضُورِ أَرْبَعِينَ. انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهَا: فَحَكَوْا ذَلِكَ رِوَايَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مُخْتَصًّا بِالْإِمَامِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى هَذَا: إنْ اجْتَمَعَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ لِلْجُمُعَةِ مَعَهُ أَقَامَهَا الْإِمَامُ، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الِاسْتِنَابَةَ. وَقَالَ: الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَيْسَرِ عُذْرٍ كَمَنْ لَهُ عَرُوسٌ تَجَلَّى عَلَيْهِ. فَكَذَا الْمَسَرَّةُ بِالْعِيدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا وَجْهَ لِعَدَمِ سُقُوطِهَا مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُقُوطُ صَلَاةِ الْعِيدِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَسَوَاءٌ فُعِلَتَا

قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ الْعِيدُ بِالْجُمُعَةِ، كَإِسْقَاطِ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ، وَأَوْلَى وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا: تَسْقُطُ إنْ فَعَلَهَا وَقْتَ الْعِيدِ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: احْتِمَالُ يَسْقُطُ الْجَمْعُ وَيُصَلِّي فُرَادَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الْجُمُعَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ فُعِلَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ اُعْتُبِرَ الْعَزْمُ عَلَى الْجُمُعَةِ لِتَرْكِ صَلَاةِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ: رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُهَا أَرْبَعٌ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَالْأَرْبَعُ أَشْهَرُ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، قَالَ شَيْخُنَا، أَدْنَى الْكَمَالِ سِتٌّ. وَحَكَى عَنْهُ: لَا سُنَّةَ لَهَا بَعْدَهَا، قَالَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ لَيْسَ لَهَا بَعْدَهَا سُنَّةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا فَعَلَهُ عِمْرَانُ. فَائِدَةٌ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَّةَ مَكَانَهُ فِي الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ بَلْ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِكَلَامٍ أَوْ انْتِقَالٍ وَنَحْوِهِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا رَاتِبَةٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظُهْرًا مَقْصُورَةً فَتُفَارِقُهَا فِي أَحْكَامٍ، كَمَا أَنَّ تَرْكَ الْمُسَافِرِ السُّنَّةَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ ظُهْرِهِ مَقْصُورَةً وَعَنْهُ لَهَا رَكْعَتَانِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قُلْت: اخْتَارَهُ الْقَاضِي مُصَرِّحًا بِهِ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ نَفْيِ الْبِدْعَةِ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَعَنْهُ أَرْبَعٌ بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكَعَاتٍ. وَقَالَ: رَأَيْته يُصَلِّي رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَإِذَا قَرُبَ الْأَذَانُ أَوْ الْخُطْبَةُ: تَرَبَّعَ وَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: رَأَيْته إذَا أَخَذَ فِي الْأَذَانِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا قَالَ وَقَالَ: أَخْتَارُ قَبْلَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا سِتًّا. وَصَلَاةُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قُلْت: قَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ صَلَاةِ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً عِنْدَهُمْ، وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَأَقَلُّ سُنَّةٍ قَبْلَهَا رَكْعَتَانِ، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً عَلَى الْأَظْهَرِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: الصَّلَاةُ قَبْلَهَا جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَتْ رَاتِبَةً فَمَنْ فَعَلَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يَكُونُ تَرْكُهَا أَفْضَلَ إذَا كَانَ الْجُهَّالُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا سُنَّةً

رَاتِبَةٌ، أَوْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَتُتْرَكُ حَتَّى يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً وَلَا وَاجِبَةً لَا سِيَّمَا إذَا دَاوَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا أَحْيَانًا. انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، بَلْ مَالَ إلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى مَنْ لَهُ عَرَقٌ أَوْ رِيحٌ يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آكَدُ مِنْ سَائِرِ الْأَغْسَالِ، سِوَى الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ آكَدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ آكَدُ صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (فِي يَوْمِهَا) اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْغُسْلِ: بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ سَحَرًا، وَقِيلَ: أَوَّلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَآخِرُ وَقْتِهِ إلَى الرَّوَاحِ إلَيْهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَفْضَلَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إلَيْهَا وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

قَوْلُهُ (وَيَتَنَظَّفُ، وَيَتَطَيَّبُ، وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: أَنَّهُ يُسَنُّ لُبْسُ الْبَيَاضِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَيُبَكِّرُ إلَيْهِ مَاشِيًا) الْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا. فَائِدَةٌ: يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا بِالنِّدَاءِ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَجِبُ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لِسُقُوطِ الْفَرْضِ وَقِيلَ: لِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ. وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ، وَخُرِّجَ رِوَايَةً: تَجِبُ بِالزَّوَالِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ أَمَّا مَنْ مَنْزِلُهُ بَعِيدٌ: فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا كُلَّهَا، إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ، وَيَكُونُ السَّعْيُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ السَّعْيِ إلَيْهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَيَدْنُو مِنْ الْإِمَامِ، وَيَشْتَغِلُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ) وَكَذَا الصَّلَاةُ نَفْلًا، وَيَقْطَعُ التَّطَوُّعُ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) هَكَذَا قَالَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِلْخَبَرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ:

وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي يَوْمِهَا سُورَةَ الْكَهْفِ وَغَيْرَهَا. قَوْلُهُ (وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ) يَعْنِي فِي يَوْمِهَا، وَأَفْضَلُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، لِسَاعَةِ الْإِجَابَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ: أَنَّهَا فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. قُلْت: ذَكَرَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِيهَا: ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا، وَذَكَرَ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ وَدَلِيلَهُ. فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا مُلَخَّصَةً: فَأَقُولُ، قِيلَ: رُفِعَتْ مَوْجُودَةٌ فِي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ سُنَّةٍ مُخْفِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ تَنْتَقِلُ فِي يَوْمِهَا، وَلَا تَلْزَمُ سَاعَةً مُعَيَّنَةً، لَا ظَاهِرَةً وَلَا خَفِيَّةً إذَا أُذِّنَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِثْلُهُ وَزَادَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ مِثْلُهُ وَزَادَ مَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنْ الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلَ سَاعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا فِي آخِرِ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ النَّهَارِ مِنْ زَوَالٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نِصْفَ ذِرَاعٍ مِثْلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا بَعْدَ الزَّوَالِ بِشِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِنْ زَوَالٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ خُرُوجِهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ تَحْرِيمِ الْبَيْعِ إلَى حِلِّهِ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ

عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَام عِنْدَ التَّأْذِينِ وَالْإِقَامَةِ وَتَكْبِيرِ الْإِمَامِ مِثْلُهُ. لَكِنْ قَالَ: إذَا أَذَّنَ وَإِذَا رَقَى الْمِنْبَرَ وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ وَأَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ حِينَ تُقَامُ حِينَ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ وَقْتَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ آمِينَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ إلَى قُرْبِ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ اصْفِرَارِهَا إلَى أَنْ تَغِيبَ آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ حِينِ يَغِيبُ نِصْفُ قُرْصِهَا أَوْ مِنْ حِينِ تَتَدَلَّى لِلْغُرُوبِ إلَى أَنْ يَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يُصَلِّي فِيهَا قَالَ: وَلَيْسَتْ كُلُّهَا مُتَغَايِرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ أَكْثَرِهَا: أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ، بَلْ الْمَعْنَى: أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا، أَوْ يَرَى فُرْجَةً فَيَتَخَطَّى إلَيْهَا) أَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا: فَإِنَّهُ يَتَخَطَّى مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِلتَّخَطِّي. هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ كُرِهَ أَنْ يَتَخَطَّى النَّاسَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا وَلَا يَجِدُ طَرِيقًا فَلَا بَأْسَ بِالتَّخَطِّي. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَتَخَطَّى الْإِمَامُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزُ، وَالْغُنْيَةُ، وَزَادَ: وَالْمُؤَذِّنُ أَيْضًا

وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ: فَإِنْ وَجَدَ فُرْجَةً، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَيْهَا بِدُونِ التَّخَطِّي كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُكْرَهُ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ رَأَى فُرْجَةً لَمْ يُكْرَهْ التَّخَطِّي إلَيْهَا. انْتَهَى. وَيَأْتِي كَلَامُ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْوَجِيزُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ لِيَدْخُلَ فِي الصَّفِّ إذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ، لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ التَّخَطِّي فِيهَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى ثَلَاثَ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِتَخَطِّي الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ تَرَكُوا أَوَّلَ الْمَسْجِدِ فَارِغًا وَجَلَسُوا دُونَهُ فَلَا بَأْسَ بِتَخَطِّيهِمْ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ تَخَطَّى أَرْبَعَ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْفُرْجَةُ أَمَامَهُ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَأُطْلِقَ فِي التَّلْخِيصِ رِوَايَتَانِ فِي كَرَاهَةِ التَّخَطِّي إذَا كَانَتْ الْفُرْجَةُ أَمَامَهُ وَقَطَعَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرُ الْإِمَامِ فُرْجَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْرُمُ التَّخَطِّي، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ: أَنَّ التَّخَطِّيَ مَذْمُومٌ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الذَّمَّ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ غَيْرَهُ، فَيَجْلِسُ مَكَانَهُ) هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ فَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمُوا بِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: الْقِيَاسُ جَوَازُ إقَامَةِ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضِعِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي الْمَوْقِفِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: هَلْ يُؤَخَّرُ الْمَفْضُولُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْفَاضِلِ؟ . تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ غَيْرَ عَبْدِهِ وَوَلَدِهِ) وَهُوَ صَحِيحٌ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ فِيهِ، حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَنَحْوُهُ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ: لَوْ أَقَامَة قَهْرًا فَفِي صَلَاتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، قُلْت: الَّذِي تَقْضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ لِارْتِكَابِ النَّهْيِ. قَوْلُهُ (إلَّا مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: سَوَاءٌ حَفِظَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِ إذْنِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الْحِفْظَ بِدُونِ إذْنِهِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: الْقِيَاسُ كَرَاهَتُهُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ، وَهُوَ الصَّوَابُ

تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْعِلَّةِ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ: فَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَبِهِ عَلَّلَ الشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جَلَسَ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ آثَرَ بِمَكَانِهِ وَجَلَسَ فِي مَكَان دُونَهُ فِي الْفَضْلِ، وَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ كَمَا جَلَسَ فِي مِثْلِهِ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ آثَرَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ آثَرَ ذَا هَيْئَةٍ بِعِلْمٍ وَدَيْنٍ جَازَ، وَلَيْسَ إيثَارًا حَقِيقَةً، بَلْ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ: تَخْرِيجُ سُؤَالِ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَصَرَّحَ فِي الْهَدْيِ فِيهَا بِالْإِبَاحَةِ، وَيَأْتِي آخِرَ الْجَنَائِزِ إهْدَاءُ التُّرْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُكْرَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِصَاحِبِهِ عَلَى مَكْرُوهٍ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ قَالَ سِنْدِيٌّ: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك، فَرَجَعَ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ

الثَّانِيَةُ: لَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ جَازَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ مُصَلَّى مَفْرُوشًا فَهَلْ لَهُ رَفْعُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِي: لَهُ رَفْعُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِغَيْرِهِ رَفْعُهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت: فَلَوْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يَحْضُرْ: رُفِعَ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا الصَّوَابُ، وَقِيلَ: إنْ وَصَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَطِّي أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ رَفْعُهُ. فَائِدَةٌ: تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ لِغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ فَلَهُ فَرْشُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ

وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُ فَرْشُهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ. صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: حَمْلُهُمَا عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ: بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا قَامَ مِنْ صَفٍّ فَاضِلٍ، أَوْ فِي وَسَطِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْهُ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَام أَحْمَدَ، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَوْقِفِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ قَرِيبًا. قُلْت: فَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهَا. الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَوْضِعِهِ إلَّا بِالتَّخَطِّي، فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَوَّزَ أَبُو الْمَعَالِي التَّخَطِّيَ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ هُنَاكَ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ الْإِمَامِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ. فَوَائِدُ. لَوْ جَلَسَ قَبْلَ صَلَاتِهِمَا قَامَ فَأَتَى بِهِمَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ [وَأَطْلَقُوا. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي فَصْلِ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ مُحْدِثًا أَنَّ التَّحِيَّةَ تَسْقُطُ بِطُولِ الْفَصْلِ] وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِسُقُوطِهَا مِنْ عَالِمٍ، وَمِنْ جَاهِلٍ لَمْ يَعْلَمْ عَنْ قُرْبٍ، وَلَا تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِلْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يُعَايَى بِهَا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَإِنْ صَلَّى فَائِتَةً كَانَتْ عَلَيْهِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ لِلْخَبَرِ وَكَالْفَرْضِ عَنْ السُّنَّةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ حُصُولُ ثَوَابِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ: الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا ابْتِدَاءُ النَّافِلَةِ حَالَ الْخُطْبَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، إلَّا لَهُ، أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ) الْكَلَامُ تَارَةً يَكُونُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَنْ يُكَلِّمُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَةُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ لَهُمَا مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: يُبَاحُ لَهُمَا مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ مِنْ غَيْرِهِمَا: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ التَّحْرِيمَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ دُونَ غَيْرِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يَجُوزُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَرِوَايَةُ عَدَمِ التَّحْرِيمِ عَلَى ظَاهِرِهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَبُو الْمَعَالِي: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَفُتْهُ سَمَاعُ أَرْكَانِهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنَّ الْكَلَامَ يَجُوزُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ إذَا سَكَتَ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْكَلَامَ بَيْنَهُمَا يُبَاحُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ وَأَقْيَسُ وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ الْجَوَازَ قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَاطِبٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَأَطْلَقَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي كَرَاهَتِهِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَفِي الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ، وَفِي إبَاحَتِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَجْهَانِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ تَنَفَّسَ الْإِمَامُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْجَوَازِ حَالَةَ التَّنَفُّسِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ إذَا شَرَعَ الْخَطِيبُ فِي الدُّعَاءِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، الثَّالِثَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: مَا إذَا احْتَاجَ إلَى الْكَلَامِ كَتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ أَوْ غَافِلٍ عَنْ بِئْرٍ، أَوْ هَلَكَةٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ، بَلْ يَجِبُ، كَمَا يَجُوزُ قَطْعُ الصَّلَاةِ. الرَّابِعَةُ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ التَّخْرِيجِ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ تَأْمِينُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَحَمِدَهُ خُفْيَةً إذَا عَطَسَ، نَصَّ عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ: يَجُوزُ رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ نُطْقًا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يَجُوزُ إنْ سَمِعَ وَلَمْ يَفْهَمْهُ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ فِي رَدِّ السَّلَامِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفَائِقِ، السَّابِعَةُ: إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةُ كَالْكَلَامِ، وَفِي كَلَامِ الْمَجْدِ: لَهُ تَسْكِيتُ الْمُتَكَلِّمِ بِالْإِشَارَةِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ النَّافِلَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ، وَلَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، وَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ بِخُرُوجِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تَحْرِيمَ إنْ لَمْ يَحْرُمْ الْكَلَامُ فِيهَا. قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ فَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَخَرَجَ الْإِمَامُ خَفَّفَهَا فَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ السُّنَّةِ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ لِمَنْ بَعُدَ عَنْ الْخَطِيبِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ خُفْيَةً، وَفِعْلُهُ أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ فَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَعُدُوا فَلَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَهُ جَازَ لَهُمْ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْمُذَاكَرَةُ فِي الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ الْعَبَثُ حَالَةَ الْخُطْبَةِ. وَكَذَا شُرْبُ الْمَاءِ إنْ سَمِعَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: يُكْرَهُ مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّ شُرْبَهُ إذَا اشْتَدَّ عَطَشُهُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: إنْ عَطِشَ فَشَرِبَ فَلَا بَأْسَ قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ شَرْبَةً بِقِطْعَةٍ بَعْدَ الْأَذَانِ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ قَالَ

باب صلاة العيدين

وَكَذَا شُرْبُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَأَطْلَقَ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ، دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ، وَتَحْصِيلًا لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ:. وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَزَادَ: وَكَذَا شِرَاءُ السُّتْرَةِ، وَيَأْتِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهَا عَلَى النِّسَاءِ وَغَيْرُهُنَّ، وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهَا، وَعَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا يُقَاتَلُونَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْأَذَانِ. وَالتَّرَاوِيحِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: يُقَاتَلُونَ أَيْضًا. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِيدِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ خَرَجَ مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَلَكِنْ تَكُونُ قَضَاءً مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبَ

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: تَكُونُ أَدَاءً مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ لِلْعُذْرِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُصَلَّى وَلَوْ مَضَى أَيَّامٌ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُصَلُّونَ. وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ: إنْ عَلِمُوا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَمْ يُصَلُّوا مِنْ الْغَدِ، لَمْ يُصَلُّوهَا، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ قَضَائِهَا إذَا فَاتَتْهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمِنْهَا. قَوْلُهُ (وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ، بِحَيْثُ يُوَافِقُ أَهْلَ مِنًى فِي ذَبْحِهِمْ) نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَالْأَكْلُ فِي الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) يَعْنِي قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَمَرَاتٍ، وَأَنْ يَكُونَ وِتْرًا قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هُوَ آكَدُ مِنْ إمْسَاكِهِ فِي الْأَضْحَى. قَوْلُهُ (وَالْإِمْسَاكُ فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) وَذَلِكَ لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُضْحِيَّةٌ أَكَلَ إنْ شَاءَ قَبْلَ خُرُوجِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَالْغُسْلُ) ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ. قَوْلُهُ (وَالتَّكْبِيرُ إلَيْهَا بَعْدَ الصُّبْحِ) هَكَذَا قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ بَعْدَ الصُّبْحِ يَعْنِي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ

قَوْلُهُ (مَاشِيًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا اُسْتُحِبَّ الرُّكُوبُ وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ، وَقَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ أَوْ لِعُذْرٍ، وَهُوَ مُرَادٌ قَطْعًا. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ. وَكَذَا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ إلَّا الْمُعْتَكِفَ، وَيَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ) الذَّاهِبُ إلَى الْعِيدِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا، أَوْ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ فَإِنْ كَانَ مُعْتَكِفًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجَمُّلُ وَالتَّنَظُّفُ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُسَنُّ التَّزَيُّنُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمُعْتَكَفِ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ: إلَّا الْإِمَامَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضُوعٍ مِنْ كَلَامِهِ: الْمُعْتَكِفُ كَغَيْرِهِ فِي الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي حَقِّهِ: أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهَا عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ الثِّيَابُ الْجَيِّدَةُ وَالرَّثَّةُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْتَكِفًا أَوْ غَيْرَهُ. فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ فَرَغَ مِنْ اعْتِكَافِهِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْعِيدِ، اُسْتُحِبَّ لَهُ الْمَبِيتُ

لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْخُرُوجُ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى، وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ مَا انْقَضَى فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: جَوَازُ الْخُرُوجِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمَجْدُ: يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ، وَلُزُومُهُ مُعْتَكَفَهُ أَوْلَى. وَتَابَعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا غَدَا مِنْ طَرِيقٍ رَجَعَ فِي أُخْرَى) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَيَذْهَبُ فِي الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ. فَائِدَةٌ: ذَهَابُهُ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعُهُ فِي أُخْرَى: فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ: لِيَشْهَدَ لَهُ سُكَّانُ الطَّرِيقِينَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَقِيلَ: لِيَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقِينَ، وَقِيلَ: لَهُ لِيُسَاوِيَ بَيْنَهُمَا فِي التَّبَرُّكِ بِهِ، وَفِي الْمَسَرَّةِ بِمُشَاهَدَتِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِمَسْأَلَتِهِ، وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْيَهُودَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي يَغْدُو مِنْهُ كَانَ أَطْوَلَ فَيَحْصُلُ كَثْرَةُ الثَّوَابِ بِكَثْرَةِ الْخُطَى إلَى الطَّاعَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ طَرِيقَهُ إلَى الْمُصَلَّى كَانَتْ عَلَى الْيَمِينِ فَلَوْ رَجَعَ لَرَجَعَ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ، وَقِيلَ: لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: لِإِظْهَارِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَقِيلَ: لِيُرْهِبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ. وَرَجَّحَهُ ابْنُ بِطَالٍ، وَقِيلَ: حَذَرًا مِنْ كَيْدِ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، وَقِيلَ: لِيَزُورَ أَقَارِبَهُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ، وَقِيلَ: لِيَصِلَ رَحِمَهُ، وَقِيلَ: لِيَتَفَاءَلَ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا، وَقِيلَ: كَانَ فِي ذَهَابِهِ يَتَصَدَّقُ فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْءٌ فَيَرْجِعُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى، لِئَلَّا يَرُدَّ مَنْ يَسْأَلُهُ قَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.

وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِتَخْفِيفِ الزِّحَامِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقِفُ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِ يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يوسف: 67] فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ إصَابَةِ الْعَيْنِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ الْقَرِيبَةِ. انْتَهَى. قُلْت: فَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ: يَخْرُجُ لَنَا فِعْلُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا: الِاسْتِيطَانُ، وَإِذْنُ الْإِمَامِ، وَالْعَدَدُ الْمُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، أَمَّا الِاسْتِيطَانُ وَالْعَدَدُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا يُشْتَرَطَانِ كَالْجُمُعَةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ، وَأَكْثَرُنَا، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطَانِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَظْمِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَوْجَبَ فِي الْمُنْتَخَبِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِدُونِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ لِلْجُمُعَةِ

وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يُشْتَرَطُ الِاسْتِيطَانُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُشْتَرَطُ الِاسْتِيطَانُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَكْتَفِي بِاسْتِيطَانِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الْعَدَدَ، وَقَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: إذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ وَكَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ مِصْرٌ أَوْ قَرْيَةٌ يُقَامُ فِيهَا الْعِيدُ لَزِمَهُمْ السَّعْيُ إلَيْهِ، قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا، لِأَنَّ الْعِيدَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَشُقُّ إتْيَانُهُ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَيْسَتْ بِدُونِ اسْتِيطَانٍ وَعَدَدٍ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً إجْمَاعًا، وَأَمَّا إذْنُ الْإِمَامِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَالْجُمُعَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، مَعَ أَنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَائِقِ قَدَّمَا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقَدَّمَا فِي هَذَا الْبَابِ اشْتِرَاطَ إذْنِهِ. فَنَاقَضَا، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا فِي إذْنِهِ الرِّوَايَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُمَا قَدَّمَا فِي الْجُمُعَةِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ فَيَكُونُ الْخِلَافُ هُنَا أَقْوَى عِنْدَهُمْ فِي الِاشْتِرَاطِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ هُنَاكَ: عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ، وَقَدَّمَا هُنَا الِاشْتِرَاطَ، قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: ذِكْرُ الْخِلَافَ، لَا إطْلَاقُهُ لِقُوَّتِهِ، وَجَعَلَهَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فِي الشُّرُوطِ كَالْجُمُعَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَرِوَايَتَا إذْنِ الْإِمَامِ هُنَا فَرْعُ رِوَايَتَيْ الْجُمُعَةِ. وَتَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْجُمُعَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهَا ثَمَّ

فَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا: لَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا. كَالْعَدَدِ وَالِاسْتِيطَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْعِيدِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُنْفَرِدُ وَنَحْوُهُمْ تَبَعًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ فَاتَتْهُ كَمَا يَأْتِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَفْعَلُونَهَا أَصَالَةً. قَوْلُهُ (وَتُسَنُّ، فِي الصَّحْرَاءِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ عَلَى مَا يَأْتِي. (وَتُكْرَهُ فِي الْجَامِعِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا تُكْرَهُ فِيهِ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مَكَّةَ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّحْرَاءِ قَطْعًا، ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ لِلضَّعَفَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: يُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَيَخْطُبُ بِهِمْ إنْ شَاءَ وَإِنْ تَرَكُوهَا فَلَا بَأْسَ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَخْطُبَ، وَلَهُمْ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ خَالَفُوا وَفَعَلُوا: سَقَطَ الْفَرْضُ، وَجَازَتْ التَّضْحِيَةُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَ مُسْتَخْلِفِهِ، لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ يُظْهِرُ شِعَارَ الْيَوْمِ وَيَنْوِيهَا كَمَسْبُوقَةٍ نَفْلًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقَالَ: فَإِنْ نَوَوْهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، وَصَلَّوْا السَّبْقَ، فَنَوَوْهُ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً: فَوَجْهَانِ انْتَهَى

وَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْخَلِيفَةِ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ أَرْبَعًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ تَمِيمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ الْخِلَافُ، لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي صِفَةِ صَلَاةِ عَلِيٍّ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَعَنْهُ رَكْعَتَيْنِ إنْ خَطَبَ، وَإِنْ لَمْ يَخْطُبْ فَأَرْبَعٌ. فَائِدَةٌ: يُبَاحُ لِلنِّسَاءِ حُضُورُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمَجْدُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، وَجَزَمَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِي التَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا قَالَ النَّاظِمُ: وَأَكْرَهُ لِخُرَّدٍ بِأَوْكَدَ، وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهَا عَلَى النِّسَاءِ. قَوْلُهُ (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى أَرْبَعًا، بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ، وَقِيلَ التَّعَوُّذُ سِتًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا، وَعَنْهُ يُكَبِّرُ خَمْسًا، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعًا كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ (بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ يَسْتَفْتِحُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ خَمْسًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى خَمْسًا، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى حَدٍّ

سَوَاءٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى بِلَا تَكْبِيرٍ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى أَرْبَعًا، إلَّا أَنْ يَخْطُبَ رَجُلٌ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلِّ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا، وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الذِّكْرَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِذِكْرٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ " يَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَنْهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَدْعُو، وَعَنْهُ " يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ " وَعَنْهُ " يَذْكُرُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَعَنْهُ " يَدْعُو وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كُلُّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: يَأْتِي بِالذِّكْرِ أَيْضًا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَأْتِي بِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَبِقَوْلِهِ فِي وَجْهٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَأْتِي بِالذِّكْرِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ بِ " اقْتَرَبَتْ " اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَعَنْهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْفَجْرِ. وَعَنْهُ لَا تَوْقِيتَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ.

قَوْلُهُ (وَتَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ) يَعْنِي الْقِرَاءَةَ تَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَرُوهُ. وَعَنْهُ يُوَالِي بِالْقِرَاءَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْقِيَامِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) صَرَّحَ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: خُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ فِي أَحْكَامِهَا كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فِي أَحْكَامِهَا غَيْرُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْخَطِيبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: عَلَى الْأَصَحِّ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ حَتَّى فِي أَحْكَامِ الْكَلَامِ، عَلَى الْأَصَحِّ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخَطِيبُ فِي الْعِيدِ إنْ شَاءَ رَدَّ السَّلَامَ وَشَمَّتَ الْعَاطِسَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ إلَّا فِي الْكَلَامِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهِيَ فِي الْإِنْصَاتِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ رِوَايَتَانِ، إمَّا كَالْجُمُعَةِ، أَوْ لِأَنَّ خُطْبَتَهَا مَقَامُ رَكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَاسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تُفَارِقُ الْجُمُعَةَ فِي الطَّهَارَةِ، وَاتِّحَادِ الْإِمَامِ وَالْقِيَامِ، وَالْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالْعَدَدِ، لِكَوْنِهَا سُنَّةً لَا شَرْطَ لِلصَّلَاةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَتُفَارِقُ خُطْبَةُ الْعِيدِ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: فَلَا تَجِبُ هُنَا الطَّهَارَةُ، وَلَا اتِّحَادُ الْإِمَامِ، وَلَا الْقِيَامُ، وَلَا الْجِلْسَةُ هُنَا، قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فِي وَجْهٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَهَا الْعَدَدُ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لِلصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَجْلِسُ عَقِيبَ صُعُودِهِ لِلْخُطْبَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِعَدَمِ انْتِظَارِ فَرَاغِ الْأَذَانِ هُنَا. انْتَهَى

وَاسْتَثْنَى ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَوَاشِي: الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى وَجْهَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَدِ لِلْخُطْبَةِ، إنْ اعْتَبَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيَسْتَرِيحَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي (وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ) وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَجْلِسُ (صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ) قَالَ الْمَجْدُ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْلِسُ لَيَسْتَرِيحَ وَيَتَرَادَّ نَفَسُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: لَا يَجْلِسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا: وَيُفَارِقُهَا أَيْضًا فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَاسْتِفْتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَبَيَانِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: إذَا اسْتَقْبَلَهُمْ سَلَّمَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ. قَوْلُهُ (يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ افْتِتَاحَهَا يَكُونُ بِالتَّكْبِيرِ، وَتَكُونُ التَّكْبِيرَاتُ مُتَوَالِيَةً نَسَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ هَلَّلَ بَيْنَهُمَا أَوْ ذَكَرَ فَحَسَنٌ، وَالنَّسَقُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: جَازَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ تَكُونُ التَّكْبِيرَاتُ وَهُوَ جَالِسٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقُولُهَا وَهُوَ قَائِمٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ. حَيْثُ جَعَلَ التَّكْبِيرَ مِنْ الْخُطْبَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا جِلْسَةَ لِيَسْتَرِيحَ إذَا صَعِدَ، لِعَدَمِ الْأَذَانِ هُنَا، بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ افْتِتَاحَ خُطْبَةِ الْعِيدِ بِالْحَمْدِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ افْتَتَحَ خُطْبَةً بِغَيْرِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالثَّانِيَةُ بِتِسْعٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِهَا، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَحَلُّهُ فِي آخِرِهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي. فَائِدَةٌ: هَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ الَّتِي فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ: سُنَّةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ. قَوْلُهُ (وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالذِّكْرُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ) . يَعْنِي تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ هُمَا شَرْطٌ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ عَامِدًا أَثِمَ، وَلَمْ تَبْطُلْ، وَسَاهِيًا لَا يَلْزَمُهُ سُجُودٌ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَعَلَى الْأَوْلَى إنْ تَرَكَهُ سَهْوًا، فَهَلْ يُشْرَعُ لَهُ السُّجُودُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَالْخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هُمَا شَرْطٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: هُمَا مِنْ شَرَائِطِ صَلَاةِ الْعِيدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَكَذَا قَالَ فِي النُّكَتِ، وَقَالَ: هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يُصَلِّي، وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ،

وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يُسَنُّ. وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: لَا يَنْبَغِي، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَقِيلَ: يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ اخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ فِي النُّكَتِ، وَنَصُّهُ: لَا يُصَلِّيهَا، وَقَالَ: تَجُوزُ التَّحِيَّةُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بَعْدَهَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: الْأَظْهَرُ عِنْدِي: يَأْتِي بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَبْلَهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ: لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ قُلْت: وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا سُنَّةَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فِي مَوْضِعِهَا) جَوَازُ فِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ. لَا فِي بَيْتِهِ وَلَا فِي طَرِيقِهِ، اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فِي مَوْضِعِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ صَلَّى مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ كَمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ، لَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْفَرْقِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: يُصَلِّي أَرْبَعًا، إذَا قُلْنَا: يَقْضِي مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ أَرْبَعًا. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ فِي الْقَضَاءِ بِمَذْهَبِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بِمَذْهَبِ إمَامِهِ

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَائِمًا، بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ ذَكَرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ: لَمْ يَأْتِ بِهَا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْبُوقِ وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ جَمَاعَةٌ: كَالْقِرَاءَةِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، قَالَ الْأَصْحَابُ: أَوْ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَمْ يُكَبِّرْ، وَإِلَّا كَبَّرَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ حَتَّى رَكَعَ: سَقَطَ، وَلَا يَأْتِي بِهِ فِي رُكُوعِهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا: لَمْ يَأْتِ بِهِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ، لَمْ يَعُدَّهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَى بِهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَأْنَفُ إنْ كَانَ يَسِيرًا، وَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا) يَعْنِي مَتَى شَاءَ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَقْضِيهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِلَّا قَضَاهَا مِنْ الْغَدِ. قَوْلُهُ (عَلَى صِفَتِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُغْنِي [وَالْمُنْتَخَبِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالنِّهَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَعَنْهُ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا بِلَا تَكْبِيرٍ، وَيَكُونُ بِسَلَامٍ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: كَالظُّهْرِ،

وَعَنْهُ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا بِلَا تَكْبِيرٍ أَيْضًا بِسَلَامٍ، أَوْ سَلَامَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَتِهِمْ، وَأَبُو بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ بِتَكْبِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: بَلْ كَالْفَجْرِ، وَبَيْنَ أَرْبَعٍ بِسَلَامٍ أَوْ سَلَامَيْنِ، وَبَيْنَ التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ. وَعَنْهُ لَا يُكَبِّرُ الْمُنْفَرِدُ، وَعَنْهُ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَالنَّافِلَةِ، وَخَيَّرَهُ فِي الْمُغْنِي بَيْنَ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا، إمَّا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا بِسَلَامَيْنِ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى صِفَتِهَا، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: فَإِنْ أَحَبَّ صَلَّاهَا تَطَوُّعًا، إنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، وَإِنْ شَاءَ صَلَّاهَا عَلَى صِفَتِهَا، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: قَضَاهَا عَلَى صِفَتِهَا، أَوْ أَرْبَعًا سَرْدًا أَوْ بِسَلَامَيْنِ، وَأَطْلَقَ رِوَايَةً: الْقَضَاءُ عَلَى صِفَتِهَا، أَوْ أَرْبَعًا، أَوَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ أَرْبَعٍ وَرَكْعَتَيْنِ: فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْفُصُولِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا: فَحُكْمُهَا حُكْمُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِي الْقَضَاءِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَهُ وَيُصَلِّيهَا جَمَاعَةً فَعَلَهُ أَنَسٌ. قَوْلُهُ (وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ) أَمَّا لَيْلَةُ عِيدِ الْفِطْرِ: فَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ فِيهَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا: أَنْ يُكَبِّرَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهَا إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

وَعَنْهُ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقِيلَ: إلَى سَلَامِهِ. وَعَنْهُ إلَى وُصُولِ الْمُصَلِّي إلَى الْمُصَلَّى، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُسَنُّ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ الْمَكْتُوبَاتِ الثَّلَاثِ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُكَبِّرُ عَقِيبَ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَهُوَ عَقِيبُ الْفَرَائِضِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الْفِطْرِ خَاصَّةً وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَعَنْهُ يُظْهِرُهُ فِي الْأَضْحَى أَيْضًا. جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَرَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ، فَقَالَ فِيهِ: وَيُكَبِّرُ فِي خُرُوجِهِ إلَى الْمُصَلَّى، وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الْأَضْحَى: فَيُسَنُّ فِيهَا التَّكْبِيرُ الْمُطْلَقُ بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي الْعَشْرِ كُلِّهِ لَا غَيْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ الْمُطْلَقُ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ. الثَّانِيَةُ: التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ التَّكْبِيرِ فِي لَيْلَةِ الْأَضْحَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ، أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي عِيدِ الْأَضْحَى آكَدُ، وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ جِهَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِهِ، وَالتَّكْبِيرُ فِي عِيدِ النَّحْرِ آكَدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُشْرَعُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْأَضْحَى يُكَبِّرُ عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْفُرُوعُ، وَالنَّظْمُ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَلَى الْأَظْهَرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَحْدَهُ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. انْتَهَى، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَيُكَبِّرُ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. . تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " عَقِيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ " أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَ النَّوَافِلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يُكَبِّرُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا: يُكَبِّرُ عَقِيبَهَا. قَوْلُهُ (مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ هُوَ كَالْمُحْرِمِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَعَنْهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ قَوْلُهُ (إلَّا الْمُحْرِمَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) وَآخِرُهُ كَالْمَحَلِّ، وَهُوَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَنْتَهِي تَكْبِيرُ الْمُحْرِمِ صُبْحَ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَمَّا الْمَحَلُّ: فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا أَنَّ آخِرَهُ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ، حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ يُلَبِّي. إذْ التَّلْبِيَةُ قَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا الْمُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الرَّمْيُ ضُحًى فَلِذَلِكَ قَدَّمَ التَّكْبِيرَ عَلَيْهَا. انْتَهَى، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يُكَبِّرُ الْإِمَامُ إذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ، عَلَى ظَاهِرِ مَا نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هُوَ الْأَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُكَبِّرُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَيُكَبِّرُ أَيْضًا مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَضَى صَلَاةً مَكْتُوبَةً فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ، وَالْمَقْضِيَّةُ مِنْ غَيْرِ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ كَبَّرَ لَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ لَا يُكَبِّرُ قَالَ الْمَجْدُ: الْأَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ [الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ قَضَاهَا فِي أَيَّامِ التَّكْبِيرِ وَالْمَقْضِيَّةُ مِنْ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ أَيْضًا كَبَّرَ لَهَا، عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَقْضِيَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ وَقِيلَ: مَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَاهَا فِيهَا، فَهِيَ كَالْمُؤَدَّاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي التَّكْبِيرِ وَعَدَمِهِ، وَقَالَ [فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤَدَّاةِ فِي التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ] فِي الْفُرُوعِ: يُكَبِّرُ، وَقِيلَ: فِي حُكْمِ الْمَقْضِيِّ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلزَّمَانِ. انْتَهَى. وَلَوْ قَضَاهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّكْبِيرِ: لَمْ يُكَبِّرْ لَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا التَّعْلِيلُ بَاطِلٌ بِالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فَإِنَّهَا تُقْضَى مَعَ الْفَرَائِضِ أَشْبَهَ التَّلْبِيَةَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا فَهَلْ يُكَبِّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّالِثَةُ: تُكَبِّرُ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مَعَ الرِّجَالِ وَمُنْفَرِدَةً لَكِنْ لَا تَجْهَرُ بِهِ، وَتَأْتِي بِهِ كَالذِّكْرِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَعَنْهُ لَا تُكَبِّرُ كَالْأَذَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ تُكَبِّرُ تَبَعًا لِلرِّجَالِ فَقَطْ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَفِي تَكْبِيرِهَا إذَا لَمْ تُصَلِّ مَعَهُمْ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يُسَنُّ لَهَا التَّكْبِيرُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ الرَّابِعَةُ: الْمُسَافِرُ كَالْمُقِيمِ فِيمَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ قَضَاهُ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَيَقْضِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ فَإِنْ قَامَ مِنْهُ أَوْ ذَهَبَ عَادَ وَجَلَسَ وَقَضَاهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: جَلَسَ جِلْسَةَ التَّشَهُّدِ، وَقِيلَ: لَهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَحْدَثَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ: لَمْ يُكَبِّرْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ يُكَبِّرْ، وَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ، مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ نَسِيَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ كَبَّرَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَزَادَ: وَإِنْ بَعُدَ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ إذَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَكَلَّمَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يُكَبِّرُ إذَا تَكَلَّمَ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ يُكَبِّرُ إذَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَعَلَ الْقَوْلَ بِهِ تَوْجِيهَ احْتِمَالٍ وَتَخْرِيجٍ مِنْ عِنْدِهِ. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَا إذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّ لَنَا قَوْلًا يَقْضِيهِ، وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ إذَا طَالَ الْفَصْلُ، سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَائِدَةٌ: يُكَبِّرُ الْمَأْمُومُ إذَا نَسِيَهُ الْإِمَامُ، وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ إذَا كَمَّلَ وَسَلَّمَ. نَصَّ

عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ يُلَبِّي نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَفِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَجْهَانِ) ، وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَكَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي التَّكْبِيرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ: فِيهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَفِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَجْهَانِ وَحَكَى فِي التَّلْخِيصِ فِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ سِيَاقُ كَلَامِهِ: فِي عِيدِ الْأَضْحَى، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ لَيْسَ فِيهِ تَكْبِيرٌ مُقَيَّدٌ، وَكَذَا قَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ فِي عِيدِ الْقَطْرِ تَكْبِيرًا مُقَيَّدًا فَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ فِي التَّكْبِيرِ عَقِيبَ عِيدِ الْفِطْرِ وَجْهَانِ كَالْأَضْحَى. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، أَحَدُهُمَا: لَا يُكَبِّرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُكَبِّرُ عَقِبَهَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ وَأَحَقُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

باب صلاة الكسوف

قَوْلُهُ (وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ شَفْعًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ تَثْلِيثَ التَّكْبِيرِ أَوَّلًا وَآخِرًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ " تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك " نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَالْجَوَابِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا " لَا أَبْدَأُ بِهِ " وَعَنْهُ الْكُلُّ حَسَنٌ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: تَرَى أَنْ تَبْدَأَ بِهِ؟ قَالَ: لَا، وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، مَا أَحْسَنَهُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ الشُّهْرَةَ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: هُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيفِ بِالْأَمْصَارِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَذِكْرٌ، وَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَمْ يَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّعْرِيفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَفَاعِلُهُ ضَالٌّ. [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] ِ فَائِدَةُ: " الْكُسُوفُ " وَ " الْخُسُوفُ " بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ شَيْءٍ، كَالْوَجْهِ وَاللَّوْنِ، وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَقِيلَ. الْخُسُوفُ الْغَيْبُوبَةُ، وَمِنْهُ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: 81] وَقِيلَ " الْكُسُوفُ " ذَهَابُ بَعْضِهَا، وَ " الْخُسُوفُ " ذَهَابُ كُلِّهَا، وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ. يُقَالُ: كَسَفَتْ

بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَمِثْلُهُ خَسَفَتْ. وَقِيلَ: الْكُسُوفُ: تَغَيُّرُهُمَا، وَالْخُسُوفُ: تَغَيُّبُهُمَا فِي السَّوَادِ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ أَوْ الْقَمَرُ: فَزِعَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى) تَجُوزُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَتَجُوزُ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا فِي الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ فِعْلَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ، وَفِي الْجَامِعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تُفْعَلُ فِي الْمُصَلَّى. قَوْلُهُ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ إذْنِهِ) لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ فِي فِعْلِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ، ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي اعْتِبَارِ إذْنِ الْإِمَامِ فِيهَا لِلْجَمَاعَةِ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: النَّصُّ عَدَمُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُنَادَى لَهَا. وَيُجْزِئُ قَوْلُهُ " الصَّلَاةُ " فَقَطْ، وَعَنْهُ لَا يُنَادَى لَهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ آخِرَ الْأَذَانِ. فَائِدَةٌ: النِّدَاءُ لَهَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْأَذَانِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً) قَالَ الْأَصْحَابُ: الْبَقَرَةَ أَوْ قَدْرَهَا، قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ إذَا امْتَدَّ الْكُسُوفُ أَمَّا إذَا كَانَ الْكُسُوفُ يَسِيرًا: فَإِنَّهُ يَقْرَأُ عَلَى قَدْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ " فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً "

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قَوْلُهُ (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَالْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ اخْتَارَهُ الْجُوزَجَانِيُّ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِالْجَهْرِ، قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقُوا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنْتَخَبُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ رُكُوعُهُ قَدْرَ قِرَاءَةِ مِائَةِ آيَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَتَبِعَهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَالْأُولَى أَوْلَى، وَأَنَّ الطُّولَ وَالْقِصَرَ يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْكُسُوفِ وَقِصَرِهِ. كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ: يَكُونُ رُكُوعُهُ قَدْرَ مُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ، وَقِيلَ: يَكُونُ قَدْرَ نِصْفِ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ بِقَدْرِ مَا قَرَأَ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ الْأَقْوَالَ الَّتِي حَكَوْهَا فِي قَدْرِ الرُّكُوعِ مُتَنَافِيَةٌ. لِقَوْلِهِمْ " ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ " وَقَالَ فُلَانٌ: بِقَدْرِ كَذَا بِالْوَاوِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ " يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا " لَا يُنَافِي مَا حَكَى مِنْ الْأَقْوَالِ، بَلْ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الطَّوِيلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ:

ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ " قَالَ الْقَاضِي " بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ " وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى " بِقَدْرِ مُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ " فَفَسَّرَ قَدْرَ الْإِطَالَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ " ثُمَّ يَرْكَعُ وَيُسَبِّحُ قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ " وَقِيلَ " بَلْ قَدْرَ مُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ " وَقِيلَ: قَدْرَ نِصْفِهَا فَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِي الْإِطَالَةِ، وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي قَدْرِهَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ فَيُسَمِّعُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَسُورَةً، وَيُطِيلُ، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: يَقْرَأُ آلَ عِمْرَانَ، أَوْ قَدْرَهَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: تَكُونُ كَمُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ: تَكُونُ قِرَاءَةُ الثَّانِيَةِ قَدْرَ ثُلُثَيْ قِرَاءَةِ الْأُولَى، وَقِرَاءَةُ الثَّالِثَةِ نِصْفُ قِرَاءَةِ الْأُولَى، وَقِرَاءَةُ الرَّابِعَةِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ قِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) فَتَكُونُ نِسْبَتُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ كَنِسْبَةِ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يَرْكَعُ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يَكُونُ كُلُّ رُكُوعٍ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَسْجُدُ) لَكِنْ لَا يُطِيلُ الْقِيَامَ مِنْ رَفْعِهِ الَّذِي يَسْجُدُ بَعْدَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، قُلْت: وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُذْهَبُ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَالْوَجِيزُ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُطِيلُهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

وَقِيلَ: يُطِيلُهُمَا كَإِطَالَةِ الرُّكُوعِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقِيلَ: لَا يُطِيلُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ، ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُطِيلُ الْجِلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُطِيلُهُ. اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَيُطِيلُ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَالرُّكُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِيهِمَا أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي فِي الرُّكُوعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ يَكُونُ دُونَ الْأُولَى قِيَامًا وَقِرَاءَةً، وَرُكُوعًا وَسُجُودًا، وَتَسْبِيحًا وَاسْتِغْفَارًا قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ: الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَقْصَرُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ النِّسَاءِ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّانِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ الْمَائِدَةِ أَوْ قَدْرَهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ الْقِيَامَ الثَّالِثَ أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِي، وَقِيلَ: بِقَدْرِ النِّصْفِ مِمَّا قَرَأَ أَوْ سَبَّحَ فِي رُكُوعِ الْأُولَى وَقِيَامِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ فِيهَا أَتَمَّهَا خَفِيفَةً) يَعْنِي عَلَى صِفَتِهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهَا كَالنَّافِلَةِ إنْ تَجَلَّى قَبْلَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَوْ فِيهِ، وَإِلَّا أَتَمَّهَا عَلَى صِفَتِهَا، لِتَأَكُّدِهَا بِخَصَائِصِهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: مَنْ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عِنْدَ حُدُوثِ

الِامْتِدَادِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَنْقُولِ جَوَّزَ النُّقْصَانَ عِنْدَ التَّجَلِّي، وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَ النَّقْصَ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ رُكْنًا بِالشُّرُوعِ فَتَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، وَقِيلَ: لَا تُشْرَعُ الزِّيَادَةُ لِحَاجَةٍ زَالَتْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَجَلَّى قَبْلَهَا، أَوْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ: لَمْ يُصَلِّ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ لَكِنْ إذَا غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا لَيْلًا، فَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلَّى لَهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ قَالَ: وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، كَالْقَاضِي وَأَبِي الْمَعَالِي، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى لَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الصَّلَاةِ، إذَا قُلْنَا: إنَّهَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ نَهْيٍ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَمْ يَمْنَعْ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ الشَّارِحُ: فِيهِ احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي الثَّانِيَةُ: لَا تَقْضِي صَلَاةَ الْكُسُوفِ، كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَسُجُودِ الشُّكْرِ. الثَّالِثَةُ: لَا تُعَادُ إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَلَمْ يَنْقَضِ الْكُسُوفُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ

وَقِيلَ: تُعَادُ رَكْعَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا تُصَلَّى فَإِنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ، وَيَسْتَغْفِرُهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، فَلَا بَأْسَ) . يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ فَضِيلَةٍ، بَلْ الْأَفْضَلُ: رُكُوعَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَفْضَلُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَلَا بَأْسَ " أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ، وَلَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْعُذْرُ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْوَارِدِ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يُجَاوِزُ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ فِعْلُهَا بِكُلِّ صِفَةٍ وَرَدَتْ فَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «خَمْسُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ. وَمِنْهُ: أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كَالنَّافِلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ سُنَّةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ رُكُوعَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. فَإِنَّهُمَا بَعْدَمَا ذَكَرَا رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَا: أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقِيلَ: أَوْ ثَلَاثٌ

قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَعَنْهُ تَكُونُ كُلُّ رَكْعَةٍ بِمَا شَاءَ مِنْ رُكُوعٍ، أَوْ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ. فَائِدَةٌ: الرُّكُوعُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ، بِلَا نِزَاعٍ، وَتُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَوَاشِي، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ إنْ صَلَّاهَا بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ، لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَ الرَّكْعَةِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَخْطُبَ لَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا خُطْبَةَ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى، وَعَنْهُ يُشْرَعُ بَعْدَ صَلَاتِهَا خُطْبَتَانِ. سَوَاءٌ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَوْ لَا. اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: أُحِبُّ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ رِوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ. إنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ نَصِّهِ " لَا خُطْبَةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ " وَقَالَ أَيْضًا: لَمْ يَذْكُرْ لَهَا أَحْمَدُ خُطْبَةً.

قَوْلُهُ (وَلَا يُصَلِّي لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، بَلْ جَمَاهِيرُهُمْ، وَعَنْهُ يُصَلِّي لِكُلِّ آيَةٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَنُ وَالْآثَارُ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِشَرٍّ وَعَذَابٍ لَمْ يَصِحَّ التَّخْوِيفُ بِهِ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْآمِدِيُّ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَحَكَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يُصَلُّونَ لِكُلِّ آيَةٍ مَا أَحَبُّوا، رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَيَخْطُبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يُصَلِّي لِلرَّجْفَةِ، وَفِي الصَّاعِقَةِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ، وَانْتِشَارِ النُّجُومِ، وَرَمْيِ الْكَوَاكِبِ، وَظُلْمَةِ النَّهَارِ، وُضُوءِ اللَّيْلِ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا الزَّلْزَلَةَ الدَّائِمَةَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلَّى لَهَا عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: يُصَلَّى لَهَا، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى لَهَا، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ: أَنَّهُ يُصَلَّى لِلزَّلْزَلَةِ، وَالرِّيحِ الْعَاصِفِ، وَكَثْرَةِ الْمَطَرِ: ثَمَانِ رُكُوعَاتٍ، وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الزَّلْزَلَةِ. فَوَائِدُ. لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ، قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْكُسُوفِ جُمُعَةٌ، قُدِّمَ الْكُسُوفُ إنْ أُمِنَ فَوْتُهَا، أَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْكُسُوفِ عِيدٌ، أَوْ مَكْتُوبَةٌ، قُدِّمَ عَلَيْهَا إنْ أُمِنَ الْفَوْتُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَوِتْرٌ، وَضَاقَ وَقْتُهُ، قُدِّمَ الْكُسُوفُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: بَدَأَ بِالْكُسُوفِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ لِلْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدِّمُ الْوِتْرَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ، وَتَرَاوِيحُ، وَتَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قُدِّمَتْ التَّرَاوِيحُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: إنْ صُلِّيَتْ التَّرَاوِيحُ جَمَاعَةً، قُدِّمَتْ لِمَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ، وَعِيدٌ أَوْ جُمُعَةٌ: قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ إنْ أُمِنَ فَوْتُهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْجَنَائِزِ: تَقَدَّمَ أَنَّ الْجِنَازَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الْكُسُوفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى مَا يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ عَلَيْهِ، وَصَرَّحُوا مِنْهُ بِالْعِيدِ، وَالْجُمُعَةِ، وَصَرَّحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَاتِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى فَجْرٍ وَعَصْرٍ فَقَطْ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُقَدَّمُ الْمَغْرِبُ عَلَيْهَا، لَا الْفَجْرُ، وَلَوْ حَصَلَ كُسُوفٌ بِعَرَفَةَ صَلَّى لَهُ ثُمَّ دَفَعَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا " وَلَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْكُسُوفِ صَلَاةُ عِيدٍ " هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ

باب صلاة الاستسقاء

مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: أَنَّهُمَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ، سَوَاءٌ كَانَ أَضْحَى أَوْ فِطْرًا، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ كُسُوفُ الشَّمْسِ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالتَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَا خُسُوفُ الْقَمَرِ إلَّا فِي إبْدَارِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي قَالُوهُ. فَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خُسِفَ لَيْلَةَ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. انْتَهَى. وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشِرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْآمِدِيُّ، وَالْفَخْرُ فِي تَلْخِيصِهِ اتِّفَاقًا عَنْ أَهْلِ السِّيَرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ، نَقَلَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّعُوا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ: لَوْ اتَّفَقَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ: لَا سِيَّمَا إذَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ الْعِتْقُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ لِقَادِرٍ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ فَزِعَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ) أَنَّهُ إذَا خِيفَ مِنْ جَدْبِهَا لَا يُصَلَّى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُصَلَّى. قَوْلُهُ (وَقُحِطَ الْمَطَرُ) أَيْ اُحْتُبِسَ الْقَطْرُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اُحْتُبِسَ عَنْ قَوْمٍ صَلَّوْا بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ اُحْتُبِسَ عَنْ آخَرِينَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلِّي لَهُمْ غَيْرُ مَنْ لَمْ يُحْبَسْ عَنْهُمْ قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْجَدْبِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنْ اسْتَسْقَى مُخْصَبٌ

لِمُجْدِبٍ جَازَ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي لَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَارَ مَاءُ الْعُيُونِ أَوْ الْأَنْهَارِ، وَضَرَّ ذَلِكَ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: اسْتَسْقُوا عَلَى الْأَقْيَسِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ لَا يُصَلُّونَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُصَلُّونَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ. قَوْلُهُ (وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامِهَا: صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُصَلِّي بِلَا تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ، وَلَا جَهْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ مَا أَحَبَّ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَإِنْ قَرَأَ بِذَلِكَ كَانَ حَسَنًا وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْ يَقْرَأَ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِمَا يَقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تُصَلَّى الِاسْتِسْقَاءُ وَقْتَ نَهْيٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمْ: بِلَا خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: إجْمَاعًا، وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: رِوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحُوا جَوَازَ الْفِعْلِ

قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ كَوْنُهُ قَطْعَ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُصَلَّى، وَقَالَ: بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ رِوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ أَنَّهَا تُصَلَّى، وَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ. الثَّانِيَةُ: وَقْتُ صَلَاتِهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ (وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) وَالتَّوْبَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ، لَكِنْ هُنَا يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ: فَيَأْمُرُهُمْ بِهِمَا الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فِي الصَّوْمِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ صَائِمًا، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ الصَّوْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَة الْكُبْرَى، وَالْفَائِق، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الصَّوْمَ وَالصَّدَقَةَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمُ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّوْمَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ: الصَّوْمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَقَةَ. فَائِدَةٌ: هَلْ يَلْزَمُ الصَّوْمُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ

إجْمَاعًا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، لَا مُطْلَقًا، وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ الطَّاعَةُ فِي الْوَاجِبِ، وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَيَأْمُرُهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيَجِبُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي: لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ الْجَدْبِ وَحْدَهُ، أَوْ هُوَ وَالنَّاسُ، لَزِمَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ، وَإِنْ نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ انْعَقَدَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَيَتَنَظَّفُ لَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَتَنَظَّفُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَطَيَّبُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيَانِ) يَعْنِي لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَازَ خُرُوجُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ الطِّفْلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْآمِدِيُّ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: نَحْنُ لِخُرُوجِ الصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يَجُوزُ خُرُوجُ الْعَجَائِزِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ خُرُوجُهُنَّ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمِنْهَا: لَا تَخْرُجُ امْرَأَةٌ ذَاتُ هَيْئَةٍ، وَلَا شَابَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إجَابَةُ الدُّعَاءِ وَضَرَرُهَا أَكْثَرُ. قَالَ الْمَجْدُ: يُكْرَهُ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: لَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا وَنَصَرَاهُ، وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْآمِدِيُّ: إنَّهُ يُؤْمَرُ سَادَةُ الْعَبِيدِ بِإِخْرَاجِ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ، وَلَا يَجِبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بِالْمُسْلِمِينَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ لَا يُفْرِدُونَ بِيَوْمٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُفْرَدُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِيَوْمٍ فِي الْأَظْهَرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلْيَنْفَرِدُوا قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَنْفَرِدُ أَهْلُ الذِّمَّةِ إنَّ خَرَجُوا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا، وَأُمِرُوا بِالِانْفِرَادِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَمْ يُمْنَعُوا، وَأُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا مُنْفَرِدِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَكَلَامُ هَؤُلَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالِانْفِرَادِ: عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالِانْفِرَادِ: الِانْفِرَادَ بِيَوْمٍ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى خُرُوجُهُمْ مُنْفَرِدِينَ بِيَوْمٍ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فَقَالَ: وَخُرُوجُهُمْ فِي يَوْمٍ آخَرَ أَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ خُرُوجُهُمْ فِي وَقْتٍ مُفْرَدٍ لَمْ يُبْعِدْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَسْقُونَ فَتُخْشَى الْفِتْنَةُ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُكْرَهُ إخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ فَأَمَّا خُرُوجُهُمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمِنْهَا: حُكْمُ نِسَائِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ: حُكْمُهُمْ، ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي خُرُوجِ عَجَائِزِهِمْ الْخِلَافُ، وَقَالَ: وَلَا تَخْرُجُ شَابَّةٌ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَعَلَ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ كُلَّ مَنْ خَالَفَ دَيْنَ الْإِسْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْمَرُّوذِيُّ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دُعَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِهِ قَالَ: وَالتَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَبِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي حَقِّهِ: مَشْرُوعٌ إجْمَاعًا، وَهُوَ مِنْ الْوَسِيلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ بِمَخْلُوقٍ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنُصَّ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، قُلْت: الْخِرَقِيُّ قَالَ: ثُمَّ يَخْطُبُ. فَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ثُمَّ يَقُومُ يَخْطُبُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَجْلِسُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَيُصَلِّي بِهِمْ، ثُمَّ يَخْطُبُ " أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " ثُمَّ يَخْطُبُ " أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَر الْأَصْحَاب مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: فَحَمَلَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَقَوْلَ الْخِرَقِيِّ عَلَى الدُّعَاءِ وَعَنْهُ يَدْعُو مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ: هِيَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي.

قَوْلُهُ (يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَفْتَتِحُهَا بِالِاسْتِغْفَارِ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، وَعَنْهُ يَفْتَتِحُهَا بِالْحَمْدِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يَكُونُ ظُهُورُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءُ رَهْبَةٍ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ: دُعَاءُ الرَّهْبَةِ بِظُهُورِ الْأَكُفِّ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا: أَنَّ دُعَاءَ الِاسْتِسْقَاءِ كَغَيْرِهِ فِي كَوْنِهِ يَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَزَادَ: وَيُقِيمُ إبْهَامَهُمَا فَيَدْعُو بِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَوَاشِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: صَارَ كَفُّهَا نَحْوَ السَّمَاءِ لِشِدَّةِ الرَّفْعِ، لَا قَصْدًا لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُوَجِّهُ بُطُونَهُمَا مَعَ الْقَصْدِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى وَأَشْهَرُ قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَرَى رَفْعَهُمَا فِي الْقُنُوتِ: إنَّهُ يَرْفَعُ ظُهُورَهُمَا، بَلْ بُطُونَهُمَا. قَوْلُهُ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ،

وَغَيْرِهِمَا: وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ، قِيلَ: بَعْدَ خُطْبَتِهِ وَقِيلَ فِيهَا فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ) مَحَلُّ التَّحْوِيلِ: بَعْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ شَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى) ، وَتَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا لَمْ يَتَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ لَمْ يُصَلُّوا، وَإِنْ كَانُوا تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ خَرَجُوا وَصَلَّوْا شُكْرًا لِلَّهِ. وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُونَ وَيَدْعُونَ وَلَا يُصَلُّونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَقِيلَ: يُصَلُّونَ وَلَا يَخْرُجُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: يُصَلُّونَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلْخُرُوجِ. وَقِيلَ: لَا يَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ صَلَّوْا فِي الْأَصَحِّ، وَشَكَرُوا اللَّهَ، وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ، وَقِيلَ: فِي خُرُوجِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، أَوْ الدُّعَاءِ وَحْدَهُ: وَجْهَانِ، وَقِيلَ: شُكْرُهُمْ لَهُ بِإِدْمَانِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانُوا تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ وَخَرَجُوا وَسُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ وَقَبْلَ صَلَاتِهِمْ صَلَّوْا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يُنَادَى لَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، فَإِنَّهُ قَالَ وَقِيلَ: يُنَادَى لَهَا " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " وَلَا نَصَّ فِيهِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا إذْنُ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، دُونَ الْخُرُوجِ لَهَا وَالدُّعَاءِ، نَقَلَهَا الْبُزْرَاطِيُّ، وَقِيلَ: وَإِنْ خَرَجُوا بِلَا إذْنِهِ صَلَّوْا وَدَعَوْا بِلَا خُطْبَةٍ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ إذْنِ الْإِمَامِ: إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً فَأَمَّا إنْ صَلَّوْا فُرَادَى فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالِاسْتِسْقَاءُ ثَلَاثَةٌ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا: الْخَرُوجُ وَالصَّلَاةُ، كَمَا وَصَفْنَا. الثَّانِي: اسْتِسْقَاءُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَقِيبَ صَلَوَاتِهِمْ، وَفِي خَلَوَاتِهِمْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: الِاسْتِسْقَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ. أَكْمَلُهَا الِاسْتِسْقَاءُ عَلَى مَا وَصَفْنَا. الثَّانِي بَلْ الْأَوْلَى فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَسْقُوا عَقِيبَ صَلَوَاتِهِمْ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى الْجُمُعَةَ. الثَّالِثُ: وَهُوَ أَقْرَبُهَا أَنْ يَخْرُجَ وَيَدْعُوَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ وَيُخْرِجُ رَحْلَهُ وَثِيَابَهُ لِيُصِيبَهَا) قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيَغْتَسِلُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ الْوُضُوءَ فَقَطْ.

كتاب الجنائز

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَتْ الْمِيَاهُ، فَخِيفَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ كَذَا إلَى آخِرِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمِيَاهَ إذَا زَادَتْ وَخِيفَ مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ، ذَلِكَ حَسْبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ مَعَ ذَلِكَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَاسْتُحِبَّ لَهُمْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ كَالزَّلْزَلَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتِيَارُ الْآمِدِيِّ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ أَنْ يَقُولَ " مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا " لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ " مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ " بِرَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى " [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] ِ فَائِدَةٌ: الْجَنَائِزُ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ: لِلْمَيِّتِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَيُقَالُ: عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ عَلَى السَّرِيرِ لَا يُقَالُ لَهُ جِنَازَةٌ، وَلَا نَعْشٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سَرِيرٌ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ) يَعْنِي مِنْ حِينِ شُرُوعِهِ فِي الْمَرَضِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: تَجِبُ الْعِيَادَةُ. وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَرَّةً، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَرْضُ كِفَايَةٍ

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّصُّ وَصَوَّبَ ذَلِكَ فَيُقَالُ: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: السُّنَّةُ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا زَادَ نَافِلَةٌ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّا: ثَلَاثَةٌ لَا تُعَادُ، وَلَا يُسَمَّى صَاحِبُهَا مَرِيضًا: وَجَعُ الضِّرْسِ، وَالرَّمَدُ، وَالدُّمَّلُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ لَا تُعَادُ» فَذَكَرَهُ رَوَاهُ النَّجَّادُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ، بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَوْلُهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ «عَادَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجَعِ عَيْنِي» . انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ عِنْدَ الْمَرِيضِ، وَعَنْهُ قَدْرُهُ كَمَا بَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ، وَمُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ رَأَيْت النَّاظِمَ قَطَعَ بِهِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَعُودُ الْمَرِيضُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، وَقَالَ: عَنْ قُرْبٍ وَسَطَ النَّهَارِ لَيْسَ هَذَا وَقْتُ عِيَادَةٍ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ إذَنْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْعِيَادَةَ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ غِبًّا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَظَاهِرِ الْحَالِ، قَالَ: وَمُرَادُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْجُمْلَةِ. الرَّابِعَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا يُعَادُ، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: تَحْرُمُ عِيَادَتُهُ وَعَنْهُ لَا يُعَادُ الدَّاعِيَةُ فَقَطْ، وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ

جَهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا مَعَ بَقَاءِ إسْلَامِهِ: فَهَلْ يُسَنُّ هَجْرُهُ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي آدَابِهِ، وَالْآدَابُ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى لِابْنِ مُفْلِحٍ، أَوْ يَجِبُ إنْ اُرْتُدِعَ، أَوْ يَجِبُ مُطْلَقًا إلَّا مِنْ السَّلَامِ أَوْ تَرْكُ السَّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُكْرَهُ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ لِلْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَتَرْكُ الْعِيَادَةِ مِنْ الْهَجْرِ. الْخَامِسَةُ: تُكْرَهُ عِيَادَةُ الذِّمِّيِّ، وَعَنْهُ تُبَاحُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَقَاءِ وَالْكَثْرَةِ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ. السَّادِسَةُ: يُحْسِنُ الْمَرِيضُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ ذَلِكَ قَالَ الْمَجْدُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُغَلِّبُ رَجَاءَهُ عَلَى خَوْفِهِ، وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ وَنَصَّ أَحْمَدُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ وَخَوْفُهُ وَاحِدًا، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الْعَدْلُ. السَّابِعَةُ: تَرْكُ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ: فِعْلُهُ أَفْضَلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفْصَاحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: إنْ ظَنَّ نَفْعَهُ، وَيَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَصَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِبَوْلِ الْإِبِلِ فَقَطْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَأْكُولٍ مُسْتَخْبَثٍ كَبَوْلٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَائِعٍ نَجَسٍ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَيَجُوزُ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ: يَجُوزُ بِدِفْلِيٍّ وَنَحْوِهِ لَا يَضُرُّ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَالْفَضْلُ فِي حَشِيشَةٍ تُسْكِرُ تُسْحَقُ وَتُطْرَحُ مَعَ دَوَاءٍ: لَا بَأْسَ إلَّا مَعَ الْمَاءِ فَلَا، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الدَّوَاءَ الْمَسْمُومَ إنْ غَلَبَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ: أُبِيحَ شُرْبُهُ، لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَفِي الْبُلْغَة: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِخَمْرٍ فِي مَرَضٍ، وَكَذَا

بِنَجَاسَةٍ أَكْلًا وَشُرْبًا، وَظَاهِرُهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِطَاهِرٍ، وَفِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ بِمُحَرَّمٍ كَخَمْرٍ وَمَنِيٍّ نَجِسٍ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: لَا بَأْسَ، بِجَعْلِ الْمِسْكِ فِي الدَّوَاءِ وَيُشْرَبُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يَجُوزُ اكْتِحَالُهُ بِمِيلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ حَاجَةٌ، وَفِي الْإِيضَاحِ: يَجُوزُ بِتِرْيَاقٍ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِالْحِمْيَةِ، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. الثَّامِنَةُ: يُكْرَهُ الْأَنِينُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَتَذْكِيرُهُ التَّوْبَةَ وَالْوَصِيَّةَ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَرَضُهُ مَخُوفًا أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، خُصُوصًا التَّوْبَةُ فَإِنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا فِي الْمَرَضِ عَصَبَاتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْوَصِيَّةِ، قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِي التَّوْبَةِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا نَزَلَ بِهِ تَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ، وَنَدَّى شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ، وَقَوْلُهُ (وَلَقَّنَهُ قَوْلَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ، فَيُعِيدُ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُلَقِّنُ ثَلَاثًا، وَيُجْزِئُ مَرَّةً، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَقَلَ مُهَنَّا وَأَبُو طَالِبٍ: يُلَقِّنُ مَرَّةً قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ تَكْرَارُ الثَّلَاثِ إذَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلًا، لِجَوَازِ أَنْ

يَكُونَ سَاهِيًا أَوْ غَافِلًا، وَإِذَا كَرَّرَ الثَّلَاثَ: عَلِمَ أَنَّ ثَمَّ مَانِعًا. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ تَلْقِينُ الْوَرَثَةِ لِلْمُحْتَضَرِ بِلَا عُذْرٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَلَقَّنَهُ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِالْأُخْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِأَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَبَعٌ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ يس) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا يَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ الْأَكْثَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَقْرَأُ أَيْضًا سُورَةَ تَبَارَكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَيُوَجِّهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ) وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ لَكِنَّ أَكْثَرَ النُّصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَلَى أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ، وَعَنْهُ مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قُلْت: وَهَذَا الْمَعْمُولُ بِهِ، بَلْ رُبَّمَا شَقَّ جَعْلُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا، لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ وَاسِعًا فَعَلَى جَنْبِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِذَا نَزَلَ بِهِ فَعَلَ كَذَا وَيُوَجِّهُهُ " أَنَّهُ لَا يُوَجِّهُهُ قَبْلَ النُّزُولِ بِهِ وَتَيَقُّنِ مَوْتِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَوْلَى التَّوْجِيهُ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: اسْتَحَبَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، تَطْهِيرَ ثِيَابِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ) هَذَا صَحِيحٌ فَلِلرَّجُلِ أَنْ يُغَمِّضَ ذَاتِ مَحَارِمِهِ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَمِّضَ ذَا مَحْرَمِهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يُغَمِّضَهُ جُنُبٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ يَقْرَبَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ تَغْمِيضِهِ " بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ " نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَوْ نَحْوَهَا) . يَعْنِي مِنْ الْحَدِيدِ، أَوَالطِّينِ، وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ: فَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْءٌ عَالٍ، لِيُجْعَلَ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ دِينِهِ) ، وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَجِبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَتَجْهِيزِهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ فِي تَجْهِيزِهِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» قَالَ: وَ " لَا يَنْبَغِي " لِلتَّحْرِيمِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي الْحَرِيرِ «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» . وَاعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ تَارَةً يَكُونُ فَجْأَةً، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ فَجْأَةٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، بِأَنْ يَكُونَ عَنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ فِي تَجْهِيزِهِ إذَا تَيَقَّنَ مَوْتَهُ،

وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ مَنْ يَحْضُرُهُ، إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ، أَوْ يَشُقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ لِمَا يُرْجَى لَهُ بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَلَا بَأْسَ أَيْضًا أَنْ يَنْتَظِرَ وَلِيُّهُ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: لَا يَنْتَظِرُ، وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ تَعْجِيلَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ فَجْأَةً كَالْمَوْتِ بِالصَّعْقَةِ وَالْهَدْمِ، وَالْغَرَقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُنْتَظَرُ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَدَّمَهُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَالْفُرُوعُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: سَاغَ تَأْخِيرُهُ قَلِيلًا، وَعَنْهُ يُنْتَظَرُ يَوْمًا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُتْرَكُ يَوْمًا، وَقَالَ أَيْضًا: يُتْرَكُ مِنْ غَدْوَةٍ إلَى اللَّيْلِ. وَقِيلَ: يُتْرَكُ يَوْمَانِ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ قَالَ الْآمِدِيُّ: أَمَّا الْمَصْعُوقُ، وَالْخَائِفُ، وَنَحْوُهُ: فَيُتَرَبَّصُ بِهِ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَامَةُ الْمَوْتِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَالَ: إنْ لَا يَطُلْ مَرَضُهُ بُودِرَ بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُتْرَكُ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً، مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ. قَوْلُهُ (إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وَانْفِصَالِ كَفِيهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ) هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَزَادَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ: وَامْتَدَّتْ جِلْدَةُ وَجْهِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخُلَاصَةِ انْفِصَالَ كَفِيهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَيَقُّنَ مَوْتِهِ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَيِّتٍ وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي مَوْتِ الْفُجَاءَةِ وَنَحْوِهِ، إذَا شَكَّ فِيهِ

قُلْت: وَيُعْلَمُ الْمَوْتُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ فَجْأَةً بِطَرِيقِ أَوْلَى. الثَّانِي: قَوْلُهُ (إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ) رَاجِعٌ إلَى الْمُسَارَعَةِ فِي تَجْهِيزِهِ فَقَطْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ السَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ،، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ: أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " وَلِينُ مَفَاصِلِهِ " وَمَا بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالتَّجْهِيزِ قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْآجُرِّيُّ فِيمَنْ مَاتَ عَشِيَّةً: يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ، بَلْ يَبِيتُ مَعَهُ أَهْلُهُ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَكْفِينَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ النَّعْيُ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ يُكْرَهُ إعْلَانُ غَيْرِ قَرِيبٍ، أَوْ صَدِيقٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ جَارٍ. وَعَنْهُ أَوْ أَهْلُ دِينٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهُ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لِإِعْلَامِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَوْلُهُ عَنْ الَّذِي كَانَ يَقُمْ الْمَسْجِدَ (أَلَا آذَنْتُمُونِي) انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: إذَا مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَهَدْمٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَدَأَ بِالْأَخْوَفِ فَالْأَخْوَفِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا بَدَأَ بِالْأَبِ، ثُمَّ بِالِابْنِ، ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ قَدَّمَ أَفْضَلَهُمْ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَخْوَفُ، ثُمَّ الْفَقِيرُ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اسْتَوَوْا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، قَدَّمَ أَسَنَّهُمْ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السِّنِّ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ.

فَوَائِدُ. قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِغُسْلِهِ شُرُوطٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ طَهُورٍ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ مُسْلِمًا، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ، إنْ اُعْتُبِرَتْ لَهُ النِّيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ لَهُ النِّيَّةُ صَحَّ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُغَسِّلُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ إذَا لَمْ تُعْتَبَرْ النِّيَّةُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمَجْدِ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: الصَّحِيحُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، سَوَاءٌ اعْتَبَرْنَا لَهُ النِّيَّةَ أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ مُسْلِمٌ وَأَمَرَ كَافِرًا بِمُبَاشَرَةِ غُسْلِهِ، فَغَسَّلَهُ نَائِبًا عَنْهُ: صَحَّ غُسْلُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمَجْدُ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَصِحَّ الْغُسْلُ هُنَا، لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْغُسْلِ. فَيَصِحُّ كَالْحَيِّ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فَأَمَرَ كَافِرًا بِغَسْلِ أَعْضَائِهِ. وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ إذَا بَاشَرَهَا ذِمِّيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، اعْتِمَادًا عَلَى نِيَّةِ الْمُسْلِمِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ، وَوَجْهٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ إنْ صَحَّ غُسْلُ الْكَافِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ غَسَلَهُ الْكَافِرُ وَقُلْنَا: يَصِحُّ يَمَّمَهُ مَعَهُ مُسْلِمٌ. وَيَأْتِي غُسْلُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْ الشُّرُوطِ: كَوْنُ الْغَاسِلِ عَاقِلًا، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ جُنُبًا وَحَائِضًا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَعَنْهُ فِي الْحَائِضِ: لَا يُعْجِبُنِي، وَالْجُنُبُ أَيْسَرُ، وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ مِثْلُهُمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا وَعَكْسُهُ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً عَارِفًا بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ، وَقَالَ

أَبُو الْمَعَالِي: يَجِبُ ذَلِكَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي إلَّا ذَلِكَ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْمَعْرِفَةُ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ، وَيَصِحُّ غُسْلُ الْمُمَيِّزِ لِلْمَيِّتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ مِنْ مُمَيِّزٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ مُمَيِّزًا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْمُمَيِّزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ كَأَذَانِهِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الصِّحَّةَ قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ إذَا اسْتَقَلَّ بِغُسْلِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. كَمَا لَمْ يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ، بَلْ يَقَعُ فِعْلُهُ نَفْلًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: حَكَى بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ غَاسِلًا لِلْمَيِّتِ، وَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، رِوَايَتَيْنِ، وَطَائِفَةٌ وَجْهَيْنِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ كَأَذَانِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي إنْ عَلِمَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: وَيُتَوَجَّهُ فِي مُسْلِمِي الْجِنِّ كَذَلِكَ وَأَوْلَى، لِتَكْلِيفِهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ،، وَتَأْتِي النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ يُشْتَرَطُ الْعَقْلُ؟ . قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ مَنْ أَمْكَنَ غُسْلُهُ لَزِمَ نَبْشُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَجِبُ نَبْشُهُ، إذَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ تَغَيُّرُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ مُطْلَقًا. وَمِثْلُهُ مَنْ دُفِنَ غَيْرَ مُتَوَجِّهٍ إلَى

الْقِبْلَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُنْبَشُ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ يَتَفَسَّخَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ نَبْشُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ فَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَا. كَسَتْرِهِ بِلَا تُرَابٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالنَّاظِمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ [وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ] وَفِي الْمُنْتَخَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: وَلَوْ بَلِيَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ فَمَعَ تَفَسُّخِهِ لَا يُنْبَشُ فَإِذَا بَلِيَ كُلُّهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُنْبَشَ. وَلَوْ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ فَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي نَبْشِهِ وَجْهَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ نَبْشِهِ. وَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَكَالْغُسْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَصَّ عَلَيْهِ لِيُوجِدَ شَرْطَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي: لَا يُنْبَشُ. وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِإِمْكَانِهَا عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُخَيَّرُ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَذَا غَيْرُهَا، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، كَتَحْسِينِ كَفَنِهِ، وَدَفْنِهِ فِي بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ، وَدَفْنِهِ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ وَلَا حَنُوطٍ، وَكَإِفْرَادِهِ لِإِفْرَادِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِيهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ: يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ إذَا دُفِنُوا فِي مُبَاحٍ، وَيَأْتِي إذَا وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ، أَوْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ، أَوْ بَلَغَ مَالُ غَيْرِهِ: هَلْ يُنْبَشُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؟ .

قَوْلُهُ (وَأَوْلَى النَّاسُ بِهِ وَصِيُّهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ عَلَى الْوَلِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْغُسْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ بِالصَّلَاةِ فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُغَسِّلُ الْوَصِيُّ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَبُوهُ) بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ النِّكَاحِ بِتَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ جَدُّهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ فَقَطْ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْأَخُ وَبَنُوهُ عَلَى الْجَدِّ حَكَاهَا الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ) نَسَبًا وَنِعْمَةً فَيُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذْ قُلْنَا: هُمَا سَوَاءٌ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. فَكَذَا هُنَا، وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهَا وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَمُّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْأَبِ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَعْمَامُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الْأَبِ ثُمَّ وَجَدْت الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ وَغَيْرَهُمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) كَالْمِيرَاثِ فِي التَّرْتِيبِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ الْأَجَانِبُ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَوْ صَاحِبُ النَّظْمِ: ثُمَّ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ صَدِيقُهُ وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ تَقْدِيمَ الْجَارِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ: وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الصَّدِيقِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ثُمَّ ذَوِي رَحِمِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ثُمَّ أَصْدِقَاؤُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ، ثُمَّ غَيْرُهُمْ الْأَدْيَنُ الْأَعْرَفُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ فِي الْأَحْرَارِ، أَمَّا الرَّقِيقُ: فَإِنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِغُسْلِ عَبْدِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا حَقَّ لِلْقَاتِلِ فِي الْمَقْتُولِ إنْ لَمْ يَرِثْهُ، لِمُبَالَغَتِهِ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُتَّجَهُ فِي قَتْلٍ لَا يَأْثَمُ فِيهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَمِيرَ أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيِّهِ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي التَّقْدِيمِ: إنَّمَا هُوَ فِي غُسْلِهِ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ: فَأَحَقُّ النَّاسِ بِهَا وَصِيُّهُ كَمَا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ الْأَمِيرُ كَمَا قَالَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَمِيرُ عَلَى الْوَصِيِّ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الْوَصِيِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ. ابْنِ أَحْمَدَ، نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ عَلَى السُّلْطَانِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ " وَإِبْخَاسُ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ "

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: صِحَّةُ وَصِيَّتُهُ إلَى فَاسِقٍ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّحْنَا إمَامَتَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، الثَّانِيَةُ: لَوْ وَصَّى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَى اثْنَيْنِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ: يُصَلِّيَانِ مَعًا صَلَاةً وَاحِدَةً قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيلَ: يُصَلِّيَانِ مُنْفَرِدَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَمِيرِ هُنَا: هُوَ السُّلْطَانُ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ السُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ قُدِّمَ السُّلْطَانُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَأَمِيرُ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَمِيرُ الْبَلَدِ فَالْحَاكِمُ، قَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَ غَيْرُ صَاحِبِ الْفُصُولِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمِيرُ فَالنَّائِبُ مِنْ قَبْلِهِ فِي الْإِمَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ. الرَّابِعَةُ: لَيْسَ تَقْدِيمُ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَبَعْدَ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُوهُ، ثُمَّ جَدُّهُ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي غُسْلِهِ. فَيُقَدَّمُ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَعَمُّ الْأَبِ وَابْنُ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ كَانَ لِأَبٍ مِنْهُمْ، وَجَعَلَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّسْوِيَةِ كَالنِّكَاحِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي تَقْدِيمِ أَخٍ الْأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ: رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: هُمَا سَوَاءٌ، قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهُ قِيلَ فِي التَّرْجِيحِ بِالْأُمُومَةِ وَجْهَانِ. كَنِكَاحٍ وَتَحَمُّلِ

عَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي وِلَايَةِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ: يُقَدَّمُ بَعْدَ الْأَمِيرِ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ. فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَلَمْ أَرَهُ هُنَا لِلْأَصْحَابِ ثُمَّ الزَّوْجِ بَعْدَ الْعَصَبَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ: تَقْدِيمُ الْعَصَبَاتِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَشْهَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الْعَصَبَةِ كَغُسْلِهَا، وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهِيَ أَصَحُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَ الشَّرِيفُ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى ابْنِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاقْتَصَرَ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى كَلَامِ الشَّرِيفِ، فَأَبْطَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي بِتَقْدِيمِ أَبٍ عَلَى جَدٍّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِلَافِ لِلْقَاضِي: الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْمَيِّتَةِ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَاسَ عَلَيْهِ ابْنُهُ مِنْهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّوْجِ: تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَوَاتِ قَرَابَتِهِ، وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ: يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ، ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعَصَبَاتِ عَلَى الزَّوْجِ يُقَدَّمُ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثُمَّ السُّلْطَانُ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَالْمُرَادُ ثُمَّ الزَّوْجُ، إنْ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى عَصَبَةٍ. انْتَهَى.

فَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ: إذَا قَدَّمْنَا الْعَصَبَةَ عَلَى الزَّوْجِ، يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَإِذَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى الْعَصَبَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْأَحْرَارِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَقِيقًا: فَإِنَّ سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ السُّلْطَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ السُّلْطَانُ أَحَقُّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ. مَنْ قَدَّمَهُ الْوَلِيُّ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَوَكِيلُ كُلٍّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي رُتْبَتِهِ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ لِلْفِعْلِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَأَوْلَى، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ بِمَكَانٍ تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ تَحَوَّلَتْ لِلْأَبْعَدِ، فَلَهُ مَنْعُ مَنْ قُدِّمَ بِوَكَالَةٍ وَرِسَالَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ، وَلَوْ قَدَّمَ الْوَصِيُّ غَيْرَهُ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَ الْوَصِيِّ، أَوْ يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ، وَلَوْ تَسَاوَى اثْنَانِ فِي الصِّفَاتِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُقَدَّمُ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ قَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، [وَنَظْمِهَا النِّهَايَةُ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَوْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَاسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِتَقْدِيمِ الْقَرِيبِ

وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ عَلَى الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَالْمَرْأَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ أَجْنَبِيٌّ وَصَلَّى، فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ خَلْفَهُ صَارَ إذْنًا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيُشْبِهُ تَصَرُّفَ الْفُضُولِيِّ إذَا أُجِيزَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يُعِيدُ غَيْرُ الْوَلِيِّ قَالَ: وَتَشْبِيهُهُ الْمَسْأَلَةَ بِتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّقْدِيمِ بِلَا إذْنٍ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَتَقْدِيمِ غَيْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ بِلَا إذْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ هُنَا لِمَنْعِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا، وَكَوْنُهَا نَفْلًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: فَلَوْ صَلَّى الْأَبْعَدُ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَعَ حُضُورِ الْأَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ، كَصَلَاةِ غَيْرِ إمَامِ الْمَسْجِدِ الرَّاتِبِ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ افْتِيَاتٍ تَشِحُّ بِهِ الْأَنْفُسُ عَادَةً، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَلَوْ مَاتَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُقَدَّمُ أَقْرَبُ أَهْلِ الْقَافِلَةِ إلَى الْخَيْرِ وَالْأَشْفَقُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ كَالْإِمَامَةِ. قَوْلُهُ (وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا) حُكْمُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ، إذَا أَوْصَتْ: حُكْمُ الرَّجُلِ إذَا أَوْصَى عَلَى مَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْأَقَارِبُ، فَأَحَقُّ النَّاسِ يَغْسِلُهَا: أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ بِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، ثُمَّ الْقُرْبَى. كَالْمِيرَاثِ، وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَكَذَا بِنْتُ أَخِيهَا وَبِنْتُ أُخْتِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُقَدَّمُ بَنَاتُ الْأَخِ عَلَى بَنَاتِ الْأُخْتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَصَبَةً وَلَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَهِيَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ قَالَ: وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ أَوْلَى النِّسَاءِ ذَاتُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، ثُمَّ ذَاتُ الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ

فَالْأَقْرَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ امْرَأَتَانِ فِي الْقُرْبِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ فِيهَا، أَوْ عَدَمِهَا فَعِنْدَنَا هُمَا سَوَاءٌ، اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فَقَطْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا: فَهِيَ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بِنْتَيْ الْأَخِ وَالْأُخْتِ دُونَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي لِتَفْرِقَتِهِ وَجْهٌ. انْتَهَى. وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: حَتَّى وَالِيهِ وَقَاضِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ أَقَارِبِهَا الْأَجْنَبِيَّاتُ، ثُمَّ الزَّوْجُ، أَوْ السَّيِّدُ، عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ صَاحِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ زَوْجَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَنَفَى الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، إنْ أُبِيحَتْ الرَّجْعِيَّةُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: أَوْ حُرِّمَتْ، وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَغْسِلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُغَسِّلُهُ مُطْلَقًا كَالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: تُغَسِّلُهُ لِعَدَمِ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَقَطْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ غُسْلُ الْآخَرِ لِضَرُورَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ تُغَسِّلْهُ؛ لِرَفْعِ ذَلِكَ حِلَّ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ وَطِئَ أُخْتَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَاتَ

فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ إلَّا أَنْ تَضَعَ عَقِيبَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ الْحُرْمَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ تَنْبِيهٌ: أَثْبَتَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَى الْمَجْدُ: أَنَّ ابْنَ حَامِدٍ وَغَيْرَهُ أَثْبَتَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْهَا الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فَذَكَرَهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَنَصَرَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُغَسِّلُهَا مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَعَنْهُ يُغَسِّلُهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سُئِلَ: هَلْ يُغَسِّلُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ زَوْجَهَا؟ فَقَالَ: كِلَاهُمَا وَاحِدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ، مَنْ يُغَسِّلُهُمَا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. تَنْبِيهٌ: حَمَلَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَنَفْيِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَوْفَقُ لِنَصِّ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ (وَكَذَا السَّيِّدُ مَعَ سَرِيَّتِهِ وَهِيَ مَعَهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ غُسْلَ سُرِّيَّتِهِ، وَكَذَا الْعَكْسُ، لِبَقَاءِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا، أَوْ أَنَّ النَّفْيَ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَ حُكْمُهُ، وَعَنْهُ لَا يُغَسِّلُهَا وَلَا تُغَسِّلُهُ، وَقِيلَ: لَهُ تَغْسِيلُهَا دُونَهَا

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أُمُّ الْوَلَدِ مَعَ السَّيِّدِ وَهُوَ مَعَهَا كَالسَّيِّدِ مَعَ أَمَتِهِ وَهِيَ مَعَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْأَمَةِ؛ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْأَمَةِ مِنْ وَجْهٍ كَقَضَاءِ دَيْنٍ وَوَصِيَّةٍ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ جَازَ الْغُسْلُ، جَازَ النَّظَرُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرِ الْعَوْرَةِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَوَّزَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ بِلَا لَذَّةٍ، وَجَوَّزَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: اللَّمْسَ وَالْخَلْوَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي نَظَرِ الْفَرْجِ فَمَرَّةً أَجَازَهُ بِلَا لَذَّةٍ، وَمَرَّةً مَنَعَ قَالَ: وَالْمُعِينُ فِي الْغُسْلِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ كَالْغَاسِلِ فِي الْخَلْوَةِ بِهَا، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى الْآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، مَا عَدَا الْفَرْجَ، قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى امْرَأَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: تَرْكُ التَّغْسِيلِ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالسَّيِّدِ أَوْ مَنْ فَعَلَهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّوْجَةِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا [وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي السَّيِّدِ] وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ: تُقَدَّمُ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقِيَاسٌ: لَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي السَّيِّدِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الزَّوْجَةَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَفِيهِ وَجْهٌ: هُمَا سَوَاءٌ، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَقْدِيمِ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَعَكْسِهِ وَجْهَانِ فَحَكَى

الْخِلَافَ فِي أَنَّ الزَّوْجَةَ هَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجَةِ؟ وَأَطْلَقَهُمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ: هَلْ الزَّوْجَةُ أَوْلَى، أَوْ هُمَا سَوَاءٌ؟ فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، وَفِي تَقْدِيمِ زَوْجٍ عَلَى سَيِّدٍ وَعَكْسِهِ، وَتَسَاوِيهِمَا فَيَقْرَعُ: أَوْجُهٌ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ السَّيِّدِ فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ تَسَاوِيهِمَا، قُلْت: الصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سَرِيَّتِهِ " أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَلَا الْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ، وَقَدْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ مِنْ زَوْجٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي اسْتِبْرَاءٍ فَوَجْهَانِ وَلَا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا. انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ إشْكَالٌ وَوَجْهُهُ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ غُسْلِ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا اجْتَمَعَ سَيِّدٌ وَزَوْجٌ هَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ؟ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ يُجَوِّزُوا لِلسَّيِّدِ غُسْلَهَا لَمَّا تَأَتَّى الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي عَنْ ذَلِكَ جَوَابٌ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي. فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي فِي الْفُرُوعِ فَيَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ، وَيَكُونُ قَوْلًا لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لِلسَّيِّدِ غَسْلُ مُكَاتَبَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ لَهَا غَسْلُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَطْأَهَا. قَوْلُهُ (وَلِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غُسْلُ مَا لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ دُونَهَا بِلَحْظَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ

وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ لِلْجَارِيَةِ. وَقَالَ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُمْنَعُ مِنْ غُسْلِهَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ غُسْلِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ دُونَ سَبْعٍ إلَى ثَلَاثٍ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ الْغَرِيبِ غُسْلُ ابْنَةِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالنَّظَرُ إلَيْهَا، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا: لِلرَّجُلِ غُسْلُ بِنْتِ خَمْسٍ فَقَطْ قَوْلُهُ (وَفِي غُسْلِ مَنْ لَهُ سَبْعٌ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ، فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى قَوْلٍ لِأَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى جَوَازِ غُسْلِ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهَا غُسْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْجَوَازَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ. انْتَهَى. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا قَوْلَانِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ غُسْلُهُ دُونَ الرَّجُلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ فَقَالَا: وَلِلْأُنْثَى غُسْلُ ذَكَرٍ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ وَلَا عَكْسَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، فَجَعَلَهُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَإِنَّمَا حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا أَوَّلًا، وَهُوَ أَوْلَى

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا غُسْلُ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ غُسْلُ مَنْ لَهُ سَبْعٌ إلَى عَشْرِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، أَمْكَنَ الْوَطْءَ أَمْ لَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَلَا عَوْرَةَ إذَنْ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ إذَا بَلَغَ عَشْرًا وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: تُحَدُّ الْجَارِيَةُ بِتِسْعٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُمَا غُسْلُهُمَا إلَى الْبُلُوغِ وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ، أَوْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ: يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَعَنْهُ التَّيَمُّمُ وَصَبُّ الْمَاءِ سَوَاءٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ التَّيَمُّمُ بِحَائِلٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: أَوْ بِدُونِ حَائِلٍ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَمَسُّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَمَسُّ بِحَائِلٍ فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْخُنْثَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَالرِّجَالُ أَوْلَى مِنْهُنَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هُنَّ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَلَا يَدْفِنُهُ) ، وَكَذَا لَا يُكَفِّنُهُ، وَلَا يَتَّبِعُ جِنَازَتَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَعَلَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ مُشَيْشٍ: قَوْلٌ قَدِيمٌ، أَوْ يَكُونُ

قَرَابَةً بَعِيدَةً، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِثْلَ مَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ دُونَ غُسْلِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَلِيَ قَرَابَتَهُ الْكَافِرَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ دَفْنُهُ خَاصَّةً قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غُسِّلَ أَنَّهُ كَثَوْبٍ نَجَسٍ فَلَا يُوَضَّأُ وَلَا يَنْوِي الْغُسْلَ، وَيُلْقَى فِي حُفْرَةٍ. قُلْت: هَذَا مُتَعَيَّنٌ قَطْعًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهَا رَكِبَ وَسَارَ أَمَامَهَا، قُلْت: قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ بِذَلِكَ، لَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ: وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ» فَيُعَايَى بِهَا تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: إذَا كَانَ الْكَافِرُ قَرَابَةً أَوْ زَوْجَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَسَوَّى فِي التَّبْصِرَةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَمَّا غُسْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ: فَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ، فَيَدْفِنُهُ) قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ لَزَمَنَا دَفْنُهُ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: لَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ كَمُرْتَدٍّ فَنَتْرُكُهُ طُعْمَةَ الْكَلْبِ، وَإِنْ غَيَّبْنَاهُ فَكَجِيفَةٍ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّهَا بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا صَغِيرًا دُونَ سَبْعٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ مُجَرَّدًا بِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَيَجُوزُ مَسُّ عَوْرَتِهِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي الْغُسْلِ بِمَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَسَنُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ يُقَدَّمُ الْأَخْوَفُ، ثُمَّ الْفَقِيرُ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ. قَوْلُهُ (وَجَرَّدَهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ: فَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ وَاسِعٍ [الْكُمَّيْنِ] جَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، انْتَهَى، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ، يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقَ الْكُمَّيْنِ: فَتَقَ الدَّخَارِيصَ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَرَّدَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَا يَنْزِعُ قَمِيصَهُ إلَّا أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ فَيَفْتُقُ

الْكُمَّ، أَوْ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ، أَوْ يُجَرِّدُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ قَوْلُهُ (وَيَسْتُرُ الْمَيِّتَ عَنْ الْعُيُونِ) فَيَكُونُ تَحْتَ سِتْرٍ، كَسَقْفٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يُغَسَّلُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْضُرُ إلَّا مَنْ يُعِينُ فِي غُسْلِهِ) وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ الْحُضُورُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لِوَلِيِّهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُغَطَّى وَجْهُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَغَيَّرَ لِدَمٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَيُظَنُّ بِهِ السُّوءُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَكَذَا عَلَى مُغْتَسَلِهِ مُسْتَلْقِيًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ: وَنُصُوصُهُ يَكُونُ كَوَقْتِ الِاحْتِضَارِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ عَصْرًا رَفِيقًا، وَيُكْثِرُ صَبَّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ) يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّ غَسْلَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: غَيْرُ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ لَا يَعْصِرُ بَطْنَهَا، لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْوَلَدَ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَغَيْرُهُمَا. [قَوْلُهُ (ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيُنَجِّيهِ) ، وَصِفَتُهُ: أَنْ يَلُفَّهَا عَلَى يَدِهِ، فَيَغْسِلُ بِهَا أَحَدَ الْفَرْجَيْنِ، ثُمَّ يُنَجِّيهِ، وَيَأْخُذُ

أُخْرَى لِلْفَرْجِ الْآخَرِ، وَفِي الْمُجَرَّدِ: يَكْفِي خِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْفَرْجَيْنِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهَا غُسِلَتْ وَأُعِيدَتْ] . تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِهِ وَلَا النَّظَرُ فِيهَا) يَعْنِي: إذَا كَانَ الْمَيِّتُ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إلَّا بِخِرْقَةٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَدَنُهُ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إكْرَامًا لَهُ، مِنْ حَيْثُ وَجَبَ سِتْرُ جَمِيعِهِ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْضُرَهُ إلَّا مَنْ يُعِينُ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ كَقَوْلِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: جَمِيعُ بَدَنِهِ عَوْرَةٌ؛ لِوُجُوبِ سَتْرِ جَمِيعِهِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّيَّةَ لِغُسْلِهِ فَرْضٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَرْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: فَرْضٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجْهًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِحُصُولِ تَنْظِيفِهِ بِدُونِهَا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا: يَنْجُسُ بِمَوْتِهِ، صَحَّ غُسْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةٌ: لَا يُعْتَبَرُ نَفْسُ فِعْلِ الْغُسْلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْغَرِيقِ عَلَى الْأَظْهَرِ فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْفِعْلِ، قَالَهُ فِي الْحَوَاشِي

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ تُرِكَ الْمَيِّتُ تَحْتَ مِيزَابٍ، أَوْ أُنْبُوبَةٍ، أَوْ مَطَرٍ، أَوْ كَانَ غَرِيقًا فَحَضَرَ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ وَنَوَى غُسْلَهُ إذَا اشْتَرَطْنَاهَا وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ غُسْلُهُ فِيهِ: أَجْزَأَ ذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ. وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مَاتَ بِغَرَقٍ أَوْ بِمَطَرٍ فَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجِبُ تَغْسِيلُهُ، وَلَا يُجْزِئُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا إنْ اعْتَبَرْنَا الْفِعْلَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ نَوَى غُسْلَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى غُسْلِهِ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفِعْلُ وَلَا النِّيَّةُ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَجِبُ غُسْلُ الْغَرِيقِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَمَأْخَذُهَا وُجُوبُ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (وَيُسَمِّي) حُكْمُ التَّسْمِيَةِ هُنَا: فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ حُكْمُهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا قَوْلُهُ (وَيُدْخِلُ إصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بِالْمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَفْعَلُ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ خَشِنَةٍ مَبْلُولَةٍ، أَوْ بِقُطْنَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى الْخَلَّالِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْأَوْلَى نَصَّ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى فِيهِ وَأَنْفِهِ وَلَا يُدْخِلُهُ فِيهِمَا. فَائِدَةٌ: فِعْلُ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ

وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَكَالْمَضْمَضَةِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِخِرْقَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيُوَضِّئُهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وُضُوءَهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِقِيَامِ مُوجِبِهِ، وَهُوَ زَوَالُ عَقْلِهِ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِهِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ قَوْلُهُ (وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَقَوْلُهُ (وَسَائِرَ بَدَنِهِ) هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ بِرَغْوَةِ السِّدْرِ إلَّا رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا ضَرَبَ السِّدْرَ وَغَسَلَ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، أَوْ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيُّ [أَنَّ السِّدْرَ يَكُونُ فِي الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ] وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لِقَوْلِهِ " يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا " بَعْدَ ذِكْرِ السِّدْرِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ اخْتَارَهُ

جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ يَجْعَلُ السِّدْرَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَيَكُونُ فِي الثَّالِثَةِ الْكَافُورُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: ثَلَاثًا بِسِدْرٍ، وَآخِرُهَا بِمَاءٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُمْرَجُ جَسَدُهُ كُلَّ مَرَّةٍ بِالسِّدْرِ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُدْلَكُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُمْرَخُ بِسِدْرٍ مَضْرُوبٍ أَوَّلًا، وَأَمَّا صِفَةُ السِّدْرِ مَعَ الْمَاءِ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَكُونُ فِي كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ مِنْ السِّدْرِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ السِّدْرِ يَسِيرًا، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ الْقَرَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ فِي الثَّانِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُذَرُّ السِّدْرُ فِيهِ وَإِنْ غَيَّرَهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ مَعَ الْمَاءِ سِدْرٌ يُغَيِّرُهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُطْرَحُ فِي كُلِّ الْمَاءِ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ السِّدْرِ لَا يُغَيِّرُهُ، وَقَالَ: الَّذِي وَجَدْت عَلَيْهِ أَصْحَابَنَا أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْغَسْلَةِ وَزْنُ دِرْهَمٍ وَنَحْوُهُ مِنْ السِّدْرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ تَبِعَهُمَا: يُغَسَّلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِثِقَلِ السِّدْرِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ. فَيَكُونُ الْجَمِيعُ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَالِاعْتِدَادُ بِالْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ زَالَ السِّدْرُ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ الَّتِي فِيهَا السِّدْرُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ. فَائِدَةٌ: يَقُومُ الْخِطْمِيُّ وَنَحْوُهُ مَقَامَ السِّدْرِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ فِي غُسْلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ، ثُمَّ بِالْكَتِفِ إلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ [ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيَغْسِلُ ظَهْرَهُ وَوَرِكَهُ وَفَخِذَهُ، وَيَفْعَلُ بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ] ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الَّذِي فِي

الْكَافِي، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِفِعْلِ الْحَيِّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ لَا يَغْسِلُ الْأَيْسَرَ قَبْلَ إكْمَالِ غَسْلِ الْأَيْمَنِ فَائِدَةٌ: يُقَلِّبُهُ عَلَى جَنْبِهِ مَعَ غَسْلِ شِقَّيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُقَلِّبُهُ بَعْدَ غَسْلِهِمَا. قَوْلُهُ (يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذَلِكَ مَعَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى رِوَايَةً قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ يُوَضِّئُ لِكُلِّ غَسْلَةٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّثْلِيثِ: غَيْرُ الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَلَا يُوَضِّئُ إلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُعَادُ وُضُوءُهُ، قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ فِي غُسْلِهِ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي. قَوْلُهُ (وَيُمِرُّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَدَهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ [نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ يَلِينُ فَهُوَ أَمَكْنُ، وَعَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَقِبَ الثَّالِثَةِ] وَقِيلَ: هَلْ يُمِرُّ يَدَهُ ثَلَاثًا، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ مَرَّةً؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، غَسَلَهُ إلَى خَمْسٍ. فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ غَسَلَ إلَى خَمْسٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالْخَمْسِ غَسَلَ إلَى سَبْعٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَالْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ: يُزَادُ إلَى خَمْسٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ إلَى أَنْ يَنْفِيَ، وَيَقْطَعُ عَلَى وِتْرٍ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَذْكُرُ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَوْقَهَا عَدَدًا، وَقَوْلُ أَحْمَدَ " لَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ " مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غَسَلَ غُسْلًا مُنَقِّيًا إلَى سَبْعٍ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» . الثَّانِيَةُ: إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَغْسِلُ إلَى خَمْسٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِلَى سَبْعٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعُ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ وَجَبَ لِزَوَالِ عَقْلِهِ. فَقَدْ وَجَبَ بِمَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَبْطُلَ الْغُسْلُ بِأَنْ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ كَخَلْعِ الْخُفِّ لَا يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَيَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِهِ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَغَيْرَهُ قَطَعُوا أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، بَلْ تُغْسَلُ النَّجَاسَةُ وَيُوَضَّأُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَأْتِي إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ قَرِيبًا. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمَسَتْهُ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ، وَانْتَقَضَ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ: غُسِّلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. فَيُعَايَى بِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَوَضَّأُ فَقَطْ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَإِطْلَاقُهُ يَعُمُّ الْخَارِجَ النَّاقِضَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَسْهَلُ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يُعَادُ الْغُسْلُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ حَدَثًا مِنْ الْحَيِّ خِلَافًا فَنَقَصَتْ رُتْبَتُهُ عَنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يُعَادُ الْغُسْلُ مِنْ يَسِيرِهِ كَمَا يُنْقَضُ وُضُوءُ الْحَيِّ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، الثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْغُسْلُ بِمَوْتِهِ. وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِزَوَالِ عَقْلِهِ، وَتَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ لَا غَيْرُ فَيُعَايَى بِهِنَّ. قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي كُلِّ الْغَسَلَاتِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ مَعَ الْكَافُورِ سِدْرٌ، عَلَى الصَّحِيحِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ وَحْدَهُ فِي مَاءٍ قَرَاحٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَالْمَاءُ الْحَارُّ وَالْخِلَالُ وَالْأُشْنَانُ يُسْتَعْمَلُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ كُرِهَ فِي الْخِلَالِ وَالْأُشْنَانِ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُكْرَهُ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مُوجِبُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَامِدٍ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِغُسْلِهِ فِي الْحَمَّامِ نَقَلَهُ مُهَنَّا.

فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَيَقُصُّ شَارِبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُقَلِّمُهَا قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ طَالَتْ وَفَحُشَتْ أُخِذَتْ وَإِلَّا فَلَا. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَأْخُذُ شَعْرَ إبْطَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهُ، وَقِيلَ: إنْ فَحُشَ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: لَا يَأْخُذُ شَعْرَ عَانَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يَأْخُذُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَعَنْهُ إنْ فَحُشَ أَخَذَهُ: وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيَأْخُذُ مَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ أَخْذِهِ: يَكُونُ بِنَوْرَةٍ، لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّهَا أَسْهَلُ مِنْ الْحَلْقِ بِالْحَدِيدِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ

قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ] ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. [وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ] ، وَقِيلَ: يُزَالُ بِأَحَدِهِمَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيُزَالُ شَعْرُ عَانَتِهِ بِالنُّورَةِ، أَوْ بِالْحَلْقِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ: لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِيَدِهِ: بَلْ يَكُونُ عَلَيْهَا حَائِلٌ، وَكُلُّ مَا أُخِذَ: فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مَعَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ كَانَ عُضْوًا سَقَطَ مِنْهُ، وَيُعَادُ غُسْلُ الْمَأْخُوذِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْهُ كَعُضْوٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ. الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ خَتْنُهُ، بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ، الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ حَلْقُ رَأْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَقُصُّ، وَقِيلَ: يَحْلِقُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. الْخَامِسَةُ: يُسْتَحَبُّ خِضَابُ شَعْرِ الْمَيِّتِ بِحِنَّاءٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِلشَّائِبِ دُونَ غَيْرِهِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَحَمَلَ نَصَّ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُخَضَّبُ مَنْ كَانَ عَادَتُهُ الْخِضَابَ فِي الْحَيَاةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُهُ وَلَا لِحْيَتُهُ) . هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُسَرَّحُ الْكَثِيفُ. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَامِدٍ يُمَشَّطُ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ فَأَمَّا الْمُحْرِمُ: فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا.

وَقَوْلُهُ (وَيُضْفَرُ شَعْرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُسْدَلُ أَمَامَهَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ) ؛ لِئَلَّا يَبْتَلَّ كَفَنُهُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْحَيِّ فِي رِوَايَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَفِي الْوَاضِحِ أَيْضًا: لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ غُسْلِ الْحَيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَنْشِيفَ الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِ الْمَيِّتِ رِوَايَةً بِكَرَاهَةِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ كَدَمِ الشَّهِيدِ، وَفِي الْفُصُولِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ: لَا يَتَنَجَّسُ مَا نَشَّفَ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَتَنَجَّسُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ حَشَاهُ بِالْقُطْنِ فَإِنْ لَمْ يُمْسِكْ فَبِالطِّينِ الْحُرِّ) إذَا خَرَجَ مِنْهُ بَعْدَ السَّبْعِ شَيْءٌ، سَدَّ الْمَكَانَ بِالْقُطْنِ وَالطِّينِ الْحُرِّ، وَلَا يُكْرَهُ حَشْوُ الْمَحَلِّ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بِذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ) ، وَيُوَضَّأُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى السَّبْعِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً لَكِنْ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ غُسِلَ الْمَحَلُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْدُ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ. قَوْلُهُ (وَيُوَضَّأُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب. وَعَنْهُ لَا يُوَضَّأُ لِلْمَشَقَّةِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ

تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ يُلْجِمُ الْمَحَلَّ بِالْقُطْنِ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ حَشَاهُ بِهِ. قَالَ: وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا يَعْنِي بِهِ أَبَا الْمَعَالِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي أَكْفَانِهِ: لَمْ يَعُدْ إلَى الْغُسْلِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ، وَيَطْهُرُ كَفَنُهُ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ، إنْ كَانَ غُسِلَ دُونَ سَبْعٍ، وَعَنْهُ يُعَادُ غُسْلُهُ مِنْ الْخَارِجِ، إذَا كَانَ كَثِيرًا قَبْلَ تَكْفِينَهُ وَبَعْدَهُ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَنَصُّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ خُرُوجُ الدَّمِ أَيْسَرُ، وَتَقَدَّمَ الِاحْتِمَالُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُغَسَّلُ الْمُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَلَا يُغَسَّلُ كَالْحَلَالِ، لِئَلَّا يَتَقَطَّعَ شَعْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُخَمَّرُ رَأْسُهُ) أَنَّهُ يُغَطِّي سَائِرَ بَدَنِهِ، فَيُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: الْمَنْعُ مِنْ تَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصُ قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ وَهْمٌ مِنْ نَاقِلِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّهِ غَيْرُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ مِنْ حَنْبَلٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّي جَمِيعَ بَدَنِ الْمُحْرِمِ إلَّا رَأْسَهُ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلَيْنِ. وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ تَغْطِيَتِهِمَا فِي حَيَاتِهِ. فَهَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: فَلَا يُقَالُ: كَلَامُ الْخِرَقِيِّ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ. إذْ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ» أَيْ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ. وَالْعَادَةُ: أَنَّهُ لَا يُغَطَّى مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رِجْلَيْهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ تَحْرِيمِ أَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ تَغْطِيَةَ قَدَمَيْ الْحَيِّ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَالْخُفِّ وَالْجَوْرَبِ وَالْجُمْجُمِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ اسْتَيْقَنَا تَحْرِيمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَادُ فِيهِ: سَتْرُهُمَا بِالْكَفَنِ فَكَانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى. انْتَهَى. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَعَنْهُ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: يُجَنَّبُ الْمُحْرِمُ الْمَيِّتُ مَا يُجَنَّبُ فِي حَيَاتِهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْفِدَاءُ عَلَى الْفَاعِلِ بِهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَوْ فَعَلَهُ حَيًّا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَسْتُرُ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ بَقِيَّةَ كَفَنِهِ كَحَلَالٍ. وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: الْجَوَازَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي أَحْكَامِ الْمُحْرِمِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً: فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلْبَاسُهَا الْمَخِيطَ، وَتُجَنَّبُ مَا سِوَاهُ، وَلَا يُغَطَّى وَجْهُهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، الثَّالِثَةُ: لَا تُمْنَعُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا مَاتَتْ مِنْ الطِّيبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تُمْنَعُ. قَوْلُهُ (وَالشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ) سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ

غُسْلَهُ مُحَرَّمٌ، وَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ قَطَعَ أَبُو الْمَعَالِي بِالتَّحْرِيمِ، وَحَكَى رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَجُوزُ غُسْلُهُ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِأَصْحَابِنَا: هَلْ غُسْلُ الشَّهِيدِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ فَيُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا) يَعْنِي فَيُغَسَّلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَعَنْهُ لَا يُغَسَّلُ أَيْضًا. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: حُكْمُ مَنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حُكْمُ الْجُنُبِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَكَذَا كُلُّ غُسْلٍ وَجَبَ قَبْلَ الْقَتْلِ كَالْكَافِرِ يُسْلِمُ ثُمَّ يُقْتَلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ: لَا يُغَسَّلُ، وَإِنْ غُسِّلَ غَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا: فَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْغُسْلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ: فَهَلْ يُوَضَّأُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَوَاشِي، قُلْت: الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُوَضَّأُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْغُسْلِ [وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ] . الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ عَلَى الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُغَسَّلُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِبَقَائِهَا كَالدَّمِ فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِزَوَالِ الدَّمِ لَمْ يَجُزْ إزَالَتُهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِغَسْلِهَا مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

الثَّالِثَةُ: صَرَّحَ الْمَجْدُ بِوُجُوبِ بَقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَذَكَرُوا رِوَايَةَ كَرَاهَةِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ، كَدَمِ الشَّهِيدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهَا) يَعْنِي إنْ أَحَبَّ كَفَّنَ الشَّهِيدَ فِي ثِيَابٍ غَيْرِ الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ دَفْنُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجِبُ دَفْنُهُ فِي بَقِيَّةِ ثِيَابِهِ فِي الْمَنْصُوصِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى ثِيَابِهِ، وَلَا يُنْقَصُ عَنْهَا بِحَسَبِ الْمَسْنُونِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ لِيَحْصُلَ الْمَسْنُونُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَحُكِيَ عَنْهُ: تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّ

فَعَلَيْهَا: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَرْكُهَا أَفْضَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي الشَّهِيدِ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ فَأَمَّا الشَّهِيدُ الَّذِي يُغَسَّلُ: فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ قِيلَ: سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ. [وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُ لَهُ] وَقِيلَ: لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ حَتَّى قُتِلَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَشْهَدُ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِالْقَتْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لِلَّهِ بِالْوُجُودِ وَالْإِلَهِيَّةِ بِالْفِعْلِ، كَمَا شَهِدَ غَيْرُهُ بِالْقَوْلِ، وَقِيلَ: لِسُقُوطِهِ بِالْأَرْضِ. وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِوُجُوبِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: مِنْ أَجْلِ شَاهِدِهِ، وَهُوَ دَمُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ بِظَاهِرِ حَالِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُشْهَدُ لَهُ بِالْأَمَانِ مِنْ النَّارِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَّا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عَشَرَ قَوْلًا، ذَكَرَ السَّبْعَةَ الْأُولَى: ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالثَّلَاثَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: ابْنُ قُرْقُورٍ فِي الْمَطَالِعِ، وَالْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ: ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَقَالَ: وَبَعْضُ هَذَا يَخْتَصُّ بِمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَبَعْضُهَا يَعُمُّ غَيْرَهُ. انْتَهَى. وَلَا يَخْلُو بَعْضُهَا مِنْ نَوْعِ تَدَاخُلٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ) يَعْنِي غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ، أَوْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ مِنْهَا قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَكَذَا مَنْ عَادَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ فِيهَا نَصَّ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى

عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَحُكِيَ رِوَايَةً وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَدِيمًا فِيمَنْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ، أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَمَاتَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ فِي بِئْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ وُجِدَ مَيِّتًا، وَلَا أَثَرَ بِهِ [قَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ أَنَّهُ إذَا عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقَتَلَهُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَصَرَاهُ] . تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ) هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَزَادَ أَبُو الْمَعَالِي " وَلَا دَمَ فِي أَنْفِهِ وَدُبُرِهِ، أَوْ ذَكَرِهِ " قَوْلُهُ (أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ) يَعْنِي لَوْ جُرِحَ فَأَكَلَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ جُرِحَ فَشَرِبَ، أَوْ نَامَ، أَوْ بَالَ، أَوْ تَكَلَّمَ، زَادَ جَمَاعَةٌ: أَوْ عَطَسَ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقِيلَ: لَا يُغَسَّلُ إلَّا إذَا طَالَ الْفَصْلُ، أَوْ أَكَلَ فَقَطْ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الْفَصْلِ أَوْ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ ذَوِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَطُولُ الْفَصْلِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا فَأَمَّا الشُّرْبُ وَالْكَلَامُ: فَيُوجَدَانِ مِمَّنْ هُوَ فِي السِّيَاقِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَعَ جِرَاحَةٍ كَثِيرَةٍ، وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ مَعَهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ بِهِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِتَقَضِّي الْحَرْبِ فَمَتَى مَاتَ وَهِيَ قَائِمَةٌ لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْهُ

شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا غُسِّلَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ عَنْ مَذْهَبِنَا. انْتَهَى. قَالَ الْآمِدِيُّ: إذَا خَرَجَ الْمَجْرُوحُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْقِتَالِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقِيَامِ الْحَرْبِ فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ قَائِمَةٌ لَمْ يُغَسَّلْ، وَإِنْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ غُسِّلَ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: إنَّمَا يُتْرَكُ غُسْلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَإِنْ حُمِلَ وَفِيهِ رَوْحٌ غُسِّلَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ عُرْفًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا) كَقَتِيلِ اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِ (فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ ظُلْمًا عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ: إذَا قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَتَيْنِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقِيلَ: بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ قَتِيلِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ يَلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ إنْ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. كَقَتِيلِ الْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ فِي الْمَعْرَكَةِ، أَوْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا فِي غَيْرِ حَرْبٍ، كَخُبَيْبٍ، وَإِلَّا فَلَا.

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: قِيلَ: إنَّمَا لَمْ يُغَسَّلْ الشَّهِيدُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، لِكَثْرَةِ الشُّهَدَاءِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ لَمْ يُغَسَّلُوا، وَقِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِئَلَّا يَزُولَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبُ بَقَاؤُهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمَوْتَى، وَقِيلَ: لِغِنَاهُمْ عَنْ الشَّفَاعَةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الشَّهِيدُ غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ: بِضْعَةُ عَشَرَ، مُفَرَّقَةٌ فِي الْأَخْبَارِ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا «مَوْتُ الْغَرِيبِ: شَهَادَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْخَلَّالُ مَرْفُوعًا وَأَغْرَبُ مِنْهُ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَوْنُ الْعِشْقِ شَهَادَةً مُحَالٌ، وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِذَا وُلِدَ السِّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ: أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ فَقَالَ: بَعْدَ أَرْبَعِ الشُّهُورِ سِقْطٌ يُغَسَّلُ ... وَصُلِّيَ وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ نَقَلُوا وَعَنْهُ مَتَى بَانَ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. [وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى] وَجَزَمَ بِهِ فِي، الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ: وَقَدْ ضَبَطَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْحَيَاةِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ هَذَا الْمَوْلُودِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا يُسَمَّى إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُبْعَثُ قَبْلَهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ: يُبْعَثُ قَبْلَهَا. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: لَا يُقْطَعُ بِإِعَادَتِهِ وَعَدَمِهَا كَالْجَمَادِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْعَلَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَادُ وَلَا يُحَاسَبُ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أَيْضًا، وَإِنْ جُهِلَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ سُمِّيَ بِاسْمٍ صَالِحٍ لَهُمَا، كَطَلْحَةَ وَهِبَةَ اللَّهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ السِّقْطُ مِنْ كَافِرٍ فَإِنَّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَكَمُسْلِمٍ، وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ. الرَّابِعَةُ: مَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْفِينَهُ، وَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ سَلًّا. كَإِدْخَالِهِ فِي الْقَبْرِ مَعَ خَوْفِ فَسَادٍ أَوْ حَاجَةٍ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ يُثْقَلُ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَلَا مَوْضِعَ لَنَا الْمَاءُ فِيهِ بَدَلٌ عَنْ التُّرَابِ إلَّا هُنَا فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، مِثْلُ اللَّدِيغِ وَنَحْوِهِ) وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمُحْتَرِقِ وَنَحْوِهِ: يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ. كَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِمَعْرَكَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَنْ خِيفَ تَلَاشِيهِ بِهِ يُغَسَّلُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ تَعَذَّرَ خُرُوجُهُ مِنْ تَحْتِ هَدْمٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ كَمُحْتَرِقٍ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا) شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا رَأَى غَيْرَ الْحَسَنِ. الثَّانِيَةُ: إذَا رَأَى حَسَنًا. الْأُولَى صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ، وَالثَّانِيَةُ: مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ غَيْرِ الْحَسَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَلَى الْغَاسِلِ " لِأَنَّ " عَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ الْغَاسِلَ سِتْرُ الشَّرِّ، لَا إظْهَارُ الْخَيْرِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَالتَّحَدُّثُ بِهِ حَرَامٌ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ سَتْرُ مَا رَآهُ مِنْ قَبِيحٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ إظْهَارُ الْحَسَنِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مَعْرُوفًا بِبِدْعَةٍ أَوْ قِلَّةِ دِينٍ أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ، وَسَتْرُ الْخَيْرِ عَنْهُ، لِتُجْتَنَبَ طَرِيقَتُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْكَافِي، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ عِنْدِي بِإِظْهَارِ الشَّرِّ عَنْهُ لِتُحْذَرَ طَرِيقُهُ. انْتَهَى. لَكِنْ هَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ أَوْ يُبَاحُ؟ قَالَ فِي النُّكَتِ: فِيهِ خِلَافٌ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ كَفَنُ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ، مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارُوهُ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: الْوَاجِبُ لِحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَوْبُ وَاحِدٍ بِلَا نِزَاعٍ، فَلَوْ وَصَّى بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ تُسْمَعْ وَصِيَّتُهُ، وَكَذَا لِحَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَحَكَى رِوَايَةً. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ صَحَّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا قُلْنَا يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، لَا عَلَى الدَّيْنِ [اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّيْنِ] وَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَفِي الزَّائِدِ لِلْجَمَالِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: تَجِبُ ثَلَاثَةٌ لِلرَّجُلِ، وَخَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ ". الثَّانِيَةُ: يَجِبُ مَلْبُوسُ مِثْلِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ إذَا لَمْ يُوَصِّ بِدُونِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَكُونُ بِحَسَبِ حَالِهِ كَنَفَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ. الثَّالِثَةُ: الْجَدِيدُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَتِيقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ [مَا لَمْ يُوَصِّ بِغَيْرِهِ] ، وَقِيلَ: الْعَتِيقُ الَّذِي لَيْسَ بِبَالٍّ أَفْضَلُ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يُحْرِمُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ؟ فَرَآهُ حَسَنًا، وَعَنْهُ يُعْجِبُنِي جَدِيدٌ أَوْ غَسِيلٌ، وَكُرِهَ لُبْسُهُ حَتَّى يُدَنِّسَهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَحْسِينِهِ وَلَا يَجِبُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحَيْضِ.

الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَنِ: أَنْ لَا يَصِفَ الْبَشَرَةَ، وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَحْكِي هَيْئَةَ الْبَدَنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْبَشَرَةَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا بِشَعْرٍ وَصُوفٍ، وَيَحْرُمُ بِجُلُودٍ، وَكَذَا بِحَرِيرٍ لِلْمَرْأَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ احْتِمَالًا لِابْنِ عَقِيلٍ، [قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى النَّصِّ] وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَيَجُوزُ التَّكْفِينُ بِالْحَرِيرِ عِنْدَ الْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَكُونُ ثَوْبًا وَاحِدًا وَالْمُذَهَّبُ مِثْلُ الْحَرِيرِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَيُكْرَهُ تَكْفِينُهَا بِمُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ فَلَا يُكْرَهُ لَهَا، لَكِنَّ الْبَيَاضَ أَوْلَى. انْتَهَى. وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ بِمَا فِيهِ النُّقُوشُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْفُصُولِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَيَحْرُمُ تَكْفِينَ الصَّبِيِّ بِحَرِيرٍ. وَلَوْ قُلْنَا: بِجَوَازِ لُبْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ: لَا يُكْرَهُ تَعْمِيمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ حَمْدَانَ] . السَّادِسَةُ: لَوْ سُرِقَ كَفَنُ مَيِّتٍ كُفِّنَ ثَانِيًا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ ثَانِيًا، وَثَالِثًا فِي الْمَنْصُوصِ، وَسَوَاءٌ قُسِّمَتْ التَّرِكَةُ أَوْ لَا، مَا لَمْ يُصْرَفْ فِي دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَلَوْ جُبِيَ لَهُ كَفَنٌ فَمَا فَضَلَ فَلِرَبِّهِ فَإِنْ جُهِلَ كُفِّنَ بِهِ آخَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: تُصْرَفُ الْفَضْلَةُ فِي كَفَنِ آخَرَ، وَلَوْ عَلِمَ رَبُّهَا جَزَمَ بِهِ فِي

الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي مُنْتَخَبِ وَلَدِ الشِّيرَازِيِّ: هُوَ كَزَكَاةٍ فِي رِقَابٍ أَوْ غُرْمٍ. وَجَعَلَ الْمُدَّ اخْتِلَاطُهُ كَجَهْلِ رَبِّهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْفَضْلَةُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ وَرَثَةُ رَبِّهِ فَهُوَ إذْنٌ وَاضِحٌ مُتَعَيَّنٌ، قَالَا لِضَعْفٍ وَسَهْوٍ، وَلَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ أَوْ أَخَذَهُ بِكَفَنِهِ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ قَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لِلْوَرَثَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَمَّا لَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَبْلَ الدَّفْنِ: فَإِنَّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ إجْمَاعًا، قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْقَطْعِ وَالسَّرِقَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَالِمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهَا لِأَصْحَابٍ قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلٌ: وَيَكُونُ بِثَمَنِهِ، كَالْمُضْطَرِّ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ: لَا يُكَفَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْعَدَمِ كَمُرْتَدٍّ، وَقِيلَ: يَجِبُ كَالْمَخْمَصَةِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، زَادَ بَعْضُهُمْ: لِمَصْلَحَتِنَا. فَائِدَةٌ: لَوْ وُجِدَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَوُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي الثَّوْبِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِيهِ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْأَشْهَرُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ شَيْخُنَا: يُقَسَّمُ الْكَفَنُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتُرُ بِمَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَوْرَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُونَ فِيهِ

وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَوَّلِ قُلْت: فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ عَسْبٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ. انْتَهَى. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ هَذَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرَ كُلَّ الْمَيِّتِ سَتَرَ رَأْسَهُ وَبَاقِيَهُ بِحَشِيشٍ أَوْ وَرَقٍ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ (وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى) ، وَقِيلَ: بَلْ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَمَا فَضَلَ يَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهُ، وَمَا يَلِيهِ. [قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يُقَدَّمُ سَتْرُ رَأْسِهِ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِيهِ بِحَشِيشٍ، أَوْ كَحَالِ الْحَيَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا اجْتَمَعَ مَيِّتَانِ فَبُذِلَ لَهُمَا كَفَنَانِ، وَكَانَ أَحَدُ الْكَفَنَيْنِ أَجْوَدَ، وَلَمْ يُعَيِّنُ الْبَاذِلُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَقَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: يُقَدَّمُ الْكَفَنُ عَلَى دَيْنِ الرَّهْنِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ. قَوْلُهُ (إلَّا الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ، وَحُكِيَ رِوَايَةً، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا تَرِكَةٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ، يُبْسَطُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بَعْدَ تَجْمِيرِهَا)

بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي يُجَمِّرُهَا ثَلَاثًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وِتْرًا، بَعْدَ رَشِّهَا بِمَاءِ وَرْدٍ وَغَيْرِهِ، لِيَعْلَقَ بِهَا الْبَخُورُ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ زِيَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا، وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُذَرَّ بَيْنَ اللَّفَائِفِ حَتَّى عَلَى اللِّفَافَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا بَأْسَ بِالْمِسْكِ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ مِنْهُ فِي قَطَنٍ يُجْعَلُ مِنْهُ أَلْيَتَيْهِ، وَيُشَدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ، كَالتُّبَّانِ، تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتَهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ) قَوْلُهُ (وَإِنْ طَيَّبَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَانَ حَسَنًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْصُوصُ يَكُونُ دَاخِلُ عَيْنَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُطَيِّبُ أَيْضًا دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقِيلَ: التَّطْيِيبُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُوضَعُ فِي عَيْنَيْهِ كَافُورٌ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ فِي الْحَنُوطِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَرُدُّ طَرَفَهَا الْآخَرَ فَوْقَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الَّتِي مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ تُرَدُّ عَلَى اللِّفَافَةِ الَّتِي مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: لِئَلَّا يَسْقُطَ عَنْهُ الطَّرَفُ الْأَيْمَنُ إذَا وُضِعَ عَلَى يَمِينِهِ فِي الْقَبْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَوَاشِي، وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ، وَزَادَ فَقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْأَحْيَاءِ فِي لُبْسِ الْأَقْبِيَةِ وَالْفُرْجِيَّاتِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ بِالْكَلَامِ الْأَخِيرِ، وَزَادَ: وَالْأَرْدِيَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ طَرَفَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ كَذَلِكَ عَكْسُ الْأُولَى، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْمُنَوِّرِ قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِ الْحَيِّ فِي قَبَاءٍ وَرِدَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ مِنْ عِنْدِهِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَتُحَلُّ الْعُقَدُ فِي الْقَبْرِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَا يُخَرَّقُ الْكَفَنُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ تَخْرِيقِ الْكَفَنِ مُطْلَقًا، وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُخَرَّقُ إلَّا لِخَوْفِ نَبْشِهِ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَلَوْ خِيفَ نَبْشُهُ لَا يُخَرَّقُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُخَرَّقُ إلَّا لِخَوْفِ نَبْشِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَمِئْزَرٍ وَلِفَافَةٍ جَازَ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ اللَّفَائِفُ كُفِّنَ فِي مِئْزَرٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ فَظَاهِرُهُ: الْكَرَاهَةُ مَعَ عَدَمِ التَّعَذُّرِ، أَوْ لَا يَجُوزُ

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَكُونُ الْقَمِيصُ بِكُمَّيْنِ وَدَخَارِيصَ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا. الثَّانِيَةُ: الْإِزَارُ: الْقَمِيصُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُزَرُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: وَهُوَ أَوْلَى وَأَظْهَرُ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُكَفَّنُ بِخِرْقَةٍ يُشَدُّ بِهَا فَخِذَاهَا، ثُمَّ مِئْزَرٍ، ثُمَّ قَمِيصٍ وَخِمَارٍ، ثُمَّ لِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ الِاخْتِيَارُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشَدُّ فَخِذَاهَا بِالْإِزَارِ تَحْتَ الدِّرْعِ، وَتُلَفُّ فَوْقَ الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ بِاللِّفَافَتَيْنِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَخِمَارٍ وَلِفَافَتَيْنِ، وَمَا يَشُدُّ بِهِ فَخِذَيْهَا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَزَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ مَا يَشُدُّ بِهِ فَخِذَيْهَا. انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُنَقَّبَ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَجْهًا: أَنَّهَا تَسْتُرُ بِالْخِرْقَةِ، وَهُوَ أَنْ يُشَدَّ فِي وَسَطِهَا، ثُمَّ يُؤْخَذُ أُخْرَى فَيُشَدُّ أَحَدُ طَرَفَيْهَا مِمَّا يَلِي ظَهْرَهَا وَالْأُخْرَى مِمَّا يَلِي السُّتْرَةَ، وَيَكُونُ لِجَامُهَا عَلَى الْفَرْجَيْنِ لِيُوقِنَ بِذَلِكَ مِنْ عَدَمِ خُرُوجِ خَارِجٍ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَمْ يَذْكَرْ الْمُصَنِّفُ مَا يُكَفَّنُ بِهِ الْخُنْثَى، وَكَذَا غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْمَرْأَةِ. الثَّانِيَةُ: يُكَفَّنُ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ وَرِثَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. وَتُكَفَّنُ الصَّغِيرَةُ فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ إنْ كَانَ لَهَا دُونَ تِسْعٍ، وَكَذَا ابْنَةُ تِسْعٍ إلَى الْبُلُوغِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَنَّهَا مِثْلُ الْبَالِغَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتُكَفَّنُ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ فِي لِفَافَتَيْنِ وَقَمِيصٍ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ، فَقِيلَ عَنْهُ: إنَّهُ الْبُلُوغُ الْمُعْتَادُ، وَقِيلَ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَنْهُ إنَّهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ. انْتَهَى. وَحَكَاهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: سَتْرُ جَمِيعِهِ) يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: تَجِبُ خَمْسَةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْفَصْلِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَزِيَادَةً.

فَوَائِدُ. وَأَقْوَالٌ قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَتَقَدَّمَ مَنْ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فِي كَلَامِهِ أَيْضًا. وَتُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِصَلَاةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ إلَّا بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِنِسَاءٍ وَخَنَاثَى عِنْدَ عَدَمِ الرِّجَالِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ سُقُوطَهُ الْفَرْضَ بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ كَغُسْلِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّهَا نَفْلٌ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَيَأْتِي هَلْ يُسَنُّ لِلنِّسَاءِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ جَمَاعَةً؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ، صَلَّيْنَ عَلَيْهِ " مُسْتَوْفًى فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ الصُّفُوفُ عَنْ ثَلَاثَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فَذًّا جَازَ، عِنْدَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْمَعَالِي، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ يُعَيِّنَ صَفًّا ثَالِثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَتَكُونُ مَسْأَلَةً يُعَايَى بِهَا. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً فَذًّا لَمْ تَصِحَّ ". الثَّانِيَةُ: لَمْ يُصَلَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِمَامٍ. إجْمَاعًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ احْتِرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى

بِذَلِكَ» فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ اسْتَقَرَّ خَلِيفَةً بَعْدُ، فَيُقَدَّمُ فَلَوْ تَقَدَّمَ أَحَدٌ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى شَحْنَاءَ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ قَبْلَ دَفْنِهِ. قَوْلُهُ (السُّنَّةُ: أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهَا الْأَكْثَرُ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ، وَعِنْدَ مَنْكِبَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُذْهَبُ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالنَّظْمُ، وَالْإِفَادَاتُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَالَ الْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ: الْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ. فَإِنَّ الْوَاقِفَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْآخَرِ لِتَقَارُبِهِمَا فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ وَقَفَ بَيْنَهُمَا: وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقِيلَ: يَقُومُ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، قَوْلُهُ (وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْخَلَّالُ: رِوَايَةُ قِيَامِهِ

عِنْدَ صَدْرِ الْمَرْأَةِ سَهْوٌ، فِيمَا حَكَى عَنْهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَقُومُ مِنْ الْخُنْثَى بَيْنَ الصَّدْرِ وَالْوَسَطِ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قَرِيبًا، وَتَحْدِيدُهُ فَائِدَةٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ، وَلَا غَيْرُهُ: مَوْقِفَ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْإِمَامِ. انْتَهَى. وَهُمْ كَمَا قَالَ، وَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ وَبِهَا قَطَعَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفِ يُسَوَّى بَيْنَ رَأْسَيْهِمَا، وَيَقِفُ حِذَاءَ صَدْرِهِمَا، وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ، مَعَ اخْتِيَارِ التَّسْوِيَةِ قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُهُمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ السَّابِقُ، إلَّا الْمَرْأَةَ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ. انْتَهَى. ثُمَّ الْقُرْعَةُ، وَمَعَ التَّسَاوِي يُقَدَّمُ مَنْ اتَّفَقَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْأَمَامِ الرَّجُلُ الْحُرُّ، ثُمَّ الْعَبْدُ الْبَالِغُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ الْحُرُّ، ثُمَّ الْعَبْدُ، ثُمَّ الْخُنْثَى، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ، ثُمَّ الْأَمَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ

وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْعَبْدِ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ إذَا كَانَ دُونَهُ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَتُقَدَّمُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِهِمْ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْأَمَامِ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ ". الثَّانِيَةُ: يُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ أَمَامَهُمَا فِي الْمَسِيرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْحَوَاشِي، قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: وَالْحُكْمُ فِي التَّقْدِيمِ إذَا دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ حُكْمُ التَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. الرَّابِعَةُ: جَمْعُ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُنْفَرِدِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَإِنْ أَمِنَ التَّغَيُّرُ عَلَيْهِمْ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى كُلِّ جِنَازَةٍ وَحْدَهَا فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِمْ التَّغَيُّرُ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ إمَامٌ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالتَّسْوِيَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ وَسَطَ الْمَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ) ، وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى مَا، قَالَهُ أَوَّلًا: أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَوَسَطِ الْمَرْأَةِ. فَكَذَا يُجْعَلُ إذَا اجْتَمَعُوا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ يُخَالِفُ بَيْنَ رُءُوسِهِمْ عِنْدَ

الِاجْتِمَاعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الرِّجَالِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَنَصَرَهُ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَعَنْهُ التَّخْيِيرُ مَعَ اخْتِيَارِ التَّسْوِيَةِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ جَعَلَ الْمَرْأَةَ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ أَوْ أَسْفَلَهُ فَلَا بَأْسَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ مَوْتَى فَقَطْ، أَوْ نِسَاءٌ فَقَطْ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُجْعَلُونَ دَرَجًا. رَأْسَ هَذَا عِنْدَ رِجْلِ هَذَا، وَأَنَّ هَذَا وَالتَّسْوِيَةَ سَوَاءٌ قَالَ الْخَلَّالُ: عَلَى هَذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ، وَأَمَّا الْخَنَاثَى إذَا اجْتَمَعُوا: فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ رُءُوسِهِمْ. الثَّانِيَةُ: إذَا اجْتَمَعَ مَوْتَى قُدِّمَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي وَنَصَرَهُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ حُضُورًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ مَوْتًا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَلِيُّ أَسْبَقِهِمْ غُسْلًا. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ فَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرِعَ، وَلِوَلِيِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَلَاتِهِ عَلَى مَيِّتِهِ.

قَوْلُهُ (وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِالْفَاتِحَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إنْ صَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْبُزْرَاطِيِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَتَعَوَّذُ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يَتَعَوَّذُ قَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَا يَسْتَفْتِحُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّانِيَةِ) كَمَا فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِك الْمُرْسَلِينَ، وَأَهْلِ طَاعَتِك أَجْمَعِينَ، مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَقَلَ " يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ "، وَقِيلَ: لَا تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا وَرَدَ، وَمِمَّا وَرَدَ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَرَدَ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ فِي الثَّالِثَةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَاحْتَجَّ الْمَجْدُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الثَّالِثَةِ، بَلْ يَجُوزُ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَتَعَيَّنُ الثَّالِثَةُ لِلدُّعَاءِ، بَلْ لَوْ أَخَّرَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ إلَى الرَّابِعَةِ جَازَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُنْثَى الصَّغِيرَةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَ صَغِيرًا زَادَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَبَرِ [وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَبَرِ] لَكِنْ زَادَ الدُّعَاءَ لَهُ، وَزَادَ جَمَاعَةٌ: سُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ، وَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْأَشْبَهُ: أَنَّهُ يُخَالِفُ الْكَبِيرَ فِي الدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فَالْعُدُولُ إلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِ هُوَ الْأَشْبَهُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: إنْ لَمْ يُعْرَفْ إسْلَامُ وَالِدِيهِ دَعَا لِمَوَالِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ فِيمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمَاتَ أَنَّهُ كَصَغِيرٍ. الثَّانِيَةُ: نَقَلَ حَنْبَلٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُشِيرُ فِي الدُّعَاءِ بِإِصْبَعَيْهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ: لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ حَالَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ

الثَّالِثَةُ: يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ: إنْ كَانَ هَذَا الْمَيِّتُ أَوْ الشَّخْصُ إلَى آخَرَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُمْ. وَيَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ: إنَّ هَذِهِ أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْوُقُوفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَدْعُو بِشَيْءٍ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يَقِفُ قَلِيلًا بَعْدَهَا لِيُكَبِّرَ آخَرَ الصُّفُوفِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَعَنْهُ يَقِفُ وَيَدْعُو. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " عَلَى الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

وَقِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَيْضًا: كُلٌّ حَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: وَيَقُولُ أَيُّهُمَا شَاءَ قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ يَقُولُ " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ " أَوْ يَدْعُو. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَيَدْعُو بَعْدَ الرَّابِعَةِ دُعَاءً يَسِيرًا، وَعَنْهُ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ فِي الرَّابِعَةِ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَا يُسَبِّحُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ حَرْبٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقُولُ (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً ثَانِيَةً عَنْ يَسَارِهِ. ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ. قَوْلُهُ (عَلَى يَمِينِهِ) بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْأَوْلَى، وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ " هَلْ تَجِبُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَمْ لَا؟ ". فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ يُسِرُّ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَالْهَيْئَاتُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَالْإِخْفَاتُ بِالْأَذْكَارِ مَا عَدَا التَّكْبِيرَةَ، وَالِالْتِفَاتُ فِي التَّسْلِيمِ إلَى الْيَمِينِ

انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسِرُّهُ. قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: الْقِيَامُ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ، وَمُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَتْ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ، وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قُلْت: وَقِيَاسُ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ مِنْ الْقَاعِدِ، وَجَوَازُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَاعِدًا: إذَا كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ذَكَرُوا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: الْأَرْكَانَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقِيَامَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَالتَّكْبِيرَاتُ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَسَهْوًا يُكَبِّرُهَا مَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُعِيدُهَا كَمَا لَوْ طَالَ قَوْلُهُ (وَالْفَاتِحَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقِرَاءَةَ. بَلْ اسْتَحَبَّهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَقَلَ ابْنُ وَاصِلٍ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ، وَعَنْهُ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى:

فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ إنْ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي النُّكَتِ قَوْلُهُ (وَالسَّلَامُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهِيَ الْأُولَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ ثِنْتَانِ خَرَّجَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَاجِبَ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ: تَعَيُّنُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، وَالصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ، خِلَافًا لِلْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ فِي الْكَافِي لِمَا قَالَ، وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ، وَسَبَقَ كَلَامُ الْمَجْدِ، انْتَهَى، قُلْت: صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِالتَّعْيِينِ فَقَالَ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ سِتَّةُ أَرْكَانٍ: النِّيَّةُ، وَالتَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ، وَالْفَاتِحَةُ بَعْدَ الْأُولَى، بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. فَوَائِدُ. يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، إلَّا الْوَقْتَ قَالَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُضُورُ الْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ. وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْبُوقِ قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: قُرْبُهَا مِنْ الْإِمَامِ مَقْصُودٌ، كَقُرْبِ الْمَأْمُومِ مِنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الدُّنُوُّ مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِلصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ مَحْمُولَةٍ مَأْخَذَانِ. الْأَوَّلُ: اشْتِرَاطُ اسْتِقْرَارِ الْمَحَلِّ فَقَدْ يَخْرُجُ فِيهِ مَا فِي الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْفَرَائِضِ وَإِمْكَانِ الِانْتِقَالِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالثَّانِي: اشْتِرَاطُ مُحَاذَاةِ الْمُصَلِّي لِلْجِنَازَةِ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ رَأْسِهِ، وَهَذَا قَدْ يَخْرُجُ فِيهِ مَا فِي عُلُوِّ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ.

فَلَوْ وُضِعَتْ عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ، أَوْ مِنْبَرٍ: ارْتَفَعَ الْمَحْذُورُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَعْنَاقِ، أَوْ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ صَغِيرٌ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ: لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَلَوْ حَصَلَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ، وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوْضِعِ الصَّفِّ الْأَخِيرِ بِلَا حَاجَةٍ: لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ فِي تَابُوتٍ مُغَطَّى، وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَ كَشْفُهُ عَادَةً، وَلَا مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ حَائِلٍ غَيْرِهِ، وَقُلْت: يَصِحُّ كَالْمَكِّيَّةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا: وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِتَ الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فَإِنْ لَمْ يُسَامِتْهُ كُرِهَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: تَطْهِيرُ الْمَيِّتِ بِمَاءٍ، أَوْ تَيَمُّمٍ لِعُذْرٍ أَوْ عَدَمٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ صَلَّى عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: إسْلَامُ الْمَيِّتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَيِّتِ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْحَاضِرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ جَهِلَهُ نَوَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامَ، وَقِيلَ: لَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَوْلَى مَعْرِفَةُ ذُكُورِيَّتَهُ وَأُنُوثِيَّتَهُ، وَاسْمَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي دُعَائِهِ، وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى اُعْتُبِرَ تَعْيِينُهُ. كَتَزْوِيجِهِ إحْدَى مُوَلِّيَتَيْهِ فَإِنْ بَانَ غَيْرُهُ: فَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَقَالَ: إنْ نَوَى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَبَانَ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ. فَالْقِيَاسُ: الْإِجْزَاءُ، لِقُوَّةِ التَّعْيِينِ عَلَى الصِّفَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ نَوَى أَحَدَ الْمَوْتَى عَيْنَهُ فَإِنَّ عَيَّنَ مَيِّتًا فَبَانَ غَيْرُهُ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا كَبَّرُوا بِتَكْبِيرِهِ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى أَزِيدَ مِنْهَا) وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ وَعَنْهُ لَا يُتَابَعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَعَنْهُ يُتَابَعُ إلَى سَبْعٍ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: تُوبِعَ عَلَى الْأَظْهَرِ إلَى سَبْعٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَعَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: الْمُخْتَارُ أَرْبَعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَا يُتَابَعُ الْإِمَامُ إذَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ، إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ بِدْعَتَهُ أَوْ رَفَضَهُ لِإِظْهَارِ شِعَارِهِمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْخِلَافِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ خِلَافُ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هَلْ يَدْعُو بَعْدَ الزِّيَادَةِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ هُنَا. [وَإِنْ قُلْنَا يَدْعُو هُنَاكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْعُوَ هُنَا فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَدْعُو هُنَاكَ] وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَبَّرَ، فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ ثَانِيَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، فَكَبَّرَ وَنَوَاهَا لَهُمَا، وَقَدْ بَقِيَ فِي تَكْبِيرِهِ أَرْبَعٌ جَازَ عَلَى غَيْرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَرَّجَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَدَمَ الْجَوَازِ بِكُلِّ حَالٍ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَدْعُو عَقِيبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: عَدَمُ الْجَوَازِ فِي كُلٍّ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ مُتَتَابِعًا. كَالْمَسْبُوقِ [وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ] وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي الْخَامِسَةِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّادِسَةِ وَيَدْعُو فِي السَّابِعَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ [قَدَّمَهُ] فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يَقْرَأُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " فِي الرَّابِعَةِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَامِسَةِ وَيَدْعُو ولِلْمَيِّتِ فِي السَّادِسَةِ فَيَحْصُلُ لِلرَّابِعِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ [وَالصَّلَاةِ] الَّتِي حَضَرَتْ الْوَجْهَانِ [وَأَطْلَقَهُمْ أَيْضًا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجِنَازَةِ لَا تُشْرَعُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ " وَالصَّلَاةُ " زَائِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] . فَوَائِدُ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ عَمْدًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: تَبْطُلُ بِمُجَاوَزَةِ أَرْبَعٍ عَمْدًا، وَبِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ [قَبْلَ الْإِمَامِ] نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ

بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُسَلِّمُ، وَالْمُنْفَرِدُ كَالْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ، وَالْمَسْبُوقُ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُجَاوِزِ: إنْ شَاءَ قَضَى مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مَعَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالسَّلَامُ مَعَهُ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى الْجِنَازَةِ الرَّابِعَةِ ثَلَاثًا: تَمَّتْ لِلْمَسْبُوقِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ، وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَإِنْ أَحَبَّ سَلَّمَ مَعَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ لِتَتِمَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَتِمُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ سَلَّمَ مَعَهُ لِتَمَامِ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتِ لِلْجَمِيعِ، وَالْمَحْذُورُ النَّقْصُ عَنْ ثَلَاثٍ، وَمُجَاوَزَةُ سَبْعٍ. وَلِهَذَا لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ خَامِسَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ عَلَيْهَا الْخَامِسَةَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَجُوزُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ كَالْحَاضِرِ. إجْمَاعًا وَكَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ شَاءَ كَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ لِلتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَيَتَّبِعُهُ كَمَسْبُوقٍ يَرْكَعُ إمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يُتِمُّهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالْحَاضِرِ. وَكَإِدْرَاكِهِ رَاكِعًا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا لَا يُدْرِكُ، وَيَدْخُلُ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ: يَدْخُلُ إنْ قُلْنَا بَعْدَهُمَا ذِكْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَقْضِي ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: أَرْبَعًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ مَنْجَا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ،

وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ قَبْلَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ مُتَوَالِيًا، وَإِنْ لَمْ تُرْفَعْ قَضَاهُ صِفَتَهُ، ذَكَره الشَّارِحُ، وَقَالَ الْمَجْدُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا خَشِيَ رَفْعَ الْجِنَازَةِ أَمَّا إنْ عَلِمَ بِعَادَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ أَنَّهَا تَنْزِلُ: فَلَا تَرَدُّدَ أَنَّهُ يَقْضِي التَّكْبِيرَاتِ بِذِكْرِهَا، عَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ فَقَالَ: وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ فَإِنْ خَشِيَ رَفْعَهَا تَابَعَ. رُفِعَتْ أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَى صِفَتِهِ وَالْأَصَحُّ إلَّا أَنْ تُرْتَفَعَ، فَيُتَابِعُ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَطَعَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ بِالْمُتَابَعَةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ: قَطَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يُتِمُّهُ مُتَتَابِعًا قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَ وَلَمْ يَقْضِهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قُلْت: مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِق وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ الْقَضَاءُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْآجُرِّيُّ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ: وَيَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَأْتِي بِهِ، ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ نَصَّا، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ. كَالْعِيدِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي ثَانِيًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَا يُعِيدُهَا إلَّا لِسَبَبٍ مِثْلُ أَنْ يُعِيدَ غَيْرُهُ الصَّلَاةَ فَيُعِيدُهَا مَعَهُمْ أَوْ يَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَسِيلَةِ، وَفُرُوعِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ [أَنَّهُ يُصَلِّي ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ] وَالْمَجْدُ: يُصَلِّي عَلَيْهَا ثَانِيًا تَبَعًا، لَا اسْتِقْلَالًا إجْمَاعًا، وَيَأْتِي قَرِيبًا اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ حَضَرَ: اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ النُّصُوصِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهَا إلَى سَنَةٍ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهَا مَا لَمْ يَبْلَ فَعَلَيْهِ لَوْ شَكَّ فِي بِلَاهُ صَلَّى، عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، [وَابْنُ تَمِيمٍ] .

وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ أَبَدًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: لَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَتَى صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ كَانَ الْمَيِّتُ كَالْإِمَامِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ دَفْنِهِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَعَلَيْهِ: لَوْ لَمْ يُدْفَنْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى شَهْرٍ: جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، الثَّالِثَةُ: وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوْقِيتِ أَيْضًا: فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ بَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ " صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ " هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ، صَرَّحَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَأَمَّا الصَّلَاةُ وَهُوَ خَارِجُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ: فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. الْخَامِسَةُ: مَنْ شَكَّ فِي الْمُدَّةِ: صَلَّى حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي شَكِّهِ فِي بَقَائِهِ. السَّادِسَةُ: حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ فِي مِقْدَارِ الْمُدَّةِ: كَحُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: إذَا تَفَسَّخَ الْمَيِّتُ فَلَا صَلَاةَ. السَّابِعَةُ: لَوْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي مَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَى شَهْرٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِيهِ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِلُ بِهَا لِيَقْضِيَهَا بِدُخُولِهِ فِيهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَذَكَر الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ وَجْهًا: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، مَعَ سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالْأَوْلَى، وَقَالَ أَيْضًا: فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ إذَا قَامَ بِهَا رَجُلٌ سَقَطَتْ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ الْكُلُّ ذَلِكَ كَانَ كُلُّهُ فَرْضًا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ، لَكِنْ يُعْلَمُ إذَا فَعَلُوهُ جَمِيعًا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِي فِعْلِ الْبَعْضِ بَعْدَ الْبَعْضِ: وَجْهَانِ الثَّامِنَةُ: لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ قَبْلَ الدَّفْنِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، وَسَبَقَ أَنَّهُ كَإِمَامٍ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ كَالْمِلْكِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْبَلَدِ بِمَا يُعَدُّ الذَّهَابُ إلَيْهِ نَوْعَ سَفَرٍ وَقَالَ: أَقْرَبُ الْحُدُودِ: مَا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي خَمْسُونَ خُطْوَةً.

فَائِدَةٌ: مُدَّةُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ كَمُدَّةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ مُطْلَقًا، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ بِمَشَقَّةِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهَا تَخْرِيجٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَلَدُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْبَلَدِ الْكَبِيرِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْبَلَدُ الصَّغِيرُ: فَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ فِي جَانِبِهِ بِالنِّيَّةِ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَيَّدَ مُحَقِّقُوهُمْ الْبَلَدَ بِالْكَبِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ: الْبَلَدُ الْكَبِيرُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ الَّذِي كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيًا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ (لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَا يُصَلَّى مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَرَسِ الْمَأْكُولِ فِي بَطْنِ السَّبُعِ، وَاَلَّذِي قَدْ اسْتَحَالَ بِاحْتِرَاقِ النَّارِ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: عَلَى الْأَظْهَرِ

قَالَ فِي الْفُصُولِ: فَأَمَّا إنْ حَصَلَ فِي بَطْنِ السَّبُعِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَعَ مُشَاهَدَةِ السَّبُعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ: أَنَّهُ يُيَمَّمُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ وَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) مُرَادُهُ لَا يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَى رِوَايَةً حَكَاهَا فِي الرِّعَايَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ بِلَا رَيْبٍ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: يُصَلَّى عَلَيْهِمَا حَتَّى بَاغٍ وَمُحَارِبٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْغَالِّ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الْبِدَعِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَعَنْهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّانِي: غَيْرُ أَهْلِ الْبِدَعِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ عَلَى مَعْصِيَةٍ ظَاهِرَةٍ بِلَا تَوْبَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَعَنْهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ.

وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّ الشَّارِبَ الَّذِي لَمْ يُحَدَّ كَالْغَالِّ وَقَاتِلِ النَّفْسِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكُبْرَى رِوَايَةً، وَعَنْهُ وَلَا عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: الْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ: إمَامُ الْقَرْيَةِ، وَهُوَ وَالِيهَا فِي الْقَضَاءِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، نَقَلَ حَرْبٌ: إمَامُ كُلِّ قَرْيَةٍ وَالِيهَا، وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّوَابُ تَسْوِيَتُهُ فَإِنَّ أَعْظَمَ مُتَوَلٍّ لِلْإِمَامَةِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ يَحْصُلُ بِامْتِنَاعِهِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ. فَائِدَةٌ: إذَا قُتِلَ الْبَاغِي غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ: فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَعَلَيْهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلَّبُ، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ عَقِيبَ الْقَتْلِ، ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ [جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْمُحَارِبِينَ] ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي تَحْقِيقًا: غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يَعْنِي غَيْرَ شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَسِنٍّ وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ يَعِيشُ مَعَهُ، كَيَدٍ وَرَجُلٍ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَا، كَرَأْسٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَبَعًا لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، قَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَبَعْضُ الْمَيِّتِ كَكُلِّهِ، وَعَنْهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ قَالَ الْخَلَّالُ: لَعَلَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُوَ الْأَوَّلُ.

فَعَلَيْهَا: الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ فَإِنْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ أَوَّلًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ بَعْدَهُ الْأَقَلُّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ أَوَّلًا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِفَقْدِ الْأَكْثَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ الْكَامِلِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: مَا دُونَ الْعُضْوِ الْقَاتِلِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَيْضًا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَيْثُ قُلْنَا يُصَلَّى: فَإِنَّهُ يُنْوَى عَلَى الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُنْوَى الْجُمْلَةُ وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَأَمَّا غُسْلُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ وَاجِبٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى الْآمِدِيُّ سُقُوطَ الْغُسْلِ إنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا صُلِّيَ عَلَى الْبَعْضِ، ثُمَّ وُجِدَ الْأَكْثَرُ فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: احْتَمَلَ أَنْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبُ، وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوُجُوبُ، جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَبِعَ الْمَجْدُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَنْهُ يُصَلَّى قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِذَا وُجِدَتْ جَارِحَةٌ

مِنْ جُمْلَةٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَوَارِحِ: وَجَبَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ إذَا وُجِدَ الْجُمْلَةُ: فَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَقَدَّمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: يَجِبُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيمَا إذَا صُلِّيَ عَلَى الْأَكْثَرِ، ثُمَّ وُجِدَتْ الْجَارِحَةُ، وَهَلْ يُنْبَشُ لِيُدْفَنَ مَعَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ] قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ وُجِدَ الْجُزْءُ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ إلَى جَانِبِ الْقَبْرِ، أَوْ يُنْبَشُ بَعْضُ الْقَبْرِ وَيُدْفَنُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: دُفِنَ بِجَنْبِهِ وَلَمْ يُنْبَشْ، لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. الثَّانِيَةُ: مَا بَانَ مِنْ حَيٍّ كَيَدٍ وَسَاقٍ انْفَصَلَ فِي وَقْتٍ لَوْ وُجِدَتْ فِيهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يُغَسَّلْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُصَلَّى عَلَيْهَا إنْ اُحْتُمِلَ مَوْتُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ يَنْوِي مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا حُكْمُ غُسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ، بِلَا نِزَاعٍ، وَعَنْهُ إنْ اخْتَلَطُوا بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا صَلَاةَ، وَأَمَّا دَفْنُهُمْ: فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ قَدَرُوا دَفَنُوهُمْ مُنْفَرِدِينَ، وَإِلَّا فَمَعَ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ قَالَ الْآجُرِّيُّ: السُّنَّةُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: عَدَمُ الصَّلَاةِ فِيهِ أَفْضَلُ، وَخَيَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَعَدَمِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُؤْمَنْ تَلْوِيثُهُ، لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ النِّسَاءِ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُنَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً إذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رِجَالٌ نَصَّ عَلَيْهِ كَالْمَكْتُوبَةِ، وَقِيلَ: لَا يُسَنُّ لَهُنَّ جَمَاعَةً، بَلْ الْأَفْضَلُ فَرَادَى اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِهِنَّ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُنَّ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ فِي الْفُصُولِ: حَتَّى وَلَوْ مِنْهُنَّ وَالِيَةً وَقَاضِيَةً فَأَمَّا إذَا صَلَّى الرِّجَالُ: فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فُرَادَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ جَمَاعَةً، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ. فَائِدَةٌ: لَهُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ، وَهُوَ [أَمْرٌ] مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ نِسْبَتُهُ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ، وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا قِيرَاطٌ آخَرُ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَجْهًا: أَنَّ الثَّانِيَ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ إذَا سُتِرَ بِاللَّبِنِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي حَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ حَمْلَهُ وَدَفْنَهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ كَوْنُ حَامِلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْحَمْلِ وَالْحَفْرِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ [وَعَنْهُ يُكْرَهُ] بِلَا حَاجَةٍ قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: كَرِهَ أَحْمَدُ أَخْذَ أُجْرَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ وَالصَّحِيحُ: جَوَازُ أَخْذِهَا عَلَى مَا لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ

مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ، وَقَالَهُ الْآمِدِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ، وَالْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهَا: يُكْرَهُ التَّرْبِيعُ إنْ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ أَيُّهُمْ يَحْمِلُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ) مُرَادُهُ بِقَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُسْرَى: الْمُقَدَّمَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْمَيِّتِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَضَعُ قَائِمَتَهُ الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرَةِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ [الْخِتَامُ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ] وَعَنْهُ يُبْدَأُ بِالْمُؤَخَّرَةِ وَهِيَ الثَّالِثَةُ، يَجْعَلُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ الْمُقَدَّمَةِ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ وَالْخِتَامُ بِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ التَّرْبِيعُ وَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ سَوَاءٌ فَعَلَيْهَا: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إذَا جُمِعَ وَحُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَمِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ مِنْ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: مِنْ عِنْدِ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا التَّرْبِيعُ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَرُ بِالْمَكِّيَّةِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَوَّلُ مَنْ اُتُّخِذَ ذَلِكَ لَهَا زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَاتَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا بَأْسَ بِجَعْلِ الْمَكِّيَّةِ عَلَيْهِ وَفَوْقَهَا ثَوْبٌ. انْتَهَى. وَيُكْرَهُ تَغْطِيَتُهُ بِغَيْرِ الْبَيَاضِ، وَيُسَنُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا: لَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا فِي تَابُوتٍ، وَكَذَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عَلَى النَّعْشِ إلَّا بِمِثْلِهِ كَالْأَحْدَبِ وَنَحْوِهِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينٍ حُرٍّ وَيُغَطَّى حَتَّى لَا يُتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ، وَقَالَ أَيْضًا: الْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ شَدُّ النَّعْشِ بِعِمَامَةٍ. انْتَهَى. وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الطِّفْلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ بِأَعْمِدَةٍ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ لِبُعْدِ قَبْرِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا) مُرَادُهُ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ بِالْإِسْرَاعِ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ، فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يُسْرَعُ، وَيَكُونُ دُونَ الْخَبَبِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمَجْدُ: يَمْشِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يُسْرِعُ فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْخَبَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا يَسِيرًا، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا يَسِيرًا قَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُفْرِطُ فِي الْإِسْرَاعِ فَيَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعِيهَا. انْتَهَى. وَكَلَامُهُمْ مُتَقَارِبٌ. فَائِدَةٌ: يُرَاعَى بِالْإِسْرَاعِ الْحَاجَةُ نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَمْشِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يُكْرَهُ خَلْفَهَا وَحَيْثُ شَاءَ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قَوْلُهُ (وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ رَكِبَ وَكَانَ أَمَامَهَا كُرِهَ، قَالَهُ الْمَجْدُ.

وَمُرَادُ مَنْ قَالَ " الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا " إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ: فَإِنَّهُ يَرْكَبُ وَيَتَقَدَّمُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ الرُّكُوبُ لِمَنْ تَبِعَهَا بِلَا عُذْرٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ كَرُكُوبِهِ فِي عَوْدِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ الثَّانِيَةُ: فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ فَيَكُونُ خَلْفَهَا وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِرُكُوبِ سَفِينَةٍ فِي الْمَنْصُوصِ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ رَاكِبًا خَلْفَهَا، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالثَّانِي: يَكُونُ مِنْهَا كَالْمَاشِي فَيَكُونُ أَمَامَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَوَاشِي قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَرَاكِبِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالْمَاشِي، وَأَنَّ عَلَيْهِمَا يَنْبَنِي دَوَرَانُهُ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ) يَعْنِي يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِمَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " حَتَّى تُوضَعَ " يَعْنِي بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ لِلصَّلَاةِ، وَعَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يَقُمْ لَهَا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لَهَا، وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً نَصَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيهِ، وَعَنْهُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تُوضَعَ، وَقَالَهُ ابْنُ مُوسَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عَلَى هَذَا: يَقُومُ حِينَ يَرَاهَا قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ؛ لِلْخَبَرِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ هُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ. لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ. جَبْرًا وَإِكْرَامًا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ: اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. انْتَهَى. وَهُوَ حَقٌّ لَهُ وَلِأَهْلِهِ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَهَا وَمَعَهَا مُنْكَرٌ عَاجِزٌ عَنْ مَنْعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، نَحْوَ طَبْلٍ أَوْ نَوْحٍ أَوْ لَطْمِ نِسْوَةٍ، وَتَصْفِيقٍ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ، وَعَنْهُ يَتْبَعُهَا وَيُنْكِرُ بِحَسَبِهِ، وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا تَبِعَهَا أُزِيلَ الْمُنْكَرُ، لَزِمَهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودَيْنِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ فِي الْعَاجِزِ كَمَنْ دُعِيَ إلَى غُسْلٍ مَيِّتٍ فَسَمِعَ طَبْلًا أَوْ نَوْحًا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَأَبُو دَاوُد: يُغَسِّلُهُ وَيَنْهَاهُمْ، قُلْت: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الزَّجْرُ غَسَّلَهُ وَإِلَّا ذَهَبَ. الرَّابِعَةُ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ اتِّبَاعُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ [نَصَّ عَلَيْهِ،

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: قَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لَهَا فِي شُهُودِ أَبِيهَا وَوَلَدِهَا وَذِي قَرَابَتِهَا، مَعَ التَّحَفُّظِ وَالِاسْتِحْيَاءِ وَالتَّسَتُّرِ] وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي زَمَنِنَا هَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَمْنَعُهُنَّ مِنْ اتِّبَاعِهَا، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: هُوَ بِدْعَةٌ، يُطْرَدْنَ فَإِنْ رَجَعْنَ وَإِلَّا رَجَعَ الرِّجَالُ، بَعْدَ أَنْ يَحْثُوَا عَلَى أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ قَالَ: وَرَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي اتِّبَاعِ جِنَازَةٍ يَتْبَعُهَا النِّسَاءُ قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وَيَحْرُمُ بُلُوغُ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ. قَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ إنْ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: إذَا كَانَ دُخُولُهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ يَشُقُّ أَدْخَلَهُ مِنْ قِبْلَتِهِ مُعْتَرِضًا، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَدْخُلُ الْمَيِّتُ مُعْتَرِضًا مِنْ قِبْلَتِهِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: الْأَسْهَلُ، ثُمَّ سَوَاءٌ. الثَّانِيَةُ: أَوْلَى النَّاسِ بِالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ: أَوْلَاهُمْ بِالْغُسْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى دَفْنَ الْمَيِّتِ غَاسِلُهُ، وَالْأَوْلَى لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِنَائِبِهِ إنْ شَاءَ، ثُمَّ بَعْدَهُمْ الْأَوْلَى بِالدَّفْنِ: الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ مَحَارِمُهُ مِنْ النِّسَاءِ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ، وَمَحَارِمُهَا مِنْ الرِّجَالِ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ، وَمِنْ مَحَارِمِهَا: النِّسَاءُ يَدْفِنُهَا، وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى مَحَارِمِهَا الرِّجَالِ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنُّكَتِ، إحْدَاهُمَا: يُقَدَّمُ الْمَحَارِمُ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَفَاضَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُقَدَّمُونَ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الزَّوْجُ أَحَقُّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْمَعَالِي فَإِنْ عُدِمَ الزَّوْجُ وَمَحَارِمُهَا الرِّجَالُ، فَهَلْ الْأَجَانِبُ أَوْلَى، أَوْ نِسَاءُ مَحَارِمِهَا مَعَ عَدَمِ مَحْظُورٍ مِنْ تَكَشُّفِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ الْمَجْدُ: وَأَتْبَاعُهُنَّ فِيهِمْ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنُّكَتِ، إحْدَاهُمَا: الْأَجَانِبُ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَصَحُّ وَأَحْسَنُ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: نِسَاءُ مَحَارِمِهَا أَوْلَى جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فِي دَفْنِهِنَّ مَحْذُورٌ مِنْ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، أَوْ التَّكَشُّفِ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَالْأَقْرَبُ، كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يُكْرَهُ دَفْنُ الرِّجَالِ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمُهَا حَاضِرًا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَحْمِلُهَا مِنْ الْمُغْتَسَلِ إلَى النَّعْشِ. الثَّالِثَةُ: يُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ الْخَصِيُّ، ثُمَّ الشَّيْخُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً، وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ تَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِعَتُهُ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: إلَى الصَّدْرِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَالْبَسْطَةُ الْبَاعُ. الْخَامِسَةُ: يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ ظُهُورَ الرَّائِحَةِ وَالسِّبَاعَ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَيُلْحَدُ لَهُ لَحْدًا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ، بَلْ يُكْرَهُ الشَّقُّ بِلَا عُذْرٍ،

وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَيْسَ اللَّحْدُ بِأَفْضَلَ مِنْهُ، ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ قَوْلُهُ (وَيَنْصِبُ عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اللَّبِنَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُنْصَبُ عَلَيْهِ قَصَبٌ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَدْخُلُهُ خَشَبٌ) إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ أُدْخِلَ الْخَشَبُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: وَيُكْرَهُ فِي حَجَرٍ مَنْقُوشٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يُجْعَلُ فِيهِ حَدِيدٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً. الثَّانِيَةُ: لَا تَوْقِيتَ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْقَبْرَ، بَلْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ نَصَّ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أُمُورِهِ، وَقِيلَ: الْوَتْرُ أَفْضَلُ قَوْلُهُ (وَيَقُولُ الَّذِي يُدْخِلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يَقُولُ " اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْقَبْرِ وَصَاحِبِهِ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَرَأَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] وَإِنْ أَتَى بِذِكْرٍ وَدُعَاءٍ يَلِيقُ عِنْدَ وَضْعِهِ وَإِلْحَادِهِ: فَلَا بَأْسَ؛ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. قَوْلُهُ (وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) ، وَضْعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَحَبٌّ، بِلَا نِزَاعٍ، وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ،

وَقَطَعَ بِهِ الْآمِدِيُّ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُضِعَ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ نُبِشَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يُنْبَشُ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ يَتَفَسَّخَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَا يُنْبَشُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ فَصْلِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَوَائِدُ. مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةً كَالْمِخَدَّةِ لِلْحَيِّ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ بِسَاطٍ تَحْتَهُ مُطْلَقًا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقَطِيفَةِ مِنْ عِلَّةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ جَعَلَ تَحْتَهُ قَطِيفَةً فَلَا بَأْسَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ وَضْعُ مُضَرَّبَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا بَأْسَ بِهَا، وَتُكْرَهُ الْمِخَدَّةُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدَّفْنَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَكَذَا عِنْدَ قِيَامِهَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يَجُوزُ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَمِنْهَا: الدَّفْنُ فِي النَّهَارِ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لَيْلًا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَمِنْهَا: الدَّفْنُ فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ، وَكَرِهَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْبُنْيَانِ. قَوْلُهُ (وَيَحْثُو التُّرَابَ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ فِعْلِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْقَرِيبِ مِنْهُ فَقَطْ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَحَيْثُ قُلْنَا " يَحْثُو " فَيَأْتِي بِهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، وَقِيلَ: مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ

فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ [الزِّيَادَةُ عَلَى تُرَابِهِ] نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُصُولِ: إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ، نَقَلَ أَبُو دَاوُد: إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ، وَلَا يُعْرَفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَعَ أَنَّ تُرَابَ قَبْرٍ لَا يُنْقَلُ إلَى آخَرَ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ، أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَّ أَيْضًا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَلَا بَأْسَ بِلَوْحٍ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُكْرَهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ) ، وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اسْتَحَبَّهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَأَكْثَرُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: الْإِبَاحَةُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَلَا يُكْرَهُ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لَمْ يَعْرِفُوا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ نَسْمَعْ فِي التَّلْقِينِ شَيْئًا عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ قَوْلًا سِوَى مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَ إذَا دَفَنُوا الْمَيِّتَ، يَقِفُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ (يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ إلَى آخِرِهِ) فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إلَّا أَهْلَ الشَّامِ، حِين مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَلْقِينِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا أَهْلَ الشَّامِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ شَاهِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ، بِنَاءً

عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ. النَّفْيُ: قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْإِثْبَاتُ: قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، [قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عَنْ الْأَوَّلِ حِينَ الذُّرِّيَّةِ، وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ] قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ شَيْخُنَا: يُلَقَّنُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُقَدَّمُ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَصَحُّ [فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْمَذْهَبُ التَّلْقِينُ، وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ، وَالْعَمَلِ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ] . قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يُكْرَهُ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ، وَالْبِنَاءُ، وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) أَمَّا تَجْصِيصُهُ: فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَا تَزْوِيقُهُ، وَتَخْلِيقُهُ، وَنَحْوُهُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ: فَمَكْرُوهٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ لَاصَقَ الْبِنَاءُ الْأَرْضَ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ، وَالْأَصْحَابُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَظِيرَةٍ فِي مِلْكِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ الْمَجْدُ:

يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ، لِلتَّضْيِيقِ وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ الصَّحْرَاءُ، وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ، وَعَنْهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ، بَلْ تُهْدَمُ، وَحَرُمَ الْفُسْطَاطُ أَيْضًا، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِيهَا، فَهُوَ غَاصِبٌ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ فِي مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ، إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَعَلَ مَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ لِلتَّضْيِيقِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَاءُ إلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَكَرَاهَةُ الْمَشْيِ فِي الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ: لَهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِيُصَلِّ إلَى مَنْ يَزُورُهُ لِلْحَاجَةِ، وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ: يُكْرَهُ دَوْسُهُ وَتَخَطِّيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يُكْرَهُ دَوْسُهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ الْآجُرِّيُّ تَوَسُّدُهُ لِفِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَاهُ مَالِكٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْجُلُوسِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّخَلِّي عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: يُكْرَهُ التَّخَلِّي، قُلْت: فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ جِدًّا، وَيُكْرَهُ التَّخَلِّي بَيْنَهَا، وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، زَادَ حَرْبٌ: كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: حُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ جَمِيعِ مَا يُؤْذِي الْحَيَّ أَنْ يَنَالَ بِهِ، كَتَقْرِيبِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُبُورِ، وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ، وَيُسْتَحَبُّ قَلْعُهُ إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أَوْ شَوْكٍ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ كَالْخُفِّ، وَفِي الشمشك وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنُّكَتِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، وَالْقَصْرِ عَلَى النَّصِّ أَحَدُهُمَا: لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ. الثَّانِي: يُكْرَهُ كَالنَّعْلِ وَقَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالنِّعَالِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ وَالْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: يُكْرَهُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ] وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي نَبْشِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُحَرَّمُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَجُوزُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَحَارِمِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ) يَعْنِي حَيْثُ جَوَّزْنَا دَفْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الْأَفْضَلُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ، وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِهِمْ إلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ كَمَا يُقَدَّمُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُمْ، كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ فِي

الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الصِّفَاتِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقُرْعَةِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ الْآجُرِّيَّ قَالَ: إنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ جُعِلَ الْقَبْرُ طَوِيلًا، وَجُعِلَ رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ، أَوْ وَسَطِهِ [جَازَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَفْضُولِ عِنْدَ رِجْلَيْ الْفَاضِلِ أَوْ سَاقِهِ] كَالدَّرَجِ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ أَسْهُلُ لِزِيَارَتِهِمْ وَأَبْعَدُ، لِانْدِرَاسِهِمْ، وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي، يَكْثُرُ فِيهَا الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَكَذَا الْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ. الثَّالِثَةُ: مَنْ سَبَقَ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ فَإِنْ جَاءَا مَعًا: أُقْرِعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: إذَا جَاءَا مَعًا قُدِّمَ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ وَشَوْكَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاقِفُ الْأَرْضِ إنْ جَازَ أَنْ لَا يُدْفَنَ فِيهَا، كَمَا قَدَّمْنَا مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ فِي الْمُفَاضَلَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ، قُلْت: فَإِنْ خِيفَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِتَفْوِيتِهِ هَذِهِ الْبُقْعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمُ ذَلِكَ، كَمَا يُقَدَّمُ الْمُضْطَرُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: مَتَى عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ تُرَابًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ ظُنَّ أَنَّهُ صَارَ تُرَابًا وَلِهَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ

يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ نَقَلَ أَبُو الْمَعَالِي: جَازَ الدَّفْنُ، وَالزِّرَاعَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُخَالَفْ شَرْطُ وَاقِفِهِ لِتَعْيِينِهِ الْجِهَةَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَالَ الْآمِدِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِرْ تُرَابًا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبِ تَبْقَى عِظَامُهُ مَكَانَهُ وَيُدْفَنُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. الْخَامِسَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْمَعَالِي كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ حَرْثُ أَرْضِهِ إذَا بَلِيَ الْعَظْمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ نُبِشَ وَأُخِذَ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ الْمَنْعُ إنْ بُذِلَ لَهُ عِوَضُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ: يُمْنَعُ مِنْ نَبْشِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " مَا لَهُ قِيمَةٌ " يَعْنِي فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ: وَيُحْتَمَلُ مَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ أَوْ مَا رَمَاهُ بِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ لَمْ يُنْبَشْ، لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ أَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ الْمُثْلَةُ لَمْ يُنْبَشْ، وَإِلَّا نُبِشَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقِيلَ: يُنْبَشُ مُطْلَقًا، وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي التَّلْخِيصِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُغْرَمُ ذَلِكَ مِنْ تِرْكَتِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَضْمَنُهُ مِنْ كَفَنِهِ فِيهِ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا فَإِنْ جَهِلَ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ،

وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتَ وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ غُرِمَ ذَلِكَ مِنْ تِرْكَتِهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَقِيلَ: يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ مِنْهُ صَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ كَانَ ظَنَّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: الصَّوَابُ: نَبْشُهُ، وَقَالَ الْمَجْدُ هُنَا كَمَا قَالَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُغْرَمُ الْيَسِيرُ مِنْ تِرْكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُغْرَمُ مِنْ تِرْكَتِهِ، فَتَعَذَّرَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ [إنْ بُذِلَتْ قِيمَتُهُ لَمْ يُشَقَّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ] أَيْضًا: إنْ بَذَلَهَا وَارِثٌ لَمْ يُشَقَّ، وَإِلَّا شُقَّ، وَقِيلَ: لَمْ يُشَقَّ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ) أَنَّهُ لَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ: أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْبَشَ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُؤْخَذُ إذَا بَلِيَ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ نُبِشَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ: أُخِذَ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ، وَلَا يُعْرَضُ لَهُ قَبْلَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هُوَ كَمَالِهِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ، كَقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى رَبْطِ أَسْنَانِهِ بِذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ خَيْطًا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ فَرَبَطَهُ بِهِ وَمَاتَ، لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ، لِأَنَّ فِيهِ مُثْلَةً قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ وَلَهُ أَنْفُ ذَهَبٍ يُقْلَعُ، لَكِنْ إنْ كَانَ بَائِعُهُ لَمْ يَأْخُذْ ثَمَنَهُ أَخَذَهُ مِنْ تِرْكَتِهِ، وَمَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ يَأْخُذُهُ إذَا بَلِيَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ فِي قَوْلٍ، مَعَ أَنَّ فِيهِ هُنَا مُثْلَةً. . فَوَائِدُ. دَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَصْرَعِهِ سُنَّةٌ نَصَّ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ نُقِلَ رُدَّ إلَيْهِ. (وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَحَمْلُ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ) وَيَجُوزُ نَقْلُ غَيْرِهِ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إنْ أُمِنَ تَغَيُّرُهُ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ إنْ لَمْ يُظَنَّ تَغَيُّرُهُ. انْتَهَى. وَلَا يُنْقَلُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَلَوْ رَضِيَ بِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي فَقَالَ: يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ، نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، أَوْ مَكَان يُخَافُ فِيهِ نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ، أَوَالْمُثْلَةُ بِهِ قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ، فَالْأَوْلَى: تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ مَخَافَةَ الْعَدُوِّ، وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ فَيُعَايَى بِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ " لَوْ دُفِنَ قَبْلَ غُسْلِهِ أَوْ تَكْفِينِهِ، أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. هَلْ يُنْبَشُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ؟ فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَى) ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ (تَسْطُو عَلَيْهِ الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ) إذَا اُحْتُمِلَ حَيَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: إنْ لَمْ يُوجَدْ أَمَارَاتُ الظُّهُورِ بِانْفِتَاحِ الْمَخَارِجِ وَقُوَّةِ الْحَرَكَةِ فَلَا تَسْطُو الْقَوَابِلُ فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِالْقَوَابِلِ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهَا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ يُشَقُّ وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتْرَكُ وَلَا يُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَسْطُو عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَالْأَوْلَى بِذَلِكَ الْمَحَارِمُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ: كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْمَحْرَمِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْحَمْلِ حَيًّا شُقَّ بَطْنُهَا حَتَّى يَكْمُلَ خُرُوجُهُ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ، غُسِّلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَأَجْزَأَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَأَوَّلُ مَنْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقِيلَ: تُيَمَّمُ لِمَا لَمْ يَخْرُجْ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ دُفِنَتْ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا دُفِنَتْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: تُدْفَنُ بِجَنْبِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ قَالَ كَلَامُ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِهِ مَعَنَا، لِمَا فِي بَطْنِهَا. قَوْلُهُ (وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ) يَعْنِي وَتَكُونُ عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ؛ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُصَلَّى عَلَى هَذَا الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا سِقْطٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا انْفَصَلَ. الثَّانِيَةُ: يُصَلَّى عَلَى الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ، بِلَا نِزَاعٍ، وَيُصَلَّى عَلَى حَمْلِهَا إنْ كَانَ قَدْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ، وَإِلَّا صُلِّيَ عَلَيْهَا دُونَهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: لَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ عَلَى حَمْلِهَا، وَعَلَّلَهُ بِالشَّكِّ فِي وُجُودِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو حَفْصٍ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ، وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ، انْتَهَى، قُلْت: قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ، وَقَالَ: الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي حَبَشٍ الْحَلَبِيِّ؟ فَقَالَ: ثِقَةٌ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُبَشِّرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ: يَقْرَأُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا، وَعَنْهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ: فَيُسْتَحَبُّ، عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَخِيرًا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُبَاحُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ

مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: مَنْ حَجَّ نَفْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَمَّنْ حَجَّ لِعَدَمِ إذْنِهِ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فَاقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ يَعْنِي ثَوَابَهُ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي عَلَى هَذَا، فَقَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُ أَوْ مَا تَشَاءُ مِنْهُ لِفُلَانٍ " لِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ فَلَا يَتَحَكَّمُ عَلَى اللَّهِ وَقَالَ الْمَجْدُ: مَنْ سَأَلَ الثَّوَابَ ثُمَّ أَهْدَاهُ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ أَثِبْنِي عَلَى عَمَلِي هَذَا أَحْسَنَ الثَّوَابِ، وَاجْعَلْهُ لِفُلَانٍ كَانَ أَحْسَنَ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِ الْقُرْبَةِ [وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِ الْقُرْبَةِ] وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَتَقَدَّمَ نِيَّةٌ ذَلِكَ وَتُقَارِنُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَيِّتَ بِهِ ابْتِدَاءً، كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْدَهُ فَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا وَجْهَ لَهُ، فِي أَثَرٍ لَهُ وَلَا نَظَرٍ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقَعَ الْقُرْبَةُ عَنْ الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ لَهُ: فَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ثَوَابُ الْقُرْآنِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ إذَا نَوَاهُ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْإِهْدَاءُ فَظَاهِرُهُ عَدَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ حَنْبَلُ: يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْأَعْمَالِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَنِيبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ النَّائِبِ قَبْلَ الْفَرَاغِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا، وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ " وَكَذَا لَوْ أَهْدَى بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ، أَوْ ثُلُثِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ.

وَهَذِهِ قَدْ يُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: أَيْنَ لَنَا مَوْضِعٌ تَصِحُّ فِيهِ الْهَدِيَّةُ، مَعَ جَهَالَةِ الْمُهْدَى بِهَا؟ ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ كَرَاهَةُ إيثَارِ الْإِنْسَانِ بِالْمَكَانِ الْفَاضِلِ، وَهُوَ إيثَارٌ بِفَضِيلَةٍ فَيُحْتَاجُ إلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إهْدَاءِ الْقُرَبِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَالْوَاجِبَ الَّذِي تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالْعِتْقَ، وَحَجَّ التَّطَوُّعِ فَإِذَا فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَكَذَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمَجْدُ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفُنُونِ: يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ، حَتَّى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَلَمْ يَرَهُ لِمَنْ لَهُ ثَوَابٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَأَجْرِ الْعَامِلِ، كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ، بِخِلَافِ الْوَالِدِ فَإِنَّ لَهُ أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ. الثَّانِيَةُ: الْحَيُّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ كَالْمَيِّتِ فِي انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ كَذَا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا. قَالَ الْقَاضِي: لَا نَعْرِفُ رِوَايَةً بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْحَيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي حَجِّ النَّفْلِ عَنْ الْحَيِّ لَا يَنْفَعُهُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَزَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ أَهْلَ الْمَيِّتِ فَأَمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ: فَيُكْرَهُ لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ. انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ) يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَقِيلَ: يُحَرَّمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يُبَاحُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَا يُبَاحُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُسَنُّ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ إجْمَاعًا قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا [بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الرِّجَالِ الْقُبُورَ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فَقَالَ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا] فِي إبَاحَةِ زِيَارَتِهَا لِلرِّجَالِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ [وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْمَجْدُ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: الْإِبَاحَةَ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ] فَقَالُوا: وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: الِاسْتِحْبَابُ لِقَرِينَةِ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ، أَوْ لِلْأَمْرِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ لَهُنَّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ مَنْجَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ فَيُبَاحُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَحْرُمُ، كَمَا لَوْ عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهَا ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا قَالَ فِي جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ. لِاحْتِجَاجِهِ بِلَعْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْحَمْلِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ زِيَارَتُهُ لِلِاعْتِبَارِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ. الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى لِلزَّائِرِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَبْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ، وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ حَالَ الزِّيَارَةِ قَائِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرُبَ مِنْهُ، كَزِيَارَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ وَالتَّلْخِيصِ. الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي؟ قَالَ: اُدْخُلْ الْمَقْبَرَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ سَلَفٌ. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ

أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ فَرَاغِ دَفْنِهِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَجُلُوسُهُ عَلَى جَانِيَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ إذَا زَارَهَا، أَوْ مَرَّ بِهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى آخِرِهِ) نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَفْظَ (السَّلَامِ) وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقُولُ مُعَرِّفًا، فَيَقُولُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَخَيَّرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا مِنْهُمْ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ ابْنُ نَاصِرٍ: يَقُولُ لِلْمَوْتَى " عَلَيْكُمْ السَّلَامُ ". فَائِدَةٌ. إذَا سَلَّمَ عَلَى الْحَيِّ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، قُلْت: مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَنْهُ تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ قَالَ النَّاظِمُ كَالرَّدِّ، وَقِيلَ: تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَرَدَّهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ، وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الدَّفْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِي التَّعْزِيَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْلَى، لِلْإِيَاسِ التَّامِّ مِنْهُ.

فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ تَكْرَارُ التَّعْزِيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ الْقَبْرِ مَنْ عَزَّى قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ لِمَنْ عَزَّى وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُعَزِّ، وَأَطْلَقَ جَوَازَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. انْتَهَى. وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِلْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي تَشْمِيتِهَا إذَا عَطَسَتْ، وَيُعَزَّى مَنْ شَقَّ ثَوْبَهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الشَّقُّ وَيُكْرَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَغَيْرُهُ: أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَيْسَتْ مُحَدَّدَةً بِحَدٍّ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: آخِرُهَا يَوْمَ الدَّفْنِ، وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ قَالَ الْمَجْدُ: لِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْدَادِ فِيهَا، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: اتَّفَقُوا لِكَرَاهِيَتِهِ بَعْدَهَا، وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهَا بِالْإِحْدَادِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ: مَا لَمْ تُنْسَ الْمُصِيبَةُ الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ " أَهْلُ الْمَيِّتِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: أَهْلُ الْمُصِيبَةِ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ

فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، لَا تَفَقُّهًا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: فَيُعَزَّى الْإِنْسَانُ فِي رَفِيقِهِ وَصَدِيقِهِ وَنَحْوِهِمَا، كَمَا يُعَزَّى فِي قَرِيبِهِ، وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ مَا يُعْجِبُنِي، وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقِيلَ: يُبَاحُ ثَلَاثًا كَالنَّعْيِ، وَنُقِلَ عَنْهُ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ. وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ، خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَمَّا وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ: فَأَكْرَهُهُ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ أَهْلَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ، لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْحُزْنِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ، لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، أَوْ يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ فَعَلَهُ السَّلَفُ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. بَلْ إنْ شَاءَ، قَالَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ عَزَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجُلًا، فَقَالَ " آجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، فِي هَذَا الرَّجُلِ " وَعَزَّى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ " أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ " قَوْلُهُ (وَفِي تَعْزِيَةٍ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) يَعْنِي إذَا عَزَّى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَنْ مَيِّتٍ كَافِرٍ فَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ

يُعَزِّيهِ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُعَزِّيهِ عَنْ كَافِرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَقُولُ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَصَارَ لَك خَلَفًا عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلَا نَقَصَ عَدَدُك، أَوْ أَكْثَرَ عَدَدَك) فَيَدْعُو لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَلَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ، وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: وَيَقُولُ لَهُ أَيْضًا: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ يَقُولُ: أَعْطَاك اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِك أَفْضَلَ مَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِك، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: لَا يَنْبَغِي تَعْزِيَتُهُ عَنْ كَافِرٍ، وَلَا الدُّعَاءُ بِالْإِخْلَافِ عَلَيْهِ، وَعَدَمِ تَنْقِيصِ عَدَدِهِ، بَلْ الْمَشْرُوعُ [الدُّعَاء] بِعَدَمِ الْكَافِرِينَ وَإِبَادَتِهِمْ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ نُوحٍ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ، أَوْ عَنْ كَافِرٍ حَيْثُ قِيلَ: بِجَوَازِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: جَوَازُ التَّعْزِيَةِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قَدْ اخْتَارَ جَوَازَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ تَعْزِيَتِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ، وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَرِوَايَةٌ بِالْإِبَاحَةِ فَعَلَيْهَا يَقُولُ مَا تَقَدَّمَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ: هَلْ يَرُدُّ الْمُعَزَّى شَيْئًا أَمْ لَا؟

وَقَدْ رَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ عَزَّاهُ فَقَالَ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ. انْتَهَى. وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً وَمَتْبُوعًا، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: مَعْنَى " التَّعْزِيَةِ " التَّسْلِيَةُ، وَالْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ. الثَّالِثَةُ: لَا يُكْرَهُ أَخْذُهُ بِيَدِ مَنْ عَزَّاهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ الْوَقْفُ، وَكَرِهَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ قَالَ الْخَلَّالُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَفْصٍ عِنْدَ الْقَبْرِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا يُحْمَلُ النَّهْيُ عَنْ الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ: عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى قَالَ الْمَجْدُ: أَوْ أَنَّهُ [كَرِهَ] كَثْرَةَ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ أَيَّامًا قَالَ جَمَاعَةٌ: الصَّبْرُ عَنْ الْبُكَاءِ أَجْمَلُ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْبُكَاءَ يُسْتَحَبُّ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْفَرَحِ كَفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ، قُلْت: اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا يُعْدَلُ عَنْهَا. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابَ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ) يَعْنِي يَجُوزُ ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ لُبْسُهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لِلْمُصَابِ تَغْيِيرُ حَالِهِ مِنْ خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ، وَتَغْلِيقِ حَانُوتِهِ،

وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَوْمَ مَاتَ بِشْرٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا يَوْمَ جَوَابٍ هَذَا يَوْمُ حُزْنٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ الزِّينَةَ وَحُسْنَ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَلَا النِّيَاحَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُكْرَه النَّدْبُ وَالنَّوْحُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْكَافِي قَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَالْخِرَقِيُّ. انْتَهَى. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِمَا، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: قَدْ نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قَبْلَ الْمُصَنِّفِ، ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَطَعَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إذَا كَانَ صِدْقًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ، وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُبَاحُ يَسِيرُ النَّدْبِ الصِّدْقِ نَصَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُود، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِنْ الصُّرَاخِ، وَخَمْشِ الْوَجْهِ، وَنَتْفِ الشَّعْرِ، وَنَشْرِهِ وَحَلْقِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّخَعِيُّ قَالَ فِي الْفُصُولِ: يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَاءَتْ الْأَخْبَارُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهَا بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَيْهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةً الْعَرَبُ كَانَتْ الْوَصِيَّةَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَى عَادَتِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ. انْتَهَى. وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهِ حِينَ يَمُوتُ، وَقِيلَ: يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: يُعَذَّبُ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ أَهْلِهِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ إذَا كَانَ عَادَةَ أَهْلِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ يُعَذَّبُ، لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ، وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْحَوَاشِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ الَّذِي مَعَهُ نَدْبٌ، أَوْ نِيَاحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَمِنْهَا: مَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ، مِنْ وَعْظٍ، أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَعَنَا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. وَمِنْهَا يُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَأَكْلُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بِحُرْمَةِ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ عِنْدَهُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا مِنْ

التَّصَدُّقِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخُبْزٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَإِشْهَارٌ لِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمَنْدُوبِ إلَى إخْفَائِهَا. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفِي مَعْنَى الذَّبْحِ عَلَى الْقَبْرِ: الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ، وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الصَّدَقَةِ.

كتاب الزكاة

[كِتَابُ الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ فَائِدَةٌ: " الزَّكَاةُ " فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ. وَقِيلَ: النَّمَاءُ وَالتَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّهَا تُنَمِّي الْمَالَ وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا، وَقِيلَ: تُنَمِّي أَجْرَهَا، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا فِيهَا لَكَانَ حَسَنًا: فَتُنَمِّي الْمَالَ، وَتُنَمِّي أَجْرَهَا، وَتُنَمِّي الْفُقَرَاءَ، وَتُطَهِّرُ مُعْطِيَهَا، وَسُمِّيَتْ " زَكَاةً " فِي الشَّرْعِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَحَدُّهَا فِي الشَّرْعِ: حَقٌّ يَجِبُ فِي مَالٍ خَاصٍّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ} يَعْنِي لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، وَالْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْأَثْمَانِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ {أَصْحَابُنَا تَجِبُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْهَادِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فِيهِ، تَغْلِيبًا وَاحْتِيَاطًا كَتَحْرِيمِ قَتْلِهِ وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِ. وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلُهُ، قَالَ الْمَجْدُ: تَتَنَاوَلُهُ بِلَا شَكٍّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُمَا، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ {وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ رِوَايَتَانِ} ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ.

إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِيهَا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ " قَالَ الشَّارِحُ: وَهِيَ أَصَحُّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا زَكَاةَ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفَائِدَتُهُ تَكْمِيلُ النِّصَابِ بِبَقَرَةِ وَحْشٍ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمَتَى كَمُلَ النِّصَابُ مِنْهُ وَجَبَتْ فِيهِ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: حُكْمُ الْغَنَمِ الْوَحْشِيَّةِ حُكْمُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَالْوُجُوبُ فِيهَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمِنْهَا: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الظِّبَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الطَّرِيقَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَحَكَى رِوَايَةً؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَنَمَ. وَالظَّبْيَةُ تُسَمَّى عَنْزًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَمِنْهَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا. وَهَلْ تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ، إذَا انْفَصَلَ حَيًّا أَمْ لَا؟ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْدِ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ مِلْكِ الصَّبِيِّ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ. بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ. لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ حَيًّا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فِطْرَةِ الْجَنِينِ: لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ

بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْوُجُوبَ بِحُكْمِنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِيَ الْوَرَثَةِ، وَهُمَا وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي، وَمَنَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَجِبُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ} الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا تَجِبُ عَلَى أَصْلِيٍّ، عَلَى الْأَشْهَرِ، كَذَا الْمُرْتَدُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ مَعَ الرِّدَّةِ أَوْ زَوَالِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ] ، فَقِيلَ: لِكَوْنِهَا عِبَادَةً، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لِمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ قُلْنَا " يَزُولُ مِلْكُهُ " فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ، نَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: تَجِبُ لِمَا مَضَى مِنْ الْأَحْوَالِ عَلَى مَالِهِ حَالَ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ شَاقِلَا رِوَايَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ {وَلَا تَجِبُ عَلَى مُكَاتَبٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ هُوَ كَالْقِنِّ، وَعَنْهُ يُزَكِّي بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.

قَوْلُهُ {فَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ} . يَعْنِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ، ذَكَرَهَا فِي الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: يُزَكِّي الْعَبْدُ مَالَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ تَبَعًا لِابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُزَكِّيَهُ السَّيِّدُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَعَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَى السَّيِّدِ، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إمَّا مِلْكٌ لَهُ، أَوْ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، قُلْت: وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ فَزَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا: أَنَّ فِي مِلْكِهِ خِلَافًا؛ لِقَوْلِهِ " وَقُلْنَا إنَّهُ يُمَلِّكُهُ "، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَوَاعِدِ ابْنِ اللَّحَّامِ، وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ

الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّقِيقِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ اخْتَارَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَغَيْرِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَوْ مَلَكَ مَلَكَهُ فِي الْأَقْيَسِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَائِدَةٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ. أَكْثَرُهَا مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْكِتَابِ، وَمِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا، وَمِنْهَا: إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ عَبْدًا وَأَهَلَّ عَلَيْهِ هِلَالُ الْفِطْرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، فَفِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا اعْتِبَارًا بِزَكَاةِ الْمَالِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا فِطْرَةَ إذَنْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَيُؤَدِّي السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِ عَبْدِهِ؛ إذْ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ مَلَكَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ؛ لِعَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ وَنَقْصِ مِلْكِ الْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْحُرَّ كَنَفَقَتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ [وَالشَّارِحُ] ، وَمِنْهَا: تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ، وَالْأَيْمَانِ، وَالظِّهَارِ، وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ، وَذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

وَمِنْهَا: إذَا بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ. وَلِلْأَصْحَابِ أَيْضًا: فِيهَا طُرُقٌ، ذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمِنْهَا: إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَالِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَاشْتَرَاهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، صَحَّ، وَكَانَ مَمْلُوكًا لِلسَّيِّدِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ: لَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ الصَّحِيحُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ بِالْوَكَالَةِ، وَمِنْهَا: عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَذِنَ الْكَافِرُ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ رَقِيقًا مُسْلِمًا. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، صَحَّ، وَكَانَ الْعَبْدُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهَا: تَسَرِّي الْعَبْدِ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، جَازَ تَسَرِّيهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ: مُحَرَّمٌ، بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَصْحَابِ بَعْدَهُ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ تَسَرِّيهِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ، وَرَجَّحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَحَرَّرَهَا فِي فَوَائِدِهِ، وَتَأْتِي هَذِهِ الْفَائِدَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ، فِي قَوْلِهِ " وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ، فَهَلْ يُعْتَقُ؟ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ

يُعْتَقُ بِذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَعَ قَوْلِهِ " إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ " وَقَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ، وَمِنْهَا: إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ مَالٌ، فَهَلْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ لِلْعَبْدِ أَمْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمَجْدُ، وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بِمَالِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَنْفَسِخْ، وَمِنْهَا: لَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، فَالْوَلَدُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَالْوَلَدُ مَمْلُوكُ الْعَبْدِ، لَكِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا أُعْتِقَ وَلَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ حِينَئِذٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ دُونَ اسْتِرْجَاعِهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، صَحَّ بِغَيْرِ إشْكَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ السَّيِّدِ رَقِيقَ عَبْدِهِ، قَالَ الْقَاضِي: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ عِتْقِهِ، قَالَ: وَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَلِأَنَّ عِتْقَهُ يَتَضَمَّن الرُّجُوعَ فِي التَّمْلِيكِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ. فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَقِيلَ: ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، فَأَمَّا إنْ قِيلَ: إنَّهُ يَمْلِكُ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَالْمُكَاتَبِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ [وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْوَقْفِ] . وَمِنْهَا: وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ: صَحَّ وَعَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمَالِ، وَيَكْمُلُ عِتْقُهُ مِنْ بَقِيَّةِ

الْوَصِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي تَعْلِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ قَوَاعِدِهِ، وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ، وَمِنْهَا: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مُقَدَّرٍ، فَفِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا: عَدَمُ الصِّحَّةِ. فَمِنْ الْأَصْحَابِ: مَنْ بَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَتَمَلَّكُ أَمْ لَا؟ وَهُمَا طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّ لِلْوَصِيَّةِ لِقَدْرٍ [مِنْ] الْعَيْنِ، أَوْ لِقَدْرٍ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بِعَيْنِهِ، فَيَعُودُ إلَى الْحَقِّ الْمُشَاعِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَمِنْهَا: لَوْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ مَلَّكَهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ لَمْ يُسْهَمْ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَالِكِهَا، فَيَرْضَخُ لَهَا، كَمَا يَرْضَخُ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا أَسْهَمَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُسْهِمُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ. وَتَوَقَّفَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا يُسْهِمُ لَهَا مُتَّحِدًا، وَمَوْضِعُ هَذِهِ الْفَوَائِدِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الْخِلَافُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ مُخْتَصٌّ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ فَاخْتَارَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، فَلَا يَمْلِكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُقَيِّدُوا الرِّوَايَتَيْنِ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، بَلْ ذَكَرُوهُمَا مُطْلَقًا فِي مِلْكِ الْعَبْدِ إذَا مَلَكَ، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ.

فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: اللُّقَطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ، قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: تَنْبَنِي عَلَى رِوَايَتَيْ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، جَعْلًا لِتَمْلِيكِ الشَّارِعِ كَتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ، وَإِنْ لَمْ تُمْلَكْ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ، وَعِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ، كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ، وَمِنْهَا: حِيَازَةُ الْمُبَاحَاتِ: مِنْ احْتِطَابٍ، أَوْ احْتِشَاشٍ، أَوْ اصْطِيَادٍ، أَوْ مَعْدِنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، كَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ لَكِنْ لَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَخَرَّجَ طَائِفَةٌ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ وَعَدَمِهِ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ. وَقَاسَهُ عَلَى اللُّقَطَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَمِنْهَا: لَوْ أَوْصَى لِلْعَبْدِ، أَوْ وَهَبَ لَهُ، وَقَبِلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ بِدُونِهِ إذَا أَجَزْنَا لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ فَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ، وَيَأْتِي أَيْضًا هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ، وَمِنْهَا: لَوْ خَلَعَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ بِعِوَضٍ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَبْدَ هُنَا يَمْلِكُ الْبِضْعَ فَمَلَكَ عِوَضَهُ بِالْخُلْعِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ عِوَضَهُ، فَأَمَّا مَهْرُ الْأَمَةِ: فَهُوَ لِلسَّيِّدِ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ مِنْ قَوَاعِدِهِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا. فَائِدَةٌ: تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ) ، فَالنِّصَابُ تَقْرِيبٌ فِي النَّقْدَيْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ [وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ] تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ: قَالَهُ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ نَقَصَ النِّصَابُ مَا لَا يُضْبَطُ كَحَبَّةٍ وَحَبَّتَيْنِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ وَعَنْهُ النِّصَابُ تَحْدِيدٌ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ يَسِيرًا، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: هَذَا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَدْخُلُ فِي الْمَكَايِيلِ، كَالْأُوقِيَّةِ، وَنَحْوِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَحَوَاشِيهِ وَالْكَافِي، وَالْمُقْنِعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ لَا يَضُرُّ النَّقْصَ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ حَبَّتَيْنِ، وَعَنْهُ حَتَّى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفَ وَثُلُثَ مِثْقَالٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي ثُلُثِ مِثْقَالٍ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الدَّانَقِ وَالدَّانَقَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: الدَّانَقُ وَالدَّانَقَانِ لَا يَمْنَعُ فِي الْفِضَّةِ، وَيَمْنَعُ فِي الذَّهَبِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هَذَا أَوْجَهُ، وَقِيلَ: يَضُرُّ النَّقْصُ الْيَسِيرُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ وَسَطِهِ، دُونَ آخِرَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُعْتَبَرُ النَّقْصُ الْيَسِيرُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ نَقْصُ ثَمَنٍ، فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَفِي [أُخْرَى فِي] الْفِضَّةِ ثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَفِي أُخْرَى فِي الذَّهَبِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا يُؤَثِّرُ الثُّلُثُ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ: أَنَّ نِصَابَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ تَحْدِيدٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَنْهُ نِصَابُ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُؤَثِّرُ نَحْوُ رَطْلَيْنِ وَمُدَّيْنِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُؤَثِّرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ: وَجَعَلَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ. الثَّانِيَةُ: لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ دَاخِلَ الْكَيْلِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا نَقَصَ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ظَهَرَ فِيهَا: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ {وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ، إلَّا فِي السَّاعَةِ} لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي وَقْصِ السَّائِمَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي وَقْصِهَا، اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ تَلِفَ بَعِيرٌ مِنْ تِسْعَةِ أَبْعِرَةٍ، أَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إنْ اعْتَبَرْنَا التَّمَكُّنَ: سَقَطَ تِسْعُ شِيَاهٍ، وَلَوْ تَلِفَ مِنْ التِّسْعِ سِتَّةٌ زَكَّى الْبَاقِيَ ثُلُثَ شَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّاهُ بِتُسْعِ شَاةٍ.

وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا رَدِيئًا أَوْ صِغَارًا كَانَ الْوَاجِبُ وَسَطًا، وَيُخْرِجُ مِنْ الْأَعْلَى بِالْقِيمَةِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ مِنْ فَوَائِدِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شَاةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ: ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا، وَفِي الثَّالِثَةِ: خُمُسُهَا، وَفِي الرَّابِعَةِ: يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالْخِيَارِ، وَيَتَعَلَّقُ الرَّدِيءُ بِالْوَقْصِ لِأَنَّهُ أَحَطُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ أَيْضًا، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ تَلِفَ عِشْرُونَ بَعِيرًا مِنْ أَرْبَعِينَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ: خَمْسَةُ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْوَقْصِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّصَابِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَفَوَائِدُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالزَّائِدِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ احْتِمَالَانِ يَعْنِي أَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ بِالنِّصَابِ مِنْهُ فَقَطْ، فَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، وَهِيَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ {فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ، فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا} أَمَّا السَّائِمَةُ الْمَوْقُوفَةُ: فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ كَالْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالنَّصُّ الْوُجُوبُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا زَكَاةَ فِيهَا قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَةِ الْمِلْكِ فَقَطْ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عَيْنِهَا، لِمَنْعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْوَقْفِ، فَيَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهَا، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ السَّائِمَةُ أَوْ غَيْرُهَا وَقْفًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ، وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا، لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ: لَا عُشْرَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ شَجَرًا عَلَى مُعَيَّنٍ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا فِي الْغَلَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِجَوَازِ بَيْعِهَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تَجِبُ مَعَ غِنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، دُونَ غَيْرِهِ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ فَحَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَإِنْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابُ زَكَاةٍ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَأْثِيرِ الْخَلْطِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ، فَاتَّجَرَ بِهِمَا الْوَصِيُّ: فَرِبْحُهُ مَعَ أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: رِبْحُهُ إرْثٌ.

وَقَالَ فِي الْمُؤَجَّرِ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ إنْ رَبِحَ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيَأْتِي مَا إذَا بَنَى فِي الْمُوصَى بِوَقْفِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ وَقْفِهِ: فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَوَائِدِ مَا إذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَتَى يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ. وَمِنْهَا: الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ يُزَكِّيهِ مَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عَلَى مِلْكِهِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ: زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ لَا زَكَاةَ إنْ وَصَّى بِهَا أَبَدًا، فَيُعَايَى بِهَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَجْهَيْنِ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ] وَقَالَ: إنَّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا تَخْلُو، إمَّا أَنْ نَقُولَ: لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ أَوْ يَمْلِكُهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى تُقْسَمَ، وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِلَافِ وَالْمُجَرَّدِ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهَا بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ: يُعْتَبَرُ بُلُوغُ حِصَّتِهِ نِصَابًا، فَإِنْ كَانَتْ دُونَهُ انْبَنَى عَلَى الْخُلْطَةِ فِيهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا حَقُّ رَبِّ الْمَالِ: فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ تَزْكِيَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْآجُرِّيِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَصِيرَ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْخُلَطَاءِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِدُخُولِهِمَا عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حُكْمِهِ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْمَالِ، صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاةُ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِالظُّهُورِ، نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ، وَقِيلَ: قَبْضِهَا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهَا قَبْلَهُ لِتَزَلْزُلِهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إذَا قُلْنَا " لَا يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ " فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ عَنْ الْقَاضِي: يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ زَكَاتُهُ، إذَا قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ الْعَامِلُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ، وَحَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا، وَصَحَّحَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدَّاهَا رَبُّ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ: فَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ، وَإِنْ أَدَّاهَا مِنْهُ: حُسِبَ مِنْ الْمَالِ وَالرِّبْحِ، عَلَى الصَّحِيحِ [مِنْ الْمَذْهَبِ] قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا، فَيَنْقُصُ رُبْعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: يُحْسَبُ مِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ، وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ، وَجَزَمَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَوَاشِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَدَيْنِهِ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ: فَمِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، فَمِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ {وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ زَكَّاهُ إذَا قَبَضَهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ، وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ، أَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " عَلَى مَلِيءٍ " مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا. فَائِدَةٌ: الْحَوَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ كَالْقَبْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ جُعِلَا وَفَاءً فَكَالْقَبْضِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ {زَكَّاهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى} يَعْنِي مِنْ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَصْد بِبَقَائِهِ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا مَضَى. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُجْزِيهِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِزَكَاةِ سِنِينَ، وَلَوْ وَقَعَ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِقِيَامِ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَدَاءُ رُخْصَةً. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً نَقْدًا، وَمِائَةً مُؤَجَّلَةً: زَكَّى النَّقْدَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ، وَزَكَّى الْمُؤَجَّلَ إذَا قَبَضَهُ. الثَّالِثَةُ: حَوْلُ الصَّدَاقِ: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، مُسْتَقِرًّا كَانَ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ كَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ، وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ.

وَعَنْهُ لَا زَكَاةَ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى يُقْبَضَ، فَيَثْبُتُ الِانْعِقَادُ وَالْوُجُوبُ قَبْلَ الْحَوْلِ، قَالَ الْمَجْدُ: بِالْإِجْمَاعِ، مَعَ احْتِمَالِ الِانْفِسَاخِ، وَعَنْهُ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا فِي اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي كُلِّ دَيْنٍ، إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ، أَوْ مَالٌ زَكَوِيٌّ عِنْدَ الْكُلِّ، كَمُوصًى بِهِ، وَمَوْرُوثٍ، وَثَمَنِ مَسْكَنٍ، وَعَنْهُ لَا حَوْلَ لِأُجْرَةٍ، فَيُزَكِّيهِ فِي الْحَالِ كَالْمَعْدِنِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأُجْرَةِ الْعَقَارِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى كَوْنِهَا غَلَّةَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا لَا حَوْلَ لِمُسْتَفَادٍ، وَذَكَرَهَا أَبُو الْمَعَالِي فِيمَنْ بَاعَ سَمَكًا صَادَهُ بِنِصَابِ زَكَاةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْقَبْضِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَا زَكَاةَ لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فِيهَا، فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا، وَكَذَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ مَالًا زَكَوِيًّا؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ فِي الذِّمَّةِ فِيهَا أَصْلٌ أَوْ أَحَدُهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ " الْقَرْضَ، وَدَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، أَوْ زَالَ، أَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، بِتَلَفِ مَطْعُومٍ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيُزَكَّى الْمَبِيعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ. وَيُزَكَّى أَيْضًا دَيْنُ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا. وَيُزَكَّى أَيْضًا ثَمَنُ الْمَبِيعِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمْ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِلْكٍ تَامٍّ مَقْبُوضٍ، وَعَنْهُ أَوْ مُمَيَّزٍ لَمْ يُقْبَضْ ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَفِيمَا صَحَّ تَصَرُّفُ رَبِّهِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ ضَمِنَهُ بِتَلَفِهِ، وَفِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَرَأْسِ مَالِ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا،

وَدَيْنُ السَّلَمِ إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا، وَفِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْل الْقَبْضِ رِوَايَتَانِ. وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ، وَفِي قِيمَتِهِ رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَفِي أَيِّهِمَا تُقْبَلُ. قَوْلُهُ {وَفِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: الصَّوَابُ قَوْلُ الْمُخْرَجِ، فَأَمَّا مَبِيعٌ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ فَيُزَكِّيهِ الْبَائِعُ. الْخَامِسَةُ: كُلُّ دَيْنٍ سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَمْ يَتَعَوَّضْ عَنْهُ: تَسْقُطُ زَكَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هَلْ يُزَكِّيهِ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ رَبُّهُ زَكَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: يُزَكِّيهِ الْمُبَرَّأُ مِنْ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ مُلِكَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ عِوَضًا، أَوْ أَحَالَ أَوْ احْتَالَ زَادَ بَعْضُهُمْ، وَقُلْنَا: الْحَوَالَةُ وَفَاءٌ زَكَّاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَعَيْنٍ وَهَبَهَا، وَعَنْهُ زَكَاةُ التَّعْوِيضِ عَلَى الدَّيْنِ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْإِبْرَاءِ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا الْمَدِينَ. السَّادِسَةُ: الصَّدَاقُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَالدَّيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: سُقُوطُهُ كُلُّهُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مِنْ جِهَتِهَا كَإِسْقَاطِهَا، وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ، وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، هَذَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، أَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَإِنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ، نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى

وَإِنْ زَكَّتْ صَدَاقَهَا كُلَّهُ، ثُمَّ تَنَصَّفَ بِطَلَاقٍ: رَجَعَ فِيمَا بَقِيَ بِكُلِّ حَقِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَةُ حَقِّهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ، وَنِصْفِ بَدَلِ مَا أَخْرَجَتْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَصْدَقَهَا يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ مِثْلَهُ، وَلَا تُجْزِيهَا زَكَاتُهَا مِنْهُ بَعْدَ طَلَاقِهِ، لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَقِيلَ: بَلَى عَنْ حَقِّهَا، وَتَغْرَمُ لَهُ نِصْفَ مَا أَخْرَجَتْ، وَمَتَى لَمْ تُزَكِّهِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا، وَتُزَكِّيهِ هِيَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ بِالذِّمَّةِ. [فَائِدَةٌ: لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا: لَمْ تَسْقُطْ عَنْهَا الزَّكَاةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ، وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا] . قَوْلُهُ {وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْمَجْحُودِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ: رِوَايَتَانِ} ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى مُمَاطِلٍ، أَوْ كَانَ الْمَالُ مَسْرُوقًا، أَوْ مَوْرُوثًا، أَوْ غَيْرَهُ جَهِلَهُ أَوْ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هُوَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: كَالدِّينِ عَلَى الْمَلِيءِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا قَبَضَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَنَصَرَهَا أَبُو الْمَعَالِي، وَقَالَ: اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ

وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الْمُؤَجَّلِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ. وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ، صَحَّحَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فِي غَيْرِ الْمُؤَجَّلِ [وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ] وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الْمَدْفُونِ فِي دَارِهِ، وَفِي الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَالْمُمَاطِلِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِوُجُوبِهَا فِي وَدِيعَةٍ جَهِلَ عِنْدَ مَنْ هِيَ، وَعَلَيْهِ: مَا لَا يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ: كَالْمَسْرُوقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَجْحُودِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَمَا يُؤْمَلُ رُجُوعُهُ كَالدَّيْنِ، عَلَى الْمُفْلِسِ: أَوْ الْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذِهِ أَقْرَبُ، وَعَنْهُ إنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْحُودِ، ذَكَرَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُزَكِّي ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمُوا بِهِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمُبْهِجِ: إذَا قُلْنَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ وَقَبَضَهُ، فَهَلْ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " الْمَجْحُودُ " يَعْنِي سَوَاءً كَانَ مَجْحُودًا بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا أَوْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالْمَجْحُودِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: ظَاهِرًا. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ كَانَ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ، وَقُلْنَا: لَا تَجِبُ فِي الْمَجْحُودِ، فَفِيهِ هُنَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي] .

أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ [وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ] . الثَّانِي: لَا تَجِبُ. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَبَتْ فِي نِصَابٍ بَعْضُهُ دَيْنٌ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ وَنَحْوُهُ، فَفِي وُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَالضَّالِّ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَلَوْ كَانَتْ إبِلًا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، مِنْهَا خَمْسٌ مَغْصُوبَةٌ أَرْضًا أَخْرَجَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بِنْتَ مَخَاضٍ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ، وَمِنْهَا: لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ، أَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: يُخْرِجُ زَكَاتَهُ بِالْحِسَابِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْبُوضُ نِصَابًا، أَوْ يَصِيرُ مَا بِيَدِهِ مَا يُتَمِّمُ بِهِ نِصَابًا، وَمِنْهَا: يَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالزَّكَاةِ لِنَقْصِهِ بِيَدِهِ كَتَلَفِهِ، وَمِنْهَا: لَوْ غُصِبَ رَبُّ الْمَالِ بِأَسْرٍ أَوْ حَبْسٍ، وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ: لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ. قَوْلُهُ {وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إذَا جَاءَ رَبُّهَا زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي كَانَ الْمُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا} اللُّقَطَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا رَبُّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَالِ الضَّائِعِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا

وَمَذْهَبًا، وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا إذَا وَجَدَهَا رَبُّهَا لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ " الْخِرَقِيُّ " تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَوَائِدَ إذَا مَلَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ، بَعْدَ الْحَوْلِ، اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا وَزَكَّاهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَدِينٌ بِهَا. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي: لَا زَكَاةَ فِيهَا، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَلَكَهَا مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا، فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ. انْتَهَى. وَلِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَكِنْ نَظَرًا إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهَا. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَوْ مَلَكَ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ قَدْرَ عِوَضِهَا: زَكَّى عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: لَا؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لَهَا، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَإِذَا مَلَكَهَا الْمُلْتَقِطُ وَزَكَّاهَا فَلَا زَكَاةَ إذَنْ عَلَى رَبِّهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ بَلَى، وَهَلْ يُزَكِّيهَا رَبُّهَا حَوْلَ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ، إذْ لَمَّا يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الْمَالِ الضَّالِّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ اللُّقَطَةَ وَقُلْنَا: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ حَتَّى يَخْتَارَ بِهَا الضَّمَانَ فَتَثْبُتُ حِينَئِذٍ فِي ذِمَّتِهِ كَدَيْنٍ تَجَدَّدَ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا عَلَيْهِ مِنْهَا ثُمَّ أَخَذَهَا رَبُّهَا، رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَخْرَجَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ رَبَّهَا زَكَاتُهَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ إذَنْ. قَوْلُهُ {وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُنْقِصُ النِّصَابَ} هَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْحَالُّ خَاصَّةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي) ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْنَعُ أَيْضًا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، قُلْت: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَ ثَمَنُهُ، وَلَا يَمْنَعُ مَا اسْتَدَانَهُ لِمُؤْنَةِ نَفْسِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْمَنْعِ: مَا لَزِمَهُ مِنْ مُؤْنَةِ الزَّرْعِ مِنْ أُجْرَةِ حَصَادٍ، وَكِرَاءِ أَرْضٍ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَحَكَى أَبُو الْبَرَكَاتِ رِوَايَةً: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَجِدْ بِهَا نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَمْنَعُ خَلَا الْمَاشِيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: فِي الْأَمْوَالِ: ظَاهِرَةً، وَبَاطِنَةً، فَالظَّاهِرَةُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْمَوَاشِي، وَكَذَا الثِّمَارُ، وَالْبَاطِنَةُ: كَالْأَثْمَانِ، وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ: هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَقَطْ. انْتَهَى. وَهَلْ الْمَعْدِنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ الْبَاطِنَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الثَّانِي: هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِيَّةِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأَثْمَانِ، وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ: السَّائِمَةُ وَالْحُبُوبُ، وَالثِّمَارُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ وَالْمَنْعُ فِي الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ: لَا. الثَّانِيَةُ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَعَلَّقَ بِعَبْدِ تِجَارَةٍ أَرْشُ جِنَايَةٍ: مَنَعَ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ كَالدَّيْنِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي حَوَاشِيهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ قُنْيَةٍ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ بَقِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَزَكَّى مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، اعْتِبَارًا بِمَا فِيهِ الْحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ، وَعَنْهُ يُفْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ وَلَا يُزَكِّيهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَوَاشِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: مَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ أَلْفٌ، وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا مَعَهُ عَلَى الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا جَعَلَ الدَّيْنَ مُقَابِلًا لِمَا فِي يَدِهِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالُوا: أَوْ قِيلَ مُقَابِلًا لِلدَّيْنِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ تِجَارَةٍ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَمَعَهُ عَيْنٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَرَضِ، وَيُزَكِّي مَا مَعَهُ مِنْ الْعَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِيمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ جِنْسَ الَّذِي جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً، وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا، فَمَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ جَعَلَ الدَّنَانِيرَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ، وَزَكَّى مَا مَعَهُ، وَمَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَعَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَدَيْنُهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: جَعَلَ قُبَالَةَ دَيْنِهِ الْغَنَمَ وَزَكَّى شَاتَيْنِ. السَّادِسَةُ: دَيْنُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ فِي مَالِهِ، دُونَ الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي. السَّابِعَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الَّذِي حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ تَشْبِيهًا لِلْمَنْعِ الشَّرْعِيِّ بِالْمَنْعِ الْحِسِّيِّ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا بَعِيدٌ، بَلْ إلْحَاقُهُ بِمَالِ الدُّيُونِ أَقْرَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَالُ سَائِمَةً زَكَّاهَا، لِحُصُولِ النَّمَاءِ وَالنِّتَاجِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ قَضَى الْحَاكِمُ دُيُونَهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، فَهُوَ الَّذِي مَلَكَ نِصَابًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، قَالَ: وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ غَرِيمٍ بَعْضَ أَعْيَانِ مَالِهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، لِضَعْفِهِ بِتَسْلِيطِ الْحَاكِمِ لِغَرِيمِهِ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ. انْتَهَى. وَإِنْ حَجَر عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ، قَالَ فِي الْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهَا مِنْ الْمَالِ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَوْلَى: أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ كَالرَّاهِنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهَا، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالزَّكَاةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، ذَكَرَهُ

الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يُقْبَلُ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ الْغَرِيمُ، وَيَأْتِي زَكَاةُ الْمَرْهُونِ فِي فَوَائِدِ الْخِلَافِ الْآتِي آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ {وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ} وَحَكَاهُمَا أَكْثَرُهُمْ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَوَاشِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُحَرَّرِ: إذَا لَمْ يَمْنَعْ دَيْنُ الْآدَمِيِّ الزَّكَاةَ، فَدَيْنُ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَدَيْنِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ: لَا يَمْنَعُ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَإِنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، فَهَلْ يَمْنَعُ دَيْنَ اللَّهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. أَحَدُهُمَا: هُوَ كَالدَّيْنِ [الَّذِي] لِلْآدَمِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْخَرَاجِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَدَيْنُ الْحَجِّ وَنَحْوُهُ كَالْكَفَّارَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْخَرَاجُ مِنْ دَيْنِ اللَّهِ، وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي إلْحَاقِهِ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فَقَدَّمَ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَرَاجُ مُلْحَقٌ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ. وَالثَّانِي: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ زَكَاةً، هَلْ يَمْنَعُ؟ عِنْدَ قَوَاعِدِ الْخِلَافِ [فِي الزَّكَاةِ هَلْ تَجِبُ] فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ؟ . الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا، أَوْ هُوَ صَدَقَةٌ، فَحَال الْحَوْلُ: فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ

فِي قَوْلِهِ " إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي تَصَدَّقْت مِنْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ " فَشَفَى، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ، وَقِيلَ: أَوْ قَالَ: جَعَلْته ضَحَايَا، فَلَا زَكَاةَ، وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا تَمَّ حَوْلُهُ قَبْلَهَا. انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ " عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ " وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ [وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ] فَعَلَى الْأَوَّلِ: تُجْزِئُهُ الزَّكَاةُ [مِنْهُ] عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيَبْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا، لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةً، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ هَلْ يُخْرِجُهُمَا، أَوْ يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا؟ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَوَجَبَ إخْرَاجُهُمَا مَعًا، وَقِيلَ: يُدْخِلُ النَّذْرَ فِي الزَّكَاةِ وَيَنْوِيهِمَا مَعًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ {الْخَامِسُ مُضِيُّ الْحَوْلِ: شَرْطٌ، إلَّا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ} فَيُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْحَوْلِ فِي الْأَثْمَانِ وَالْمَاشِيَةِ. وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: اشْتِرَاطُ مُضِيِّ الْحَوْلِ كَامِلًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي، لَكِنْ ذَكَرَهُ إذَا كَانَ النَّقْصُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْفَى عَنْ سَاعَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، قُلْت: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ أَقَلُّ مِنْ مُعْظَمِ الْيَوْمِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: وَلَا يُؤَثِّرُ نَقْصٌ دُونَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُعْفَى عَنْ يَوْمٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: الْخَمْسَةُ وَالسَّبْعَةُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُعْفَى عَنْ أَيَّامٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِمَّا أَنَّ مُرَادَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِقِلَّتِهَا، وَاعْتِبَارِهَا فِي مَوَاضِعَ، أَوْ مَا لَمْ يُعَدَّ كَثِيرًا عُرْفًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ طَرَفَا الْحَوْلِ خَاصَّةً فِي الْعُرُوضِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ {فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ} ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي الْأُجْرَةِ: أَنَّهَا تَتْبَعُ الْمَالَ الَّذِي مِنْ جِنْسِهَا. فَائِدَةٌ: يُضَمُّ الْمُسْتَفَادُ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ فِي حُكْمِهِ، وَيُزَكَّى كُلُّ مَالٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الْمُسْتَفَادِ أَيْضًا. قَوْلُهُ {إلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا إنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ حَوْلُهُ مِنْ حِينَ مَلَكَ الْأُمَّاتِ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقِيلَ: حَوْلُ النِّتَاجِ مُنْذُ كَمَّلَ أُمَّهَاتُهُ نِصَابًا، وَحَوْلُ أُمَّهَاتِهِ مُنْذُ مَلَكَهُنَّ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا فِي رِبْحِ التِّجَارَةِ: أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ. قُلْت: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ عَنْهُ: إذَا كَمُلَ النِّصَابُ بِالرِّبْحِ، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينَ مَلَكَ الْأَصْلَ كَالْمَاشِيَةِ فِي رِوَايَةٍ، فَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَوْ أَبْدَلَ بَعْضَ نِصَابٍ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ، كَعِشْرِينَ شَاةً بِأَرْبَعِينَ: اُحْتُمِلَ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى حَوْلِ الْأُولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحَوْلَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَرِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: الصَّوَابُ الثَّانِي مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ.

قَوْلُهُ {وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا: انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينَ مَلَكَهُ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ، حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الْوَاجِبِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِقَاقِ، وَفِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ [وَاللَّبُونِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِ السِّخَالِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا زَكَاةَ فِي بَنَاتِ الْمَخَاضِ] حَتَّى يَكُونَ فِيهَا كَبِيرَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَغَذَّتْ بِاللَّبَنِ فَقَطْ لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ السَّوْمِ الْمُعْتَبَرِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: تَجِبُ لِوُجُوبِهَا فِيهِ تَبَعًا لِلْأُمَّاتِ. كَمَا تَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَبْقَ وَاحِدَةً مِنْ الْأُمَّاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ، مَا لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ مِنْ الْأُمَّاتِ. قَوْلُهُ {وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ} انْقَطَعَ الْحَوْلُ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ: بِأَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَانَ كَامِلًا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ {أَوْ بَاعَهُ، أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ: انْقَطَعَ الْحَوْلُ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَبْدَلَهُ لَا بِمِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ: انْقَطَعَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً بِالْبِنَاءِ فِي الْإِبْدَالِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِإِبْدَالِ نِصَابِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ عَدَمِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ:

إبْدَالُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخِرِ يَنْبَنِي عَلَى الضَّمِّ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَطَائِفَةٍ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ. وَطَرِيقَةُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَجْدُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالضَّمِّ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا " لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ " فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ يُخْرِجُ مِمَّا مَلَكَهُ أَكْثَرَ الْحَوْلِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلُهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي أَمْوَالِ الصَّيَارِفَةِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُقُوطِهَا فِيمَا يَنْمُو، أَوْ وُجُوبُهَا فِي غَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ، وَهَذَا أَيْضًا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ {إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ} ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قُصِدَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ نَحْوِهِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالتَّحَيُّلِ. وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا فِي بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، قُلْت: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ وَأُصُولُهُ تَأْبَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: عَدَمَ السُّقُوطِ إذَا فَعَلَهُ فَارًّا قِبَلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: بِيَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ، وَقِيلَ: بِشَهْرَيْنِ، حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا لَمْ تَسْقُطْ. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، قَالَ: وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَلِهَذَا

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِهَا فِيمَنْ بَاعَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِنِصْفِ عَامٍ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالصَّحِيحُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ: لَا أَوَّلَ الْحَوْلِ، لِنُدْرَتِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي: فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَيْضًا: فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ لَمْ يُوجَدْ لِرَبِّ الْمَالِ الْغَرَضُ، وَهُوَ التَّرَفُّهُ بِأَكْثَرِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، وَحُصُولُ النَّمَاءِ فِيهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُزَكَّى مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ الْحَوْلِ فَقَطْ. إذَا قَصَدَ الْفِرَارَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ أَبْدَلَهُ بِعَقَارٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَتْ زَكَاةُ كُلِّ حَوْلٍ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ غَنَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَهَا، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إذَا فَرَّ بِهَا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى ثَمَنَهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَهُ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا فَعَلَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، قُبِلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ إنْ عُرِفَ بِقَرَائِنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْفِرَارَ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ} ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْقَطِعَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، كَالْجِنْسَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَاسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي

وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ تُبَاعُ بِنَقْدٍ أَوْ تُشْتَرَى بِهِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي، وَحَكَى الْخِلَافَ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَيْعِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِبْدَالِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي بِالْإِبْدَالِ، ثُمَّ قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ، فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ، فَيَبِيعُهَا بِضَعْفِهَا مِنْ الْغَنَمِ، هَلْ يُزَكِّيهَا أَمْ يُزَكِّي الْأَصْلَ؟ فَقَالَ: بَلْ يُعْطِي زَكَاتَهَا؛ لِأَنَّ نَمَاءَهَا مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْمُبَادَلَةُ، هَلْ هِيَ بَيْعٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ الْمُصْحَفِ، لَا بَيْعِهِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ، وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ، وَأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ. قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، كَلَفْظِ الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ نَعَمْ الْمُبَادَلَةُ تَدُلُّ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ لَهُ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ، فَكُلُّ بَيْعٍ مُبَادَلَةٌ وَلَا عَكْسَ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُبَادَلَةِ: هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَيَأْتِي هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ عِنْدَ حُكْمِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ. فَائِدَةٌ: لَوْ زَادَ بِالِاسْتِبْدَالِ، تَبِعَ الْأُصُولَ فِي الْحَوْلِ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ كَنِتَاجٍ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِائَةَ شَاةٍ بِمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ إذَا حَالَ حَوْلُ الْمِائَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَسْتَأْنِفُ لِلزَّائِدِ حَوْلًا، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَنَى، أَوْمَأَ إلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمَهُ وَفَرَّقَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: لَا يَبْنِي فِي الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ: اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَبْدَلَ نِصَابًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ. يَنْبَنِي عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُبَادَلَةُ بَيْعًا وَفِي نُسْخَةٍ إذَا لَمْ نَقُلْ الْمُبَادَلَةُ بَيْعٌ وَلَوْ أَبْدَلَ نِصَابَ سَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ، بَعْدَ أَنْ

وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ فَرَدَّ عَلَيْهِ. فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ النِّصَابِ فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ، قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُخْرِجِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ {وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ الْجُمْهُورُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَالَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَنِهَايَتُهُ وَنَظْمُهَا، وَاخْتَارَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا، وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ إشْعَارٌ بِتَزَيُّلِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ الْمَالِ، قَالَ: وَهُوَ غَرِيبٌ. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ أَعْنِي أَنَّهَا: هَلْ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ؟ فَوَائِدُ جَمَّةٌ: مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ مَا إذَا مَضَى حَوْلَانِ عَلَى النِّصَابِ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُمَا. فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، وَزَكَاتَانِ إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ. هَكَذَا أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاتَيْنِ، إذَا قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا، فَأَطْلَقُوا، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُسْقِطُ نَفْسَهُ وَقَدْ يُسْقِطُ غَيْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا: إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ زَكَّى لِكُلِّ حَوْلٍ، إلَّا إذَا قُلْنَا دَيْنُ اللَّهِ يَمْنَعُ، فَيُزَكِّي عَنْ حَوْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا زَكَاةَ لِلْحَوْلِ الثَّانِي لِأَجْلِ الدَّيْنِ، لَا لِلتَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: مَتَى قُلْنَا يَمْنَعُ الدَّيْنَ، فَلَا زَكَاةَ لِلْعَامِ الثَّانِي، تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ، وَقَالَ: حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ أَحْمَدُ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الْأَوَّلِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَجَعَلَ مِنْ فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ: إخْرَاجَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ مِنْ الرَّهْنِ بِلَا إذْنٍ إنْ عَتَقَتْ بِالْعَيْنِ. وَاخْتَارَ سُقُوطَهَا بِالتَّلَفِ وَتَقْدِيمَهَا عَلَى الدَّيْنِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ، وَيَأْتِي أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذِهِ الْفَائِدَةِ: فِي غَيْرِ مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ مِنْ الْإِبِلِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَأَمَّا مَا زَكَاتُهُ الْغَنَمُ مِنْ الْإِبِلِ: فَإِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ غَيْرَ الْجِنْسِ، بَلْ الْإِبِلُ الْمُزَكَّاةُ بِالْغَنَمِ فَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ تَتَكَرَّرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالشِّيَاهُ عَنْ الْإِبِلِ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَتَتَعَدَّدُ وَتَتَكَرَّرُ. قُلْت: هَذَا إنْ قُلْنَا لَا تَسْقُطُ بِدَيْنِ اللَّهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، فِي الْمُبْهِجِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، وَالدَّيْنِ بِالرَّهْنِ، فَلَا فَرْقَ إذَنْ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ سِوَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَفِي امْتِنَاعِ زَكَاةِ الْحَوْلِ الثَّانِي لِكَوْنِهَا دَيْنًا الْخِلَافُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَلْزَمُهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. الْأَوَّلُ: حَوْلُ بِنْتِ مَخَاضٍ، ثُمَّ ثَمَانِ شِيَاهٍ؛ لِكُلِّ حَوْلٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَعَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِأَوَّلِ حَوْلٍ، ثُمَّ لِلثَّانِي، ثُمَّ إنْ نَقَصَ النِّصَابُ بِذَلِكَ عَنْ عِشْرِينَ بَعِيرًا إذَا قَوَّمْنَاهُ، فَلِلثَّالِثِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَالْأَرْبَعُ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: مَتَى أَفْنَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ: سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الدَّيْنِ بَعْدَ

اسْتِغْرَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ بِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، فَتَتَعَلَّقُ زَكَاتُهُ بِالذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ فِي امْتِنَاعِ الزَّكَاةِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ الْمَجْدُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ. وَأَوْرَدَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ انْعِقَادِ الْحَوْلِ الثَّانِي ابْتِدَاءً، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ، وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْخُلْطَةِ إذَا بَاعَ بَعْضَ النِّصَابِ. الثَّالِثَةُ: إذَا قُلْنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، فَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ بِرَقَبَتِهِ، فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعِ غَيْرِهِ، بِلَا إذْنِ السَّاعِي، كُلُّ النَّمَاءِ لَهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَةُ الزَّكَاةِ دُونَ جِنْسِهِ، حَيَوَانًا كَانَ النِّصَابُ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَنْوِهَا، لَمْ يُجْزِهِ، وَإِذَا كَانَ كُلُّهُ مِلْكًا لِرَبِّهِ لَمْ يَنْقُصْ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، بَلْ يَكُونُ دَيْنًا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، أَوْ لَا يَمْنَعُ لِعَدَمِ رُجْحَانِهَا عَلَى زَكَاةِ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ دَيْنِ الْآدَمِيِّ. وَقِيلَ: بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ، وَبِمَالِ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ وَفَائِهِ أَوْ إذْنِ رَبِّهِ، وَقِيلَ: بَلْ كَتَعَلُّقِهِ بِالتَّرِكَةِ، قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ، هَلْ هُوَ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ ارْتِهَانٍ، أَوْ تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ

كَالْجِنَايَةِ؟ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، وَيَحْصُلُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْمُذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالثَّانِي: تَعَلُّقُ اسْتِيفَاءٍ. وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ الْقَاضِي ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَبِّهُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَلُّقُ رَهْنٍ، وَيَنْكَشِفُ هَذَا النِّزَاعُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَقَّ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ النِّصَابِ، أَوْ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؟ وَنَقَلَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الثَّانِي، وَمِنْهَا: أَنَّهُ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْمَالِ، هَلْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ، أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَالِكُ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ إذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ اسْتِيفَاءٍ مَحْضٍ كَتَعَلُّقِ الدُّيُونِ بِالتَّرِكَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَمِنْهَا: مَنْعُ التَّصَرُّفِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَمْنَعُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ {وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ، وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، فَيُعْتَبَرُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ النِّصَابَ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً بِاعْتِبَارِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ

رِوَايَةً: لَا يَسْقُطُ بِتَلَفِ النِّصَابِ غَيْرُ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ الْمَجْدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَسْقُطُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالْمَالِ، وَالْعَمَلِ عَلَى مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ: أَنَّهَا كَالْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَالِ الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالْمَوَاشِي. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: زَكَاةُ الزُّرُوعِ إذَا تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ، كَأَنَّهَا تَسْقُطُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ " قَالَ الْقَوَاعِدُ: اتِّفَاقًا، قَالَ: وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ [وَجْهًا بِوُجُوبِ زَكَاتِهَا أَيْضًا، قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، قُلْت: قَدْ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ] فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ قَالَ: قِيَاسُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ، وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ: أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ ضَمِنَهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَضْمَنُهَا، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي، وَنِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي، بِالضَّمَانِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ ضَمِنَهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَضْمَنُهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ فِي النَّصِيحَةِ، وَصَاحِبُ

الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ إخْرَاجُهَا، لَكِنْ خَافَ رُجُوعَ السَّاعِي، فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا، فَلَوْ نَتَجَتْ السَّائِمَةُ لَمْ تُضَمَّ فِي حُكْمِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتُضَمُّ عَلَى الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَقِيلَ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ، فَإِنْ قِيلَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالسَّامِرِيِّ، وَقِيلَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إيمَاءٌ إلَيْهِ أَيْضًا، فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِ الْخِلَافِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ: هَلْ هِيَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ؟ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْ الْفَوَائِدِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ {وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَنْ نِصَابٍ. فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ، إنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ، نَقَصَ مِنْ زَكَاتِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ مِنْهَا} . قَوْلُهُ {وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ} هَذَا الْمَذْهَبُ. أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَزَكَاةٌ وَكَفَّارَةٌ: مِنْ الثُّلُثِ، وَنُقِلَ عَنْهُ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مَعَ عِلْمِ وَرَثَتِهِ بِهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا فِي زَكَاةٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَعَ صَدَقَةٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهَذِهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَحْتَمِلُ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ وَصِيَّتِهِ. كَمَا قَيَّدَ الْحَجَّ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الزَّكَاةَ مِثْلُهُ أَوْ آكَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ سِوَى النَّصِّ السَّابِقِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ} هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَبْدَأُ

بِالدَّيْنِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلًا، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمَا كَعَدَمِهِ بِالرَّهِينَةِ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ الْمَجْدُ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، كَبَقَاءِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَجَعَلَهُ أَصْلًا، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ عُلِّقَتْ بِالذِّمَّةِ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى. وَقَالَهُ الْمَجْدُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ قُدِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: إنْ تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ تَحَاصَّا، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْآدَمِيِّ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْمَالِكُ حَيًّا وَأَفْلَسَ، فَصَرَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الزَّكَاةَ تُقَدَّمُ حَتَّى فِي حَالِ الْحَجْرِ. وَقَالَ: سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ، إذَا كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ. الثَّانِيَةُ: دُيُونُ اللَّهِ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَأَمَّا النَّذْرُ بِمُتَعَيِّنٍ: فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّكَاةِ وَالدَّيْنِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ. انْتَهَى. وَمِنْ الْفَوَائِدِ: إنْ كَانَ النِّصَابُ مَرْهُونًا، وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ مِنْهُ؟ هُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ فَهُنَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ، صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمَالِكِ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ غَيْرَ الرَّهْنِ، فَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ مَتَى قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ قَبْلَهُ،

أَخْرَجَهَا، مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلُّقٌ قَهْرِيٌّ، وَيَنْحَصِرُ فِي الْعَيْنِ. فَهُوَ كَحَقِّ الْجِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُزَكَّى الْمَرْهُونُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُخْرِجُهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ إنْ عُدِمَ. كَجِنَايَةِ رَهْنٍ عَلَى دِيَتِهِ، وَقِيلَ: مِنْهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عُلِّقَتْ بِالْعَيْنِ. وَقِيلَ: يُزَكِّي رَاهِنٌ مُوسِرٌ، وَإِنْ أَيْسَرَ مُعْسِرٌ جَعَلَ بَدَلَهُ رَهْنًا، وَقِيلَ: لَا. انْتَهَى. وَمِنْ الْفَوَائِدِ: التَّصَرُّفُ فِي النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَسَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، إنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، صَحَّ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ أَوْ رَهْنٍ، صَرَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، قُلْت: تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ قَرِيبًا، وَنَزَّلَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ زَوْجَهَا مَهْرَهَا الَّذِي لَهَا فِي ذِمَّتِهِ، فَهَلْ تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا؟ قَالَ: فَإِنْ صَحَّحْنَا هِبَةَ الْمَهْرِ جَمِيعِهِ فَعَلَى الْمَرْأَةِ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِهَا، وَإِنْ صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِيمَا عَدَا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ قَدْرُ الزَّكَاةِ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ مَا عَدَاهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَاعَ النِّصَابَ كُلَّهُ، تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ كَمَا لَوْ تَلِفَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا، فَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الْعَيْنِ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهَا، تَقْدِيمًا لَحِقَ الْمَسَاكِينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: تَتَعَيَّنُ فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِكُلِّ حَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْفَسْخِ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرً بِنَاءٍ عَلَى مَحَلِّ التَّعَلُّقِ.

وَمِنْ الْفَوَائِدِ: إذَا كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا عَنْ مَالِكِهِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِهِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالٍ فَأَقْرَضَهُ، لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ غَرِيمِهِ، وَكَذَا ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِهِ، وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ إلَى بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَحَلِّ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قُلْنَا: الذِّمَّةُ، لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ زَكَاتَهُ لَا تَسْقُطُ بِتَلَفِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا: فِي الذِّمَّةِ، فَوَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَقَالَ: وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْغَائِبِ إذَا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَمِنْ الْفَوَائِدِ: مَا تَقَدَّمَ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ مَا إذَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْهُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُحْسَبُ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يُحْسَبُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ بَنَى الْخِلَافَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ التَّعَلُّقِ، فَإِنْ قُلْنَا: الذِّمَّةُ فَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْعَيْنُ، حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ كَالْمُؤْنَةِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا: الْوَجْهَانِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الْمُضَارِبِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ

باب زكاة بهيمة الأنعام

تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، فَلَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: النِّصَابُ الزَّكَوِيُّ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَكَمَا يَدْخُلُ فِيهِ إتْمَامُ الْمِلْكِ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالُ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلسَّبَبِ. فَعَدَمُهُمَا مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ السَّبَبِ وَانْعِقَادِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ، شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ كَالْحَوْلِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ بِلَا خِلَافٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي السَّبَبِ، وَأَمَّا إمْكَانُ الْأَدَاءِ فَشَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ، وَعَنْهُ لِلْوُجُوبِ. انْتَهَى. [بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ] ِ قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ إلَّا فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الْمَعْلُوفَةِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَصْرُ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ فَنُونِهِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْفُنُونِ تَخْرِيجًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا أُعِدَّ لِلْإِجَارَةِ مِنْ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ فِي الْقِيمَةِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَلَوْ كَانَ نِتَاجُ النِّصَابِ الْمُبَاعِ لَهُ فِي الْحَوْلِ رَضِيعًا غَيْرَ سَائِمٍ فِي بَقِيَّةِ حَوْلِ أُمَّهَاتِهِ، فَوَجْهَانِ. انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: تَجِبُ فِيمَا أُعِدَّ لِلْعَمَلِ كَالْإِبِلِ الَّتِي تُكْرَى، وَهُوَ أَظْهَرُ وَنَصُّهُ لَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ وَهِيَ الَّتِي تَرْعَى فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَرْعَى الْحَوْلَ كُلَّهُ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَلَا أَثَرَ لِعَلَفِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ أَكْثَرِ الْحَوْلِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَوَامِلُ، وَلَوْ كَانَتْ سَائِمَةً، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا زَكَاةَ فِي عَوَامِلِ أَكْثَرِ السُّنَّةِ بِحَالٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الْمُؤَجَّرَةِ السَّائِمَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا تَجِبُ فِي الرَّبَائِب فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً. انْتَهَى. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَا يُعْتَبَرُ لِلسَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَرَجَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَحَوَاشِي ابْنِ مُفْلِحٍ: لَا يُعْتَبَرُ فِي السَّوْمِ وَالْعَلَفِ نِيَّةٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لَهُمَا، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَلَوْ اعْتَلَفَتْ بِنَفْسِهَا، أَوْ عَلَفَهَا غَاصِبٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِفَقْدِ السَّوْمِ الْمُشْتَرَطِ وَعَلَى الثَّانِي: تَجِبُ كَمَا لَوْ غَصَبَ حَبًّا وَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ رَبِّهِ، فَإِنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ، كَمَا لَوْ نَبَتَ بِلَا زَرْعٍ، وَفِعْلُ الْغَاصِبِ مُحَرَّمٌ، كَمَا لَوْ غَصَبَ أَثْمَانًا فَضَاعَفَهَا، وَلِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ كَمَا لَوْ ضَلَّتْ فَأَكَلَتْ الْمُبَاحَ، قَالَ الْمَجْدُ: وَطَرَدَهُ مَا لَوْ سَلَّمَهَا إلَى رَاعٍ يُسِيمُهَا فَعَلَفَهَا. وَعَكْسُهُمَا: لَوْ تَبَرَّعَ حَاكِمٌ، أَوْ وَصِيٌّ بِعَلَفِ مَاشِيَةِ يَتِيمٍ، أَوْ صَدِيقٍ بِذَلِكَ بِإِذْنِ صَدِيقِهِ، لِفَقْدِ قَصْدِ الْإِسَامَةِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ إذَا عَلَفَهَا غَاصِبٌ، اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي مَأْخَذِهِ وَجْهَانِ: تَحْرِيمُ عَلَفِ الْغَاصِبِ، أَوْ لِانْتِفَاءِ الْمُؤْنَةِ عَنْ رَبِّهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ.

قُلْت: الصَّوَابُ الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الْأَبْهَرِيُّ، وَالْأَوَّلُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا، أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يَرْضَ بِإِسَامَتِهَا، فَقَدْ فُقِدَ قَصْدُ الْإِسَامَةِ الْمُشْتَرَطِ، زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ: كَمَا لَوْ سَامَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيمَهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَجَعَلَاهُ أَصْلًا. وَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. وَقِيلَ: يَجِبُ إنْ أَسَامَهَا الْغَاصِبُ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ، كَمَا لَوْ كَمُلَ النِّصَابُ بِيَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِسَوْمِ الْغَاصِبِ: فَفِي اعْتِبَارِ كَوْنِ سَوْمِ الْمَالِكِ أَكْثَرَ السَّنَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَسْتَوِي غَصْبُ النِّصَابِ وَضَيَاعُهُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ بَعْضَهُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ السَّوْمُ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ، فَالرِّوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ رَبِّهَا أَكْثَرَ وَجَبَتْ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَةً عِنْدَهُمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي السَّوْمِ أَنْ تَرْعَى الْمُبَاحَ، فَلَوْ اشْتَرَى مَا تَرْعَاهُ، أَوْ جَمَعَ لَهَا مَا تَأْكُلُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّالِثَةُ: هَلْ السَّوْمُ شَرْطٌ، أَوْ عَدَمُ السَّوْمِ مَانِعٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَيَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، قُلْت: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ، قُلْت: مَنَعَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ مِنْ تَحَقُّقِ هَذَا الْخِلَافِ، وَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا كَانَ عَدَمُهُ مَانِعًا، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ فَعَدَمُهُ شَرْطٌ، وَلَمْ

يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا بَلْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ عَكْسُ الشَّرْطِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْخُلْطَةِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي: التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا. الرَّابِعَةُ: لَوْ غَصَبَ رَبُّ السَّائِمَةِ عَلَفَهَا، فَعَلَفَهَا وَقَطَعَ السَّوْمَ: فَفِي انْقِطَاعِهِ شَرْعًا وَجْهَانِ، قَطَعَ فِي الْمُغْنِي بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مَاشِيَتَهُ عَنْ السَّوْمِ لِقَصْدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِهَا وَنَحْوِهِ، أَوْ نَوَى قِنْيَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لِذَلِكَ، أَوْ نَوَى بِثِيَابِ الْحَرِيرِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ لُبْسَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ أَسَامَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ، ثُمَّ نَوَاهَا لِعَمَلٍ أَوْ حَمْلٍ، فَلَا زَكَاةَ كَسُقُوطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٍ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ مَنْ نَوَى بِسَائِمَةٍ عَمَلًا لَمْ تَصِرْ لَهُ قِنْيَةً. انْتَهَى. الْخَامِسَةُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَجِبُ عَلَى الْأَظْهَرِ فِيمَا وُلِدَ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَحَدُهَا: الْإِبِلُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ) . أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُجْزِئُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ شَاةِ الْجُبْرَانِ، أَطْلَقَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: لَا تُجْزِئُهُ مَعَ وُجُودِ الشَّاةِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ الْإِبِلِ: أَنْ تَكُونَ بِصِفَتِهَا، فَفِي كِرَامٍ سِمَانٍ كَرِيمَةٌ سَمِينَةٌ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مَعِيبَةً، فَقِيلَ: يُخْرِجُ شَاةً

كَشَاةِ الصِّحَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا عَيْبُهُ كَشَاةِ الْفِدْيَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ شَاةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا عَلَى قَدْرِ [قِيمَةِ] الْمَالِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَلَى قَدْرِ نَقْصِ الْإِبِلِ كَالْمُخْرَجَةِ عَنْ الْغَنَمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ لِلْمُوَاسَاةِ [ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ فِي الْمُغْنِي قَدَّمَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] ، وَعَلَيْهَا لَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ مَعِيبَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ {فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا لَمْ يُجْزِئْهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ شَاةٍ وَسَطٍ فَأَكْثَرَ، بِنَاءً عَلَى إخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إنْ أَجْزَأَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ: هَلْ الْوَاجِبُ كُلُّهُ أَوْ خُمُسُهُ؟ حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرِ وَجْهَيْنِ، فَعَلَى الثَّانِي: يُجْزِئُ عَنْ الْعِشْرِينَ بَعِيرًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يُجْزِئُ عَنْهَا إلَّا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّ الْوَاجِبَ كُلُّهُ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْعِشْرِينَ [بَعِيرًا] عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قُلْت: وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا لَوْ اقْتَضَى الْحَالُ الرُّجُوعَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ أَوْ خُمُسِهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: الْجَمِيعُ وَاجِبٌ رَجَعَ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْخُمُسُ، وَالزَّائِدُ تَطَوُّعٌ رَجَعَ بِالْوَاجِبِ لَا التَّطَوُّعِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَيْهِ أَيْضًا: النِّيَّةُ، فَإِنْ جَعَلْنَا الْجَمِيعَ فَرْضًا نَوَى الْجَمِيعَ فَرْضًا لُزُومًا، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْخُمُسُ كَفَاهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي النِّيَّةِ. انْتَهَى.

وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ " وَفِي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ، عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا ". فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ أَخْرَجَ بَقَرَةً لَمْ تُجْزِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ أَخْرَجَ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَمِنْهَا: قَوْلُهُ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ {فَإِنْ عَدِمَهَا أَجْزَأَهُ ابْنُ لَبُونٍ} الْعَدَمُ إمَّا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ فِي مَالِهِ، أَوْ كَانَتْ فِي مَالِهِ وَلَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {فَإِنْ عَدِمَهَا أَجْزَأَهُ ابْنُ لَبُونٍ} أَنَّ خُنْثَى ابْنِ لَبُونٍ لَا يُجْزِئُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْإِجْزَاءُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُجْزِئُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ وَالثَّنِيُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إذَا عَدِمَهَا، عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ أَوْلَى لِزِيَادَةِ السِّنِّ، وَلَوْ وُجِدَ ابْنُ لَبُونٍ، وَأَمَّا بِنْتُ اللَّبُونِ: فَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: بِالْجَوَازِ، مَعَ وُجُودِ ابْنِ لَبُونٍ، وَلَهُ جِيرَانٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي بِنْتِ لَبُونٍ وَجْهَانِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ بِابْنِ اللَّبُونِ عَنْ الْجِيرَانِ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَحَدِهِمَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فِي مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ ابْنُ لَبُونٍ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ إخْرَاجِهَا وَبَيْنِ شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ لِصِفَةِ الْوَاجِبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَمِنْهَا: لَا يَجْبُرُ فَقْدَ الْأُنُوثِيَّةِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ فِي مَالِهِ غَيْرُ بِنْتِ مَخَاضٍ، عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُخْرِجُ عَنْ بِنْتِ لَبُونٍ حِقًّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَالِهِ، وَلَا عَنْ الْحِقِّ جَذَعًا، قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يُجْبَرُ نَقْصُ الذُّكُورِيَّةِ بِزِيَادَةِ سَنٍّ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: يَجْبُرُ، ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُصُولِ جَوَازَ الْجَذَعِ عَنْ الْحِقَّةِ، وَعَنْ بِنْتِ لَبُونٍ [قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَهُ أَيْضًا: لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ الصَّحِيحِ «فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ» ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ ابْنُ لَبُونٍ إذَا حَصَّلَهُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ عَدِمَ ابْنَ لَبُونٍ حَصَّلَ أَصْلًا، لَا بَدَلًا، فِي الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ {وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ} عَدَمُ إجْزَاءِ ابْنِ لَبُونٍ إذَا عَدِمَهَا، وَلَوْ جَبَرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ وَيَجْبُرُهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يُجْزِئُ الثَّنِيَّةُ عَنْ الْجَذَعَةِ بِلَا جُبْرَانٍ، بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَلَا يُجْزِئُ سِنٌّ فَوْقَ الثَّنِيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْإِجْزَاءَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُبْرَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: تُجْزِئُ حِقَّتَانِ، أَوْ ابْنَتَا لَبُونٍ عَنْ الْجَذَعَةِ، وَابْنَتَا لَبُونٍ عَنْ الْحِقَّةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَيَنْتَقِضُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَنْ عِشْرِينَ وَثَلَاثُ بَنَاتِ مَخَاضٍ عَنْ الْجَذَعَةِ.

الثَّانِيَةُ: الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْإِبِلِ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ، هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ عُمُرُهَا سَنَتَانِ، وَبِنْتُ اللَّبُونِ لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَالْحِقَّةُ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَالْجَذَعَةُ خَمْسُ سِنِينَ كَامِلَةٌ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ عَلَى بَعْضِ السَّنَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَيْفَ يَحْمِلُهُ عَلَى بَعْضِ السَّنَةِ، مَعَ قَوْلِهِ: كَامِلَةٌ؟ . انْتَهَى. وَقِيلَ: لِبِنْتِ الْمَخَاضِ نِصْفُ سَنَةٍ، وَلِبِنْتِ اللَّبُونِ سَنَةٌ، وَلِلْحِقَّةِ سَنَتَانِ، وَلِلْجَذَعَةِ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقِيلَ: لِلْجَذَعَةِ سِتُّ سِنِينَ، وَقِيلَ: سِنُّ بِنْتِ الْمَخَاضِ مُدَّةُ الْحَمْلِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بِنْتُ الْمَخَاضِ الَّتِي أُمُّهَا تَتَمَخَّضُ بِغَيْرِهَا. الثَّالِثَةُ: سُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ، لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ حَمَلَتْ غَالِبًا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْمَخَاضُ: الْحَمْلُ، وَسُمِّيَتْ بِنْتَ لَبُونٍ: لِأَنَّ أُمَّهَا وَضَعَتْ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ، وَسُمِّيَتْ حِقَّةً: لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ، وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَيَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَسُمِّيَتْ جَذَعَةً: لِأَنَّهَا تَجْذَعُ إذَا سَقَطَتْ سِنُّهَا. وَالثَّنِيَّةُ: يَأْتِي مِقْدَارُ سِنِّهَا فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ {إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ} ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: أَنَّ الْفَرْضَ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ وَاحِدَةٍ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَيَكُونُ فِيهَا حِقٌّ وَبِنْتًا لَبُونٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ، وَأَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، فَعَلَيْهَا: وُجُوبُ الْحِقَّتَيْنِ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَعَنْهُ فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ إلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي: وَذَلِكَ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ الْوَاحِدَةُ عَفْوٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْفَرْضُ بِهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَكَذَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: لَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ بَعْضِ بَعِيرٍ، وَلَا بَقَرَةٍ وَلَا شَاةٍ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ) هَذَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، قَالَ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: هَذَا الْأَشْبَهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْآمِدِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَجَمَاعَةٌ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ الْحِقَاقَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ وَمُقْنِعِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاسْتَثْنَى فِي الْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمَا: مَالَ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ الْمُجْزِئِ مِنْهُمَا، وَقَدَّمَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّ

السَّاعِيَ يَأْخُذُ أَفْضَلَهُمَا إذَا وُجِدَا فِي مَالِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: يَتَعَيَّنُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّاعِيَ لَيْسَ لَهُ تَكْلِيفُ الْمَالِكِ سِوَاهُ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِخِلَافِهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا بَعِيدٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ، لَا وَجْهَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: مَنْصُوصُ أَحْمَدَ عَلَى التَّعْيِينِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَتَجِبُ الْحِقَاقُ عَيْنًا مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَوَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى صِفَةِ التَّخْيِيرِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَتْ [إبِلٌ] أَرْبَعَمِائَةٍ، فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحِقَاقِ وَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يُخَيَّرُ بَيْنَ إخْرَاجِ ثَمَانِ حِقَاقٍ، أَوْ عَشْرِ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنْ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَعْرُوفُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ قَالَ: فَإِطْلَاقُ وَجْهَيْنِ سَهْوٌ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: جَازَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، قُلْت: ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ. أَمَّا لَوْ أَخْرَجَ مَعَ التَّشْقِيصِ، كَحِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ، وَنِصْفٍ عَنْ مِائَتَيْنِ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ عِتْقِ نِصْفَيْ عَبْدٍ فِي الْكَفَّارَةِ، قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ شَيْءٌ) أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ، لَا بِمَا زَادَ مِنْ الْأَوْقَاصِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَقِيلَ: تَجِبُ فِي وَقْصِهَا أَيْضًا. اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى بِفَوَائِدِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ إلَّا فِي السَّائِمَةِ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَعَدِمَهَا: أَخْرَجَ سِنًّا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَمَعَهَا شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِهِ، وَيُعْتَبَرُ فِيمَا عَدَلَ إلَيْهِ: أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ، فَلَوْ عَدِمَهَا لَزِمَهُ تَحْصِيلُ الْأَصْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ إذَا عَدِمَهَا أَوْ عَدِمَ ابْنَ اللَّبُونِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ [وَالْمُغْنِي] أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ شَاةً أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَخَذَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ هُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَالَا إلَيْهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَجْزَأَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لَهُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَ السِّنَّ الَّتِي تَلِيهَا: انْتَقَلَ إلَى الْأُخْرَى، وَجَبَرَهَا بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ النَّاظِمِ: هَذَا الْأَقْوَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ،

وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَنْتَقِلُ إلَّا إلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى جُبْرَانٍ ثَالِثٍ إذَا عَدِمَ الثَّانِيَ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَعَدِمَ الْحِقَّةَ وَبِنْتَ اللَّبُونِ، فَلَهُ الِانْتِقَالُ [إلَى بِنْتِ مَخَاضٍ، أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَعَدِمَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَابْنَ لَبُونٍ، وَالْحِقَّةَ فَلَهُ الِانْتِقَالُ] إلَى الْجَذَعَةِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ فِيهِ لِرَبِّ الْمَالِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا. إلَّا وَلِيَّ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ الْمُجْزِئِ فَيُعَايَى بِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: الْخِيَرَةُ فِيهِ لِمَنْ أَعْطَى، سَوَاءٌ كَانَ رَبَّ الْمَالِ أَوْ الْآخِذَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِتَخْيِيرِ السَّاعِي. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ تَعَدَّدَ الْجُبْرَانُ، جَازَ إخْرَاجُ جُبْرَانٍ غَنَمًا، وَجُبْرَانٍ دَرَاهِمَ، فَيَجُوزُ إخْرَاجُ شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: كَذَا الْحُكْمُ فِي الْجُبْرَانِ الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ فَرْضِ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ إذَا أَخْرَجَ عَنْ خَمْسِ بَنَاتٍ لَبُونٍ خَمْسَ بَنَاتِ

مَخَاضٍ، أَوْ مَكَانَ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ: فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. الثَّالِثَةُ: إذَا عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَالنِّصَابُ مُعَيَّبٌ: فَلَهُ دَفْعُ السِّنِّ السُّفْلِيِّ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ مَا فَوْقَهَا مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ؛ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ قَدَّرَهُ الشَّارِعُ وَفْقَ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ، فَإِذَا دَفَعَ الْمَالِكُ جَازَ التَّطَوُّعُ بِالزَّائِدِ، بِخِلَافِ السَّاعِي، وَبِخِلَافِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ الْأَدْوَنِ، وَهُوَ أَقَلُّ الْوَاجِبِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ، فَهَلْ كُلُّهُ فَرْضٌ، أَوْ بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ؟ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كُلُّهُ فَرْضٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ [بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ] وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَعْطَاهُ جُبْرَانًا عَنْ الزِّيَادَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ: فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) " التَّبِيعُ " مَا عُمُرُهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: هِيَ الَّتِي لَهَا نِصْفُ سَنَةٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: سَنَتَانِ، وَقِيلَ: مَا يَتْبَعُ أُمَّهُ إلَى الْمَرْعَى، وَقِيلَ: مَا انْعَطَفَ شَعْرُهُ، وَقِيلَ: مَا حَاذَى قَرْنُهُ أُذُنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، " وَالتَّبِيعُ " جَذَعُ الْبَقَرِ. الثَّانِيَةُ: يُجْزِئُ إخْرَاجُ مُسِنٍّ عَنْ تَبِيعٍ وَتَبِيعَةٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَعْنِي أَنَّ الْمُسِنَّةَ هِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: هِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي

لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَلِدُ مِثْلُهَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ أُمِّهَا حِينَ وَضَعَتْهَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أَلْقَتْ سِنًّا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَلَهَا سَنَتَانِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: " الْمُسِنَّةُ " هِيَ ثَنِيَّةُ الْبَقَرِ ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ إخْرَاجُ أَعْلَى مِنْ الْمُسِنَّةِ مِنْهَا عَنْهَا، وَمِنْهَا: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ مُسِنٍّ عَنْ مُسِنَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَعَلَيْهِ يُجْزِئُ إخْرَاجُ ثَلَاثَةِ أَتْبِعَةٍ عَنْ مُسِنَّتَيْنِ، وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (ثُمَّ فِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ كَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِبِلِ إذَا اجْتَمَعَ الْفَرْضَانِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَك، نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ هُنَا عَلَى التَّخْيِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ اجْتَمَعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ. فَهَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهَا ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ، أَوْ يُخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ؟ وَجْهَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ: يَأْخُذُ الْعَامِلُ الْأَفْضَلَ، وَقِيلَ: الْمُسِنَّاتِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُهُ الذَّكَرُ فِي الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ هَذَا، إلَّا ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إذَا عَدِمَهَا) كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ ذَكَرُ الْغَنَمِ عَنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا، فَيُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الْغَنَمِ، وَجْهًا وَاحِدًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، كَالْمُصَنِّفِ.

وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ، فَعَلَيْهِ: يُجْزِئُ أُنْثَى بِقِيمَةِ الذَّكَرِ، فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْأَنَاثَى، وَتُقَوَّمُ فَرِيضَتُهُ، وَيُقَوَّمُ نِصَابُ الذُّكُورِ وَتُؤْخَذُ أُنْثَى بِقِسْطِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي يُجْزِئُ إخْرَاجُ الذَّكَرِ إذَا كَانَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ فِيهَا إلَّا أُنْثَى، فَتُقَدَّمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نِصَابِ ذُكُورِ الْغَنَمِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ عَنْ الْبَقَرِ لَا عَنْ الْإِبِلِ؛ لِئَلَّا يُجْزِئَ ابْنُ لَبُونٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، فَيُسَاوِي الْفَرْضَانِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ ابْنُ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَيَقُومُ الذَّكَرُ مَقَامَ الْأُنْثَى الَّتِي فِي سِنِّهِ كَسَائِرِ النُّصُبِ، وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ أَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُخْرِجُ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ زَائِدَ الْقِيمَةِ عَلَى ابْنِ مَخَاضٍ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا أَجْزَأَ إخْرَاجُ الذَّكَرِ فِي الْبَقَرِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَفِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَجْهَانِ، كَذَا وَجَدْته فِي نُسْخَتَيْنِ، الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي الْبَقَرِ، وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِغَيْرِهِ، فَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ مِنْ الْكَاتِبِ. قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ، وَمِنْ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الصَّغِيرَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُؤْخَذُ إلَّا كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ، عَلَى قَدْرِ الْمَالِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْوَاضِحِ رِوَايَةً

قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، كَشَاةِ الْإِبِلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتَصَوَّرُ أَخْذُ الصَّغِيرَةِ إذَا أَبْدَلَ الْكِبَارَ بِصِغَارٍ، أَوْ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ وَبَقِيَتْ الصِّغَارُ، وَذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ: أَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَى الصِّغَارِ مُنْفَرِدًا كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ " وَيُؤْخَذُ مِنْ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ " الْفُصْلَانَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْعَجَاجِيلَ مِنْ الْبَقَرِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهَا كَالسِّخَالِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ، وَالشَّرْحُ، وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا أَثَرَ لِلسِّنِّ، وَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ. فَيُؤْخَذُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى إحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَةً مِنْهَا، ثُمَّ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ، كَذَا فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ. وَيُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِينَ عِجْلًا إلَى تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَاحِدٌ وَيُؤْخَذُ فِي سِتِّينَ إلَى تِسْعٍ وَثَمَانِينَ اثْنَانِ، وَفِي التِّسْعِينَ ثَلَاثٌ مِنْهَا، فَيُعَايَى بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالتَّعْدِيلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِالْقِيمَةِ، وَكَانَ زِيَادَةُ السِّنِّ كَمَا سَبَقَ فِي إخْرَاجِ الذُّكُورِ مِنْ الذُّكُورِ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ الَّتِي غَايَرَ الشَّرْعُ بِالْأَحْكَامِ فِيهَا بِاخْتِلَافِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْكِبَارِ، وَيُقَوَّمُ فَرْضُهُ، ثُمَّ يُقَوَّمُ الصِّغَارُ، وَيُؤْخَذُ عَنْهَا كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَسْوِيَةِ النُّصُبِ فِي سِنِّ الْمُخْرَجِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ بِضِعْفِ سِنِّ الْمُخْرَجِ فِي الْإِبِلِ فَيُخْرِجُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً مِنْهَا، وَيُخْرِجُ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَاحِدَةً مِنْهَا، كَسِنِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَرَّتَيْنِ.، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ مِثْلُ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ مِثْلُ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، وَالْعُجُولُ عَلَى هَذَا، وَأَطْلَقَهُنَّ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يُضَعَّفُ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ وَقَالَهُ السَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُخْرِجُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَصِيلًا وَاحِدًا مِنْهَا [وَعَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا وَاحِدًا مِنْهَا] وَمَعَهُ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَعَنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَاحِدًا مِنْهَا، وَمَعَهُ الْجُبْرَانُ مُضَاعَفًا مَرَّتَيْنِ، فَيَكُونُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَانِ مَعَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَنْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدًا مِنْهَا، وَمَعَهُ الْجُبْرَانُ مُضَاعَفًا مَرَّتَيْنِ، فَيَكُونُ سِتُّ شِيَاهٍ أَوْ سِتِّينَ دِرْهَمًا. وَيُخْرِجُ عَنْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا وَاحِدًا مِنْهَا، وَعَنْ أَرْبَعِينَ وَاحِدًا وَثُلُثَ قِيمَةِ آخَرَ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْ الصِّغَارِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ سِنٍّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِغَنَمِهِ دُونَ غَنَمِ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ صِغَارًا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ كَالْكِبَارِ قَوْلُهُ (فَإِنْ اجْتَمَعَ صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ لَمْ يُؤْخَذْ إلَّا أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ، عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ قِيمَةُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ، إذَا كَانَ الْمَالُ الْمُزَكَّى كُلُّهُ كِبَارًا صِحَاحًا عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ بِالْعَكْسِ عَشَرَةً، وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ تَسَاوِي الْعَدَدَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ أَعْلَى، وَالثُّلُثَانِ أَدْنَى، فَشَاةٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ، وَبِالْعَكْسِ فَشَاةٌ قِيمَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ مَنْ لَزِمَهُ رَأْسَانِ فِيمَا نِصْفُهُ صَحِيحٌ وَمَعِيبٌ: أَخْرَجَ صَحِيحَهُ وَمَعِيبَهُ كَنِصَابٍ صَحِيحٍ مُفْرَدٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ مَالُهُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاةً، وَالْجَمِيعُ مَعِيبٌ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاةً كَبِيرَةً، أَوْ الْجَمِيعُ سِخَالٌ إلَّا وَاحِدَةً كَبِيرَةً، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَلَى الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ وَمَعِيبَةٌ، وَعَنْ الثَّانِي: شَاةٌ كَبِيرَةٌ وَسَخْلَةٌ، إنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي سِخَالٍ مُفْرَدَةٍ، وَإِلَّا وَجَبَتْ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ صَحِيحًا بِقَدْرِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ نَوْعَيْنِ كَالْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ، وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ أَوْ كَانَ فِيهِ كِرَامٌ وَلِئَامٌ، وَسِمَانٌ، وَمَهَازِيلُ: أُخِذَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ النِّصَابُ مِنْ نَوْعَيْنِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، فَقَطَعَ بِأَنَّهُ تُؤْخَذُ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ السَّاعِي، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي ضَأْنٍ وَمَعْزٍ: يُخَيَّرُ السَّاعِي لِاتِّحَادِ الْوَاجِبِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو بَكْرٍ الْقِيمَةَ فِي النَّوْعَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي حِنْثِ مَنْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ بِأَكْلِهِ لَحْمَ جَامُوسٍ: الْخِلَافُ لَنَا هُنَا فِي تَعَارُضِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ وَأَمَّا إذَا كَانَ النِّصَابُ فِيهِ كِرَامٌ وَلِئَامٌ وَسِمَانٌ وَمَهَازِيلُ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي هَزِيلَةٍ بِقِيمَةِ سَمِينَةٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَسَطُ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ مَا لَيْسَ فِي مَالِهِ مِنْهُ: جَازَ، إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْمُخْرَجِ عَنْ النَّوْعِ الْوَاجِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَجُوزُ وَلَوْ نَقَصَتْ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ هُنَا مُطْلَقًا، كَغَيْرِ الْجِنْسِ، وَجَازَ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ مَالِهِ، لِتَشْقِيصِ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ ثَنِيَّةٌ مِنْ الضَّأْنِ عَنْ الْمَعْزِ، وَجْهًا وَاحِدًا. الثَّانِيَةُ: لَا يُضَمُّ الظِّبَاءُ إذَا قُلْنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَى الْغَنَمِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهَا تُضَمُّ، وَحُكِيَ وَجْهًا، وَحُكِيَ رِوَايَةً أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: يُضَمُّ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ، إنْ وَجَبَتْ. قَوْلُهُ (فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ: إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ، شَاةٌ) فَتَكُونُ فِي أَرْبَعِمِائَةِ شَاةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، فَيَكُونُ فِي خَمْسِمِائَةِ شَاةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ، فَالْوَقْصُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَعَنْهُ أَنَّ الْمِائَةَ زَائِدَةٌ. فَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ.، وَفِي خَمْسِمِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ سِتُّ شِيَاهٍ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ، وَقَالَ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا سَهْوٌ [مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ] وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَةَ [وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُغْنِي] وَذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ [وَابْنُ تَمِيمٍ] . الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَعْزِ الثَّنِيُّ، وَمِنْ الضَّأْنِ الْجَذَعُ) فَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ: مَالَهُ سَنَةٌ. وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ: مَالَهُ نِصْفُ سَنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَالَهُ ثَمَانِ شُهُورٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ. قَوْلُهُ {وَلَا يُؤْخَذُ تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ} أَمَّا التَّيْسُ: فَتَارَةً يَكُونُ تَيْسَ الضِّرَابِ، وَهُوَ فَحْلُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ فَحْلَ الضِّرَابِ: فَلَا يُؤْخَذُ لِخَبَرِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ، فَلَوْ بَذَلَهُ الْمَالِكُ لَزِمَ قَبُولُهُ، حَيْثُ يُقْبَلُ الذَّكَرُ، وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ، لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّيْسُ غَيْرَ فَحْلِ الضِّرَابِ فَلَا يُؤْخَذُ لِنَقْصِهِ وَفَسَادِ لَحْمِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَهِيَ الْمَعِيبَةُ) لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْمَعِيبَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُضَحَّى بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ

وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا تُؤْخَذُ عَوْرَاءُ وَلَا عَرْجَاءُ وَلَا نَاقِصَةُ الْخَلْقِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ الْإِجْزَاءَ إنْ رَآهُ السَّاعِي أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ لِزِيَادَةِ صِفَةٍ فِيهِ، وَأَنَّهُ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا: إخْرَاجَ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصِّحَاحِ، وَرَدِيءِ الْحَبِّ عَنْ جَيِّدِهِ، إذَا زَادَ قَدْرُ مَا بَيْنَهَا مِنْ الْفَضْلِ عَلَى مَا يَأْتِي. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا الرُّبَّى وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا وَلَا الْحَامِلُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ الْمَجْدُ: وَلَوْ كَانَ الْمَالُ كَذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْدُودَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا كَانَ النِّصَابُ كَذَلِكَ، لَكَانَ قَوِيًّا فِي النَّظَرِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ أَمْ لَا، لِمَصْلَحَةٍ أَوْ لَا، لِفِطْرَةٍ وَغَيْرِهَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْفِطْرَةِ، وَعَنْهُ تُجْزِئُ لِلْحَاجَةِ، مِنْ تَعَذُّرِ الْفَرْضِ وَنَحْوِهِ، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، صَحَّحَهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ: وَلِمَصْلَحَةٍ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةَ تُجْزِئُ لِلَجَاجَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ جُزْءًا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ جَازَ صَرْفُ ثَمَنِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ، قَالَ: وَكَذَا كُلُّ مَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَعَنْهُ تُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ، وَهِيَ الثَّمَنُ لِمُشْتَرِي ثَمَرَتِهِ الَّتِي لَا تَصِيرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا عَنْ السَّاعِي قَبْل جِدَادِهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ، فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ عَلَى مَا يَأْتِي.

فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (لَوْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ) وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَعَنْهُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ عُشْرَ ثَمَنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُخْرِجَ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ: وَإِنْ بَاعَ تَمْرَهُ أَوْ زَرْعَهُ، وَقَدْ بَلَغَ، فَفِي ثَمَنِهِ: الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَتَصَدَّقُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، قَالَ الْقَاضِي: أَطْلَقَ الْقَوْلَ هُنَا: أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ، وَخَبَرُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. انْتَهَى. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الثَّمَنِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ [وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: الرِّوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَتَيْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ بَعْدَهُ آخَرُونَ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: إذَا بَاعَ فَالزَّكَاةُ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَالزَّكَاةُ فِيهِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إخْرَاجِ ثَمَنِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْرٍ وَزَبِيبٍ، وَوَجَدَهُ رُطَبًا. أَخْرَجَهُ، وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنْ الْفَرْضُ مِنْ جِنْسِهِ: جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَتَقَدَّمَ جَوَازُ إخْرَاجِ الْمُسِنِّ عَنْ التَّبِيعِ وَالتَّبِيعَةِ، وَإِخْرَاجُ الثَّنِيَّةِ عَنْ الْجَذَعَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَجْهًا بِعَدَمِ الْجَوَازِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ، فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَخْرَجَ الْأَكُولَةَ، وَهِيَ السَّمِينَةُ، وَلِلسَّاعِي قَبُولُهَا، وَعَنْهُ لَا، لِأَنَّهَا قِيمَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، قُلْت: يُنَزَّهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِي نِصَابٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ حَوْلًا، لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِهِ فَحُكْمُهُمَا فِي الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ أَوْ إسْقَاطِهَا، أَوْ أَثَّرَتْ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ أَوْ عَدَمِهِ. فَلَوْ كَانَ لِأَرْبَعَيْنِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً لَزِمَهُمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ [وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً لَزِمَهُمْ وَاحِدَةٌ] وَمَعَ انْفِرَادِهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَيُوَزَّعُ الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ مَعَ الْوَقْصِ، فَسِتَّةُ أَبْعِرَةٍ مُخْتَلِطَةٌ مَعَ تِسْعَةٍ: يَلْزَمُ رَبَّ السِّتَّةِ شَاةٌ وَخُمُسُ شَاةٍ، وَيَلْزَمُ رَبَّ التِّسْعَةِ شَاةٌ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (سَوَاءٌ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ بِأَنْ تَكُونَ مَشَاعًا بَيْنَهُمَا) تُتَصَوَّرُ الْإِشَاعَةُ بِالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ، بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُتَمَيِّزًا) فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمَهُ بِشَاةٍ مِنْهَا، فَحَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يُفْرِدْهَا فَهُمَا خَلِيطَانِ، وَإِنْ أَفْرَدَهَا فَنَقَصَ النِّصَابُ، فَلَا زَكَاةَ. قَوْلُهُ (فَخَلَطَاهُ وَاشْتَرَكَا فِي الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَحْلَبِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ) وَهَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي ضَبْطِ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْخَلْطِ طُرُقًا. أَحَدُهَا هَذَا. الطَّرِيقُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَبِيتِ، وَهُوَ الْمُرَاحُ وَالْمَحْلَبُ، وَالْفَحْلُ لَا غَيْرُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَزَادُوا عَلَى الْمُصَنِّفِ: الْمَرْعَى، وَأَسْقَطُوا الرَّاعِيَ وَالْمَشْرَبَ.

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَهُوَ الْمَأْوَى وَالْمَرْعَى وَالرَّاعِي، وَالْمَشْرَبِ وَهُوَ مَوْضِعُ الشُّرْبِ وَآنِيَتُهُ، وَالْمَحْلَبِ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَآنِيَتُهُ، وَالْمَسْرَحِ وَهُوَ مُجْتَمَعُهَا لِتَذْهَبَ، وَالْفَحْلُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، فَزَادُوا عَلَى الْمُصَنِّفِ: الْمَرْعَى، وَآنِيَةَ الشُّرْبِ، وَآنِيَةَ الْحَلْبِ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ الْمَسْرَحِ، وَالْمَرْعَى، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمُرَاحِ، وَالْمَحْلَبِ، وَالْفَحْلِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، فَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ. الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي، وَالْمَرْعَى، وَمَوْضِعِ شُرْبِهَا وَحَلْبِهَا وَآنِيَتِهَا وَمَحَلِّهَا وَمَسْرَحِهَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، فَأَسْقَطَ الْمُرَاحَ، وَزَادَ الْآنِيَةَ وَالْمَرْعَى. الطُّرُقُ السَّادِسُ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَبِيتِ، وَالْمَحْلَبِ، وَالْفَحْلِ قَدَّمَهَا فِي الْفَائِقِ، فَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ. الطَّرِيقُ السَّابِعُ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي، وَالْفَحْلِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمُرَاحِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْفُصُولِ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فَأَسْقَطَ الْمَحْلَبَ وَالْمَشْرَبَ. الطَّرِيقُ الثَّامِنُ: اشْتِرَاطُ الْفَحْلِ، وَالرَّاعِي، وَالْمَرْعَى، وَالْمَأْوَى، وَهُوَ الْمَبِيتُ وَالْمَحْلَبِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، فَزَادَ: الْمَرْعَى، وَأَسْقَطَ: الْمَشْرَبَ وَالْمَسْرَحَ. الطَّرِيقُ التَّاسِعُ: اشْتِرَاطُ الْمَبِيتِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَحْلَبِ، وَآنِيَتِهِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالرَّاعِي، وَالْمَرْعَى، وَالْفَحْلِ، قَدَّمَهَا ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ، فَزَادَ الْمَرْعَى وَآنِيَةَ الْحَلْبِ. الطَّرِيقُ الْعَاشِرُ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَبِيتِ، وَالْفَحْلِ، وَبِهِ قَطَعَ فِي الْإِيضَاحِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ، وَأَسْقَطَ الْحَلْبَ وَالْمَشْرَبَ وَالرَّاعِيَ. الطَّرِيقُ الْحَادِيَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْفَحْلِ، وَالْمَرْعَى، وَهِيَ

طَرِيقَةُ الْآمِدِيِّ، فَزَادَ: الْمَرْعَى، وَأَسْقَطَ: الْمَشْرَبَ، وَالْمَحْلَبَ وَالرَّاعِيَ. الطَّرِيقُ الثَّانِيَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْفَحْلِ، وَالرَّاعِي، وَالْمَحْلَبِ فَقَطْ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، فَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ، وَالْمُرَاحَ، وَالْمَسْرَحَ. الطَّرِيقُ الثَّالِثَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى، وَالْمَسْرَحِ، وَالشِّرْبِ، وَالرَّاعِي، وَبِهَا قَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمُحْلَبِ، وَالْمَبِيتِ، وَالْفَحْلِ، وَبِهَا قَطَعَ فِي الْمُبْهِجِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ، كَمَا فَعَلَ فِي الْإِيضَاحِ، إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ الْمَحْلَبَ، وَأَسْقَطَ الْمَشْرَبَ وَالرَّاعِيَ. الطَّرِيقُ الْخَامِسَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي فَقَطْ، وَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ عَنْهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ. الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْفَحْلِ، وَالْمَشْرَبِ. وَبِهَا قَطَعَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَالْعُقُودِ. الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي، وَالْمَرْعَى، وَالْفَحْلِ، وَالْمَشْرَبِ، وَبِهَا قَطَعَ فِي الْخُلَاصَةِ، فَزَادَ الْمَرْعَى، وَأَسْقَطَ الْمَسْرَحِ. الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمَسْرَحِ، وَالْمَرْعَى، وَالْمَحْلَبِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَقِيلِ، وَالْفَحْلِ، وَبِهَا قَطَعَ فِي الْإِفَادَاتِ، فَزَادَ الْمَقِيلَ، وَالْمَرْعَى، وَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ وَالْمُرَاحَ. الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ: اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى، وَالْفَحْلِ، وَالْمَبِيتِ، وَالْمَحْلَبِ، وَالْمَشْرَبِ، وَبِهَا قَطَعَ فِي الْعُمْدَةِ. الطَّرِيقُ الْعِشْرُونَ: اشْتِرَاطُ الْمَرْعَى، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالْمَبِيتِ، وَالْمَحْلَبِ، وَالْفَحْلِ، وَبِهَا جَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ، فَزَادَ الْمَرْعَى، وَأَسْقَطَ الرَّاعِيَ. الطَّرِيقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: اشْتِرَاطُ الْمُرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَشْرَبِ، وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ، وَبِهَا قَطَعَ فِي الْمُنْتَخَبِ، فَأَسْقَطَ الْمَحْلَبَ

الطَّرِيقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: اشْتِرَاطُ الرَّاعِي، وَالْمَبِيتِ فَقَطْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: اشْتِرَاطُ الْحَوْضِ، وَالرَّاعِي، وَالْمُرَاحِ فَقَطْ، وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ طَرِيقَةً، لَكِنْ قَدْ تَرْجِعُ إلَى أَقَلَّ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ مَا تُفَسَّرُ بِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. فَائِدَةٌ: الْمُرَاحُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَكَانُ مَبِيتِهَا، وَهُوَ الْمَأْوَى، فَالْمَبِيتُ هُوَ الْمُرَاحُ، فَسَّرُوا وَاحِدًا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: الْمُرَاحُ رَوَاحُهَا مِنْهُ جُمْلَةً إلَى الْمَبِيتِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَمَعَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ بَيْنَ الْمُرَاحِ وَالْمَبِيتِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعِنْدَهُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَأَمَّا الْمَسْرَحُ: فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ الْمَاشِيَةُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ: إنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " الْمَسْرَحَ " لِيَكُونَ فِيهِ رَاعٍ وَاحِدٌ. قَدَّمَهُ فِي الْمَطْلَعِ، فَعَلَيْهِ يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِهِ اتِّحَادُ الْمَرْعَى، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَامِدٍ: الْمَسْرَحُ وَالْمَرْعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: الْمَسْرَحُ مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا لِتَذْهَبَ إلَى الْمَرَاعِي، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِمَوْضِعِ رَعْيِهَا وَشُرْبِهَا، وَفَسَّرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِمَوْضِعِ الْمَرْعَى، مَعَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ، وَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ بِالْمَرْعَى الرَّعْيَ، الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ لَا الْمَكَانُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْرَحِ الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الْمَسْرُوحُ لَا الْمَكَانَ، لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، بِمَعْنَى الْمَكَانِ، فَإِذَا حَمَلْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ زَالَ التَّكْرَارُ، وَحَصَلَ بِهِ اتِّحَادُ الرَّاعِي وَالْمَشْرَبِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْخِرَقِيَّ أَرَادَ بِالْمَرْعَى: الرَّاعِيَ؛ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَحْمَدَ، وَلِكَوْنِ الْمَرْعَى هُوَ الْمَسْرَحَ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَشْرَبُ: فَهُوَ مَكَانُ الشُّرْبِ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ الشُّرْبِ، وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَمَّا الْمَحْلَبُ: فَهُوَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَآنِيَتُهُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ خَلْطُ اللَّبَنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، بَلْ مَنَعُوا مِنْ خَلْطِهِ وَحَرَّمُوهُ، وَقَالُوا: هُوَ رِبًا وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا الرَّاعِي: فَمَعْرُوفٌ، وَمَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فِيهِ: أَنْ لَا يَرْعَى أَحَدَ الْمَالَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، كَذَا لَوْ كَانَ رَاعِيَانِ فَأَكْثَرُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَرْعَى غَيْرَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَأَمَّا الْفَحْلُ: فَمَعْرُوفٌ، وَمَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فِيهِ: أَنْ لَا تَكُونَ فُحُولَةُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ تَطْرُقُ الْمَالَ الْآخَرَ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَنْزُو عَلَى غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا الْمَرْعَى: فَهُوَ مَوْضِعُ الرَّعْيِ وَوَقْتُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمَرْعَى هُوَ الْمَسْرَحُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ، فَإِنْ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ لَمْ تُشْتَرَطْ لَهَا النِّيَّةُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ

أَحَدُهُمَا: لَا تُشْتَرَطُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الثَّانِي: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ: لَوْ وَقَعَتْ الْخُلْطَةُ اتِّفَاقًا، أَوْ فَعَلَهُ الرَّاعِي، وَتَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْ الْمِلْكِ، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، كَتَقَدُّمِهَا عَلَى الْمِلْكِ، بَلْ مِنْ يَسِيرٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا، أَوْ ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ: زُكِّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِينَ فِيهِ) فَيَضُمُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مَالَهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَيُزَكِّيهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ تُصُوِّرَ بِضَمٍّ وَحُوِّلَ إلَى آخَرَ يَقَعُ كَمَسْأَلَتِنَا يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْخُلْطَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوْ ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ زُكِّيَا زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِينَ فِيهِ) مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ خَلَطَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ نِصَابَيْنِ ثَمَانِينَ شَاةً، زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ الْأَوَّلُ: زَكَاةَ انْفِرَادٍ، وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ: زَكَاةَ خُلْطَةٍ، فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا: أَخْرَجَا شَاةً عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، فَعَلَى الثَّانِي: نِصْفُ شَاةٍ أَيْضًا، إذَا تَمَّ حَوْلُهُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ، فَقَدْ تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَاةً، فَيَلْزَمُهُ

أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ مِنْ شَاةٍ، فَنُضَعِّفُهَا فَتَكُونُ ثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَتِسْعَةً وَخَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ ثُمَّ كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ. فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَعَلَى الْآخَرِ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ) مِثَالُهُ: إنْ مَلَكَا نِصَابَيْنِ فَخَلَطَاهُمَا، ثُمَّ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَجْنَبِيًّا، فَقَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي أَرْبَعِينَ، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ زَكَاةُ انْفِرَادٍ: شَاةٌ، فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّانِي لَزِمَهُ زَكَاةُ خُلْطَةٍ: نِصْفُ شَاةٍ، إنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَ الشَّاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْهُ لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُزَكِّي الثَّانِي عَنْ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ زَكَاةَ انْفِرَادٍ؛ لِأَنَّ خَلِيطَهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْخُلْطَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُزَكِّيَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَوْلِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، كُلَّمَا تَمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا، فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْهَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصَابُ خُلْطَةٍ ثَمَانُونَ شَاةً، فَبَاعَ مِنْهُمَا غَنَمَهُ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ، وَاسْتَدَامَا الْخُلْطَةَ: لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُمَا، وَلَمْ تَزُلْ خُلْطَتُهُمَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ إبْدَالَ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ، وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَا الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ، قَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَتَبْقَى الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ نِصَابًا، فَيُزَكِّي بِشَاةٍ زَكَاةَ انْفِرَادٍ عَلَيْهِمَا لِتَمَامِ حَوْلِهِ، وَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْمَبِيعِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ: فَفِيهِ الزَّكَاةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرَحَ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هِيَ زَكَاةُ خُلْطَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: زَكَاةُ انْفِرَادٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَأَمَّا إنْ أَفْرَدَاهَا، ثُمَّ تَبَايَعَاهَا ثُمَّ خَلَطَاهَا، فَإِنْ طَالَ زَمَنُ الِانْفِرَادِ: بَطَلَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَطُلْ، عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ فِي مَكَان، وَقِيلَ: لَا أَثَرَ لِلِانْفِرَادِ الْيَسِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَإِنْ زَكَّى بَعْضَ النِّصَابِ وَتَبَايَعَاهُ، كَانَ الْبَاقِي عَلَى الْخُلْطَةِ نِصَابًا بَقِيَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِيهِ، وَهُوَ يَنْقَطِعُ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ضَمِّ مَالِ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ إلَى مَالِهِ الْمُخْتَلِطِ، وَإِنْ بَقِيَ دُونَ نِصَابٍ بَطَلَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ الْخُلْطَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِ الْحَوْلِ بِبَيْعِ النِّصَابِ بِجِنْسِهِ، وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي كَالْأَوَّلِ وَالثَّانِي. قَوْلُهُ (وَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مَشَاعًا، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَسْتَأْنِفَانِهِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ: انْقَطَعَ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِنُقْصَانِ النِّصَابِ) وَهَذَا الصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَسْتَدِمْ الْفَقِيرُ الْخُلْطَةَ بِنِصْفِهِ، فَإِنْ اسْتَدَامَهَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: إنْ زَكَّى الْبَائِعُ مِنْهُ إلَى فَقِيرٍ زَكَّى الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: يَسْقُطُ كَأَخْذِ السَّاعِي مِنْهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى قَوْلِ أَبَى بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْمُشْتَرِي لِنُقْصَانِ النِّصَابِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالشَّارِحُ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ الْهِدَايَةِ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُ مُصَنَّفًا يُخَالِفُهُ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُزَكِّي بِنِصْفٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ، قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ الْحَوْلَ بِالِاتِّفَاقِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هِدَايَتِهِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ فِي النَّقْلِ وَالْمَعْنَى، وَبَيَّنَ ذَلِكَ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: إذَا لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ ضَمَّهَا إلَى حِصَّتِهِ فِي الْخُلْطَةِ، وَزَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةَ انْفِرَادٍ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

وَمِنْهَا: حُكْمُ الْبَائِعِ بَعْدَ حَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَا دَامَ نِصَابُ الْخُلْطَةِ نَاقِصًا كَذَلِكَ، وَمِنْهَا: إنْ كَانَ الْبَائِعُ اسْتَدَانَ مَا أَخْرَجَهُ، وَلَا مَالَ لَهُ يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِهِ إلَّا مَالُ الْخُلْطَةِ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ حَتَّى تَمَّ حَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَوْ قُلْنَا: يَمْنَعُ، لَكِنْ لِلْبَائِعِ مَالٌ يَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنِ الزَّكَاةِ زَكَّى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ نِصْفَ شَاةٍ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الْإِخْرَاجِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَلَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ وُجُوبَهَا مَا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا، وَلَا انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يَمْضِيَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ حَتَّى حَالَ حَوْلُ الْمُشْتَرَى فَهِيَ مِنْ صُوَرِ تَكْرَارِ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ فِي مَسْأَلَةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ انْعِقَادَ الْحَوْلِ الثَّانِي قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَقَالَ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْرَدَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ، ثُمَّ اخْتَلَطَا: انْقَطَعَ الْحَوْلُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ [إذَا كَانَ زَمَنًا يَسِيرًا] قَوْلُهُ. (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُشَاعًا، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ مُنْفَرِدٍ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: عَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ)

وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَغَيْرَهُ قَطَعُوا بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ الشَّيْخَ خَرَّجَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى وُجُوبُ شَاةٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهَذَا التَّخْرِيجُ لَا يَخْتَصُّ بِالشَّيْخِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْمَالُ سِتِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمَبِيعُ ثُلُثَهَا: زَكَّى الْبَائِعُ ثُلُثَيْ شَاةٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَزَكَّى شَاةً عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ فِي نِصَابٍ فَأَكْثَرَ حِصَّةَ الْآخَرِ مِنْهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَاسْتَدَامَ الْخُلْطَةَ، فَهِيَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ فِي الْمَعْنَى، لَا فِي الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كَانَ خَلِيطَ نَفْسِهِ، فَصَارَ هُنَا خَلِيطٌ أَجْنَبِيٌّ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ. فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا زَكَاةَ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الْمَالَيْنِ مِنْ كَمَالِ مِلْكَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا، فَيُزَكِّيهِ زَكَاةَ انْفِرَادٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يُزَكِّي مِلْكَهُ الْأَوَّلَ لِتَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ وَابْنِهِ حَوْلٌ مِنْ الْإِبِلِ خُلْطَةً، فَمَاتَ الْأَبُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَوَرِثَهُ الِابْنُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَبِ فِيمَا وَرِثَهُ وَيُزَكِّيهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، مِثْلَ أَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأُولَى عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَهَذَا الْوَجْهُ وَجْهُ الضَّمِّ، وَفِي الْآخَرِ: عَلَيْهِ لِلثَّانِي زَكَاةُ خُلْطَةٍ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي التَّفْرِيعِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ شَاةٌ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَهُوَ وَجْهُ الِانْفِرَادِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةُ: إذَا اسْتَفَادَ مَالًا زَكَوِيًّا مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِحَوْلٍ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ هَلْ يَضُمُّهُ إلَى النِّصَابِ فِي الْعَدَدِ أَوْ يَخْلِطُهُ بِهِ وَيُزَكِّيهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ، أَوْ يُفْرِدُهُ بِالزَّكَاةِ كَمَا أَفْرَدَهُ بِالْحَوْلِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَصَحَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ الْوَجْهَ الثَّالِثَ، وَزَعَمَ الْمَجْدُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَعَّفَهُ، وَإِنَّمَا ضَعَّفَ الثَّالِثَ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: هَلْ الزِّيَادَةُ كَنِصَابٍ مُنْفَرِدٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَالْمَجْدِ أَوْ الْكُلُّ نِصَابٌ وَاحِدٌ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فِيهِ وَجْهَانِ، فَعَلَى الثَّانِي: إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ: وَجَبَ إخْرَاجُ بَقِيَّةِ الْمَجْمُوعِ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إذَا تَمَّ حَوْلُ الْمُسْتَفَادِ: وَجَبَ فِيهِ مَا بَقِيَ مِنْ فَرْضِ الْجَمِيعِ، بَعْدَ إسْقَاطِ مَا أُخْرِجَ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ بَقِيَّةُ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضِ الْمُسْتَفَادِ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ نَقَصَ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ هُنَا وَجْهُ الضَّمِّ، وَيَتَعَيَّنُ وَجْهُ الْخُلْطَةِ، وَيَلْغُو وَجْهُ الِانْفِرَادِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالتَّفَارِيعُ الْآتِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أُخْرَى فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي مَسْأَلَتِنَا، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الشَّاةِ الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِي: عَلَيْهِ زَكَاةُ خُلْطَةٍ ثُلُثُ شَاةٍ [لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْجَمِيعِ، وَعَلَى الثَّالِثِ: عَلَيْهِ شَاةٌ، وَفِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، فِي كُلِّ ثُلُثٍ شَاةٌ] لِتَمَامِ حَوْلَهَا عَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ، بَعْدَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ

عَلَيْهِ سِوَى بِنْتِ مَخَاضٍ الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِي: عَلَيْهِ سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعَلَى الثَّالِثِ: عَلَيْهِ شَاةٌ، وَفِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، وَسُدُسٌ عَلَى الْخُمُسِ الْبَاقِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، وَلَوْ مَلَكَ مَعَ ذَلِكَ سِتًّا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَفِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ الْأُولَى: بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي الْأُخْرَى: عَشَرَةٌ لِتَمَامِ حَوْلِهَا، رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَنِصْفُ تُسْعِهَا، وَعَلَى الثَّانِي: فِي الْخُمُسِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَفِي السِّتِّ لِتَمَامِ حَوْلِهَا سُدُسُ بِنْتِ لَبُونٍ، وَعَلَى الثَّالِثِ: لِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ وَالسِّتِّ شَاةٌ لِتَمَامِ حَوْلِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ) ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِائَةَ شَاةٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا، وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ لِلثَّانِي شَاةٌ، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ شَاةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ شَاتَيْنِ، وَالْمِائَةِ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْكُلِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ خُلْطَةٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ الثَّانِي يَبْلُغُ نِصَابًا، وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ فِي وَجْهٍ، وَخُلْطَةٍ فِي وَجْهٍ، وَلَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ فِيمَا يَجِبُ فِيهَا وَجْهًا وَاحِدًا، إذَا كَانَ الضَّمُّ يُوجِبُ تَغَيُّرَ الزَّكَاةِ أَوْ نَوْعِهَا، مِثْلُ: أَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ، فَيَجِبُ إمَّا تَبِيعٌ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ، وَلَا تَجِبُ الْمُسِنَّةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، بَلْ يَجِبُ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ، وَيَخْرُجُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ، فَتَجِبُ هُنَا الْمُسِنَّةُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً أُخْرَى فِي رَبِيعٍ، فَفِيهَا شَاةٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ

وَجْهُ الْخُلْطَةِ عَلَيْهِ شَاةٌ وَرُبُعُ شَاةٍ؛ لِأَنَّ فِي الْكُلِّ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَالْمِائَةُ رُبُعُ الْكُلِّ وَسُدُسُهُ، فَحِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِهِ: رُبُعُهُ وَسُدُسُهُ. فَوَائِدُ. لَوْ مَلَكَ إحْدَى وَثَمَانِينَ شَاةً بَعْدَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: عَلَيْهِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ كَخَلِيطٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، أَوْ شَاةٌ وَنِصْفٌ، أَوْ شَاةٌ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ.، وَفِي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ بَعِيرًا شَاةٌ عَلَى [الصَّحِيحِ] الثَّالِثُ: زَادَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا اثْنَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِي: خَمْسُ بَنَاتِ مَخَاضٍ، زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ خَمْسِينَ تَبِيعٌ عَلَى الثَّالِثِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ عَلَى الثَّانِي، قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعِنْدَ الْمَجْدِ: لَا يَجِيءُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي فِي الْأُولَى إلَى إيجَابِ مَا بَقِيَ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بَعْدَ إسْقَاطِ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، وَهِيَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَيُفْضِي فِي الثَّانِيَةِ إلَى إيجَابِ فَرْضِ نِصَابٍ فَمَا دُونَهُ، فَلِهَذَا قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي أَصَحُّ لِعَدَمِ اطِّرَادِ الْأَوَّلِ، وَضَعْفِ الثَّالِثِ، وَضَعَّفَهُ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ وَلَا يَبْلُغُ نِصَابًا، مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَشْرًا فِي صَفَرٍ، فَعَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا رُبُعُ مُسِنَّةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ هُنَا

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ مَا لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَخَمْسٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الثَّانِي: عَلَيْهِ سُبْعُ تَبِيعٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا) . فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ شَاةً بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً، أَوْ مَلَكَ عَشْرًا مِنْ الْبَقَرِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي: عَلَيْهِ ثُلُثُ شَاةٍ فِي الْأُولَى أَوْ خُمُسُ مُسِنَّةٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً، كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مُخْتَلِطَةٌ مَعَ عِشْرِينَ، لِرَجُلٍ آخَرَ فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ، نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السِّتُّونَ مُخْتَلِطَةً كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، وَبَيْنَهُمْ مَسَافَةُ قَصْرٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ: شَاةٌ وَنِصْفٌ، وَعَلَى خَلِيطٍ: نِصْفُ شَاةٍ، إذَا قُلْنَا: إنَّ الْبُعْدَ يُؤَثِّرُ فِي سَائِمَةِ الْإِنْسَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُؤَثِّرُ، أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفِ: عَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ. نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ، وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: عَلَى الْجَمِيعِ شَاتَانِ وَرُبُعٌ. وَعَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ لِعِشْرِينَ خُلْطَةَ وَصْفٍ، وَلِأَرْبَعِينَ بِجِهَةِ الْمِلْكِ، وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ مِنْ زَكَاةِ الثَّمَانِينَ رُبُعُ شَاةٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِطٌ لِعِشْرِينَ فَقَطْ

اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ بِهَذَا الْوَجْهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُ كُلَّ خَلِيطٍ رُبُعُ شَاةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْوَاحِدَ يُضَمُّ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْجَمِيعِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ: شَاةٌ وَنِصْفٌ، جَعْلًا لِلْخُلْطَةِ قَاطِعَةً بَعْضَ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ اُعْتُبِرَ فِي تَزْكِيَتِهِ وَحْدَهُ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ نِصْفُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْ سِوَى عِشْرِينَ، وَالتَّفَارِيعُ الْآتِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يُخَالِطْ رَبَّ السِّتِّينَ مِنْهَا إلَّا بِعِشْرِينَ لِآخَرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ رُبُعُهَا، وَعَلَى الثَّانِي: عَلَى رَبِّ السِّتِّينَ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ: ثُلُثَا شَاةٍ، ضَمًّا لَهَا إلَى بَقِيَّةِ مِلْكِهِ، وَفِي الْعِشْرِينَ: رُبُعُ شَاةٍ، ضَمًّا لَهَا إلَى بَقِيَّةِ مَالِهِ، وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ، وَإِلَى عِشْرِينَ الْآخَرُ لِمُخَالَطَتِهَا بَعْضَهُ وَصْفًا وَبَعْضَهُ مِلْكًا، وَعَلَى رَبِّ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ، وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ هُنَا، وَعَلَى الرَّابِعِ: فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُخْتَلِطَةِ شَاةٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ: شَاةٌ عَلَى رَبِّهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا خُلْطَةٌ بِخَمْسَةٍ لِآخَرَ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: عَلَيْهِ نِصْفُ حِقَّةٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ عُشْرُهَا، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ شَاةٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَعَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ: عَلَيْهِ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَعَلَى كُلِّ خَلِيطٍ شَاةٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ مَاشِيَةُ الرَّجُلِ مُتَفَرِّقَةً فِي بَلَدَيْنِ لَا تُقْصَرُ

بَيْنَهُمَا الصَّلَاةُ، فَهِيَ كَالْمُجْتَمِعَةِ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ لِكُلِّ مَالٍ حُكْمَ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ: يَكْفِي إخْرَاجُ شَاةٍ بِبَلَدِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ. لِأَنَّهُ حَاجَةٌ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بِالْقِسْطِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا تَفَرُّقُ الْبُلْدَانِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ إجْمَاعًا، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ رِوَايَتَيْنِ كَالْمَاشِيَةِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ) هَذَا الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ، اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ: هَذَا أَقْيَسُ. وَخَصَّ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ بِلَا نِزَاعٍ، كَذَا الْأَوْصَافُ أَيْضًا، وَهُوَ تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِلْقَاضِي، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَجْهًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لِإِطْلَاقِهِمْ الرِّوَايَةَ، وَقِيلَ: لَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْأَوْصَافِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَثَّرَتْ خُلْطَةُ الْأَعْيَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ

قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: نَقَلَ حَنْبَلٌ تُضَمُّ كَالْمَوَاشِي؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ رَجُلَيْنِ لَهُمَا مِنْ الْمَالِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ: فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ بِالْحِصَصِ، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اتِّحَادُ الْمُؤَنِ وَمَرَافِقِ الْمِلْكِ، فَيُشْتَرَطُ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَاءِ وَالْحَرْثِ وَالْبَيْدَرِ وَالْعُمَّالِ مِنْ النَّاطُورِ وَالْحَصَادِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي التِّجَارَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الدُّكَّانِ، وَالْمِيزَانِ، وَالْمَخْزَنِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ الْفَرْضِ مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ، مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا) يَعْنِي فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ، وَالْحَاجَةُ: أَنْ يَكُونَ مَالُ أَحَدِهِمَا صِغَارًا وَمَالُ الْآخَرِ كِبَارًا، أَوْ يَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ أَوْ سِتِّينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَعَدَمُ الْحَاجَةِ وَاضِحٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ قِسْمَةٍ فِي خُلْطَةِ أَعْيَانٍ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبَيْنِ، وَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مَفْقُودًا، فَلَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ النَّصِيبِ الْمَوْجُودِ، وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقِسْطِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي إلَّا عَدَمُ الْحَاجَةِ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ: اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ لِأَخْذِ السَّاعِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ) . يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ إذَا اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ غَارِمٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ كَالْأَمِينِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنْ الْفَرْضِ ظُلْمًا: لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَلِيطِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَخَذَ عَنْ أَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةٍ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَخَذَ عَنْ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا: جَذَعَةً رَجَعَ عَلَى خَلِيطِهِ فِي الْأُولَى بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِقِيمَةِ نِصْفِ بِنْتِ مَخَاضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ رَجَعَ عَلَيْهِ) ، كَأَخْذِهِ صَحِيحَةً عَنْ مِرَاضٍ، أَوْ كَبِيرَةً عَنْ صِغَارٍ، أَوْ قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ أَخَذَ الْقِيمَةَ وَجَازَ أَخْذُهَا رَجَعَ بِنِصْفِهَا، إنْ قُلْنَا: الْقِيمَةُ أَصْلٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بَدَلٌ، فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الْقِيمَةُ فَلَا رُجُوعَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ الْوَاجِبِ بِتَأْوِيلٍ، أَوْ أَخَذَ الْقِيمَةَ: أَجْزَأَتْ فِي الْأَظْهَرِ، وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَصَوَّبَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِجْزَاءَ، وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَالصَّلَاةِ خَلْفَ تَارِكٍ شَرْطًا عِنْدَ الْمَأْمُومِ. الثَّانِيَةُ: يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الْخُلَطَاءِ بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِمْ، غِيبَةً وَحُضُورًا، قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ

باب زكاة الخارج من الأرض

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عَقْدُ الْخُلْطَةِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْآذِنِ لِخَلِيطِهِ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِلَا إذْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْلَا الْمَانِعُ وَقَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ فِي إذْنِ كُلِّ شَرِيكٍ لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ يُوَافِقُ مَا اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَيُشْبِهُ هَذَا أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. [بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ] ِ قَوْلُهُ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ: تَجِبُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ. انْتَهَى. فَيَجِبُ عَلَى هَذَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ يُدَّخَرُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، مِمَّا يُقْتَاتُ بِهِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْبُرُّ، وَالْعَلَسُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ، وَالْأُرْزُ، وَالذُّرَةُ، وَالدُّخْنُ، وَالْفُولُ، وَالْعَدَسُ، وَالْحِمَّصُ، وَاللُّوبِيَا، وَالْجُلُبَّانُ، وَالْمَاشُ، وَالتُّرْمُسُ، وَالسِّمْسِمُ، وَالْخَشْخَاشُ وَنَحْوُهُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا: بَذْرُ الْبُقُولِ كَبَذْرِ الْهِنْدَبَا، وَالْكَرَفْسِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَدْخُلُ بَذْرُ الرَّيَاحِينِ بِأَسْرِهَا، وَأَبَازِيرُ الْقُدُورِ كَالْكُسْفُرَةِ، وَالْكَمُّونِ

وَالْكَرَاوْيَا وَالشِّمْرِ، وَالْأَنِسُونِ، وَالْقُنَّبِ وَهُوَ الشَّهْدَانِجُ وَالْخَرْدَلُ، وَيَدْخُلُ بَذْرُ الْكَتَّانِ، وَالْقُرْطُمُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْخِيَارُ، وَالْبِطِّيخُ، وَحَبُّ الرَّشَادِ، وَالْفُجْلُ، وَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِ " فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ " الصَّعْتَرُ، وَالْأُشْنَانُ الْوَرَقُ الْمَقْصُودُ، كَوَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ، وَالْآسِ، وَنَحْوِهِ. وَيَأْتِي أَيْضًا قَرِيبًا مَا يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ " فِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ " مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ رِوَايَةً أَنَّهُ " لَا زَكَاةَ إلَّا فِي التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ " وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَنَاظِمُهَا، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ مُدَّخَرٍ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ " مَا كَانَ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفَقِيرِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ مِثْلَ: الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبَصَلِ، وَالرَّيَاحِينِ، وَالرُّمَّانِ، فَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ يُبَاعَ، وَيَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى ثَمَنِهِ "، فَهَذَا الْقَوْلُ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا: الصَّعْتَرُ وَالْأُشْنَانُ، وَحَبُّهُ وَنَحْوُهُ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا: كُلُّ وَرَقٍ مَقْصُودٍ: كَوَرَقِ السِّدْرِ، وَالْخِطْمِيِّ، وَالْآسِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَرْسِ، وَالنِّيلِ، وَالْغُبَيْرَاءِ، وَالْعُصْفُرِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ، وَشَمِلَهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافَ فِي الْأُشْنَانِ، وَالْغُبَيْرَاءِ، وَالصَّعْتَرِ، وَالْكَتَّانِ، وَالْحِنَّاءِ، وَالْوَرِقِ الْمَقْصُودِ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْحِنَّاءِ الْخِلَافُ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا فِي وَرَقِ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ الزَّكَاةَ، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْحِنَّاءَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْبُقُولِ، كَحَبِّ الرَّشَادِ، وَالْأَبَازِيرِ كَالْكُسْبَرَةِ، وَالْكَمُّونِ، وَبَذْرِ الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ. وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ: حَبُّ الْفُجْلِ، وَالْقُرْطُمِ، وَغَيْرُهُمَا، وَبَذْرُ الرَّيَاحِينِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ، وَلَا أَدَم، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا: بَذْرُ الْيَقْطِينِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْمُقْتَاتِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ وَمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ (وَلَا تَجِبُ فِي سَائِرِ الثَّمَرِ) التُّفَّاحُ، وَالْإِجَّاصُ، وَالْمِشْمِشُ، وَالْخَوْخُ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالرُّمَّانُ، وَالنَّبْقُ، وَالزُّعْرُورُ، وَالْمَوْزُ، وَالتُّوتُ وَنَحْوُهُ، وَدَخَلَ فِي الْخُضَرِ: الْبِطِّيخُ، وَالْقِثَّاءُ، وَالْخِيَارُ، وَالْبَاذِنْجَانُ، وَاللِّفْتُ وَهُوَ السَّلْجَمُ وَالسِّلْقُ، وَالْكَرْنِيجُ وَهُوَ الْقُنَّبِيطُ وَالْبَصَلُ، وَالثُّومُ، وَالْكُرَّاتُ، وَالْبَتُّ، وَالْجَوْزُ، وَالْفُجْلُ وَنَحْوُهُ، وَدَخَلَ فِي الْبُقُولِ: الْهِنْدَبَا، وَالْكَرَفْسُ، وَالنَّعْنَاعُ، وَالرَّشَادُ، وَالْبَقْلَةُ الْحَمْقَاءُ، وَالْقَرَظُ، وَالْكُسْبَرَةُ الْخَضْرَاءُ، وَالْجِرْجِيرُ وَنَحْوُهُ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ. فَائِدَةٌ: لَا تَجِبُ أَيْضًا فِي الرَّيْحَانِ، وَالْمِسْكِ، وَالْوَرْدِ، وَالْبُومُ وَالْبَنَفْسَجُ، وَاللِّينُوفَرُ وَالْيَاسَمِينُ، وَالنِّرْجِسِ، وَالْمَرْدَكُوشُ، وَالْمَنْثُورُ، وَلَا فِي طَلْعِ الْفُحَّالِ، وَلَا فِي سَعَفِ النَّخْلِ وَالْخُوصِ، وَلَا فِي تِينِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي الْوَرَقِ، وَلَا فِي لَبَنِ الْمَاشِيَةِ، وَصُوفِهَا، وَوَبَرِهَا، وَلَا فِي الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ، وَالْحَرِيرِ، وَدُودَةِ الْقَزِّ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الزَّيْتُونُ، وَالْقُطْنُ، وَالزَّعْفَرَانُ، أَمَّا الزَّيْتُونُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ

وَالشَّارِحُ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِيهِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْمُبْهِجِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي الْخُلَاصَةِ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالْمَجْدِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَأَمَّا الْقُطْنُ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِيهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْإِيضَاحِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ: فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي حَبِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: الْكَتَّانُ كَالْقُطْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَكَذَا الْقُنَّبُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: إنْ وَجَبَتْ فِي الْقُطْنِ: فَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ، وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحِنَّاءِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَالَ الْقَاضِي: الْوَرْسُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الزَّعْفَرَانِ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُخَرَّجُ الْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الزَّعْفَرَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَيُخَرَّجُ عَلَى الزَّعْفَرَانِ الْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالنِّيلُ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَاللِّقْوَةُ، وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ الْوُجُوبَ فِي الزَّعْفَرَانِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْعُصْفُرِ وَالْوَرْسِ وَالنِّيلِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِي الْجَوْزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَجِبُ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، كَذَا لَا تَجِبُ فِي التِّينِ [وَالْمِشْمِشِ، وَالتُّوتِ، وَقَصَبِ السُّكَّرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْآمِدِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ] فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التِّينِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي الْعُنَّابِ، قَالَ: فَالتِّينُ وَالشَّمْسُ وَالتُّوتُ مِثْلُهُ، وَأَطْلَقَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: فِي التِّينِ وَقَصَب السُّكْرِ وَالْجَوْزِ الْخِلَافَ. الثَّالِثَةُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُنَّابِ، عَلَى الصَّحِيحِ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَيَأْتِي بَعْدُ الْكَلَامُ عَلَى الْعَسَلِ: هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْمَنِّ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَبْلُغَ نِصَابًا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ، وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: هَذَا الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رُطَبًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي خِلَافِهِ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَصُّ عَنْهُ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا) يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ " عُشْرُهُ " يَعْنِي: عُشْرَ الرُّطَبِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ إذَا يَبِسَ بِمِقْدَارِ عُشْرِ رُطَبِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ قِيلَ لِأَحْمَدَ: خَرَصَ عَلَيْهِ مِائَةَ وَسْقٍ رُطَبًا، يُعْطِيهِ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا عُشْرَ يَابِسِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَرَدَّ الْأَوَّلَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (إلَّا الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ، فَإِنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ قِشْرِهِ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) ، مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: أَنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ فِي قِشْرِهِ، إذَا كَانَ بِبَلَدٍ قَدْ خَبَرَهُ أَهْلُهُ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مُصَفًّى النِّصْفُ، فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ دُونَ النِّصْفِ كَغَالِبِ أُرْزِ حَرَّانَ أَوْ يَخْرُجُ فَوْقَ النِّصْفِ، كَجَيِّدِ الْأُرْزِ الشَّمَالِيِّ: فَإِنَّ نِصَابَهُ يَكُونُ بِقِشْرِهِ مَا يَكُونُ قَدْرَ الْخَارِجِ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنِصَابُهُمَا فِي قِشْرِهِمَا: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ، وَإِنْ صُفِّيَا فَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِخِفَّةٍ وَثِقَلٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ، فَلَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ عُشْرَهُ قَبْلَ قِشْرِهِ وَبَيْنَ قِشْرِهِ وَاعْتِبَارِهِ بِنَفْسِهِ كَمَغْشُوشِ النَّقْدَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي نِصَابِ الْأُرْزِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ صَفَّى الْأُرْزَ وَالْعَلَسَ، فَنِصَابُهُمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا: الْوَسْقُ وَالصَّاعُ كَيْلَانِ، لَا صَنْجَتَانِ، نُقِلَ إلَى الْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ، وَكَذَا الْمُدُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكِيلَ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ، فَمِنْهُ الثَّقِيلُ كَالْأَرْزِ وَالتَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ وَالْمُتَوَسِّطُ، كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ، وَالْخَفِيفُ: كَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَأَكْثَرُ التَّمْرِ أَخَفُّ مِنْ الْحِنْطَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُكَالُ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى هَيْئَتِهِ غَيْرُ مَكْبُوسٍ، وَنَصَّ

الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ: عَلَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْحِنْطَةِ، أَيْ بِالرَّزِينِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي وَزْنِهِ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْخَفِيفِ إذَا قَارَبَ هَذَا الْوَزْنَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، لِأَنَّهُ فِي الْكَيْلِ كَالرَّزِينِ، وَمَنْ اتَّخَذَ مَكِيلًا يَسَعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا مِنْ جَيِّدِ الْحِنْطَةِ ثُمَّ كَالَ بِهِ مَا شَاءَ عَرَفَ مَا بَلَغَ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِهِ، نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: يُعْتَبَرُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ بُرًّا، وَقِيلَ: بَلْ عَدَسًا، وَقُلْت: بَلْ مَاءً. انْتَهَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ. لَكِنْ حَكَى الْقَوْلَ فِي الْعَدَسِ رِوَايَةً، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: مِنْ بُرٍّ، أَوْ عَدَسٍ، أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: بُرًّا ثُمَّ مِثْلُ كَيْلِهِ مِنْ غَيْرِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ وَزْنُهُ، وَمَثَّلَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالْحِنْطَةِ فَقَطْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ إلَّا فِي الْبُرِّ، ثُمَّ مِثْلُ مَكِيلِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْحُبُوبِ، وَتَقَدَّمَ: هَلْ نِصَابُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ تَقْرِيبٌ أَوْ تَحْدِيدٌ؟ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ ". فَوَائِدُ. الْأُولَى: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ نِصَابَ الزَّيْتُونِ كَغَيْرِهِ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: نِصَابُهُ سِتُّونَ صَاعًا، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ

أَبِيهِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ سَهْوٌ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُذْهَبِ: لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ أَحْمَدَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُجْعَلَ نِصَابُهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ سَهَا عَلَى شَيْخِهِ بِذِكْرِ الزَّيْتُونِ مَعَ الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ، كَمَا سَهَا عَلَى أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي اعْتِبَارَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ فِي الْقُطْنِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَيْسَ الزَّيْتُونُ فِي ذَلِكَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ، وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ اعْتِبَارَ نِصَابِهِ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ اعْتِبَارَهُ بِالْأَوْسُقِ كَمَا قَدَّمْنَا. انْتَهَى كَلَامِ الْمَجْدِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ: هَلْ يُعْتَبَرُ بِالزَّيْتِ أَوْ بِالزَّيْتُونِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالزَّيْتِ: فَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهُوَ غَرِيبٌ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الزَّيْتُونِ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الزَّيْتِ كَانَ أَفْضَلَ وَلَا يَتَعَيَّنُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ زَيْتُونًا حَتْمًا، كَالزَّيْتُونِ الَّذِي لَا زَيْتَ فِيهِ؛ لِوُجُوبِهَا فِيهِ، وَكَدُبْسٍ عَنْ تَمْرٍ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ زَيْتًا، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، عَنْ الْأَوَّلِ: وَيُخْرِجُ عُشْرَ كَسْبِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مِنْهُ بِخِلَافِ التِّينِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَلْ يُخْرِجُ مِنْ الزَّيْتُونِ أَوْ مِنْ دُهْنِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ: لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُ غَيْرِ الدُّهْنِ، وَإِلَّا فَلَوْ أَخْرَجَهُ وَالْكُسْبِ: لَمْ يَكُنْ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْكُسْبَ يَصِيرُ وُقُودًا كَالتِّبْنِ، وَقَدْ يُنْبَذُ وَيُرْمَى رَغْبَةً عَنْهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

الثَّالِثَةُ: يُخْرِجُ زَكَاةَ السِّمْسِمِ مِنْهُ كَغَيْرِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ وَكُسْبٌ لِعَيْبِهِمَا لِفَسَادِهِمَا بِالِادِّخَارِ، كَإِخْرَاجِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَكُسْبِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُخْرِجُ مِنْ دُهْنِ السِّمْسِمِ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُجْزِئُ شَيْرَجٌ عَنْ سِمْسِمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي، وَأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ أَجْزَأَ. الرَّابِعَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ نِصَابَ الْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُكَالُ كَالْوَرْسِ وَنَحْوِهِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: نِصَابُ ذَلِكَ أَنْ: تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ أَدْنَى نَبَاتٍ يُزَكَّى، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. زَادَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: إلَّا الْعُصْفُرَ، فَإِنَّهُ لِلْقُرْطُمِ، لِأَنَّهُ أَصْلُهُ، فَاعْتُبِرَ بِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الْقُرْطُمُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، زُكِّيَ وَتَبِعَهُ الْعُصْفُرُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: يُزَكَّى قَلِيلُ مَا لَا يُكَالُ وَكَثِيرُهُ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالزَّعْفَرَانِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ، وَقِيلَ: نِصَابُ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ: خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ جَمْعُ مَنٍّ وَهُوَ رَطْلَانِ، وَهُوَ الْمَنُّ، وَجَمْعُهُ أَمْنَاءٌ. قَوْلُهُ (وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) وَكَذَا زَرْعُ الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: لَا يُضَمُّ صَيْفِيٌّ إلَى شَتْوِيٍّ إذَا زُرِعَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَالنَّخْلُ التِّهَامِيُّ يَتَقَدَّمُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، فَلَوْ طَلَعَ وَجُدَّ، ثُمَّ طَلَعَ النَّجْدِيُّ ثُمَّ لَمْ يُجَدَّ حَتَّى طَلَعَ التِّهَامِيُّ: ضُمَّ النَّجْدِيُّ إلَى التِّهَامِيِّ الْأَوَّلِ، لَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّخْلِ يَحْمِلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَيَكُونُ التِّهَامِيُّ الثَّانِي ثَمَرَةَ عَامٍ ثَانٍ، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، بَلْ وَقْتُ اسْتِغْلَالِ الْمُغَلِّ عَنْ الْعَامِ عُرْفًا، وَأَكْثَرُهُ عَادَةً نَحْوُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِقَدْرِ فَصْلَيْنِ، وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا أَنَّ مَنْ اسْتَغَلَّ حِنْطَةً أَوْ رُطَبًا آخِرَ تَمُّوزَ مِنْ عَامٍ ثُمَّ عَادَ فَاسْتَغَلَّ مِثْلَهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَوَّلَ تَمُّوزَ، أَوْ حُزَيْرَانَ: لَمْ يُضَمَّا، مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا دُونَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. انْتَهَى وَمَعْنَاهُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ: ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُضَمُّ، لِنُدْرَتِهِ، مَعَ تَنَافِي أَصْلِهِ، فَهُوَ كَثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ بَعْضَهُ فِي السَّنَةِ حَمْلًا، وَبَعْضَهُ حَمْلَيْنِ: ضَمَّ مَا يَحْمِلُ حَمْلًا إلَى أَيِّهِمَا بَلَغَ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَفِي ضَمِّ حَمْلِ نَخْلٍ إلَى حَمْلِ نَخْلٍ آخَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ [وَصَحَّحَهُ

فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ] وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ رَوَاهَا صَالِحٌ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ: رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَدَمِ الضَّمِّ، وَقَالَ: يُضَمُّ، وَهُوَ أَحْوَطُ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ عَنْ مَنْعِ الضَّمِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ [وَنِهَايَتِهِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَعَنْهُ تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ، وَالْقُطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: يُضَمُّ ذَلِكَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. نَقَلَهُ ابْنُ رَزِينٍ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَيْهَا تُضَمُّ الْأَبَازِيرُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَحُبُوبُ الْبُقُولِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. لِتُقَارِبَ الْمَقْصُودَ، كَذَا يُضَمُّ كُلُّ مَا تَقَارَبَ، وَمَعَ الشَّكِّ لَا يُضَمُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ يُضَمُّ مَا تَقَارَبَ فِي الْمَنْبِتِ وَالْمَحْصَدِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا: رِوَايَةً تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ جِنْسٌ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: ضَمَّ التَّمْرِ إلَى الزَّبِيبِ، عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحُبُوبِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا يَصِحُّ لِتَصْرِيحِ أَحْمَدَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحُبُوبِ، عَلَى قَوْلِهِ بِالضَّمِّ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَحَنْبَلٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَوَقَّفَ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ

فَائِدَةٌ: الْقُطْنِيَّاتُ حُبُوبٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: الْحِمَّصُ، وَالْعَدَسُ، وَالْمَاشُ، وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا، وَالدُّخْنُ، وَالْأُرْزُ، وَالْبَاقِلَا وَنَحْوِهَا، مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إلَى آخَرَ " أَنَّهُ يُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ الْحُبُوبِ بِالشَّعِيرِ فِي صُورَتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: السُّلْتُ لَوْنُهُ لَوْنُ الْحِنْطَةِ، وَطَبْعُهُ طَبْعُ الشَّعِيرِ فِي الْبُرُودَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِلَوْنِهِ أَوْ بِطَبْعِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: السُّلْتُ يُكَمَّلُ بِالشَّعِيرِ، وَقِيلَ: لَا، يَعْنِي أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، وَأَطْلَقَ فِي النَّظْمِ وَالْفَائِقِ فِي ضَمِّ السُّلْتِ إلَى الشَّعِيرِ وَجْهَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَلَسَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يُضَمُّ إلَيْهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يُضَمُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ فِي ضَمِّ الْعَلَسِ إلَى الْبُرِّ وَجْهَانِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَالْحَارِسُ نَوْعٌ مِنْ الدَّخَنِ يُضَمُّ، وَقَالَ أَيْضًا: وَفِي ضَمِّ الدَّخَنِ إلَى الذُّرَةِ وَجْهَانِ. وَيَأْتِي ضَمُّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ، أَوْ يَأْخُذُهُ أُجْرَةً بِحَصَادِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ صَلَاحِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَجِبُ لِلزَّكَاةِ يَوْمَ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ "

قَوْلُهُ (وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ) أَيْ لَا تَجِبُ (كَالْبُطْمِ وَالرَّعْبَلِ) وَهُوَ شَعِيرُ الْجَبَلِ (وَبِزِرٍّ قُطُونًا وَنَحْوَهُ) كَالْعَفْصِ وَالْأُشْنَانِ، وَالسُّمَّاقِ وَالْكَلَأِ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَخْذِهِ فَأَخَذَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالُوا: هَذَا الصَّحِيحُ، وَرَدُّوا غَيْرَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنْ الْمُبَاحِ وَقِيلَ: تَجِبُ فِيهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: تَجِبُ فِي ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا فِي الْعَسَلِ، فَيُكْتَفَى بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَالْعَسَلِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْوُجُوبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِيمَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ. لَوْ نَبَتَ مَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّ، كَمَنْ سَقَطَ لَهُ حَبُّ حِنْطَةٍ فِي أَرْضِهِ، أَوْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، كَالْغَيْثِ وَالسُّيُوحِ وَمَا يَشْرَبُ بِرُوقِهِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ، كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ) وَكَذَا مَا سُقِيَ بِالنَّاعُورَةِ أَوْ السَّاقِيَةِ، وَمَا يَحْتَاجُ فِي تَرَقِّي الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ مِنْ عِرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ: لَا يُؤَثِّرُ حَفْرُ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَّاقِي لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ

كُلَّ عَامٍ، وَكَذَا مَنْ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي السَّوَّاقِي؛ لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَا يُدِيرُ الْمَاءَ مِنْ النَّوَاعِيرِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا يَصْلُحُ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دُولَابٍ تُدِيرُهُ الدَّوَابُّ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ خَفِيفَةٌ، فَهِيَ كَحَرْثِ الْأَرْضِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرَةٍ، وَسَقَى بِهِ سَيْحًا، وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَمَعَ الْمَاءَ وَسَقَى بِهِ وَجَبَ الْعُشْرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِطْلَاقُ غَيْرِ وَاحِدٍ يَقْتَضِيهِ، كَعَمَلِ الْعَيْنِ، ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَوْ الْقَنَاةُ يَكْثُرُ تَصَوُّبُ الْمَاءِ عَنْهَا، وَيُحْتَاجُ إلَى حَفْرٍ مُتَوَالٍ، فَذَلِكَ مُؤْنَةٌ، فَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ: اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ، فَإِنْ جُهِلَ الْمِقْدَارُ وَجَبَ الْعُشْرُ) . يَعْنِي: إذَا جُهِلَ مِقْدَارُ السَّقْيِ فَلَمْ يُعْلَمْ: هَلْ سَقَى سَيْحًا أَكْثَرَ، أَوْ الَّذِي بِمُؤْنَةٍ أَكْثَرَ؟ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُخْرِجُ حَتَّى يَعْلَمَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ " الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ النَّفْعُ لِلزَّرْعِ وَالنُّمُوُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِأَكْثَرِ السَّقْيَاتِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ مُدَّةً، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَنْ لَهُ بُسْتَانٌ أَوْ أَرْضٌ، يَسْقِي أَحَدَ الْبَسَاتِينَ بِكُلْفَةٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِهَا، أَوْ بَعْضَ الْأَرْضِ بِمُؤْنَةٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا: يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْأَرْضِ فِيمَا سَقَى بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلسَّاعِي اسْتِحْلَافُهُ، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ هَذَا وَجْهًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى تَجِبُ الزَّكَاةُ يَوْمَ الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ لِلْآيَةِ، فَيُزَكِّيهِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ فِي مِلْكِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ رَبُّهُ وَشَرَطَ الزَّكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِطْلَاقُ كَلَامِهِمْ خُصُوصًا الشَّيْخَ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ: لَا يَصِحُّ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْن حَمْدَان: أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ لِلْعِلْمِ بِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَلْزَمَ بِهَا الْبَائِعَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا قَبْلَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا) إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُمَا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُهُ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْخِلَافُ فِيهِ أَوَاخِرَ كِتَابِ الزَّكَاةِ فَلْيُعَاوَدْ

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُ بَعْضِهِمْ أَنَّ صَلَاحَ الثَّمَرَةِ هُنَا حُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ عَلَى مَا يَأْتِي، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: صَلَاحُ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِ إذَا انْعَقَدَ لُبُّهُ، وَصَلَاحُ الزَّيْتُونِ إذَا كَانَ لَهُ زَيْتٌ يَجْرِي فِي دُهْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا زَيْتَ فِيهِ فَبِأَنْ يَصْلُحَ لِلْكَبْسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجِبُ إذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ، وَبَدَا اشْتِدَادُهُ، وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ بِحُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ، وَانْعَقَدَ لُبُّ اللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَالْجَوْزِ إنْ قُلْنَا يُزَكَّى وَجَرَى دُهْنُ الزَّيْتُونِ فِيهِ أَوْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَطَابَ أَكْلُهُ، أَوْ صَلَحَ لِلْكَبْسِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ، وَقِيلَ: صَلَاحُ الْحِنْطَةِ إذَا أَفْرَكَتْ، وَالْعِنَبُ إذَا انْعَقَدَ وَحَمُضَ، وَقِيلَ: وَتَمَوَّهَ وَطَابَ أَكْلُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا فِي الْجَرِينِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، كَمَا سَبَقَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لِلُزُومِ الْإِخْرَاجِ إذَنْ. فَائِدَةٌ: " الْجَرِينُ " يَكُونُ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، وَ " الْبَيْدَرُ، وَالْأَيْدَرُ " يَكُونُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ، وَ " الْمِرْبَدُ " يَكُونُ بِالْحِجَازِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُجْمَعُ فِيهِ الثَّمَرَةُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا. وَ " الْجُوجَانُ " يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ تَشْمِيسِهَا وَتَيْبِيسِهَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَسُمِّيَ بِلُغَةِ آخَرِينَ " السُّطَّاحَ " وَبِلُغَةِ آخَرِينَ " الطِّبَابَةَ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ خُرِصَتْ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ) . إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَبْلَ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَفِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ أَيْضًا: قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ فِي الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ كَالْمُصَنِّفِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمَا: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: سَقَطَتْ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ رِوَايَةً أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَ الْوُجُوبِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ: أَنَّهُ كَنَقْصِ نِصَابٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَقِيَ بَعْدَ التَّلَفِ نِصَابٌ: وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ وَجْهَيْنِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْوُجُوبَ فِيمَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ، بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَظْهَرُهُمَا يُزَكِّي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ) ، وَلَوْ اُتُّهِمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ وَكَذَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى غَلَطٍ مُمْكِنٍ مِنْ الْخَارِصِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ كَالسُّدُسِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا قُبِلَ بِلَا يَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ فَحُشَ، فَقِيلَ: يُرَدُّ قَوْلُهُ، وَقِيلَ: ضَمَانًا كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً يُرَدُّ فِي الْفَاحِشِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَوْ ادَّعَى كَذِبَ الْخَارِصِ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ فِي يَدِي غَيْرُ كَذَا: قُبِلَ قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي جَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ تَظْهَرُ عَادَةً إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي التَّلَفِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفَّى، وَالثَّمَرِ يَابِسًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ: لَهُ أَنْ يُخْرِجَ رُطَبًا وَعِنَبًا. قَالَ وَسِيَاقُ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اعْتَبَرْنَا نِصَابَهُ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يُجْزِئُ رَطْبُهُ، وَقِيلَ: فِيمَا لَا يُثْمِرُ وَلَا يُزَبِّبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِمَا انْفَرَدَ بِهِ بِالتَّصْرِيحِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ فِي مَوْضِعِ الْإِطْلَاقِ، وَيُطْلَقُ فِي مَوْضِعِ التَّقْدِيمِ، وَيُسَوَّى بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْمَعْرُوفُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَعَكْسُهُ. قَالَ: فَلِهَذَا وَأَمْثَالِهِ حَصَلَ الْخَوْفُ وَعَدَمُ الِاعْتِمَادِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا رَطْبًا وَعِنَبًا: لَمْ يُجْزِهِ وَوَقَعَ نَفْلًا، وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ السَّاعِيَ، فَإِنْ جَفَّفَهُ وَجَاءَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا أَعْطَى إنْ زَادَ أَوْ أَخَذَ إنْ نَقَصَ، وَإِنْ كَانَ بِحَالَةٍ رَدِيئَةٍ، وَإِنْ تَلِفَ رَدَّ مِثْلَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: عِنْدِي لَا يَضْمَنُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَيْضًا، وَقَدَّمَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ. قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ بِمِثْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ الْعَطَشِ، أَوْ لِتَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ، أَوْ كَانَ رُطَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ عِنَبًا

لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ. زَادَ فِي الْكَافِي: أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ رَدِيءٌ انْتَهَى. قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ إذَا جَاءَ مِنْهُ تَمْرٌ رَدِيءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ رُطَبًا وَعِنَبًا. يَعْنِي جَازَ قَطْعُهُ، وَإِخْرَاجُ زَكَاةٍ مِنْهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ يَكْفِي التَّجْفِيفُ لَمْ يَجُزْ قَطْعُ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ إطْلَاقٌ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ إخْرَاجِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ هَذَا رُطَبًا وَعِنَبًا مُشَاعًا، أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجِدَادِ، أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ، فَيُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قَسْمِهِ مَعَ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ الْجِدَادِ بِالْخَرْصِ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُمْ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةً، وَبَعْدَ الْجِدَادِ بِالْكَيْلِ. وَهَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَأَوَّلُ كَلَامِ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ تَخْيِيرُ السَّاعِي مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ إلَّا يَابِسًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا مِنْ إخْرَاجِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُضَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاحْتِمَالٌ فِيمَا لَا يُتْمِرُ وَلَا يَصِيرُ زَبِيبًا، وَهُوَ رِوَايَةُ مَالِكٍ. انْتَهَى.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَكُونُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، عَلَى الصَّحِيحِ كَغَيْرِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ رُطَبًا وَعِنَبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَتُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَرِوَايَتَانِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الْقِيمَةَ كَالْأَجْنَبِيِّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا. [وَلَوْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَضْمَنُ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا] كَغَيْرِهِمَا إذَا أَتْلَفَهُ، فَلَوْ لَمْ يَجُدَّ التَّمْرَ أَوْ الزَّبِيبَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا قَدَرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْإِرْشَادِ، وَوَجْهَانِ فِي غَيْرِهِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ عِنْدَ إعْوَازِ الْفَرْضِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ هَذَا الْبِنَاءَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا [وَهِيَ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ] الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ هُنَا وَمَنَعْنَا مِنْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَغَيْرِهِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، دَفْعًا لِمَشَقَّةِ إخْرَاجِهِ رُطَبًا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَخْذِهِ قَدْ لَا يَحْضُرُهُ السَّاعِي وَالْفَقِيرُ، وَيُخْشَى فَسَادُهُ بِالتَّأْخِيرِ. وَلِذَلِكَ أَجَزْنَا لِلسَّاعِي بَيْعَهُ، وَلِلْمُخْرِجِ شِرَاءَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ.

الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ قَطْعُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي إنْ كَانَ وَإِلَّا جَازَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَطَعَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَكَلِهِ خَصُوبًا، أَوْ خِلَالًا، أَوْ لِبَيْعِهِ، أَوْ تَجْفِيفِهِ عَنْ النَّخْلِ، أَوْ لِتَحْسِينِ الْبَاقِي، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ مَا: لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفِرَارَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي تَتِمَّةِ الْقَاضِي (يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ بَيْعِهِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ شِرَاءُ زَكَاتِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبَيْعَ. بَاطِلٌ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ رَغْبَةً أَوْ رَهْبَةً، وَعَنْهُ يُكْرَهُ شِرَاؤُهَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَنْهُ يُبَاحُ شِرَاؤُهَا كَمَا لَوْ وَرِثَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ رَجَعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الدَّافِعِ بِإِرْثٍ أُبِيحَتْ لَهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَّلَهُ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَصَلَ بِفِعْلِهِ كَالْبَيْعِ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ: إنَّمَا هِيَ فِي الشِّرَاءِ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ:

أَنَّ الْهِبَةَ كَالْمِيرَاثِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَلَا. إذَا كَانَ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ. وَاحْتَجَّ الْمَجْدُ لِلْقَوْلِ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَيْنِهِ، وَيَأْخُذُهَا بِهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ، فَيُعَوَّضُ مِنْهَا أَوْلَى، وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد فِي فَرَسِ حُمَيْدٍ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُكْرَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ، وَصَدَقَتِهِ، وَقِيلَ: مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَظَاهِرُ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ يُسَامِحُهُ: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ أَخَذَهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: كَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ الزَّكَاةِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: وَمَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ، وَمِنْهَا: الصَّدَقَةُ كَالزَّكَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ فَيَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ) . بَعْثُ الْإِمَامِ سَاعِيًا لِلْخَرْصِ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّى: أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ، وَقَالَ: أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِالْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (يَنْبَغِي) يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يُخْرَصُ غَيْرُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُخْرَصُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَا فَرْقَ.

الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْخَارِصِ مُسْلِمًا أَمِينًا خَبِيرًا. بِلَا نِزَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَقِيلَ: عَدْلٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ حُرًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حُرٌّ فِي الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. الثَّالِثَةُ: يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا اثْنَانِ، كَالْقَائِفِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ. الرَّابِعَةُ: أُجْرَةُ الْخَرْصِ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ مَا يَأْتِي فِي حَصَادٍ. الْخَامِسَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْحَصَادَ وَالْجِذَاذَ لَيْلًا. السَّادِسَةُ: يَلْزَمُ خَرْصُ كُلِّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَقْتَ الْجَفَافِ ثُمَّ يَعْرِفُ الْمَالِكُ قَدْرَ الزَّكَاةِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا شَاءَ وَيَضْمَنُ قَدْرَهَا، وَبَيْنَ حِفْظِهَا إلَى وَقْتِ الْجَفَافِ، فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ وَتَصَرَّفَ صَحَّ تَصَرُّفُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكُرِهَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّصَرُّفُ، كَتَصَرُّفِهِ قَبْلَ الْخَرْصِ، وَأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ضَمِنَهَا، وَعَلَيْهِمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْخَرْصِ، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ هَذَا الرُّطَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَعَنْهُ رُطَبًا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا يَوْمَ التَّلَفِ. وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ رُطَبًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: إذَا أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعَ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ أَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيقٍ.

السَّابِعَةُ: لَوْ حَفِظَهَا إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ زَكَّى الْمَوْجُودَ فَقَطْ، سَوَاءٌ وَافَقَ قَوْلَ الْخَارِصِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ حِفْظَهَا ضَمَانًا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ، أَوْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ عَدَمِ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِصَابَةُ وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ مَا قَالَ الْخَارِصُ، مَعَ تَفَاوُتِ قَدْرِ يَسِيرٍ يُخْطِئُ فِي مِثْلِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَغْرَمُ مَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَوْ خُرِصَتْ، وَعَنْهُ بَلَى. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْخَرْصِ لِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثَ، أَوْ الرُّبُعَ) بِحَسَبِ اجْتِهَادِ السَّاعِي، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، فَيَجِبُ عَلَى السَّاعِي فِعْلُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ لَا يَتْرُكُهُ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتْرُكُ قَدْرَ أَكْلِهِمْ وَهَدِيَّتِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ بِلَا تَحْدِيدٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنَّمَا يَتْرُكُ فِي الْخَرْصِ إذَا زَادَتْ الثَّمَرَةُ عَلَى النِّصَابِ، فَلَوْ كَانَتْ نِصَابًا فَقَطْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: هَذَا الْقَدْرُ الْمَتْرُوكُ لِلْأَكْلِ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، عَلَى الصَّحِيحِ، مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ النِّصَابِ، فَيَكْمُلُ بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ زَكَاةَ الْبَاقِي سِوَاهُ. الثَّانِي: لَوْ لَمْ يَأْكُلْ رَبُّ الْمَالِ الْمَتْرُوكِ لَهُ بِلَا خَرْصٍ. أَخَذَ مِنْهُ زَكَاتَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: دَلَّ النَّصُّ الَّذِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا لَمْ يُزَكِّهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَأَظُنُّ بَعْضَهُمْ جَزَمَ بِهِ أَوْ قَدَّمَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا لَهُ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَبْعَثْ الْإِمَامُ سَاعِيًا، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْخَرْصِ مَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي، لِيَعْرِفَ قَدْرَ الْوَاجِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ، لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَ السَّاعِي شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبِ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ إلَّا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ، فَلَا تُخْرَصُ الْحُبُوبُ إجْمَاعًا، لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْأَكْلُ مِنْهَا هُوَ وَعِيَالُهُ، بِحَسَبِ الْعَادَةِ. كَالْفَرِيكِ وَمَا يَحْتَاجُهُ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُهْدَى. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْهَا وَجْهَيْنِ: مِنْ الْأَكْلِ، وَمِنْ الزَّرْعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ خَلِيطٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَسْقَطَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَرْبَابِ الزَّرْعِ الزَّكَاةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَأْكُلُونَ كَمَا أَسْقَطَ فِي الثِّمَارِ. قَالَ: وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَجَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءً، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَغَيْرِهِمَا: يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا يَأْكُلُهُ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، كَالْمُشْتَرَكِ مِنْ الزَّرْعِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْحَبُّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الثَّمَرَةِ، وَحَكَى رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُزَكِّي مَا يُهْدِيهِ أَيْضًا، وَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُزَكِّي مَا يَهْدِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِخِلَافِهِ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ: مَا يَأْكُلُهُ مِنْ التَّمْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمَا يُطْعِمُهُ جَارَهُ وَصَدِيقَهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا زَكَاةَ فِيمَا يَأْكُلُهُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ، وَفِيمَا يُطْعِمُهُ رِوَايَتَانِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: فِي جَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ زَرْعِهِ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيمَةِ، كَالضَّأْنِ مِنْ الْمَعْزِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ) يَعْنِي لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَاخْتِلَافِهَا (أَخَذَ مِنْ الْوَسَطِ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَإِنْ شَقَّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ مِنْ الْأَكْثَرِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ أَخْرَجَ الْوَسَطَ عَنْ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ بِقَدْرِ قِيمَتَيْ الْوَاجِبِ مِنْهُمَا أَوْ أَخْرَجَ الرَّدِيءَ عَنْ الْجَيِّدِ بِالْقِيمَةِ: لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُجْزِئُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُ. قَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يُحْتَمَلُ فِي الْمَاشِيَةِ كَمَسْأَلَةِ الْأَثْمَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ. الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ جِنْسٍ عَنْ آخَرَ. لِأَنَّهُ قِيمَةٌ وَلَا مَشَقَّةَ. وَلَوْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ إنْ قُلْنَا بِالضَّمِّ وَإِلَّا فَلَا.

الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْمَالِكِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَلْزَمُهُ خَرَاجٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْهُ يَلْزَمُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ. الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ (وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً) وَكَذَا كُلُّ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا، وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا. الْخَامِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لِأَنَّهُ كَدَيْنٍ آدَمِيٍّ، وَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ، فَهُوَ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ. وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الرِّوَايَاتُ. السَّادِسَةُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى غَلَّةِ الْأَرْضِ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالْخُضَرِ جَعَلَ الْخَرَاجَ فِي مُقَابَلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ. السَّابِعَةُ: لَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْهُ. لِسَبْقِ الْوُجُوبِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ ضِدُّهُ، كَالْخَرَاجِ. وَيَأْتِي فِي مُؤْنَةِ الْمَعْدِنِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ. الثَّامِنَةُ: تَلْزَمُ الزَّكَاةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مَنْ حَكَمَ بِأَنَّ الزَّرْعَ لَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ فَبَلَغَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَا الْخَلْطِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. التَّاسِعَةُ: مَتَى حَصَدَ غَاصِبُ الْأَرْضِ زَرْعَهُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ، وَزَكَّاهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ، وَكَذَا قِيلَ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ، فَكَانَ أَخْذُهُ إذَنْ. وَقِيلَ: يُزَكِّيهِ

الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَيَأْتِي قَوْلُ: إنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ فَيُزَكِّيهِ. الْعَاشِرَةُ: لَا زَكَاةَ فِي الْمُعَشَّرَاتِ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُشْرِ، وَلَوْ بَقِيَتْ أَحْوَالًا. مَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ [وَالْمُغْنِي] وَالْكَافِي، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاؤُهَا. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْفَائِقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ [وَالْمُذْهَبِ] ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: اقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْجَوَازِ. كَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَجُوزُ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ خَالَفَ وَاشْتَرَى صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: يُعْطِي أَنَّ عَلَى الْمَنْعِ: لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ، فِي غَيْرِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَأَمَّا نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ: فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ كَالْمَاشِيَةِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْبَنَّا بِالْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ، مِنْ أَنَّهُمْ يَجُوزُ لَهُمْ شِرَاءُ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عَلَى التَّفْرِيعِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبُ نِصْفِ الْعُشْرِ عَلَى الذِّمِّيِّ غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ، سَوَاءٌ اتَّجَرَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ، مِنْ مَالِهِ وَثَمَرَتِهِ وَمَاشِيَتِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ) يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، عَلَى هَذَا: هَلْ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ لَفْظِ الْمُقْنِعِ. انْتَهَى. يَعْنِي أَنَّ نَقْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الشِّرَاءِ غَرِيبٌ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ، لَوْ خَالَفُوا وَاشْتَرَوْا: لَصَحَّ الشِّرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَإِنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً: فَعَلَيْهِ فِيهَا عُشْرَانِ، وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ عُشْرٌ وَاحِدٌ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، كَمَا كَانَ قَبْلَ شِرَائِهِمْ، قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا وَجْهَ لَهُ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ شِرَاءِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ، وَعَنْهُ لَا، وَعَنَّا يَحْرُمُ، وَيَصِحُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَارِجِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ عُشْرَانِ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَعَنْهُ عُشْرٌ وَاحِدٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا: حُكْمُ مَا مَلَكَهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ حُكْمُ شِرَاءِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي حُكْمُ إحْيَاءِ الذِّمِّيِّ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَمِنْهَا: حَيْثُ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ أَوْ عُشْرَانِ، فَإِنَّ حُكْمَ مَصْرِفِهِ حُكْمُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَمِنْهَا: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقَسَّمْ، وَمَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّهَا لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ مَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا. نَقَلَهُ حَرْبٌ كَالْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا، وَمَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَطُّوهُ. نَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ، كَالْبَصْرَةِ، وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ، كَنِصْفِ خَيْبَرَ، وَكَذَا مَا أَقَطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ السَّوَادِ إنْ كَانَ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ أَنَّ الْعُشْرِيَّةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، فَلِهَذَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي وَالرِّعَايَةِ " الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا " وَقَوْلِ غَيْرِهِ " مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ " وَجَعَلَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي شَرْحِهِ قَوْلَيْنِ. كَانَ قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ أَظْهَرَ. قَوْلُهُ (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ. سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ أَوْ مِنْ مِلْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ أَدِلَّةَ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَغَيْرَهُ ظَهَرَ لَهُ ضَعْفُ الْمَسْأَلَةِ،

وَأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ لِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ. قَالَ: وَسَبَقَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّمْرِ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ: يُزَكِّيهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْعَسَلِ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ، فَدَلَّ أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ مِنْ الْمُبَاحِ [عِنْدَ أَحْمَدَ] وَقَدْ اعْتَرَفَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ الْقِيَاسُ، لَوْلَا الْأَثَرُ، فَيُقَالُ: قَدْ تَبَيَّنَ الْكَلَامُ فِي الْأَثَرِ، ثُمَّ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَعْنَى تَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ وَتُرِكَ الْقِيَاسُ. كَمَا تَعَدَّى فِي الْعَرَايَا إلَى بَقِيَّةِ الثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. انْتَهَى. فَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا: أَنَّ نِصَابَهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كَالزَّيْتِ. قَالَ: لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِيهِ، فَاعْتُبِرَ خَمْسَةُ أَمْثَالِهِ كَالْوَسْقِ. قَوْلُهُ (كُلُّ فَرَقٍ سِتُّونَ رَطْلًا) هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَالْمُبْهِجِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَرَقَ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَنَفَاهُ الْمَجْدُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلًا: أَنَّهُ مِائَةُ رَطْلٍ، قَالَ: وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَقِيلَ: نِصَابُهُ أَلْفُ رَطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي نَقَلَ أَبُو دَاوُد: مِنْ كُلِّ عَشْرٍ قِرَبٍ قِرْبَةٌ.

فَائِدَةٌ " الْفَرَقُ " تُفْتَحُ الرَّاءُ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ كَعْبٍ، وَهُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بِالسُّكُونِ فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَهُ الْخَلِيلُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا قَائِلَ بِهِ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ، كَالْمَنِّ، والترنجبين، والشيرخشك وَنَحْوِهَا، وَمِنْهُ اللَّادِنُ. هُوَ طَلٌّ وَنَدَا يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمِعْزَى، فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا فَيُؤْخَذُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، لِعَدَمِ النَّصِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ فِيهِ كَالْعَسَلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِيهِ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ، وَقِيلَ: عَدَمُهُ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَى الْوُجُوبِ: نِصَابُهُ كَنِصَابِ الْعَسَلِ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْعَسَلِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنْ الْأَثْمَانِ) فَفِيهِ الزَّكَاةُ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ: اسْتِخْرَاجُ نِصَابٍ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ، فَيَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَخَصَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْفُرُوعِ بِالْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ أَخْرَجَ نِصَابَ نَقْدٍ، وَعَنْهُ أَوْ دُونَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا: عُمُومُ الرِّوَايَةِ فِي الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِ الْمَعْدِنِ وَكَثِيرِهِ.

ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِهِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَعْدِنِ نِصَابٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَمَنْ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ " مُرَادُهُ: إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الذِّمِّيُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْ مَعْدِنٍ بِدَارِنَا، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَيْهِ يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَبْلَ بَيْعِهِ مَجَّانًا، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَلِكَ كَإِحْيَائِهِ الْمَوَاتَ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ زَكَّاهُ سَيِّدُهُ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ انْبَنَى عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ. فَائِدَةٌ: إذَا كَانَ الْمَعْدِنُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ إلَّا بِقَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ، فَقِيمَتُهُ تُخَمَّسُ بَعْدَ رُبُعِ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ (أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ) فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ، وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شِهَابٍ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (مِنْ الْجَوْهَرِ وَالصُّفْرِ وَالزِّئْبَقِ وَالْقَارِ وَالنَّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا) قَوْلُهُ: الْمَعْدِنُ الْمُنْطَبِعُ، وَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ، فَغَيْرُ الْمُنْطَبِعِ: كَالْيَاقُوتِ وَالْعَقِيقِ، وَالْبَنْغَشِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالْبِلَّوْرِ، وَالْمُومْيَا، وَالنُّورَةِ، وَالْمَغْرَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالسَّبْجِ، وَالْكِبْرِيتِ، وَالزِّفْتِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْيَشْمِ، وَالزَّاجِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَمْ أَسْمَعْ فِي مَعْدِنِ الْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُهُ التَّوَقُّفُ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ. قُلْت: ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: الزُّجَاجُ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَصْنُوعٌ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ الْمَعَادِنِ: الْمِلْحَ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الرُّخَامَ وَالْبِرَامَ وَنَحْوَهُمَا مَعْدِنٌ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ فِي مَجْلِسِ ذِكْرِ الْأَرْضِ: وَقَدْ أُحْصِيَتْ الْمَعَادِنُ، فَوَجَدُوهَا سَبْعَمِائَةِ مَعْدِنٍ. قَوْلُهُ (فَفِيهِ الزَّكَاةُ فِي الْحَالِ: رُبُعُ الْعُشْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: فِي الْمَعْدِنِ الْخُمُسُ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. قَوْلُهُ (مِنْ قِيمَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ شَيْخُ ابْنِ تَمِيمٍ: يُخْرِجُ مِنْ عَيْنِهِ، كَالْأَثْمَانِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ مِنْ عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا) . لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا زَادَهُ بَعْضُ مَنْ أَجَازَ لَهُ الْمُصَنِّفُ الْإِصْلَاحَ قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّى، وَقَالَ: إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ قِيمَتِهِ " إمَّا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَثْمَانِ مِنْ جِنْسِهِ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَثْمَانَ، وَأَجْنَاسُهَا كَثِيرَةٌ، فَغُلِّبَ الْأَكْثَرُ. انْتَهَى. قُلْت: الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْقِيمَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِي دُفْعَةٍ أَوْ دُفُعَاتٍ، مَا لَمْ يَتْرُكْ الْعَمَلَ بَيْنَهَا تَرْكَ إهْمَالٍ) ، مِثَالُهُ: لَوْ تَرَكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ لِإِصْلَاحِ آلَةٍ، أَوْ اسْتِرَاحَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ اشْتِغَالِهِ بِتُرَابٍ خَرَجَ بَيْنَ النِّيلَيْنِ، أَوْ هَرَبِ عَبِيدِهِ، أَوْ أَجِيرِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ سَفَرٌ يَسِيرٌ. انْتَهَى، فَلَا أَثَرَ لِتَرْكِ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي حُكْمِ اسْتِمْرَارِهِ فِي الْعَمَلِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ أَهْمَلَهُ وَتَرَكَهُ، فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمٌ [قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: وَجْهُ الْإِهْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَإِلَّا فَمَعْدِنٌ] . قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إذَا كَانَتْ أَثْمَانًا إلَّا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ. وَوَقْتُ وُجُوبِهَا إذَا أُحْرِزَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا بِظُهُورِهِ كَالثَّمَرَةِ بِصَلَاحِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَوَّلِينَ: اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَةِ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْسَبُ النِّصَابُ بَعْدَهَا. الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اُحْتُسِبَ بِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُحْتُسِبَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: اُحْتُسِبَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا يُحْتَسَبُ بِمَا عَلَى الزَّرْعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ، كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالزِّرَاعَةِ.

الثَّالِثَةُ: لَا يُضَمُّ جِنْسٌ مِنْ الْمَعْدِنِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُضَمُّ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَقِيلَ: يُضَمُّ إذَا كَانَتْ مُتَقَارِبَةً: كَقَارٍ، وَنِفْطٍ، وَحَدِيدٍ، وَنُحَاسٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ فِي الْمَعْدِنِ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: ضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي قِيمَتِهَا، فَاشْتَبَهَتْ الْفُرُوضُ. الرَّابِعَةُ: فِي ضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ الرِّوَايَتَانِ الِاثْنَتَانِ، نَقْلًا وَمَذْهَبًا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ مَعَادِنَ مُتَفَرِّقَةٍ: ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ كَالزَّرْعِ مِنْ مَكَانَيْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَ اثْنَانِ نِصَابًا فَقَطْ، فَإِخْرَاجُهُمَا لِلزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خُلْطَةِ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْخِلَافِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: زَكَّاهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ،

وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَصَيْدِ الْبَرِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَصُّ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ. فَائِدَةٌ: مَثَّلَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ: بِالْمِسْكِ وَالسَّمَكِ، فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْمِسْكُ بَحْرِيًّا، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ يَرَى فِيهِ الزَّكَاةَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. يُؤَيِّدُهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ فِي الْخِلَافِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّمَكُ وَالْمِسْكُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، فَقَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: فِي السَّمَكِ إذَا أَصَابَهُ صَاحِبُهُ: الزَّكَاةُ. شَبَّهَهُ بِالسَّمَكِ إذَا اصْطَادَهُ وَصَارَ فِي يَدِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا: لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَفَصَلَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالنَّاظِمُ: بَيْنَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَحْرُ، وَبَيْنَ الْمِسْكِ. كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ الْبَحْرِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَخَذَ مِمَّا قَذَفَهُ الْبَحْرُ مِنْ عَنْبَرٍ وَعُودٍ وَسَمَكٍ، وَقِيلَ: وَمِسْكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى، وَقَطَعَ فِي بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمِسْكِ. كَمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَنَّ الْمِسْكَ سُرَّةُ الْغَزَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: دَمُ الْغِزْلَانِ، وَقِيلَ: مِنْ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ لَهَا أَنْيَابٌ، فَيَكُونُ مَنْ مَثَّلَ بِالْمِسْكِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْ هُمْ قَائِلُونَ بِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا: لَا يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُخْرَجَ زَكَاةٌ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يَتَعَيَّنُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (لِأَهْلِ الْفَيْءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ زَكَاةٌ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْإِفْصَاحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: لِأَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ الْفَيْءِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ أَنْ يُخَمَّسَ كُلُّ أَحَدٍ وَجَدَ ذَلِكَ، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَيَجُوزُ لِمَنْ وَجَدَهُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ، كَمَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ زَكَاةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعْتَبَرُ فِي إخْرَاجِهِ النِّيَّةُ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ الرِّكَازُ كُلُّهُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ.

وَعَلَى الْقَوْلِ إنَّهُ زَكَاةٌ: لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ إنْ وَجَدَهُ عَبْدُهُ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ كَكَسْبِهِ، وَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَيُخْرِجُهُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا، وَصَحَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَوُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي التَّلْخِيصِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَمْ أَرَهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَجَعَلَا الْأَوَّلَ تَخْرِيجًا لَهُمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ [وَالرِّعَايَتَيْنِ] . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ، كَإِرْثِهَا أَوْ قَبْضِهَا مِنْ دَيْنٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الرِّكَاز وَالْعُشْرِ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. كَذَا الْحُكْمُ فِي صَرْفِ الْخُمُسِ إلَى وَاجِدِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ زَكَاةٌ فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ. ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَجُوزُ رَدُّ خُمُسِ الرِّكَازِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: خُمُسُ الرِّكَازِ فَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ، كَالْخَرَاجِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي الْأَقْيَسِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْفُرُوعِ.

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ رَدُّ خُمُسِ الْفَيْءِ فِي الْغَنِيمَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْغَنِيمَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ فِي الْفَيْءِ، وَذَكَرَ الْخَرَاجَ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِيهِ. الثَّالِثَةُ: الْمُرَادُ بِمَصْرِفِ الْفَيْءِ هُنَا: مَصْرِفُ الْفَيْءِ الْمُطْلَقِ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَصْرِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ) مُرَادُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَجِيرًا فِي طَلَبِ الرِّكَازِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُوجَدُ فِيهِ الرِّكَازُ، ذَكَرَهُ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ إنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ، أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا) وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالْإِحْيَاءِ، أَوْ فِي شَارِعٍ أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ، أَوْ مَسْجِدٍ، وَكَذَا لَوْ وَجَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهَا، أَوْ كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إلَيْهِ بِهِبَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ أَيْضًا) هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَجَزَمَ

بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِمَالِكِهَا أَوْ لِمَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ، يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ مَنْ انْتَقَلَتْ عَنْهُ: فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ، إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ: فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ كَذَلِكَ، إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ، فَيَكُونُ لَهُ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ لَا، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، فَانٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَلِبَيْتٍ الْمَالِ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَكُونُ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوَّلَ: فَهُوَ لِوَاجِدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ قَبْلَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ: فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ لِوَاجِدِهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ وَحَلَفَ فَهُوَ لَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ ادَّعَاهُ وَاجِدُهُ فَهُوَ لَهُ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ لَهُ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: إنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ إرْثًا فَهُوَ مِيرَاثٌ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لِمَوْرُوثِهِمْ، فَهُوَ لِمَنْ قَبْلَهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَاحِدٌ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: مَتَى دَفَعَ إلَى مُدَّعِيهِ بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ: غَرِمَ وَاجِدُهُ بَدَلَهُ، إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا غَرِمَهُ الْإِمَامُ، لَكِنْ هَلْ هُوَ مِنْ مَالِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ [قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ] قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْإِمَامِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ إذَا خَمَّسَ رِكَازًا فَادَّعَى بِبَيِّنَةٍ: هَلْ لِوَاجِدِهِ الرُّجُوعُ، كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ؟ .

وَمِنْهَا: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَوْ وَجَدَ الرِّكَازَ فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، فَإِنْ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ، فَفِي دَفْعِهِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَنْهُ هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَنْهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ لُقَطَةً فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، فَوَاجِدُهَا أَحَقُّ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي اللُّقَطَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ هِيَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ بِدَعْوَاهُ بِلَا صِفَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْمُلْكِ. حَكَاهَا الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَجَدَ فِي الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ رِكَازًا أَوْ لُقْطَةً، عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ: أَحَقُّ بِاللُّقَطَةِ، فَلَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ: أَنَّهُ وَجَدَهُ أَوَّلًا. أَوْ أَنَّهُ دَفَنَهُ، فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكْرِي. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِمَا مِنْ وَصْفِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ، وَكَذَا لَوْ عَادَتْ الدَّارُ إلَى الْمُكْرِي، وَقَالَ: دَفَنَتْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي: أَنَا وَجَدْته، عِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَفْرِ شَيْءٍ أَوْ هَدْمِهِ، فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا.

وَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هُوَ لِلْأَجِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ: لِلْمَالِكِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لُقَطَةٌ، ثُمَّ قَالَا: وَعَنْهُ رِكَازٌ يَأْخُذُهُ وَاجِدُهُ، وَعَنْهُ رَبُّ الْأَرْضِ، وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، كَالطَّائِرِ وَالظَّبْيِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَمُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُمَا كَبَائِعٍ مَعَ مُشْتَرٍ. يُقَدَّمُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، إنْ كَانَ لُقَطَةً. نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِلَا صِفَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَنَصَرَهُ فِي الْخِلَافِ، وَعَنْهُ بَلَى، لِسَبْقِ يَدِهِ، قَالَ: وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ حَرْبِيٍّ مَلَكَهُ) . يَعْنِي أَنَّهُ رِكَازٌ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ غَنِيمَةٌ. خَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ مِنْ قَوْلِنَا: الرِّكَازُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِلْمَالِكِ، وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، مِمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ خَرَابَةٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي لَهُمْ مَنَعَةٌ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً، ` وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ: فِي الْمَدْفُونِ فِي دَارِ الْحَرْبِ: هُوَ كَسَائِرِ مَالِهِمْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ وُجِدَ بِدَارِهِمْ لُقَطَةٌ مِنْ مَتَاعِنَا: فَكَدَارِنَا، وَمِنْ مَتَاعِهِمْ: غَنِيمَةٌ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ تُعَرَّفُ حَوْلًا بِدَارِنَا، ثُمَّ تُجْعَلُ فِي الْغَنِيمَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ فِي اللُّقَطَةِ، فِي دَفِينٍ مَوَاتٍ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ: لُقَطَةٌ، وَإِلَّا رِكَازٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ دَارٍ وَدَارٍ، وَنَقَلَ إِسْحَاقُ: إذَا لَمْ تَكُنْ سِكَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَالْخُمُسُ، وَكَذَا جَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَا لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ رِكَازٌ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِالْمَدْفُونِ حُكْمًا الْمَوْجُودَ ظَاهِرًا كَجِرَابٍ جَاهِلِيٍّ، أَوْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ. قَوْلُهُ (وَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ كُفْرٍ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ أَيْضًا: فَهُوَ لُقَطَةٌ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ عَلَى بَعْضِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ: فَالْمَذْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لُقَطَةٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي إنَاءٍ نَقْدٍ، إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْعَجَمِ، فَهُوَ كَنْزٌ، وَمَا كَانَ مِثْلَ الْعِرْقِ فَمَعْدِنٌ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ.

باب زكاة الأثمان

[بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ] ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ. وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسُ دَرَاهِمَ) ، مُرَادُهُ: وَزْنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ: نِصَابُ الْأَثْمَانِ: هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي كُلِّ زَمَنٍ مِنْ خَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَكَذَا قَالَ فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَهُ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: " الْمِثْقَالُ " وَزْنُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزْنُهُ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ صِنْفَيْنِ " سَوْدَاءَ " زِنَةُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ، وَ " طَبَرِيَّةً " زِنَةُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ، فَجَمَعَهُمَا بَنُو أُمَيَّةَ وَجَعَلُوا الدِّرْهَمَ سِتَّةَ دَوَانِقَ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، فَرَأَى بَنُو أُمَيَّةَ صَرْفَهَا إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا، وَضَرَبُوا عَلَى وَزْنِهِمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: زِنَةُ كُلِّ مِثْقَالٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً، وَزِنَةُ كُلِّ دِرْهَمٍ إسْلَامِيٍّ: خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ وَخُمُسَا حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْمِثْقَالُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفُلُوسَ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ فِيمَا زَكَاتُهُ الْقِيمَةُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: الْحَلْوَانِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فَقَالَ: وَالْفُلُوسُ أَثْمَانٌ، وَلَا تُزَكَّى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَقِيلَ: إذَا كَانَتْ رَائِجَةً، وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ، إذَا كَانَتْ نَافِقَةً وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرِّبَا، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فِيهَا الزَّكَاةُ إذَا كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً، أَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا زَكَاةَ فِيهَا إنْ كَانَتْ لِلنَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ: قُوِّمَتْ كَعُرُوضٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَالْفُلُوسُ عُرُوضٌ، فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَهِيَ نَافِقَةٌ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالْفُلُوسُ ثَمَنٌ فِي وَجْهٍ، فَلَا تُزَكَّى، وَقِيلَ: سِلْعَةٌ، فَتُزَكَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: فِي وُجُوبِ رَائِجَةٍ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا: عَدَمُهُ، لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ إذَنْ، وَإِنْ قُلْنَا: عَرَضٌ فَلَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهَا، حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ مَا فِيهِ نِصَابًا) . يَعْنِي حَتَّى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحَكَى ابْنُ حَامِدٍ فِي شَرْحِهِ وَجْهًا: إنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: يُقَوَّمُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَكَّ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ) . يَعْنِي لَوْ شَكَّ: هَلْ فِيهِ نِصَابٌ خَالِصٌ؟ فَإِنْ لَمْ يَسْبِكْهُ اسْتَظْهَرَ، وَأَخْرَجَ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ مَعَ الشَّكِّ، هَلْ هُوَ نِصَابٌ أَمْ لَا؟ .

فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ مِنْ الْمَغْشُوشِ أَكْثَرُ مِنْهُ نِصَابٌ خَالِصٌ، لَكِنْ شَكَّ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَغْشُوشُ وَزْنَ أَلْفٍ ذَهَبًا، وَفِضَّةً سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْأُخْرَى. زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً، وَإِنْ لَمْ يُجْزِ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ. زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةٍ فِضَّةً. الثَّانِيَةُ: إذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ قَدْرِ غِشِّهِ، فَضَعْ فِي مَاءٍ ذَهَبًا خَالِصًا بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ قَدْرَ عُلُوِّ الْمَاءِ، ثُمَّ ارْفَعْهُ، ثُمَّ ضَعْ فِضَّةً خَالِصَةً بِوَزْنِ الْمَغْشُوشِ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ. ثُمَّ ضَعْ الْمَغْشُوشَ وَعَلِّمْ عُلُوَّ الْمَاءِ، ثُمَّ امْسَحْ مَا بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا وَمَا بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى، فَإِنْ كَانَ الْمَمْسُوحَانِ سَوَاءً: فَنِصْفُ الْمَغْشُوشِ ذَهَبٌ، وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ، وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَبِحِسَابِهِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ: أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ، كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَغْشُوشَةَ مِنْهَا، فَإِنْ عَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ فِي كُلِّ دِينَارٍ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ، فَيُخْرِجَ قَدْرَ الزَّكَاةِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا غَشَّ فِيهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَإِنْ أَسْقَطَ الْغِشَّ وَزَكَّى عَلَى قَدْرِ الذَّهَبِ جَازَ، وَلَا زَكَاةَ فِي غِشِّهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ فِضَّةً وَلَهُ مِنْ الْفِضَّةِ مَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابًا، أَوْ نَقُولُ بِرِوَايَةِ ضَمِّهِ إلَى الذَّهَبِ. زَادَ الْمَجْدُ: أَوْ يَكُونُ غِشُّهَا لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَيُخْرِجُ مِنْ الْجَيِّدِ الصَّحِيحَ مِنْ جِنْسِهِ) هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ مُكَسَّرًا أَوْ بَهْرَجَاءَ وَهُوَ الرَّدِيءُ زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ مَغْشُوشًا مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ الْمَغْشُوشُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ الْمِثْلُ، اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِي غَيْرِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً، وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ جِيَادٍ بَهْرَجًا بِقِيمَةِ جِيَادٍ: فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ، وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَخْرَجَ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ بِمَا عَيَّنَهُ لَا مِنْ جِنْسِهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يُخْرِجُ عَنْ جَدِيدٍ صَحِيحٍ وَرَدِيءٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ أَخْرَجَ مِنْ الْوَسَطِ كَالْمَاشِيَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْلَى مِنْ الْأَدْنَى، أَوْ مِنْ الْوَسَطِ وَزَادَ قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ وَتَعْلِيلُهُمْ أَنَّهَا كَمَغْشُوشٍ عَنْ جَيِّدٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَعْلَى بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَزْنِ لَمْ يُجْزِهِ، وَيُجْزِئُ قَلِيلُ الْقِيمَةِ عَنْ كَثِيرِهَا مَعَ الْوَزْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَزِيَادَةُ قَدْرِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، أَوْ يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. أَمَّا ضَمُّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الضَّمُّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْقَاضِي، وَوَلَدُهُ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي

خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ. انْتَهَى. قُلْت: وَنَصَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْهَادِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُضَمُّ. قَالَ الْمَجْدُ: يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهَا أَخِيرًا وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مَعَ اخْتِيَارِهِ فِي الْحُبُوبِ الضَّمَّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُضَمُّ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَهَذَا يَكُونُ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَأَمَّا إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ. قَالَ فِي، الْفَائِقِ: وَيَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَنَصَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، كَمَا اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمِّ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هُنَا، وَخَالَفَاهُ فِي الضَّمِّ، فَاخْتَارَا جَوَازَهُ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ، وَلَمْ يُصَحِّحَا شَيْئًا فِي الضَّمِّ، وَصَحَّحَ فِي الْفَائِقِ عَدَمَ الضَّمِّ، وَصَحَّحَ جَوَازَ إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الضَّمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ انْتَهَى.

قُلْت: بَنَاهُمَا عَلَى الضَّمِّ فِي الْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهَلْ يُجْزِئُ مُطْلَقًا إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ عَمَّا يُضَمُّ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ: قُلْت: إنْ جُعِلَتْ ثَمَنًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي إجْزَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ إذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ إجْزَاءُ الْفُلُوسِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَنْهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْحِسَابِ، مَعَ الضَّمِّ، وَقِيلَ: وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا، وَفِي إجْزَاءِ الْفُلُوسِ عَنْهَا إذَنْ مَعَ الْإِخْرَاجِ الْمَذْكُورِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَيَكُونُ الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: بِالضَّمِّ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الضَّمَّ يَكُونُ بِالْأَجْزَاءِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: بِالْقِيمَةِ فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ، يَعْنِي يُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْ الْقَاضِي أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَحَظَّ لِلْمَسَاكِينِ.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا ضَمَّ إلَيْهِ مَا نَقَصَ عَنْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ يَكُونُ الضَّمُّ بِالْقِيمَةِ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ إلَى وَزْنِ الْآخَرِ، فَيُقَوَّمُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَعَنْهُ يُضَمُّ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا إلَى الْأَكْثَرِ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَيُقَوَّمُ بِقِيمَةِ الْأَكْثَرِ، نَقَلَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: فِي فَوَائِدِ الْخِلَافِ: لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ: ضُمَّا. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا دُونَ مِائَةِ دِرْهَمٍ: ضُمَّا، عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ ثَمَانِيَةً، قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ: ضُمَّا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الضَّمِّ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ. الثَّانِيَةُ: يُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ إلَى رَدِيئِهِ وَيُضَمُّ مَضْرُوبُهُ إلَى تِبْرِهِ. قَوْلُهُ (وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ مَعَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ، ضَمَّ الْجَمِيعَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا. وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَصْلًا لِرِوَايَةِ ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اعْتَرَفَ الْمَجْدُ أَنَّ الضَّمَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ: فَيَلْزَمُ حَيْثُ التَّخْرِيجُ مِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الْفَرْقِ. قَالَ: وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَظُنُّهُ أَبَا الْمَعَالِي بْنَ مُنَجَّى بِأَنَّ مَا قُوِّمَ بِهِ الْعُرُوض، كَنَاضٍّ عِنْدَهُ، فَفِي ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَتُضَمُّ الْعُرُوض إلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

نِصَابًا أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَعُرُوضٌ، الْكُلُّ لِلتِّجَارَةِ: ضَمَّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ لِلتِّجَارَةِ: ضَمَّ الْعُرُوضَ إلَى إحْدَاهُمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ يُضَمُّ إلَيْهِمَا، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَزَادَ بَعْدَ الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ قُلْنَا: يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ نَظَرًا، وَعَنْهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا لَمْ يُعَرْ وَلَمْ يُلْبَسْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ " زَكَاتُهُ عَارِيَّتُهُ " وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ جَوَابًا. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ " لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أُعِدَّ لِلُبْسِ الْمُبَاحِ أَوْ الْإِعَارَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَكَذَا لَوْ اتَّخَذَهُ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ، أَوْ امْرَأَةٍ تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ لِإِعَارَتِهِمْ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَهُوَ أَظْهَرُ، وَوَجَّهَ احْتِمَالًا لَا يُعْدَمُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْهَا، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: إنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ امْرَأَةٍ: فَفِي زَكَاتِهِ رِوَايَتَانِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَادًا، أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْحُلِيُّ لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ: فَلِوَلِيِّهِ إعَارَتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُعِيرِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ، قَالَ: فَهَذَانِ قَوْلَانِ، أَوْ أَنَّ هَذَا لِمَصْلَحَةِ مَالِهِ، وَيُقَالُ: قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الثَّوَابِ تَوَجَّهَ خِلَافٌ، كَالْقَرْضِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ. انْتَهَى. (وَالْآنِيَةُ، وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ أَوْ النَّفَقَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ، وَالْآنِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا مَا أُعِدَّ لِلنَّفَقَةِ. أَوْ مَا أُعِدَّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ الْقَنِيَّةِ أَوْ الِادِّخَارِ، وَحُلِيُّ الصَّيَارِفِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، وَقِيلَ: مَا اتَّخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ كُرِهَ، وَزُكِّيَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي، إلَّا فِيمَنْ اتَّخَذَ خَوَاتِيمَ، وَمُرَادُهُ: مَعَ نِيَّةِ لُبْسٍ أَوْ إعَارَةٍ، قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ اتِّخَاذَهُ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ فَقَطْ، فَالْمَذْهَبُ قَوْلًا وَاحِدًا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. انْتَهَى، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَعُمُدِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: لَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ، لَمْ يُعَدَّ لِلتَّكَسُّبِ بِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَأَمْكَنَ لُبْسُهُ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لُبْسُهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي إصْلَاحِهِ إلَى سَبْكٍ وَتَجَدُّدِ صَنْعَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَالصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا

وَذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهًا، فَقَالَ: مَا لَمْ يَنْوِ كَسْرَهُ فَيُزَكِّيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يُزَكِّيهِ، وَلَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ إصْلَاحٍ وَلَا غَيْرَهَا، وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ صَنْعَةٍ: فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: فِيهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اللُّبْسِ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَحَكَى ابْنُ تَمِيمٍ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الْكَسْرُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اللُّبْسِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ، وَ " لَا " زَائِدَةٌ غَلَطٌ. انْتَهَى. قُلْت: إنْ أَرَادَ أَنَّ ابْنَ تَمِيمٍ زَادَ " لَا " فَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْمُبْهِجِ فِي نُسَخٍ مُعْتَمَدَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُبْهِجِ زَادَ " لَا " غَلَطًا مِنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ؟ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِد الْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْكَسْرَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ اللُّبْسِ، فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَكَذَا هَذَا. قَوْلُهُ (وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِهِ) إلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ الصِّنَاعَةِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ: الِاعْتِبَارُ فِي النِّصَابِ فِيهِ: بِوَزْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ فِي فُصُولِهِ، وَحَكَى رِوَايَةً. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُحَرَّمُ اتِّخَاذُهُ، وَتُضْمَنُ صَنْعَتُهُ بِالْكَسْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ، إذَا كَانَ مُبَاحًا. وَبِوَزْنِهِ إذَا كَانَ مُحَرَّمًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ تَحَلَّى الرَّجُلُ بِحُلِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا حُلِيَّ الْآخَرِ قَاصِدًا لُبْسَهُ، أَوْ اتَّخَذَ أَحَدُهُمَا مَا يُبَاحُ لِمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، أَوْ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ لِإِبَاحَةِ الصَّنْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ فِي الْبُلْغَةِ فِي حُلِيِّ الْكِرَاءِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ، دُونَ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لِلتِّجَارَةِ، فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ مَعَهُ نَقْدٌ مُعَدٌّ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ عَرَضٌ يُقَوَّمُ بِالْأَجْزَاءِ إنْ كَانَ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَذَا ظَاهِرُ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَالْأَثْرَمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ: فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ هَذَا مِنْ كَلَامِ وَلَدِهِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي بَعْضَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ إذَا كَانَ النَّقْدُ عَرَضًا. قَوْلُهُ (إلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ) الْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مُبَاحِ الصِّنَاعَةِ فِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ " إذَا أَخْرَجَ عَنْ صِحَاحٍ مُكَسَّرَةً يُعْطِي مَا بَيْنَهُمَا " فَاعْتَبَرَ الصَّنْعَةَ دُونَ الْوَزْنِ، كَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ فِي الْإِخْرَاجِ إنْ اُعْتُبِرَتْ فِي النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي النِّصَابِ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْإِخْرَاجِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: إنْ أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا، أَوْ مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جُودَتَهُ زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ، وَإِنْ جَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ بِزِيَادَةٍ فِي الْمُخْرَجِ فَكَمُكَسَّرَةٍ عَنْ صِحَاحٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْقِيمَةُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْكَسْرِ وَلَا يُخْرِجُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. كَذَا السَّبَائِكُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ) اتِّخَاذُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ مُبَاحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي بَابِ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي بَابِ اللِّبَاسِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ الْخَوَاتِيمِ: قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: النَّهْيُ عَنْ الْخَاتَمِ لِيَتَمَيَّزَ السُّلْطَانُ بِمَا يَخْتِمُ بِهِ، فَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ إلَّا لِلسُّلْطَانِ. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ: اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ، وَجَزَمُوا فِي بَابِ الْحُلِيِّ بِإِبَاحَتِهِ، وَظَاهِرُهُ: التَّنَاقُضُ، أَوْ يَكُونُ مُرَادُهُمْ فِي بَابِ الْحُلِيِّ: إخْرَاجَ الْخَاتَمِ مِنْ التَّحْرِيمِ لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا أَوْلَى. فَوَائِدُ. مِنْهَا: الْأَفْضَلُ لِلَابِسِهِ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي كَفِّهِ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي

ظَهَرَ كَفِّهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ كَانَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: جَوَازُ لُبْسِهِ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى، وَالْأَفْضَلُ فِي لُبْسِهِ فِي إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " هُوَ أَقْرَبُ وَأَثْبَتُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي آدَابِهِ الْمَنْظُومَةِ: وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى، وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ: أَنَّ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: الْيُمْنَى أَفْضَلُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ [فَلِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ] ، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لُبْسُهُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرَّجُلِ، نَصَّ عَلَيْهِ. لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. قُلْت: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يُقَيِّدُوا الْكَرَاهَةَ فِي اللُّبْسِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلرِّجَالِ. بَلْ أَطْلَقُوا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ. انْتَهَى. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.

وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ لُبْسِهِ فِي الْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْخِنْصَرُ أَفْضَلَ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْإِبْهَامُ مِثْلُ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. يَعْنِي فِي الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مِنْ عِنْدِهِ، فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: بِالْفَرْقِ لَكَانَ مُتَّجَهًا. لِمُجَاوَرَتِهَا لِمَا يُبَاحُ التَّخَتُّمُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْإِبْهَامِ لِبُعْدِهِ وَاسْتِهْجَانِهِ، وَمِنْهَا: لَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا وَأَكْثَرَ، مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ يُسَنُّ جَعْلُهُ دُونَ مِثْقَالٍ، وَتَابَعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْآدَابِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَحَلِّيَ النِّسَاءِ بِمَا زَادَ عَلَى أَلْفِ مِثْقَالٍ: أَنْ يُمْنَعَ الرَّجُلُ مِنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إذَا زَادَ عَلَى مِثْقَالٍ وَأَوْلَى. لِوُرُودِ النَّصِّ هُنَا، وَثَمَّ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، بَلْ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ، أَوْ مَنَاطِقَ: لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ، أَوْ عَبْدِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: فَهَذَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى مَنْع لُبْسِ أَكْثَرِ مِنْ خَاتَمٍ وَاحِدٍ. لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، وَهَذَا قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: لَا زَكَاةَ فِي كُلِّ حُلِيٍّ أُعِدَّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِرَجُلٍ كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُخَرَّجُ جَوَازُ لُبْسِ خَاتَمَيْنِ فَأَكْثَرَ جَمِيعًا.

وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِالْعَقِيقِ، عِنْدَ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْآدَابِ. وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَقَدْ سَأَلَهُ مَا السُّنَّةُ؟ يَعْنِي فِي التَّخَتُّمِ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ خَوَاتِيمُ الْقَوْمِ إلَّا فِضَّةً. قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا ابْنُ رَجَبٍ، وَأَعَلَّهَا فِي كِتَابِهِ. وَمِنْهَا: فَصُّ الْخَاتَمِ إنْ كَانَ ذَهَبًا، وَكَانَ يَسِيرًا، فَإِنْ قُلْنَا: بِإِبَاحَةِ يَسِيرِ الذَّهَبِ، فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ إبَاحَتِهِ، فَهَلْ يُبَاحُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ أَيْضًا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ مِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمَجْدِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ: قُرْآنٌ، أَوْ غَيْرُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِذَلِكَ، فَلَا كَرَاهَةَ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ فِي الْكَرَاهَةِ دَلِيلًا إلَّا قَوْلَهُ: لِدُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالْكَرَاهَةُ تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ: كِتَابَةُ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حِينَ قَالَ لِلنَّاسِ «إنِّي اتَّخَذْت خَاتَمًا، وَنَقَشْت فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِي» لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ نَقْشِهِمْ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لَا عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي

الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ: لَا يُكْرَهُ غَيْرُ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَذِكْرِ رَسُولِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَى الْخَاتَمِ صُورَةَ حَيَوَانٍ. بِلَا نِزَاعٍ لِلنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ. لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ لُبْسُهُ، أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فِي آخِرِ الْفُصُولِ، وَحَكَاهُ أَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثِّيَابِ وَالْخَوَاتِمِ، وَذَكَرَ النَّصَّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ. ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَكِيمٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ وَمِنْهَا: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ إِسْحَاقُ، وَنَقَلَ مُهَنَّا " أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ ". إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَالْأَثْرَمُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: تَحْرِيمُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ مَتَى صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ صُفْرٍ: أَعَادَ الصَّلَاةَ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: الدُّمْلُوجُ الْحَدِيدُ، وَالْخَاتَمُ الْحَدِيدُ: نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُمَا، وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَجُوزُ دُمْلُوجٌ مِنْ حَدِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْخَاتَمُ، وَنَحْوُهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ الرَّصَاصَ لَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا وَلَهُ رَائِحَةٌ. قَوْلُهُ (وَفِي حِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ،

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُبَاحُ حِلْيَةُ الْمِنْطَقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُبَاحُ، فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ وَالْحَمَائِلُ) ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَدْ حَكَى فِي الْكَافِي عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَمَائِلِ. وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْخُفِّ وَالرَّانِ، فَفِيهِمَا الزَّكَاةُ. كَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُ فِي الكمران وَالْخَرِيطَةِ، وَمَنَعَ الْقَاضِي مِنْ حَمَائِلِ السَّيْفِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشَعِيرَةِ السِّكِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَظْهَرُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ بِالْفِضَّةِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ عَنْ عَدَمِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَخَلَ فِي الْخِلَافِ تِرْكَاشُ النُّشَّابِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلَالِيبُ. لِأَنَّهُمَا يَسِيرٌ تَابِعٌ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ أَوَّلَ بَابِ الْآنِيَةِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا يُبَاحُ تَحْلِيَةُ الْمَرَاكِبِ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ، كَاللُّجُمِ وَقَلَائِدِ الْكِلَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى تَحْرِيمِ حِلْيَةِ الرِّكَابِ وَاللِّجَامِ، وَقَالَ: مَا كَانَ سَرْجٌ وَلِجَامٌ زُكِّيَ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ، والكمران، وَالْمِرْآةِ، وَالْمُشْطِ، وَالْمُكْحُلَةِ، وَالْمِيلِ، وَالْمِسْرَجَةِ، وَالْمِرْوَحَةِ، وَالْمِشْرَبَةِ، وَالْمُدْهُنِ، وَكَذَا الْمُسْعُطُ، وَالْمِجْمَرُ، وَالْقِنْدِيلُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قِيلَ. وَلَا فَرْقَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَكْرَهُ رَأْسَ الْمُكْحُلَةِ وَحِلْيَةَ الْمِرْآةِ فِضَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ تَافِهٌ، فَأَمَّا الْآنِيَةُ: فَلَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ لَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُضَبَّبِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي حِلْيَةِ جَمِيعِ الْأَوَانِي كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ مَسْجِدٍ وَمِحْرَابٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ قِنْدِيلُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَيَحْرُمُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ، فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ. انْتَهَى. وَيَحْرُمُ أَيْضًا: تَمْوِيهُ سَقْفٍ وَحَائِطٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ الْخِلَافُ السَّابِقُ عَلَى إبَاحَتِهِ تَبَعًا. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَحْرُمُ، وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَزَكَاتُهُ، وَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَذَهَابِ الْمَالِيَّةِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ

إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِيهِ: وَلَا أَعْرِفُ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْفِضَّةِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا لِلرِّجَالِ، إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ انْتَهَى، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِذَا أَبَاحَتْ السُّنَّةُ خَاتَمَ الْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، وَالتَّحْرِيمُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَرَدَّ جَمِيعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَانَ فِي سَيْفِ عُمَرَ سَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَ فِي سَيْفِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْجَوَازَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَعَنْهُ لَا يُبَاحُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. تَنْبِيهٌ: حَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ: عَدَمَ الْإِبَاحَةِ احْتِمَالًا، وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. كَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ الْإِبَاحَةَ بِالْيَسِيرِ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ثَمَانِيَةُ مَثَاقِيلَ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَتِهِ فِي السَّيْفِ، وَتَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سَيْفِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ الذَّهَبُ فِي السِّلَاحِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

وَقِيلَ: كُلُّ مَا أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ، أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِذَهَبٍ. كَذَا تَحْلِيَةُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ بِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ، تَبَعًا لَا مُفْرَدًا، كَالْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ يَسِيرُهُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَقِيلَ: ضَرُورَةً. قُلْت: أَوْ حَاجَةً لَا ضَرُورَةً. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْآنِيَةِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ) ، كَالطَّوْقِ، وَالْخَلْخَالِ، وَالسِّوَارِ، وَالدُّمْلُوجِ، وَالْقُرْطِ، وَالْعِقْدِ، وَالْمُقَلَّدَةِ، وَالْخَاتَمِ، وَمَا فِي الْمُخَانِقِ مِنْ حَرَائِزَ وَتَعَاوِيذَ، وَأُكَرَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. حَتَّى قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: وَتَاجٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُطْلَقًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: إذَا بَلَغَ أَلْفًا، فَهُوَ كَثِيرٌ، فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الذَّهَبِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ. كَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَلْفُ مِثْقَالٍ كَثِيرٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَنْهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ كَثِيرٌ، وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَاحُ الْمُعْتَادُ. لَكِنْ

إنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لِسَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ كُرِهَ وَزُكِّيَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمَرْأَةِ بِدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مُعَرَّاةٍ وَفِي مُرْسَلَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا بِذَلِكَ، فَعَلَيْهَا الزَّكَاةُ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ. قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ: فِي حِنْثِهِ وَجْهَيْنِ، جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: الْحِنْثَ، فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَمَنْ كَانَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حُلِيًّا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا حِنْثَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا زَكَاةَ فِي الْجَوْهَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ. وَلَوْ كَانَ فِي حُلِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ، فَيُقَوَّمُ جَمِيعُهُ تَبَعًا، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيِّ جَوْهَرٍ، وَعَنْهُ وَلُؤْلُؤٍ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ أَوْ سَرَفٍ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ لِلْكِرَاءِ فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ. الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ لِلتَّشَبُّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ بِذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَمَرَّتْ بِهِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا قَبَاءٌ، فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ. قُلْت: تَكْرَهُهُ؟ قَالَ: كَيْفَ لَا أَكْرَهُهُ جِدًّا. وَقَدْ «لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» . قَالَ: وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ جَيْبِ الرِّجَالِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ فِي لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْعِمَامَةَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ إنْكَارُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَكْسِهِ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد " وَلَا يُلْبِسُ خَادِمَتَهُ شَيْئًا مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ. لَا يُشَبِّهُهَا بِهِمْ " وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يُخَاطُ لَهَا مَا كَانَ لِلرَّجُلِ وَعَكْسُهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ وَلَا يَحْرُمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، مَعَ جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ لِيَلْبَسَهُ، مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ الَّذِي عَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: تَكْرَهُ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا بِلِبَاسِ الْآخَرِ لِلتَّشَبُّهِ.

باب زكاة العروض

[بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ] ِ قَوْلُهُ (وَتُؤْخَذُ مِنْهَا لَا مِنْ الْعُرُوضِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ عَيْنِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ بِهَا، فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ، أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقِنْيَةِ، ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ. لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي وَالْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْأَصْلِ، كَنِيَّةِ إسَامَةِ الْمَعْلُوفَةِ، وَنِيَّةِ الْحَاضِرِ لِسَفَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ أَنَّ الْعَرَضَ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا مَلَكَهُ الْمُعَاوَضَةُ، فَحُصُولُهُ بِالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ كَالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِعِوَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ

وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْمُعَاوَضَةُ سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ، كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ لَا، كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهِمَا: لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِعِوَضٍ. أَشْبَهَ الْمَوْرُوثَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ بِلَا عِوَضٍ، كَوَصِيَّةٍ وَهِبَةٍ مُطْلَقَةٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ، أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالِيٍّ، كَدِيَةٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ زَادَ فِي الْكُبْرَى أَوْ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِلَا عَقْدٍ، كَرَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ فَسْخٍ، أَوْ أَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ فَوَجْهَانِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْعِوَضِ نَقْدًا. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيمَا إذَا مَلَكَ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِغَرَضِ قِنْيَةٍ لَا زَكَاةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهِيَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَخْرُجُ مِنْهَا اعْتِبَارُ كَوْنِ بَدَلِهِ نَقْدًا أَوْ عَرَضَ تِجَارَةٍ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَعْنَى " نِيَّةِ التِّجَارَةِ " أَنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ بِهِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ لَا بِإِتْلَافِهِ، أَوْ مَعَ اسْتِبْقَائِهِ، فَإِذَا اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَيَبْقَى، كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ عَرَضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُهُ عِنْدَ حَوْلِهِ. كَذَا لَوْ اشْتَرَى دَبَّاغٌ مَا يَدْبُغُ بِهِ، كَعَفْصٍ وَقَرْضٍ، وَمَا يُدْهَنُ بِهِ، كَسَمْنٍ وَمِلْحٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا زَكَاةَ فِيمَا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ، كَالْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَالْقُلِّ وَالنُّورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِي آلَاتِ الصَّبَّاغِ، وَأَمْتِعَةِ النَّجَّارِ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِ وَالسَّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بَيْعَهَا بِمَا فِيهَا، وَكَذَا آلَاتُ الدَّوَابِّ إنْ كَانَتْ لِحِفْظِهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْعُهَا مَعَهَا فَهِيَ مَالُ تِجَارَةٍ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا مَلَكَهُ عَيْنَ مَالٍ. بَلْ مَنْفَعَةُ عَيْنٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ. عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ فِيهِ كَمَا لَوْ نَوَاهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ عَرَضَ قِنْيَةٍ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ نَاوِيًا التِّجَارَةَ. صَارَ لِلتِّجَارَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرَضِ قِنْيَةٍ، فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ: انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَمِثْلُهُ: لَوْ بَاعَ عَرَضَ تِجَارَةٍ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ فَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ تِجَارَةٍ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ صَارَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَلَوْ اتَّخَذَ عَصِيرًا لِلتِّجَارَةِ فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ: عَادَ حُكْمُ التِّجَارَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ مَاشِيَةُ التِّجَارَةِ فَدَبَغَ جُلُودَهَا وَقُلْنَا: تَطْهُرُ فَهِيَ عَرَضُ تِجَارَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا. الْخَامِسَةُ: تَقْطَعُ نِيَّةُ الْقِنْيَةِ حَوْلَ التِّجَارَةِ، وَتَصِيرُ لِلْقِنْيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ كَالْإِقَامَةِ مَعَ السَّفَرِ، وَقِيلَ: لَا تَقْطَعُ إلَّا الْمُمَيِّزَةُ، وَقِيلَ: لَا تَقْطَعُ نِيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ كَنَاوِ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهَا، فَفِي بُطْلَانِ أَهْلِيَّتِهِ لِلشَّهَادَةِ خِلَافٌ، ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَوْلُهُ (وَتُقَوَّمُ الْعُرُوض عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: تُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَبِالْأَحَظِّ.

وَعَنْهُ لَا يُقَوَّمُ نَقْدٌ بِنَقْدٍ آخَرَ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: لَا يُبْنَى حَوْلُ نَقْدٍ عَلَى حَوْلِ نَقْدٍ آخَرَ، فَيُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: مَا قَوَّمَهُ بِهِ لَا عِبْرَةَ بِتَلَفِهِ إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ. فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِنَقْصِهِ بَعْدَ تَقْوِيمِهِ وَلَا بِزِيَادَتِهِ إلَّا قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَإِنَّهُ كَتَلَفِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ تُؤَثِّرْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ كَنِتَاجِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ بِكُلِّ نَقْدٍ نِصَابًا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: يُقَوَّمُ بِفِضَّةٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اتَّجَرَ فِي الْجَوَارِي لِلْغِنَاءِ قَوَّمَهُنَّ سَوَاذِجَ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي الْخُصْيَانِ قَوَّمَهُمْ عَلَى صِفَتِهِمْ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْقِيمَةِ، وَهُوَ عَاصٍ بِذَلِكَ، بَلْ تَحْرِيمُ الْآنِيَةِ أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ. لِتَحْرِيمِهَا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَالْخِرَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ، وَمُرَادُهُ: التَّحْرِيمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَالْمُتَّخِذُ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَاصٍ، وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ " وَذَلِكَ مُصْطَلَحُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي إطْلَاقِهِمْ " الْكَرَاهَةَ " وَإِرَادَتِهِمْ التَّحْرِيمَ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي إرَادَةِ الْخِرَقِيِّ ذَلِكَ، وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي وَالْوَسِيلَةِ: ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ ضَمُّ الْعُرُوضِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّقْدَيْنِ، وَضَمُّ النَّقْدَيْنِ إلَى الْعُرُوضِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ وَنَحْوِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ) وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ لِلْقِنْيَةِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَبْنِي فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَبْنِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوْمِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ دُونَ التِّجَارَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِلْإِجْمَاعِ، وَتَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ، لَكِنْ إنْ نَقَصَ نِصَابُهُ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَ بِالْأَحَظِّ مِنْهُمَا لِلْفُقَرَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِي الْأَمْثِلَةِ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُزَكِّي النِّصَابَ لِلْعَيْنِ، وَالْوَقْصَ لِلْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: قَدَّمَ السَّابِقَ فِي حَوْلِ السَّائِمَةِ أَوْ التِّجَارَةِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ زَكَاتِهِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) كَأَرْبَعِينَ شَاةً. قِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْنِ، أَوْ دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَا

دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَدَّمُ مَا تَمَّ نِصَابُهُ، بَلْ يَغْلِبُ حُكْمُ مَا يَغْلِبُ إذَا اجْتَمَعَ النِّصَابَانِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ شَيْخِهِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأَرْبَعِينَ شَاةً عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ نِصَابُ السَّوْمِ وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. انْتَهَى. [تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ كُلَّ الْحَوْلِ] وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ حَوْلُ السَّوْمِ، فَأَمَّا إنْ سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ، فَلَا زَكَاةَ مُطْلَقًا، حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَبْلُغُ النِّصَابُ فِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ عِنْدَ حَوْلِهِ، فَإِذَا حَالَ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ، وَمَال إلَيْهِ، وَكَذَا حَكَى الْمُصَنِّفُ إذَا سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا إنْ نَقَصَ عَنْ نِصَابِ جَمِيعِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ زَكَاةُ السَّوْمِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. لِئَلَّا يَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ زَكَاةُ السَّوْمِ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَلَكَ سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ حَوْلٍ، ثُمَّ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ، اسْتَأْنَفَ حَوْلًا وَلَمْ يَبْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ سَبَبُ

الزَّكَاةِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَبَنَاهُ الْمَجْدُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا وُجِدَ نِصَابُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَ النَّخْلُ وَزُرِعَتْ الْأَرْضُ، فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ، وَيُزَكِّي الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ) . يَعْنِي إذَا اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: أَنَّ جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِي ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُزَكِّي الْجَمِيعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجُهُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ تَارَةً يَتَّفِقُ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَالْعُشْرِ فِي الْوُجُوبِ، بِأَنْ يَكُونَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرَةِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْأَصْلِ تَبْلُغُ نِصَابَ التِّجَارَةِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ، وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، مِثْلَ أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ، أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ يَتَّفِقَانِ، وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دُونَ نِصَابٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ السَّبْقِ هُنَا حُكْمُ مَا لَوْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ، وَسَبَقَ حَوْلُ

أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَحُكْمُ تَقْدِيمِ مَا كَمُلَ نِصَابُهُ هُنَا حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَ نِصَابَ أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَا: وَإِنْ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، أَوْ وُجِدَ نِصَابُ أَحَدِهِمَا فَكَمَسْأَلَةِ سَائِمَةِ التِّجَارَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ، وَتَقْدِيمُ مَا تَمَّ نِصَابُهُ. انْتَهَيَا. وَقِيلَ: يُزَكِّي عُشْرَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ إذَا سَبَقَ وُجُوبُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ سَبَقَ نِصَابُ الْعُشْرِ وَجَبَ الْعُشْرُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ الَّتِي لِلتُّجَّارِ، وَقَطَعَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّائِمَةِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: حَيْثُ أَخْرَجَ الْعُشْرَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى زَكَاةِ الْأَصْلِ، وَحَيْثُ أَخْرَجَ عَنْ الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُشْرٌ لِلزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا سَبَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ مَعَ إخْرَاجِهِ عَنْ الْجَمِيعِ زَكَاةَ الْقِيمَةِ. وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي الْكُلِّ، أَوْ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ إذَا اتَّفَقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ. الثَّانِي: فَعَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ: يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَى زَرْعٍ وَثَمَرٍ مِنْ الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَنْتَهِي وُجُوبُ الْعُشْرِ الَّذِي لَوْلَاهُ لَكَانَا جَارِيَيْنِ فِي حَوْلِ التُّجَّارِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَيْهِمَا الْحَوْلَ حَتَّى يُبَاعَا، فَيَسْتَقْبِلُ بِثَمَنِهِمَا الْحَوْلَ كَمَالِ الْقِنْيَةِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى مَالِ الْقِنْيَةِ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ، وَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا: اُعْتُبِرَ الْأَحَظُّ لِلْفُقَرَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِلْقِنْيَةِ فِي أَرْضِ التِّجَارَةِ: فَوَاجِبُ الزَّارِعِ الْعُشْرُ، وَوَاجِبُ الْأَرْضِ: زَكَاةُ الْقِيمَةِ، وَلَوْ زَرَعَ بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَرْضٍ قِنْيَةٍ: فَهَلْ يُزَكِّي الزَّرْعَ زَكَاةَ عُشْرٍ، أَوْ قِيمَةٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الثَّمَرُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ كَانَ الزَّرْعُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالْخَضْرَاوَاتِ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ لِتِجَارَةٍ وَعَبِيدُهَا أُجْرَةً: ضَمَّ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ إلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالرِّيحِ، وَقِيلَ: لَا يَضُمُّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ، فَارًّا مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الْخَامِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ، مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ تَخْرِيجًا مِنْ الْحُلِيِّ الْمُعَدِّ لِلْكِرَاءِ. السَّادِسَةُ: لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَا أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ، مِنْ عَرَضٍ وَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ، وَثِيَابٍ وَشَجَرٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْآلَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَالْقَوَارِيرِ وَنَحْوِهَا، الَّتِي لِلصُّنَّاعِ وَالتُّجَّارِ وَالسُّمَّانِ وَنَحْوِهِمْ. السَّابِعَةُ: لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا لِلتِّجَارَةِ بِأَلْفٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ: زَكَّاهُمَا وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ حَوْلِهِ بِأَلْفٍ: زَكَّى أَلْفًا وَاحِدَةً وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، فَأَخْرَجَاهَا مَعًا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ صَاحِبِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمُوهُ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُوَكِّلِ زَكَاةٌ، كَمَا لَوْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ، وَالْعَزْلُ يَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ، فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ أَعْتَقَهُ، وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: وَجَهِلَ السَّبْقَ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَهُوَ غَرِيبٌ حَسَنٌ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِخْرَاجِ صَاحِبِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ بَعْدَ قَضَاءِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَفَرَّقَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ حَقَّ الْمَالِكِ بِدَفْعِهِ. إذْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْآخَرِ، وَقِيلَ: لَا، كَالْجَاهِلِ مِنْهُمَا، وَالْفَقِيرِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُمَا فِي الْأَقْيَسِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الْأَوَّلِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ قَبْلَ ذَلِكَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ أَذِنَ غَيْرُ الشُّرَكَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ.

فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. لَكِنْ هَلْ يَبْدَأُ بِزَكَاتِهِ وُجُوبًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ أَوَّلًا. بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ زَكَاةِ الْآذِنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ نَفَلَ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَا فِي نَفْلِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ قَبْلَ أَدَائِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ وَنَذْرٌ. قَدَّمَ الزَّكَاةَ، فَإِنْ قَدَّمَ النَّذْرَ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَبْدَأُ بِمَا شَاءَ، وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِ النَّذْرِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَكَّلَ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا هُوَ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْوَكِيلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فِي ضَمَانِهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَكْثَرُ، اكْتِفَاءً بِمَا سَبَقَ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا: لَا يَضْمَنُ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ: أَنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ إلَى السَّاعِي، وَقَوْلُ مَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَى: أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا. الْخَامِسَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ، فَإِنْ وُجِدَ مَعَ السَّاعِي أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ، أَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ كَانَا دَفَعَا إلَيْهِ: فَلَا. تَنْبِيهٌ: سَبَقَ حُكْمُ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا زَكَاةَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ".

باب زكاة الفطر

[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بِالْمُكَلَّفِ بِالصَّوْمِ، وَحُكِيَ وَجْهٌ: لَا تَجِبُ فِي مَالِ صَغِيرٍ، وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ [وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ تَلْزَمُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ [وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا] وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ كَافِرٍ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ مُسْلِمٍ، فِي فِطْرَتِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَنِي الْخِلَافُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ: هَلْ هُوَ مُتَحَمِّلٌ أَوْ أَصِيلٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. إنْ قُلْنَا مُتَحَمِّلٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَصِيلٌ: لَمْ تَجِبْ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَهِيَ وَاجِبَةٌ " هَلْ تُسَمَّى فَرْضًا؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتَا فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَتَقَدَّمَتْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ: مِنْ مَسْكَنٍ، وَخَادِمٍ، وَدَابَّةٍ، وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلًا. كَذَا قَالَ. انْتَهَى.

قُلْت: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ الْأَوَّلَ قَوْلًا مُوجَزًا. تَنْبِيهٌ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ: الْكُتُبَ الَّتِي يَحْتَاجُهَا لِلنَّظَرِ وَالْحِفْظِ، وَالْحُلِيَّ لِلْمَرْأَةِ لِلُبْسِهَا، أَوْ لِكِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ. قَالَ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْوُجُوبِ. وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَانِعِ: أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَوَجَّهَ احْتِمَالًا: أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ، بِخِلَافِ الْحُلِيِّ لِلُبْسٍ، لِلْحَاجَةِ إلَى الْعِلْمِ وَتَحْصِيلِهِ. قَالَ: وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّ الْكُتُبَ تَمْنَعُ فِي الْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُلِيَّ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ، وَعَدَمُهُ، وَالْمَنْعُ فِي الْكُتُبِ دُونَ الْحُلِيِّ، فَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ: الْمَنْعُ وَعَدَمُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَحْتَاجُهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ: أَنْ يَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي بَقِيَّةِ الْأَبْوَابِ، لِتَسْوِيَةٍ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَضْيَقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ هُوَ كَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا) . يَعْنِي: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا: فِطْرَةُ قَرِيبِهِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَتَجِبُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ، كَبَعْضِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: أَخْرَجَهُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ كَالْكَفَّارَةِ، جَزَمَ بِهِ [فِي الْإِرْشَادِ] وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَخْرُجُ ذَلِكَ الْبَعْضُ، وَيَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَصِيرُ الْبَعْضُ كَالْمَعْدُومِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الْغَيْرُ جَمِيعَهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُهُ فِطْرَةُ مَنْ يَمُونُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) الزَّوْجَةَ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ أَقَارِبُ مُسْلِمُونَ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ:

هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ لَهُمْ أَمْ لَا؟ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَتَقَدَّمَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ عَبْدًا: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ؟ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُؤَدِّي عَنْ جَمِيعِهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ، ثُمَّ بِوَلَدِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الرَّقِيقَ عَلَى امْرَأَتِهِ. لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُخْرِجُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ قَوْلُهُ (ثُمَّ بِوَلَدِهِ، ثُمَّ بِأُمِّهِ، ثُمَّ بِأَبِيهِ) تَقْدِيمُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَحَدُ الْوُجُوهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ آخَرُونَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي [الْهَادِي] وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الْوَلَدُ مَعَ صِغَرِهِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ عَلَى الْوَلَدِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَالْهَادِي] وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الْأُمِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً. وَقِيلَ: بِتَسَاوِيهِمَا فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ الْقَرَابَةِ، وَلَمْ يَفْضُلْ سِوَى صَاعٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُوَزِّعُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ أَيِّهِمْ شَاءَ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْجَنِينِ، وَلَا تَجِبُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تَجِبُ: نَقَلَهَا يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهَا إذَا مَضَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ الْبَائِنِ الْحَامِلِ، إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا، وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْجَنِينِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِطْرَةُ الْجَنِينِ، إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ، فَلَوْ أَبَانَ حَامِلًا لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهَا إنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَهَا، وَفِي فِطْرَةِ حَمْلِهَا إذْن وَجْهَانِ، وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ، وَفِي أُمِّهِ إذَنْ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقِيلَ: تُسَنُّ فِطْرَتُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَهُ، وَتَجِبُ فِطْرَتُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِأُمِّهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ أَيْضًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْأَقْيَسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ. انْتَهَى. وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهَا تَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فِي شَهْرِ رَمَضَانَ " أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُونَهُ كُلَّ الشَّهْرِ، وَهُوَ

صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ إذَا مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا وَزَوْجَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ: وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الْعِيدِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت أَوْ نَزَلَ بِهِ قَبْلَ فَجْرِهَا، إنْ عَلَّقْنَا الْوُجُوبَ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا عَلَى الْمَنْصُوصِ: أَنَّهُ لَوْ مَانَهُ جَمَاعَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ، وَعَلَى قَوْل ابْنِ عَقِيلٍ: تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ مَانَهُ آخِرَ لَيْلَةٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ ظِئْرًا بِطَعَامِهِمَا لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ. قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِنْفَاقٍ. إنَّمَا هُوَ إيصَالُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ، أَوْ أَنَّ الْمَالَ لَا مَالِكَ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمُرَادُ مُعَيَّنٌ، كَعَبِيدِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْفَيْءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ وَاحِدٌ) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الظَّاهِرُ عَنْهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ رِوَايَةِ وُجُوبِ صَاعٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: قَالَ فَوْزَانِ: رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي عَنْ إيجَابِ صَاعٍ كَامِلٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْهِدَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَعَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) ، وَكَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، مِنْهُمْ أَوْ مِنْ وَرَثَةٍ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، أَوْ مَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ وَنَحْوِهِمْ، حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ الْعَبِيدِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقْلًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ أَلْحَقَتْ الْقَافَةُ وَلَدًا بِاثْنَيْنِ، فَكَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ: وَتَبِعَ ابْنُ تَمِيمٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعٌ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ خِلَافُهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَجَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وُجُوبُ الصَّاعِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لُزُومَ السَّيِّدِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْبَاقِي، وَيَأْتِي لَوْ كَانَ نَفْعُ الرَّقِيقِ لِوَاحِدٍ وَرَقَبَتُهُ لِآخَرَ: عَلَى مَنْ تَجِبُ فِطْرَتُهُ؟ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ هَايَأَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ سَيِّدُهُ بَاقِيَهُ: لَمْ تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَالصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ،

وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَمْ تَدْخُلْ الْفِطْرَةُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، فَعَلَى هَذَا: أَيُّهُمَا عَجَزَ عَمَّا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ قِسْطُهُ، كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قِسْطُهُ، فَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ نِصْفُهُ مَثَلًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ قُوتِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ كَانَ نَوْبَةَ سَيِّدِهِ: لَزِمَ الْعَبْدَ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: تَدْخُلُ الْفِطْرَةُ فِي الْمُهَايَأَةِ. بِنَاءً عَلَى دُخُولِ كَسْبٍ نَادِرٍ فِيهَا كَالنَّفَقَةِ. فَلَوْ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ نَوْبَةَ الْعَبْدِ وَعَجَزَ عَنْهَا: لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَمُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ الْفِطْرَةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت: تَلْزَمُهُ إنْ وَجَبَتْ بِالْغُرُوبِ فِي نَوْبَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ، وَإِنْ كَانَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ، وَعَجَزَ عَنْهَا: أَدَّى الْعَبْدُ قِسْطَ حُرِّيَّتِهِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ، كَمُوسِرَةٍ تَحْتَ مُعْسِرٍ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا، فَعَلَيْهَا، أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجِبَ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَالنَّفَقَةِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي: هَلْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ كَالنَّفَقَةِ، أَمْ لَا؟ كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ. يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى السُّقُوطُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.

وَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ تَرْجِعُ الْحُرَّةُ وَالسَّيِّدُ إذَا أَخْرَجَا عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ، كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا، كَفِطْرَةِ الْقَرِيبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ تَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْأَقْيَسِ إذَا أَيْسَرَ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ السَّيِّدِ: يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ فِي وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. بَحَثَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ غَيْرِهِ: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا، أَوْ أَصِيلًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَقَالَ: وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ غَيْرُ أَصِيلٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا، وَالْمُخْرَجُ عَنْهُ أَصِيلٌ، بَلْ هُوَ أَصِيلٌ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالنَّفَقَةِ، وَكَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ [قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا أَصَحّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. أَوْ أَنَّ السَّيِّدَ مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَقُلْنَا: نَفَقَةُ زَوْجَةِ عَبْدِهِ عَلَيْهِ فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ عِنْدَهُ لَيْلًا، وَعِنْدَ سَيِّدِهَا نَهَارًا، فَفِطْرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا. لِقُوَّةِ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي تَحَمُّلِ الْفِطْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ. فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَالنَّفَقَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ وُجُوبُ فِطْرَةِ قَرِيبِ الْمَكَاتِبِ وَزَوْجَتِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ زَوَّجَ قَرِيبَهُ، وَلَزِمَتْهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ غَائِبٌ أَوْ آبِقٌ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ) ، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةً [وَاحِدَةً] قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ لَا تَجِبُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِل أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَرْجِعُ، كَزَكَاةِ الدَّيْنِ وَالْمَغْصُوبِ. فَائِدَةٌ: يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ مَكَانَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَكَانَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشُكَّ فِي حَيَاتِهِ، فَتَسْقُطُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ، كَالنَّفَقَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فَتَلْزَمُهُ، لِئَلَّا تَسْقُطَ بِالشَّكِّ. قُلْت: وَهُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَالْأَصْلُ: عَدَمُ مَوْتِهِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ لِلْعَبْدِ الْآبِقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ عِتْقِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَخْرَجَ لِمَا مَضَى) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ لُزُومُهُ. وَقِيلَ: لَا يُخْرِجُ، وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ، وَقِيلَ: لَا يُخْرِجُ عَنْ الْقَرِيبِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِوُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ أَيْضًا لَهَا كَتَعَذُّرِهِ بِحَبْسٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ [قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ لَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَتُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ، فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُنْتَهَى، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، [قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَإِنْ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنِيَّتِهِ، فَوَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ، هَلْ يَكُونُ مُتَحَمِّلًا عَنْهُ أَوْ أَصِيلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَقَدَّمَا. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَالَ إنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الزَّوْجُ وَالْقَرِيبُ مُتَحَمِّلَانِ: جَازَ، وَإِنْ قُلْنَا هُمَا أَصِيلَانِ: فَلَا، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ عَدَمُ الْبِنَاءِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يُخْرِجْ مَنْ لَزِمَتْهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ: لَمْ يَلْزَمْ الْغَيْرَ شَيْءٌ وَلِلْغَيْرِ مُطَالَبَتُهُ بِالْإِخْرَاجِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ كَنَفَقَتِهِ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا، وَلَا افْتِرَاضُهَا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: الصَّوَابُ لَا، اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الْمُخْرِجِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ: هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: لَمْ تُجْزِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: إنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ مَالًا وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ فَفِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ، فَيُخْرِجُ الْعَبْدُ عَنْ عَبْدِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ.

وَقِيلَ: بَلْ تَسْقُطُ لِتَزَلْزُلِ مِلْكِهِ وَنَقْصِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَلَى الْوُجُوبِ إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ أَجْزَأَتْ. قُلْت: لَا تُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ كَسْبُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الشَّرْحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ يَمْنَعُ، سَوَاءٌ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ أَوْ لَا. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَنْهُ لَا يَمْنَعُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَمْتَدُّ وَقْتُ الْوُجُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَاخْتَارَ مَعْنَاهُ الْآجُرِّيُّ، وَعَنْهُ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَعَنْهُ يَمْتَدُّ الْوُجُوبُ إلَى أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ: لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ، وَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَجِبْ وَلَا تَسْقُطُ بَعْدُ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يَسْقُطُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ تَجِبْ الْفِطْرَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ مَتَى قَدَرَ، فَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ، وَعَنْهُ يُخْرِجُ إنْ أَيْسَرَ أَيَّامَ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: أَيَّامَ النَّحْرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: السِّتَّةَ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ إذَا قَدَرَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ: أَنَّهُ يُخْرِجُ. وَعَنْهُ تَجِبُ إنْ أَيْسَرَ يَوْمَ الْعِيدِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْفِطْرَةُ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَالْمُوصَى بِهِ عَلَى مَالِكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَكَذَا الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ، كَمَقْبُوضٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُفْسَخْ فِيهِ الْعَقْدُ، وَكَمَا لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بَعْدَ قَبْضِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَكَ عَبْدًا دُونَ نَفْعِهِ، فَهَلْ فِطْرَتُهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَالِكِ نَفْعِهِ، أَوْ فِي كَسْبِهِ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي نَفَقَتِهِ، الَّتِي ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ لَهُ، فَالصَّحِيحُ هُنَاكَ هُوَ الصَّحِيحُ هُنَا. هَذَا أَصَحُّ الطَّرِيقِينَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ. لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَحَكَوْا الْأُوَلَ قَوْلًا. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَتَقَدَّمَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَأْجَرًا، أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ ظِئْرًا: أَنَّ فِطْرَتَهُمَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ، عَلَى الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ: وَيَجُوزُ قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ، أَوْ

ثَلَاثَةٍ، وَقَطَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالنَّظْمِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِأَيَّامٍ، وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْإِرْشَادِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، كَالرِّوَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحُكِيَ رِوَايَةً. جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِشَهْرٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ، قَبْلَ الصَّلَاةِ، مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) . صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا، أَوْ قَدْرَهَا إنْ لَمْ يُصَلِّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تُخْرَجُ قَبْلَهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْأَفْضَلُ أَنْ تُخْرَجَ إذَا خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِمْ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى قَبْلَ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَى بَعْدِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ، وَيَكُونُ قَضَاءً، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ: وَهُوَ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: يُحْتَمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ " الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ الْجَوَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَثِمَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَأْثَمُ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ فَإِنْ أَخَّرَهَا؟ قَالَ: إذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ. قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ: صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْزَاءُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صَاحِبُ الْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: الصَّاعُ قَدْرٌ مَعْلُومٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَدْرُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ، فَيُؤْخَذُ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ، وَمِثْلُ مَكِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ التَّمْرِ. قُلْت: وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا يُخْرِجُهُ سِوَى الْبُرِّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الصَّاعُ بِالْعَدَسِ كَالْبُرِّ، وَقُلْت: بَلْ بِالْمَاءِ كَمَا سَبَقَ. انْتَهَى. وَيُحْتَاطُ فِي الثَّقِيلِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ (وَدَقِيقُهُمَا وَسَوِيقُهُمَا) يَعْنِي دَقِيقَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَسَوِيقَهُمَا، فَيُجْزِئُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ السَّوِيقُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَاعُ ذَلِكَ بِوَزْنِ حَبَّةٍ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِالْكَيْلِ لَنَقَصَ عَنْ الْحَبِّ، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْإِجْزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُنْخَلْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ إلَّا مَنْخُولًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلِهِ (وَمِنْ الْأَقِطِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. إحْدَاهُمَا: الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُجْزِئُ صَاعُ أَقِطٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ لِمَنْ يَقْتَاتُهُ دُونَ غَيْرِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْمَذْهَبِ، نَقَلَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَرْبَعَةِ، فَاخْتَلَفَ نَقْلُهُمْ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فَأَمَّا الْأَقِطُ: فَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، فَحَكَى اخْتِيَارَ أَبِي بَكْرٍ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ مُطْلَقًا، وَحَكَى فِي الْفُرُوعِ اخْتِيَارَهُ عَدَمَ الْجَوَازِ مُطْلَقًا.

فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُجْزِئُ اللَّبَنُ غَيْرُ الْمَخِيضِ وَالْجُبْنُ، أَوْ لَا يُجْزِئَانِ؟ أَوْ يُجْزِئُ اللَّبَنُ دُونَ الْجُبْنِ، أَوْ عَكْسُهُ؟ أَوْ يُجْزِئَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَيَيْنِ: الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إجْزَاءُ اللَّبَنِ، دُونَ الْجُبْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاَلَّذِي وُجِدَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ قَالَ " يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ صَاعُ لَبَنٍ؛ لِأَنَّ الْأَقِطَ رُبَّمَا ضَاقَ " فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجُبْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الْجُبْنُ أَوْلَى مِنْ اللَّبَنِ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ مُطْلَقًا، فَإِذَا عَدِمَهُ أَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ. قَالَ الْقَاضِي: إذَا عَدِمَ الْأَقِطَ وَقُلْنَا: لَهُ إخْرَاجُهُ جَازَ إخْرَاجُ اللَّبَنِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْأَقِطَ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ يُجْزِئُ وَأَخْرَجَ عَنْهُ اللَّبَنَ: أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْأَقِطَ مِنْ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ مُجَمَّدٌ مُجَفَّفٌ بِالْمَصْلِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ اللَّبَنُ بِحَالٍ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَقِطِ: لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ اللَّبَنِ مَعَ وُجُودِهِ، وَيُجْزِئُ مَعَ عَدَمِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُجْزِئُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي إذْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ يُجْزِئْهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: إجْزَاءُ أَحَدِ الْأَجْنَاسِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ غَيْرَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ " الْقِيمَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كُلُّ مَكِيلٍ مَطْعُومٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْزِئُهُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ مِثْلُ الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَعْدِمَهُ، فَيُخْرِجَ مِمَّا يَقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) . سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يَعْدِلُ عَنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ. (وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: يُخْرِجُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ يُقْتَاتُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا مُقْتَاتًا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا يَقُومُ مَقَامَهَا صَاعٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَمَعْنَاهُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: مِمَّا يَقْتَاتُ غَالِبًا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَبْدُوسٍ احْتِمَالٌ: لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْخَمْسَةِ

الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَتَبْقَى عِنْدَ عَدَمِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فِي ذِمَّتِهِ، حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى أَحَدِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا) ، كَحَبٍّ مُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ، وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَطَ الَّذِي يُجْزِئُ مَا لَا يُجْزِئُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُجْزِئْ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا، لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ وَلَوْ كَانَ مَا لَا يُجْزِئُ كَثِيرًا، إذَا زَادَ بِقَدْرِهِ لَكَانَ قَوِيًّا. الثَّانِيَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى تَنْقِيَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُخْرِجُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا خُبْزًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا ابْنَ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا قَوْلًا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ: لَوْ قِيلَ بِإِجْزَاءِ الْخُبْزِ فِي الْفِطْرَةِ: لَكَانَ مُتَوَجِّهًا، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، لِتَفَاوُتِ مَقْصُودِهَا، وَاتِّحَادِهِ. وَقَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى فِطْرَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقُلْت لَا يُخْرِجُ فِطْرَةَ عَبْدِهِ مِنْ جِنْسَيْنِ إذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ، وَاحْتِمَالٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ: لَا يُجْزِئُ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ. إلَّا أَنْ تُعَدَّ بِالْقِيمَةِ، وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ. قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُ الْمُخْرَجِ: التَّمْرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَلِفِعْلِ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً. قُلْت: وَالزَّبِيبُ يُسَاوِيهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَوْلَا الْأَثَرُ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَعِنْدِي: الْأَفْضَلُ أَعْلَى الْأَجْنَاسِ قِيمَةً وَأَنْفَعُ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ التَّمْرِ، وَقَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَهَا أَغْلَاهَا ثَمَنًا. كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا. قَوْلُهُ (ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ) ، وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ [وَهُوَ الْمَذْهَبُ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَعْدَ التَّمْرِ الزَّبِيبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمْرِ الْبُرُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَعَنْهُ الْأَقِطُ أَفْضَلُ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كَانَ قُوتَهُمْ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ مَا كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: الْأَفْضَلُ مَا كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ غَالِبًا وَقْتَ الْوُجُوبِ، لَا قُوتَهُ هُوَ وَحْدَهُ. انْتَهَى.

وَأَيَّهُمَا كَانَ أَعْنِي الزَّبِيبَ وَالْبُرَّ كَانَ أَفْضَلَ بَعْدَهُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ الْآخَرُ. ثُمَّ الشَّعِيرُ بَعْدَهُمَا. ثُمَّ دَقِيقُهُمَا، ثُمَّ سَوِيقُهُمَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ فِي بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ. لَكِنَّ الْأَفْضَلَ: أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: تَفْرِقَةُ الصَّاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: أَنْ لَا يَنْقُصَ الْوَاحِدُ عَنْ الصَّاعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لِلْمَشَقَّةِ، وَعَدَمِ نَقْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ فَرَّقَ فِطْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَفْرِيقَ الْفِطْرَةِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَعْطَى الْفَقِيرَ فِطْرَةً، فَرَدَّهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ: جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ حِيلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ، كَشِرَائِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

باب إخراج الزكاة

وَلَوْ حَصَلَتْ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَسَّمَهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، فَعَادَ إلَى إنْسَانٍ فِطْرَتُهُ: جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْضًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَنَصَرَهُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ كَشِرَائِهَا، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ، وَابْنِ رَزِينٍ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: جَائِزٌ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ، وَقِيلَ: فِي التَّحْرِيمِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الرِّكَازِ فَلْتُعَاوَدْ، وَلَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ جَازَ. قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّالِثَةُ: مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تُدْفَعُ إلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ. وَلَا تُصْرَفُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ وَالرِّقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: مَا أَحْسَنَ مَا كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُ: يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ، وَهَذَا تَبَرُّعٌ. [بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ] ِ قَوْلُهُ (لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا، مَعَ إمْكَانِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ. لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ كَالْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ (مَعَ إمْكَانِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا مِنْ النِّصَابِ لِغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَازَ التَّأْخِيرُ إلَى الْقُدْرَةِ. وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ إنْ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَلَمْ تَسْقُطْ بِالتَّلَفِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِضَرَرٍ عَلَيْهِ (مِثْلَ أَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ أَيْضًا لِحَاجَتِهِ إلَى زَكَاتِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا إلَيْهَا تَخْتَلُّ كِفَايَتُهُ وَمَعِيشَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَيْسَرَتِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِيُعْطِيَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ يَعْقُوبُ: لَا أُحِبُّ تَأْخِيرَهَا، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ قَوْمًا مِثْلَهُمْ فِي الْحَاجَةِ فَيُؤَخِّرُهَا لَهُمْ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَمُجَرَّدِهِ يَجُوزُ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَقَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لِيَتَحَرَّى الْأَفْضَلَ جَازَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْمَنْعُ، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِقَرِيبٍ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقُلْ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَ جَمَاعَةٌ الْمَنْعَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ [وَالْحَاوِيَيْنِ] وَالْفَائِقِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ فِي الْقَرِيبِ، وَلَمْ يُقَيِّدَاهُ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا التَّأْخِيرُ لِلْجَارِ كَالْقَرِيبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَ الْمَنْعَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

وَعَنْهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ قَرِيبَهُ كُلَّ شَهْرٍ شَيْئًا، وَحَمَلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى تَعْجِيلِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ، كَقَحْطٍ وَنَحْوِهِ جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى لُزُومِ فَوْرِيَّةِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدُ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمَانِ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: الْمَنْصُوصُ عَدَمُ لُزُومِ الْفَوْرِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بِهَا: أُخِذَتْ مِنْهُ، وَعُزِّرَ) ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهَا تَهَاوُنًا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ " أَوْ هَمْلًا " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ التَّعْزِيرَ. قُلْت: أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ فَعَلَهُ لِفِسْقِ الْإِمَامِ، لِكَوْنِهِ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا: لَمْ يُعَزَّرْ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. بَلْ لَوْ قِيلَ: بِوُجُوبِ كِتْمَانِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَكَانَ سَدِيدًا. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَعُزِّرَ " إذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَالْمُعَزِّرُ لَهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ عَامِلُ الزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَالُهُ بَاطِنًا عَزَّرَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْمُحْتَسِبُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ كَتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا، أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، وَقَدَّمَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا: يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِ مَالِهِ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ بِشَطْرِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ عَدَدٍ وَلَا سِنٍّ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا تَكَلُّفٌ ضَعِيفٌ، وَعَنْهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِثْلُهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ فَرَأَى الْإِمَامُ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ بِأَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: مَحَلُّ هَذَا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٍ: فِيمَنْ كَتَمَ مَالَهُ فَقَطْ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي: وَكَذَا قِيلَ: إنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا. الثَّانِي: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ عَدْلٍ فِيهَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ زِيَادَةً. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ الْأَخْذَ، كَمَسْأَلَةِ التَّعْزِيرِ السَّابِقَةِ. الثَّالِثُ: قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا لَمْ يَكْفُرْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ يَكْفُرُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ أَخْذُهَا: اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ وَإِلَّا قُتِلَ) . حُكْمُ اسْتِتَابَتِهِ هُنَا: حُكْمُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ، وَإِذَا قُتِلَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يُقْتَلُ كُفْرًا. فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَّا بِالْقِتَالِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً: لَا يَجِبُ قِتَالُهُ إلَّا مِنْ جَحْدِ وُجُوبِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ: مِنْ نُقْصَانِ النِّصَابِ أَوْ الْحَوْلِ، أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ، كَادِّعَائِهِ أَدَاءَهَا، أَوْ أَنَّ مَا بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ قَرِيبًا، أَوْ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ مُخْتَلِطٌ قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: يُسْتَحْلَفُ إنْ اُتُّهِمَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ رَأَى الْعَامِلُ أَنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ فَعَلَ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَقِيلَ: يَقْضِي عَلَيْهِ. قُلْت: فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُشْرَعُ.

قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ " لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ. قَوْلُهُ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ إنْ خَافَ أَنْ يُطَالَبَ بِذَلِكَ، كَمَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي، لَكِنْ يَعْلَمُهُ إذَا بَلَغَ وَعَقِلَ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ) . سَوَاءٌ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ أَوْ فِطْرَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ يُشْتَرَطُ أَمَانَتُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَهُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي، وَإِلَى الْإِمَامِ أَيْضًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا: زَكَاتُهُ يُخْرِجُ فِي الْأَيَّامِ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبَهَا وَفَاقَا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعُشْرَ، وَيَتَوَلَّى هُوَ تَفْرِيقَ الْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَزَوَالِ التُّهْمَةِ، وَعَنْهُ دَفْعُ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَيْهِ أَفْضَلُ، وَعَنْهُ دَفْعُ الْفِطْرَةِ إلَيْهِ أَفْضَلُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْفِطْرَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ إلَى الْإِمَامِ. وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ الْفَاسِقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا، إنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ كَتْمُهَا إذَنْ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَوَارِجِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَا نَظَرَ لَهُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ، إلَّا أَنْ يُبْذَلَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ الْقَاضِي: إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ أَوْ الْمُؤَذِّنُ لَهُ بِالْمَالِ عَلَى عَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ: أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ. قَالَ وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ طَلَّقَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ إخْرَاجُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إذَا طَلَبهَا إلَيْهِ، وَلَا يُقَاتَلُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الْخِلَافِ. قُلْت: صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ دَفْعُ الْبَاطِنَةِ بِطَلَبِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ جَوَّزَ الْقِتَالَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ: جَوَّزَهُ هُنَا، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إلَّا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: لَمْ يُجَوِّزْهُ. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارِ.

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ السُّعَاةَ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ لِقَبْضِ زَكَاةِ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوُجُوبُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَا يَجِبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ، وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ يُسْتَحَبُّ، وَيَجْعَلُ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْمُحَرَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ، وَمِنْهُ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ، فَإِنْ عَجَّلَ رَبُّهُ زَكَاتَهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَ ثِقَةً يَقْبِضُهَا ثُمَّ يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا، وَلَهُ جَعْلُ ذَلِكَ إلَى رَبِّ الْمَالِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثِقَةً، فَقَالَ الْقَاضِي: يُؤَخِّرُهَا إلَى الْعَامِ الثَّانِي، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يُعَجِّلْهَا، فَإِمَّا أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي، وَإِذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَرَّقَهَا فِي مَكَانِهَا وَمَا قَارَبَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ حَمَلَهُ، وَلَهُ بَيْعُ مَالِ الزَّكَاةِ: لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، وَصَرْفُهُ فِي الْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ حَاجَتِهِمْ، حَتَّى فِي أُجْرَةِ مَسْكَنٍ، وَإِنْ بَاعَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي عَلَى الْبَيْعِ إنْ خَافَ تَلَفَهُ، وَمَالَ إلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ. أَنَّهُ لَا يَبِيعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِخَوْفِ تَلَفٍ وَمُؤْنَةِ نَقْلٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَيَنْوِي الزَّكَاةَ أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَلَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً: لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ

صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ، فَلَا تَتَعَيَّنُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: إنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ الْمُعَيَّنِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ نَوَى صَدَقَةَ الْمَالِ، أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ أَجْزَأَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَفَى فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ: لَا يَكْفِي نِيَّةُ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ صَدَقَةِ الْمَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي الزَّكَاةَ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَلَا تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَجْهٌ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ إذَا اخْتَلَفَ الْمَالُ. مِثْلُ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَشَاةٍ أُخْرَى عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَدِينَارٍ عَنْ نِصَابٍ تَالِفٍ، وَدِينَارٍ آخَرَ عَنْ نِصَابٍ قَائِمٍ، وَصَاعٍ عَنْ فِطْرَةٍ، وَصَاعٍ آخَرَ عَنْ عُشْرٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى زَكَاةً عَنْ مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ: أَجْزَأَ عَنْهُ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا، وَإِنْ كَانَا سَالِمَيْنِ أَجْزَأَ عَنْ أَحَدِهِمَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ، فَقَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ عَنْ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ: أَجْزَأَتْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ، وَأَخْرَجَ، وَقَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَتَطَوَّعَ، فَبَانَ سَالِمًا: أَجْزَأَهُ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ كَمَنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي، أَوْ نَفْلٌ، أَوْ هَذِهِ زَكَاةُ إرْثِي مِنْ مُوَرِّثِي إنْ كَانَ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِيٌّ

وَإِلَّا فَنَفْلِيٌّ، وَقَالَ الْمَجْدُ كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ: لَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ: إنْ كَانَ الْوَقْتُ دَخَلَ فَفَرْضٌ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِيمَنْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا. وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى أَوْ نَوَى: إنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ فَرِيضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَنَافِلَةٌ: لَمْ يَصِحَّ لَهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي فَوَائِدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ " هَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالِهِ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟ ". الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلدَّفْعِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْعِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ. كَالصَّلَاةِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى الْأَدْنَى بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ. كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا) إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَأَخْرَجَهَا نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ، وَلَمْ يَنْوِهَا رَبُّهَا: أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَابْنُ رَزِينٍ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهَذَا أَصْوَبُ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّهُ قَالَ: أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ: لَا يُجْزِئُ وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.

فَعَلَى [الْمَذْهَبِ] الْأَوَّلِ: تُجْزِئُ ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا، وَعَلَى الثَّانِي تُجْزِئُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا كُرْهًا وَقَهْرًا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ طَائِعًا، وَنَوَاهَا الْإِمَامُ دُونَ رَبِّهَا: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَجْزَأَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهَا رَبُّهَا وَلَا الْإِمَامُ: فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى نِيَّةٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُعَايَى بِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَقَعُ نَفْلًا وَطَالَبَ بِهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ غَابَ الْمَالِكُ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ، فَأَخَذَ السَّاعِي، مِنْ مَالِهِ: أَجْزَأَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِهَا إذَنْ، وَنِيَّةُ الْمَالِكِ مُتَعَذِّرَةٌ مِمَّا يُعْذَرُ فِيهِ.

الثَّانِيَةُ: إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَنَوَاهَا دُونَ الْإِمَامِ: أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحِقِّ، كَذَا نَائِبُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِ: اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، دُونَ الْوَكِيلِ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ بَعْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ أَوْ لَا، وَاعْلَمْ أَنَّهَا إذَا دَفَعَهَا الْوَكِيلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَتَارَةً يَدْفَعُهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ دَفَعَهَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْإِجْزَاءُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ أَيْضًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُوَكِّلُ، وَنَوَاهَا الْوَكِيلُ عِنْدَ إخْرَاجِهَا. لَمْ تُجْزِهِ، وَإِنْ نَوَاهَا الْوَكِيلُ صَحَّ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ بَعْدَ مَا بَيَّنَهُمَا أَوْ قَرُبَ. الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ التَّوْكِيلِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ. هُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: مُسْلِمًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجْهًا بِجَوَازِ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ فِي

إخْرَاجِهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَلَعَلَّهُ عَنَى شَيْخَهُ الْمَجْدَ. كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ ذِمِّيًّا فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ جَازَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى الْمُوَكِّلَ وَكَفَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَخْرِجْ عَنِّي زَكَاتِي مِنْ مَالِكَ فَفَعَلَ: أَجْزَأَ عَنْ الْآمِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الزَّكَاةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّصِّ وَأَلْحَقَ الْأَصْحَابُ بِهَا الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ، فَأَخْرَجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَنَوَاهَا زَكَاةً، فَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّكَاةَ صَدَقَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ نَفْلًا، أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ. ثُمَّ نَوَى الزَّكَاةَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ: أَجْزَأَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ، فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ، ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ: لَا يُجْزِئُ، لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ. الْخَامِسَةُ: فِي صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ. السَّادِسَةُ: لَوْ أَخْرَجَ شَخْصٌ مِنْ مَالِهِ زَكَاةً عَنْ حَيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهَا رَجَعَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ

السَّابِعَةُ: لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَقُلْنَا: يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَأَجَازَهُ رَبُّهُ كَفَتْهُ. كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقُلْت: إنْ كَانَ بَاقِيًا بِيَدِ مَنْ أَخَذَهُ أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهِ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ إذَنْ كَالدَّيْنِ، فَلَا يُجْزِئُ إسْقَاطُهُ مِنْ الزَّكَاةِ. الثَّامِنَةُ: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ غَصْبٍ: لَمْ يُجْزِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إنْ أَجَازَهَا رَبُّهُ، كَفَتْ مُخْرِجَهَا، وَإِلَّا فَلَا. التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ الْآخِذُ: أَجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت، وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا) . يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ قَوْلُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْآخِذُ الْفُقَرَاءَ، أَوْ الْعَامِلَ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: عَلَى الْعَامِلِ إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِأَهْلِهَا، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " عَلَى " ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ، وَأَوْجَبَ الدُّعَاءَ لَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي قَوْلِهِ " عَلَى الْعَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ " أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي بَابِ الْحُرُوفِ أَنَّ " عَلَى " لِلْإِيجَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَقُولَهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إنْ عَلِمَ رَبُّ الْمَالِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إنْ ظَنَّ أَنَّ الْآخِذَ أَهْلٌ

لِأَخْذِهَا: كُرِهَ إعْلَامُهُ بِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لِمَ يُبَكِّتُهُ؟ يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ. مَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ؟ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ إعْلَامُهُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ. كَمَا لَوْ رَآهُ مُتَجَمِّلًا. هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مِنْ عَادَتِهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الزَّكَاةَ: فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ: لَمْ يُجْزِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: فِيهِ بُعْدٌ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ يُعَايَى بِهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا لَهَا، وَجَهِلَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا: لَمْ يُجْزِهِ. قُلْت: بَلَى. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُسْتَحَبُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: إنْ مَنَعَهَا أَهْلُ بَلَدِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إظْهَارُهَا. وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: إنْ نُفِيَ عَنْهُ ظَنُّ السُّوءِ بِإِظْهَارِهِ اُسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ فِي النَّقْلِ. يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ نَقْلُهَا لِرَحِمٍ أَوْ شِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ

يُكْرَهُ نَقْلُهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ، وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ، وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ مُرَابِطَةَ الْغَازِي بِالثَّغْرِ قَدْ تَطُولُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ. مَعَ رُجْحَانِ الْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقِيلَ: تُنْقَلُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. كَقَرِيبٍ مُحْتَاجٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: يُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَتَحْدِيدُ الْمَنْعِ مِنْ نَقْلِ الزَّكَاةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَجُعِلَ مَحَلَّ ذَلِكَ الْأَقَالِيمُ، فَلَا تُنْقَلُ الزَّكَاةُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ، وَتُنْقَلُ إلَى نَوَاحِي الْإِقْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ انْتَهَى، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ نَقْلِهَا لِلْقَرَابَةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ نَقْلِهَا إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ. يَعْنِي بِالْمَنْعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَحْرُمُ نَقْلُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: تُجْزِئُهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ، أَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ، فَيُفَرِّقُهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ) ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: أُجْرَةُ نَقْلِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، كَوَزْنٍ وَكَيْلٍ. الثَّانِيَةُ: الْمُسَافِرُ بِالْمَالِ فِي الْبُلْدَانِ: يُزَكِّيهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي إقَامَةُ الْمَالِ فِيهِ أَكْثَرُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَقْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: تَفْرِقَتُهُ فِي بَلَدِ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُلْدَانِ الَّتِي كَانَ بِهَا فِي الْحَوْلِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: هُوَ كَغَيْرِهِ، اعْتِبَارًا بِمَكَانِ الْوُجُوبِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: يُفَرِّقُهَا حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَظَاهِرُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ لِأَجْلِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ إذَا أَوْجَبْنَاهُ، وَتَعَذَّرَ بِدُونِ النَّقْلِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَعْنِي بِالْجَوَازِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ: أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ فِي بَلَدِهِ) يَعْنِي فِي بَلَدِ الْمَالِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ مُتَفَرِّقًا زَكَّى كُلَّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ فِي بَلَدَيْنِ. فَعَنْهُ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَلْزَمُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ تَعَذَّرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِئَلَّا يَنْقُلَ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إخْرَاجُهَا فِي أَحَدِهِمَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، وَيُغْتَفَرُ مِثْلُ هَذَا لِأَجْلِ الضَّرَرِ لِحُصُولِ التَّشْقِيصِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَفِطْرَتُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ نَقَلَهَا، فَفِي الْإِجْرَاءِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّف نَقْلًا وَمَذْهَبًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ. كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا، فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَرَهُ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. كَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُؤَدِّيهِ فِي بَلَدِ مَنْ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ، قُلْت: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْفِطْرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ نَقْلُ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، وَالْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحُوهُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي الْكَفَّارَةِ بِالْمَنْعِ، فَيُخَرَّجُ فِي النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ مِثْلُهُ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ

لِفُقَرَاءِ الْبَلَدِ: فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِي فُقَرَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الْإِبِلِ فِي أَفْخَاذِهَا) ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ، وَأَمَّا الْغَنَمُ: فَفِي آذَانِهَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنَجَّى: الْوَسْمُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ بِالْقِيرِ أَفْضَلُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي مَتَى تُمْلَكُ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنْ الْحَوْلِ إذَا كَمُلَ النِّصَابُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، كَالدَّيْنِ وَدِيَةِ الْخَطَأِ. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا بَأْسَ بِهِ. زَادَ الْأَثْرَمُ: هُوَ مِثْلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَالظِّهَارُ أَصْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ، فِيهِمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَالْفَضِيلَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَرْكُ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ، قُلْت: وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الْأَثْرَمِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا: إنَّ النِّصَابَ وَالْحَوْلَ سَبَبَانِ، فَقُدِّمَ الْإِخْرَاجُ عَلَى أَحَدِهِمَا، قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: الْحَوْلُ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمَا شَرْطَانِ، قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُقْنِعِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ " الشَّرْطُ الثَّالِثُ مِلْكُ نِصَابٍ " وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " الْخَامِسُ: مُضِيُّ الْحَوْلِ شَرْطٌ " وَصَرَّحَ بِهِ فِي

الْمُبْهِجِ، وَالْكَافِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُمَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ، قُلْت: وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَمِلْكُ النِّصَابِ شَرْطٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْحَوْلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ تَعْجِيلِ زَكَاةِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا، قُلْت: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَفِي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلِ: رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَمُنْتَهَى الْغَايَةِ لَهُ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّارِحُ. . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ لَمْ يَنْعَقِدْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ. قَالَ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ: وَيَحُوزُ لِحَوْلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ [وَالْبُلْغَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي

الْفُصُولِ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَهُوَ تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيهِمَا، وَهَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ " وَفِي تَعْجِيلِهَا لِحَوْلَيْنِ رِوَايَتَانِ " وَالنُّسْخَةُ الْأُولَى مَقْرُوءَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ، قَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: يَجُوزُ أَعْوَامًا. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَجُوزُ لِأَعْوَامٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: أَوْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ، أَوْ عَنْ أَكْثَرَ. فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ، فَعَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ، وَمِنْهَا لَا يَجُوزُ عَنْهُ مَا وَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً وَاحِدَةً عَنْ الْحَوْلِ الثَّانِي وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ مِنْهُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَجِعُ مَا عَجَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ مِلْكٍ، فَإِنْ مَلَكَ شَاةً: اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْكَمَالِ، وَقِيلَ: إنْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، إنْ قُلْنَا يَرْجِعُ، وَإِنْ عَجَّلَ وَاحِدَةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَأُخْرَى مِنْ غَيْرِهَا جَازَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْهُ وَشَاةً مِنْ غَيْرِهِ: أَجْزَأَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ النِّصَابَ نَقَصَ. وَإِنْ تَكَمَّلَ بِهِ ذَلِكَ صَارَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ وَتَعْجِيلُهُ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ نِصَابِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَّلَهَا عَنْ النِّصَابِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ: أَجْزَأَ عَنْ النِّصَابِ دُونَ الزِّيَادَةِ) .

وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ تُجْزِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ أَيْضًا، لِوُجُوبِ سَبَبِهَا فِي الْجُمْلَةِ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ بِضَمِّهِ إلَى الْأَصْلِ فِي حَوْلِ الْوُجُوبِ، وَكَذَا فِي التَّعْجِيلِ، وَلِهَذَا اخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ: تُجْزِئُ عَنْ الْمُسْتَفَادِ مِنْ النِّصَابِ فَقَطْ، وَقِيلَ بِهِ، إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْحَوْلِ كَوُجُودٍ، فَإِذَا بَلَغَهُ اُسْتُقْبِلَ بِالْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ، لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْأَصْلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ عَنْ النَّمَاءِ إنْ ظَهَرَ، وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ: لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ نَمَاءِ النِّصَابِ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ثَالِثُهَا: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِصَابًا فَلَا يَجُوزُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ فَيَجُوزُ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ نِتَاجَ مَاشِيَةٍ، أَوْ رِبْحَ تِجَارَةٍ، فَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَعَنْ نِتَاجِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَنَتَجَتْ مِثْلَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ لِلْمُعَجَّلَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، قُلْت: الْأَوْلَى: جَوَازُ الِارْتِجَاعِ، فَإِنْ جَازَ الِارْتِجَاعُ فَأَخَذَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ: جَازَ، وَإِنْ اعْتَدَّ بِهَا قَبْلَ أَخْذِهَا: لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْفَقِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَّلَ مُسِنَّةً عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً وَنِتَاجِهَا فَنَتَجَتْ عَشْرًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَمِيعِ، بَلْ عَنْ الثَّلَاثِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا

الْأَشْهَرُ، وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، وَيُخْرِجُ لِلْعُشْرِ رُبُعَ مُسِنَّةٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ ارْتِجَاعِ الْمُسِنَّةِ، وَيُخْرِجُهَا أَوْ غَيْرَهَا عَنْ الْجَمِيعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، ثُمَّ أَبْدَلَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَدَلِ وَالسِّخَالِ؛ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ عَنْ الْكُلِّ، فَعَنْ أَحَدِهِمَا أَوْلَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَطَعَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ وَجْهًا: لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ لِغَيْرِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ مِائَةِ شَاةٍ، أَوْ تَبِيعًا عَنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً، ثُمَّ نَتَجَتْ الْأُمَّاتُ مِثْلَهَا وَمَاتَتْ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْ النِّتَاجِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ فِي الْحَوْلِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ بَقَاءِ الْأُمَّاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الشِّيَاهِ مِثْلَهَا ثُمَّ مَاتَتْ أُمَّاتُ الْأَوْلَادِ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَنْهَا، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ مِثْلُهُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ نِصَابٌ لَمْ يُزَكِّهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِنِصْفِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ قَسَّطَ السِّخَالَ مِنْ وَاجِبِ الْمَجْمُوعِ، وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْجِيلُ عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَلَوْ نَتَجَتْ نِصْفُ الْبَقَرِ مِثْلَهَا. ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ: أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الْعُجُولِ تَبَعًا، وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. عَلَى الثَّانِي بِنِصْفِ تَبِيعٍ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا قِسْطُهَا مِنْ الْوَاجِبِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ نِصَابَيْهِ وَتَلِفَ: لَمْ يَصْرِفْهُ إلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَتَلِفَتْ وَلَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً: لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ: مَنْ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَعُرُوضٌ، فَعَجَّلَ عَنْ جِنْسٍ مِنْهَا ثُمَّ تَلِفَ: صَرَفَهُ إلَى الْآخَرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقُلْنَا: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامَيْنِ، وَعَنْ الزِّيَادَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا، فَعَجَّلَ خَمْسِينَ، وَقَالَ: إنْ رَبِحْت أَلْفًا قَبْلَ الْحَوْلِ فَهِيَ عَنْهَا، وَإِلَّا كَانَتْ لِلْحَوْلِ الثَّانِي جَازَ. السَّادِسَةُ: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ يَظُنُّهَا لَهُ، فَبَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ أَجْزَأَ عَنْ عَامَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ، وَالْحِصْرِمِ: لَمْ يُجْزِهِ) ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَالْمَاشِيَةِ قَبْلَ سَوْمِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ الشَّجَرِ، وَوَضْعِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْوُجُوبِ إلَّا مُضِيُّ الْوَقْتِ عَادَةً، كَالنِّصَابِ الْحَوْلِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَصَالِحٌ: لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي الْعُشْرِ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ السَّاعِي لِسَنَةٍ أُخْرَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ " جَوَازُ التَّعْجِيلِ بَعْدَ طُلُوعِ ذَلِكَ وَظُهُورِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ كَالنِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ كَالْحَوْلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَدَّ الْحَبُّ وَيَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ. جَزَمَ

بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: وَكَذَا يُخَرَّجُ الْخِلَافُ إنْ أَسَامَهَا دُونَ أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا ظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ وَطَلَعَ الزَّرْعُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِحَالٍ، بِسَبَبِ أَنَّ وُجُوبَهَا يُلَازِمُ وُجُودَهَا. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ، فَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُوَ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ: جَازَ) ، وَكَانَ حُكْمُ مَا عَجَّلَهُ كَالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ، يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ؛ لِأَنَّهُ كَمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَوْلِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: لَا يُجْزِئُ، وَيَكُونُ نَفْلًا، وَيَكُونُ كَتَالِفٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً، فَعَجَّلَ شَاةً، ثُمَّ نَتَجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَاحِدَةً: لَزِمَهُ شَاةٌ ثَانِيَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ الْمِائَتَيْنِ، فَنَتَجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةً: لَزِمَتْهُ، شَاةٌ ثَالِثَةٌ) بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَكِيمٍ: لَا يَلْزَمُهُ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَ دَرَاهِمَ. ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ: لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ، دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ زَكَاةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا.

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ عَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ زَكَاةُ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخَمْسَةِ الْمُعَجَّلَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ، فَالْخَمْسَةُ الْمُخْرَجَةُ أَجْزَأَتْ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَهِيَ كَالتَّالِفَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَكِيمٍ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ، وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ عَلَى الْبَاقِي، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَوْ عَجَّلَ عَنْ أَلْفٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْهَا. ثُمَّ رَبِحَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ: لَزِمَهُ زَكَاتُهَا. عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَمِنْهَا: لَوْ تَغَيَّرَ بِالْمُعَجَّلِ قَدْرُ الْفَرْضِ قُدِّرَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَتَجَ الْمَالُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ تَبِيعًا عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، فَنَتَجَتْ عَشْرًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ شَيْءٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ عَمَّا عَجَّلَهُ، وَيَلْزَمُهُ لِلنِّتَاجِ رُبُعُ مُسِنَّةٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ لَهُ ارْتِجَاعُ الْمُعَجَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، قُلْت: إنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ مَوْجُودًا سَاغَ ارْتِجَاعُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ السَّاعِي فَوْقَ حَقِّهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ اعْتَدَّ بِالزِّيَادَةِ مِنْ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: يَحْسِبُ مَا أَهْدَاهُ لِلْعَامِلِ مِنْ الزَّكَاةِ أَيْضًا، وَعَنْهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: إنْ نَوَى الْمَالِكُ التَّعْجِيلَ اُعْتُدَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ رِوَايَةَ الْجَوَازِ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ إذَا نَوَى التَّعْجِيلَ. قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ وَأَخَذَهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا.

عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا غَصْبًا. قَالَ: وَلَنَا رِوَايَةٌ: أَنَّ مَنْ ظُلِمَ فِي خَرَاجِهِ يَحْتَسِبُهُ مِنْ الْعُشْرِ، أَوْ مِنْ خَرَاجٍ آخَرَ، فَهَذَا أَوْلَى، وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ فِي أَرْضِ صُلْحٍ يَأْخُذُ السُّلْطَانُ مِنْهَا نِصْفَ الْغَلَّةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: فَيُزَكِّي الْمَالِكُ عَمَّا بَقِيَ فِي يَدِهِ؟ قَالَ: يُجْزِئُ مَا أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مِنْ الزَّكَاةِ. يَعْنِي إذَا نَوَى بِهِ الْمَالِكُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: إنْ زَادَ فِي الْخِرْصِ، هَلْ يُحْتَسَبُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ الزَّكَاةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ: وَحَمَلَ الْقَاضِي الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِنِيَّةِ الْمَالِكِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا أَخَذَهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَلَوْ فَوْقَ الْوَاجِبِ بِلَا تَأْوِيلٍ، اُعْتُدَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْتَدُّ بِمَا أَخَذَهُ، وَعَنْهُ بِوَجْهٍ سَائِغٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي آخِرِ فَصْلِ شِرَاءِ الذِّمِّيِّ لِأَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَمَاتَ، أَوْ ارْتَدَّ، أَوْ اسْتَغْنَى) يَعْنِي مَنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ مِنْ هَؤُلَاءِ (أَجْزَأَتْ عَنْهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ وَجْهٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ لَمْ تُجْزِهِ) إذَا عَلِمَ أَنَّهُ غَنِيٌّ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ غَنِيٌّ فَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. ثُمَّ عَلِمَ ". فَائِدَةٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَسَاكِينِ) أَنَّ الزَّكَاةَ إذَا عَجَّلَهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاةٍ، وَكَذَا الْحُكْمُ

لَوْ ارْتَدَّ الْمَالِكُ أَوْ نَقَصَ النِّصَابُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: إنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ عَجَّلَ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ، وَأَجْزَأَتْ عَنْ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَسَاكِينِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْمُخْرَجَ غَيْرُ زَكَاتِهِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. لِوُقُوعِهِ نَفْلًا. بِدَلِيلِ مِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ عَلِمَ غِنَاهُ: يَأْخُذُهَا مِنْهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إنْ كَانَ الدَّافِعُ وَلِيَّ رَبِّ الْمَالِ رَجَعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ وَدَفَعَ إلَى السَّاعِي مُطْلَقًا: رَجَعَ فِيهَا، مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْفَقِيرِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: إنْ كَانَ الدَّافِعُ لَهَا السَّاعِيَ رَجَعَ مُطْلَقًا، قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَى فِي الْوَسِيلَةِ: أَنَّ مِلْكَهُ لِلرُّجُوعِ رِوَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي فِيهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ السَّاعِيَ: أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ، وَدَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفَقِيرِ: رَجَعَ عَلَيْهِ، أَعْلَمَهُ السَّاعِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ، فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

وَإِنْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ. رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ هُنَا، وَقِيلَ: يَرْجِعُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَقِيرُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ: وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَأَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُقَدَّمِ عِنْدَهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: فِي الْوَلِيِّ أَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ. قَالَ كَذَا مَنْ دَفَعَ إلَى السَّاعِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إنْ أَعْلَمَهُ. وَكَانَتْ بِيَدِهِ. فَائِدَةٌ: مَتَى كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَادِقًا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بَاطِنًا. أَعْلَمَهُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ لَا لَا ظَاهِرًا مَعَ إطْلَاقِ أَنَّهُ خِلَافٌ لِلظَّاهِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ صُدِّقَ الْآخِذُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَيَحْلِفُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ وَرَجَعَ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ كَنَظَائِرِهِ، وَأَشَارَ أَبُو الْمَعَالِي إلَى تَرَدُّدِ الْأَمْرِ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْفَرْضِ، فَإِذَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ بَقِيَ كَوْنُهَا فَرْضًا، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالْمُنْفَصِلَةِ أَيْضًا، كَرُجُوعِ بَائِعِ الْمُفْلِسِ الْمُسْتَرِدِّ عَيْنَ مَالِهِ بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ نَقْصَهَا كَجُمْلَتِهَا وَأَبْعَاضِهَا، كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ: وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي فِي ضَمَانِ النَّقْصِ وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً ضَمِنَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَضْمَنُهُ، وَمَا نَقَصَ يَضْمَنُهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: ضَمِنَهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الْمَجْدَ يَوْمَ التَّلَفِ عَلَى صِفَتِهَا يَوْمَ التَّعْجِيلِ، فَصَاحِبُ الْفُرُوعِ فَسَّرَ مُرَادَ الْأَصْحَابِ بِمَا قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَتَفْسِيرُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَوْلَى وَأَقْعَدُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَغْرَمُ نَقْصَهَا يَوْمَ رَدِّهَا أَوْ قِيمَتَهَا، إنْ تَلِفَتْ أَوْ مِثْلَهَا يَوْمَ عُجِّلَتْ، وَقِيلَ: بَلْ يَوْمَ التَّلَفِ. فَصِفَتُهَا يَوْمَ عُجِّلَتْ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِمِثْلِهِ وَغَيْرَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عُجِّلَ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصَهُ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ اسْتَسْلَفَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْفُقَرَاءِ. سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي ضَمِنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: لَا، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّ الْإِمَامَ يَدْفَعُ إلَى الْفَقِيرِ عِوَضَهَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَعَمَّدَ الْمَالِكُ إتْلَافَ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ التَّعْجِيلِ، غَيْرَ قَاصِدٍ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّالِفِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فِي الرُّجُوعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا لَوْ سَأَلَهُ الْفُقَرَاءُ قَبْضَهَا، أَوْ قَبْضَهَا لِحَاجَةِ صِغَارِهِمْ، وَكَمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ.

وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ فِيمَا إذَا أُتْلِفَتْ دُونَ الزَّكَاةِ لِلتُّهْمَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهَلْ إتْلَافُهُ مَالَهُ عَمْدًا بَعْدَ التَّعْجِيلِ كَتَلَفِهِ لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ كَإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْفَقِيرُ لَزِمَهُ بَدَلُهَا وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ لِمِلْكِ الْفَقِيرِ لَهَا وَإِجْزَائِهَا عَنْ رَبِّهَا: قَبْضُهُ، فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءُ الْفُقَرَاءِ وَلَا عَشَاؤُهُمْ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْفَقِيرِ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمَقْبُولَةِ كَالْمَقْبُوضَةِ، كَالْهِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالرَّهْنِ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ عَيَّنَ زَكَاتَهُ فَقَبِلَهَا الْفَقِيرُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: فِي الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْفَرْضِ وَغَيْرِهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْمُبْهِجِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ فِي الْمُبْهَمِ بِدُونِ الْقَبْضِ. وَفِي الْمُعَيَّنِ يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَالْحَلْوَانِيِّ وَابْنِهِ، إلَّا أَنَّهُمَا حَكَيَا فِي الْمُعَيَّنِ رِوَايَتَيْنِ كَالْهِبَةِ. انْتَهَى، فَإِذَا قُلْنَا: تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ. قَالَ: وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ. فَقِيَاسُهُ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ، وَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْهِبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْفَقِيرُ لِرَبِّ الْمَالِ: اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا، وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ: لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ كَانَ لِلْمَالِكِ وَلَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ. مِنْ إذْنِهِ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ عَنْهُ أَوْ صَرْفِهِ، أَوْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ.

باب ذكر أهل الزكاة

قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ: إذَا أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ، أَوْ أَحَالَ الْفَقِيرَ بِالزَّكَاةِ، هَلْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ ". [بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ: الْفُقَرَاءُ، وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَالثَّانِي: الْمَسَاكِينُ، وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ. اخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ صِفَتَانِ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ. تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَسَاكِينِ " هُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ "، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهَادِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَجَمَاعَةٌ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَكْثَرُ الْكِفَايَةِ، وَقَالَ النَّاظِمُ: هُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ جُلَّ الْكِفَايَةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ مُرَادُهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: هُمْ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى بَعْضِ كِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: الْمِسْكِينُ مَنْ لَمْ يَجِدْ أَكْثَرَ كِفَايَتِهِ، فَلَعَلَّهُ: مَنْ يَجِدُ بِإِسْقَاطِ " لَمْ " أَوْ أَرَادَ نِصْفَ الْكِفَايَةِ فَقَطْ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَكْثَرُ كِفَايَتِهِمْ، وَهُوَ مُعْظَمُهَا، أَوْ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْهَا. كَنِصْفِهَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَالْمِسْكِينُ مَنْ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ نِصْفَهَا، فَتَلَخَّصَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ: أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَجِدُ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُهَا، وَكَذَا جُلُّهَا، وَقَدْ فَسَّرَ فِي الرِّعَايَةِ أَكْثَرَهَا بِمُعْظَمِهَا. لَكِنَّ أَعْظَمَهَا وَجُلَّهَا فِي النَّظَرِ أَخَصُّ مِنْ أَكْثَرِهَا، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ. بِخِلَافِ جُلِّهَا. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مُعْظَمُهَا، وَفِي عِبَارَاتِهِمْ " مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَنِصْفِهَا " فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَنْ ذَكَرَ بَعْضَهَا عَلَى نِصْفِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، وَأَنَّهَا أَقْوَالٌ، وَأَمَّا الْفُقَرَاءُ فَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ، أَوْ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ: هُمْ الَّذِينَ لَا صَنْعَةَ لَهُمْ، وَالْمَسَاكِينُ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ صَنْعَةٌ وَلَا مَغْنَمَ بِهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْفُقَرَاءُ الزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفُ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا: فِي الْغَالِبِ، وَإِلَّا حَيْثُ وُجِدَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، أَوْ مَعَهُ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ فَهُوَ فَقِيرٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ، أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ وَلَا ضَرِيرٍ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ " حَصَرَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ الْأَخْذُ مِنْهَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ لِشِرَاءِ كُتُبٍ يَشْتَغِلُ فِيهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ. انْتَهَى، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَكِنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا.

قُلْت: وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا قَوْلًا، وَاَلَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ. انْتَهَى، قُلْت: الْجَوَازُ قَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُعْطَى إلَّا إذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ يَلْزَمُهُ. الثَّالِثُ: شَمَلَ قَوْلُهُ " الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ " الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى الْكَبِيرُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ إعْطَاءِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ، وَنَقَلَهَا صَالِحٌ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى صَبِيٍّ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَحَيْثُ جَازَ الْأَخْذُ، فَإِنَّهَا تُصْرَفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَاَلَّذِي يَقْبَلُ وَيَقْبِضُ لَهُ الزَّكَاةَ وَالْهِبَةَ وَالْكَفَّارَةَ: مَنْ يَلِي مَالَهُ، وَهُوَ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ وَأَمِينِهِ وَوَكِيلِ الْوَلِيِّ الْأَمِينِ، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: قَالَ سُفْيَانُ " لَا يَقْبِضُ لِلصَّبِيِّ إلَّا الْأَبُ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ قَاضٍ " قَالَ أَحْمَدُ " جَيِّدٌ "، وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: قَبَضَتْ الْأُمُّ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا، وَلَا يَكُونُ إلَّا الْأَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُ غَيْرِ الْوَلِيِّ مَعَ عَدَمِهِ، مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُ مَنْ يَلِيهِ، مِنْ أُمٍّ أَوْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا، عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ. انْتَهَى، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ. نَقَلَ هَارُونُ الْحَمَّالُ فِي الصِّغَارِ: يُعْطِي أَوْلِيَاؤُهُمْ. فَقُلْت: لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ؟ قَالَ: يُعْطِي مَنْ يَعْنِي بِأَمْرِهِمْ. وَنَقَلَ مِنْهَا فِي الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ يَقْبِضُ لَهُ وَلِيُّهُ. قُلْت: لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ؟ قَالَ: يُعْطِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ نَصًّا ثَالِثًا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مُطْلَقًا. قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يُعْطِي مِنْ الزَّكَاةِ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ؟ قَالَ: نَعَمْ يُعْطِي أَبَاهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ تَعَذَّرَ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الزَّكَاةِ وَالْهِبَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِهَا، قَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَحْمَدَ: يُعْطِي غُلَامًا يَتِيمًا مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَدْفَعُهَا إلَى الْغُلَامِ. قُلْت: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَيِّعَهُ، قَالَ: يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَارِثِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُمَيِّزُ كَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَيْسَ أَهْلًا لِقَبْضِ ذَلِكَ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِحَالٍ. قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. أَشْهَرُهُمَا: لَيْسَ هُوَ أَهْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَأَبْدَى فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا أَنَّ صِحَّةَ قَبْضِهِ تَقِفُ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ دُونَ الْقَبُولِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ مَا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ يَسْتَغِلُّهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا تُقِيمُهُ يَعْنِي لَا تَكْفِيهِ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ لَهُ: يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الْقَائِمُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَحْصُدُهُ، أَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَأْخُذُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ مُؤْنَتِهِ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ " لَوْ كَانَ كُتُبٌ وَنَحْوُهَا يَحْتَاجُهَا. هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ فَكَذَلِكَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) نَقَلَهَا مُهَنَّا، وَاخْتَارَهَا ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كُتُبِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَ (الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتَهَا مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ غَنِيٌّ) فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ لِمَنْ مَلَكَهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَيَأْخُذُهَا مَنْ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى أَنَّ عَامَّةَ مُتَقَدِّمِيهِمْ لَمْ يَحْكُوا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمُغْنِي، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا بَانَ لَهُ

ضَعْفُهُ رَجَعَ عَنْهُ. أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا يَتَّجِرُونَ بِالْخَمْسِينَ، فَتَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِضَعْفِ الْخَبَرِ، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ، وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ قَالَهُ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْكِفَايَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِ بِخَمْسِينَ، وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، فَقَطَعُوا بِذَلِكَ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: هَذَا الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي الْهَادِي: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَنَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قُلْت: نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَأَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى، وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَحَنْبَلٌ، وَحَرْبٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو حَامِدِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ، وَحَمْدَانُ بْنُ الْوَرَّاقِ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَابْنَاهُ: صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودٌ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ: تَمْنَعُ الْمَسْأَلَةَ لَا الْأَخْذَ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ مَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لَا يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مُؤَجَّلٌ، أَوْ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ " هَلْ يُعْتَبَرُ الذَّهَبُ بِقِيمَةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّهُ، أَوْ يُقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، لِتَعَلُّقِهَا بِالزَّكَاةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِيمَا وَجَدْته بِخَطِّهِ عَلَى تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ.

قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: الْأَوَّلُ. وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيَأْتِي فِي الْبَابِ قَدْرُ مَا يَأْخُذُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَغَيْرُهُمَا، وَيَأْتِي بَعْدَهُ إذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ. فَائِدَةٌ: مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ، أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ السُّؤَالُ، لَا الْأَخْذُ، عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمٍ غَدَاءً وَعَشَاءً. ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْخَلَّالُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ السُّؤَالِ: أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا سُؤَالُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ: كَشِسْعِ النَّعْلِ، أَوْ الْحِذَاءِ، فَهَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْمَنْعِ، أَوْ يُرَخَّصُ فِيهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَهُمْ الْجُبَاةُ لَهَا، وَالْحَافِظُونَ لَهَا) . الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ: هُوَ الْجَابِي لَهَا، وَالْحَافِظُ لَهَا، وَالْكَاتِبُ، وَالْقَاسِمُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْكَيَّالُ، وَالْوَزَّانُ، وَالْعَدَّادُ، وَالسَّاعِي، وَالرَّاعِي، وَالسَّائِقُ، وَالْحَمَّالُ، وَالْجَمَّالُ، وَمَنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، غَيْرُ قَاضٍ وَوَالٍ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ الْكَتَبَةُ مِنْ الْعَامِلِينَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت. الثَّانِيَةُ: أُجْرَةُ كَيْلِ الزَّكَاةِ وَوَزْنِهَا وَمُؤْنَةِ دَفْعِهَا عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا أَمِينًا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) . يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُسْلِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي

قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ، اخْتَارَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالتَّذْكِرَةِ. وَالْمُبْهِجِ، وَالْعُقُودِ لِابْنِ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي الْكَافِي وَقِيلَ: وَفِي الذِّمِّيِّ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ عَرَفَ قَدْرَهَا، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: بَنَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ، فَإِنْ قُلْنَا: مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ: لَمْ يُشْتَرَطْ إسْلَامُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ زَكَاةٌ: اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ فِي الْمَنْصُوصِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إذَا عَمِلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ: الْعَامِلُ هُوَ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الثَّمَنَ فِي كِتَابِهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَحْوَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا ذَكَرَ، وَمُرَادُ أَحْمَدَ: إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا فَلَا اخْتِلَافَ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. انْتَهَى.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي رَدِّ الْآبِقِ فِي آخِرِ الْجَعَالَةِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى: فَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُشْتَرَطُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ. لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الشُّرُوطِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَبَنَاهُمَا فِي الْفُصُولِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ: هَلْ هُوَ أُجْرَةٌ أَوْ زَكَاةٌ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: إنْ مَنَعَ مِنْهُ الْخُمُسَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ أَخَذَ أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَتَابَعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ أَمِينًا، فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَوَجَّهَ مِنْ جَوَازِ كَوْنِهِ كَافِرًا جَوَازُ كَوْنِهِ فَاسِقًا مَعَ الْأَمَانَةِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَمَانَةِ الْعَدَالَةُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُوَكِّلُ إلَّا أَمِينًا، وَأَنَّ الْفِسْقَ يُنَافِي ذَلِكَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا فَقْرُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْرِهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطَانِ. ذَكَرَ الْوَجْهَ بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّتِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو حَكِيمٍ، وَذَكَرَ الْوَجْهَ بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِ ابْنُ حَامِدٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ فِي عِمَالَةِ تَفْوِيضٍ لَا تَنْفِيذٍ، وَجَوَازُ كَوْنِ الْعَبْدِ عَامِلًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَفِّذًا: فَقَدْ عَيَّنَ الْإِمَامُ مَا يَأْخُذُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ إذَا كَتَبَ لَهُ مَا يَأْخُذُهُ كَسُعَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَافِيًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. قَالَ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ لَا يُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ. انْتَهَى، قُلْت: لَوْ قِيلَ بِاشْتِرَاطِ ذُكُورِيَّتِهِ، لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً وُلِّيَتْ عِمَالَةَ زَكَاةٍ أَلْبَتَّةَ، وَتَرْكُهُمْ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] لَا يَشْمَلُهَا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمَّالُ الزَّكَاةِ وَرَاعِيهَا وَنَحْوُهُمَا كَافِرًا وَعَبْدًا وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لِعَمَلِهِ لَا لِعِمَالَتِهِ. الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بَالِغًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ الْأَمِينِ تَخْرِيجٌ. يَعْنِي بِجَوَازِ كَوْنِهِ عَامِلًا.

الرَّابِعَةُ: لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي تَفْرِقَةِ زَكَاتِهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ: يُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُعْطَى شَيْئًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَلَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى نُسَخٍ كَثِيرَةٍ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ " اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ " بَلْ يُحْكَى الْوَجْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَلَعَلَّ الشَّيْخَ اطَّلَعَ عَلَى نُسْخَةٍ فِيهَا ذَلِكَ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالْأَقْوَى عِنْدِي التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَرَطَ لَهُ جُعْلًا عَلَى عَمَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ الْعَمَلَ. كَمَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْجَعَالَاتِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْهَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُخْتَصٌّ بِالتَّالِفِ، فَيَذْهَبُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ. وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِهَا، أَوْ بَعَثَهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا، فَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِمَالَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ بَقَائِهِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا يُعَيِّنُهَا مِنْ الزَّكَاةِ، فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَتْ فِيهِ عِنْدَ التَّلَفِ. انْتَهَى وَهَذَا لَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ الْفُرُوعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ. فَائِدَةٌ: يُخَيَّرُ الْإِمَامُ، إنْ شَاءَ أَرْسَلَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا تَسْمِيَةِ شَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ عَقَدَ لَهُ إجَارَةً. ثُمَّ إنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَتَفْرِقَتَهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ إلَيْهِ أَخْذَهَا فَقَطْ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا، أَوْ أَطْلَقَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ. وَهُمْ السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ، أَوْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ، أَوْ إسْلَامُ نَظِيرِهِ، أَوْ جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا، أَوْ الدَّفْعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَهُمْ انْقَطَعَ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَقَدْ عُدِمَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُؤَلَّفَةُ، وَعَنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْكُفَّارِ مِنْهُمْ انْقَطَعَ، وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ. وَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُشْرِكِينَ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: حَكَوْا الْخِلَافَ فِي الِانْقِطَاعِ فِي الْكُفَّارِ، وَقَطَعُوا بِبَقَاءِ حُكْمِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَى رِوَايَةِ الِانْقِطَاعِ: يُرَدُّ سَهْمُهُمْ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُرَدُّ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ فَقَطْ، قُلْت: قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْمَجْدُ: يُرَدُّ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا رَوَاهُ حَنْبَلٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَيُرَدُّ سَهْمُهُمْ إلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، وَعَنْهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَمَا حَكَى الْخِيَرَةُ، وَلَعَلَّهُ " وَعَنْهُ وَفِي الْمَصَالِحِ " بِزِيَادَةِ وَاوٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَلْ يَحِلُّ لِلْمُؤَلَّفِ مَا يَأْخُذُهُ؟ يَتَوَجَّهُ: إنْ أُعْطِيَ الْمُسْلِمُ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ: لَمْ يَحِلَّ. كَقَوْلِنَا فِي الْهِدَايَةِ لِلْعَامِلِ لِيُكَفَّ ظُلْمُهُ، وَإِلَّا حَلَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ مُطَاعٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: الرِّقَابُ، وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ الرِّقَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ، وَعَنْهُ الرِّقَابُ عَبِيدٌ يُشْتَرَوْنَ وَيُعْتَقُونَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا غَيْرُ، فَلَا تُصْرَفُ إلَى مُكَاتَبٍ، وَلَا يُفَكُّ بِهَا أَسِيرٌ وَلَا غَيْرُهُ، سِوَى مَا ذَكَرَ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ الْمَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: كَالْمُكَاتَبِينَ فَيُعْطَوْنَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: جَوَازُ أَخْذِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ [وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ] ، وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا حَلَّ نَجْمٌ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، فِي الْمُؤَجَّلِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ دَفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ تَبَرُّعًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا مَعَهُ مِنْهَا لَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: مَعَ فَقْرِهِ، وَقِيلَ: بَلْ لِلْمُعْطِي، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ [وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ] وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْمُكَاتَبِينَ. وَلَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ، وَلَمْ يُعْتَقْ بِمِلْكِهِ الْوَفَاءَ، فَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: هُوَ أَصَحُّ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا عَجَزَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهَا تُسْتَرَدُّ إذَا عَجَزَ، وَعَنْهُ يُرَدُّ لِلْمُكَاتَبِينَ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ فِيمَا إذَا عَجَزَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ قَبَضَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُعْطِي. حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: وَلَوْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى سَيِّدِهِ، وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ سَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ قَبَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.

وَإِنْ اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ، وَالْعَرْضُ بِيَدِهِ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ عَلَى الْأَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعُ، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ فِي الرِّقَابِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، وَلَوْ أُعْتِقَ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، فَمَا فَضَلَ مَعَهُ فَهُوَ لَهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. كَمَا لَوْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْمُعْطِي كَمَا لَوْ أَعْطَى شَيْئًا لِفَكِّ رَقَبَةٍ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُكَاتَبِينَ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الزَّكَاةِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ: فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهَا، وَكَذَا كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: اخْتِصَاصُهُ بِالزَّكَاةِ. وَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْكِتَابَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ: هَلْ يَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ أَوْ الْفَاضِلُ لِوَرَثَتِهِ؟ ". الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِلَا إذْنِهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهُوَ أَوْلَى كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ رُقَّ لِعَجْزِهِ أُخِذَتْ مِنْ سَيِّدِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: إنَّمَا يَجُوزُ بِلَا إذْنِهِ إنْ جَازَ الْعِتْقُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ وَلَا إلَى نَائِبِهِ. كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِهِ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ الْفَصْلِ: جَوَازُ دَفْعِ السَّيِّدِ زَكَاتَهُ إلَى مُكَاتَبِهِ، وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ بَعْدَ الْعِتْقِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ تَلِفَتْ الزَّكَاةُ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ أَجْزَأَتْ، وَلَمْ يَغْرَمْهَا عِتْقٌ، لَوْ رُدَّ رَقِيقًا الْخَامِسَةُ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الزَّكَاةِ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا لَا يَجِدُ وَفَاءً.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ شَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعُ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: مِثْلُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ: لَوْ دُفِعَ إلَى فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: رَجَعَ أَحْمَدُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْعِتْقِ. حَكَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى. وَالْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ [وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ] ، وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ مِنْ زَكَاتِهِ رَقَبَةً. لَكِنْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُعْتِقُ رَقَبَةً كَامِلَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ لَا يُعْتِقُ مِنْهَا رَقَبَةً تَامَّةً، وَعَنْهُ وَلَا بَعْضَهَا. بَلْ يُعَيِّنُ فِي ثَمَنِهَا.

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " يُعْتِقُهَا " أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتِقَهُ هُوَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ عَنْ زَكَاتِهِ، فَفِي الْجَوَازِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْجَوَازِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْعِتْقَ مِنْ الزَّكَاةِ: غَيْرَ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَخَلَّفَ شَيْئًا، رُدَّ مَا رَجَعَ مِنْ وَلَائِهِ فِي عِتْقِ مِثْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَفِي الصَّدَقَاتِ أَيْضًا، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَهَلْ يَعْقِلُ عَنْهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْعَقْلِ. ثُمَّ وَجَدْته فِي الْمُغْنِي قُبَيْلَ كِتَابِ النِّكَاحِ قَدَّمَهُ وَنَصَرَهُ، وَعَنْهُ: وَلَاؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَمَا أَعْتَقَهُ السَّاعِي مِنْ الزَّكَاةِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ: فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ غَيْرِهِمْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: يُعْطِي الْمُكَاتَبَ لِفَقْرِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ.

قَوْلُهُ (السَّادِسُ: الْغَارِمُونَ، وَهُمْ الْمَدِينُونَ. وَهُمْ ضَرْبَانِ. ضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) يُعْطَى مَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ لَكِنْ شَرَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: كَوْنَهُ مُسْلِمًا، وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَضَرْبٌ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ) ، وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ الْكُفَّارِ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ كَانَ غَارِمًا، وَهُوَ قَوِيٌّ مُكْتَسِبٌ: جَازَ لَهُ الْأَخْذُ لِلْغُرْمِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْإِجْبَارُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ إلَى غَارِمٍ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا: لَا يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَحَمَّلَ بِسَبَبِ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ نَهْبٍ. جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ وَكَذَا إنْ ضَمِنَ عَنْ غَيْرِهِ مَالًا، وَهُمَا مُعْسِرَانِ: جَازَ الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَجُزْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ كَانَ الْأَصْلُ مُعْسِرًا وَالْحَمِيلُ مُوسِرًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ إنْ ضَمِنَ مُعْسِرًا مُوسِرًا بِلَا أَمْرِهِ.

وَمِنْهَا: جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ، وَفِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ الْوَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْأَخْذُ لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا: لَوْ وَكَّلَ الْغَرِيمُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فِي دَفْعِهَا عَنْهُ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَنْ دَيْنِهِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت: وَيَحْتَمِلُ ضِدَّهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَكَّلَ الْمَالِكُ. قِيلَ: فَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ فَقَدْ وَكَّلَهُ أَيْضًا، وَلَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ قَبْضِهَا، وَلَا فَرْقَ. قَالَ: فَتَتَوَجَّهُ فِيهِمَا التَّسْوِيَةُ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى قَوْلِهِ لِغَرِيمِهِ " تَصَدَّقْ بِدَيْنِي عَلَيْك، أَوْ ضَارِبْ بِهِ " لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ قَبْضِهِ، وَفِيهِ تَخْرِيجٌ يَصِحُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يَصِحُّ [قَبْلَ] قَبْضِهِ لِمُوَكِّلِهِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى، وَتَأْتِي هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ. وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا إذْنِ الْفَقِيرِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّحَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. كَدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَقْتَضِيهِ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا الْإِمَامُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا، لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إبْقَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُ الْمُعْطِي. كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَدِّيَ الْفُقَرَاءَ وَلَا يُعَشِّيَهُمْ، وَلَا يَقْضِيَ مِنْهَا دَيْنَ مَيِّتٍ غَرِمَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ، وَذَكَرَهُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ " وَالْغَارِمِينَ " وَلَمْ يَقُلْ

لِلْغَارِمِينَ، وَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْغَارِمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ " وَيَأْتِي أَيْضًا إذَا غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ) فَلَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَصْرِفُونَ مَا يَأْخُذُونَ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَهُمْ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الدِّيوَانِ لَا يُعْطَى مِنْهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَكْفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَكْفِيهِ فَلَهُ أَخْذُ تَمَامِ مَا يَكْفِيهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الدَّوَابَّ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ صَرْفِهِ إلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ. كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ أَيْضًا يَجُوزُ، وَقَالَ: ذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُعْطِي مِنْهَا فِي الْحَجِّ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هِيَ أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ يُعْطِي الْفَقِيرَ مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَالْمَيْمُونِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْحَجُّ مِنْ السَّبِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: الْحَجُّ مِنْ السَّبِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ.

وَهُوَ مِنْهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَأْخُذُ إلَّا الْفَقِيرُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الْغَنِيُّ أَيْضًا، وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي السَّبِيلِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يَأْخُذُ إلَّا لِحَجِّ الْفَرْضِ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِفَادَاتِ فِيهَا. وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى، وَعَنْهُ يَأْخُذُ لِحَجِّ النَّفْلِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ. وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْفَرْضَ الْأَكْثَرُونَ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَقَلَ جَعْفَرٌ " الْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَعَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ. قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ، وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ بِهِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ الشِّيرَازِيَّ قَدَّمَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ هُمْ السُّؤَالُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّفَرُ فِي الطَّاعَةِ: أُعْطِيَ بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ، فَلَا يُعْطَى فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ سَفَرَ نُزْهَةٍ: فَفِي جَوَازِ إعْطَائِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْأَخْذُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَيُعْطَى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ مِمَّنْ انْقَطَعَ بِهِ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُبَاحِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ، وَلَا يُجْزِئُ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ [قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ: الْجَوَازُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ دُونَ التَّنَزُّهِ] ، وَأَمَّا السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُعْطَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَّلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْصِيَةً، فَدَلَّ أَنَّهُ يُعْطَى فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ. قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرْخِيصِ فِيهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ: فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى فِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ نَظِيرُ إبَاحَةِ التَّرَخُّصِ فِيهِ جَرَيَانُ خِلَافٍ هُنَا، فَإِنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ هُنَاكَ جَوَازَ التَّرَخُّصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَابْنُ السَّبِيلِ الْآيِبُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مِنْ فُرْجَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فِي وَجْهٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا تَابَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ. قَوْلُهُ (دُونَ الْمُنْشِئِ لِلسَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْطَى أَيْضًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ، وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ فِي بَلَدِهِ، وَيُعْطَى أَيْضًا مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مُنْتَهَى مَقْصِدِهِ، وَلَوْ اجْتَازَ عَنْ وَطَنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَارَقَ وَطَنَهُ لِقَصْدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرَ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَدَرَ ابْنُ السَّبِيلِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ، فَأَفْتَى الْمَجْدُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَفْتَى الشَّارِحُ بِجَوَازِ الْأَخْذِ، وَقَالَ: لَمْ يَشْتَرِطْ أَصْحَابُنَا عَدَمَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاقْتِرَاضِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُعْطَيَانِ كِفَايَتَهُمَا لِتَمَامِ سَنَةٍ، لَا أَكْثَرَ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْفَقِيرِ ... أَكْثَرَ مِنْ غِنَاهُ فِي التَّقْدِيرِ ، وَعَنْهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ دَائِمًا بِمَتْجَرٍ أَوْ آلَةِ صَنْعَةٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ.

وَعَنْهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا حَتَّى تَفْرُغَ، وَلَوْ أَخَذَهَا فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَإِنْ كَثُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مَا يَصِيرُ بِهِ غَنِيًّا وَإِنْ كَثُرَ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ آخِرَ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْفَقِيرِ لِلزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ذَلِكَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَقِيلَ: مَا يَأْخُذُهُ زَكَاةٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَجَاوَزَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُجَاوِزْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْهُ لَهُ ثَمَنُ مَا يَجْنِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ جَاوَزَتْ أُجْرَتُهُ ذَلِكَ أُعْطِيَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. انْتَهَى. هَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يُشْرَطْ لَهُ جَعْلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى عَمَلِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ، فَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ: فَتَقَدَّمَ آخِرَ فَصْلِ الْعَامِلِ. فَائِدَةٌ: يُقَدَّمُ الْعَامِلُ بِأُجْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ نَوَى التَّطَوُّعَ بِعَمَلِهِ فَلَهُ الْأَخْذُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ وَنَائِبَهُ فِي الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا عِنْدَ اشْتِرَاطِ إسْلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَالْمُؤَلَّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ) هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطَى الْغَنِيُّ مَا يَرَى الْإِمَامُ. قَالَ فِي

الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَزْوِهِ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَا يَشْتَرِي رَبُّ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْغَازِي ثُمَّ يَدْفَعُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو حَفْصٍ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ أَيْضًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدٌ مِنْ زَكَاتِهِ خَيْلًا وَسِلَاحًا، وَيَجْعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الزَّكَاةِ فَرَسًا يَصِيرُ حَبِيسًا فِي الْجِهَادِ، وَلَا دَارًا، وَلَا ضَيْعَةً لِلرِّبَاطِ، أَوْ يَقِفَهَا عَلَى الْغُزَاةِ، وَلَا غَزْوَهُ عَلَى فَرَسٍ أَخْرَجَهُ مِنْ زَكَاتِهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا لِأَحَدٍ، وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مَصْرِفًا، وَلَا يُغْزَى بِهَا عَنْهُ. كَذَا لَا يَحُجُّ بِهَا، وَلَا يُحَجُّ بِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى الْإِمَامُ فَرَسًا بِزَكَاةِ رَجُلٍ: فَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ يَغْزُو عَلَيْهَا، كَمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ لِفَقْرِهِ أَوْ غُرْمِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ " وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهِ سَنَةً، وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ سَنَةً، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يَأْخُذُ لَهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عِيَالِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى، إلَّا أَرْبَعَةً: الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ، وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي) . أَمَّا الْعَامِلُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فَقْرُهُ. بَلْ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا، وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ فَقْرِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا شَرْطُ حُرِّيَّتِهِ وَلَا فَقْرِهِ "، وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ: فَيُعْطَى مَعَ غِنَاهُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ: فَيَأْخُذُ مَعَ غِنَاهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَأْخُذُ مَعَ الْغِنَى [وَمَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَدْفَعْهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا] ، وَأَمَّا الْغَازِي: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ جَوَازُ أَخْذِهِ مَعَ غِنَاهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إذَا أَوْصَى بِفَرَسٍ يَدْفَعُ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، أَحَبُّ إلَيَّ إذَا كَانَ ثِقَةً. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَصْنَافِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ مَعَ غِنَاهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ: فَوَاضِحٌ، وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ: فَلَا يُعْطَى لِفَقْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ فَقْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يُعْطَى مَعَ غِنَاهُ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ فَقِيرًا وَلَكِنَّهُ قَوِيٌّ يَكْتَسِبُ. جَازَ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. انْتَهَى، قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْإِجْبَارُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَرِمَ لِضَمَانٍ، أَوْ كَفَالَةٍ، فَهُوَ كَمَنْ غَرِمَ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَيَأْخُذُ مَعَ غِنَاهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَصِيلُ مُعْسِرًا. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا: الْغَنِيُّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَمَلَّكَهَا: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْذِ بِالْغُرْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَمْنَعُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَنْ لَهُ مِائَةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا أُعْطِيَ خَمْسِينَ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ خَمْسُونَ، وَأُعْطِيَ تَمَامَ دَيْنِهِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَصْرِفَ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، فَيُعْطَى وَلَا يُزَادُ عَلَى خَمْسِينَ، فَإِذَا صَرَفَهَا فِي دَيْنِهِ أُعْطِيَ مِثْلَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْغَازِي، وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ: لَزِمَهُمْ رَدُّهُ) . إذَا فَضَلَ مَعَ الْغَازِي شَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ: لَزِمَ رَدُّهُ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ أُبْرِئَ الْغَرِيمُ مِمَّا عَلَيْهِ، أَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرُدُّ مَا مَعَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اسْتَرَدَّ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ

فِي الرِّعَايَتَيْنِ: رَدَّهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: وَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ، فَإِذَا قُلْنَا: أَخْذُهُ هُنَاكَ مُسْتَقِرٌّ، فَكَذَا هُنَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ إمْسَاكُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إذَا اجْتَمَعَ الْغُرْمُ وَالْفَقْرُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: أَخَذَ بِهِمَا، فَإِنْ أُعْطِيَ لِلْفَقْرِ فَلَهُ صَرْفُهُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أُعْطِيَ لِلْغُرْمِ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِسَبَبٍ يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ، وَالْمَسْكَنَةُ، وَالْعِمَالَةُ، وَالتَّأْلِيفُ صَرَفَهُ فِيمَا شَاءَ كَسَائِرِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ لَا يَسْتَقِرُّ الْأَخْذُ بِهِ. لَمْ يَصْرِفْهُ إلَّا فِيمَا أَخَذَهُ لَهُ خَاصَّةً. لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ إذَا أُبْرِئَ، أَوْ لَمْ يَغْزُ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا فَضَلَ مَعَ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَرُدُّهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ الْمَجْدِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْخِلَافُ وَجْهَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: مَا فَضَلَ لِلْمُكَاتَبِينَ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَتَقَ بِإِبْرَاءٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَتَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ تَبَرُّعًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَجَزَ أَوْ مَاتَ، وَبِيَدِهِ وَفَاءٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَدَانَ مَا عَتَقَ بِهِ وَبِيَدِهِ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرُ الدَّيْنِ فَلَهُ صَرْفُهُ. لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا الْغَازِي إذَا فَضَلَ مَعَهُ فَضْلٌ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَالْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَابْنِ مُنَجَّى، فِي شَرْحِهِ وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ لِلْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ [وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرُدُّهُ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ، قَالَ الْخِرَقِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ: لَا يُسْتَرَدُّ. انْتَهَى، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ الَّذِي فِي الْجِهَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْقَوَاعِدِ: إذَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَحُجَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ كَالْوَصِيَّةِ وَأَوْلَى. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الْغَازِي: إنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُسْتَرَدُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي النَّفَقَةِ، وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَرُدُّ الْفَاضِلَ بَعْدَ وُصُولِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَعَنْهُ لَا يَرُدُّهُ، بَلْ هُوَ لَهُ، فَيَكُونُ أَخْذُهُ مُسْتَقِرًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَعَ جَهْلِ أَرْبَابِهِ.

قَوْلُهُ (وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى) لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَالْبَيِّنَةُ هُنَا ثَلَاثَةُ شُهُودٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَكْفِي اثْنَانِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَتَأْتِي بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ (أَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ، أَوْ ابْنُ سَبِيلٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . إذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَارِمٌ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَالظَّاهِرُ: يُغْنِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ خَفِيَ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْبَيِّنَةَ، وَلَا يُقْبَلُ بِالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُقْبَلُ أَنَّهُ غَارِمٌ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَى ابْنُ السَّبِيلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ: لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ عُرِفَ بِمَالٍ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَزْوَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُقْبَلُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ [إلَّا بِبَيِّنَةٍ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ، أَوْ الْغَارِمَ غَرِيمُهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) إذَا صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ. أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ: هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِهِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُ لِلتُّهْمَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَفِي تَصْدِيقِهِ غَرِيمَهُ وَالسَّيِّدَ وَجْهٌ. الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِ سَيِّدِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِذَا صَدَّقَ الْغَرِيمَ غَرِيمُهُ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ،

وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ الْقَبُولُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ إنْ صَدَّقَهُ غَرِيمٌ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَآهُ جَلْدًا، أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) بِلَا نِزَاعٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ " أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ " وَقَوْلُهُمْ " أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ " انْتَهَى وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ: لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا قَلَّدَ وَأَعْطَى) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ، وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَرِمَ أَوْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ) إذَا غَرِمَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِذَا سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَقَدْ حَكَى فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَجْهًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ لِلرَّاجِعِ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَابَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْغَارِمِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

أَحَدُهُمَا: يُدْفَعُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: دُفِعَ إلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ [فِي الْغَارِمِ] وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُسَافِرَ إذَا تَابَ، وَهُوَ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْغَارِمِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ فِي الْغَارِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْغَارِمِ: فَإِنْ تَابَ دُفِعَ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْغَارِمِ: الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمُسَافِرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمَا. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ عَدَمَ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ إذَا تَابَ، وَجَوَازَ الدَّفْعِ لِلْمُسَافِرِ إذَا تَابَ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا) ؛ لِكُلِّ صِنْفٍ ثَمَنُهَا إنْ وُجِدَ، حَيْثُ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى إنْسَانٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالْأَصْحَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا لَوْ فَرَّقَهَا السَّاعِي، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِيهِ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، اخْتَارَهَا. أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. عَلَى الصَّحِيحِ، إلَّا الْعَامِلَ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِغْرَاقُ حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ، وَكَالْعَامِلِ. مَعَ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَفِي " سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ " لَا جَمْعَ فِيهِ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا: لَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ نَصِيبَ الثَّالِثِ، وَهَلْ يَضْمَنُ الثُّلُثَ، أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؟ فَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ. عَلَى

مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَكَاهُمَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ، وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ: أَنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ " إلَّا الْعَامِلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا " هَذَا الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ إنْ قُلْنَا مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ: أَجْزَأَ عَامِلٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا: إنْ حَرُمَ نَقْلُ الزَّكَاةِ كَفَى الْمَوْجُودُ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّذِي بِبَلَدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَتُقَيَّدُ الرِّوَايَةُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَكْفِي، وَعَلَيْهَا أَيْضًا: لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ، كَتَفْضِيلِ بَعْضِ صِنْفٍ عَلَى بَعْضٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: إعْطَاءُ الْعَامِلِ الثَّمَنَ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَسْقُطُ الْعَامِلُ إنْ فَرَّقَهَا رَبُّهَا بِنَفْسِهِ. الثَّانِيَةُ: مَنْ فِيهِ سَبَبَانِ مِثْلُ إنْ كَانَ فَقِيرًا غَارِمًا أَوْ غَازِيًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي فِي الِاسْتِيعَابِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيعَابُ، فَلَا يُعْلَمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا وَعَيَّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرًا فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ: كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ وَتَفْرِيقُهَا فِيهِمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ [وَقَدْ حَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وِفَاقًا] لَكِنْ

يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ وَالْأَحْوَجِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ أَحْوَجَ أُعْطِيَ الْكُلَّ، وَلَمْ يُحَابِ بِهَا قَرِيبَهُ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالْقَرِيبُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ الْعَالِمُ وَالدَّيِّنُ عَلَى ضِدِّهِمَا، وَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ إلَى الْعَامِلِ، وَأَحْضَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لِيَدْفَعَ إلَيْهِمْ زَكَاتَهُ: دَفَعَهَا إلَيْهِمْ قَبْلَ خَلْطِهَا بِغَيْرِهَا، وَإِنْ خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا: فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَا هُمْ بِهِ أَخَصُّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ وَإِلَى غَرِيمِهِ) يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحُوهُ. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا أَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَالتَّخْرِيجِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَيَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى غَرِيمِهِ. لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ حِيلَةٍ، سَوَاءٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَ الْمُقْرَضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ أَرَادَ إحْيَاءَ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ حِيلَةً فَلَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ أَيْضًا: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً، فَلَا أَرَاهُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ حِيلَةً لَمْ يَصْلُحْ، وَلَا يَجُوزُ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَعْنِي بِالْحِيلَةِ: أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالدَّفْعِ إحْيَاءَ مَالِهِ أَوْ اسْتِيفَاءَ دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا لِلَّهِ فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: إنْ قَضَاهُ بِلَا شَرْطٍ: صَحَّ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِشَيْءٍ. ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ زَكَاةً

وَيُكْرَهُ حِيلَةً. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قَالَ: وَتَبِعَ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: الصِّحَّةُ وِفَاقًا إلَّا بِشَرْطِ تَمْلِيكٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ التَّامَّ؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ مُسْتَحَقًّا. قَالَ: وَكَذَا الْكَلَامُ إنْ أَبْرَأَ الْمَدِينَ مُحْتَسِبًا مِنْ الزَّكَاةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْغَرِيمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ الزَّكَاةِ وَفَاءً فِي دَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ " لَا يُعْجِبُنِي إذَا كَانَ حِيلَةً " ثُمَّ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْغُرْمِ: لَمْ يَمْنَعْ الشَّرْطُ الْإِجْزَاءَ، وَإِنْ قَصَدَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ إحْيَاءَ مَالِهِ: لَمْ يُجْزِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ رَدَّ الْغَرِيمُ إلَيْهِ مَا قَبَضَهُ قَضَى دَيْنَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى غَرِيمِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الزَّكَاةِ. ثُمَّ قَبَضَهَا مِنْهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ: لَا أَرَاهُ. أَخَافُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ تَمِيمٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَبْرَأَ رَبُّ الْمَالِ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَمْ يُجْزِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْجَوَازَ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ تَوْجِيهُ احْتِمَالٍ وَتَخْرِيجٍ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ تَمْلِيكٌ أَمْ لَا؟ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ قَدْرُ زَكَاةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ. حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ. الثَّانِيَةُ: لَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ بِالزَّكَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ

الْحَوَالَةَ وَفَاءٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي انْتِقَالِ الْحَقِّ بِالْحَوَالَةِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَإِلَّا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ فَأَحَالَهُ بِهِ، فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ: أَنَّهُ كَالنَّاسِي، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ فُرُوعِ الْغَارِمِ فِي فَصْلِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ إذَا أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ: هَلْ يَكُونُ قَبْضًا؟ . عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى كَافِرٍ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَلَّفُ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْعَامِلُ: فَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَكَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ هُنَاكَ، وَأَمَّا الْغَارِمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغَازِي: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ بِالْجَوَازِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِمَا سَبَقَ فَلَهُ أَخْذُهَا لِغَزْوٍ وَتَأْلِيفٍ وَعِمَالَةٍ وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَهَدِيَّةٍ مِمَّنْ أَخَذَهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ إلَى غَارِمٍ لِنَفْسِهِ كَافِرٍ، فَظَاهِرُهُ: يَجُوزُ لِذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَنْعَ فِي الْغَارِمِ لِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِهِ عَامِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا: وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَغَيْرِهِمْ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِكَوْنِهِ غَازِيًا أَوْ عَامِلًا أَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا.

وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ دَفْعٌ إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ أَوْ أَمَانَةٌ، فَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ. وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فِي بَابِ الْكِتَابَةِ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ، وَمَا قَبَضَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَنِصْفُهُ يُلَاقِي نِصْفَهُ الْمُكَاتَبَ فَيَجُوزُ، وَمَا يُلَاقِي نِصْفَ السَّيِّدِ الْآخَرِ، إنْ كَانَ فَقِيرًا: جَازَ فِي حِصَّتِهِ، وَإِنْ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ. انْتَهَى، قَالَ الْمَجْدُ: وَكَذَا إنْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدِهِ، فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ يَكُونُ لِلْحِصَّةِ الْمُكَاتَبَةِ مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَالْبَاقِي لِحِصَّةِ السَّيِّدِ مَعَ فَقْرِهِ. انْتَهَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ فِي فَصْلِ الْغَارِمِ، وَجَزَمَ غَيْرُ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْخُذُهُ مَنْ بَعْضُهُ مُكَاتَبٌ يَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ، كَمَا لَوْ وَرِثَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ. فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْعَبْدِ فِي عَدَمِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ: فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ مِنْ كِفَايَتِهِ، عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ، فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَأْخُذُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَوْ نِصْفَ كِفَايَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا فَقِيرَةٌ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ؟ . فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِجَوَازِ الْأَخْذِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَحْسَبُ مَا قَالَهُ إلَّا مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ.

الثَّانِيَةُ: هَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيٍّ بِنَفَقَةٍ تَبَرَّعَ بِهَا قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ فِيهِمَا الْجَوَازَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرِيبٍ بِغَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ: جَازَ أَخْذُ الزَّكَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. كَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ، أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ عَقَارِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا الْوَالِدَانِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا الْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ) . إنْ كَانَ الْوَالِدَانِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ فِي حَالِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانُوا فِي حَالٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، كَوَلَدِ الْبِنْتِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ [كَمَا إذَا لَمْ يَتَّسِعْ لِلنَّفَقَةِ مَالُهُ] لَمْ يَجُزْ أَيْضًا دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَ فِي الْوَاضِحِ فِي جَدٍّ وَابْنِ ابْنٍ مَحْجُوبَيْنِ وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَا يُعْطَى عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ لِغُرْمٍ لِنَفْسِهِ وَلَا لِكِتَابَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَلَا يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ ابْنَ سَبِيلٍ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَأْخُذُ لِكَوْنِهِ عَامِلًا وَمُؤَلَّفًا وَغَازِيًا وَغَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا بَنِي هَاشِمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَكَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعًا.

وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَأَبُو الْبَقَاءِ، وَأَبُو صَالِحٍ: إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ جَازَ. ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهُمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ أَخَذُوا الزَّكَاةَ، وَرُبَّمَا مَالَ إلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ مِنْ أَصْحَابِنَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي مُنْتَخَبِ الْفُنُونِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ النَّصِيحَةِ. انْتَهَى. وَزَادَ ابْنُ رَجَبٍ عَلَى مَنْ سَمَّاهُمْ فِي الْفَائِقِ: نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْجِيلِيُّ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ جَامِعُ الِاخْتِيَارَاتِ: وَبَنُو هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ جَازَ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَيَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ. انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ جَوَازُ الْأَخْذِ لِبَنِي هَاشِمٍ إذَا مُنِعُوا مِنْ [خُمُسِ] الْخُمُسِ عِنْدَ الْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَأَبِي الْبَقَاءِ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَنَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَبِي طَالِبٍ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ كَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى عَامِلِينَ فِي فَصْلِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يُعْطَوْنَ لِلْغَزْوِ وَالْعِمَالَةِ، وَأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: يُعْطَى لِغُرْمِ نَفْسِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْجَوَازِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ بِجَوَازِ أَخْذِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانُوا غُزَاةً، أَوْ عُمَّالًا أَوْ مُؤَلَّفِينَ، أَوْ غَارِمِينَ لِذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا لِكَوْنِهِمْ غُزَاةً أَوْ غَارِمِينَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ لِمَصْلَحَتِنَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ. كَذَا قَالَ الْمَجْدُ، وَزَادَ: أَوْ مُؤَلَّفِهِ. فَائِدَةٌ: بَنُو هَاشِمٍ مَنْ كَانَ مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَيَدْخُلُ فِيهِمْ آلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلُ أَبِي لَهَبٍ، وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ هُمْ آلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يُدْخِلَا أَبَا لَهَبٍ مَعَ كَوْنِهِ أَخَا الْعَبَّاسِ وَأَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ (وَلَا لِمَوَالِيهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ إلَى الْجَوَازِ فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِي مَوَالِيهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: مَوْلَى قُرَيْشٍ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلًى؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اعْتِبَارًا بِالْأَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ التَّنْبِيهُ وَالشَّافِي: لَا يَجُوزُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَظَاهِرُ شَرْحِ الْمَجْدِ: الْإِطْلَاقُ. الثَّالِثَةُ: لَا يَحْرُمُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا يُخَالِفُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ

فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِنَّ، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَكَوْنُهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ إجْمَاعًا، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَيْضًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَيَكُونُ النَّذْرُ وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِ أَخْذِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَفِي النَّذْرِ) . يَعْنِي: يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْ النَّذْرِ. كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَطَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَحْرِيمِهِ أَيْضًا عَلَيْهِمْ. وَحَكَى فِي الْحَاوِيَيْنِ فِي جَوَازِ أَخْذِهِمْ مِنْ النُّذُورِ: وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَفَّارَةِ: وَجْهَانِ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَتَخَرَّجُ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: هِيَ كَالزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهَا لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ فِي الْمَنْعِ، وَهُوَ

ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلِلْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيِّ الْأَخْذُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هِيَ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالنَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: رَأَيْت فِي نُسْخَتَيْنِ عَلَيْهِمَا خَطُّ الْمُصَنِّفِ " وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ، وَفِي النَّذْرِ وَجْهَانِ " بِغَيْرِ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ، وَأَيْضًا: وَإِطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي النَّذْرِ، ثُمَّ أُصْلِحَ وَعُمِلَ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ " وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرِ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ " وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِالْمَشْهُورِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي النَّذْرِ أَيْضًا فَائِدَةٌ: إذَا حَرُمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِمْ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ

وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ [وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالتَّعْلِيقِ. وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا، وَأَنَصُّهُمَا. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. نَقَلَهُمَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ. رَوَاهَا عَنْهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَنْعُ إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً، وَالْجَوَازُ إذَا لَمْ تَجِبْ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَقَبِلَهَا، لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِهَا، وَالنَّفَقَةُ لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا وَطَالَبَهُ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ جَعْلُهَا زَكَاةً. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ دَفْعِهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إذَا كَانَ يَرِثُهُمْ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا إلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ. صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ يُمَوِّنُهُمْ عَادَةً: لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ، وَإِلَّا جَازَ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ.

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَلَا يَرِثُهُ الْآخَرُ، كَعَمَّةٍ وَابْنِ أَخِيهَا، وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ، وَأَخَوَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ وَنَحْوُهُ. فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، فَعَلَيْهَا فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَكْسُهُ الْآخَرُ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَوْ وَرِثُوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ. لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ الثَّالِثَةُ: فِي الْإِرْثِ بِالرَّدِّ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَجُوزُ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ، وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِنَفَقَةٍ لَازِمَةٍ أَوْ تَبَرُّعٍ: هَلْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا فَقِيرَةٌ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ؟ ". الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ كَوْنُ قَرِيبِ الْمُزَكِّي عَامِلًا، وَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاتِهِ بِلَا نِزَاعٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى أَقَارِبِهِ غَيْرَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ. بِخِلَافِ عَمُودِيِّ نِسْبَةٍ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ، وَجَعَلَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: الْأَقَارِبَ كَعَمُودَيْ النَّسَبِ فِي الْإِعْطَاءِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ لَا غَيْرُ عَلَى قَوْلٍ، فَقَالُوا وَقِيلَ: يُعْطَى عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ وَبَقِيَّةُ أَقَارِبِهِ لِغُرْمٍ وَكِتَابَةٍ، وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَا يَدْفَعُ إلَى أَقَارِبِهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إذَا كَانُوا مِنْهُمْ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُعْطِي قَرَابَتَهُ لِعِمَالَةٍ، وَتَأْلِيفٍ، وَغُرْمٍ لِذَاتِ الْبَيْنِ، وَغَزْوٍ، وَلَا يُعْطِي لِغَيْرِ ذَلِكَ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ تَبَرَّعَ بِنَفَقِهِ قَرِيبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَضَمَّهُ إلَى عِيَالِهِ: جَازَ لَهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ. قَوْلُهُ (أَوْ إلَى الزَّوْجِ؟) . عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَهُ فِي كُتُبِهِ، بَلْ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ خِلَافُ ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا أَظْهَرُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ أَيْضًا، وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَحْمَدُ، رِوَايَةُ الْجَوَازِ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: لَمْ يَسْتَثْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا جَوَازَ أَخْذِ

الزَّوْجِ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَأَخْذِهَا مِنْهُ لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِغَزْوٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ، وَلَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ [وَنَحْوِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ وَلَا لِكِتَابَةٍ] ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَجُوزُ الْأَخْذُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً، كَعَمُودَيْ النَّسَبِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ لِغَيْرِهِمَا: فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ [وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدِ] . إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْعُمْدَةِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. لِمَنْعِهِمْ بَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ، وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ مَوَالِيَ بَنِي الْمُطَّلِبِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ حُكْمَهُمْ كَمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، وَسُئِلَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ مَوْلَى قُرَيْشٍ، يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَوْلَى مَوْلًى؟ قَالَ: هَذَا أَبْعَدُ، فَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَابَعَ الْقَاضِيَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: لَا يَعْرِفُ فِيهِمْ رِوَايَةً، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ فِيهِمْ مَا نَقُولُ فِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ. انْتَهَى. قُلْت: لَمْ يَطَّلِعْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالْخِصَالِ لَهُ: تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَمَوَالِيهِمْ. كَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَى هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، ثُمَّ عَلِمَ: لَمْ يُجْزِهِ إلَّا لِغَنِيٍّ إذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ فَتَارَةً يَكُونُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِغِنَاهُ، وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِكُفْرِهِ أَوْ لِشَرَفِهِ أَوْ كَوْنِهِ عَبْدًا: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ تُجْزِهِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمْ تُجْزِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَانَ غَنِيًّا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَحَكَاهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ طَرِيقَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: كَالْغَنِيِّ، وَالثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ قَطْعًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَةٍ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَغَيْرُهُمَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ ظَهَرَ قَرِيبًا لِلْمُعْطِي، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَسَوَّى فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ

بَيْنَ مَا إذَا بَانَ قَرِيبًا غَيْرَ عَمُودَيْ النَّسَبِ، وَبَيْنَ مَا إذَا بَانَ غَنِيًّا، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا بَانَ قَرِيبًا مُطْلَقًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصْوَبُ عِنْدِي، لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ سَائِرِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَلِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ مَعْنٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَإِنْ بَانَ نَسِيبًا فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالثَّانِي: هُوَ كَمَا لَوْ بَانَ غَنِيًّا، وَالْمَنْصُوصُ هُنَا: الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَشْيَةُ الْمُحَابَاةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَأَمَّا إذَا دَفَعَهَا إلَى غَنِيٍّ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. ثُمَّ عَلِمَ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجْزَاءِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَرْجِعُ عَلَى الْغَنِيِّ بِهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا يَلْزَمُ إذَا دَفَعَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ إلَى فَقِيرٍ، فَبَانَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ مَقْصِدَهُ فِي الزَّكَاةِ إبْرَاءُ الذِّمَّةِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ، فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ، وَالسَّبَبُ الَّذِي أَخْرَجَ لِأَجْلِهِ فِي التَّطَوُّعِ الثَّوَابُ وَلَمْ يَفُتْ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ، وَسَبَقَ رِوَايَةُ مُهَنَّا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمِسْكِينِ "، وَسَبَقَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ.

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ بَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا، فَالْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَفَارِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ أَهْلًا لِأَخْذِهَا، لَمْ يَضْمَنْ إذَا بَانَ غَنِيًّا. وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ إذَا بَانَ غَنِيًّا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا بَانَ غَنِيًّا، وَفِي غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى، وَعَنْهُ يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ وَتَابَعَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْجَمِيعِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: رِوَايَةَ التَّفْرِقَةِ، وَقَدَّمَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا: لَمْ تُجْزِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ. الثَّالِثَةُ: الْكَفَّارَةُ كَالزَّكَاةِ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَمَنْ مَلَكَ فِيهِمَا الرُّجُوعَ مَلَكَهُ وَارِثُهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ، وَالْعِتْقُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ، إلَّا زَمَنَ الْغَلَاءِ وَالْحَاجَةِ. نَقَلَهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ

وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْعِتْقُ أَحَبُّ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ. انْتَهَيَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَوَّلَ كِتَابِ الْعِتْقِ. وَهَلْ الْحَجُّ أَفْضَلُ، أَمْ الصَّدَقَةُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، أَمْ مَعَ الْحَاجَةِ؟ وَعَلَى الْقَرِيبِ، أَمْ عَلَى الْقَرِيبِ مُطْلَقًا؟ فِيهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّدَقَةُ زَمَنَ الْمَجَاعَةِ لَا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ. لَا سِيَّمَا الْجَارُ. خُصُوصًا الْقَرَابَةَ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَصِيَّتُهُ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِالْحَجِّ التَّطَوُّعِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ بِلَا حَاجَةٍ، فَيَبْقَى قَوْلٌ خَامِسٌ، وَفِي كِتَابِ الصَّفْوَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ الْجِهَادِ، وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ: أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ، فَحَيْثُ قُدِّمَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْحَجِّ، فَعَلَى الْعِتْقِ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَحَيْثُ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَالْحَجُّ بِطَرِيقِ أَوْلَى. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ: هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ مَنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ وَحَلَالٌ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ) هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمُرَادُهُمْ بِالْكِفَايَةِ: الْكِفَايَةُ الدَّائِمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ وَقْفٍ وَصَنْعَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي الصَّدَقَةَ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ بِمَتْجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: لَا يَكْفِي الِاكْتِفَاءُ بِالصَّنْعَةِ، وَقَالَهُ فِي غَلَّةِ وَقْفٍ أَيْضًا. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالصَّنْعَةِ نَظَرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَوْ عَبَسَ الزَّمَانُ فِي وَجْهِك مَرَّةً لَعَبَسَ فِي وَجْهِك أَهْلُك وَجِيرَانُك. ثُمَّ حَثَّ عَلَى إمْسَاكِ الْمَالِ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " السِّرُّ الْمَصُونُ " أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ، وَأَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لَهُ مِرْفَقٌ فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ، فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ وَمِنْ الذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ: أَثِمَ) ، وَكَذَا لَوْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَرِيمِهِ، أَوْ بِكَفَالَتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ) . بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ: الْجَوَازُ، لَا الِاسْتِحْبَابُ. وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنْ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ) . بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَكَذَا مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِالضِّيقِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرَابَتِهِ وَلِيمَةً: يَسْتَقْرِضُ وَيُهْدِي لَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْقَرْضِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَظُنُّ وَفَاءً. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْأَظْهَرِ أَنَّ أَخْذَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ أَخْذَهَا سِرًّا أَوْلَى. قَالَ: وَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، أَظُنُّ عُلَمَاءَ الصُّوفِيَّةِ. الثَّانِيَةُ: تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُمْ أَخْذُهَا الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ، فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ: الْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ، وَلِلْأَصْحَابِ خِلَافٌ فِيهِ، وَفِيهِ بُطْلَانُ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْإِحْبَاطَ، لِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ الْمَنُّ، إلَّا عِنْدَ مَنْ كَفَرَ إحْسَانَهُ وَأَسَاءَ إلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ. الْخَامِسَةُ: مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَجِبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ أَنْ يُمْضِيَ، وَعَنْهُ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَعْلَمُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَجْهًا. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَوْلِ، وَفِي تَعْيِينِهِمَا بِالنِّيَّةِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَتَى يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ؟ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلْيُعَاوَدْ.

كتاب الصيام

[كِتَابُ الصِّيَامِ] ِ فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: الصَّوْمُ وَالصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. الثَّانِيَةُ: فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا، فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ إجْمَاعًا. الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ " شَهْرُ رَمَضَانَ " كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ " رَمَضَانَ " بِإِسْقَاطِ " شَهْرُ " مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: يُكْرَهُ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ، ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهًا: يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ، أَوْ قَتَرُ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ: وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ، وَصَنَّفُوا فِيهِ التَّصَانِيفَ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ وَقَالُوا: نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ، أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرَدَّ صَاحِبُ الْفُرُوعِ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلًا صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ، وَلَا أَمْرَ بِهِ، فَلَا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُبَاحُ صَوْمُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ. انْتَهَى، قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَحَكَى عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ أَخِيرًا إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، إنْ صَامَ صَامُوا، وَإِلَّا فَيَتَحَرَّى فِي كَثْرَةِ كَمَالِ الشُّهُورِ وَنَقْصِهَا، وَإِجْبَارِهِ بِمَنْ لَا يُكْتَفَى بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ، وَيَعْمَلُ بِظَنِّهِ، وَقِيلَ: إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ إلَّا الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ. حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ. قُلْت: الْمَذْهَبُ وُجُوبُ صَوْمِ الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَتِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَرِيبًا. وَعَنْهُ صَوْمُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ الْأَصْفَهَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. قَالَ: وَاَلَّذِي نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ الصَّغِيرِ: كَالْأَوَّلِ، وَأَصْلُ هَذَا فِي الْكَثِيرِ. انْتَهَى، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قِيلَ: يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَقِيلَ: النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، فَقَالَ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ، فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ، أَوْ مُحَرَّمٌ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، اخْتَارَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ. انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَجِيءُ فِي صِيَامِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلٌ سَادِسٌ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَعَمِلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُنُونِ بِعَادَةٍ غَالِبَةٍ، كَمُضِيِّ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ، فَالثَّالِثُ نَاقِصٌ، وَقَالَ: هُوَ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَقَالَ أَيْضًا: الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مَعَ الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مَعَ الْبُعْدِ لِاحْتِمَالِهِ.

وَقَالَ أَيْضًا: الشُّهُورُ كُلُّهَا مَعَ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمَطْمُورِ: كَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ فِي التَّحَرُّزِ، وَطَلَبِ التَّحَقُّقِ. وَلَا أَحَدَ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، بَلْ بِالتَّأْخِيرِ لِيَقَعَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. كَذَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ صَوْمٍ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: أَوْ يَظُنُّهُ، لِقَبُولِنَا شَهَادَةَ وَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا يُجْزِئُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا جَازِمًا بِوُجُوبِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، فَعَلَى الْمُقَدَّمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُصَلَّى التَّرَاوِيحُ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ وَلَدُهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا الْأَقْوَى عِنْدِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ: الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ احْتِيَاطٌ لِسُنَّةِ قِيَامِهِ، وَلَا يَتَضَمَّنُ مَحْذُورًا، وَالصَّوْمُ نُهِيَ عَنْ تَقْدِيمِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فُعِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ " دَرْءِ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ "، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُصَلَّى التَّرَاوِيحُ. اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَالتَّمِيمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ: مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ، وَوُقُوعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَدِ، وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَلَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي

الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا: تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كَمَا يَثْبُتُ الصَّوْمُ وَتَوَابِعُهُ، وَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ يَنْوِيهِ حُكْمًا: بِوُجُوبِهِ جَازَ مَا يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُصَلِّي. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَهِلَالُ رَمَضَانَ جَمِيعًا: فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: يَجِبُ أَنْ يُقَدِّرُوا رَجَبًا وَشَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ، ثُمَّ يَصُومُونَ، وَلَا يُفْطِرُونَ حَتَّى يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ، وَيُتِمُّوا صَوْمَهُمْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَرَمَضَانَ، وَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا ". قَوْلُهُ (وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، فَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ. وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِلْمَاضِيَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَأَمَّا إذَا رُئِيَ فِي آخِرِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ: فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى، وَعَنْهُ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ آخِرَ الشَّهْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَإِلَّا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصَّوْمُ) . لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ رَآهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَطَالِعُ مُتَّفِقَةً. لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لُزُومُ الصَّوْمِ أَيْضًا، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالرُّؤْيَةُ بِبَلَدٍ تَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ كَافَّةً، وَقِيلَ: تَلْزَمُ مَنْ قَارَبَ مَطْلَعَهُمْ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ حُكْمُ مَنْ رَآهُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: بَلْ هَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْمَطَالِعِ وَاتِّفَاقِهَا، دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا فِيمَا فَوْقَهَا، مَعَ اخْتِلَافِهَا انْتَهَى، فَاخْتَارَ أَنَّ الْبُعْدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَفَرَّعَ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى اخْتِيَارِهِ، فَقَالَ: لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ فَبَعُدَ، وَتَمَّ شَهْرُهُ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ: صَامَ مَعَهُمْ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُفْطِرُ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَقُبِلَ قَوْلُهُ أَفْطَرُوا مَعَهُ، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدٍ لِرُؤْيَةِ لَيْلَةِ السَّبْتِ وَبَعُدَ: أَفْطَرَ مَعَهُمْ. وَقَضَى يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُفْطِرْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ عَيَّدَ بِبَلَدٍ بِمُقْتَضَى الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِهِ، وَسَافَرَتْ سَفِينَةٌ أَوْ غَيْرُهَا سَرِيعًا فِي يَوْمِهِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَبَعُدَ: أَمْسَكَ مَعَهُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. لَا عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَاضِحٌ، وَعَلَى اخْتِيَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى: اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اُعْتُبِرَ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَثْبُتُ

بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: حَتَّى مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ، وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا عَدْلَانِ كَبَقِيَّةِ الشُّهُودِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، أَوْ رَآهُ فِي الْمِصْرِ وَحْدَهُ، لَا فِي جَمَاعَةٍ: قَبُولَ قَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا اثْنَانِ، وَحَكَى هَذِهِ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ عَنْهُ: إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ رَآهُ فِيهِ لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ: قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا، فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ " لَا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ " وَلَمْ يَقُلْ " وَإِلَّا اثْنَانِ "، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هُوَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيُقْبَلُ قَوْلُ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: أَمَّا الرُّؤْيَةُ: فَيَصُومُ النَّاسُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْعَدْلِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ. بَلْ يَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَزِمَ الصَّوْمُ، فَأَخْبَرَهُ غَيْرُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ بِدُونِ ثُبُوتٍ، وَقِيلَ: إنْ وَثِقَ إلَيْهِ لَزِمَهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَهَادَةِ الْقَاذِفِ: أَنَّهُ شَهَادَةٌ لَا خَبَرٌ، فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، هَلْ هُوَ خَبَرٌ أَوْ شَهَادَةٌ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَ فِي قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ الْوَجْهَانِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَفِي الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ. وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدِ الْفَرْعِ مَعَ إمْكَانِ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ كَهِلَالِ شَوَّالٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَسْتُورِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ فِي الْمَسْتُورِ وَالْمُمَيِّزِ الْخِلَافُ. فَائِدَةٌ: إذَا ثَبَتَ الصَّوْمُ بِقَوْلِ عَدْلٍ ثَبَتَتْ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْمِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ: وَقَدْ يُثْبِتُ الصَّوْمَ مَا لَا يُثْبِتُ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَيُحِلُّ الدَّيْنَ، وَهُوَ شَهَادَةُ عَدْلٍ، وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْحَمْلِ، فَشَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ إلَّا عَدْلَانِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَبُولُهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يُحْتَمَلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَيُحْتَمَلُ مُطْلَقًا. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَجَوَّزَ الْفِطْرَ بِقَوْلِهِمَا لِمَنْ يَعْرِفُ حَالَهُمَا، وَلَوْ رَدَّهُمَا الْحَاكِمُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفِطْرُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُونَ مَعَ الصَّحْوِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنِ الْجَوْزِيِّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْهِلَالِ يَقِينٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الظَّنِّ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ. انْتَهَى.

قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ قَطَعَ بِالْفِطْرِ، فَقَالَ " وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَفْطَرُوا وَجْهًا وَاحِدًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: هُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ لَا يُفْطِرُونَ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُونَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّ عَلَى هَذَا الْأَصْحَابَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ صَامَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَرَهُ مَعَ الْغَيْمِ: أَفْطَرَ، وَمَعَ الصَّحْوِ: يَصُومُ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ إكْمَالِ الثَّلَاثِينَ، صَحْوًا كَانَ أَوْ غَيْمًا، وَإِنْ صَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ اثْنَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِحَالٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُونَ إنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَّا إذَا كَانَ آخِرَ الشَّهْرِ غَيْمٌ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الْغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقِيلَ: يُفْطِرُونَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إنْ صَامُوا جَزْمًا مَعَ الْغَيْمِ أَوْ الْقَتَرِ أَفْطَرُوا، وَإِلَّا فَلَا.

قُلْت: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَلَا يُعْمَلُ بِهِمَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ، فَقَدْ يُصَامُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا، حَيْثُ نَقَصْنَا رَجَبَ وَشَعْبَانَ وَكَانَا كَامِلَيْنِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَا نَاقِصَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ مُرَادُهُ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: لَوْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ: أَفْطَرُوا قَطْعًا، وَقَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ. يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْضُونَ يَوْمَيْنِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ: لَزِمَهُ الصَّوْمُ) وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ حُكْمُ رَمَضَانَ، فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ الْمُعَلَّقُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرَّمَضَانِيَّةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ، خَلَا الصِّيَامِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ " بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ: فَعَلَى الْأُولَى: هَلْ يُفْطِرُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صِيَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ الْعِدَّةَ فِي حَقِّهِ أَمْ لَا يُفْطِرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ

فِي الْفَائِقِ، قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ أَوْ قَبْلَهُمْ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا وُقُوعُ طَلَاقِهِ وَحُلُولُ دَيْنِهِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيَحِلُّ دَيْنُهُ الْمُعَلَّقَيْنِ بِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَوَاعِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ، وَلَا يَقْطَعُ طَلَاقَهُ الْمُعَلَّقَ، وَلَا يَحِلُّ دَيْنُهُ، وَتَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ، فَيَلْزَمُ مَنْ أَخْبَرَهُ الصَّوْمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ: لَمْ يُفْطِرْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ يُفْطِرَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ وَعَنْهُ يُفْطِرُ، وَقِيلَ: سِرًّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِطْرِ إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي: يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ: يَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ مِنْ الْفِطْرِ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُتَّهَمَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارًا خَفِيَّةً يُمْنَعُ مِنْ إظْهَارِهِ، كَمَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ لَهُ، وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالنِّزَاعُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ: هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ؟ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالِاعْتِبَارُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهِ بَلَدٌ، يَبْنِي عَلَى يَقِينِ

رُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ بَلْ الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بِمَكَانٍ آخَرَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَآهُ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. أَوْ شَهِدَا فَرَدَّهُمَا لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا: لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا: الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ، وَجَعْلِ مَرْتَبَةِ الْحَاكِمِ لِكُلِّ إنْسَانٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالْجَوَازِ [وَهُوَ الصَّوَابُ] . قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ: تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ) . إنْ وَافَقَ صَوْمُ الْأَسِيرِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمَطْمُورِ وَمَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَا نِزَاعَ فِي الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَا بَعْدَهُ مَا بَعْدَهُ، فَتَارَةً يُوَافِقُ رَمَضَانَ الْقَابِلَ، وَتَارَةً يُوَافِقُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ الْقَابِلِ، فَإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ الْقَابِلِ: فَلَا نِزَاعَ فِي الْإِجْزَاءِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ صَامَ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَأَرْبَعًا إنْ قُلْنَا: لَا تُصَامُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَيَأْتِي مَا إذَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا عَنْ رَمَضَانَ. كَانَ أَحَدُهُمَا نَاقِصًا فِي " بَابِ مَا يُكْرَهُ وَيُسْتَحَبُّ "، وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ، فَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ اعْتَبَرْنَا نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهَا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَقَضَى الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت وَتَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَرْضَهُ اجْتِهَادُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ: صَامَ

ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَالشَّكِّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى مَا سَبَقَ، وَسَبَقَ فِي بَابِ النِّيَّةِ: تَصِحُّ نِيَّةُ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ لِلْعَجْزِ عَنْهَا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ تَحَرَّى وَشَكَّ: هَلْ وَقَعَ صَوْمُهُ قَبْلَ الشَّهْرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَجْزَأَهُ كَمَنْ تَحَرَّى فِي الْغَيْمِ وَصَلَّى، وَلَوْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ لَمْ يُجْزِهِ، وَسَبَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَجْهٌ بِالْإِجْزَاءِ، فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ، فَكَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ صَامَ لَا يَدْرِي: هُوَ رَمَضَانُ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَقْضِي إذَا كَانَ لَا يَدْرِي وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ فِي بَابِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ) . احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْقَادِرِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ) . تَقَدَّمَ حُكْمُ الْكَافِرِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ إجْمَاعًا، فَلَوْ ارْتَدَّ فِي يَوْمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ ارْتَدَّ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِقَضَائِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُوجِبَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ، وَجَبَ هُنَا، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَلَا صَبِيٍّ) . يَعْنِي لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: لَا يَجِبُ الصَّوْمُ حَتَّى يَبْلُغَ. وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى الْمُمَيِّزِ إنْ أَطَاقَهُ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُرَادُهُمْ: إذَا كَانَ مُمَيِّزًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَطَاقَهُ. وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيُّ: يُؤْخَذُ بِهِ إذًا. فَائِدَةٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقَ الْإِطَاقَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَحَدَّدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إطَاقَتَهُ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ. قَوْلُهُ (لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أَطَاقَهُ. وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَالضَّرْبُ عِنْدَ الْإِطَاقَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ: اعْتِبَارُهُ بِالْعَشْرِ أَوْلَى، لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِالضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَهَا، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُؤْخَذُ بِهِ وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ. كَالصَّلَاةِ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يُسَنُّ لِوَلِيِّهِ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ يَعْصِي بِالْفِطْرِ، وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، وَالْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: لَا يَلْزَمُ

الْإِمْسَاكُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُمْسِكُ وَلَا يَقْضِي، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرُّؤْيَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ، فَكَذَلِكَ) يَعْنِي يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَلَا الْقَضَاءُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتًا يُمْكِنُهُ التَّلَبُّسُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْكَافِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَجْنُونِ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ رِوَايَةً فِيمَا أَظُنُّ وَاخْتَارَهَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ دُونَ الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَيَأْتِي أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا سَبَقَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا) أَيْ بِالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ (أَتَمَّ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي) . كَنَذْرِهِ إتْمَامَ نَفْلٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ: فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) كَالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَحَرَّرَهُ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ بِالسِّنِّ: لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قَبْلَ زَوَالِ عُذْرِهِ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسَافِرُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ. عَلَى

الصَّحِيحِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو دَاوُد. كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ لَهُ الْفِطْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ) . إجْمَاعًا، وَفِي الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ. عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَفُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: أَمْسَكُوا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ الْحَائِضِ، وَالْمَرِيضِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ لَهُمْ إظْهَارُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ " وَيَأْتِي فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْعُهُمْ مِنْ إظْهَارِ الْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ بَرِئَ الْمَرِيضُ مُفْطِرًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ الثَّانِيَةُ: لَوْ أَفْطَرَ الْمُقِيمُ مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، أَوْ تَعَمَّدَتْ الْمَرْأَةُ الْفِطْرَ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ: لَزِمَهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي السَّفَرِ وَالْحَيْضِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَنْبَلٌ، فَيُعَايَى بِهَا، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ عَدَمَ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ خِلَافًا.

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَنْهُ فِي صَائِمٍ أَفْطَرَ عَمْدًا، أَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ حَتَّى أَصْبَحَ: لَا إمْسَاكَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِمْسَاكِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُمْسِكُ مَنْ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، وَنَقَلَ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا قَالَ الْمُسَافِرُ أُفْطِرُ غَدًا: أَنَّهُ كَقُدُومِهِ مُفْطِرًا، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ. الثَّالِثَةُ: إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ. فَقَدِمَ مُسَافِرٌ مُفْطِرًا، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا: جَازَ أَنْ يَطَأَهَا، فَيُعَايَى بِهَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تُمْسِكُ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَعَكْسِهَا، تَغْلِيبًا لِلْوَاجِبِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ، وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا طَرَأَ الْمَانِعُ رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ إنْ طَرَأَ جُنُونٌ وَقُلْنَا: يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَنَّهُ هَلْ يَقْضِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي إفَاقَتِهِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: الْإِمْسَاكُ مَعَ الْمَانِعِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. الْخَامِسَةُ: لَا يَلْزَمُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ الْإِمْسَاكُ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ قَوْلُهُ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ، وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ الْكَبِيرُ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَهُمَا كِتَابٌ وَاحِدٌ. وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. لِلْعَجْزِ عَنْهُ، وَتَبِعَ الْقَاضِيَ مَنْ بَعْدَهُ، فَيُعَايَى بِهَا، وَيَأْتِي حُكْمُ الْكَفَّارَةِ إذَا عَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ.

وَيَأْتِي آخِرَ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ: إذَا عَجَزَ عَنْ كَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَطْعَمَ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ: لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَعْضُوبِ فِي الْحَجِّ إذَا حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِنَفْسِهِ. الثَّانِيَةُ: الْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ هُنَا: مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالصَّوْمِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَنْ مَيِّتٍ، وَهُمَا مُعْسِرَانِ: تَوَجَّهَ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي صَوْمِ النَّذْرِ فِي حَيَاةِ النَّاذِرِ نَحْوَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ وَالْمُسَافِرُ: اُسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ) أَمَّا الْمَرِيضُ إذَا خَافَ زِيَادَةَ مَرَضِهِ، أَوْ طُولَهُ، أَوْ كَانَ صَحِيحًا، ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ، أَوْ خَافَ مَرَضًا لِأَجْلِ الْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ، وَيُكْرَهُ صَوْمُهُ وَإِتْمَامُهُ إجْمَاعًا. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَاوِي فِي مَرَضِهِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّ بِهِ، فَلَهُ التَّدَاوِي. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِيمَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ الضَّرَرَ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ لِتَضَرُّرِهِ [بِالصَّوْمِ] كَتَضَرُّرِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّوْمِ الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْمَرِيضُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ

لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي وَجَعِ رَأْسٍ وَحُمًّى. ثُمَّ قَالَ قُلْت: إلَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ. قِيلَ: مِثْلُ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى؟ . الثَّالِثَةُ: إذَا خَافَ التَّلَفَ بِصَوْمِهِ: أَجْزَأَ صَوْمُهُ وَكُرِهَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالِانْتِصَارِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ: أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ خَافَ بِالصَّوْمِ ذَهَابَ مَالِهِ: فَسَبَقَ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدٍ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُمْ، فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ؟ ذَكَرَ الْخَلَّالُ رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدًا، أَوْ قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ عَدُوًّا لِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ: لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا كَانُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ بِالْقُرْبِ أَفْطَرُوا عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْفِطْرَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ وَفَعَلَهُ هُوَ، وَأَمَرَ بِهِ لَمَّا نَزَلَ الْعَدُوُّ دِمَشْقَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ يُعَايَى بِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ هُوَ فِي الْغَزْوِ، وَتَحْضُرُ الصَّلَاةُ وَالْمَاءُ إلَى جَنْبِهِ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ فَوْتَ مَطْلُوبِهِ فَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. السَّادِسَةُ: لَوْ كَانَ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ مِنْهُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ: جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ، نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ.

قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ. فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْجِمَاعِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجِمَاعُ. كَذَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ، فَقِيلَ: وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى، لِتَحْرِيمِ الْحَائِضِ بِالْكِتَابِ، وَلِتَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ [وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ] ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ لِإِفْسَادِ صَوْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَهُمَا احْتِمَالَانِ بِوَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ] . السَّابِعَةُ: لَوْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ لِدَوَامِ شَبَقِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّامِنَةُ: حُكْمُ الْمَرَضِ الَّذِي يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالْجِمَاعِ: حُكْمُ مَنْ يَخَافُ مِنْ تَشَقُّقِ أُنْثَيَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْمُسَافِرُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. سَوَاءٌ وَجَدَ مَشَقَّةً أَمْ لَا، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: الْمُسَافِرُ هُنَا: هُوَ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ صَامَ فِي السَّفَرِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقْلُ حَنْبَلٍ: لَا يُعْجِبُنِي. وَاحْتَجَّ حَنْبَلٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَرِوَايَةُ حَنْبَلٍ تَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَفَرُّدُ حَنْبَلٍ، وَحَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ صَامَ فِيهِ كُرِهَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَغَيْرِهِ: لَا يُكْرَهُ. بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ. قَالَ: وَلَيْسَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ: أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا. تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَرُدَّ بِصَوْمِ الْمَرِيضِ، وَبِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ) . يَعْنِي الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ. أَمَّا الْمَرِيضُ: فَلَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ: فَالْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لِلْمُسَافِرِ صَوْمُ النَّفْلِ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَصَامَ عَنْ غَيْرِهِ، فَهَلْ يَقَعُ بَاطِلًا، أَوْ يَقَعُ مَا نَوَاهُ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هِيَ مَسْأَلَةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ. يَعْنِي الْآتِيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَيْضًا لَوْ قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ، لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ التَّعْيِينِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، وَكَانَ لَمْ يَأْكُلْ: فَهَلْ يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ نَفْلًا؟ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْعَقِدُ نَفْلًا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُصُولِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى السَّفَرِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ لَهُ الْجِمَاعُ، كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ.

فَعَلَى هَذَا: لَا كَفَّارَةَ بِالْجِمَاعِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً: أَنَّهُ يُكَفِّرُ. وَجَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ جَامَعَ كَفَّرَ. عَلَى الصَّحِيحِ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ. لَكِنْ لَهُ الْجِمَاعُ بَعْدَ فِطْرِهِ بِغَيْرِهِ، كَفِطْرِهِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ". فَائِدَةٌ: الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ شِهَابٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: أَصْلًا لِلْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ، بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالْإِبَاحَةِ عَلَى النَّفْلِ وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الْمَرِيضِ: يُفْطِرُ بِأَكْلٍ. فَقُلْت: يُجَامِعُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَأَعَدْت عَلَيْهِ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ، فَلَهُ الْفِطْرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ كَانَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ لَا يُفْطِرُ قَبْلَ خُرُوجِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ نَوَى السَّفَرَ مِنْ اللَّيْلِ. ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: أَفْطَرَ، وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ فِي النَّهَارِ، وَسَافَرَ فِيهِ، فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ مِنْ اللَّيْلِ تَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِي النَّهَارِ، فَيَكُونُ الصِّيَامُ قَبْلَهُ مُرَاعًى. بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَتْ النِّيَّةُ وَالسَّفَرُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِجِمَاعٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِهِ، فَعَلَى الْمَنْعِ: وَلَوْ وَطِئَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَجَعَلَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَعَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا) . يَعْنِي مِنْ غَيْرِ إطْعَامٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِالْإِطْعَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ. الْمَيْمُونِيِّ وَصَالِحٍ، وَذَكَرَهُ وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى خَوْفِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لَهُمَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا، وَأَطْعَمَتَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) . إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِلَا رَيْبٍ، وَأَطْلَقَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: إنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَقَدَرَتْ أَنْ تَسْتَأْجِرَ لَهُ، أَوْ لَهُ مَا يَسْتَأْجِرُ مِنْهُ، فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفِطْرُ. انْتَهَيَا. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يُكْرَهُ لَهَا الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ النَّسْخَ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ، حَالَ الرَّضَاعِ: لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ، وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ، وَلِمَنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلظِّئْرِ وَهِيَ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَ غَيْرِهَا إنْ خَافَتْ عَلَيْهِ،

أَوْ عَلَى نَفْسِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفِطْرُ إذَا خَافَتْ عَلَى رَضِيعِهَا. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَنْ قَوْمٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ: إذَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى رَضَاعِهِ، أَوْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى رَضَاعِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُسْتَغْنِيَةً عَنْ إرْضَاعِهِ، أَوْ هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ إرْضَاعِهَا: لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفِطْرُ. الثَّالِثَةُ: يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى الْأُمِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا، وَلِهَذَا وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ، أَوْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ، فَلَوْ لَمْ تُفْطِرْ الظِّئْرُ فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا أَوْ نَقَصَ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ، وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا الْفِطْرَ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ: لَزِمَهَا الْفِطْرُ، فَإِنْ أَبَتْ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إلْزَامُهَا بِمَا يَلْزَمُهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ بِهِ الضَّرَرَ بِلَا طَلَبٍ قَبْلَ الْفَسْخِ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً. بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ لِوُجُوبِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْيَسُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لُزُومُ إخْرَاجِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا كَفَّارَةٌ. وَقَالَ الْمَجْدُ: إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ: جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ. الْخَامِسَةُ: لَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ

كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَسْقُطُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ، بَلْ أَوْلَى لِلْعُذْرِ، وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ عَنْ الْكَبِيرِ وَالْمَيْئُوسِ بِالْعَجْزِ، وَلَا إطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، غَيْرِ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. السَّادِسَةُ: لَوْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي تَهْلُكَةٍ، كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ: يَلْزَمُهُ إنْقَاذُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ، وَيَأْتِي، فِي الدِّيَاتِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا وَجْهَيْنِ: هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْضِعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ عَلَى جَنِينِهِمَا. وَهَلْ يُلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ افْتَقَرَ إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَقَالَ: لَوْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَفَّارَةِ: هَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُنْقَذِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِنْقَاذِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْآبِقِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى، وَأَوْلَى أَيْضًا مِنْ الْمُرْضِعِ، وَقَالُوا: يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الْفَجْرِ. ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ: لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ

خَرَّجَ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ صَوْمِهِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِهِ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا بَعْدَ نِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفَاقَ جُزْءًا مِنْهُ: صَحَّ صَوْمُهُ) . إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ: صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِقَلِيلِ الْجُنُونِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمَجْدُ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ إفَاقَتُهُ جَمِيعَ يَوْمِهِ، أَوْ يَكْفِي بَعْضُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْمَجْنُونِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لُزُومُ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَتَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ التَّخْرِيجِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. سَوَاءٌ فَاتَ الشَّهْرُ كُلُّهُ بِالْجُنُونِ أَوْ بَعْضُهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ قَضَى، وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لَمْ يَقْضِ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ: قَضَاهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ وَاجِبٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ مُعَيِّنًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ مِنْ قَضَائِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: اخْتَارَهَا أَصْحَابُنَا: أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَيْضًا، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ.

فَعَلَيْهَا: يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ لَيْلًا، وَبِنِيَّةِ فَرْضٍ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِ رَمَضَانَ، وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْلٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاوٍ تَرْكَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ؟ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ: يَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ) . يَعْنِي تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ. بِلَا نِزَاعٍ، وَلَوْ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ: لَمْ تَبْطُلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَبْطُلُ. قُلْت: وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ غَدٍ، وَقَدْ عَرَفَتْ الطُّهْرَ لَيْلًا، فَقِيلَ: يَصِحُّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلَ وَقِيلَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ لَيْلًا، وَقَدْ انْقَطَعَ دَمُهَا، أَوْ تَمَّتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ: صَحَّ صَوْمُهَا وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي نَهَارِ يَوْمٍ لِصَوْمِ غَدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِنْ اللَّيْلِ " وَعَنْهُ يَصِحُّ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، فَقَالَ: مَنْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالنَّهَارِ، وَلَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ. فَلَا بَأْسَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَسَخَ النِّيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " وَلَمْ يَنْوِهَا مِنْ اللَّيْلِ "

يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ الْقَاضِي، وَقَوْلُهُ " عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ " يَبْطُلُ بِهِ تَأْوِيلُ ابْنِ عَقِيلٍ. عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي لِرَمَضَانَ نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَأَقَرَّهَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا. الثَّالِثَةُ: يُعْتَبَرُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ. نَصَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، فَعَلَيْهَا: لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَقَالَ وَقِيلَ: مَا لَمْ يَفْسَخْهَا، أَوْ يُفْطِرْ فِيهِ يَوْمًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَحْتَاجُ مَعَ التَّعْيِينِ إلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا، أَوْ قَضَاءً وَكَفَّارَةَ ظِهَارٍ، فَهُوَ نَفْلٌ إلْغَاءً لَهُمَا بِالتَّعَارُضِ، فَتَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ الصَّوْمِ. جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ: فَهُوَ فَرْضِي، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: نَصَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَشَيْخُنَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.

وَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِصِحَّةِ النِّيَّةِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَالْمُطْلَقَةِ مَعَ الْغَيْمِ، دُونَ الصَّحْوِ؛ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ وَاجِبٍ عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَفِي إجْزَائِهِ عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ مِنْهُ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمِي عَنْهُ، وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ: لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ: وَجْهَانِ. لِلشَّكِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصْلِ. قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصِّحَّةَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ: صَحَّ صَوْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجَزْمِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَمِنْهَا: إذَا لَمْ يُرَدِّدْ النِّيَّةَ. بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، كَصَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ، وَلَمْ نُوجِبْ الصَّوْمَ بِهِ، فَبَانَ مِنْهُ: فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ: فِيمَنْ تَرَدَّدَ أَوْ نَوَى مُطْلَقًا، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ: يُجْزِئُهُ مَعَ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ لِوُجُودِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَمَنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، فَبَانَ مِنْهُ، فَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ اعْتَبَرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ، وَقِيلَ فِي الْإِجْزَاءِ: وَجْهَانِ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَا شَكَّ مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ بَلَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، قَالَ: بَلْ هُوَ أَضْعَفُ، رَدًّا إلَى الْأَصْلِ، وَمِنْهَا: لَوْ نَوَى الرَّمَضَانِيَّةَ عَنْ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ: أَجْزَأَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ: فَسَدَتْ نِيَّتُهُ، وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ

بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ. كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا نَقُولُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا: أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ عِنْدَنَا، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ: أَفْطَرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: يُكَفِّرُ إنْ تَعَمَّدَهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ. تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ " مَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ " أَيْ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ، لَا كَمَنْ أَكَلَ فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ ثُمَّ عَادَ وَنَوَاهُ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ. كَذَا لَوْ كَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ، فَقَطَعَ نِيَّتَهُ، ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ، وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إلَى النَّفْلِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى: أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى، أَوْ قَالَ: إنْ وَجَدْت طَعَامًا أَكَلْت وَإِلَّا أَتْمَمْت: فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ. قِيلَ يَبْطُلُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ، حَتَّى يَكُونَ عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ يَوْمَهُ كُلَّهُ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ نِيَّةَ الْفِطْرِ، وَالنِّيَّةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ

الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، اخْتَارَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ تَعْلِيقِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِالصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَلَمْ يَأْكُلَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ، وَتَعَذُّرِ تَكْمِيلِهِ، لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ. كَمَنْ أَكَلَ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ] َ قَوْلُهُ (أَوْ اسْتَعَطَ) . سَوَاءٌ كَانَ بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ: فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: إنْ وَصَلَ إلَى خَيَاشِيمِهِ أَفْطَرَ، لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ قَوْلُهُ (أَوْ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَدَمَ الْإِفْطَارِ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ، وَبِحُقْنَةٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَدْخَلَ شَيْئًا إلَى مُجَوَّفِ فِيهِ قُوَّةً تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَلَوْ كَانَ خَيْطًا ابْتَلَعَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ، أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ بِشَيْءٍ فِي جَوْفِهِ، فَغَابَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (أَوْ اكْتَحَلَ بِمَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ) ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِكُحْلٍ، أَوْ صَبِرٍ، أَوْ قُطُورٍ، أَوْ ذَرُورٍ، أَوْ إثْمِدٍ مُطَيَّبٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الِاكْتِحَالُ بِمَا يَجِدُ طَعْمَهُ كَصَبِرٍ يُفْطِرُ، وَلَا يُفْطِرُ الْإِثْمِدُ غَيْرُ الْمُطَيِّبِ إذَا كَانَ يَسِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ بِالْكُحْلِ الْحَادِّ دُونَ غَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " بِمَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ " يَعْنِي يَتَحَقَّقُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ وَصَلَ يَقِينًا أَوْ ظَاهِرًا أَفْطَرَ كَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِيمَا إذَا احْتَقَنَ أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ قَوْلُهُ (أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (أَوْ اسْتَقَاءَ) . يَعْنِي: فَقَاءَ، فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ [وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ] قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُفْطِرَ بِهِ. وَعَنْهُ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِمِلْءِ الْفَمِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ بِمِلْئِهِ أَوْ نِصْفِهِ، كَنَقْضِ الْوُضُوءِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عِنْدِي. وَعَنْهُ إنْ فَحُشَ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهَا الْأَشْهَرُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَاسْتِقَائِهِ نَاقِضًا، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ تَجَشَّأَ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ أَجْزَاءٌ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ. كَذَا هَاهُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَيَتَوَجَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: إنْ خَرَجَ مَعَهُ نَجِسٌ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقَيْءَ، فَقَدْ اسْتَقَاءَ. فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يستقئ، فَلَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: أَنَّهُ إذَا قَاءَ بِنَظَرِهِ إلَى مَا يُغَثِّيهِ: يُفْطِرُ كَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ.

قَوْلُهُ (أَوْ اسْتَمْنَى) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. يَعْنِي: إذَا اسْتَمْنَى فَأَمْنَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَا يُفْسِدُ. قَوْلُهُ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَمَالَ إلَيْهِ، وَرَدَّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ نَامَ نَهَارًا فَاحْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ أَمْنَى مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ أَوْ أَمْنَى لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَةٍ نَهَارًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَطِئَ قُرْبَ الْفَجْرِ، وَيُشْبِهُهُ مَنْ اكْتَحَلَ إذَنْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ هَاجَتْ شَهْوَتُهُ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى، وَلَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ: لَمْ يُفْطِرْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَخُرِّجَ بَلَى. قَوْلُهُ (أَوْ أَمْذَى) . يَعْنِي: إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْذَى: فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَ فِي الْفَائِقِ: أَنَّ الْمَذْيَ عَنْ لَمْسٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ " إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرَجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ " وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.

قَوْلُهُ (أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ) ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا يَفْسُدُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ " أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْذَى لَا يُفْطِرُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْقَوْلُ بِالْفِطْرِ أَقْيَسُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّمْسِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُكَرِّرْ النَّظَرَ لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَسَوَاءٌ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ بِهِمَا، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لَا بِالْمَذْيِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَيَأْتِي قَرِيبًا " إذَا فَكَّرَ فَأَنْزَلَ. كَذَا إذَا فَكَّرَ فَأَمْذَى "، وَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ " تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ؟ ". قَوْلُهُ (أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَا النَّهْيَ أَفْطَرَا، وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ مَصَّ الْحَاجِمُ الْقَارُورَةَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُفْطِرُ الْمَحْجُومُ عِنْدَهُ إنْ خَرَجَ الدَّمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: أَوْ احْتَجَمَ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْحَاجِمَ لَا يُفْطِرُ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ فَرَّقَ فِي الْفِطْرِ وَعَدَمِهِ بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا: أَنَّ الْحَاجِمَ يُفْطِرُ إذَا مَصَّ الْقَارُورَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَذْكُرَ الْحَاجِمَ أَيْضًا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا فِطْرَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ. قَالَ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. وَضَعَّفَ خِلَافَهُ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ احْتَجَمَ فَلَمْ يَسِلْ دَمٌ، لَمْ يُفْطِرْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِالْفِطْرِ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَقَالَ: لَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُ الدَّمِ، بَلْ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ لِغَيْرِ التَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ: لَمْ يُفْطِرْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ. فَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ فِيهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُ بِهِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ هُوَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَفْصُودِ دُونَ الْفَاصِدِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا فِطْرَ عَلَى فَاصِدٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفِطْرِ: هَلْ يُفْطِرُ بِالتَّشْرِيطِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ: الْأَوْلَى إفْطَارُ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّارِطِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِإِخْرَاجِ دَمِهِ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْإِفْطَارَ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ: فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا: لَمْ يَفْسُدْ) . يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَامِدًا، ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا: يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ حَتَّى فَعَلَهُ، أَوْ فُعِلَ بِهِ: لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَنَقَلَهُ الْفَضْلُ فِي الْحِجَامَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْإِمْنَاءِ بِقُبْلَةٍ، أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْمُسَاحَقَةُ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَكَذَا مَنْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ الْمَنِيَّ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَالْأَكْلِ فِي النِّسْيَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَنْ فَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ جَاهِلًا، أَوْ مُكْرَهًا: فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ وَيُفْطِرُ بِالْحِجَامَةِ نَاسٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: الْفِطْرَ بِالِاسْتِمْنَاءِ نَاسِيًا، وَقِيلَ: يُفْطِرُ بِاسْتِمْنَاءٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: الْفِطْرُ إنْ أَمْنَى بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: عَامِدًا. أَوْ أَمْذَى بِغَيْرِ الْمُبَاشَرَةِ عَامِدًا، وَقِيلَ: أَوْ سَاهِيًا، وَقَالَ فِي الْمُكْرَهِ: لَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ إنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ كَالْمَرِيضِ. وَلَا يُفْطِرُ إنْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ بِهِ، بِأَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ مُكْرَهًا، أَوْ نَائِمًا، أَوْ دَخَلَ فِي فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ أُوجِرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَجْلِ عِلَاجِهِ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُفْطِرُ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَاهِلَ بِالتَّحْرِيمِ يُفْطِرُ بِفِعْلِ الْمُفْطِرَاتِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ.

وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ كَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ الْمُفْسِدَ كَالنَّاسِي. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَرَادَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ: أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ يَشْرَبَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، فَهَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ عَلَى مَنْ رَآهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الْإِعْلَامُ، قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ فِي الْجَاهِلِ آكَدُ لِفِطْرِهِ بِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ وَجْهًا ثَالِثًا بِوُجُوبِ إعْلَامِ الْجَاهِلِ، لَا النَّاسِي. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إعْلَامُ مُصَلٍّ أَتَى بِمُنَافٍ لَا يُبْطِلُ وَهُوَ نَاسٍ أَوْ جَاهِلٌ. انْتَهَى، قُلْت: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ، مِنْهَا: لَوْ عَلِمَ نَجَاسَةَ مَاءٍ، فَأَرَادَ جَاهِلٌ بِهِ اسْتِعْمَالَهُ. هَلْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ؟ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ. إنْ قِيلَ إزَالَتُهَا شَرْطٌ؟ أَقْوَالٌ، وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَى نَائِمٍ، هَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ أَوْ لَا؟ أَوْ يَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّمْهِيدِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؟ أَقْوَالٌ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ كَالنَّاسِي، وَمِنْهَا: لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ: هَلْ يَلْزَمُ الْجَوَابُ لِلْمَسْئُولِ أَوْ لَا؟ أَوْ يَلْزَمُ إنْ كَانَ نَجِسًا؟ اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ. أَقْوَالٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَسَبَقَ أَيْضًا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ فِيمَا بَطَلَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُفْسِدًا لِصَلَاتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ:

يَتَوَجَّهُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ، فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ صَوْمُهُ. وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. انْتَهَى. قُلْت: وَيُشْبِهُ ذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ فِي الْخُلْعِ لِأَجْلِ عَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْخُلْعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، حَيْثُ قُلْنَا: فَسَدَ صَوْمُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، سِوَى الْمُبَاشَرَةِ بِقُبْلَةٍ، أَوْ لَمْسٍ، أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ وَفِكْرٍ، عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ لِلْحُقْنَةِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدٍ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ مَنْ احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ قَضَى فَقَطْ. قَالَ الْمَجْدُ: فَالْمُفْطِرَاتُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُكَفِّرُ بِكُلٍّ أَمَّا فِطْرُهُ بِفِعْلِهِ، كَبَلْعِ حَصَاةٍ وَقَيْءٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ وَعَنْهُ يُكَفِّرُ مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ اسْتِمْنَاءٍ، فَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَفِي الِاسْتِمْنَاءِ سَهْوًا: وَجْهَانِ، وَخَصَّ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةَ الْحِجَامَةِ بِالْمَحْجُومِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْحِجَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَحْظُورِ الصَّوْمِ كَالْجِمَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ، وَصَرَّحَ فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُكَفِّرُ هُنَا، فَهِيَ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُكَفِّرُ لِلْحِجَامَةِ كَكَفَّارَةِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّهُ

يُفْطِرُ مَنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ غُبَارٌ إذَا كَانَ غَيْرَ مَاشٍ، أَوْ غَيْرَ نَخَّالٍ أَوْ وَقَّادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَوْلُهُ (أَوْ قَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يُفْطِرُ إنْ وَصَلَ إلَى مَثَانَتِهِ، وَهُوَ الْعُضْوُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ. قَوْلُهُ (أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ فَكَّرَ فَأَمْذَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ وَالْمَذْيِ إذَا حَصَلَ بِفِكْرِهِ وَقِيلَ: يُفْطِرُ بِهِمَا إنْ اسْتَدْعَاهُمَا، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (أَوْ احْتَلَمَ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَأَمَّا إنْ أَعَادَهُ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ قَاءَ مَا لَا يُفْطِرُ بِهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ بِاخْتِيَارِهِ: أَفْطَرَ. قَوْلُهُ (أَوْ أَصْبَحَ فِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) . لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ. كَذَا لَوْ شَقَّ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ، أَوْ بَلْعُ رِيقِهِ عَادَةً: لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَفْظُهُ بِأَنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ، فَبَلَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ: أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَنَخَّعَ دَمًا كَثِيرًا فِي رَمَضَانَ أَحْسَنُ عَنْهُ. وَمِنْ غَيْرِ الْجَوْفِ أَهْوَنُ، وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ، مَعَ

أَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قِيلَ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْفِطْرِ. قَوْلُهُ (أَوْ اغْتَسَلَ) . يَعْنِي إذَا أَصْبَحَ. لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ. لَوْ أَخَّرَ الْغُسْلَ إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَاغْتَسَلَ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لَوْ أَخَّرَهُ يَوْمًا كَامِلًا: صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَمِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ: يَبْطُلُ صَوْمُهُ. حَيْثُ كَفَّرْنَاهُ بِالتَّرْكِ بِشَرْطِهِ، وَحَيْثُ لَمْ نُكَفِّرْهُ بِالتَّرْكِ: لَمْ يَبْطُلْ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَجِيءُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يُكَفِّرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي هِيَ بَعْدَهَا: أَنْ يَبْطُلَ الصَّوْمُ إذَا تَضَايَقَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ. قَالَ: وَمُرَادُهُ مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَإِنَّمَا لَمْ يَرْتَضِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ كَلَامَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا يُكَفِّرَ بِمُجَرَّدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دُعَائِهِ إلَى فِعْلِهَا. كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْحَائِضِ تُؤَخِّرُ الْغُسْلَ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: حُكْمُ الْجُنُبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ فِي الْحَائِضِ: تُؤَخِّرُ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ: تَقْضِي. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ لَيْلًا: الْغُسْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، أَوْ بَالَغَ فِيهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: لَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ مَاءٌ: لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُ صَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ بِالْفِطْرِ بِالْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ بِهِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِالْمُبَالَغَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ: لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ مَاءُ طَهَارَةٍ، وَلَوْ بِمُبَالَغَةٍ: لَمْ يُفْطِرْ، وَظَاهِرُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إبْطَالُ الصَّوْمِ بِالْمُجَاوَزَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا جَاوَزَتْ الثَّلَاثَ، فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ لِغَيْرِ طَهَارَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا: فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ: كُرِهَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْفِطْرِ بِهِ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ. كَذَا الْحُكْمُ إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غَيْرِ غُسْلٍ مَشْرُوعٍ، أَوْ أَسْرَفَ فِي الْغُسْلِ الْمَشْرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ: فَكَالْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا: فَكَمُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَتَمَضْمَضُ إذَا أُجْهِدَ. الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْغُسْلُ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّ غَوْصَهُ فِي الْمَاءِ كَصَبِّهِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ أَوْ مَسَامِعَهُ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ.

فَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ: فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُفْطِرُ. انْتَهَى، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمَا: يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَا لَمْ يَخَفْ ضَعْفًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) . يَعْنِي إذَا دَامَ شَكُّهُ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ، وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ مَعَ الشَّكِّ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَ الْفَجْرِ، فَبَانَ لَيْلًا، وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةَ صَوْمِهِ الْوَاجِبِ قَضَاءً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَمَا سَبَقَ، مِنْ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ وَقَصْدَهُ غَيْرُ الْيَقِينِ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اعْتِقَادُ طُلُوعِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) . يَعْنِي إذَا دَامَ شَكُّهُ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ النَّهَارِ إجْمَاعًا، فَلَوْ بَانَ لَيْلًا فِيهِمَا: لَمْ يَقْضِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: صَحَّ صَوْمُهُ، فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ الْغُرُوبَ، ثُمَّ شَكَّ وَدَامَ شَكُّهُ: لَمْ يَقْضِ وَجَزَمَ بِهِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: يَجُوزُ الْفِطْرُ مِنْ الصِّيَامِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ إلَّا مَعَ تَيَقُّنِ الْغُرُوبِ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَدَّدَ بَعْدُ. قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَوْجَبَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْقَضَاءَ فِي ظَنِّ الْغُرُوبِ. وَمِنْ هُنَا قَالَ: يَجُوزُ

الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ دُونَ آخِرِهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ: يُجَوِّزُهُ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ، فَبَانَ نَهَارًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: إنْ أَكَلَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَأَخْطَأَ: لَمْ يَقْضِ لِجَهْلِهِ، وَإِنْ ظَنَّ دُخُولَهُ فَأَخْطَأَ: قَضَى، وَتَقَدَّمَ إذَا أَكَلَ نَاسِيًا، فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ، فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الْفَرْجِ، قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا) يَعْنِي بِفَرْجٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا) . لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَامِدِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النَّاسِيَ كَالْعَامِدِ فِي الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ مَاحِيَةٌ، وَمَعَ النِّسْيَانِ: لَا إثْمَ يَنْمَحِي، وَعَنْهُ وَلَا يَقْضِي أَيْضًا، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا " هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ الْغُسْلِ وَالْحَدِّ: لَا يَقْضِي، وَلَا يُكَفِّرُ إذَا جَامَعَ فِي الدُّبُرِ. لَكِنْ إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَقَدْ قَاسَ جَمَاعَةٌ عَلَيْهِمَا. الثَّانِي: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ أَوْلَجَ فِي آدَمِيٍّ مَيِّتٍ: فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَأْتِي حُكْمُ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ الْمَيِّتَةِ. الثَّالِثُ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: الْمُكْرَهَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَسَوَاءٌ أُكْرِهَ حَتَّى فَعَلَهُ، أَوْ فُعِلَ بِهِ، مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنْهُ كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الصَّحِيحُ فِي الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ: إذَا غُلِبَ عَلَيْهِمَا لَا يُفْسِدَانِ. قَالَ: فَأَنَا أُخَرِّجُ فِي الْوَطْءِ رِوَايَةً مِنْ الْأَكْلِ، وَفِي الْأَكْلِ رِوَايَةٌ مِنْ الْوَطْءِ، وَنَفَى الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا قَالَ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَقْضِي مَنْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ، لَا مَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ مَعَ النَّوْمِ فَقَطْ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ نَصَّ أَحْمَدَ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ فَوَائِدُ. الْأُولَى: حَيْثُ فَسَدَ الصَّوْمُ بِالْإِكْرَاهِ، فَهُوَ فِي الْكَفَّارَةِ كَالنَّاسِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ، أَكْرَهَهُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: يُكَفِّرُ مَنْ فَعَلَ بِالْوَعِيدِ دُونَ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَامَعَ يَعْتَقِدُهُ لَيْلًا، فَبَانَ نَهَارًا: وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكَفِّرُ، اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي وَأَوْلَى. انْتَهَى، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى الثَّانِيَةِ: إنْ عَلِمَ فِي الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَهَارٌ، وَدَامَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى مَنْ وَطِئَ بَعْدَ فَسَادِ صَوْمِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا، أَوْ اعْتَقَدَ الْفِطْرِيَّةَ، ثُمَّ جَامَعَ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ، فَيُكَفِّرُ عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ مَعَ الْعُذْرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً تُكَفِّرُ. وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنَّهَا مُخَرَّجَةُ مِنْ الْحَجِّ، وَعَنْهُ تُكَفِّرُ، وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أُكْرِهَتْ حَتَّى مَكَّنَتْ: لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ غُصِبَتْ أَوْ أُتِيَتْ نَائِمَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: فَسَادُ صَوْمِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

وَعَنْهُ لَا يَفْسُدُ، اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقِيلَ: يَفْسُدُ إنْ قَبِلَتْ، لَا الْمَقْهُورَةُ وَالنَّائِمَةُ، وَأَفْسَدَ ابْنُ أَبِي مُوسَى صَوْمَ غَيْرِ النَّائِمَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ نَاسِيَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا عَلَى النَّاسِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ النَّاسِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَفْسُدَ صَوْمُهَا مَعَ النِّسْيَانِ، وَإِنْ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً. انْتَهَى. وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ: إذَا جُومِعَتْ جَاهِلَةً وَنَحْوُهَا، وَعَنْهُ يُكَفِّرُ عَنْ الْمَعْذُورَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ جَهْلٍ وَنَحْوِهِ، كَأُمِّ وَلَدِهِ إذَا أَكْرَهَهَا وَقُلْنَا: يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهَا مَعَ عَدَمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي: إذَا طَاوَعَتْهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ [وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ] ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُمَا، خَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَجِّ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ طَاوَعَتْ أُمُّ وَلَدِهِ عَلَى الْوَطْءِ كَفَّرَتْ بِالصَّوْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُكَفِّرُ عَنْهَا سَيِّدُهَا الثَّانِيَةُ: لَوْ أَكْرَهَ الرَّجُلُ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَطْءِ دَفَعَتْهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، وَلَوْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى ذَهَابِ نَفْسِهِ كَالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ: أَفْطَرَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ إذَا بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ، وَمَالَ إلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَمْذَى بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ: أَفْطَرَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى أَوَّلَ الْبَابِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ أَيْضًا إذَا كَانَ نَاسِيًا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ فَقَالَ: وَمَنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ، فَأَنْزَلَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ إذَا كَانَ نَاسِيًا، سَوَاءٌ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ: أَفْطَرَ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الْبَهِيمَةِ كَالْإِيلَاجِ فِي الْآدَمِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: عَنْهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ عِنْدَ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا وَعَدَمِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ، وَكَذَا خَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً، بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ. انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَائِدَةٌ: الْإِيلَاجُ فِي الْبَهِيمَةِ الْمَيِّتَةِ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ الْحَيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: الْحُكْمُ مَخْصُوصٌ بِالْحَيِّ فَقَطْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُجَامِعِ دُونَ الْفَرْجِ. يَعْنِي: إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ، وَقُلْنَا: يُفْطِرُ، فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ النَّصِيحَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ لَمْ

يَذْكُرْ غَيْرَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، فَعَلَى الْأُولَى: لَا كَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي أَيْضًا بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْعَامِدِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَالْمُخْتَارَةُ لِعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمَا: لَا كَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي. فَائِدَةٌ: لَوْ أَنْزَلَ الْمَجْبُوبُ بِالْمُسَاحَقَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَاطِئِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. كَذَلِكَ إذَا تَسَاحَقَتْ امْرَأَتَانِ فَأَنْزَلَتَا [إنْ قُلْنَا يَلْزَمُ الْمُطَاوِعَةَ كَفَّارَةٌ، وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا تَسَاحَقَتَا فَأَنْزَلَتَا] فَهَلْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُجَامِعِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا بِحَالٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ الْمَرْأَةِ: هَلْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ. وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. انْتَهَى، وَكَذَلِكَ الِاسْتِمْنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا كَفَّارَةَ بِالِاسْتِمْنَاءِ، مُعْتَمِدًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ، وَبِالْفَرْقِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَهُمَا، إذَا أَنْزَلَ أَوْ أَمْذَى بِهِ: لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا فِي الْمُجَامَعَةِ دُونَ الْفَرْجِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَنَصُّ أَحْمَدَ: إنْ قَبَّلَ فَأَمْذَى لَا يُكَفِّرُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْهُ، وَعَنْهُ هُوَ كَاللَّمْسِ إذَا أَمْنَى بِهِ، وَجَزَمَ فِي الْإِفَادَاتِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقِيلَ: إنْ أَمْنَى بِفِكْرَةٍ، أَوْ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ عَمْدًا: أَفْطَرَ، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ إذَا قُلْنَا يُفْطِرُ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ كَوَطْءِ الْآدَمِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِذَلِكَ، خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّمَضَانِيَّةِ، مِنْ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ " وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ".

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ، وَلَمْ يُكَفِّرْ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَيَوْمَيْنِ فِي رَمَضَانَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَجَامِعِهِ، وَرِوَايَتَيْهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِمَا. وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَزِمَهُ ثِنْتَانِ فِي الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْحُدُودِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ هُوَ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَعَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ، لَوْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ. ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الرُّؤْيَةُ الْأُولَى: لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا، وَأَجْزَأَتْهُ الثَّانِيَةُ عَنْهُمَا، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ الثَّانِيَةُ وَحْدَهَا: لَزِمَهُ بَدَلُهَا. وَلَوْ اسْتَحَقَّتَا جَمِيعًا: أَجْزَأَهُ بَدَلُهُمَا، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ. لِأَنَّ مَحَلَّ التَّدَاخُلِ وُجُودُ السَّبَبِ الثَّانِي قَبْلَ أَدَاءِ مُوجِبِ الْأَوَّلِ، وَنِيَّةُ التَّعْيِينِ لَا تُعْتَبَرُ، فَتَلْغُو وَتَصِيرُ كَنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ: أَنَّ الشَّهْرَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ أَحْمَدَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ، ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ وَتَدَاخَلَ مُوجِبُهُ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُصُولِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي: لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ) . يَعْنِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسَافِرٍ قَدِمَ مُفْطِرًا، ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَاخْتَارَ الْمَجْدُ: حَمْلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا فِيمَنْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ، فَائِدَةٌ: لَوْ أَكَلَ ثُمَّ جَامَعَ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ. ثُمَّ جُنَّ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ سَافَرَ: لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ) . كَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَرَضِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهًا: تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِحُدُوثِ حَيْضَةٍ وَنِفَاسٍ، لِمَنْعِهِمَا الصِّحَّةَ، وَمِثْلُهُمَا مَوْتٌ. كَذَا جُنُونٌ إنْ مَنَعَ طَرَيَان الصِّحَّةِ، فَائِدَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَوْ مَاتَ أَثْنَاءَ النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَفَائِدَةُ بُطْلَانِ صَوْمِهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَذْرًا: وَجَبَ الْإِطْعَامُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمَ كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ: وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، ثُمَّ جَامَعَ. فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الْمَجْدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَجَزَمَ بِهِ عَلَى هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ: فَلَهُ الْفِطْرُ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ، فَعَلَيْهَا: إنْ جَامَعَ كَفَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُكَفِّرُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ) . يَعْنِي فِي نَفْسِ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ. فَائِدَةٌ: لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَإِنْ اسْتَدَامَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ، بَلْ نَزَعَ فِي الْحَالِ، مَعَ أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ: فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَنَصَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَفِي الْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ. قَالَ فِي الْفَائِقِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُبْهِجِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ وَطْءِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، قَبْلَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَإِنْ جَازَ فَالنَّزْعُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ، وَإِلَّا كَانَ جِمَاعًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَقْضِي قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْكَفَّارَةِ عَنْهُ خِلَافٌ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَقْضِي، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِحُصُولِهِ مُجَامِعًا أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْيَوْمِ أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْهُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ، وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ خَشِيَ مُفَاجَأَةَ الْفَجْرِ: أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ بَعْضُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالْكَفَّارَةُ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ هُنَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ. كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ، قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ فِي الصِّيَامِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ هُنَا قَبْلَ التَّفْكِيرِ، وَلَا فِي لَيَالِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ سَوَاءٌ، إلَّا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَفِي لَيَالِي الصَّوْمِ إذَا كَفَّرَ [بِهِ] فَإِنَّهُ يُبَاحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، ذَكَرَهُ فِيهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ النُّزُولِ: أَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً، وَجَزَمَ بِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ عَنْهُ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ [هَذِهِ] الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ عَجَزَ وَقْتَ الْجِمَاعِ عَنْهَا بِالْمَالِ وَقِيلَ بِالْمَالِ: وَالصَّوْمِ سَقَطَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَظْهَرُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: وَبِدُونِ إذْنِهِ، وَعَنْهُ لَا يَأْخُذُهَا، وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي أَنَّهُ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا، أَمْ كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ رَخَّصَ لِلْأَعْرَابِيِّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ كَفَّارَةً» . فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا تَسْقُطُ غَيْرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ

باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء

وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَعَنْهُ تَسْقُطُ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ تَسْقُطُ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَسْقُطُ مُطْلَقًا كَرَمَضَانَ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَحْكَامِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ هَلْ يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ؟ وَتَقَدَّمَ كَكَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي بَابِهِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ أَكْلِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ عَنْهُ: حُكْمُ كَفَّارَةِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ جَوَازُ أَكْلِهِ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ رَمَضَانَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَّكَهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَقُلْنَا لَهُ أَخْذُهُ هُنَاكَ فَلَهُ هُنَا أَكْلُهُ، وَإِلَّا أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هَلْ لَهُ أَكْلُهُ، أَوْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا هُنَا. وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الظِّهَارِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ لِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ: مِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ وَصِفَتُهُ [بَابُ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ وَحُكْمُ الْقَضَاءِ] ِ قَوْلُهُ (يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ، وَأَنْ يَبْتَلِعَ النُّخَامَةَ وَهَلْ يُفْطِرُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . إذَا جَمَعَ رِيقَهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا كُرِهَ، بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُفْطِرُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. كَمَا لَوْ ابْتَلَعَهُ قَصْدًا وَلَمْ يَجْمَعْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يُفْطِرُ بِذَلِكَ، فَيَحْرُمُ فِعْلُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ أَخْرَجَ رِيقَهُ إلَى مَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ. ثُمَّ أَعَادَهُ وَبَلَعَهُ. حَرُمَ عَلَيْهِ، وَأَفْطَرَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ وَيَبْلَعُهُ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً، كَغَيْرِ الرِّيقِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْرَجَ حَصَاةً مِنْ فَمِهِ أَوْ دِرْهَمًا أَوْ خَيْطًا ثُمَّ أَعَادَ، فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرًا فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ إلَى فِيهِ بِمَا عَلَيْهِ وَبَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ، أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَيْءٌ، أَوْ قَلَسٌ فَبَلَعَهُ أَفْطَرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ؛ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَإِنْ بَصَقَهُ وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا فَبَلَعَ رِيقَهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بَلَعَ شَيْئًا نَجِسًا أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا النُّخَامَةُ إذَا بَلَعَهَا: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِطْرِ بِهِ وَجْهَيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النُّخَامَةَ تَارَةً تَكُونُ مِنْ جَوْفِهِ، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ [دِمَاغِهِ، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ] حَلْقِهِ، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى فَمِهِ ثُمَّ بَلَعَهَا، فَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثَلَاثُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: إنْ كَانَتْ مِنْ جَوْفِهِ أَفْطَرَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

إحْدَاهُمَا: يُفْطِرُ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُفْطِرُ، فَيُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: فِي بَلْعِ النُّخَامَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ رِوَايَتَانِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمُحَرَّرِهِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يُفْطِرُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُفْطِرُ بِهِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: إنْ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ: أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صَدْرِهِ فَرِوَايَتَانِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ) . هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَأَطْلَقُوا. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلْحَاجَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ وَحَاجَةٍ، كَذَوْقِ الطَّعَامِ مِنْ الْقِدْرِ، وَالْمَضْغِ لِلطِّفْلِ وَنَحْوِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَحَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ لِإِطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: إذَا ذَاقَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْصِي فِي الْبَصْقِ. ثُمَّ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي

حَلْقَهُ لَمْ يُفْطِرْ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي الْبَصْقِ أَفْطَرَ لِتَفْرِيطِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يُفْطِرُ مُطْلَقًا، قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ الَّذِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ الْمُومْيَا، وَاللِّبَانُ الَّذِي كُلَّمَا مَضَغَهُ قَوِيَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ، وَيَجْمَعُ الرِّيقَ وَيُوَرِّثُ الْعَطَشَ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ غَالِبًا: وَفِطْرُهُ بِوُصُولِهِ أَوْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِهِ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي تَحْرِيمِ مَا لَا يَتَحَلَّلُ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُفْطِرُ إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَصَفَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الطَّعْمِ لَا يُفْطِرُ. كَمَنْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِحَنْظَلٍ. إجْمَاعًا، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْطِرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أَجْزَاءٌ) هَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ) . يَعْنِي فَيَجُوزُ، وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَجَزَمُوا بِهِ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ مَضْغُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَفَرَضَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَوْقِهِ يَعْنِي يَحْرُمُ

ذَوْقُهُ وَإِنْ لَمْ يَذُقْهُ لَمْ يَحْرُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَحْرُمُ ذَوْقُ مَا يَتَحَلَّلُ، أَوْ يَتَفَتَّتُ، وَقِيلَ: إنْ بَلَعَ رِيقَهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، فَاعِلُ الْقُبْلَةِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْهُ تَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَظُنَّ الْإِنْزَالَ، فَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْقُبْلَةُ إذَا لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ: وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ بِشَهْوَةٍ، فَمَفْهُومُهُ: لَا تُكْرَهُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ تُكْرَهُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ: عَائِدٌ إلَى مَنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّى، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَشْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا:

وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَلَا تُكْرَهُ. لَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي. فَائِدَةٌ: إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ مَنْ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذِكْرِ الْقُبْلَةِ: دَوَاعِي الْجِمَاعِ بِأَسْرِهَا أَيْضًا. وَلِهَذَا قَاسُوهُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَقَالُوا: عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: وَاللَّمْسُ، وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ. لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقُبْلَةِ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِي الْجِمَاعِ، فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ، وَالتَّلَذُّذُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ. هَذَا كَلَامُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شُتِمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ) . يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ مَعَ نَفْسِهِ، يَزْجُرُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَطَّلِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُوَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِلْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنْ يَقُولَهُ: جَهْرًا فِي رَمَضَانَ، وَسِرًّا فِي غَيْرِهِ زَاجِرًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ؛ وَذَلِكَ لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ) إجْمَاعًا. يَعْنِي إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السَّحُورِ) . إجْمَاعًا. إذَا لَمْ يُخْشَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اسْتِحْبَابُ السَّحُورِ مَعَ الشَّكِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا قَوْلَ أَبِي دَاوُد: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ " إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ غَيْرِ الشَّيْخِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُ الْمَنْعِ بِالشَّكِّ، وَكَذَا جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ، وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَكَذَا خَصَّ الْأَصْحَابُ الْمَنْعَ بِالْمُتَيَقَّنِ. كَشَكِّهِ فِي نَجَاسَةِ طَاهِرٍ. قَالَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ لِعَالِمَيْنِ: اُرْقُبَا الْفَجْرَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَطْلُعْ. أَكَلَ حَتَّى يَتَّفِقَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إذَا خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ. لِيَتَحَقَّقَ لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ، وَقَالَ: لَا فَرْقَ. ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، وَقَالَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ شَكِّهِ فِي طُلُوعِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ " أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ، وَيُكْرَهُ الْجِمَاعُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَجِبُ إمْسَاكُ جَزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ، أَوْ صَرِيحُهُ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ.

وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ. الثَّالِثَةُ: الْمَذْهَبُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالظَّنِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ، وَلَا يَجُوزُ فِي آخِرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَوْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الْآخِرِ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَوَّلِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. الرَّابِعَةُ: إذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ الْأَعْلَى: أَفْطَرَ الصَّائِمُ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَطْعَمْ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، فَلَا يُثَابُ عَلَى الْوِصَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَقَالَ: وَالْعَلَامَاتُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ: فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» مُتَلَازِمَةٌ، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا لِئَلَّا يُشَاهِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِهَا. ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا، وَيَقُولُ: يُقْبِلُ اللَّيْلُ مَعَ بَقَاءِ الشَّمْسِ، وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا مُشَاهَدٌ. الْخَامِسَةُ: تَحْصُلُ فَضِيلَةُ السَّحُورِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَكَمَالُ فَضِيلَتِهِ بِالْأَكْلِ قَوْلُهُ (وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ) . هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: يُسَنُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الرُّطَبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَقَالَ فِي

الْوَجِيزِ: وَيُفْطِرُ عَلَى رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: يُفْطِرُ عَلَى تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ مَاءٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيُسَنُّ أَنْ يُعَجِّلَ فِطْرَهُ عَلَى تَمْرٍ أَوْ مَاءٍ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ. سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك. اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي. إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) هَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَزَادَ " بِسْمِ اللَّهِ " وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ " بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ " وَبَعْدَ قَوْلِهِ " وَعَلَى رِزْقِك " أَفْطَرْتُ ": " وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ " وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا أَفْطَرَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ. وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ، وَثَبُتَ الْأَجْرُ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» . فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ فِطْرِهِ. فَإِنَّ لَهُ دَعْوَةً لَا تُرَدُّ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَطِّرَ الصُّوَّامَ، «وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُرَادُهُ بِتَفْطِيرِهِ أَنْ يُشْبِعَهُ. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ كَثْرَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَالصَّدَقَةِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجِبُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ إنْ [قُلْنَا: إنَّ] قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ، وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ قَبْلَ [قَضَاءِ] رَمَضَانَ لَهُمْ أَمْ لَا؟ .

تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَتَّسِعُ لِلْقَضَاءِ فَقَطْ. فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ التَّتَابُعُ قَوْلًا وَاحِدًا، فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: هَلْ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِ الْقَضَاءِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّلَاةِ: لَا تَنْتَفِي إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى النَّفْلِ فِي ثَانِي الْوَقْتِ. قَالَ: وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ مُتَرَاخِيَةٍ. الثَّانِيَةُ: مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ كَامِلًا، سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لِعُذْرٍ كَالْأَسِيرِ وَالْمَطْمُورِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ غَيْرِهِ: قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ مُطْلَقًا، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إنْ قَضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أَجْزَأَهُ. سَوَاءٌ كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ شَهْرًا صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ: هُوَ أَشْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: أَجْزَأَ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَنْ صَامَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ كَامِلٍ، أَوْ مِنْ أَثْنَاءِ شَهْرٍ، تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَكَانَ رَمَضَانُ الْفَائِتُ نَاقِصًا: أَجْزَأَهُ عَنْهُ، اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَقْضِي يَوْمًا تَكْمِيلًا لِلشَّهْرِ بِالْهِلَالِ، أَوْ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَخَّرَهُ رَمَضَانَاتٍ

وَلَمْ يَمُتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ؛ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ. فَائِدَةٌ: يُطْعِمُ مَا يُجْزِئُ كَفَّارَةً. وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ. قَالَ الْمَجْدُ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ رِوَايَةً: يُطْعِمُ عَنْهُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الصَّوْمُ عَنْهُ، أَوْ التَّكْفِيرُ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَخَّرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) أَنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ: الْعِبَادَةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ. بَلْ النِّيَابَةُ تَدْخُلُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، إذَا وَجَبَتْ وَعَجَزَ عَنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ: فَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، فَلَنَا رِوَايَةٌ: أَنَّ الْوَارِثَ يَنْوِ عَنْهُ فِي جَمِيعِهَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. انْتَهَى. وَمَالَ النَّاظِمُ إلَى جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ بِهِ، لَمْ أَبْعُدْ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ أَخَّرَهُ لَا لِعُذْرٍ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ: أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَالْمُخْتَارُ الصِّيَامُ عَنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَصِحُّ قَضَاءُ نَذْرٍ قُلْت: وَفَرْضٍ عَنْ مَيِّتٍ مُطْلَقًا. كَاعْتِكَافٍ. انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَبَرَّعَ بِصَوْمِهِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَهُمَا مُعْسِرَانِ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ، بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، أَوْ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَحَكَاهُمَا فِي الْفَائِقِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ فَقَطْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ. وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَانِ؛ لِاجْتِمَاعِ التَّأْخِيرِ وَالْمَوْتِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَقْضِي مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَقَالَ: لَا تَصِحُّ عَنْهُ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْإِطْعَامُ يَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ صَوْمُ كَفَّارَةٍ عَنْ مَيِّتٍ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ أُطْعِمَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مِنْ كَفَّارَةٍ: أُطْعِمَ عَنْهُ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ: فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى مَا سَبَقَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيُجْزِئ عِدَّتُهُمْ مِنْ الْأَيَّامِ عَلَى الصَّحِيحِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ، وَحَمَلَ الْمَجْدُ مَا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى صَوْمِ شَرْطِ التَّتَابُعِ، وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَصُومُ وَاحِدٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: فَمَعَ الِاشْتِرَاكِ كَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ [مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي] ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ ظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ: يَصُومُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ: ابْنُهُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّصِّ: أَنَّهُ لَا يُصَامُ بِإِذْنِهِ. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: قَوْلُهُ (فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) . يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ فِعْلُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَجَبَ فِعْلُهُ، فَيُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ الصَّوْمُ. وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ

إلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَمَعَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ مِنْ الصَّوْمِ يَجِبُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَعَ صَوْمِ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا يَعْجِزُ عَنْهُ: أَنَّ صَوْمَ النَّذْرِ لَا إطْعَامَ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ رَمَضَانَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ خِلَافَهُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا امْتَنَعُوا يَلْزَمُهُمْ اسْتِنَابَةٌ وَلَا إطْعَامٌ. الثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ مَعَ الصَّوْمِ عَنْهُ، أَوْ الْإِطْعَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الصَّوْمَ عَنْهُ بَدَلٌ مُجْزِئٌ عَنْهُ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَأَوْجَبَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْكَفَّارَةَ. قَالَ: كَمَا لَوْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ صَوْمَ شَهْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ لَمْ يَقْضِهِ عَنْهُ وَرَثَتُهُ أَوْ غَيْرُهُمْ: أُطْعِمَ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَإِنْ قَضَى كَفَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَعَنْهُ مَعَ الْعُذْرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: هَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ مَا نَذَرَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَّا إنْ أَمْكَنَهُ صَوْمُ بَعْضِ مَا نَذَرَهُ: قَضَى عَنْهُ مَا أَمْكَنَهُ صَوْمُهُ فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: يَثْبُتُ الصِّيَامُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إمْكَانُ أَدَائِهِ، وَيُخَيَّرُ وَلِيُّهُ بَيْنَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ، أَوْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يَصُومُ عَنْهُ.

وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يَقْضِي عَنْ الْمَيِّتِ مَا تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِالْمَرَضِ دُونَ الْمُتَعَذِّرِ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: وَأَمَّا الْمَنْذُورَاتُ: فَفِي اشْتِرَاطِ التَّمَكُّنِ لَهَا مِنْ الْأَدَاءِ وَجْهَانِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْقَضَاءِ: هَلْ يَقْضِي الصَّائِمُ الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ خَاصَّةً، أَوْ الْفَائِتَ بِالْمَرَضِ وَالْمَوْتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. الثَّانِي: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النَّذْرُ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا إنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَقْضِ عَنْهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا مَذْهَبُ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ سَقَطَ بَاقِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِمَرَضٍ حَتَّى انْقَضَى، ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ: فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ هَذِهِ أَحْكَامُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مَنْذُورٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَلِيَّهُ يَفْعَلُهُ عَنْهُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُ لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا يُعْتَبَرُ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْفَقِيرِ إذَا نَذَرَ الْحَجَّ، وَلَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ النَّذْرِ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً حَتَّى مَاتَ لَا يُقْضَى عَنْهُ، كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَعَلَيْهِ قِيَاسُ كُلِّ صُورَةٍ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، كَاَلَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ، أَوْ عِنْدَ خَوْفِ الطَّرِيقِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسَعَةِ الْوَقْتِ: هَلْ هُوَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ؟ . الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ حُكْمُ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ إذَا مَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ.

الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى التَّرِكَةِ. كَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ فِي نَذْرٍ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فِي كَفَّارَةٍ، إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلِ الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُفْعَلُ عَنْهُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ أَنْ يَعْتَكِفُوا عَنْهُ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ، فَالْخِلَافُ السَّابِقُ كَالصَّوْمِ، وَقِيلَ: يَقْضِي. وَقِيلَ: لَا، فَعَلَيْهِ يَسْقُطُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا حَكَيْته فِي الْمَتْنِ هَكَذَا " وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ " فَلَفْظَةُ " مَنْذُورٌ " مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الِاعْتِكَافِ، وَهَكَذَا فِي نُسَخٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ، فَغَيَّرَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالْإِصْلَاحِ، فَقَالَ " وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مَنْذُورٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ اعْتِكَافٌ فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ " لِأَنَّ تَأْخِيرَ لَفْظَةِ " مَنْذُورٌ " لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ: إمَّا أَنْ يُعِيدَهُ إلَى الثَّلَاثَةِ، أَوْ إلَى الْأَخِيرِ، وَهُوَ الِاعْتِكَافُ، وَعَلَى كِلَيْهِمَا يَحْصُلُ فِي الْكَلَامِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الِاعْتِكَافِ فَقَطْ بَقِيَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا. وَالْوَلِيُّ لَا يَفْعَلُ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ مِنْ الصَّوْمِ، وَإِنْ عَادَ إلَى الثَّلَاثَةِ، بَقِيَ الْحَجُّ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مَنْذُورًا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَفْعَلُ الْحَجَّ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ أَيْضًا، فَلِذَلِكَ غَيَّرَ.

وَلَا يُقَالُ: إذَا قَدَّمْنَا لَفْظَةَ " مَنْذُورٌ " عَلَى الْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ، يَبْقَى الِاعْتِكَافُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ وَاجِبًا إلَّا بِالنَّذْرِ. قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى [صِفَةِ] مَا قَالَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ أَوْلَى، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا النِّيَابَةُ فِي الْمَنْذُورَاتِ لَا غَيْرُ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ، وَالصَّوْمَ الْمَنْذُورَ، فَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْحَجِّ إذَا كَانَ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ يُفْعَلُ: فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَقَالَ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ: أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ غَالِبُ الْأَصْحَابِ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، فَيَذْكُرُونَ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمُحَرَّرِهِ، وَالشَّارِحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يُفْعَلُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ جَزَمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَهِيَ الصَّحِيحَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُفْعَلُ عَنْهُ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا يُفْعَلُ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي نَظْمِ النِّهَايَةِ: لَا يُفْعَلُ فِي الْأَظْهَرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِهَا.

تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُ ذِكْرَ " الْوَارِثُ " هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْخِرَقِيُّ: هُوَ الْوَارِثُ مِنْ الْعَصَبَةِ. الثَّانِي: هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ إذَا كَانَ النَّاذِرُ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَدَاءِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّمَكُّنُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنْ الطَّاعَاتِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: مَنْ نَذَرَ طَاعَةً فَمَاتَ فُعِلَتْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ: صَامَ عَنْهُ وَرَثَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ وَطَاعَةٍ، وَكَذَا قَالَ فِي الْعُمْدَةِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ نَذْرٍ وَطَاعَةٍ إلَّا الصَّلَاةَ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِصَّةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ نَذْرٍ يُقْضَى، كَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَقَى: بِقَضَاءِ كُلِّ الْمَنْذُورَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لَا تُفْعَلُ طَهَارَةٌ مَنْذُورَةٌ عَنْهُ مَعَ لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي فِعْلِهَا عَنْ الْمَيِّتِ وَلُزُومِهَا بِالنَّذْرِ مَا سَبَقَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ: هَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّ قِيَاسَ عَدَمِ فِعْلِ الْوَلِيِّ لَهَا: أَنْ لَا تُفْعَلَ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ لَزِمَتْ الطَّهَارَةُ: لَزِمَ فِعْلُ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا بِهَا، كَنَذْرِ

باب صوم التطوع

الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ، يَلْزَمُ تَحِيَّةُ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ. انْتَهَى. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الطَّوَافَ الْمَنْذُورَ كَالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ. [بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ] ِ قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُهُ صَوْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ مِنْ الْأَصْحَابِ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، فَظَاهِرُ حَالِهِ: أَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ أَفْضَلُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ صَوْمُ الدَّهْرِ إذَا دَخَلَ فِيهِ يَوْمَا الْعِيدَيْنِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِالْكَرَاهَةِ، وَمُرَادُهُمَا: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ: جَازَ صَوْمُهُ، وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا أَفْطَرَهَا رَجَوْت أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَثَرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ تَرْكًا لِلْأَوْلَى أَوْ كَرَاهَةً. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَتْ بَيْضَاءَ لِابْيِضَاضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ.

وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِهِ " اللَّطِيفُ الَّذِي لَا يَسَعُ جَهْلُهُ " إنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْضَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ، وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ، وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) . أَنَّ الْأَوْلَى: مُتَابَعَةُ السِّتِّ، إذْ الْمُتَابَعَةُ ظَاهِرُهَا التَّوَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَصَرَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: حُصُولُ فَضِيلَتِهَا بِصَوْمِهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً. ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقُ وَغَيْرُهُمْ. هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِإِطْلَاقِهِمْ صَوْمًا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ فَرَّقَهَا جَازَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ. قَالَ فِي اللَّطَائِفِ: هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ التَّتَابُعَ، وَأَنْ يَكُونَ عَقِيبَ الْعِيدِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ، فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَحْصُلُ بِصِيَامِ السِّتَّةِ فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَوَّالٍ فَفِيهِ نَظَرٌ.

قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِفَضِيلَةِ رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ حَرِيمَهُ، لَا لِكَوْنِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ يُسَاوِي رَمَضَانَ فِي فَضِيلَةِ الْوَاجِبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا، وَقَضَى رَمَضَانَ، وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَمَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ: خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَمَّا كَوْنُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ بَيْنَ شَهْرَيْنِ حَرَامَيْنِ: كَفَّرَ سَنَةً قَبْلَهُ وَسَنَةً بَعْدَهُ، وَالثَّانِي: إنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ وُعِدَتْ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرَيْنِ، وَإِنَّمَا كَفَّرَ عَاشُورَاءُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ؛ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا وَجَاءَ بَعْدَهَا، وَالتَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا مَضَى لَا لِمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَفِطْرُهُ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ إلَّا لِمَنْ يُضَعِّفُهُ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ صِيَامُهُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إذَا عَدِمَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ. تَنْبِيهٌ: عَدَمُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ لِتَقَوِّيهِ عَلَى الدُّعَاءِ. قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَعَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ.

فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ، قَالَ: عَرَفْت؟ قَالَ: عَرَفْت. وَقِيلَ: لِتَعَارُفِ حَوَّاءَ وَآدَمَ بِهَا. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ لَيْسَ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فِي عَدَمِ الصَّوْمِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ بِهِمَا. انْتَهَى، وَسُمِّيَ " يَوْمُ التَّرْوِيَةِ " لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ، وَكَانُوا يَرْتَوُونَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى: هَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ، أَوْ حُلْمٌ؟ فَلَمَّا رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) . بِلَا نِزَاعٍ، وَأَفْضَلُهُ: يَوْمُ التَّاسِعِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. ثُمَّ يَوْمُ الثَّامِنِ، وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَآكَدُ الْعَشْرِ: الثَّامِنُ، ثُمَّ التَّاسِعُ. قُلْت: وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ. قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) ، قَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَحَمَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا. انْتَهَى. وَحَمَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي لَطَائِفِهِ عَلَى أَنَّ صِيَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ بِالصِّيَامِ

بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ: جَوْفُ اللَّيْلِ» قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّوَاتِبَ أَفْضَلُ، فَمُرَادُهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ: فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالتَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَعْبَانَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ كَالرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ. قَالَ: فَظَهَرَ أَنَّ فَضْلَ التَّطَوُّعِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَمَضَانَ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مُلْتَحِقٌ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: أَفْضَلُ الْمُحَرَّمِ: الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. ثُمَّ التَّاسِعُ، وَهُوَ تَاسُوعَاءُ. ثُمَّ الْعَشْرُ الْأُوَلُ. الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصِّيَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِصَوْمِهَا، وَوَافَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. الثَّالِثَةُ: لَمْ يَجِبْ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا. ثُمَّ نُسِخَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَحْرِيمِ إفْرَادِهِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ غَيْرِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ. وَهُوَ صَحِيحٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَجَبٍ، وَلَوْ يَوْمًا، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرٍ آخَرَ مِنْ السَّنَةِ. قَالَ فِي الْمَجْدِ: وَإِنْ لَمْ يَلِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَ صَوْمِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ. وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَشَعْبَانَ كُلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: آكَدُ شَعْبَانَ يَوْمُ النِّصْفِ، وَاسْتَحَبَّ الْآجُرِّيُّ صَوْمَ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ نِزَاعٌ. قِيلَ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ. يُفْطِرُ نَاذِرُهُمَا بَعْضَ رَجَبٍ. قَوْلُهُ (وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . يَعْنِي يُكْرَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَتَعَهَّدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا. قَوْلُهُ (وَيَوْمِ السَّبْتِ) . يَعْنِي يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صِيَامُهُ مُفْرَدًا، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ الَّذِي فَهِمَهُ الْأَثْرَمُ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ شَاذٌّ، أَوْ مَنْسُوخٌ، وَقَالَ: هَذِهِ طَرِيقَةُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ كَالْأَثْرَمِ، وَأَبِي دَاوُد، وَأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْآجُرِّيُّ كَرَاهَةً غَيْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَظَاهِرُهُ لَا يُكْرَهُ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَيَوْمِ الشَّكِّ) . يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الشَّكِّ، فَتَارَةً يَصُومُهُ لِكَوْنِهِ وَافَقَ عَادَتَهُ، وَتَارَةً يَصُومُهُ مَوْصُولًا قَبْلَهُ، وَتَارَةً يَصُومُهُ عَنْ قَضَاءِ فَرْضٍ، وَتَارَةً يَصُومُهُ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مُطْلَقٍ، وَتَارَةً يَصُومُهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا. وَتَارَةً يَصُومُهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ. إحْدَاهَا: إذَا وَافَقَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَادَتَهُ، فَهَذَا لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: إذَا صَامَهُ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ فَلَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَ النِّصْفِ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَمَبْنَاهُمَا عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ بَعْدَ النِّصْفِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى تَحْرِيمِ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. الثَّالِثَةُ: إذَا صَامَهُ عَنْ قَضَاءِ فَرْضٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ قَضَاءً، جَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ لِلشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. الرَّابِعَةُ: إذَا وَافَقَ نَذْرٌ مُعَيَّنٌ يَوْمَ الشَّكِّ، أَوْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا: لَمْ يُكْرَهْ صَوْمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

الْخَامِسَةُ: إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا: كُرِهَ صَوْمُهُ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. السَّادِسَةُ: إذَا صَامَهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، فَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَمَالَ إلَيْهِ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي عِبَادَاتِهِ الْخَمْسِ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ. حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. السَّابِعَةُ: يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَلَمْ يَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ الْقَاضِي: أَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ صَوْمُهُ. قَوْلُهُ (وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) يَعْنِي يُكْرَهُ صَوْمُهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُمَا بِالصَّوْمِ، فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا: وَعَلَى قِيَاسِ كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كُلُّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ يَوْمٌ يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَعْيَادِهِمْ.

وَمِنْهَا: النَّيْرُوزُ وَالْمِهْرَجَانُ عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّيْرُوزُ الشَّهْرُ الثَّالِثُ مِنْ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ الْخَرِيفِ، وَمِنْهَا: يُكْرَهُ الْوِصَالُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، وَأَوْمَأَ إلَى إبَاحَتِهِ لِمَنْ يُطِيقُهُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا. كَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ عَلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ، وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ تَرْكُ الْأَوْلَى، وَهُوَ تَعْجِيلُهُ الْفِطْرَ، وَمِنْهَا: هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ قَبْلَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَيَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ فَهَلْ: يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، أَمْ لَا يُكْرَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ فِي

الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الْفَرْضِ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ، فَلَا تَصِحُّ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَلَنَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى، قَالَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ إنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ جَوَازِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ صَوْمِ الْفَرْضِ: لَمْ يُكْرَهْ الْقَضَاءُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ: كُرِهَ الْقَضَاءُ فِيهَا، لِتَوْفِيرِهَا عَلَى التَّطَوُّعِ لِبَيَانِ فَضْلِهِ فِيهَا مَعَ فَضْلِ الْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى أَيْضًا: وَيَحْرُمُ نَفْلُ الصَّوْمِ قَبْلَ قَضَاءِ فَرْضِهِ لِحُرْمَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ. فَائِدَةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ مَا فُرِضَ شَرْعًا وَنُذِرَ: بُدِئَ بِالْمَفْرُوضِ شَرْعًا، إنْ كَانَ لَا يُخَافُ فَوْتُ الْمَنْذُورِ، وَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُ بُدِئَ بِهِ، وَيُبْدَأُ بِالْقَضَاءِ أَيْضًا إنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ، وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا كَانَ عَاصِيًا، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضٍ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ عَنْ فَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ يَصِحُّ عَنْ فَرْضٍ. نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ: يَصِحُّ عَنْ نَذْرِهِ الْمُعَيَّنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَفِي صَوْمِهَا عَنْ الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى هُنَا، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَحْمَدُ أَخِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ صَوْمِهَا عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ خَاصَّةً، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: خَصَّ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْخِلَافَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ. وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ: تَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَنَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، قُلْت: وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: أَنَّهَا تُصَامُ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ إذَا عَدِمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ أَقْسَامِ النُّسُكِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَالنَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ: اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْ أَحْمَدَ يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ. وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الصَّوْمِ: إنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ نَذْرَهُ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّفْلِ. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَنْبَلٌ، وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ نَقَلُوا عَنْهُ لَا يَقْضِي، وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: رِوَايَةٌ فِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْمَعْذُورُ.

وَعَنْهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ. بِخِلَافِ الصَّوْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَالْمَجْدُ: مَالَ إلَى ذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا فِي الصَّوْمِ: تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى، فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ، كَالْحَجِّ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: التَّسْوِيَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ خُرُوجُهُ، يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَإِلَّا كُرِهَ فِي الْأَصَحِّ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: هَلْ يُفْطِرُ لِضَيْفِهِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ يَعْنِي إلَى وَلِيمَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي الِاعْتِكَافِ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ، مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا: كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقِيلَ: الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي: إذَا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ، وَيَقْضِيهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ادِّعَائِهِ الْإِجْمَاعَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ، وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ إجْمَاعًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا. بِلَا خِلَافٍ فِي الْمُذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ، إلَّا فِيمَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ نَوَى طَوَافَ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ كَالصَّلَاةِ

الرَّابِعَةُ: لَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ، وَأَمَّا نَفْلُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ ". الْخَامِسَةُ: لَوْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ كُلِّهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، وَالْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، وَكَفَّارَةٍ إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا حَرُمَ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَلَوْ خَالَفَ وَخَرَجَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يُكَفِّرُ إنْ أَفْسَدَ قَضَاءَ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ (وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ وَالْهَادِي، وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي: تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ. قَالَ الشَّارِحُ: يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَفِي لَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ. انْتَهَى، قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ تُطْلَبَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ؛ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، خُصُوصًا لَيْلَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ. لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّ كُلَّ الْعَشْرِ سَوَاءٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَتْرُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، فَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إلَى آخِرِهِ، وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْبَاقِي. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى» فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِيَ لِأَشْفَاعٍ، فَلَيْلَةُ الثَّانِيَةِ: تَاسِعَةٌ تَبْقَى، وَلَيْلَةُ الرَّابِعَةِ: سَابِعَةٌ تَبْقَى. كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَلِمَنْ كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا: كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي كَالتَّارِيخِ بِالْمَاضِي

قَوْلُهُ (وَأَرْجَاهَا: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَأَرْجَاهَا الْوَتْرُ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقِيلَ: أَرْجَاهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَقَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا: وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي لَيَالِي الْوَتْرِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِ الْعَشْرِ، فَإِذَا اتَّفَقَتْ لَيَالِي الْجَمْعِ فِي الْأَفْرَادِ: فَأَجْدَرُ وَأَخْلَقُ أَنْ تَكُونَ فِيهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أَنَّهَا لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةِ أَوَّلِ الْعَشْرِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَإِنْ مَضَى مِنْهُ لَيْلَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي لَيْلَةِ حَلِفِهِ فِيهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ: إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْهُ لَيْلَةٌ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ عَلَى مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ. قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ قُلْت: تَلَخَّصَ لَنَا فِي الْمَذْهَبِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ النَّاقِدُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِلْعُلَمَاءِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا، وَذَكَرَ أَدِلَّةَ كُلِّ قَوْلٍ. أَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا هُنَا مُلَخَّصَةً فَأَقُولُ: قِيلَ: وَقَعَتْ خَاصَّةً بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ تَنْتَقِلُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ لَيْلَةُ النِّصْفِ

مِنْ شَعْبَانَ مُخْتَصَّةٌ بِرَمَضَانَ مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيعِ لَيَالِيِهِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْهُ لَيْلَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ قُلْت: أَوْ إنْ كَانَتْ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ. ذَكَرَهُ فِي اللَّطَائِفِ. ثَمَانِ عَشْرَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ حَادِي عِشْرِينَ ثَانِي عِشْرِينَ ثَالِثُ عِشْرِينَ رَابِعُ عِشْرِينَ خَامِسُ عِشْرِينَ سَادِسُ عِشْرِينَ سَابِعُ عِشْرِينَ ثَامِنُ عِشْرِينَ تَاسِعُ عِشْرِينَ ثَلَاثِينَ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَنْتَقِلُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كُلِّهِ فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِثْلُهُ بِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَهَلْ هِيَ اللَّيَالِي السَّبْعُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ؟ أَوْ فِي آخِرِ سَبْعٍ مِنْ الشَّهْرِ؟ مُنْحَصِرَةٌ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ فِي أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَالْعَشْرُ الْأَخِيرُ مُبْهَمَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ أَوْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ أَوْ تَاسِعُ لَيْلَةٍ أَوْ سَابِعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي لَيْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ الْخَامِسَةُ مِنْهُ، وَزِدْنَا قَوْلًا عَلَى ذَلِكَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ نَذَرَ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَامَ الْعَشْرَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَذَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي النُّذُورِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ

الثَّالِثَةُ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا. وَعَنْهُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ، وَأَبِي الْحَسَنِ الْجَوْزِيِّ، وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا، وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ: أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ. قَالَ: وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ: يَوْمُ الْقَرِّ الَّذِي يَلِيهِ. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً: الْفِطْرَ، وَالْأَضْحَى، وَعَرَفَةَ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتَارَ مِنْهَا: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ فِي أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا، وَأَرْفَعِهَا عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ، عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا. وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذَلِكَ أَفْضَلُ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِوُجُوهٍ، وَذَكَرَهَا. الْخَامِسَةُ: رَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ، وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الشُّهُورِ أَرْبَعَةً: رَجَبٌ، وَشَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ

كتاب الاعتكاف

وَالْمُحَرَّمُ، وَاخْتَارَ مِنْهَا. شَعْبَانَ وَجَعَلَهُ شَهْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْقَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] إنَّمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا؛ وَلِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا. كَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطَّاعَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَعْنَاهُ. [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] ِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى) . يَعْنِي عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، مِنْ مُسْلِمٍ طَاهِرٍ مِمَّا يُوجِبُ غُسْلًا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ سُنَّةٌ، إلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ فَيَجِبُ) . بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ عَلَّقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ فَلَهُ شَرْطٌ، وَآكَدُهُ عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرُ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْبَعِيدِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَعْتَكِفُ بِالثَّغْرِ؛ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ عَنْ الثَّغْرِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمَنْذُورِ بِالنِّيَّةِ لِيَتَمَيَّزَ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَقِيلَ يَبْطُلُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إلْحَاقًا لَهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِتَعَلُّقِهِ بِمَكَانٍ كَالْحَجِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَطِفْلٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِإِغْمَاءٍ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي نَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَقَلُّهُ إذَا كَانَ تَطَوُّعًا، أَوْ نَذْرًا مُطْلَقًا مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ، لَا لَحْظَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَعَلَيْهِ أَيْضًا: لَوْ صَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَلَا بَعْضَ يَوْمٍ) أَنَّ مُرَادَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ، فَأَمَّا إنْ صَائِمًا فَيَصِحُّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بَعْضَ يَوْمٍ، وَلَوْ كَانَ صَائِمًا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَكَلَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ إذَا اشْتَرَطْنَا الصَّوْمَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ، يَلْزَمُهُ يَوْمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ: إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ شَرَطَ النَّاذِرُ صَوْمًا فَيَوْمٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: بَلْ مُسَمَّاهُ مِنْ صَائِمٍ. انْتَهَى

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ النَّهْيِ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا، وَاعْتِكَافُهَا نَذْرًا وَنَفْلًا كَصَوْمِهَا نَذْرًا وَنَفْلًا، فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ يَوْمُ الْعِيدِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ، فَالْأَوْلَى: أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ، وَيَجُوزُ خُرُوجُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى إنْ شَاءَ وَإِلَى أَهْلِهِ، وَعَلَيْهِ حُرْمَةُ الْعُكُوفِ. ثُمَّ يَعُودُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِهِ لِتَمَامِ أَيَّامِهِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لَهُ، مَا لَمْ يَنْذُرْهُ. بَلْ يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فَرْضَ رَمَضَانَ، أَوْ كَفَّارَةً، أَوْ نَذْرًا، أَوْ تَطَوُّعًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ: لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ صَوْمٌ؟ قَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: إنْ شَرَطْنَاهُ فِيهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَ اللُّزُومَ وَعَدَمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الصَّوْمَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ رَمَضَانُ آخَرُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: لَا يُجْزِئُهُ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي خِلَافًا فِي نَذْرِ الِاعْتِكَافِ الْمُطْلَقِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ أَقْرَبُ إلَى الْتِزَامِ الصَّوْمِ، فَهُوَ أَوْلَى. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْقَوْلُ بِهِ فِي الْمُطْلَقِ مُتَعَيِّنٌ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ فَفَاتَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ

الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ خَارِجَ رَمَضَانَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ؛ وَلِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ تَعْيِينِ الْعَشْرِ: تَعْيِينُ رَمَضَانَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى لَيْلَةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا، أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا: لَزِمَاهُ مَعًا، فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوْ اعْتَكَفَ وَصَامَ فَرْضَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهُ: لَمْ يُجْزِهِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ، لَا الْجَمْعُ، فَلَهُ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا. فَالْوَجْهَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا، أَوْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا: لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ شِعَارِ الِاعْتِكَافِ، وَلَيْسَ الِاعْتِكَافُ مِنْ شِعَارِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ، أَوْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا: صَحَّا بِدُونِهِ وَلَزِمَاهُ، دُونَ الِاعْتِكَافِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ مَعَ الصَّوْمِ فَقَطْ. انْتَهَى. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا: فَالْوَجْهَانِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ هُنَا؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَيَقْرَأَ فِيهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا: لَزِمَهُ الْجَمْعُ، فَلَوْ قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ لِلْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَلَا لِلْعَبْدِ

بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ شَرَعَا فِيهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ، كَرِوَايَةٍ فِي الْمَرْأَةِ فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْدُوبَيْنِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَنَصَرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالْعَبْدُ يَصُومُ النَّذْرَ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ: مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا مِنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي صَوْمٍ وَحَجٍّ مَنْذُورٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمَا تَحْلِيلَهَا إذَا أَذِنَا لَهُمَا فِي النَّذْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ رَابِعٌ: مَنْعُهُمَا وَتَحْلِيلُهُمَا، إلَّا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ، كَوَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَكَالْمَنْذُورِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا صَحَّ وَأَجْزَأَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ الْبَنَّا: يَقَعُ بَاطِلًا لِتَحْرِيمِهِ، كَصَلَاةٍ فِي مَغْصُوبٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَذَكَرَهُ نَصُّ أَحْمَدَ فِي الْعَبْدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِلَّا فَلَا) إذَا أَذِنَا لَهُمَا، فَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، وَتَارَةً يَكُونُ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا، فَتَارَةً يَكُونُ نَذْرًا مُعَيَّنًا، وَتَارَةً يَكُونُ مُطْلَقًا: فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا: لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ كَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ كَنَذْرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ فِيهَا: إنْ شِئْت مُتَفَرِّقَةً، أَوْ مُتَتَابِعَةً

إذَا أَذِنَ لَهُمَا ذَلِكَ: يَجُوزُ تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مُنْتَهَى كُلِّ يَوْمٍ، لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ مِنْهُ إذَنْ كَالتَّطَوُّعِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا. لَكِنَّ تَعْلِيلَهُمْ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْت. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا فِي غَيْرِ نَذْرٍ، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَذِنَا لَهُمَا ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ الشُّرُوعِ جَازَ إجْمَاعًا. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ حُكْمُ الْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) . يَعْنِي لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى [وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ، وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنَّمَا لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَهُوَ كَالْحُرِّ الْمَدِينِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا] قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ هُنَا] مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ. انْتَهَوْا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ إنْفَاقِهِ هُنَا، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا قَدْ جَمَعَهُ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ الْحَجُّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ، مَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ: فَهَذَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، سَوَاءٌ جُمِّعَ فِيهِ أَوْ لَا، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ لَمْ تَصِحَّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ أَيْ يُصَلَّى فِيهِ الْجَمَاعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ شَرْطِيَّتِهَا. أَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا سُنَّةٌ، فَيَصِحُّ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَاشْتِرَاطُ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ مُطْلَقًا إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ (إلَّا الْمَرْأَةَ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَمَسْجِدُ بَيْتِهَا لَيْسَ مَسْجِدًا، لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْخِرَقِيِّ. كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ

قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا مِنْهُ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي مَوْضِعٍ، فَقَالَا: وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ كَهُوَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَحُوطَةً فَهِيَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَقَالَ: لَيْسَ [هُوَ] بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ. هَذَا الْمَسْجِدُ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ حَائِطٌ وَبَابٌ، وَقُدِّمَ هَذَا الْجَمْعُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. وَالْآدَابِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: الْمَنَارَةُ الَّتِي لِلْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ فِيهِ أَوْ بَابُهَا فِيهِ فَهِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ مَنْعِ جُنُبٍ، وَإِنْ كَانَ بَابُهَا خَارِجًا مِنْهُ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَطْرِقُ إلَيْهَا إلَّا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُ. كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَخَرَجَ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي لِأَمْرٍ مِنْهُ بُدٌّ كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمَجْدُ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لَهُ، فَكَأَنَّهَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لِأَنَّهَا كَالْمُتَّصِلَةِ بِهِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ الْأَذَانِ، وَكَانَتْ مِنْهُ فِيمَا بُنِيَتْ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ ثُبُوتُ بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّالِثَةُ: ظَهْرُ الْمَسْجِدِ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. الرَّابِعَةُ: لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآدَابِ: الثَّوَابَ الْحَاصِلَ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ

وَالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ الْمَسْجِدَ، عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَظَاهِرِ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ لَا مَا زِيدَ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي مَسْجِدِي هَذَا» وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ: الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ) وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهًا بِلُزُومِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، فَإِنْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ بَطَلَ لِخُرُوجِهِ إلَيْهَا. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ الَّذِي يَتَخَلَّلُهُ الْجُمُعَةُ لَكِنْ يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ وُجُوبُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ، إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ فِيهِ. لَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ. تَنْبِيهَانِ: الْأُولَى: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ سَوَاءٌ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، عَتِيقٍ أَوْ جَدِيدٍ. امْتَازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ أَوْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ بَعِيدًا يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِيَاسُ لُزُومُهُ، تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِهِ

عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» الْحَدِيثَ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي تَعْيِينِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ لِلصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ وَجْهًا يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ الْعَتِيقُ فِي نَذْرِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ مِثْلُهُ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَعْيِينِ مَا امْتَازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ كَقِدَمٍ وَكَثْرَةِ جَمْعٍ وَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَتَعَيَّنُ، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ: لَا يَخْتَصَّانِ بِمَكَانٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيُصَلِّيَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَمَ الْكَفَّارَةِ فِي نُسْخَةٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا فِي نُسَخٍ كَثِيرَةٍ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي وَجْهٍ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَجَزَمَ بِالْكَفَّارَةِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ النَّذْرِ. الثَّانِي: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ إنْ وَجَبَتْ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ. انْتَهَى. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ. الثَّالِثُ: جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الصَّلَاةَ وَالِاعْتِكَافَ إذَا نَذَرَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُصَلِّي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. الرَّابِعُ: قَوْلُهُ " فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ " يَعْنِي: مِنْ الْمَسَاجِدِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُصَلِّي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَيْضًا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ بِنَذْرِهِ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ:

خُيِّرَ بَيْنَ ذَهَابِهِ وَعَدَمِهِ، عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْإِبَاحَةَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَتَرَخَّصُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ يُكْرَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ: يُكْرَهُ إلَى الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يَجِبُ السَّفَرُ الْمَنْذُورُ إلَى الْمَشَاهِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بَيْنَ الذَّهَابِ وَغَيْرِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ، وَأَفْضَلُهَا: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ: لَمْ يُجْزِهِ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ إنْ قُلْنَا الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ أَنَّ مَسْجِدَهَا أَفْضَلُ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ: لَمْ يُجْزِهِ فِي غَيْرِهِ، إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ

وَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ الْمَسْجِدَانِ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ إلَى انْقِضَائِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ أَوْ يَدْخُلُ قَبْلَ فَجْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ بِنَاءٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: كَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ إذَا نَذَرَ عَشْرًا مُعَيَّنًا، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: جَوَازُ دُخُولِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا: دَخَلَ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي رَمَضَانَ وَفَاتَهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ لَيَالِيِهِ إلَى لَيْلَتِهِ الْأُولَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِيهِمَا فِي لَيَالِيِهِ الْمُتَخَلِّلَةِ تَخْرِيجُ ابْنِ عَقِيلٍ وَقَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ الْآتِيَانِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَجْهًا وَاحِدًا. كَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا، وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ لَوْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعُهُ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهَا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرَتِهَا، وَعَنْهُ أَوْ وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَعَنْهُ أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: يَكْفِيهِ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيِهِ. أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا. قَالَ الْمَجْدُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ: يَجُوزُ إفْرَادُ اللَّيَالِي عَنْ الْأَيَّامِ إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ لَمْ يَجِبْ. وَوَجَبَ اعْتِكَافُ كُلِّ يَوْمٍ مَعَ لَيْلَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الثَّلَاثِينَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَتَمَامُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْ الصَّوْمَ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ، فَيَتِمُّ اعْتِكَافُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِئَلَّا يَعْتَكِفَ بَعْضَ يَوْمٍ، أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ دُونَ يَوْمِهَا الَّذِي يَلِيهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَهُ تَفْرِيقُهَا) . وَكَذَا لَوْ نَذَرَ لَيَالِيَ مَعْدُودَةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا إذَا نَذَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِلْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ لَفْظُ الشَّهْرِ، فَعُدُولُهُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّتَابُعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِي نَذْرِهِ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ ذَكَرَهُ وَجْهًا، وَقَدَّمَهُ نَاظِمُهَا. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ " فَلَهُ تَفْرِيقُهَا " إذَا لَمْ يَنْوِ التَّتَابُعَ، فَأَمَّا إذَا نَوَى التَّتَابُعَ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ

فَوَائِدُ. مِنْهَا: إذَا تَابَعَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَمِنْهَا: يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَيَّامًا قَبْلَ الْفَجْرِ الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ أَوْ بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَمِنْهَا: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا مُعَيَّنًا، أَوْ مُطْلَقًا: دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ فَجْرِ الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِهِ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً يَدْخُلُ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهَا: لَوْ نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا جَازَ لَهُ تَتَابُعُهُ. قَوْلُهُ (أَوْ نَذَرَ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا يَتَخَلَّلُهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ، وَخَرَّجَهُ أَيْضًا مِنْ اعْتِكَافِ يَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ مَعَهُ لَيْلَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ لَيْلًا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيِّنًا أَوْ مُطْلِقًا فَقَدْ تَقَدَّمَ: مَتَى يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ، وَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ، فَلَوْ كَانَ وَسَطَ النَّهَارِ، وَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا: لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ، وَفِي دُخُولِ اللَّيْلَةِ: الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) . إجْمَاعًا، وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ. إذَا لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي اعْتِكَافِهِ، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مُدَّةً، أَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي عَدَدٍ.

فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ بَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ، وَكَذَا فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا: لَا يَجُوزُ فِي إنَاءٍ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ، وَكَذَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ، وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، فِي الْإِجَارَةِ فِي التَّمَسُّحِ بِحَائِطِهِ مُرَادُهُ الْحَظْرُ، فَإِذَا بَالَ خَارِجًا وَجَسَدُهُ فِيهِ لَا ذَكَرُهُ: كُرِهَ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ، وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ (وَالطَّهَارَةِ) . يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْوُضُوءِ عَنْ حَدَثٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَيَخْرُجُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ. كَذَا لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ. إنْ وَجَبَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ. فَوَائِدُ. يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ لِقَيْءٍ بَغْتَةً، وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ لِحَاجَتِهِ، وَلَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ، وَقَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا مِنْهُ. كَسِقَايَةٍ لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ عَنْهَا، وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ. وَيَجُوزُ الْخُرُوجُ لِيَأْتِيَ بِمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ يَحْتَاجُهُ. إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ فِي بَيْتِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ، وَحُمِلَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى مَنْزِلِهِ. جَازَ أَنْ يَأْكُلَ فِيهِ يَسِيرًا، كَلُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ لَا كُلِّ أَكْلِهِ. قَوْلُهُ (وَالْجُمُعَةِ) . يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ. كَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ

وَاشْتَرَطَ خُرُوجَهُ إلَيْهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ إلَيْهَا: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا، فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ، فَلَهُ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَهُ إطَالَةُ الْمُقَامِ بَعْدَهَا، وَلَا يُكْرَهُ؛ لِصَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ لِلِاعْتِكَافِ. لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ عَكْسُ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِي تَعْجِيلِ الرُّجُوعِ وَتَأْخِيرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْدِ احْتِمَالٌ: أَنَّ تَبْكِيرَهُ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُعْتَكِفَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ. وَأَنَّهُ إنْ تَنَفَّلَ فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي التَّبْكِيرِ: أَجْوَدُ، وَأَنَّهُ يَرْكَعُ بَعْدَهَا عَادَتَهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ إلَى الْجُمُعَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ يَلْزَمُهُ، كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْأَفْضَلُ خُرُوجُهُ لِذَلِكَ وَعَوْدُهُ فِي أَقْصَرِ طَرِيقٍ. لَا سِيَّمَا النَّذْرُ، وَالْأَفْضَلُ سُلُوكُ أَطْوَلِ الطُّرُقِ إنْ خَرَجَ لِجُمُعَةٍ عِبَادَةً وَغَيْرَهَا. قَوْلُهُ (وَالنَّفِيرِ الْمُتَعَيَّنِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إذَا تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ، وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ) . يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلشَّهَادَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ. وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ اخْتِيَارِيًّا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ

الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنْ كَانَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا: خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْخَوْفِ مِنْ فِتْنَةٍ) . يَجُوزُ الْخُرُوجُ إنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ وَخَافَ مِنْهَا إنْ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ حُرْمَتِهِ، أَوْ مَالِهِ نَهْبًا، أَوْ حَرِيقًا وَنَحْوَهُ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (أَوْ مَرَضٍ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمَرَضَ إذَا كَانَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْقِيَامُ فِيهِ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ: يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ، وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا كَالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ، إلَّا أَنْ يُبَاحَ بِهِ الْفِطْرُ فَيُفْطِرُ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) . تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إلَى بَيْتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحْبَةٌ، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رَحْبَةٌ يُمْكِنُ ضَرْبُ خِبَائِهَا فِيهَا بِلَا ضَرَرٍ: فَعَلَتْ ذَلِكَ، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَنَقَلَهُ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: تَذْهَبُ إلَى بَيْتِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى اعْتِكَافِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا إنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إقَامَتُهَا فِي الرَّحْبَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُسَنُّ جُلُوسُهَا فِي الرَّحْبَةِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ، وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا

وَهَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ تَخَفْ تَلْوِيثَهُ، فَأَمَّا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ: فَأَيْنَ شَاءَتْ، وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَعَ سَلَامَةِ الزَّمَانِ. قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ. (وَنَحْوُ ذَلِكَ) ، فَنَحْوُ ذَلِكَ: إذَا تَعَيَّنَ خُرُوجُهُ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ، أَوْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَكَذَا لَوْ خَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا، فَخَرَجَ وَاخْتَفَى، وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَاجِبٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ كَالصَّوْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَبْطُلُ، لِمُنَافَاتِهِ الِاعْتِكَافَ كَالْجِمَاعِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ. وَيَبْنِي، كَمَرَضٍ وَحَيْضٍ، وَاخْتَارَهُ، وَذِكْرُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ الْمُكْرَهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يُشَيِّعُ جِنَازَةً) . كَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ، كَزِيَارَةٍ، وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَأَدَائِهَا، وَتَغْسِيلِ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِالْمَنْعِ، مَعَ الِاشْتِرَاطِ أَيْضًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَقْضِي زَمَنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَمَا لَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَوْ قَضَاهُ صَارَ الْخُرُوجُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَشْرُوطُ فِي غَيْرِ الشَّهْرِ

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: لَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ جِنَازَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ دَفْنُ مَيِّتٍ، أَوْ تَغْسِيلُهُ، فَإِنَّهُ كَالشَّهَادَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، عَلَى مَا سَبَقَ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَ فِي اعْتِكَافِهِ فِعْلَ مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَيَحْتَاجُهُ، كَالْعَشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَالْمَبِيتِ فِيهِ: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَنَصَرُوهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَلَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ الْإِجَارَةِ، أَوْ التَّكَسُّبِ بِالصِّنَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ: لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ، وَلَوْ قَالَ: مَتَى مَرِضْت، أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ: خَرَجْت، فَلَهُ شَرْطُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَطْلَقُوا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمَجْدُ: فَائِدَةُ الشَّرْطِ هُنَا: سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، فَأَمَّا الْمُطْلَقَةُ، كَنَذْرِ شَهْرٍ مُتَتَابِعٍ: فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا لِمَرَضٍ، فَإِنَّهُ يَقْضِي زَمَنَ الْمَرَضِ؛ لِإِمْكَانِ حَمْلِ شَرْطِهِ هُنَا عَلَى نَفْيِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فَقَطْ، فَنَزَلَ عَلَى الْأَقَلِّ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ أَفَادَ هُنَا الْبِنَاءَ مَعَ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَلَى أَصْلِنَا. قَوْلُهُ (وَلَهُ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ) . إذَا خَرَجَ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَسَأَلَ عَنْ الْمَرِيضِ، أَوْ غَيْرِهِ فِي طَرِيقِهِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ: جَازَ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إذَا لَمْ يَقِفْ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّعَايَةِ: فَيَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ، وَقِيلَ: أَوْ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ لِمَسْأَلَتِهِ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ.

قَوْلُهُ (وَالدُّخُولُ إلَى مَسْجِدٍ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ) إذَا خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَدَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ جَازَ. إنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَانِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ، أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فِيهِمَا. كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الْمُتَتَابِعِ، وَتَطَاوَلَ: خُيِّرَ بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ وَإِتْمَامِهِ، مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) . مُرَادُهُ " بِالتَّتَابُعِ " غَيْرُ الْمُعَيَّنِ. وَمُرَادُهُ " بِالْخُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ " الْخُرُوجُ لِلنَّفِيرِ، وَالْخَوْفِ، وَالْمَرَضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُتِمُّهُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ. وَقِيلَ: أَوْ يَسْتَأْنِفُ إنْ شَاءَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَتَخَرَّجُ يَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ فِي مَرَضٍ يُبَاحُ الْفِطْرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ، بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي انْقِطَاعِ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَلَا يُوجِبُهُ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ كُلَّ خُرُوجٍ لِوَاجِبٍ كَمَرَضٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ، إلَّا لِعُذْرِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَضَعَّفَ الْمَجْدُ كَلَامَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَقْضِي، وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي هُنَا فِي الصَّوْمِ وَلَا فَرْقَ. فَائِدَةٌ: تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْخُرُوجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُوجَدُ خُرُوجٌ لِمُعْتَادٍ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَالْمُعْتَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ: حَاجَةُ الْإِنْسَانِ إجْمَاعًا، وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ إجْمَاعًا، وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ إجْمَاعًا، وَالْجُمُعَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شُرُوطُ ذَلِكَ

وَغَيْرُ الْمُعْتَادِ: بَقِيَّةُ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ. ثُمَّ إنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ: إذَا خَرَجَ لَهُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ أَوْ لَا، فَإِنْ تَطَاوَلَ فَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمُ، وَإِنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ: فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوَقْتَ الْفَائِتَ بِذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا مُبَاحًا، أَوْ وَاجِبًا، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي فِي النَّاسِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا: أَنْ يَخْرُجَ بُطْلَانُهُ عَلَى الصَّوْمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَقْضِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيَّنٍ قَضَى، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ وَتَطَاوَلَ فِي مُتَتَابِعٍ مُتَعَيَّنٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: يُكَفِّرُ مَعَ الْقَضَاءِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ: فِي الْفِتْنَةِ، وَالْخُرُوجِ لِلنَّفِيرِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ الْعُذْرِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَمَرِضَ فِيهِ، أَوْ حَاضَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ: فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ، وَالِاعْتِكَافُ مِثْلُهُ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ: فَيَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَعَنْ الْقَاضِي: إنْ وَجَبَ الْخُرُوجُ فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَجَبَتْ.

وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ: إنْ كَانَ الْخُرُوجُ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمَرَضِ وَالْفِتْنَةِ، وَنَحْوِهِمَا وَجَبَتْ، وَإِنْ كَانَ لِحَقٍّ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ وَالنَّفِيرِ وَالْحَيْضِ فَلَا كَفَّارَةَ، وَقِيلَ: تَجِبُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَحَنْبَلٌ: عَدَمَ الْكَفَّارَةِ فِي الِاعْتِكَافِ، وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الصَّوْمِ، وَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ تَرَكَ اعْتِكَافَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: قَضَاهُ مُتَتَابِعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّتِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ وَتَطَاوَلَ فِي نَذْرِ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ. فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ التَّتَابُعُ، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي السَّابِقِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ: تَمَّمَ مَا بَقِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ لِيَكُونَ مُتَتَابِعًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ وَيُكَفِّرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فِي الْمُتَتَابِعِ: لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ) . يَعْنِي سَوَاءً كَانَ مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا، أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، أَوْ كَانَ مُتَتَابِعًا بِنِيَّةٍ، أَوْ قُلْنَا: يُتَابِعُ فِي الْمُطْلَقِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا مُخْتَارًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَسْتَأْنِفُ الْمُطْلَقَ الْمُتَتَابِعَ بِلَا كَفَّارَةٍ، وَقِيلَ: أَوْ يَبْنِي أَوْ يُكَفِّرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: خُرُوجُهُ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ مُبْطِلٌ، سَوَاءٌ تَطَاوَلَ أَوْ لَا. لَكِنْ لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ: لَمْ يَبْطُلْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ

هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا مُخْتَارًا، فَأَمَّا إنْ خَرَجَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ سَبَقَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُعَيَّنٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) . يَعْنِي إذَا خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فِي الْمُعَيَّنِ، فَتَارَةً يَكُونُ نَذْرُهُ مُتَتَابِعًا مُعَيَّنًا، وَتَارَةً يَكُونُ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّتَابُعِ كَنَذْرِهِ اعْتِكَافَ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَخَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَسْتَأْنِفُ لِتَضَمُّنِ نَذْرِهِ التَّتَابُعَ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْنِي؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ حَصَلَ ضَرُورَةَ التَّعْيِينِ، فَسَقَطَ وَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ، فَصَارَ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ، وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُتَتَابِعًا مُعَيَّنًا كَنَذْرِ شَعْبَانَ مُتَتَابِعًا اسْتَأْنَفَ إذَا خَرَجَ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ: فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) . إنْ وَطِئَ عَامِدًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ إجْمَاعًا. وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَسَادُ اعْتِكَافِهِ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ مِنْ الصَّوْمِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَبْنِي. قَوْلُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ،

وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي. وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلْوَطْءِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ، إنْ كَانَ نَذْرًا كَرَمَضَانَ وَالْحَجِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " إلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ " يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ النَّذْرِ لَا لِلْوَطْءِ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَ فِي وَقْتٍ عَيَّنَ اعْتِكَافَهُ بِالنَّذْرِ. الثَّانِي: خَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ بِالِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ لَا غَيْرُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَجِبُ فِي التَّطَوُّعِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْقَاضِي، وَلَا وَقَفْت عَلَى لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ الْمُسْتَوْعِبُ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. الثَّالِثُ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَحَكَى ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ أَبِي بَكْرٍ: مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ أَفْسَدَ الْمَنْذُورَ بِالْوَطْءِ. وَهُوَ كَمَا لَوْ أَفْسَدَهُ بِالْخُرُوجِ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ: قَالَ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي نَذْرٍ. وَقِيلَ: مُعَيَّنٍ

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، فَلِهَذَا قِيلَ: يَجِبُ الْكَفَّارَتَانِ، كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَحَكَى الْقَوْلَ بِذَلِكَ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَ فِي الْكُبْرَى وُجُوبَهَا، كَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَتَأَوَّلَهَا الْمَجْدُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ الشِّيرَازِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ: فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا) بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ حَكَى عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْفَسَادِ مَعَ الْإِنْزَالِ، وَمَتَى فَسَدَ خَرَجَ فِي إلْحَاقِهِ بِالْوَطْءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ: يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يَجِبُ بِالْإِنْزَالِ بِاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ. وَقَالَ: مُبَاشَرَةُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ عَلَى إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَ هُنَا لَا يُبْطِلُهُ كَالصَّوْمِ. انْتَهَى. قُلْت: الْأَوْلَى وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إذَا أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِلَا شَهْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا بِالتَّحْرِيمِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَتَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا تَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ سَكِرَ فِي اعْتِكَافِهِ فَسَدَ، وَلَوْ كَانَ لَيْلًا، وَلَوْ شَرِبَ وَلَمْ يَسْكَرْ، أَوْ

أَتَى كَبِيرَةً، فَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: لَا يَفْسُدُ، وَاقْتَصَرَ هُوَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ارْتَدَّ فِي اعْتِكَافِهِ بَطَلَ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ، وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ) . مِنْ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ، وَكَثْرَةِ كَلَامٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ، فَفِيهِ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ مَا لَمْ يُكْثِرْ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا لَا يَشْغَلُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ الصَّمْتُ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَإِنْ نَذَرَهُ لَمْ يَفِ بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَرَأَ عِنْدَ الْحُكْمِ الَّذِي أُنْزِلَ لَهُ، أَوْ مَا يُنَاسِبُهُ فَحَسَنٌ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ دَعَاهُ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} [النور: 16] وَقَوْلِهِ عِنْدَ مَا أَهَمَّهُ {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] . قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمُ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَقْرَأُ، وَلَا يَكْتُبُ الْحَدِيثَ، وَلَا يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِعْلُهُ لِذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ؛ لِتَعَدِّي نَفْعِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَى أَصْلِنَا فِي كَرَاهَةِ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، إذَا كَانَ يَسِيرًا: وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَاءِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ. وَيُصْلِحَ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَيَعُودَ الْمَرِيضَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَيُعَزِّيَ وَيُهَنِّئَ، وَيُؤَذِّنَ، وَيُقِيمَ. كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ الْإِيضَاحِ: يَحْرُمُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُزَوِّجَ، وَقَالَ الْمَجْدُ قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ لُبْسِ رَفِيعِ الثِّيَابِ، وَالتَّلَذُّذُ بِمَا يُبَاحُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ، وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ، وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ، وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا، وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَكَرِهَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ لُبْسَ رَفِيعِ الثِّيَابِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ فِي قِيَاسِ مَذْهَبِنَا. كَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ إزَالَةَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صِيَانَةً لَهُ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ: يُسَنُّ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَلَا يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِيهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَتَطَيَّبُ، وَنَقَلَ أَيْضًا: لَا يُعْجِبُنِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ: يَتَطَيَّبُ كَالتَّنَظُّفِ، وَلِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَقَاسَ أَصْحَابُنَا الْكَرَاهَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَالتَّحْرِيمَ عَلَى الصَّوْمِ، وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ وَالتَّطَيُّبِ وَجْهَيْنِ

وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي الْمَسْجِدِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الرَّجْعَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ، وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ، وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا: أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ. لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْغَنِيَّةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالشَّرْحِ هُنَا، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَازَهُ أَحْمَدُ، وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ بِالْكَرَاهَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ [وَالْمُغْنِي وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمَجْدُ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَمَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لَهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَخْرُجُ لَهُ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجُوزُ، وَلَا يَخْرُجُ لَهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: قِيلَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْآدَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِي صِحَّتِهِمَا وَجْهَانِ مَعَ التَّحْرِيمِ. قُلْت: قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: الصِّحَّةُ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ: وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَتَحْرِيمِهِ خِلَافًا لَهُمْ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي قَبْلَ كِتَابِ السَّلَمِ بِيَسِيرٍ وَيُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْخِيَارِ يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْخَبَرِ، وَلَا يَصِحَّانِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ بُطْلَانَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْإِجَارَةُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ: هَلْ يَحْرُمُ إقَامَةُ الْحَدِّ فِيهِ أَمْ يُكْرَهُ؟ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا عَقَدَهُ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ التَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَالْمُحْتَاجُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ. قَالَ الْمَجْدُ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ فِي اشْتِرَاطِهِ. وَنَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ فَلَا يَعْتَكِفُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ وَلَا أَنْ يَصْنَعَ الصَّنَائِعَ. قَالَ: وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْإِقْرَاءِ وَإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يُكْرَهُ أَنْ يَتَّجِرَ أَوْ يَتَكَسَّبَ بِالصَّنْعَةِ. حَكَاهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ احْتَاجَ لِلُبْسِهِ خِيَاطَةً أَوْ غَيْرَهَا، لِلتَّكَسُّبِ، فَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يَجُوزُ. حَكَاهُ الْمَجْدُ، وَاخْتَارَ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا الْجَوَازَ. قَالُوا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، كَلَفِّ عِمَامَتِهِ وَالتَّنْظِيفِ.

كتاب المناسك

الْخَامِسَةُ: لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْبَيْعِ، وَعَمَلِ الصَّنْعَةِ لِلتَّكَسُّبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ قَوْلًا بِالْبُطْلَانِ إنْ حَرُمَ؛ لِخُرُوجِهِ بِالْمَعْصِيَةِ عَنْ وُقُوعِهِ قُرْبَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَنَاسِكِ] ِ فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ. قَوْلُهُ (يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً) . وُجُوبُ الْحَجِّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً إجْمَاعٌ. وَالْعُمْرَةُ إذَا قُلْنَا تَجِبُ فَمَرَّةً وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَجِبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْكَافِي. قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ كَالْحَجِّ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَزَمَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَعَلَيْهَا يَجِبُ إتْمَامُهَا إذَا شَرَعَ فِيهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَعَنْهُ تَجِبُ عَلَى الْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْأَثْرَمِ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَيْهَا نُصُوصُهُ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا) . إنْ كَانَ الْكَافِرُ أَصْلِيًّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يُعَاقَبُ عَلَى النَّوَاهِي، لَا الْأَوَامِرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ

تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُرْتَدَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ. لَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ: لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِرِدَّتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ تَبْطُلُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَجِبُ، وَإِنْ حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَالْإِفَادَاتِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالرِّدَّةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، فَلْيُرَاجَعْ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْ الْكَافِرِ، وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَجْنُونِ إجْمَاعًا. لَكِنْ لَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْهُ إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ عَقَدَهُ لَهُ الْوَلِيُّ، اقْتِصَارًا عَلَى النَّصِّ فِي الطِّفْلِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. الثَّالِثَةُ: هَلْ يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِالْجُنُونِ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ، أَمْ لَا يَبْطُلُ كَالْمَوْتِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ. قُلْت: وَهُوَ قِيَاسُ الصَّوْمِ. إذَا أَفَاقَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ، وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ الصِّحَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَعَلَيْهِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْمَجْدِ فِي الصَّوْمِ. الرَّابِعَةُ: لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ، وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِهِ بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ. الْخَامِسَةُ: لَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالسُّكْرِ. قَوْلًا وَاحِدًا، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ الْبُطْلَانَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِغْمَاءِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَبْدٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ مَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْعَبْدِ، إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى رَاحِلَةٍ، لِكَوْنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ. وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَبْلُغَ وَيَعْتِقَ فِي الْحَجِّ: قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ: قَبْلَ طَوَافِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُمَا. فَائِدَةٌ: لَوْ سَعَى أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَقَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقُلْنَا السَّعْيُ رُكْنٌ فَهَلْ يُجْزِئُهُ هَذَا السَّعْيُ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعُ. أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِتَعْلِيلِ أَحْمَدَ الْإِجْزَاءَ بِاجْتِمَاعِ الْأَرْكَانِ حَالَ الْكَمَالِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ

وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، فَعَلَى الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارُهُ، وَاسْتِدَامَةُ الْوُقُوفِ مَشْرُوعٌ، وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إعَادَتُهُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُعِيدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِمَا لِنَقْضِهِمَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ. كَاسْتِمْرَارِهِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْكَافِرِ يُسْلِمُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ: حُكْمُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، فَعَلَى الثَّانِي: يُحَلِّلُهُ الْوَلِيُّ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) . أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ،

وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةَ فِي الْعَصَبَةِ وَالْأُمِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَكَذَا الْأُمُّ وَالْعَصَبَةُ سَوَاءٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْوَلِيِّ بِالْأُمِّ، وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَفِي أُمِّهِ وَعَصَبَتِهِ غَيْرِ وَلِيِّهِ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: الْوَلِيُّ هُنَا: مَنْ يَلِي مَا لَهُ، فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا، وَلَوْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ: عَقْدُهُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْ عَمَلِهِ) . أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، فَيَفْعَلُ الصَّغِيرُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَالْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ، وَسَوَاءٌ أَحَضَرَهُ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، وَمَا يَعْجِزُ عَنْهُ يَفْعَلُهُ الْوَلِيُّ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ إلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ. كَالنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْإِجْزَاءِ هُنَاكَ: فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُجْزِئُ هُنَاكَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ هُنَا إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَقَعُ الْإِحْرَامُ بَاطِلًا فَكَذَا الرَّمْيُ هُنَا، وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَاةَ: نَاوَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ: اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَيَرْمِي عَنْهُ، فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ فِي يَدِهِ وَرَمَى بِهَا، فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ: فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَطُوفَ فَعَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَوْ رَاكِبًا. وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ الطَّائِفِ بِهِ، وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ

فَإِنْ نَوَى الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ: وَقَعَ عَنْ الصَّبِيِّ. كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ عَنْهُ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: لَا يُجْزِئُ عَنْ الصَّبِيِّ كَالرَّمْيِ عَنْ الْغَيْرِ، فَعَلَى هَذَا: يَقَعُ عَنْ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ هُنَا شَرْطٌ، فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ شَرْعًا، وَقِيلَ: يَقَعُ هُنَا عَنْ نَفْسِهِ. كَمَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَالْمَحْمُولُ الْمَعْذُورُ وُجِدَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ وَهُوَ أَهْلٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْغُوَ نِيَّتُهُ هُنَا؛ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِ الطَّوَافِ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَقَوْلُهُ (وَنَفَقَةُ الْحَجِّ فِي مَالِ وَلِيِّهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ إجْمَاعًا، وَعَنْهُ فِي مَالِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: يَخْتَصُّ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ، وَبِمَا إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ. زَادَ الْمَجْدُ " وَمَالُهُ كَثِيرٌ يَحْمِلُ ذَلِكَ " وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي

وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: وَنَفَقَةُ الْحَجِّ، وَقِيلَ: الزَّائِدَةُ عَلَى نَفَقَةِ حَضَرِهِ وَكَفَّارَتِهِ، وَدِمَاؤُهُ: تَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ. انْتَهَى، وَقَالَ الْمَجْدُ: أَمَّا سَفَرُ الصَّبِيِّ مَعَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ، أَوْ إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا، أَوْ لِيُقِيمَ بِهَا لِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ: فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْوَلِيِّ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. بَلْ عَلَى الْجِهَةِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ. انْتَهَى، وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ لِمَصْلَحَتِهِ. قَوْلُهُ (كَفَّارَتُهُ فِي مَالِ وَلِيِّهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَلِيَّ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، فَقَالَ، وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الْفِدْيَةِ: فَعَلَى وَلِيِّهِ إجْمَاعًا. ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: نَفَقَةُ الْحَجِّ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ الْمُجْحِفَةُ بِالصَّبِيِّ تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَاتِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الصَّبِيُّ: فِيمَا إذَا كَانَ يَلْزَمُ الْبَالِغَ كَفَّارَتُهُ مَعَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَوْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ، أَوْ تَطْبِيبِهِ لِمَرَضٍ، فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ: فَكَفَّارَتُهُ عَلَيْهِ. كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ الْبَالِغَ فِيهِ كَفَّارَةٌ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ فِي

الْأَشْهَرِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ فِي رِوَايَةٍ، وَالْوَطْءِ وَالتَّقْلِيمِ عَلَى تَخْرِيجٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إذَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْوَلِيِّ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ: صَامَ عَنْهُ؛ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. الثَّانِيَةُ: وَطْءُ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ احْتِمَالًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ: يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ إذَا تَحَلَّلَ الصَّبِيُّ مِنْ إحْرَامِهِ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ. لَكِنْ إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْبُلُوغِ: لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَقْضِيَّةِ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: فَهُوَ كَالْبَالِغِ، يُحْرِمُ قَبْلَ الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، وَمَتَى بَلَغَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا، ثُمَّ يَقْضِيهَا، وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ، كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْعَبْدِ قَرِيبًا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الصَّبِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ، فَلَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِغَصْبِهِ لِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ قَدْ حَجَّ فِي بُدْنِ غَصْبٍ، فَهُوَ آكَدُ مِنْ الْحَجِّ بِمَالِ

غَصْبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ. لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ. قَالَ: فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَنَصَرَهُ. وَسَبَقَ مِثْلُهُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْ جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَدَلَّ اعْتِبَارُ الْمَسْأَلَةِ بِالْغَصْبِ عَلَى تَخْرِيجِ رِوَايَةٍ إنْ أُجِيزَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَا فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا) . يَعْنِي الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ. أَمَّا حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ: فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ كَالنَّذْرِ، أَوْ بِتَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ بِوَاجِبٍ: فَتَارَةً يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ، وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَطَوُّعٍ: فَتَارَةً أَيْضًا يُحْرِمُ بِإِذْنِهِ، وَتَارَةً يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، إذَا قُلْنَا يَصِحُّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَهُوَ مِنْهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي مَنْعُ السَّيِّدِ عَبْدَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي الْإِحْرَامِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَقَالَ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وُجُوبُ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ كَانَ بَلَاهَةً، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْفُرُوعِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَنْهُ لَهُ تَحْلِيلُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ: فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ وَعَدَمِهِ، وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ فَيُحَلِّلُهُ

وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ السَّيِّدِ عَنْ إذْنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِوَاجِبٍ، مِثْلُ: إنْ نَذَرَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَهَلْ لِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ؟ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَهَلْ لَهُ مَنْعُهُ أَمْ لَا؟ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَوَاجِبِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا: لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ] . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ: لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. فَوَائِدُ. لَوْ أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْقَضَاءِ فِي حَالِ الرِّقِّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهُ. حَكَاهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ: نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَفِي مَنْعِهِ مِنْ الْقَضَاءِ وَجْهَانِ كَالْمَنْذُورِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى جَوَازُ الْمَنْعِ. ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ كَالْمَنْذُورِ، وَالْمَذْهَبُ: لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْمَنْذُورِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتٍ أَوْ إحْصَارٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ خَالَفَ فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ عَتَقَ فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً: فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا، وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. انْتَهَى. وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ جِنَايَةٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ، وَإِنْ تَحَلَّلَا لِحَصْرٍ، أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ: لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: فِي إذْنِهِ فِيهِ، وَفِي صَوْمٍ آخَرَ فِي إحْرَامٍ بِلَا إذْنِهِ وَجْهَانِ [وَأَطْلَقَهُمَا] قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَوَجَدَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ. وَيَأْتِي هَذَا وَغَيْرُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مُسْتَوْفًى، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ صَامَ، وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أَوْ أَقْرَنَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَ فِيهِ. انْتَهَى. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَهَدْيُ تَمَتُّعِ الْعَبْدِ وَقِرَانِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَذِنَهُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: مَا لَزِمَهُ مِنْ دَمٍ فَعَلَى سَيِّدِهِ، إنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا صَامَ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: قُلْت: بَلْ يَلْزَمُهُ وَحْدَهُ. وَيَأْتِي حُكْمُ حَصْرِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ أَيْضًا. هَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ، وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ حَجِّ الْمُكَاتَبِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ. وَأَمَّا أَحْكَامُ الْمَرْأَةِ: فَإِذَا أَحْرَمَتْ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ بِوَاجِبٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَذْرٍ، أَوْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ بِتَطَوُّعٍ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِتَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ لَهُ تَحْلِيلَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ،

وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَشْهَرُهُمَا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ بِإِذْنِهِ: فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يُحْرِمْ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي إحْرَامِهَا بِالتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا، فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَاكَ، فَهَلْ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا هُنَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ تَحْلِيلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْمُغْنِي: فِي مَكَان " وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ " وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخَانِ، وَقِيلَ: لَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَمْلِكْهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِنَذْرٍ بِإِذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا قَوْلًا وَاحِدًا

فَائِدَةٌ: حَيْثُ جَازَ لَهُ تَحْلِيلُهَا فَحَلَّلَهَا، فَلَمْ تَقْبَلْ: أَثِمَتْ، وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَكْمَلَتْ الْمَرْأَةُ شُرُوطَ الْحَجِّ، وَأَرَادَتْ الْحَجَّ: لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْهُ، وَلَا تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَعَنْهُ لَهُ تَحْلِيلُهَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ مَنْعُهَا. قَالَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ، شُرُوطَ الْحَجِّ: فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَهُ وَالْإِحْرَامِ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَتْ، وَأَحْرَمَتْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا " لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا " فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ، وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَسْتَأْذِنَهُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: عَلَى أَنَّهَا لَا تَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا. قَالَ: فَعَلَى هَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِذْنِ لَهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ: أَنَّهَا لَا تَحُجُّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَمَا لَوْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ مِنْ الْحَجِّ، إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا، وَنَقَلَ مُهَنَّا: وَسُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ؟ فَقَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: الطَّلَاقُ هَلَاكٌ، هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ

وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا بِمَنْعِ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ: هُوَ أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدٍ: قَالَ إذَا دَخَلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يُحْرِمْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؟ قَالَ: يُحْرِمُ، وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ إذَا عَلِمَ مِنْهُ رُشْدًا، فَجَوَّزَ أَحْمَدُ إسْقَاطَ حَقِّ السَّيِّدِ لِضَرَرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعَ تَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَمْنَعَهُ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَاسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ. الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لِلْوَالِدِ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ حَجٍّ وَاجِبٍ، وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فِيهِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ التَّطَوُّعِ كَالْجِهَادِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ إذَا أَحْرَمَ لِلُزُومِهِ بِشُرُوعِهِ، وَيَلْزَمُهُ طَاعَةُ وَالِدَيْهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَيَحْرُمُ طَاعَتُهُمَا فِيهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ أَخَّرَهَا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ. وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَجَعْفَرٍ: لَا طَاعَةَ لَهُمَا إلَّا فِي الْبِرِّ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَا طَاعَةَ فِي مَكْرُوهٍ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ: لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ، وَقَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ [لِأَجْلِ أَبِيهِ] لَا يُعْجِبُنِي. هُوَ يَقْدِرُ يَبَرُّ أَبَاهُ بِغَيْرِ هَذَا وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَجُوزُ تَرْكُ النَّوَافِلِ لِطَاعَتِهِمَا، بَلْ الْأَفْضَلُ طَاعَتُهُمَا. وَيَأْتِي فِيمَنْ يَأْمُرُهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِالطَّلَاقِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي أَمْرِهِ بِنِكَاحِ مُعَيَّنَةٍ.

الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَجِّ: وَلَمْ يَكْتَسِبْ الزَّائِدَ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، وَصَحَّحَ فِي النَّظْمِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ. ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجْرِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَتَحْلِيلُهُ بِصَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَأَحْرَمَ: فَهُوَ كَمَنْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَاجُهُمَا، فَأَمَّا مَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ: فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَلِيمِ وَلَدُ الْمَجْدِ وَوَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْقُدْرَةِ بِالتَّكَسُّبِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِنَّ عِنْدَنَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ: كَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى أَصْلِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي: مَا قَالَهُ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ، وَزَادَ فَقَالَ: تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِصَنْعَةٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ إذَا كَانَتْ عَادَتَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَنْ قَدَرَ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ: لَزِمَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ الْحَجُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالتَّكَسُّبُ بِالصَّنْعَةِ، وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي قَوْلِ أَحْمَدَ " لَا أُحِبُّ كَذَا " هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُشْتَرَطُ الزَّادُ، سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْحَجُّ

بَدَنِيٌّ مَحْضٌ، وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِهِ، وَهُوَ الْمُصَحَّح لِلْمَشْرُوطِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ، وَلَا مَالَ لَهُ. انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ مِلْكُ الزَّادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَنَازِلِ لَزِمَهُ حَمْلُهُ. وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ إنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ: فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: حُكْمُهُ حُكْمُ شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ إذَا عُدِمَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْفُرُوعِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ هُنَا بَذْلُ الزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ هَذَا بِأَنَّ الْمَاءَ يَتَكَرَّرُ عَدَمُهُ، وَالْحَجُّ الْتَزَمَ فِيهِ الْمَشَاقَّ. فَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِهِ إنْ كَانَتْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ. لِئَلَّا يَفُوتَ. نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: الْقُدْرَةُ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ: فَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا مَعَ الْبُعْدِ، وَقَدْرُهُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَقَطْ، إلَّا مَعَ الْعَجْزِ، كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، وَأَمْكَنَهُ الْحَبْوُ لَمْ يَلْزَمْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ فِي الرَّاحِلَةِ (صَالِحَةٌ لِمِثْلِهِ) . يَعْنِي: فِي الْعَادَةِ؛ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الرَّاحِلَةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ؛ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ؛ لِظَاهِرِ النَّصِّ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ إمْكَانَ الرُّكُوبِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ " رَاحِلَةٌ تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ " تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عَنْ الرَّاحِلَةِ " تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ " أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الزَّادِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الزَّادِ يَلْزَمُهُ؛ لِظَاهِرِ

النَّصِّ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَرْكِ الْحَجِّ، بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ. انْتَهَى. قُلْت: قَطَعَ بِذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ، فَقَالَ " وَوَجَدَ زَادًا وَمَرْكُوبًا صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ " وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ: أَنْ لَا يَحْصُلَ مَعَهُ ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ. فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ: اعْتَبَرَ مَنْ يَخْدُمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُهُ: عَادَةُ مِثْلِهِ فِي الزَّادِ، وَيَلْزَمُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ، عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي: أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. قَوْلُهُ (فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ، بِلَا خِلَافٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ عَلَى الدَّوَامِ، مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمُحَرَّرِهِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْكَافِي: يُعْتَبَرُ كِفَايَةُ عِيَالِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ مَعَهُ نَفَقَةٌ تُبَلِّغُهُ مَكَّةَ وَيَرْجِعُ وَيَخْلُفُ نَفَقَةً لِأَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَاضِلًا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يُطَالَبُ بِهِ، بِحَيْثُ لَوْ قَضَاهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَمَالِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. انْتَهَى.

فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا، أَوْ كَانَ حَالًّا، وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: عَدَمُ الْوُجُوبِ. فَائِدَةٌ: إذَا خَافَ الْعَنَتَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ: قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لِوُجُوبِهِ إذَنْ، وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا، لَكِنْ نُوزِعَ فِي ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْحَجَّ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْهُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ) . وَكَذَا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ مَا يَحُجُّ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ: لَزِمَهُ الْحَجُّ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى كُتُبِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهَا، فَلَوْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ لِكِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ (فَمَنْ كَمُلَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ. ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَازِمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا. زَادَ الْمَجْدُ: مَعَ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: إذَا حَجَّ بِمَالِ غَصْبٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَيْسَرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْحَجِّ فَهَلْ يَجِبُ قَضَاءُ الْحَجِّ عَنْهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْوُجُوبُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهِ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عَنْهُ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ مِنْ بَلَدِهِ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: لَوْ اعْتَدَّتْ مِنْ رَفْعِ حَيْضِهَا بِسَنَةٍ: لَمْ تَبْطُلْ عِدَّتُهَا بِعَوْدِ حَيْضِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا. يَعْنِي: إذَا اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ ثُمَّ عُوفِيَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا لِلْخِلَافِ هُنَاكَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ النَّائِبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَهُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَأَمَّا إذَا بَرِئَ قَبْلَ إحْرَامِ النَّائِبِ: فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِيَةُ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْعَاجِزِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: مَنْ كَانَ نِضْوَ الْخِلْقَةِ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَقِيلَةً لَا يَقْدِرُ مِثْلُهَا أَنْ يَرْكَبَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الْقُدْرَةِ. قَوْلُهُ " لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ عَنْهُ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ " يَعْنِي: يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْقُدْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ " مِنْ بَلَدِهِ " هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.

وَقِيلَ: يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نَفَقَةِ رَاجِلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قِيلَ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ هُوَ اللُّزُومُ، وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا، فَفِي وُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى إمْكَانِ السَّيْرِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَزَادَ: فَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَطُ فِي الْإِيجَابِ عَلَى الْمَغْصُوبِ بِقَدْرِ مَا نُوجِبُهُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، إذَا لَمْ يَجِدْ نَائِبًا: اشْتَرَطَ لِلْمَالِ الْمُوجَبِ عَلَيْهِ: أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِلنَّائِبِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ النَّائِبُ بَاذِلًا لِلطَّاعَةِ فِي الْبَعْضِ، وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ عَلَى أَصْلِنَا. كَبَذْلِ الطَّاعَةِ فِي الْكُلِّ. ، وَمِنْهَا: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنُوبَ عَنْ الرَّجُلِ، وَلَا إسَاءَةَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي نِيَابَتِهَا عَنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُكْرَهُ لِفَوَاتِ رَمَلٍ وَحَلْقٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ وَتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِهَا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ رُجِيَ زَوَالُ عِلَّتِهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا لَا خَفَارَةَ فِيهِ، يُوجَدُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ) يُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ: أَنْ يَكُونَ آمِنًا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ، إذَا أَمْكَنَ سُلُوكُهُ، بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا. لَكِنَّ الْبَحْرَ تَارَةً يَكُونُ فِيهِ السَّلَامَةُ، وَتَارَةً يَكُونُ فِيهِ الْهَلَاكُ، وَتَارَةً يَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ: لَزِمَهُ سُلُوكُهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكَ: لَمْ يَلْزَمْهُ سُلُوكُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ سَلِمَ فِيهِ قَوْمٌ وَهَلَكَ فِيهِ

آخَرُونَ، فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ. وَلَمْ يُخَالِفْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْعَاقِلُ إذَا أَرَادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ يَسْتَوِي فِيهِ احْتِمَالُ السَّلَامَةِ وَالْهَلَاكِ: وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ سُلُوكِهَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَيُشْتَرَطُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ خَفَارَةٌ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَفَارَةٌ: لَمْ يَلْزَمْهُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَتْ الْخَفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ: لَزِمَهُ بَذْلُهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَيَّدَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: بِالْيَسِيرَةِ. زَادَ الْمَجْدُ: إذَا أَمِنَ الْغَدْرَ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخْفَرِ، وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا كَمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ الرَّعَايَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " يُوجَدُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ " لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُ ذَلِكَ لِكُلِّ سَفَرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِمَشَقَّتِهِ، عَادَةً، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ حَمْلُ عَلَفِ الْبَهَائِمِ إنْ أَمْكَنَهُ كَالزَّادِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَاءِ أَيْضًا. قَوْلُهُ " وَمَنْ أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إلَيْهِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ، وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا ". قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ، وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ: مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ

كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَعَنْهُ أَنَّ إمْكَانَ الْمَسِيرِ وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ: مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمُحْرِمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ إذَا قَدَرَ؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ. كَمَا نَقُولُ فِي طَرَيَان الْحَيْضِ، وَتَلَفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ. وَالْعَزْمُ فِي الْعِبَادَاتِ مَعَ الْعَجْزِ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ حَجَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ: تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَمُلَتْ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: حَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ أَعْسَرَ قَبْلَ وُجُودِهِمَا: بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ قَبْلَ وُجُودِهِمَا. فَائِدَةٌ: يَلْزَمُ الْأَعْمَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَيُعْتَبَرُ لَهُ قَائِدٌ. كَبَصِيرٍ يَجْهَلُ الطَّرِيقَ، وَالْقَائِدُ لِلْأَعْمَى كَالْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَطْلَقُوا الْقَائِدَ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُشْتَرَطُ لِلْأَدَاءِ قَائِدٌ يُلَائِمُهُ. أَيْ يُوَافِقُهُ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْقَائِدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَزِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ، وَقِيلَ: وَغَيْرُ مُجْحِفَةٍ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْقَائِدُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِلْمِنَّةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ: أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ لَا، وَيَكُونُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ لِيَتَخَيَّرَ الْمَنُوبَ عَنْهُ، وَقِيلَ: مَنْ لَزِمَهُ بِخُرَاسَانَ فَمَاتَ بِبَغْدَادَ حَجَّ مِنْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ كَحَيَاتِهِ، وَقِيلَ: هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ احْتَسَبَ لَهُ بِسَفَرِهِ مِنْ بَلَدِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ مُتَّجَهٌ لَوْ سَافَرَ لِلْحَجِّ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَيَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَحُجُّوا مِنْ أَصْلِ مَالِ الْمَيِّتِ عَنْهُ، حَتَّى يُخْرِجُوا هَذَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَا تُجْزِئُ مِنْ مِيقَاتَيْهِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَجَّ عَنْهُ خَارِجًا عَنْ بَلَدِ الْمَيِّتِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَيَكُونُ مُسِيئًا. كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَأَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا حَجَّ عَنْ الْمَعْضُوبِ، وَتَقَدَّمَ إذَا أَيْسَرَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ آخِرُ مَا بَيَّضَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ فِي الطَّرِيقِ: حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فِيمَا بَقِيَ مَسَافَةً قَوْلًا وَفِعْلًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ: أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ، وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ يَسْقُطُ الْحَجُّ سَوَاءٌ عُيِّنَ فَاعِلُهُ أَوْ لَا، وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَّى بِحَجِّ نَفْلٍ، أَوْ أَطْلَقَ: جَازَ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مَا لَمْ تَمْنَعْ قَرِينَةٌ، وَقِيلَ: مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ كَحَجٍّ وَاجِبٍ. وَمَعْنَاهُ لِلْمُصَنِّفِ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ: وُجُودُ مَحْرَمِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. يَعْنِي: أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، كَالِاسْتِطَاعَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ

الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَيْهَا: يُحَجُّ عَنْهَا لَوْ مَاتَتْ، أَوْ مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُوصِيَ بِهِ. وَهِيَ أَيْضًا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.، وَعَلَى الْمَذْهَبُ: لَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْوُجُوبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ إلَّا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ. كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مَعَ النِّسَاءِ وَمَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْقَوَاعِدِ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ وَلَا عَلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ. ذَكَرَهَا الْمَجْدُ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مَعَ عَدَمِ الْمَحْرَمِ. وَقَالَ: هَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ [وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ] . فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسِعَةِ الْوَقْتِ. حَيْثُ شَرَطَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُمَا، وَظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَقْتَضِي رِوَايَةً بِالْعَكْسِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّهُمَا شَرْطَانِ

لِلْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ: رِوَايَةً بِأَنَّهُ شَرْطُ لُزُومٍ. قَالَ: وَالتَّفْرِقَةُ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ مُشْكِلَةٌ، وَالصَّحِيحُ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، إمَّا نَفْيًا، وَإِمَّا إثْبَاتًا. انْتَهَى. قُلْت: مِمَّنْ سَوَّى بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ فِيهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ، وَأَشَارَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَى أَنَّهَا تُزَادُ لِلْحِفْظِ وَالرَّاحَةِ لِنَفْسِ السَّعْيِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ الْمَجْدُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ. انْتَهَى. وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَحْرَمِ، وَسِعَةِ الْوَقْتِ، وَأَمْنِ الطَّرِيقِ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُقْنِعِ، وَالْكَافِي. فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِمَا: أَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ اللُّزُومِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّاظِمُ، وَتَبِعَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ صَاحِبَ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكَ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةَ، وَالْهِدَايَةَ، فَقَطَعُوا بِأَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَأَطْلَقُوا فِي الْمَحْرَمِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ فِي الْإِيضَاحِ: أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَأَطْلَقَ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ عَكْسَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ اللُّزُومِ كَالْمُصَنِّفِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ التَّفْرِقَةُ، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِيهِمَا الرِّوَايَتَيْنِ " مِنْهُ وَعَنْهُ " وَقَالَ: اخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ. وَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، فَمُوَافَقَتُهُ لِلْمَجْدِ تُنَافِي مَا اصْطَلَحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَهَرَ أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ فِي كُتُبِهِ: الْكَافِي، وَالْمُقْنِعِ. وَالْهَادِي. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ مَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ، أَوْ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ) رَابُّهَا وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهَا وَرَبِيبُهَا وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي أُمِّ امْرَأَتِهِ: يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ فَقَطْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْأَثْرَمُ: كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ، وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي نَظَرِ شَعْرِهَا، وَشَعْرِ الرَّبِيبَةِ؛ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا فِي الْآيَةِ، وَهِيَ أَيْضًا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) يُحْتَرَزُ مِنْهُ عَنْ السَّبَبِ غَيْرِ الْمُبَاحِ. كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَابْنَتِهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ مُبَاحٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: كَالتَّحْرِيمِ بِاللِّعَانِ وَأَوْلَى، وَعَنْهُ بَلَى. يَكُونُ مَحْرَمًا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا الزِّنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّلْخِيصِ، فَإِنَّهُ قَالَ: بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِثُبُوتِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ، بِخِلَافِ الزِّنَا. الثَّالِثُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالشُّبْهَةِ مَا جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ الْوَطْءُ الْحَرَامُ مَعَ الشُّبْهَةِ، كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَحْوِهَا. لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ: أَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. الرَّابِعُ " ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ: أَنَّ الْمُلَاعِنَ يَكُونُ مَحْرَمًا لِلْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ. وَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، فَلِهَذَا قَالَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. الْخَامِسُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ، دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ. انْتَهَى.

فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: الْمَحْرَمُ زَوْجُهَا، أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا. لَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيمِهَا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، فَقِيلَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ: لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ، عَلَى الْمُسْلِمِ أَبَدًا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَلَيْسُوا بِمَحَارِمَ لَهُنَّ، فَقِيلَ: كَانَ يَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُنَّ كَمَا اسْتَثْنَى الْمَزْنِيَّ بِهَا. فَأُجِيبُ: لِانْقِطَاعِ حُكْمِهِنَّ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةَ، وَلَا جَوَابَ عَنْهُ. السَّادِسُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لِسَيِّدَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. [قَالَ الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَمْرُهُ] وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ أَيْضًا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ الْمَحْرَمِيَّةُ، وَعَنْهُ هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا، قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَحْرَمٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. [السَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: دُخُولُ الْعَبْدِ إذَا كَانَ قَرِيبًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَرَطَ كَوْنَ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ: وَاشْتَرَطَ الْحُرِّيَّةَ فِي الْمَحْرَمِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ] . فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَوْلُهُ (إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا) . بِلَا نِزَاعٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ

أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُسْلِمِ أَمِينًا عَلَيْهَا، قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ إنْ أَمِنَ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الْكِتَابِيَّ مَحْرَمٌ لِابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ، إنْ قُلْنَا: يَلِي نِكَاحَهَا كَالْمُسْلِمِ. انْتَهَى، قُلْت: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنَّهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِهِ الْحَرَمَ، لَكِنْ لَنَا هُنَاكَ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ لِلضَّرُورَةِ، أَوْ لِلْحَاجَةِ، أَوْ مُطْلَقًا، فَيَتَمَشَّى هَذَا الِاحْتِمَالُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. الثَّانِيَةُ: نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عَلَيْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لَهَا وَلَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَذَلَتْ النَّفَقَةَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمَحْرَمَ غَيْرَ عَبْدِهَا السَّفَرُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَزِمَهُ. الرَّابِعَةُ: مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ لَوْ أَرَادَ أُجْرَةً لَا تَلْزَمُهَا، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهَا كَنَفَقَتِهِ كَمَا فِي التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا، وَفِي قَائِدِ الْأَعْمَى، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ لَمْ يَلْزَمْهَا لِلْمِنَّةِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لِلْمَحْرَمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا النَّفَقَةُ كَقَائِدِ الْأَعْمَى، وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ. الْخَامِسَةُ: إذَا أَيِسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَحْرَمِ، وَقُلْنَا: يُشْتَرَطُ لِلُّزُومِ السَّعْيِ، أَوْ كَانَ وَوُجِدَ، وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى عُدِمَ: فَعَنْهُ تُجَهِّزُ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا، قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى كَالْمَغْصُوبِ، وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، قَالَ الْمَجْدُ: يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى أَنَّ تَزَوُّجَهَا لَا يَبْعُدُ عَادَةً، وَالْجَوَازُ عَلَى مَنْ أَيِسَتْ ظَاهِرًا أَوْ عَادَةً، لِزِيَادَةِ سِنٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهَا عَدَمُهُ.

ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَنَابَتْ مَنْ لَهَا مَحْرَمٌ، ثُمَّ فُقِدَ، فَهِيَ كَالْمَعْضُوبِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ بِبَدَنِهَا، وَوَجَبَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا غَيْرُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيَاسِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَرِوَايَتَانِ؛ لِتَرَدُّدِ النَّظَرِ فِي حُصُولِ الْإِيَاسِ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَذْرَهُ وَلَا نَافِلَةً، فَإِنْ فَعَلَ انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادَ الْحَجَّ: فَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَارَةً يُرِيدُ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَرَادَ الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ: لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ: انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَسَوَاءٌ كَانَ حَجُّ الْغَيْرِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْغَيْرُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ. ثُمَّ يَقْلِبُهُ الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ. نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ قَالَ لِمَنْ لَبَّى عَنْ غَيْرِهِ " اجْعَلْهَا عَنْ نَفْسِك "، وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا. نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ يَجُوزُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَقَعُ عَنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرٌ. نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ: وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ بِشَرْطِ عَجْزِهِ عَنْ حَجِّهِ لِنَفْسِهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَنُوبُ مَنْ لَمْ يُسْقِطْ فَرْضَ نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ مَا قِيلَ: يَنُوبُ فِي نَفْلٍ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ، وَيَحْرُمُ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَرَجَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَنْعَ، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ نَذْرًا أَوْ نَافِلَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَقَعُ مَا نَوَاهُ، وَعَنْهُ يَقَعُ بَاطِلًا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ هُنَا. مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَوْهَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تُجْزِئُ عَنْ الْمَنْذُورَةِ، مَعَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: تُجْزِئُ عَنْهُمَا، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ: فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ نَقْلًا وَمَذْهَبًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذَا وَغَيْرَهُ الْأَشْهَرُ فِي أَنَّهُ يَسْلُكُ فِي النَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ لَا النَّفْلِ. الثَّانِيَةُ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَتَى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا: فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِالْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِوُجُوبِهِمَا عَلَى الْفَوْرِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَجَّ عَنْ نَذْرِهِ، أَوْ عَنْ نَفْلِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ وَقَعَتْ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ. الْخَامِسَةُ: النَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ أَحْرَمَ النَّائِبُ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ: وَقَعَ عَنْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ، أَوْ عَنْ مَيِّتٍ وَاحِدًا فِي فَرْضِهِ، وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ: جَازَ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْجِيرِ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ

كَذَا قَالَ، فَيَلْزَمُهُ وُجُوبُهُ إذًا، وَيُحْرِمُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْآخَرِ، وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا: فَعَنْ، حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الْأُخْرَى عَنْ النَّذْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ. لِأَنَّهُ قَدْ يُعْفَى عَنْ التَّعْيِينِ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا، ثُمَّ يُعَيِّنُ. قَالَ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ، لِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ، بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ: أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالصَّرْصَرِيُّ فِي نَظْمِهِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ إذَا كَانَ عَاجِزًا يُرْجَى مَعَهُ زَوَالُ عِلَّتِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ. وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْقَادِرِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْخِلَافِ، كَمَا تَقَدَّمَ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: حُكْمُ الْمَحْبُوسِ: حُكْمُ الْمَرِيضِ الْمَرْجُوُّ بُرْؤُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

وَمِنْهَا: يَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ عَنْ الْمَعْضُوبِ وَالْمَيِّتِ فِي النَّفْلِ، إذَا كَانَا قَدْ حَجَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ لَمْ يَحُجَّا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُمَّ، وَيُقَدِّمَ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِ أُمِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ طَاعَةِ وَالِدَيْهِ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ ". ، وَمِنْهَا: فِي أَحْكَامِ النِّيَابَةِ، فَنَقُولُ: مَنْ أَعْطَى مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ شَخْصٍ بِلَا إجَارَةٍ وَلَا جَعَالَةٍ: جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ كَالْغَزْوِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ دَرَاهِمَ وَيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ لِلْإِجَارَةِ، أَوْ: أَحُجُّ حَجَّةً بِكَذَا، وَالنَّائِبُ أَمِينٌ، يَرْكَبُ وَيُنْفِقُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْهُ، أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَهُ أَوْ اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ عَلَى رَبِّهِ، أَوْ يُنْفِقُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَنْوِي رُجُوعَهُ بِهِ، وَتَرَكَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا يَضْمَنُ وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ أَبَاحَهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبُهُ: أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ، وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا؛ لِلُزُومِ مَا أَذِنَ فِيهِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ " حُجَّ عَنِّي بِهَذَا فَمَا فَضَلَ فَلَكَ " لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمَصْلَحَتِهِ، وَشِرَاءُ مَاءٍ لِلطَّهَارَةِ بِهِ، وَتَدَاوِي، وَدُخُولُ حَمَّامٍ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ صُدَّ أَوْ مَرِضَ أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ أَعْوَزَ بَعْدَهُ: لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ: يُصَدَّقُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا، فَبِبَيِّنَةٍ.

وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ إنْ رَجَعَ لِمَرَضٍ: رَدَّ مَا أَخَذَ، كَرُجُوعِهِ لِخَوْفِهِ مَرَضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا يُمْكِنُهُ سُلُوكُ أَقْرَبَ مِنْهُ بِلَا ضَرَرٍ: ضَمِنَ مَا زَادَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ تَعَجَّلَ عَجَلَةً يُمْكِنُهُ تَرْكُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى أَمْرٍ بِسُلُوكِهِ، وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُحِلًّا. ثُمَّ رَجَعَ لِيُحْرِمَ: ضَمِنَ نَفَقَةَ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ، وَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَوْقَ مُدَّةِ قَصْرٍ بِلَا عُذْرٍ فَمِنْ مَالِهِ، وَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ. خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا، وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلَا، وَهَلْ الْوَحْدَةُ عُذْرٌ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: مُخْتَلِفٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عُذْرٌ، وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ لِلنَّهْيِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: إنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى أَجِيرِهِ: أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَوْ لَا يَسِيرُ فِي آخِرِهَا، أَوْ وَقْتَ الْقَائِلَةِ، أَوْ لَيْلًا، فَخَالَفَ: ضَمِنَ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا شَرْطٍ، وَالْمُرَادُ مَعَ الْأَمْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَتَى وَجَبَ الْقَضَاءُ فَمِنْهُ، عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ كَجِنَايَتِهِ. كَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ: نَفَقَةُ الْفَاسِدِ وَالْقَضَاءُ عَلَى النَّائِبِ. وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ: أَجْزَأَهُ، وَمَعَ عُذْرٍ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ احْتَسَبَ لَهُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَضَاءُ فَعَلَيْهِ؛ لِدُخُولِهِ فِي حَجٍّ ظَنَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ. وَفَاتَهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ فَاتَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا: إلَّا وَاجِبًا عَلَى مُسْتَنِيبٍ، فَيُؤَدِّي عَنْهُ بِوُجُوبٍ سَابِقٍ، وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ، وَالْمَنْصُوصُ: وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ كَنَهْيِهِ: عَلَى مُسْتَنِيبِهِ إنْ أَذِنَ. كَدَمِ إحْصَارٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي دَمِ إحْصَارٍ وَجْهَيْنِ.

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَمَرَ مَرِيضٌ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، فَنَسِيَ الْمَأْمُورُ: أَسَاءَ، وَالدَّمُ عَلَى الْآمِرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ نَفَقَةِ تَجَاوُزِهِ وَرُجُوعِهِ وَالدَّمِ مَعَ عُذْرٍ: عَلَى مُسْتَنِيبِهِ. كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ فِي فَوَاتِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. انْتَهَى. وَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ: لَمْ يَصِحَّ شَرْطٌ. كَأَجْنَبِيٍّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ شَرَطَ عَلَى نَائِبٍ لَمْ يَصِحَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: يَصِحُّ عَكْسُهُ، وَفِي صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ: رِوَايَتَا الْإِجَارَةِ عَلَى قُرْبَةٍ. يَأْتِيَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْإِجَارَةِ. وَالْمَذْهَبُ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ اسْتَنَابَهُ إجَارَةٌ بِدَلِيلِ اسْتِنَابَةِ قَاضٍ، وَفِي عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَمُحْدِثٍ فِي صَلَاةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالُوا، وَاخْتَارَ ابْنُ شَاقِلَا تَصِحُّ، وَذُكِرَ فِي الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةُ عَنْهُ، وَعَنْ الْخِرَقِيِّ، فَعَلَى هَذَا: تُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ لَمْ يَسْتَنِبْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ كَتَوْكِيلٍ، وَأَنْ يَسْتَنِيبَ لِعُذْرٍ، وَإِنْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ بِتَحْصِيلِ حَجَّةٍ لَهُ اسْتَنَابَ، فَإِنْ قَالَ " بِنَفْسِك " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ تَرَدُّدٌ، فَإِنْ صَحَّتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ. انْتَهَى. [وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ قَالَ بِنَفْسِك: لَمْ يَجُزْ فِي وَجْهٍ، وَفِي آخَرَ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ] ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ، فَقَالَ: تَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقُولَ: تُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مِيقَاتِ كَذَا، وَإِلَّا فَمَجْهُولَةٌ، فَإِذَا وَقَّتَ مَكَانًا يُحْرِمُ مِنْهُ، فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَمَاتَ: فَلَا أُجْرَةَ، وَالْأُجْرَةُ مِنْ إحْرَامِهِ مِمَّا عَيَّنَهُ إلَى فَرَاغِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا جَهَالَةَ، وَيُحْمَلُ عَلَى عَادَةِ ذَلِكَ الْبَلَدِ غَالِبًا، وَمَعْنَاهُ

كَلَامُ أَصْحَابِنَا وَمُرَادُهُمْ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ إلَّا مِيقَاتٌ وَاحِدٌ جَازَ. فَعَلَى قَوْلِهِ: يَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُ النُّسُكِ وَانْفِسَاخُهَا بِتَأْخِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنْ قَدِمَ فَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَتِهِ، وَعَدَمُهُ لِعَدَمِهَا، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ، أَظْهَرُهُمَا: يَجُوزُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: يَجُوزُ، وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا. وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَلَوْ أُحْصِرَ، أَوْ ضَلَّ أَوْ تَلِفَ مَا أَخَذَهُ، فَرَّطَ أَوْ لَا، وَلَا يَحْتَسِبُ لَهُ بِشَيْءٍ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَلَا يَضْمَنُ بِلَا تَفْرِيطٍ. وَالدِّمَاءُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ كَفَّرَ، وَمَضَى فِيهِ وَقَضَاهُ، وَتُحْسَبُ أُجْرَةُ مُسَافِرٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا. وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِسْطُ مَا سَارَهُ، لَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ. خِلَافًا لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ رُكْنٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْبَاقِي، وَمَنْ ضَمِنَ الْحَجَّةَ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ: فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ كَمَا سَبَقَ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مِيقَاتٍ فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ: اُحْتُسِبَ مِنْهُ إلَى مَوْتِهِ، وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَيِّتٍ، فَهَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ، يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الْأَوْلَى الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَهُوَ كَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالصَّحِيحُ: جَوَازُ الْإِقَالَةِ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشَّرِكَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: يُعَايَى بِهَا. وَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرُدُّ كُلَّ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَنَصِّ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: إنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتٍ فَلَا، وَمِنْ مَكَّةَ: يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ مَا بَيْنَهُمَا

وَمَنْ أُمِرَ بِإِفْرَادٍ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ كَتَمَتُّعِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يُعْذَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ: لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي الرِّعَايَةِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّمَتُّعِ، وَعُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ كَإِفْرَادِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ. لِأَنَّهُ أَحَلَّ فِيهَا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَمَنْ أُمِرَ بِقِرَانٍ فَتَمَتَّعَ وَأَفْرَدَ فَلِلْآمِرِ، وَيَرُدُّ نَفَقَةً قَدْرَ مَا يَتْرُكُهُ مِنْ إحْرَامِ النُّسُكِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الْمِيقَاتِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ، وَإِنْ مِنْ تَمَتُّعٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. ، وَإِنْ اسْتَنَابَ شَخْصًا فِي حَجَّةٍ وَاسْتَنَابَهُ آخَرُ فِي عُمْرَةٍ فَقَرَنَ، وَلَمْ يَأْذَنَا لَهُ: صَحَّا لَهُ، وَضَمِنَ الْجَمِيعَ كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يَقَعُ عَنْهُمَا، وَيَرُدُّ نِصْفَ نَفَقَةِ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْقَوْلَيْنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ مَنْ أُمِرَ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُمَا لَا ضَمَانَ هُنَا، وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ عَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ. انْتَهَى، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الصِّحَّةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَضَمَانُ الْجَمِيعِ. وَإِنْ أُمِرَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَقَرَنَ لِنَفْسِهِ: فَالْخِلَافُ، وَإِنْ فَرَّغَهُ ثُمَّ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَلَمْ يَضْمَنْ، وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ نَفْسِهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ أُمِرَ بِإِحْرَامٍ مِنْ مِيقَاتٍ، فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ بَلَدِهِ، فَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتٍ، أَوْ فِي عَامٍ، أَوْ فِي شَهْرٍ، فَخَالَفَ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: يَجُوزُ؛ لِإِذْنِهِ فِيهِ بِالْجُمْلَةِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَلَوْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ: وَجَبَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْإِحْرَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَعْضُ أَحْكَامِ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ.

باب المواقيت

[بَابُ الْمَوَاقِيتِ] ِ فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَأَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ: مِنْ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، وَأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنٌ، وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ: ذَاتُ عِرْقٍ) . اعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، أَوْ تِسْعَةٌ، وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ فَرْسَخًا، وَقِيلَ: مِائَتَا مِيلٍ إلَّا مِيلَيْنِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ، وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ كَبِيرٌ. وَالصَّوَابُ: أَنَّ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ. وَرَأَيْت مَنْ وَهَّمَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا مِيلًا. وَيَلِيهِ فِي الْبُعْدِ: الْجُحْفَةُ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَقِيلَ: خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتَّةٌ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ: ثَلَاثٌ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ. وَقِيلَ: أَقْرَبُهَا ذَاتُ عِرْقٍ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ.، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ " قَرْنٌ " عَنْ مَكَّةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَ " يَلَمْلَمُ " لَيْلَتَانِ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّ بَيْنَ يَلَمْلَمُ وَبَيْنَ مَكَّةَ: مَرْحَلَتَيْنِ ثَلَاثُونَ مِيلًا، وَبَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ، وَبَيْنَ مَكَّةَ: مَرْحَلَتَانِ. وَالْمَسَافَةُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَقَرْنٌ: لِأَهْلِ نَجْدٍ، وَهِيَ الْيَمَنُ، وَنَجْدُ الْحِجَازُ وَالطَّائِفُ. وَذَاتُ عِرْقٍ: لِلْمَشْرِقِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ. الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَوْمَأَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ خَفِيَ النَّصُّ فَوَافَقَهُ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لَمْ

يَعْلَمُوا بِتَوْقِيتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ذَاتَ عِرْقٍ، فَقَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، فَأَصَابَ فَقَدْ كَانَ مُوَفَّقًا لِلصَّوَابِ. انْتَهَى. قُلْت: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمُحَالِ: أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُوَقِّتَ لَهُمْ. الثَّالِثَةُ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ آخِرِهِ جَازَ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَلَوْ مَرَّ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ عَلَى غَيْرِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُجَاوَزَتُهُ إلَّا مُحْرِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْجُحْفَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَوَّاهُ وَمَالَ إلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ: فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ جَازَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى الْبَيْتِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْبَعِيدِ أَوْلَى، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ: فَمِنْ الْحِلِّ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكُلَّمَا تَبَاعَدَ كَانَ أَفْضَلَ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، إذَا أَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً: فَمِنْ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ: لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا: فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَعَنْهُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. أَطْلَقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَزَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيهَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِسُقُوطِ دَمِ الْمُتْعَةِ عَنْ الْآفَاقِيِّ وَبِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ.

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ: أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ، وَبَعْدَهَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِهَا، وَفِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَتَكْرَارُهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ: فَمِنْ مَكَّةَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ. إذَا كَانَ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا تَرْجِيحَ. يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ: وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا فِي الْإِيضَاحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْمِيزَابِ، قُلْت: وَكَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لَهُمْ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ وَالْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ. بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّاظِمِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنْ مَرَّ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: يُهِلُّ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْمُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا قَضَى نُسُكَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا، أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ عَنْ آخَرَ: يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ،

وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، لَكِنْ بَعْضُهُمْ تَأَوَّلَهُ، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتِ، فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ: أَحْرَمَ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ. فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ: فَمِنْ أَبْعَدِهِمَا عَنْ مَكَّةَ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِيقَاتَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْمَوَاقِيتِ: إذَا حَاذَاهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا: أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَرَادَ نُسُكًا أَوْ مَكَّةَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ الْحَرَمَ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ، إلَّا أَنْ يُرِدْ نُسُكًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، لِلْخَبَرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرُ النَّصِّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ) مُرَادُهُ: إذَا كَانَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا. فَلَوْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرٌ، أَوْ عَبْدٌ. أَوْ صَبِيٌّ. ثُمَّ لَزِمَهُمْ، بِأَنْ أَسْلَمَ، أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ: أَحْرَمُوا مِنْ مَوْضِعِهِمْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْمُذْهَبِ: لَا دَمَ عَلَى الْكَافِرِ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَعَنْهُ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ: يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ كَالْمُسْلِمِ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمَانِعِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَتَخَرَّجُ فِي الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ، بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ، وَهُمَا: مِثْلُهُ، وَقَالَ فِي [الرِّعَايَةِ] الْكُبْرَى، وَغَيْرُهُ مِثْلُهُ وَأَوْلَى. انْتَهَى. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالدَّمِ عَلَيْهِمَا دُونَ الْكَافِرِ، وَالْمَجْنُونِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا مِنْ الْمِيقَاتِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ، وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّخْرِيجِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَافِرِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَبَنَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي الْكَافِرِ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ دَمٌ إنْ لَمْ يُحْرِمُوا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ، إذَا أَفَاقَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ: فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِ إفَاقَتِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَجَاوَزَ الْمُحْرِمُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْمِيقَاتَ، بِلَا إحْرَامٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَصْحَابُهُ: يَقْضِيهِ، وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إلَيْهِ. كَنَذْرِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (إلَّا لِقِتَالٍ مُبَاحٍ، أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ. كَالْحَطَّابِ) ، وَالْفَيْجِ، وَنَقْلِ الْمِيرَةِ، وَالصَّيْدِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَا تَرَدُّدُ الْمَكِّيِّ إلَى قَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْحُدُودِ: هَلْ يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ.

قَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ: أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ: رَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ) يَعْنِي يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْحَجِّ أَوْ غَيْرَهُ. بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُمَا بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي وُجُوبِ رُجُوعِهِ مُحِلًّا لِيُحْرِمَ مِنْهُ مَعَ أَمْنِ عَدُوٍّ، وَفَوْتِ [وَقْتِ] حَجٍّ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِحَالٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَدُوًّا وَلَا فَوْتًا: لَزِمَهُ الرُّجُوعُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ، فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ إحْرَامِهِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَحُكِيَ وَجْهٌ: عَلَيْهِ دَمٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَنْهُ يَسْقُطُ الدَّمُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي: كَالْعَالِمِ الْعَامِدِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُكْرَهُ كَالْمُطِيعِ.

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُكْرَهِ: قَالَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا دَمَ عَلَى مُكْرَهٍ، أَوْ أَنَّهُ كَإِتْلَافٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ دَمٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ هَذَا: لَمْ يَسْقُطْ دَمُ الْمُجَاوِزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: يَسْقُطُ بِقَضَائِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) . أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، لَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ غَيْرَ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ: مِنْ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، فَيَكُونُ مُبَاحًا، وَنَقَلَ صَالِحٌ: إنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ) . يَعْنِي أَنَّ هَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ. لَكِنْ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَسِنْدِيٌّ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، إلَّا أَنْ يُرِدْ فَسْخَهُ بِعُمْرَةٍ. فَلَهُ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي: بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ. وَقَالَ: وَقَدْ يُبْنَى الْخِلَافُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِحْرَامِ، فَإِنْ قُلْنَا: شَرْطٌ. صَحَّ كَالْوُضُوءِ، وَإِنْ قُلْنَا: رُكْنٌ. لَمْ يَصِحَّ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ: لَا يَصِحُّ أَيْضًا. انْتَهَى. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: إنْ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ أَجْزَأَ عَنْهَا، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا.

باب الإحرام

وَقَوْلُهُ " تَحَلَّلَ بِعَمَلِهَا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا " وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَيُكْرَهُ. قَالَ الْقَاضِي: أَرَادَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الْعُكْبَرِيُّ رِوَايَةً لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) فَيَكُونُ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: آخِرُهُ لَهُ النَّحْرُ. وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ، شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ: تَعَلُّقُ الْحِنْثِ بِهِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ جَوَازُ الْإِحْرَامِ فِيهَا، عَلَى خِلَافِ مَا سَبَقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ مَالِكٍ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْهَا، وَقَالَ الْمَوْلَى مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا فِي كَرَاهَةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيهَا، وَنَقَلَ فِي الْفَائِقِ عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ خُرُوجُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ. وَلُزُومُ الدَّمِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْعُمْرَةِ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ. [بَابُ الْإِحْرَامِ] ِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: " الْإِحْرَامُ " هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّ نِيَّةَ النُّسُكِ كَافِيَةٌ مَعَ التَّلْبِيَةِ، أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ. صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ [وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ

وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، فَيَكُونُ بَاطِلًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ: هَلْ يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ؟ . تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ) الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ، وَهُوَ صَحِيحٌ. بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ صَالِحٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَيَتَيَمَّمُ فِي الْأَصَحِّ لِحَاجَةٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تَيَمَّمَ فِي الْأَشْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَوْلُهُ (وَيَتَطَيَّبُ) يَعْنِي فِي بَدَنِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ جِرْمٌ أَوْ لَا، فَأَمَّا تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ، وَقِيلَ: تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ كَتَطْيِيبِ بَدَنِهِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ شَمِلَهُ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَيَأْتِي: هَلْ لَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ؟ فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ ".

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ: إزَارًا وَرِدَاءً) فَالرِّدَاءُ: يَضَعُهُ عَلَى كَتِفَيْهِ. وَالْإِزَارُ فِي وَسَطِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: إخْرَاجَ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ. قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُحْرِمُ عَقِيبَهُمَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِبَ صَلَاةٍ، إمَّا مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَفْلٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ مَكْتُوبَةٍ فَقَطْ، وَإِذَا رَكِبَ وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ عَقِيبَ فَرْضٍ إنْ كَانَ وَقْتَهُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ. فَائِدَةٌ: لَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ فِي وَقْتِ نَهْيٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَقَدْ مَرَّ، وَلَا يُصَلِّيهِمَا أَيْضًا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: إنْ قِيلَ: الْإِحْرَامُ مَا هُوَ؟ فَإِنْ قِيلَ: النِّيَّةُ. قِيلَ: فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ؟ وَنِيَّةُ النِّيَّةِ لَا تَجِبُ لَمَا فِيهِ مِنْ التَّسَلْسُلِ، وَإِنْ قِيلَ: التَّجَرُّدُ، فَالتَّجَرُّدُ لَيْسَ رُكْنًا فِي الْحَجِّ، وَلَا شَرْطًا وِفَاقًا، وَالْإِحْرَامُ، قِيلَ: إنَّهُ أَحَدُهُمَا، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِحْرَامَ النِّيَّةُ، وَالتَّجَرُّدُ هَيْئَةٌ لَهَا، وَالنِّيَّةُ لَا تَجِبُ لَهَا النِّيَّةُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا " وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ " مَعْنَاهُ: يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا

مُعَيَّنًا، وَالْأَشْبَهُ: أَنَّهُ شَرْطٌ. كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ إلَى آخِرِهِ) . أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ، أَوْ بِمَا فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ بِقَلْبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِحْرَامِ، وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ. فَكَذَا الِاشْتِرَاطُ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الِاشْتِرَاطَ لِلْخَائِفِ فَقَطْ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إنْ اُشْتُرِطَ فَلَا بَأْسَ. فَائِدَةٌ: الِاشْتِرَاطُ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ. أَحَدَهُمَا: إذَا عَاقَهُ عَدُوٌّ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ ذَهَابُ نَفَقَةٍ، أَوْ نَحْوُهُ: جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ. الثَّانِيَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّحَلُّلِ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ. لَكِنْ قَوْلُنَا " جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ " هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ: أَنَّهُ يُحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْحَصْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُهَا: التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ: يَخْتَارُ التَّمَتُّعَ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ. رَوَاهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ: وَإِنْ اعْتَمَرَ وَحَجَّ فِي سَفْرَتَيْنِ، أَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَغَيْرِهِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِيَةِ.

نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. فَائِدَةٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَبِ الْمَذَاهِبِ حَتَّى اخْتَلَفَ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: هَلْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ أَحْمَدَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ [كَانَ] قَارِنًا، وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ (وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) . هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ. وَأَطْلَقَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَأَطْلَقُوا. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ (وَيَفْرُغَ مِنْهَا) هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَفْرُغَ مِنْهَا، قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْمُذْهَبِ [وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ] وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَتَحَلَّلُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ. قَالَ: وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخَانِ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَا. حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَا يَغُرَّنَّك مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ: مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي

أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ. فَإِنَّ هَذَا التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ، وَمِنْ هُنَا قُلْنَا: إنَّ تَمَتُّعَ حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَالتَّمَتُّعُ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَلَمْ يَقُولُوا " وَيَفْرُغَ مِنْهَا " وَيَأْتِي أَيْضًا فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ عَلَى التَّمَتُّعِ: هَلْ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي التَّمَتُّعِ أَمْ لَا؟ ، قُلْت: مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَرُدُّ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِمْ " وَيَفْرُغَ مِنْهَا " إذْ الْفَرَاغُ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ مُتَمَتِّعٍ، سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مَكِّيًّا. إذْ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ لَكَانَ قَارِنًا، لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ تَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ التَّمَتُّعِ إلَى الْقِرَانِ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ دَمَ الْقِرَانِ، كَمَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَقَالَهُ هُوَ فِي الشُّرُوطِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا ادَّعَاهُ عَدَمُ صِحَّةِ عُمْرَةِ الْمَكِّيِّ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا " يَفْرُغَ مِنْهَا " وَقَالُوا " يَصِحُّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ " فَإِذَا تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا، فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّمَتُّعِ إلَّا بِفَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِلْمَكِّيِّ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ: هَلْ يَحِلُّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ إذَا كَانَ مُلَبَّدًا أَمْ لَا؟ . [وَيَأْتِي أَيْضًا فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ هَلْ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي التَّمَتُّعِ أَمْ لَا؟] . قَوْلُهُ (ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا فِي عَامِهِ) هَكَذَا زَادَ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنَقَلَهُ حَرْبٌ، وَأَبُو دَاوُد، يَعْنِي: أَنَّهُمْ قَالُوا " مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا " وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ، لَكِنْ قَيَّدَ الْقُرْبَ بِالْحَرَمِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُحْرِمُ

فِي عَامِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا " مِنْ مَكَّةَ " وَلَا " مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا " وَنَسَبَهُ فِي الْفُرُوعِ إلَى الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَزَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَقَالَ: يُحْرِمُ فِي عَامِهِ مِنْ مَكَّةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ " قَرِيبًا مِنْهَا " مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَالْإِفْرَادُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَلَكِنْ يَعْتَمِرُ بَعْدَ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقُوا، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَالْإِفْرَادُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ: وَعَنْهُ بَلْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: الْإِفْرَادُ أَنْ لَا يَأْتِيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ، قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ أَحْرَمَ فِيهِ بِعُمْرَةٍ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: لَيْسَ عَلَى مُعْتَمِرٍ بَعْدَ الْحَجِّ هَدْيٌ. لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِهِ، بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ فِيهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، فَإِذَا تَحَلَّلَ مِنْهُ: أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. قَوْلُهُ (وَالْقِرَانُ: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا) . هَكَذَا أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُحْرِمُ بِهِمَا جَمِيعًا مِنْ الْمِيقَاتِ.

مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ) . أَطْلَقَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مِنْ مَكَّةَ، أَوْ قُرْبِهَا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ: الْإِحْرَامُ بِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَعَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ: لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ سَعَى، إلَّا لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا، بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ هُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ. ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ: لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِهَا، وَلَمْ يَصِرْ قَارِنًا) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْإِحْرَامِ الثَّانِي شَيْءٌ فِيهِ خِلَافٌ وَقِيلَ: يَجُوزُ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ضَرُورَةً، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفُضَهَا لِتَأَكُّدِ الْحَجِّ بِفِعْلِ بَعْضِهِ، وَعَلَيْهِ بِرَفْضِهَا دَمٌ وَيَقْضِيهَا. فَائِدَةٌ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ كَالْمُفْرِدِ فِي الْإِجْزَاءِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُ الْعُمْرَةِ، وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ كَمَا يَتَأَخَّرُ الْحِلَاقِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ، وَعَنْهُ عَلَى الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَبُو حَفْصٍ لِعَدَمِ طَوَافِهَا، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْحَجِّ: أَنَّ عَمْرَةَ الْقَارِنِ تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يُقَدِّمُ الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ كَمُتَمَتِّعٍ سَاقَ هَدْيًا فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا، فَقِيلَ: تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ ثُمَّ يَعْتَمِرُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا تُنْتَقَضُ عُمْرَتُهُ. فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ طَافَ لَهَا ثُمَّ سَعَى. ثُمَّ طَافَ لِلْحَجِّ، ثُمَّ سَعَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي: هَلْ لِلْقِرَانِ إحْرَامَانِ أَوْ إحْرَامٌ وَاحِدٌ؟ فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ". قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ) ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا: دَمُ نُسُكٍ، لَا دَمُ جُبْرَانَ. أَمَّا الْقَارِنُ: فَيَلْزَمُهُ دَمٌ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ. إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ هَدْيًا فِي كِتَابِهِ، وَالْقَارِنُ إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلصَّبِيِّ " اذْبَحْ تَيْسًا "، وَسَأَلَهُ ابْنُ مُشَيْشٍ: الْقَارِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وُجُوبًا؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبًا؟ وَإِنَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْمُتَمَتِّعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَتَتَوَجَّهُ مِنْهُ رِوَايَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الدَّمُ دَمَ نُسُكٍ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ

الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَيْسَ بِدَمِ نُسُكٍ. يَعْنِيَانِ: بَلْ دَمُ جُبْرَانَ. فَائِدَةٌ: لَا يَلْزَمُ الدَّمُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ سَافَرَ سَفَرَ قَصْرٍ أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ، إنْ قُلْنَا بِهِ كَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لُزُومَهُ، لِأَنَّ اسْمَ " الْقِرَانِ " بَاقٍ بَعْدَ السَّفَرِ، بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ. انْتَهَى. ، وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ: فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ. أَحَدِهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَذَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ إجْمَاعًا. وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ ابْتِدَاءَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: مَنْ لَهُ مَنْزِلٌ قَرِيبٌ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَنْزِلٌ بَعِيدٌ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْقَرِيبِ. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إقَامَتَهُ أَكْثَرَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَالِهِ، ثُمَّ بِبَنِيهِ. ثُمَّ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَخَلَ آفَاقِيٌّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ، أَوْ نَوَاهَا

بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ. فَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَحَكَى وَجْهًا: لَا دَمَ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اسْتَوْطَنَ آفَاقِيٌّ مَكَّةَ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الشَّامَ أَوْ غَيْرَهَا، ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا: لَزِمَهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ كَسَفَرِ غَيْرِ مَكِّيٍّ ثُمَّ عَوْدِهِ. الشَّرْطِ الثَّانِي: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ فِيهِ. وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَنَا بِالشَّهْرِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ حَلَّ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ. الشَّرْطِ الثَّالِثِ: أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ. الشَّرْطِ الرَّابِعِ: أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، فَأَكْثَرَ. أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ: فَأَحْرَمَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَا: وَلَمْ يُحْرِمْ بِهِ مِنْ مِيقَاتٍ، أَوْ يُسَافِرُ سَفَرَ قَصْرٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ: وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ رِوَايَةٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: إنْ سَافَرَ إلَيْهِ فَأَحْرَمَ بِهِ، فَوَجْهَانِ، وَنَظِيرُ أَثَرِ الْخِلَافِ فِي " قَرْنٍ " مِيقَاتِ أَهْلِ نَجْدٍ، فَإِنَّهُ أَقَلُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. أَمَّا مَا عَدَاهُ: فَإِنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، عَلَى ظَاهِرِ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ

فِي الْمَوَاقِيتِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ: إنَّ أَقْرَبَهَا ذَاتُ عِرْقٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَلْزَمُهُ [دَمٌ] وَإِنْ رَجَعَ. الشَّرْطِ الْخَامِسِ: أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، يَحِلُّ أَوَّلًا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حَلِّهِ مِنْهَا صَارَ قَارِنًا. الشَّرْطِ السَّادِسِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَالْحَلْوَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: إنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. بَلْ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ: يَلْزَمُهُ دَمَانِ: دَمُ الْمُتْعَةِ، وَدَمُ الْإِحْرَامِ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَلَمْ يَنْوِهَا بِهِ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ، وَرَدُّوا مَا قَالَهُ الْقَاضِي، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ، وَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ: فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَا: وَفِي نَصِّهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ: تَنْبِيهٌ عَلَى إيجَابِ الدَّمِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. الشَّرْطِ السَّابِعِ: نِيَّةُ الْمُتَمَتِّعِ: فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَنْوِي فِي الْأَصَحِّ، وَقَالَ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَنْوِي فِي الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ، وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ اثْنَيْنِ: كَانَ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ: أَنْ يَكُونَ النُّسُكَانِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ. إمَّا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ شَخْصَيْنِ: فَلَا تَمَتُّعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ الثَّانِي مِنْ الْمِيقَاتِ. إذَا كَانَ عَنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَالْمُصَنِّفُ يُخَالِفُ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ فِي الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَنَى عَلَيْهِمَا. وَالْمَجْدُ يُوَافِقُهُ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ مُخَالَفَتُهُ فِي الْأَوَّلِ. الثَّانِيَةُ: لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يُعْتَبَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ إلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمَكِّيِّ، كَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ كَالْإِفْرَادِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ مُتْعَةٍ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَلَا مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ، أَيْ الْحَجُّ كَافِيهِمْ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا. انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا تَصِحُّ الْمُتْعَةُ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا مُتْعَةَ لَهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَسْقُطُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِإِفْسَادِ نُسُكِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ يَسْقُطُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُ الْقَارِنَ لِلْإِفْسَادِ دَمَانِ: سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ. انْتَهَى.

الرَّابِعَةُ: لَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا أَيْضًا بِفَوَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَسْقُطُ. الْخَامِسَةُ: إذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ. لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ دَمٌ، وَلِقِرَانِهِ الثَّانِي آخَرُ وَفِي دَمِ فَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَلْزَمُهُ دَمَانِ، دَمٌ لِقِرَانِهِ، وَدَمٌ لِفَوَاتِهِ. وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ لِفَوَاتِهِ الرِّوَايَتَانِ، وَزَادَ فِي الْفُصُولِ: يَلْزَمُهُ دَمٌ ثَالِثٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَإِذَا فَرَغَ مَنْ قَضَى مُفْرِدًا: أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْأَبْعَدِ. كَمَنْ فَسَدَ حَجُّهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِذَا قَضَى مُتَمَتِّعًا فَإِذَا تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ: أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْأَبْعَدِ. السَّادِسَةُ: يَلْزَمُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَرَدَّ مَا نُقِلَ عَنْهُ خِلَافُهُ إلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِالْوُقُوفِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَعَلَّهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَأَطْلَقَهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْكَافِي، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا. كَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فِي الْوَاضِحِ: يَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ بِالْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ لِنِيَّةِ التَّمَتُّعِ إذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ: يَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: فَائِدَةُ الرِّوَايَاتِ: إذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ، فَمَتَى يَثْبُتُ الْعُذْرُ؟ فِيهِ الرِّوَايَاتُ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ: فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَمَّا وَقْتُ ذَبْحِهِ: فَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. قَالَ: فَظَاهِرُهُ يَجُوزُ إذَا وَجَبَ لِقَوْلِهِ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَلَوْ جَاوَزَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحَلْقُ لِوُجُودِ الْغَايَةِ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُحْصَرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى عُمُومِ الْمَفْهُومِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَنَحَرَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَصَارَ كَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، وَكَانَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ فَعَلَ الْأَفْضَلَ، وَلِمَنْعِ التَّحَلُّلِ بِسَوْقِهِ. انْتَهَى. وَقَدْ جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ وَقْتَ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ: وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ بِذَبْحِهِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى وُجُوبِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ، وَمَعَهُ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ، لَا يَضِيعُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسْرَقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ نَحَرَهُ، وَإِنْ قَدِمَ بِهِ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ بِمِنًى. اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. الثَّانِي: هَذَا الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ، لَا مَعَ عَدَمِهِ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْفِدْيَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً؛ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ) . اعْلَمْ أَنَّ فَسْخَ الْقَارِنِ، وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ: مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطٍ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَعَبَّرَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ: بِالْجَوَازِ وَأَرَادُوا فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْمُخَالِفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ الْمُصَنِّفُ هُنَا ذَكَرَ الْفَسْخَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: الطَّوَافُ بِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ: هُوَ الْفَسْخُ، وَبِهِ حَصَلَ رَفْضُ الْإِحْرَامِ لَا غَيْرُ، فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَسْخِ وَمَا يَنْفَسِخُ بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَهَذَا جَيِّدٌ، وَالْأَحَادِيثُ لَا تَأْبَاهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: لِلْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ أَنْ يَفْسَخَا نُسُكَهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَا وَقَفَا بِعَرَفَةَ، وَلَا سَاقَا هَدْيًا، فَلَمْ يُفْصِحُوا بِوَقْتِ الْفَسْخِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: جَوَازُ الْفَسْخِ، سَوَاءٌ طَافَا وَسَعَيَا أَوْ لَا، إذَا لَمْ يَقِفَا بِعَرَفَةَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَغُرَّنَّك كَلَامُ ابْنِ مُنَجَّى، فَإِنَّهُ قَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ شَرْطٌ فِي اسْتِحْبَابِ الْفَسْخِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ وَسَعَى ثُمَّ فَسَخَ: يَحْتَاجُ إلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ يُرِدْ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ " إذَا " ظَرْفٌ لَأَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَقْتَ طَوَافِهِ. أَيْ وَقْتَ جَوَازِ طَوَافِهِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَفَلَ عَنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ

وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ وَكَلَامِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَأْبَى ذَلِكَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافًا ثَانِيًا. كَمَا زَعَمَ ابْنُ مُنَجَّى. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْكَافِي: يُسَنُّ لَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا هَدْيٌ أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ، وَيَنْوِيَا عُمْرَةً، وَيَحِلَّا مِنْ إحْرَامِهِمَا بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَتَقْصِيرٍ؛ لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ ابْنِ مُنَجَّى " إنَّ الْأَخْبَارَ تَقْتَضِي الْفَسْخَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ " لَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَهَا: أَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الطَّوَافِ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ، فَإِنَّهُ كَالنَّصِّ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْفَسْخِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ طَوَافِهِمْ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا نِيَّتَهُمَا بِالْحَجِّ. زَادَ الْمُصَنِّفُ: إذَا طَافَا وَسَعَيَا. فَيَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهِمَا ذَلِكَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، فَإِذَا فَرَغَا مِنْهَا وَحَلَّا أَحْرَمَا بِالْحَجِّ، لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ يَبْعُدْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ مَسَاغِهِ. نَقَلَهُ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ هَدْيًا، فَيَكُونُ عَلَى إحْرَامِهِ) . هَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ فَسْخِ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ حَجَّهُمَا إلَى الْعُمْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي حِكَايَةً بَعْدَ هَذَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: كَوْنُهُ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (لَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، فَعَلَى هَذَا: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ، فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا، نَصَّ عَلَيْهِ.

نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحِلُّ كَمَنْ يُهْدِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى. قَالَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ أَيْضًا: فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ هَدْيٌ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً، وَعَنْهُ إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ: نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ، وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِيمَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا مَعَهُ هَدْيٌ: إنْ قَدِمَ فِي شَوَّالٍ نَحْوَهُ وَحَلَّ. وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ، وَإِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ، فَقِيلَ لَهُ: خَبَرُ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ يَتَحَلَّلُ قَبْلَ الْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ إحْرَامُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ. وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: حَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ دَمٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ الْفَسْخِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَاقْتَصَرَ فِي الْفُرُوعِ عَلَى حِكَايَةِ قَوْلِهِمَا. قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ إذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ قَبْلَ فَوْتِ الْحَجِّ: أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَمْ تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ)

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. كَذَا الْحُكْمُ لَوْ خَافَ غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ، وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا صَحَّ، وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مَا شَاءَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّهُ أَوْلَى كَابْتِدَاءِ إحْرَامِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ شَرَطْنَا تَعْيِينَ مَا أَحْرَمَ بِهِ: بَطَلَ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ: انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ) ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ، بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا نَعْلَمُهُ. ثُمَّ إنْ عَلِمَ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ: انْعَقَدَ مِثْلُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَحْرَمَ هُوَ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى مَا كَانَ صَرَفَهُ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ، لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ مَنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ فَاسِدًا، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ لَنَا فِيمَا إذَا نَذَرَ عِبَادَةً فَاسِدَةً: هَلْ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ، وَلَوْ جَهِلَ إحْرَامَ الْأَوَّلِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا، وَلَوْ شَكَّ: هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا؟ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ

مَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ، فَيَكُونُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَقَالَ: فَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ لَجَزَمَ بِالْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ " إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت " فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. وَقَالَ فِي الْكَافِي: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ: انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ مُعَلِّلًا: لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِوَاحِدَةٍ، فَيَصِحُّ بِهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَ: فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا. كَأَصْلِهِ. قَالَ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلٍ، وَقَالَ أَيْضًا: يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ فِي انْعِقَادِهِ بِهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ: جَعَلَهُ عُمْرَةً) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَحَمَلَ الْقَاضِي نَصَّ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ جَائِزٌ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ فَأُنْسِيهِ، أَوْ أَحْرَمَ بِهِ مُطْلَقًا، ثُمَّ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ: جَازَ، وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهُ إلَّا النَّاسِيَ لِنُسُكِهِ إذَا عَيَّنَهُ بِقِرَانٍ، أَوْ بِتَمَتُّعٍ وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيُ، فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عَنْ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ: هَلْ يَجْعَلُهُ عُمْرَةً أَوْ مَا شَاءَ؟ . فَائِدَةٌ: لَوْ عَيَّنَ الْمَنْسِيُّ بِقِرَانٍ: صَحَّ حَجُّهُ. وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: وَتَصِحُّ عُمْرَتُهُ، بِنَاءً عَلَى إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِحَاجَةٍ، فَيَلْزَمُهُ دَمُ قِرَانٍ، وَلَوْ عَيَّنَهُ بِتَمَتُّعٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَيُجْزِيهِ عَنْهُمَا.

وَلَوْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ جَعَلَهُ عُمْرَةً؛ لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَإِذَا سَعَى وَحَلَقَ: فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيُتَمِّمُهُ وَيُجْزِئُهُ. وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْحَلْقِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا وَإِلَّا قَدَّمَ مُتْعَةً، وَلَوْ كَانَ شَكُّهُ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ: وَجَعَلَهُ حَجًّا أَوْ قِرَانًا: تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ. وَلَمْ يُجْزِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلنُّسُكِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَنْسِيَّ عُمْرَةٌ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ، وَلَا قَضَاءَ؛ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ رَجُلَيْنِ: وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ: وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصْرِفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي لَهُ صَرْفُهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَوْ طَافَ شَوْطًا، أَوْ سَعَى، أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ جَعْلِهِ لِأَحَدِهِمَا: تَعَيَّنَ جَعْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ، كَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَيَضْمَنُ. فَائِدَةٌ: يُؤَدَّبُ مَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، لِفِعْلِهِ مُحْرِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ فِي عَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَنَسِيَهُ، أَوْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ، فَإِنْ فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا، وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ غَرِمَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِيَيْنِ، إنْ كَانَ النَّائِبُ غَيْرَ مُسْتَأْجِرٍ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَاهُ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ: صَحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدُ، نَصَّ عَلَيْهِ.

قُلْت: قَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُمْكِنُ فِعْلُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ بِيَسِيرٍ. ثُمَّ يُدْرِكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ لَبَّى) . يَعْنِي إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ. قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاءُ التَّلْبِيَةِ عَقِبَ إحْرَامِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ التَّلْبِيَةُ حِينَ يُحْرِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ. اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ. نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَعَنْ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَائِمٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمَفْهُومَةَ كَنُطْقِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ بِالتَّلْبِيَةِ تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ بِهَا، حَيْثُ عَلِمْنَا إرَادَتَهُ لِذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (لَبَّى تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ ") . أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَهُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ فَرَاغِهَا، لَا فِيهَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا) الْإِطْلَاقُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ، لَكِنْ الْأَصْحَابُ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهَا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: إذَا أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ، فَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: لَا يُلَبِّي بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لِعَدَمِ نَقْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا) . يَعْنِي يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا بَعْدَهَا: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ التَّلْبِيَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ؟ يُكَبِّرُونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا. فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ؟ قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِيهِ مَرَّةٌ؟ قَالَ: بَلَى؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِتَلْبِيَتِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا حَسَنٌ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قَوْلُهُ (وَيُلَبِّي إذَا عَلَا نَشْزًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا الْتَقَتْ الرِّفَاقُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيُلَبِّي أَيْضًا إذَا سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ دَابَّةً. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ نَزَلَ عَنْهَا، وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ، إلَّا بِمِقْدَارِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا) السُّنَّةُ: أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا بِهَا أَكْثَرَ مِنْ إسْمَاعِ رَفِيقَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَمَنَعَهَا فِي الْوَاضِحِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَذَانٍ أَيْضًا. هَذَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا إنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَوْرَةٌ، فَإِنَّهَا تُمْنَعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَمَاعَةٍ: لَا تَجْهَرُ إلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ نُسُكَهُ فِي التَّلْبِيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَحَيْثُ ذَكَرَهُ: يُسْتَحَبُّ لِلْقَارِنِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَذْكُرُ الْحَجَّ قَبْلَ الْعُمْرَةِ فَيَقُولُ " لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَةً ". الثَّالِثَةُ: لَا بَأْسَ بِالتَّلْبِيَةِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ: عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يُلَبِّي؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِذِكْرٍ يَخُصُّهُ.

باب محظورات الإحرام

فَعَلَى الْأَوَّلِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: لَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِيهِ. وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: يُكْرَهُ إظْهَارُهَا فِيهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ وَجْهًا: يُسَنُّ إظْهَارُهَا فِيهِ. وَأَمَّا فِي السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا. الرَّابِعَةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ؛ لِعَدَمِ نَقْلِهِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَثْنَاءِ التَّلْبِيَةِ وَمُخَاطَبَتَهُ حَتَّى بِسَلَامٍ وَرَدَّهُ مِنْهُ كَالْأَذَانِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ. فَإِنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ رَدَّ، وَبَنَى. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ أَحْكَامُ فِعْلِ التَّلْبِيَةِ أَمَّا وَقْتُ قَطْعِهَا: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ، فَلْيُعَاوِدْ. [بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ) . يُمْنَعُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعْرِ إجْمَاعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. وَهُوَ أَظْهَرُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً: أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا شَيْءَ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ

رِوَايَةً: لَا شَيْءَ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ [وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ] وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ [وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُغْنِي، فِي بَابِ الْفِدْيَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِأَخْذِهَا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ: حَمَّادٍ. وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ فِدْيَةٌ انْتَهَى. هَذَا لَفْظُهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ قَوْلَهُ " وَعَنْهُ " يَعُودُ إلَى عَطَاءٍ، لَا إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ] . قَوْلُهُ (فَمَنْ حَلَقَ، أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً: فَعَلَيْهِ دَمٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَصَرَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا فِي أَرْبَعِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا) . نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً: لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا فِي خَمْسٍ فَصَاعِدًا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا وَجْهَ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَضْعَفُهَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: لَا يَجِبُ الدَّمُ إلَّا فِيمَا يُمَاطُ بِهِ الْأَذَى، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ تَعَلُّقُ الدَّمِ بِمِقْدَارِ تَرَفُّهِهِ بِإِزَالَتِهِ. قَوْلُهُ (وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ، فِي كُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ

عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. (وَعَنْهُ قَبْضَةٌ) لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ. (وَعَنْهُ دِرْهَمٌ، وَعَنْهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَعَنْهُ دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُهُ) ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْقَاضِي، وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ لَيَالِي مِنًى، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَلْزَمُ عَلَى تَخْرِيجِ الْقَاضِي أَنْ يَخْرُجَ: أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَجِبَ دَمٌ، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي لَيَالِي مِنًى، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا: يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفُرٍ ثُلُثُ دَمٍ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حُلِقَ رَأْسُهُ بِإِذْنِهِ: فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ) . يَعْنِي عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَالِقِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا، كَشَعْرِ الصَّيْدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ: لَوْ حُلِقَ رَأْسُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ وَلَمْ يَنْهَهُ فَقِيلَ: الْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، كَوَدِيعَةٍ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنَوِّرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِقِ كَإِتْلَافِهِ مَالَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا، أَوْ نَائِمًا، فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ عَلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ، وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ وَجْهًا: أَنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْحَالِقِ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلْقِ وَحَلَقَ بِنَفْسِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حَلَالٍ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ. فَائِدَةٌ لَوْ طَيَّبَ غَيْرَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالِقِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ قُلْت: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمُطَيِّبِ الْمُحْرِمِ: لَكَانَ مُتَّجَهًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ لَا يَسْلَمُ مِنْ الرَّائِحَةِ. بِخِلَافِ الْحَلْقِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَوْ أَلْبَسَ غَيْرَهُ. فَكَالْحَالِقِ. قَوْلُهُ (وَقَطْعُ الشَّعْرِ وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ) وَكَذَا قَطْعُ بَعْضِ الظُّفُرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا: يَجِبُ عَلَيْهِ بِنِسْبَتِهِ، كَأُنْمُلَةِ إصْبَعٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي حَكِيمٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ قَوْلًا. قَوْلُهُ (وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُنْفَرِدٌ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي

فوائد

وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ أَزَالَ شَعْرَ الْأَنْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ لِعَدَمِ التَّرَفُّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الرِّوَايَتَيْنِ: لَوْ قَطَعَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَتَيْنِ، وَمِنْ بَدَنِهِ شَعْرَتَيْنِ: فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ: أَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلَيْهِ فِدْيَةً وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اللُّبْسِ، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَا: أَنَّ عَلَيْهِ فِدْيَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنَيْهِ شَعْرٌ فَقَلَعَهُ، أَوْ نَزَلَ شَعْرُهُ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ، أَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَصَّهُ) . يَعْنِي: قَصَّ مَا احْتَاجَ إلَى قَصِّهِ (أَوْ قَطَعَ جِلْدًا عَلَيْهِ شَعْرٌ: فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) وَكَذَا لَوْ افْتَصَدَ فَزَالَ الشَّعْرُ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُضْمَنُ. أَوْ حَجَمَ، أَوْ احْتَجَمَ وَلَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْفَصْدِ مِثْلُهُ. وَالْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَآذَاهُ: قَطَعَهُ وَفَدَى. [فَوَائِدُ] ُ الْأُولَى: لَوْ حَصَلَ لَهُ أَذًى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ، كَشِدَّةِ حَرٍّ وَقُرُوحٍ وَصُدَاعٍ: أَزَالَهُ، وَفَدَى، كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرُورَةٍ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ، وَلَا فِدْيَةَ بِقَطْعِهِ بِلَا تَعَمُّدٍ. نَقَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إنْ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ: فَدَى. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ خَلَّلَهَا فَسَقَطَ شَعْرٌ، أَوْ كَانَ مَيِّتًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لَهُ حَكُّ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ بِرِفْقٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا، وَقِيلَ: غَيْرُ الْجُنُبِ لَا يَحُكُّهُمَا بِيَدَيْهِ وَلَا يَحُكُّهُمَا بِمُشْطٍ وَلَا ظُفْرٍ. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ غَسْلُهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ: إنَّ تَرْكَ غَطْسِهِ فِي الْمَاءِ وَتَغْيِيبَ رَأْسِهِ أَوْلَى، أَوْ الْجَزْمُ بِهِ. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ لَهُ غَسْلُ رَأْسِهِ بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَيَفْدِي. نَقَلَ صَالِحٌ: قَدَّ رَجُلٌ شَعْرَهُ، وَلَعَلَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ الْغَسْلِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ: حَكَى صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا فِي الْفِدْيَةِ: رِوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمُوا مَذْهَبَ الْوُجُوبِ. وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَحْرُمُ فَدَى، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. كَالِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ احْتَاجَ إلَى قَطْعِهِ بِحِجَامَةٍ أَوْ غَسْلٍ: لَمْ يَضُرَّهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ) ، تَقَدَّمَ فِي بَابِ السِّوَاكِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ.

وَأَنَّ مَا فَوْقَهُمَا مِنْ الْبَيَاضِ مِنْ الرَّأْسِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ: مَا هُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَمَا هُوَ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى، فَمَا كَانَ مِنْ الرَّأْسِ حَرُمَ تَغْطِيَتُهُ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ (فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، أَوْ قِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَصَبَهُ وَلَوْ بِسَيْرٍ، أَوْ طَيَّنَهُ بِطِينٍ، أَوْ حِنَّاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِنَوْرَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) . فَائِدَةٌ فِعْلُ بَعْضِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَفِعْلِهِ كُلِّهِ فِي التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) ، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، كَالْهَوْدَجِ، وَالْعِمَادِيَّةِ، وَالْمِحَفَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِظْلَالِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. . إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ [الصَّحِيحُ مِنْ] الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ، وَابْنَ الزَّاغُونِيِّ، وَصَاحِبَ الْعُقُودِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةً: لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ، وَالرَّاوِيَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هِيَ الظَّاهِرُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ [وَالْفُرُوعِ] وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ " فَمَتَى فَعَلَ كَذَا كَذَا، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ اسْتَظَلَّ بِالْمَحْمَلِ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ". فَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى، وَفِيهَا رِوَايَاتٌ. إحْدَاهَا: لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا يَسْتَظِلُّ بِمَحْمَلٍ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِفِعْلِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَعُقُودُ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْإِيضَاحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ. وَالْمُبْهِجِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ كَثُرَ الِاسْتِظْلَالُ: وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ: فَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِظْلَالِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ: وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ حَمْدَانَ، وَعِنْدَ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ فِي الِاسْتِظْلَالِ.

إذْ لَا جَوَازَ عِنْدَهُمْ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَثْنِي الْيَسِيرَ فَيُبِيحُهُ، وَلَا يُوجِبُ فِيهِ فِدْيَةً كَمَا تَقَدَّمَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: وَكَذَا الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ إذَا اسْتَظَلَّ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ نَازِلًا وَرَاكِبًا. قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا أَثَرَ لِلْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِيمَا فِيهِ فِدْيَةٌ، وَفِيمَا لَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ فَدَى، مِثْلَ أَنْ يَقْصِدَ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَى رَأْسِهِ السَّتْرَ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ تَلْبِيدُ رَأْسِهِ بِغَسْلٍ أَوْ صَمْغٍ وَنَحْوِهِ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ غُبَارٌ أَوْ دَبِيبٌ وَلَا يُصِيبَهُ شُعْثٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا، أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ ثَوْبًا، أَوْ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ، أَوْ بَيْتٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، وَلَوْ قَصَدَ بِهِ السَّتْرَ. لَمْ يَسْتَثْنِ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا وَقَصَدَ السَّتْرَ بِهِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ (وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْجَوَازُ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَتَمَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِتَغْطِيَتِهِ. نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إزَارًا. فَيَلْبَسَ سَرَاوِيلَ، أَوْ نَعْلَيْنِ، فَيَلْبَسَ خُفَّيْنِ. وَلَا يَقْطَعَهُمَا، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْخُفَّيْنِ إلَى دُونِ الْكَعْبَيْنِ: فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَجَبُ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي قَوْلِهِ " بِعَدَمِ الْقَطْعِ " فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ، وَقُلْت: سُنَّةً لَمْ تَبْلُغْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ الْخَطَّابِيِّ فِي تَوَهُّمِهِ عَنْ أَحْمَدَ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ، أَوْ خَفَائِهَا. وَقَدْ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: احْتَجَجْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقُلْت: هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ، وَذَاكَ حَدِيثٌ، فَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا نَظَرَ نَظَرًا لَا يَنْظُرُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَصِّرُونَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَتِهِ فِي الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ. انْتَهَى.

وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ: إذَا لَبِسَ مُكْرَهًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا يَقْطَعَهُمَا) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ إفْسَادٌ. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا بِالنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَوَّزَ الْقَطْعَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَنَّ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ: كَرَاهَتُهُ لِغَيْرِ إحْرَامٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى قَطْعُهُمَا، عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَخُرُوجًا عَنْ حَالِهِمَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الرَّانُ. كَالْخُفِّ فِيمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَبِسَ مَقْطُوعًا، دُونَ الْكَعْبَيْنِ، مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ: لَمْ يَجُزْ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ. وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُفٍّ، فَلُبْسُ اللَّالَكَةِ وَالْجُمْجُمِ وَنَحْوِهِمَا: يَجُوزُ، عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَقَالَ

الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اللَّالَكَةِ وَالْجُمْجُمِ: عَدَمُ لُبْسِهِمَا. لَا مَعَ عَدَمِ النَّعْلَيْنِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا: لَبِسَ الْخُفَّ، وَلَا فِدْيَةَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ بِلُبْسِ الْخُفِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ. الرَّابِعَةُ: يُبَاحُ النَّعْلُ كَيْفَمَا كَانَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِإِطْلَاقِ إبَاحَتِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِي عَقِبِ النَّعْلِ أَوْ قَيْدِهَا. وَهُوَ السَّيْرُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الزِّمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَالَ الْقَاضِي: مُرَادُهُ الْعَرِيضَيْنِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " لَبِسَ الْمَخِيطَ " مَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَلَوْ كَانَ دِرْعًا مَنْسُوجًا، أَوْ لِبْدًا مَعْقُودًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: بِمَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِهِ وَقُصِدَ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَادٍ، كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ، وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. فَائِدَتَانِ. الْأُولَى: لَا يُشْتَرَطُ فِي اللُّبْسِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، بَلْ الْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً، وَلَا رِدَاءً، وَلَا غَيْرَهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْكِمَهُ بِشَوْكَةٍ، أَوْ إبْرَةٍ، أَوْ خَيْطٍ، وَلَا يَزُرَّهُ فِي عُرْوَتِهِ وَلَا يَغْرِزَهُ فِي إزَارِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَفَدَى.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ شَدُّ وَسَطِهِ بِمِنْدِيلٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لَمْ يَعْقِدْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَتَهُ عَلَى وَسَطِهِ لَا يَعْقِدُهَا، وَيَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ بِحَبْلٍ وَعِمَامَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَبِرِدَاءٍ لِحَاجَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِدَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً) . اعْلَمْ أَنَّ الْمِنْطَقَةَ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ فِيهَا نَفَقَتُهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا نَفَقَتُهُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْهِمْيَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفَقَتُهُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَلْبَسَهَا لِوَجَعٍ أَوْ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَبِسَهَا لِوَجَعٍ أَوْ لِحَاجَةٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْدِي، وَكَذَا لَوْ لَبِسَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: أَنَّ الْمِنْطَقَةَ كَالْهِمْيَانِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ حَامِدٍ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا النَّفَقَةُ وَعَدَمُهَا، وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (إلَّا إزَارَهُ وَهِمْيَانَهُ الَّذِي فِيهِ نَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ) أَمَّا الْإِزَارُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ: فَلَهُ أَنْ يَعْقِدَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا الْهِمْيَانُ: فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يَعْقِدَهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْعَقْدِ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي رَوْضَةِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ هُوَ مُصَنِّفُهَا: لَا يَعْقِدُ سُيُورَ الْهِمْيَانِ. وَقِيلَ: لَا بَأْسَ، احْتِيَاطًا عَلَى النَّفَقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. صَحَّحَهَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إذَا طَرَحَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ: فَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ سَهَا، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ فَدَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَتَقَلَّدَ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) أَنَّهُ لَا يَتَقَلَّدُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَتَقَلَّدُ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ فِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَتَقَلَّدُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفٍ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّبْسِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَلْبُوسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَهُ فِي الْحَرَمِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا أَرَادَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ جَوَازَ التَّقَلُّدِ بِهِ لِلْمُحْرِمِ، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي الْجُمْلَةِ. أَمَّا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِي مَكَّةَ: فَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَكَذَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَكَذَا الرِّوَايَةُ. فَائِدَةٌ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ، أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ، وَإِنْ غَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ: فَدَى؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. قَدَّمَهُ فِي

الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُغَطِّي رَأْسَهُ وَيَفْدِي. وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: شَمُّ الْأَدْهَانِ الْمُطَيِّبَةِ وَالِادِّهَانُ بِهَا) . يَحْرُمُ الِادِّهَانُ بِدُهْنٍ مُطَيِّبٍ، وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: لَا فِدْيَةَ بِذَلِكَ. وَيَأْتِي قَرِيبًا حُكْمُ الْأَدْهَانِ غَيْرِ الْمُطَيِّبَةِ. قَوْلُهُ (وَأَكْلُ مَا فِيهِ طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ) . إذَا أَكَلَ مَا فِيهِ طِيبٌ يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَدَى، وَلَوْ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ مَسَّتْهُ النَّارُ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ ذَهَبَتْ وَبَقِيَ طَعْمُهُ، فَالْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَحْرُمُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَيَأْتِي إذَا اشْتَرَى طِيبًا وَحَمَلَهُ وَقَلَبَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ شَمَّهُ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ مَسَّ مِنْ الطِّيبِ مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. كَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ. وَقِطَعِ كَافُورٍ، وَعَنْبَرٍ وَنَحْوِهِ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا عَلِقَ بِيَدِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَغَالِيَةٍ وَمَاءِ وَرْدٍ، وَقِيلَ: أَوْ جَهِلَ ذَلِكَ، كَمِسْكٍ مَسْحُوقٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْفِدْيَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ ": " لَوْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ أَمْ لَا "؟ .

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَهُ شَمُّ الْعُودِ وَالْفَوَاكِهِ وَالشِّيحِ وَالْخُزَامَى) . بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا كُلُّ نَبَاتِ الصَّحْرَاءِ، وَمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ لَا لِقَصْدِ الطِّيبِ كَالْحِنَّاءِ وَالْعُصْفُرِ. وَكَذَا الْقُرُنْفُلُ وَالدَّارَصِينِيُّ وَنَحْوُهَا. قَوْلُهُ (وَفِي شَمِّ الرَّيْحَانِ وَالنِّرْجِسِ وَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْبُرَمِ وَنَحْوِهَا وَالِادِّهَانُ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ فِي رَأْسِهِ: رِوَايَتَانِ) . شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَيْئَيْنِ. أَحَدَهُمَا: الِادِّهَانَ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ، وَالثَّانِيَ: شَمَّ مَا عَدَا ذَلِكَ. مِمَّا ذَكَرَهُ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ. أَحَدِهِمَا: مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ لِلطِّيبِ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ، وَالنَّمَّامِ، وَالْبُرَمِ، وَالنِّرْجِسِ، وَالْمَرْزَجُوشِ وَنَحْوِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُبَاحُ شَمُّهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ شَمُّهُ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي شَمِّ الرَّيْحَانِ. وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي شَمِّ النِّرْجِسِ، وَالْبُرَمِ، وَهُوَ غَرِيبٌ أَعْنِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ " لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْمُحْرِمِ " لِلْكَرَاهِيَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا: رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يَحْرُمُ شَمُّ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُنْبَتُ لِلطِّيبِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ،

وَالْخَيْرِيِّ وَهُوَ الْمَنْثُورُ وَاللِّينُوفَرِ، وَالْيَاسَمِينِ. وَهُوَ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ شَمُّهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إنْ شَمَّهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْكَافِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُبَاحُ شَمُّهُ، وَلَا فِدْيَةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: مُرَادُهُ بِالرَّيْحَانِ: الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيُّ، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَلَهُ شَمُّ رَيْحَانٍ، وَعَنْهُ بَرِّيٌّ. الثَّانِي: تَابَعَ الْمُصَنِّفُ أَبَا الْخَطَّابِ فِي حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَتَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ أَيْضًا: صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فِي الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ: الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي سَائِرِ النَّبَاتِ الطَّيِّبِ الرَّائِحَةِ، الَّذِي لَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ: وَجْهَانِ. قِيَاسًا عَلَى الرَّيْحَانِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ: أَنَّ جَمِيعَ الْقِسْمَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ: فِي الرَّيْحَانِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ: فِي الْجَمِيعِ الرِّوَايَتَانِ. انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ لِلْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ: ثَلَاثُ طُرُقٍ [فَائِدَةٌ: الرَّيْحَانُ وَغَيْرُهُ وَنَحْوُهُ كَأَصْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ بِالْمَنْعِ كَمَاءِ وَرْدٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ انْتَهَى] أَمَّا الِادِّهَانُ بِدُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ، كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، وَدُهْنِ الْبَانِ السَّاذَجِ

وَنَحْوِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: جَوَازُ ذَلِكَ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. أَوْ يَدَّهِنُ فِي رَأْسِهِ بِالشَّيْرَجِ أَوْ زَيْتِ الْمَنْصُوصِ لَا مَنْ خَرَجَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْجَوَازِ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: قَالَ الْخِرَقِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: لَا يَدَّهِنُ بِمَا فِيهِ طِيبٌ، وَلَا مَا لَا طِيبَ فِيهِ، فَعَطَفَهُ عَلَى مَا فِيهِ الْفِدْيَةُ، وَالظَّاهِرُ: التَّسَاوِي. وَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ. الثَّالِثُ: قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَلَكِنْ إنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ. لَا فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: شَمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " الِادِّهَانَ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ " الزَّيْتَ وَالشَّيْرَجَ، وَالسَّمْنَ وَالشَّحْمَ، وَالْبَانَ السَّاذَجَ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ السَّمْنَ كَالزَّيْتِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فِي رَأْسِهِ " أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالرَّأْسِ فَقَطْ، وَفِي غَيْرِهِ: يَجُوزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ مُنَجَّى، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ " وَالْوَجْهُ " وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا

فِي دَهْنِ شَعْرِهِ " فَلَمْ يَخُصَّ الرَّأْسَ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الرِّوَايَتَانِ فِي رَأْسِهِ وَيَدَيْهِ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا الْأَكْثَرُ، كَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ. قُلْت: وَرَدَ النَّصُّ عَنْ أَحْمَدَ بِالْمَنْعِ فِي الرَّأْسِ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ أَجْرَى الْخِلَافَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ: نَظَرَ إلَى تَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِالشُّعْثِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَدَنِ، وَفِي الرَّأْسِ أَكْثَرُ. الثَّالِثُ: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. انْتَهَى. قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ يُوجِبْ الْمُصَنِّفُ الْفِدْيَةَ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي تَعْلِيقِهِ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الْمَنْعَ مِنْ أَحْمَدَ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ لِيَشُمَّ الطِّيبَ فَشَمَّهُ) مِثْلَ مَنْ قَصَدَ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَمَتَى قَصَدَ شَمَّ الطِّيبِ: حَرُمَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا شَمَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: يُبَاحُ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الطِّيبِ حَمْلُهُ وَنَقْلُهُ، إذَا لَمْ يَشُمَّهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ. لِأَنَّهُ

لَمْ يَقْصِدْ الطِّيبَ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ وَلَوْ عَلِقَ بِيَدِهِ، لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلِحَاجَةِ التِّجَارَةِ، وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ حَمَلَهُ مَعَ ظُهُورِ رِيحِهِ: لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَصْلُحُ لِلْعَطَّارِ يَحْمِلُهُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا مَا لَا رِيحَ لَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ جَاهِلًا، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ جَاهِلًا، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي لِخَصْمِهِ: يَجِبُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (السَّادِسُ: قَتْلُ الصَّيْدِ، وَاصْطِيَادُهُ، وَهُوَ مَا كَانَ وَحْشِيًّا مَأْكُولًا) ، وَهَذَا فِي قَتْلِهِ الْجَزَاءُ إجْمَاعًا، مَعَ تَحْرِيمِهِ. إلَّا أَنَّ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ رِوَايَةً: لَا جَزَاءَ فِيهَا، عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَأْتِي إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فِي بَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ (أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ) شَمِلَ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ، وَقِسْمٌ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ. وَكِلَاهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ. قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَا أُكِلَ أَبَوَاهُ، فُدِيَ، وَحَرُمَ قَتْلُهُ، وَكَذَا مَا أُكِلَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ دُونَهُ، وَقِيلَ: لَا يُفْدَى، كَمُحَرَّمِ الْأَبَوَيْنِ. انْتَهَى. وَفِي الْفُرُوعِ هُنَا سَهْوٌ فِي النَّقْلِ مِنْ الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الْوَحْشِيِّ، وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ ". انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَأَبُو الْحَارِثِ فِي الدَّالِّ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُشِيرِ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمُشِيرِ وَفِي الَّذِي يُغَيِّرُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ

الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ لَهُ مُلْجِئَةً: لَزِمَهُ الْجَزَاءُ لِلْمُحْرِمِ. كَقَوْلِهِ " دَخَلَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْمَفَازَةِ " وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُلْجِئَةٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ. كَقَوْلِهِ " ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَرِيَّةِ " لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْجِئًا. لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالدَّافِعِ، دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالْمُخْتَارِ: تَحْرِيمُ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ، دُونَ لُزُومِ الضَّمَانِ بِهِمَا، وَقَالَ أَبُو حَكِيمٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حَتَّى قَتَلَهُ الْحَلَالُ: لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَلَالِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِيَقْتُلَهُ، بَلْ أَمْسَكَهُ لِلتَّمَلُّكِ، فَقَتَلَهُ الْحَلَالُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ عَلَى الضَّمَانِ بِقَتْلِهِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَا ضَمَانَ عَلَى دَالٍّ وَمُشِيرٍ إذَا كَانَ قَدْ رَآهُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ أَوْ اسْتِشْرَافٌ فَفَطِنَ لَهُ غَيْرُهُ فَصَادَهُ، أَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ، فَاسْتَعْمَلَهَا فِيهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَوْ دَلَّهُ فَكَذَّبَهُ: لَمْ يَضْمَنْ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ دَلَالَةٌ عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالسَّبَبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ. وَالدَّلَالَةُ عَلَى الصَّيْدِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ مُخْتَصٌّ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالْإِثْمِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً، ثُمَّ أَحْرَمَ، أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ، كَدَارِهِ، أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ: لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا ضَمِنَ، كَالْآدَمِيِّ إذَا تَلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ ضَمَانَهُ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَتَحَيَّلْ فَالْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِذَا يَتَحَيَّلُ: فَالْخِلَافُ. قَالَ: وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ.

وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ: فِي دِبْقٍ قَبْلَ إحْرَامِهِ لَا يَضْمَنُ بِهِ. بَلْ بَعْدَهُ. كَنَصْبِ أُحْبُولَةٍ، وَحَفْرِ بِئْرٍ، وَرَمْيٍ، اعْتِبَارًا بِحَالَةِ النَّصْبِ وَالرَّمْيِ، وَيُحْتَمَلُ الضَّمَانُ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ، وَقَالَ أَيْضًا: يَتَصَدَّقُ مَنْ آذَاهُ أَوْ أَفْزَعَهُ بِحَسَبِ أَذِيَّتِهِ اسْتِحْسَانًا. قَالَ: وَتَقْرِيبُهُ كَلْبًا مِنْ مَكَانِ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ، كَتَقْرِيبِهِ الصَّيْدَ مِنْ مُهْلِكَةٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا، فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا) . يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا وَالْمُتَسَبِّبُ فِي قَتْلِهِ مُحْرِمًا، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ الْجَزَاءَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ، اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمَذْهَبِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمٌ تَامٌّ. [وَلَوْ أَهْدَى وَاحِدٌ، وَصَامَ الْآخَرُ، فَعَلَى الْمُهْدِي بِحِصَّتِهِ، وَعَلَى الصَّائِمِ صَوْمٌ تَامٌّ] . نَقَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: الْجَمَاعَةُ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُبْهِجِ، وَقَالَ: هِيَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ قَاتِلٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا: لَا يَلْزَمُ مُتَسَبِّبًا مَعَ مُبَاشِرٍ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ، فَقَتَلَ مُحِلٌّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ جَعَلَ فِعْلَ الْمُمْسِكِ [عِلَّةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ:

وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ، وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْمُمْسِكِ] لِتَأَكُّدِهِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْمَالَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ ". فَوَائِدُ. الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ سَبُعًا، فَإِنْ سَبَقَ حَلَالٌ أَوْ سَبُعٌ، فَجَرَحَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ. فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهَا مَجْرُوحًا، وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَجَرَحَهُ، وَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، فَعَلَى الْمُحْرِمِ أَرْشُ جُرْحِهِ، فَلَوْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ: ضَمِنَ الْجَارِحُ نَقْصَهُ، وَضَمِنَ الْقَاتِلُ قِيمَةَ الْجَزَاءِ. وَلَوْ جَرَحَ الْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ مَعًا. قِيلَ: عَلَى الْمُحْرِمِ بِقِسْطِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ كَامِلٌ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الدَّالُّ وَالشَّرِيكُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَالْمُحِلِّ مَعَ الْمُحْرِمِ: فَالْجَزَاءُ جَمِيعُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَشْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَالَا: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: إطْلَاقُ الْقَوْلِ. لَمْ يُبَيِّنْ، قَالَ الْقَاضِي: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَهُ، وَيُحْتَمَلُ بِحِصَّتِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ. فَغَلَبَ الْإِيجَابُ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ، فَهِيَ كَمَا لَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى دَالٍّ فِي حِلٍّ. بَلْ عَلَى الْمَدْلُولِ وَحْدِهِ كَحَلَالٍ دَلَّ مُحْرِمًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَكْلُ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْأَكْلُ مِنْ كُلِّ صَيْدٍ صَادَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَعَانَهُ، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ أَكَلَهُ. وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَهُ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ بِجَوَازِ أَكْلِ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِدَلَالَةٍ أَوْ إعَانَةٍ أَوْ صِيدَ لَهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ أَكَلَهُ. ضَمِنَهُ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِشَارَةِ، فَأَكَلَ مِنْهُ: لَمْ يَضْمَنْ لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ مَرَّةً، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ جَزَاءٌ ثَانٍ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ) . لَوْ ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَذْبُوحِ لَهُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَفَسَدَ. فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ) . إذَا أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِنَقْلٍ وَنَحْوِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّيْدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ. كَالْمَذَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَذَرِ بَيْضُ النَّعَامِ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لِقِشْرِ بَيْضِهِ قِيمَةٌ، وَعَنْهُ لَا شَيْءَ فِي قِشْرِهِ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْمُوجِزِ: إنْ تُصَوِّرَ وَتُخُلِّقَ الْفَرْخُ فِي بَيْضَتِهِ: فَفِيهِ مَا فِي جَنِينِ صَيْدٍ سَقَطَ بِالضَّرْبَةِ مَيِّتًا. انْتَهَى. وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَهُ فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ فَعَاشَ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنَهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى أَنْ يَنْهَضَ فَيَطِيرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا. بَلْ تَرَكَهُ عَلَى صِفَتِهِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي إذَا قَتَلَ حَامِلًا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِغَيْرِ الْإِرْثِ) لَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ ابْتِدَاءً بِشِرَاءٍ، وَلَا بِاتِّهَابٍ، وَلَا بِاصْطِيَادٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَمْلِكُ صَيْدًا بِاصْطِيَادِهِ بِحَالٍ وَلَا بِشِرَاءٍ، وَلَا بِاتِّهَابٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، فَحَكَى وَجْهًا بِصِحَّةِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الرِّعَايَةِ يُمْلَكُ بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ سَقَطَ لَفْظُ " قَوْلُ "، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ. فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُعَيَّنِ لِمَالِكِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا شَيْءَ لِوَاهِبِهِ. انْتَهَى.

وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ قَبَضَهُ رَهْنًا فَتَلِفَ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، فَإِنْ أَرْسَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِمَالِكِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَيَرُدُّ الْمَبِيعَ وَلَا يُرْسِلُهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إرْسَالُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَيَرُدُّ الْمَوْهُوبَ عَلَى وَاهِبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمَبِيعِ، فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ رَدِّهِ فَهَدَرٌ، وَقَبْلَ الرَّدِّ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُ لِمُحْرِمٍ خَرَجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ فِي بَيْعِ الصَّيْدِ وَلَا شِرَائِهِ، فَلَوْ خَالَفَ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ. وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الَّذِي بَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ بِخِيَارٍ وَلَا عَيْبٍ فِي ثَمَنِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ، وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إرْسَالُهُ، وَأَمَّا مِلْكُهُ بِالْإِرْثِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِهِ أَيْضًا عَلَيْهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، فَيَمْلِكُهُ إذَا حَلَّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ [وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حَتَّى تَحَلَّلَ، ثُمَّ تَلِفَ، أَوْ ذَبَحَهُ: ضَمِنَهُ وَكَانَ مَيْتَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَهُ أَكْلُهُ، وَيَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَمْسَكَ صَيْدَ الْحَرَمِ وَخَرَجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَلَبَ الصَّيْدَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ، أَوْ بَعْدَ حِلِّهِ: ضَمِنَهُ

بِقِيمَتِهِ، وَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْفُنُونِ. قُلْت: الْأَوْلَى تَحْرِيمُهُ. كَأَصْلِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ بَيْضُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا، أَوْ قَتَلَهُ: فَهُوَ مَيْتَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَمٍ فَكَالْمُحْرِمِ. وَيَأْتِي إذَا اُضْطُرَّا إلَى أَكْلِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ: هَلْ هُوَ مَيْتَةٌ، أَوْ يَحِلُّ بِذَبْحِهِ؟ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الصَّيْدِ فَلَهُ أَكْلُهُ ". الْخَامِسَةُ: لَوْ كَسَرَ مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ: حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ. وَيُبَاحُ أَكْلُهُ لِلْحَلَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ حِلَّهُ لَهُ لَا يَقِفُ عَلَى كَسْرِهِ. وَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ أَهْلِيَّتُهُ، فَلَوْ كَسَرَهُ مَجُوسِيٌّ، أَوْ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ: حَلَّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ أَيْضًا كَالصَّيْدِ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ جَرَى مَجْرَى الذَّبْحِ. بِدَلِيلِ حِلِّهِ لِلْمُحْرِمِ يَكْسِرُ الْحَلَالُ لَهُ، وَتَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ بِكَسْرِ الْمُحْرِمِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا كَسَرَهُ، وَقِيلَ: وَعَلَى حَلَالٍ وَمُحْرِمٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ: لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ عَنْهُ) . إذَا أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ: لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ، مِثْلَ مَا إذَا كَانَ فِي قَبْضَتِهِ أَوْ خَيْمَتِهِ، أَوْ رَحْلِهِ، أَوْ قَفَصِهِ، أَوْ مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ مَعَهُ وَنَحْوِهِ. وَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ فَيَرُدُّهُ مَنْ أَخَذَهُ، وَيَضْمَنُهُ مَنْ قَتَلَهُ. دُونَ الْحُكْمِيَّةِ. مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ، أَوْ بَلَدِهِ، أَوْ فِي يَدِ نَائِبٍ لَهُ، أَوْ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَنْ غَصَبَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ لَا يَصِحُّ نَقْلُ مِلْكِهِ عَمَّا بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ. قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى.

قُلْت: لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، بَلْ صَرَّحَ فِي الْكُبْرَى بِالْجَوَازِ، فَقَالَ: وَمَنْ أَحْرَمَ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ، وَلَهُ صَيْدٌ، أَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ: لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ ابْتِدَاءً، أَوْ دَوَامًا، أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ أَوْ حَبْلٍ: أَرْسَلَهُ، وَمِلْكُهُ فِيهِ بَاقٍ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ بِشَرْطِهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ أَحْرَمَ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ: زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ مِلْكِهِ، وَالنِّكَاحُ يُرَادُ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالْبَقَاءِ، فَلِهَذَا لَا يَزُولُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ، فَالْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ وَإِرْسَالُهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَصَيْدِ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ، وَلَهُ ذَبْحُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ الْخَفِيِّ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَالصَّحَابَةُ مُخْتَلِفُونَ. وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ لِتَحْرِيمِهِ مَا لَا يُحَرِّمُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ) . إذَا أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ، وَهُوَ فِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ: لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. كَالْمُصَنِّفِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ أَمْكَنَهُ إرْسَالُهُ فَلَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ. وَإِلَّا فَلَا، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا إذَا مَلَكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، وَدَخَلَ بِهِ فِي الْحَرَمِ، وَلَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى أَتْلَفَهُ،

أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا فِي الْإِحْرَامِ: لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إرْسَالِهِ ضَمِنَهُ مُطْلَقًا قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْسِلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحْتَرَمٌ. فَلَا يَبْطُلُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَوَّى أَدِلَّتَهُ، وَمَالَ إلَيْهَا، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَوَجِّهٌ. قُلْت: قَطَعَ بِذَلِكَ فِي الْمُبْهِجِ، فَقَالَ فِي فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ: فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ أَحْرَمَ، فَأَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَزِمَهُ ضَمَانُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْسِلُ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمًا. انْتَهَى. وَنَقَلَ هَذَا فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ حَاكِمًا أَوْ وَلِيَّ صَبِيٍّ، فَلَا ضَمَانَ لِلْوِلَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: يَجِبُ إرْسَالُهُ وَإِلْحَاقُهُ بِالْوَحْشِيِّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. أَمَّا إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ يَدِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ أَمْسَكَهُ حَتَّى حَلَّ فَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: يُرْسِلُهُ بَعْدَ حِلِّهِ كَمَا لَوْ صَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ، دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ

وَقِيَاسُ قَوْلِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْشَى مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ مَضَرَّةً، كَجُرْحِهِ أَوْ إتْلَافَ مَالِهِ، أَوْ بَعْضِ حَيَوَانِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. قَوْلُهُ (أَوْ بِتَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ، أَوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ إذَا تَلِفَ) . يَعْنِي: إذَا فَكَّهُ بِسَبَبِ تَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَغَيْرِهِ] وَقَالَ: فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا حَالَ حَيَوَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَقَتَلَهُ هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الصَّيْدِ أَوْ جَرَحَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانِ إنْسِيٍّ وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدَهُمَا: الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ. وَالثَّانِيَ: الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ أَكْلُهُ، فَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْإِنْسِيُّ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَلَا فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا، لَكِنْ الِاعْتِبَارُ فِي الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ بِأَصْلِهِ، فَالْحَمَامُ الْوَحْشِيُّ وَإِنْ تَأَهَّلَ نَصَّ عَلَيْهِ: فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْمُتَوَحِّشِ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْبَطَّ كَالْحَمَامِ، فَهُوَ وَحْشِيٌّ، وَإِنْ تَأَهَّلَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُصَحَّحُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ، وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُهُ إذَا كَانَ أَهْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ مَأْلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالُوا، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي الدَّجَاجِ رِوَايَتَيْنِ، وَخَصَّهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَمَنْ

تَابَعَهُ فِي دَجَاجِ السِّنْدِيِّ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: أَنَّ الدَّجَاجَ السِّنْدِيَّ وَحْشِيٌّ كَالْحَمَامِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي دَجَاجِ السِّنْدِيِّ وَالْبَطِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّ فِي الدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ الْجَزَاءَ. قُلْت: هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، وَرُبَّمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْأَهْلِيِّ بِأَصْلِهِ، فَلَوْ تَوَحَّشَ بَقَرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ أَهْلِيٌّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي بَقَرَةٍ تَوَحَّشَتْ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَوَامِيسَ أَهْلِيَّةٌ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ تَأَنَّسَ مِنْ وَحْشِيٍّ فَلَيْسَ صَيْدًا، وَقِيلَ: مَا تَوَحَّشَ مِنْ إنْسِيٍّ، فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِرَبِّهِ وَلِغَيْرِهِ، وَمَا تَأَنَّسَ مِنْ وَحْشِيٍّ: فَكَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَأْنِسْ، وَقِيلَ: مَا تَلِفَ مِنْ وَحْشِيٍّ لَمْ يَحِلَّ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَلَوْ تَوَحَّشَ إنْسِيٌّ لَمْ يَحْرُمْ. انْتَهَى. وَأَمَّا مُحَرَّمُ الْأَكْلِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِي قَتْلِهِ إلَّا مَا سَبَقَ مِنْ الْمُتَوَلِّدِ، وَمَا يَأْتِي فِي الْقَمْلِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا فِدْيَةَ فِي الضُّفْدَعِ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: فِيهِ حُكُومَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي الْقَمْلَةِ لُقْمَةٌ، أَوْ تَمْرَةٌ إذَا لَمْ تُؤْذِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّحْلَةِ، وَفِي أُمِّ حُسَيْنٍ وَجْهٌ يَضْمَنُهَا بِجَدْيٍ، اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ. وَأُمُّ حُسَيْنٍ: هِيَ الْحِرْبَاءُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ دَابَّةٌ مَعْرُوفَةٌ. مِثْلَ: أُمِّ عُرْسٍ، وَابْنِ آوَى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ دَابَّةٌ مُنْتَفِخَةُ الْبَطْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ. انْتَهَى. وَفِي السِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ وَجْهٌ: أَنَّ فِيهِ الْجَزَاءَ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الثَّعْلَبِ وَالسِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ وَالْهُدْهُدِ وَالْقِرْدِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ. قَوْلُهُ (إلَّا الْقَمْلَ فِي رِوَايَةٍ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ) . اعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَازِ قَتْلِ الْقَمْلِ وَصِئْبَانِهِ لِلْمُحْرِمِ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. إحْدَاهُمَا: يُبَاحُ قَتْلُهَا. كَالْبَرَاغِيثِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ قَتْلُهَا. كَالْبَرَاغِيثِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنْصَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهَا جَزَاءٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْكَافِي. إحْدَاهُمَا: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: لَا شَيْءَ فِيمَا حَرُمَ أَكْلُهُ إلَّا الْمُتَوَلِّدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا. وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ حَرُمَ قَتْلُهُ: فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَإِلَّا فَلَا [وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ] فَعَلَيْهَا: أَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ

فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. [وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إذَا قُلْنَا: لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ وَكَانَ قَدْ جَعَلَ فِي رَأْسِهِ زِئْبَقًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يَقَعُ، فِيهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ] . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِ الْقَمْلِ لَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ قَتْلِهِ وَرَمْيِهِ، أَوْ قَتْلِهِ بِالزِّئْبَقِ وَنَحْوِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، وَثَوْبِهِ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ [وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ] ، وَقِيلَ: رَمْيُهُ مِنْ غَيْرِ ظَاهِرِ ثَوْبِهِ كَقَتْلِهِ، وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إذَا قُلْنَا: لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ وَكَانَ قَدْ جَعَلَ فِي رَأْسِهِ زِئْبَقًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَتَلِفَ الْإِحْرَامُ: لَمْ يَضْمَنْ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا يُفْتِي مَنْ نَصَبَ الْأُحْبُولَةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ يَقَعُ فِيهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدٌ، مَا تَقَدَّمَ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ] ، وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَبَدَنِهِ وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ، وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَزَالَهُ مِنْ شَعْرِهِ. أَمَّا مَا أَلْقَاهُ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. انْتَهَيَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: وَمَوْضِعُ الرِّوَايَتَيْنِ: إذَا أَلْقَاهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ لَحْمِهِ. أَمَّا إنْ أَلْقَاهَا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ، أَوْ ثِيَابِهِ، أَوْ بَدَنِ مُحِلٍّ، أَوْ مُحْرِمٍ غَيْرِهِ: فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ قَتْلُ الْبَرَاغِيثِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ تَعْلِيقِ الْقَاضِي: أَنَّ الْبَرَاغِيثَ كَالْقَمْلِ. قَالَ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ: لَا يَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ، وَلَا الْبَعُوضَ. وَذَكَرَهُ

فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَوْلًا، وَزَادَ: وَلَا قُرَادًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ قَرَصَهُ ذَلِكَ. قَتَلَهُ مَجَّانًا، وَإِلَّا فَلَا يَقْتُلُهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إلَّا الْقَمْلَ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ " أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَيُبَاحُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَوَائِدُ. يُسْتَحَبُّ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ مِنْ حَيَوَانٍ، وَطَيْرٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُوَ مُرَادُ مَنْ أَبَاحَهُ. انْتَهَى. فَمِنْهُ الْفَوَاسِقُ الْخَمْسَةُ، وَهِيَ الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ، وَالْأَبْقَعُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ: الْأَبْقَعُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ، وَفِي مُسْلِمٍ " وَالْحَيَّةُ " أَيْضًا، وَفِيهِ «يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ» وَفِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ فِي مِنًى» فَنَصَّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عَلَى أَدْنَاهُ تَنْبِيهًا. وَالتَّنْبِيهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ إنْ كَانَ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ " يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ ". نَقَلَ حَنْبَلٌ " يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالذِّئْبَ، وَالسَّبُعَ. وَكُلَّ مَا عَدَا مِنْ السِّبَاعِ "، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ " يَقْتُلُ السَّبُعَ عَدَا أَوْ لَمْ يَعْدُ " انْتَهَى. وَمِمَّا يُقْتَلُ أَيْضًا: النَّمِرُ، وَالْفَهْدُ، وَكُلُّ جَارِحٍ: كَنَسْرٍ، وَبَازِي، وَصَقْرٍ، وَبَاشِقٍ، وَشَاهِينَ، وَعُقَابٍ، وَنَحْوِهَا، وَذُبَابٍ، وَوَزَغٍ، وَعَلَقٍ، وَطُبُوعٍ، وَبَقٍّ، وَبَعُوضٍ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُقْتَلُ الْقِرْدُ، وَالنِّسْرُ، وَالْعُقَابُ. إذَا وَثَبَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُبَاحُ مِثْلُ غُرَابِ الْبَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، فَإِنَّهُ مَثَّلَ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ فَقَطْ.

فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ. وَمَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ لَا جَزَاءَ فِيهِ. كَالرَّخَمِ، وَالْبُومِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَيَجُوزُ قَتْلُهُ. مِنْهُمْ النَّاظِمُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَيَقْتُلُ كُلَّ مَا يُؤْذِيهِ، وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهَانِ فِي نَمْلٍ وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ قَتْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَذًى، وَذَكَرَ مِنْهَا الذُّبَابَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالتَّحْرِيمُ أَظْهَرُ لِلنَّهْيِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الذَّرِّ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: وَيَقْتُلُ النَّمْلَةَ إذَا عَضَّتْهُ، وَالنَّحْلَةَ إذَا آذَتْهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ نَحْلٍ، وَلَوْ بِأَخْذِ كُلِّ عَسَلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ نَحْلٌ إلَّا بِقَتْلِهِ. جَازَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُدَخِّنُ لِلزَّنَابِيرِ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ. هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَحْرِيقِهَا، وَالنَّمْلُ إذَا آذَاهُ يَقْتُلُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُحْرِمِ) . هَذَا إجْمَاعٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَحْرَ الْمِلْحَ وَالْأَنْهَارَ وَالْعُيُونَ سَوَاءٌ، وَالثَّانِيَةُ: مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: كَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِهِمَا كَالسَّمَكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: أَنَّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لَهُ حُكْمُهُ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ لَهُ حُكْمُهُ، وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ: فَبَرِّيٌّ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ يُفَرِّخُ وَيَبِيضُ فِي الْبَرِّ.

قَوْلُهُ (وَفِي إبَاحَتِهِ فِي الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا فِي أَحْكَامِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَفِي صَيْدِ السَّمَكِ فِي الْحَرَمَيْنِ رِوَايَتَانِ. وَقَدْ سَبَقَتَا. إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالشَّرْحِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي [وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْحَرَمِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَهُوَ اخْتِيَارِي، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَيُضْمَنُ الْجَرَادُ بِقِيمَتِهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَرَادَ إذَا قُتِلَ يُضْمَنُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُضْمَنُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُبْهِجِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَعَنْهُ لَا يُضْمَنُ الْجَرَادُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عَنْ كُلِّ جَرَادَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْوِيمٌ لَا تَقْدِيرٌ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (فَإِنْ انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ، فَقَتَلَهُ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ: فَفِي الْجَزَاءِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالثَّانِي: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَيُفْدَى جَرَادٌ فِي الْأَصَحِّ بِقِيمَةٍ وَلَوْ فِي طَرِيقٍ دُسْتَهُ بِمُبْعَدٍ قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ بَيْضِ الطَّيْرِ إذَا أَتْلَفَهُ لِحَاجَةٍ كَالْمَشْيِ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجَرَادِ إذَا افْتَرَشَ فِي طَرِيقِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الصَّيْدِ فَلَهُ أَكْلُهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ إذَا ذَبَحَهُ فَهُوَ كَالْمَيْتَةِ. لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ. أَوْ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَيْتَةٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: كُلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمُحْرِمُ وَقَتَلَهُ فَإِنَّمَا هُوَ قَبْلَ قَتْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ الْقَاضِي. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ حِلُّهُ لِحِلِّ أَكْلِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا فِدَاءَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ: يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " لَوْ اُضْطُرَّ لِلْأَكْلِ وَوَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَوْ فِي الْحَرَمِ "، وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ مِثْلُ: أَنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ شَعْرِهِ لِمَرَضٍ، أَوْ قَمْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ، أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ بَعْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ، وَقَبْلَ فِعْلِ الْمَحْظُورِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ بِالْمُحْرِمِ شَيْءٌ لَا يَجِبُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ: جَازَ لَهُ اللُّبْسُ، وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَتَقَدَّمَ إذَا دَلَّ عَلَى طِيبٍ أَوْ لِبَاسٍ عِنْدَ عَقْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّيْدِ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ. لَا يَصِحُّ مِنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَسَوَاءٌ زَوَّجَ غَيْرَهُ، أَوْ تَزَوَّجَ مُحْرِمَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَلِيًّا كَانَ أَوْ وَكِيلًا، وَعَنْهُ إنْ زَوَّجَ الْمُحْرِمُ غَيْرَهُ صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. كَمَا لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْعَقْدِ، فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا، فَعَقَدَهُ بَعْدَ حِلِّهِ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ حَلَالًا. فَعَقَدَهُ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَلَوْ وَكَّلَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ: لَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَلَّ الْمُوَكِّلُ كَانَ لِوَكِيلِهِ عَقْدُهُ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ.

فَلَوْ قَالَ: عَقَدَهُ قَبْلَ إحْرَامِي: قُبِلَ قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَقَدَهُ بَعْدَ إحْرَامِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَيَمْلِكُ إقْرَارَهُ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ جَهْلِهِمَا وُقُوعَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَعَاطِي الصَّحِيحِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُك بَعْدَ أَنْ أَحْلَلْت، فَقَالَتْ: بَلْ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ صُدِّقَ الزَّوْجُ، وَتُصَدَّقُ هِيَ فِي نَظِيرَتِهَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ مُنِعَ مِنْ التَّزْوِيجِ لِنَفْسِهِ وَتَزْوِيجِ أَقَارِبِهِ، وَأَمَّا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ: فَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ، وَإِنَّمَا يُزَوِّجُ خُلَفَاؤُهُ، ثُمَّ سَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِوِلَايَةِ الْحُكْمِ مَا لَا يَجُوزُ بِوِلَايَةِ النَّسَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ فِي عَدَمِ تَزْوِيجِهِ وَجَوَازِهِ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْحُكَّامَ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِذْنِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَاخْتَارَ الْجَوَازَ لِحِلِّهِ حَالَ وِلَايَتِهِ. وَالِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ طَرَأَ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ نَائِبَهُ إذَا أَحْرَمَ مِثْلُ الْإِمَامِ. قُلْت: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَنَائِبِهِ أَنْ يُزَوِّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي فِي إبَاحَتِهَا وَصِحَّتِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ [وَالْمُحَرَّرِ] .

إحْدَاهُمَا: تُبَاحُ، وَتَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ هُنَا، وَالتَّلْخِيصِ [وَالْبُلْغَةِ] وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّصْحِيحِ [وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَالْفَائِقِ قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَنَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَصِحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَنَصَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: تُكْرَهُ خِطْبَةُ الْمُحْرِمِ كَخِطْبَةِ الْعَقْدِ وَشُهُودِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: تَحْرِيمَ الْخِطْبَةِ. الثَّانِيَةُ: تُكْرَهُ الشَّهَادَةُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَحْرُمُ، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي، وَاحْتَجَّ بِنَقْلِ حَنْبَلٍ " لَا يَخْطُبُ " قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ. ثُمَّ سَلَّمَهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُكْرَهُ لِمُحِلٍّ خِطْبَةُ مُحْرِمَةٍ. وَإِنَّ فِي كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ فِيهِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَمَةِ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ اخْتِيَارُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِبَعْضِهِنَّ، فِي حَالِ إحْرَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَارُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ مَحَلُّهُ.

قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ، قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا، مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّجَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْئِهَا. وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَجْهَيْنِ. أَحَدَهُمَا: لَا يَفْسُدُ. وَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَأَطْلَقَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي فَسَادِ النُّسُكِ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ: وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَإِذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَكَالْوَطْءِ فِي غَيْرِهَا، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ إذَا أَحْرَمَ حَالَ وَطْئِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ السَّاهِيَ فِي فِعْلِ ذَلِكَ كَالْعَامِدِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. كَذَا الْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي الْجَاهِلِ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ رِوَايَةً: لَا يَفْسُدُ حَجُّ النَّاسِي، وَالْجَاهِلِ، وَالْمُكْرَهِ، وَنَحْوِهِمْ وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هَذَا مُتَّجَهٌ، وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمُكْرَهَةُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهَا، وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ، فِي آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي، وَبَعْدَهُ " إذَا وَطِئَ عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا ". قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) . حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِحْرَامِ الصَّحِيحِ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ. أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ يَعْنِي: يَجْعَلَ الْحَجَّ عُمْرَةً وَلَا يُقِيمَ عَلَى حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، إنْ كَانَ مَا أَفْسَدَهُ حَجًّا وَاجِبًا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَتُجْزِئُهُ الْحَجَّةُ مِنْ قَابِلٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ تَطَوُّعًا: فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وُجُوبُ إتْمَامِهِ، لَا وُجُوبُهُ فِي نَفْسِهِ. لِقَوْلِهِمْ: إنْ تَطَوَّعَ فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ نَفْلٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةٌ: لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَحْسَبُهَا إلَّا سَهْوًا. قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلًا) . إنْ كَانَا أَحْرَمَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ، أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ: أَحْرَمَا فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَا مِنْهُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَا أَحْرَمَا مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ: أَحْرَمَا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُطْلَقًا، وَمَالَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا، إنْ طَاوَعَتْ) . بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ أُكْرِهَتْ: فَعَلَى الزَّوْجِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَى الزَّوْجِ حَمْلُهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى إرْسَالِهَا إنْ امْتَنَعَ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْفِدْيَةِ فِي آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي " وُجُوبُ فِدْيَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ". قَوْلُهُ (وَيَتَفَرَّقَانِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ إلَى أَنْ يَحِلَّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ: يَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمَانِ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَعْنَى التَّفَرُّقِ: أَنْ لَا يَرْكَبَ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ، وَلَا يَنْزِلَ مَعَهَا فِي فُسْطَاطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَتَفَرَّقَانِ فِي النُّزُولِ وَالْفُسْطَاطِ وَالْمَحْمَلِ، وَلَكِنْ يَكُونُ بِقُرْبِهَا. انْتَهَى. وَذَلِكَ لِيُرَاعِيَ أَحْوَالَهَا، فَإِنَّهُ مَحْرَمُهَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ زَوْجَهَا الَّذِي وَطِئَهَا يَجُوزُ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: يَكُونُ بِقُرْبِهَا لِيُرَاعِيَ أَحْوَالَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحْرَمُهَا، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ غَيْرُ الزَّوْجِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. فَوَائِدُ. الْأُولَى: حُكْمُ الْعُمْرَةِ حُكْمُ الْحَجِّ فِي فَسَادِهَا بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ وَوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَسَادِهَا، وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا، أَوْ حَصَلَ بِهَا مُجَاوِرًا: أَحْرَمَ لِلْقَضَاءِ مِنْ الْحِلِّ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ.

وَإِنْ أَفْسَدَ الْمُتَمَتِّعُ عُمْرَتَهُ، وَمَضَى فِيهَا وَأَتَمَّهَا، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَخْرُجُ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ. وَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ: أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ الَّتِي أَفْسَدَهَا، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَالْمَيْمُونِيُّ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ مَا أَفْسَدَ. قَالَ الْقَاضِي، وَمَنْ تَبِعَهُ تَفْرِيعًا عَلَى رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ إنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ، فَقَالَ: إنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ لِلْقَضَاءِ فَهَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ؟ إنْ أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ: فَمُتَمَتِّعٌ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ قَصْرٍ فَمُتَمَتِّعٌ. وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ رِوَايَةً أُخْرَى: تَقْتَضِي إنْ بَلَغَ الْمِيقَاتَ: فَمُتَمَتِّعٌ، فَقَالَ: لَا تَكُونُ مُتْعَةً حَتَّى يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ. الثَّانِيَةُ: قَضَاءُ الْعَبْدِ كَنَذْرِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِيجَابِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَشْهَرُ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ] وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ مَأْذُونًا فِيهِ: قَضَى مَتَى قَدَرَ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ: مَلَكَ السَّيِّدُ مَنْعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ لِوُجُوبِهِ [وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ] وَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ: انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي لَا يَصِحُّ. الثَّالِثَةُ: يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا أَفْسَدَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَدَنَةُ، وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ، كَبَالِغٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ احْتِمَالًا.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْقَضَاءُ بَعْدَ بُلُوغِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. الرَّابِعَةُ: يَكْفِي الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءُ. إنْ كَفَتْ أَوْ صَحَّتْ كَالْأُولَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مَعَ أَحْكَامِ الْعَبْدِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فَلْيُعَاوَدْ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ لَا الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْسُدُ حَجُّهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ إنْ بَقِيَ إحْرَامُهُ، وَفَسَدَ بِوَطْئِهِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ فَسَدَ حَجُّهُ. وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، عَنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَلَا يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: قَبْلَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَيَأْتِي فِي صِفَةِ الْحَجِّ: بِمَ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ. فَائِدَةٌ: هَلْ يَكُونُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مُحْرِمًا؟ ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا؛ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُنَافِي وُجُودُهُ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لِإِطْلَاقِ " الْمُحْرِمِ " عَلَى مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكُلُّ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَبْطُلُ إحْرَامُهُ عَلَى احْتِمَالِ، وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ: هُوَ مُحْرِمٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي هُنَا وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا يُبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ: نَمْنَعُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ. وَإِنَّمَا نَنْفِي بَعْضَ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْمَيْمُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ

يُنْتَقَضُ إحْرَامُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَبْلَ الرَّمْيِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ، وَلِأَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَوْضِعٍ فِي لُزُومِ الدَّمِ احْتِمَالَانِ، وَجَزَمَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِلُزُومِ الدَّمِ، تَبَعًا لِلْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَيَمْضِي إلَى التَّنْعِيمِ، فَيُحْرِمُ لِيَطُوفَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ: أَنَّ الْوَطْءَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ. قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْحِلِّ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ لِيَطُوفَ فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ. كَالْوُقُوفِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: سَوَاءٌ أَبَعُدَ أَوْ لَا. وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَعْتَمِرُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ وَسَمَّاهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذَا أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ عُمْرَةً حَقِيقَةً، فَيَلْزَمُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ. قَالُوا: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يَعْتَمِرُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَنْهَجِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: يَأْتِي بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَبِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَبَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، [وَالْقَاضِي] وَالْمُوَفَّقُ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْمُقْنِعِ، وَنَصَرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ.

وَالرَّاوِيَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي عُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْخُلَاصَةِ: يَلْزَمُهُ دَمٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ وَشَرْحِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ وَطِئَ، فَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ. الثَّانِيَةُ: الْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَتَفْسُدُ قَبْلَ فَرَاغِ الطَّوَافِ، وَكَذَا قَبْلَ سَعْيِهَا. إنْ قُلْنَا: هُوَ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ السَّعْيِ خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ غَيْرَهُ. انْتَهَى. وَلَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْحَلْقِ إنْ لَمْ يَجِبْ، وَكَذَا إنْ وَجَبَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَلْزَمُهُ دَمٌ، وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا تَفْسُدُ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فِي فِدَاءٍ فِي مَحْظُورِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ: الرِّوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يَفْسُدُ الْحَجُّ فَقَطْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْفِدْيَةِ فِي آخِرِ الضَّرْبِ الثَّانِي مَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْعُمْرَةِ. قَوْلُهُ (التَّاسِعُ: الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ) وَكَذَا إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ (فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْزَلَ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ شَاةٌ إنْ لَمْ يَفْسُدْ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي

نِهَايَتِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ شَاةً، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ. كَمَا لَوْ لَمْ يَفْسُدْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْقِيَاسَانِ ضَعِيفَانِ. وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ " وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ ". قَوْلُهُ (وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَفْسُدُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ النَّاظِمُ. الثَّانِيَةُ: يَفْسُدُ، نَصَرَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: فَسَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا أَنْزَلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُهُمَا. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ أَمْنَى بِالْمُبَاشَرَةِ: فَسَدَ نُسُكُهُ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ: لَمْ يَفْسُدْ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَبَقَ فِي الصَّوْمِ خِلَافٌ، وَمِثْلُهُ الْفِدْيَةُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّ فِيهِ خِلَافًا. وَيَأْتِي مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ بِبُرْقُعٍ، أَوْ نِقَابٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا. وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا لِحَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ السَّدْلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّمَا لَهَا أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ فَوْقُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ الثَّوْبَ مِنْ أَسْفَلَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَأَنَّ أَحْمَدَ يَقْصِدُ أَنَّ النِّقَابَ مِنْ أَسْفَلَ عَلَى وَجْهِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: تَسْدُلُ وَلَا يُصِيبُ الْبَشَرَةَ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَمْ تَرْفَعْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ: فَدَتْ، لِاسْتِدَامَةِ السَّتْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَيْسَ هَذَا الشَّرْطُ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا فِي الْخَبَرِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، فَإِنَّ الْمَسْدُولَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إصَابَةِ الْبَشَرَةِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ مَسَّ وَجْهَهَا: فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ وَجْهَهَا كَيَدِ الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ غَيْرَ الْوَجْهِ لَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ: وَالْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا، وَكَفَّيْهَا. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْمَرْأَةُ أُبِيحَ لَهَا كَشْفُ الْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ. فَائِدَةٌ: يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمَةِ: وُجُوبُ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَتَحْرِيمُ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ، وَلَا يُمْكِنُهَا تَغْطِيَةُ كُلِّ الرَّأْسِ إلَّا بِتَغْطِيَةِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ، وَلَا كَشْفُ جَمِيعِ الْوَجْهِ إلَّا بِكَشْفِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِ الرَّأْسِ كُلِّهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: لَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الِاسْتِحْبَابَ، وَإِلَّا حَيْثُ قُلْنَا: يَجِبُ كَشْفُ الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يَجِبُ سَتْرُ الرَّأْسِ، فَيُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ) . يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُمَا شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ. كَمَا يُعْمَلُ

لِلْبُزَاةِ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ كَالرَّجُلِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يُمْنَعُ مِنْ لُبْسِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْطِيَتِهِمَا بِكُمِّهَا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ: جَوَازُهُ بِهِمَا. بِدَلِيلِ تَغْطِيَةِ الرَّجُلِ قَدَمَيْهِ بِإِزَارِهِ لَا بِخُفٍّ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغْطِيَةُ قَدَمِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَنَا فِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ. أَوْ الْكَفَّانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمُ التَّيَمُّمِ كَالْوَجْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَفَّتْ عَلَى يَدَيْهَا خِرَقًا أَوْ خِرْقَةً، وَشَدَّتَهَا عَلَى حِنَّاءٍ أَوَّلًا. كَشَدِّهِ عَلَى جَسَدِهِ شَيْئًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَحْمَدَ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هُمَا: كَالْقُفَّازَيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهُ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الْخَلْخَالِ، وَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لَكِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَعِ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا عَطَفَ الْخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ مُحَرَّمًا، وَلُبْسُ الْخَلْخَالِ وَالْحُلِيِّ مُبَاحًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ لُبْسَهُ مَكْرُوهٌ، فَفِيهِمَا اشْتِرَاكٌ فِي رُجْحَانِ التَّرْكِ. انْتَهَى. وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَكَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لَكِنْ ابْنُ مُنَجَّى شَرَحَ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. فَائِدَةٌ: لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا لِبَاسُ زِينَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَزَادَ: وَيُكْرَهُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. يَحْرُمُ لِبَاسُ زِينَةٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَحُلِيٍّ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ) . قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: الْكُحْلُ بِالْإِثْمِدِ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الزِّينَةِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّهَا أَكْثَرُ مِنْ الرَّجُلِ. انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا. أَعْنِي: سَوَاءً كَانَ الْكُحْلُ لِلزِّينَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ لِلزِّينَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا تَكْتَحِلُ الْمَرْأَةُ بِالسَّوَادِ. فَظَاهِرُهُ: التَّخْصِيصُ بِالْمَرْأَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ كَلَامَ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: التَّحْرِيمُ، وَقَدْ قَالَ: ظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ. وَقَدْ أَقَرَّهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: هُوَ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، وَجَعَلَهُ الْمَجْدُ مَكْرُوهًا. كَذَا أَبُو مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ فِدْيَةً، وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِيِّ) . يَجُوزُ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. سَوَاءٌ كَانَ اللَّابِسُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَجُوزُ لُبْسُ مَا لَمْ يُنْفَضْ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، فَفِيهِ أَوْلَى. أَمَّا الْكُحْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الصِّبَاغِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: يُسَنُّ لُبْسُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ (وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ) . يَعْنِي لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ فِي إحْرَامِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا بَأْسَ بِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَتْ: فَإِنْ شَدَّتْ يَدَهَا بِخِرْقَةٍ: فَدَتْ، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ لِمُتَزَوِّجَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةً وَتَحْبِيبًا لِلزَّوْجِ كَالطِّيبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَيُكْرَهُ لِأَيِّمٍ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا، وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: كَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ بِلَا حَاجَةٍ، فَأَمَّا الْخِضَابُ لِلرَّجُلِ: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ: لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا لَا تَشَبُّهَ فِيهِ بِالنِّسَاءِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَهَا الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ. مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي: أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْحِنَّاءِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدَةٌ. انْتَهَى، وَيُبَاحُ لِحَاجَةٍ. قَوْلُهُ (وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا) . يَعْنِي يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ لِلْحَاجَةِ. كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ، وَإِزَالَةِ شَعْرٍ نَبَتَ فِي عَيْنِهِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَلِمَنْ كَانَ النَّظَرُ لِإِزَالَةِ شُعْثٍ، أَوْ تَسْوِيَةِ شَعْرٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الزِّينَةِ: كُرِهَ [ذَلِكَ] ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَفِي تَرْكِ الْأَوْلَى نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَأْتُوا شُعْثًا غُبْرًا، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَبَعْضُ مَنْ أَطْلَقَ: قَيَّدَ فِي مَكَان آخَرَ بِالْحَاجَةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْآجُرِّيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُمَا: وَيَلْبَسُ الْخَاتَمَ.

باب الفدية

وَتَقَدَّمَ جَوَازُ لُبْسِهِ لِلزِّينَةِ فِيمَا يُبَاحُ مِنْ فِضَّةٍ لِلرِّجَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، فَيَتَوَجَّهُ فِي كَرَاهَتِهِ لِلْمُحْرِمِ لِزِينَةٍ مَا فِي كُحْلٍ وَنَظَرٍ فِي مِرْآةٍ. فَائِدَةٌ: يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، مِمَّا فُسِّرَ بِهِ " الرَّفَثُ وَالْفُسُوقُ " وَهُوَ السِّبَابُ. وَقِيلَ: الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ، وَالْمِرَاءُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالَتْ فِي الْفُصُولِ: يَجِبُ اجْتِنَابُ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفُسُوقُ، وَهُوَ السِّبَابُ وَالْجِدَالُ، وَهُوَ الْمُمَارَاةُ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ كُلُّ جِدَالٍ وَمِرَاءٍ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَكُلُّ سِبَابٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحِلِّ، بَلْ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَقَّى الْكَلَامَ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ وَالْجِدَالَ وَالْمُرَاءَاةَ وَاللَّغْوَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، مِمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ لَهُ كَثْرَةُ الْكَلَامِ بِلَا نَفْعٍ. انْتَهَى. وَيَجُوزُ لَهُ التِّجَارَةُ وَعَمَلُ الصَّنْعَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ مُسْتَحَبٍّ أَوْ وَاجِبٍ. [بَابُ الْفِدْيَةِ] ِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ. أَحَدِهَا: مَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوَ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ؛ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ. وَهِيَ فِدْيَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَاللُّبْسِ، وَالطِّيبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ [كُلِّهِ] مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.

وَأَمَّا [مِنْ حَيْثُ] التَّفْصِيلُ: فَإِنْ كَانَ بِالصِّيَامِ: فَيُجْزِئُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ بِالْإِطْعَامِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ كَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْخُبْزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْإِجْزَاءَ. وَيَكُونُ رِطْلَيْنِ عِرَاقِيَّيْنِ، كَرِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِأَدْمٍ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ: فَهُوَ أَفْضَلُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعْذُورًا، أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ. وَذِكْرُهُ الرِّوَايَةَ بَعْدَ ذَلِكَ: يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ جَعْفَرٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِعُذْرٍ فَيُخَيَّرُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَتَعَيَّنُ الدَّمُ فَإِنْ عَدِمَهُ: أَطْعَمَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ: صَامَ، فَيَكُونُ عَلَى التَّرْتِيبِ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحَلْقِ. كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ.، يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْمِثْلِ، أَوْ تَقْوِيمِهِ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ لَا مِثْلَ لَهُ: خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ) أَيْ: تَقْوِيمُ الْمِثْلِ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ. اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كَفَّارَةَ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ الْمِثْلُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ: لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ: صَامَ. نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَهِيَ إخْرَاجُ الْمِثْلِ، أَوْ التَّقْوِيمُ بِطَعَامٍ، أَوْ الصِّيَامُ عَنْهُ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ الْخِيَرَةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَهِيَ إخْرَاجُ الْمِثْلِ، وَالصِّيَامُ، وَالْإِطْعَامُ فِيهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ لِيَعْدِلَ بِهِ الصِّيَامَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ. نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ أَرَادَ الْإِطْعَامَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلِيَّ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ " بِدَرَاهِمَ. وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا "، وَعَنْهُ لَا يُقَوِّمُ الْمِثْلِيَّ، وَإِنَّمَا يُقَوِّمُ الصَّيْدَ مَكَانَ إتْلَافِهِ أَوْ بِقُرْبِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا

فِي الْإِرْشَادِ، وَحَيْثُ قَوَّمَ الْمِثْلِيَّ أَوْ الصَّيْدَ: فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالدَّرَاهِمِ. وَلَيْسَتْ الْقِيمَةُ مِمَّا خَيَّرَ اللَّهُ [فِيهِ] . ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: التَّقْوِيمُ: يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَتْلَفَهُ فِيهِ وَبِقُرْبِهِ. نَقَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُقَوِّمُهُ بِالْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذَبْحِهِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ مَكَانَ إتْلَافِهِ أَوْ بِقُرْبِهِ. الثَّانِي: الطَّعَامُ هُنَا: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي الْفِطْرَةِ، وَفِدْيَةُ الْأَدْنَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ أَيْضًا كُلُّ مَا يُسَمَّى طَعَامًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبُرِّ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَأَجْرَاهُ ابْنُ مُنَجَّى عَلَى ظَاهِرِهِ، وَشَرَحَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ فِي مَوْضِعٍ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي طُعْمَةِ الْمَسَاكِينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ.

الرَّابِعُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْضًا " أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبُرِّ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَيْضًا، وَتَابَعَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْإِيضَاحِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أَثْبَتَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، فَقَالَ " يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا " وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ " يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا "، فَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهُ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمُدِّ عَلَى الْبُرِّ، وَرِوَايَةَ الْمُدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي رِوَايَتَيْ الْقَاضِي: أَنَّ حَنْبَلًا وَابْنَ مَنْصُورٍ نَقَلَا عَنْهُ " أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا " وَأَنَّ الْأَثْرَمَ نَقَلَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى " عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَعَنْ نِصْفِ صَاعٍ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا يَوْمًا " قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ " عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا " عَلَى أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لَا مِنْ الْبُرِّ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى هَذَا: فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَةٌ، وَالْأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ. لَا أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ، وَإِذًا يَسْهُلُ الْحَمْلُ، وَلِذَلِكَ قَطَعَ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنْ عَزَا ذَلِكَ إلَى الْخِرَقِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَأَقَرَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّصَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا، وَحَمَلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ عَلَى مَا سَبَقَ يَعْنِي حَمَلَ رِوَايَةَ الْمُدِّ عَلَى الْبُرِّ، وَرِوَايَةَ الْمُدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ مَا لَا يَعْدِلُ يَوْمًا: صَامَ عَنْهُ يَوْمًا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. الثَّالِثَةُ: لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي هَذَا الصِّيَامِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ لِلْآيَةِ. الرَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا: دَمُ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ الْهَدْيُ) ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقْتُ وُجُوبِهِ، وَوَقْتُ ذَبْحِهِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ دَمُ نُسُكٍ " (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) يَعْنِي: فِي مَوْضِعِهِ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي بَلَدِهِ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ: فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَلَّلَ بِالْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يُقَدِّمُ الْإِحْرَامَ عَلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، فَيُحْرِمُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يُحْرِمُ يَوْمَ السَّادِسِ. قُلْت: فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي حَلَّ: الْإِحْرَامَ مِنْهُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَيُعَايَى بِهَا. فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَجُوزُ تَقْدِيمُ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَيْهِ، لِقَوْلِهِ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ "، وَعَنْهُ يَصُومُهَا إذَا حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يَجُوزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ؛ لِيَكُونَ السَّبَبَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَحَدُ نُسُكَيْ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ. كَالْحَجِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَحْمَدُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ. الثَّالِثَةُ: وَقْتُ وُجُوبِ صَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ: وَقْتُ وُجُوبِ الْهَدْيِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ بَدَلٌ كَسَائِرِ الْأَبْدَالِ، وَقَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدَنَا يَجِبُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ عَنْ صِيَامِ الْمُتْعَةِ: مَتَى يَجِبُ؟ قَالَ: إذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لَا خِلَافَ أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَيَّنُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْهَدْيِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ: إنْ أَخَّرَ صِيَامَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَضَاءٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ صِيَامِهِ، وَإِلَّا كَانَ أَدَاءً، وَلَعَلَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ مَنْعِ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزِيَادَةِ " عَدَمِ " وَبِهَا يَتَّضِحُ الْمَعْنَى. قَوْلُهُ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَ) . يَعْنِي بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ. لَكِنْ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، نَصَّ

عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِبَقَاءِ أَعْمَالِ الْحَجِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَجُوزُ صَوْمُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. يَعْنِي إذَا كَانَ قَدْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] يَعْنِي: مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ، وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الصَّوْمِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) . يَعْنِي الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ (صَامَ أَيَّامَ مِنًى) . قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ أَقْسَامِ النُّسُكِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَعَنْهُ لَا يَصُومُهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ حَسَنَةٍ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَذَكَرَ مَنْ قَدَّمَ، وَأَطْلَقَ وَصَحَّحَ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى: لَوْ صَامَهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ مُرَادُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ: بِتَأْخِيرِ الصَّوْمِ عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ (وَيَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ صَوْمُ أَيَّامِ مِنًى، وَكَذَا لَوْ قُلْنَا يَجُوزُ صَوْمُهَا، وَلَمْ يَصُمْهَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ إنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَعَلَيْهِ مَعَ فِعْلِهِ دَمٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدَّمَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَعْذُورِ، وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِحَالٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ. قَالَ

الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الَّتِي نَصَّهَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ: فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْهَدْيِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِيهِ دَمٌ، أَمْ يَلْزَمُهُ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْعُذْرِ؟ فِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الدَّمِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. إحْدَاهُنَّ: يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ بِحَالٍ سِوَى الْهَدْيِ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالثَّالِثَةُ: إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى فِي الْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: وُجُوبُ الدَّمِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ: فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَحَكَى جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ فِي الْمَعْذُورِ وَجْهَيْنِ، وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ: رِوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ، وَلَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ وَلَا التَّتَابُعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَى. كَسَائِرِ الصَّوْمِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا سَبَقَ يُمْكِنُ مِنْهُ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَشَرَعَ فِيهِ. ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: تَخْرِيجٌ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ. وَخَرَّجُوهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَغْلَظِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي وَاضِحِهِ: إنْ قَرَعَهُ ثُمَّ قَدَرَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَيْهِ نَحَرَهُ إنْ وَجَبَ إذَنْ، وَأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ يَجِبُ بِإِحْرَامٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ: لَوْ كَفَّرَ الْمُتَمَتِّعُ بِالصَّوْمِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَقْتَ وُجُوبِهِ، فَصَرَّحَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ: بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ. بَلْ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَصْرِيحٌ بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَبَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذِهِ الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ. كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْقَاضِي الْمُوَفَّقُ [فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ بَعْدَ

الشُّرُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَبْنَى الْخِلَافِ: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ. كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ [وَالْيَمِينِ] وَغَيْرِهِمَا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ: إذَا عَدِمَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَوَجَبَ الصِّيَامُ عَلَيْهِ. ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ أَمْ لَا؟ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِحَالِ الْفِعْلِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، فَإِنْ قُلْنَا بِحَالِ الْوُجُوبِ: صَارَ الصَّوْمُ أَصْلًا، لَا بَدَلًا. وَعَلَى هَذَا: فَهَلْ يُجْزِئُهُ فِعْلُ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ؟ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. قُلْت: يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ الظِّهَارِ بِخِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ حَلَّ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ عَنْ الْبَيْتِ بِعَدُوٍّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ، بِأَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وُجُوبًا مَكَانَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ، وَعَنْهُ يَنْحَرُهُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " وَدَمُ الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ "، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ، ثُمَّ حَلَّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَلَا إطْعَامَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ بَلَى، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ. قَالَ: وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ إنْ قَدَرَ، فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ ثُمَّ صَامَ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْفَوَاتِ قَرِيبًا. وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْمُحْصَرِ فِي بَابِهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِدْيَةُ الْوَطْءِ: تَجِبُ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَدَمِ الْمُتْعَةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) هَذَا الْمَذْهَبُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْهَدْيِ إلَى الصِّيَامِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَجِدْ الْبَدَنَةَ أَخْرَجَ بَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا أَيْ الْبَدَنَةِ طَعَامًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ الْقَاضِي: تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. لَا يَنْتَقِلُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا إلَى الْإِطْعَامِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ. وَلَا إلَى الصِّيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ الْقَاضِي وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ: أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا سَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ " عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ، فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ. وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: إنَّمَا صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ بِإِجْزَاءِ سَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ مَعَ وُجُودِ الْبَدَنَةِ. هَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَدْ نَقَلَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَنْهُ فِي غَيْرِ كِتَابِهِ الْمُخْتَصَرِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِيهَا يَعْنِي: بَعْدَ هَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي: أَنَّ الْوَطْءَ هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكَاتِ؟ فَعَلَى هَذَا، إنْ قِيلَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ: وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ وَاللُّبْسَ اسْتِمْتَاعٌ، وَهُمَا عَلَى التَّخْيِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ اسْتِهْلَاكٌ. وَكَفَّارَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ عَلَى الصَّحِيحِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْبَدَنَةِ إلَى الصِّيَامِ لَمْ أَجِدْ بِهِ قَوْلًا لِأَحْمَدَ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَارَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْعَبَادِلَةِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا نَقْلًا وَأَثَرًا. أَمَّا النَّقْلُ: فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَجِبُ عَلَى الْمُجَامِعِ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ شَبَّهَ هُنَا فِدْيَةَ الْوَطْءِ بِفِدْيَةِ الْمُتْعَةِ. وَالشَّبَهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي ذَاتِ الْوَاجِبِ، أَوْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ. وَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا بَدَنَةٌ بَلْ شَاةٌ، وَعَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ فِي الْمُتْعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّاةِ. قُلْت: فِي كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّى شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ عَلَى الْمُجَامِعِ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ، وَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عَنْ أَصْحَابِ

الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدَهُ نَقْصٌ، فَسَقَطَ هَذَا النَّقْلُ وَالِاعْتِرَاضُ، وَقَوْلُهُ " وَالشَّبَهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي ذَاتِ الْوَاجِبِ، أَوْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ " فَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا بَدَنَةٌ، بَلْ شَاةٌ. قُلْت: هَذَا غَيْرُ وَارِدٍ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ هَذَا هَدْيٌ وَهَذَا هَدْيٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. بَلْ يُكْتَفَى بِجَامِعٍ مَا. وَقَوْلُهُ " وَيَرِدُ عَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ فِي الْمُتْعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّاةِ " قُلْت: وَهَذَا مُسَلَّمٌ، فَإِنَّا نَقُولُ: لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِالْوَطْءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ " وَأَمَّا الْأَثَرُ " فَإِنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ: أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ: أَفْتَوْهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً أَنْ يُقَالَ عَنْهُ: لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ بَدَنَةً وَيَجِدُ بَقَرَةً أَوْ شَاةً. قُلْنَا: هَذَا مُسَلَّمٌ. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ: أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ، وَيُجْزِئُهُ أَيْضًا سَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى مَا يَأْتِي " فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. غَايَتُهُ: أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، فَيُرَدُّ بِصَرِيحِ كَلَامِهِ الْآتِي، وَنُقَيِّدُهُ بِهِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُقَيِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ إذْ هُوَ شَارِحُ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بَدَنَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَنْهُ يَلْزَمُ الْقَارِنَ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ. إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَتْ، وَعَلَيْهِ شَاةٌ لِلْحَجِّ، وَبَعْدَ طَوَافِهَا: لَا تَفْسُدُ. بَلْ حَجَّةٌ، وَعَلَيْهِ دَمٌ.

قَالَ الْقَاضِي: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ هَذَا عَلَى رِوَايَتِنَا " عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا: أَنْ يَلْزَمَهُ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أَفْسَدَ قَارِنٌ نُسُكَهُ بِوَطْءٍ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَاةٌ مَعَ دَمِ الْقِرَانِ، وَقِيلَ: إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَقِيلَ: وَسَعْيَانِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ لَهُمَا وَبَدَنَةٌ وَشَاةٌ، وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ. قَوْلُهُ (وَشَاةٌ إنْ كَانَا مِنْ الْعُمْرَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْمُوجِزِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ تَجِبُ بَدَنَةٌ. كَالْحَجِّ. قَوْلُهُ " وُجُوبُ الْبَدَنَةِ بِوَطْئِهِ فِي الْحَجِّ، وَالشَّاةِ بِوَطْئِهِ فِي الْعُمْرَةِ " إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَتَارَةً بَعْدَهُ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ إذَا طَاوَعَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ يُجْزِئُهُمَا هَدْيٌ وَاحِدٌ، وَعَنْهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَطْءَ مِنْهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَعَنْهُ يَفْدِي عَنْهَا الْوَاطِئُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةَ: أَنَّهَا تَفْدِي وَتَرْجِعُ عَلَى الْوَاطِئِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّوْمِ.

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمُكْرَهَةُ يَفْسُدُ صَوْمُهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهَا، وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ، أَوْ لِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ لِلْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، فَمَا أَوْجَبَ مِنْهُ بَدَنَةً: فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ) . إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِعُذْرِ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ " أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي " فَعَلَيْهِ هَدْيٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ مَا اسْتَيْسَرَ. مِثْلُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ: هُوَ بَدَنَةٌ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ وُجُوبِهِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْ أَنَّ دَمَ الْفَوَاتِ مَقِيسٌ عَلَى دَمِ الْمُتْعَةِ، فَهُوَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْقَاضِي الْآتِي، وَعَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُوجِزِ: حُكْمُهَا حُكْمُ صَاحِبِ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. هَذَا مَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا الْخِرَقِيُّ: فَإِنَّهُ جَعَلَ الصَّوْمَ عَنْ دَمِ الْفَوَاتِ كَالصَّوْمِ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُحْصَرِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَأَمَّا إذَا بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ بَدَنَةً: فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَمَا عَدَاهُ) . يَعْنِي مَا عَدَا مَا تَجِبُ فِيهِ الْبَدَنَةُ.

(فَقَالَ الْقَاضِي: مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ: مُلْحَقٌ بِدَمِ الْمُتْعَةِ، وَمَا وَجَبَ لِلْمُبَاشَرَةِ: مُلْحَقٌ بِفِدْيَةِ الْأَذَى) مِثَالٌ: تَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ دَمٌ: تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ، أَوْ طَوَافُ الْوَدَاعِ، أَوْ الْمَبِيتُ بِمِنًى، أَوْ الرَّمْيُ، أَوْ الْحِلَاقُ، وَنَحْوُهَا، فَحُكْمُ هَذِهِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ حُكْمُ دَمِ الْمُتْعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوًا جَبَرَهُ بِدَمٍ، فَإِنْ عَدِمَهُ: فَكَصَوْمِ الْمُتْعَةِ، وَالْإِطْعَامِ عَنْهُ، وَمِثَالُ فِعْلِ الْمُبَاشَرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلدَّمِ: كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ يُوجِبُ شَاةً. كَالْوَطْءِ فِي الْعُمْرَةِ، وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِهِ، وَالْمُبَاشَرَةِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، إذَا قُلْنَا يَجِبُ شَاةٌ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ فِدْيَةِ الْأَذَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَمَتَى أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ نُسُكُهُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ " التَّاسِعُ: الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِذَلِكَ؟ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَيْهِ شَاةٌ فِي الصَّحِيحِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ بَدَنَةٌ، نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَبَّلَ، أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْخِرَقِيُّ حَكَمَ بِأَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ يَفْسُدُ حَجُّهُ، وَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ أَنْزَلَ بِالْقُبْلَةِ، وَعَكَسَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْإِفْسَادِ بِالْقُبْلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ اسْتَمْنَى، فَعَلَيْهِ دَمٌ: هَلْ هُوَ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي. إحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ شَاةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَزِمَهُ دَمٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَنْصُوصَةُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَمُحْرِمٌ بِالنَّظَرِ الْمُكَرَّرِ أَمْنَى فَدَى الشَّاةِ أَوْ بِالْجُزُرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَظَرَ نَظْرَةً فَأَمْنَى فَعَلَيْهِ شَاةٌ، بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً: يَفْدِي بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ أَنْزَلَ أَمْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ إنْ كَرَّرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْذَى بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) . يَعْنِي إذَا أَمْذَى بِتَكْرَارِ النَّظَرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ الْكَثِيرُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِتَكْرَارٍ

نَظَرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ: لَا فِدْيَةَ بِمَذْيٍ بِغَيْرِ النَّظَرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: إنْ أَمْذَى بِاسْتِمْنَاءٍ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَقَالَ: وَإِنْ أَمْذَى بِاسْتِمْنَاءٍ فَلَا فِدْيَةَ. وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُكَرِّرْ النَّظَرَ وَأَمْنَى: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: عَلَيْهِ شَاةٌ بِذَلِكَ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَظَرَ فَصَرَفَ بَصَرَهُ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَشَرَحَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ وَابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ كَالنَّظَرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَمُرَادُهُمَا: إذَا اسْتَدْعَاهُ. أَمَّا إذَا غَلَبَهُ: فَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْخَطَأُ هُنَا كَالْعَمْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَالْوَطْءِ، وَقِيلَ: لَا، كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ. الثَّانِيَةُ: الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ مَعَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي خَطَأٍ مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ، مِثْلَ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ) ثُمَّ وَطِئَ الْمَرْأَةَ الْأُولَى. أَوْ غَيْرَهَا (قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ثُمَّ قَلَّمَ، أَوْ لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ، وَلَوْ بِمَخِيطٍ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ بِدَوَاءٍ مُطَيِّبٍ

فِيهِ، أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَسَوَاءٌ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَهُ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ: يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ الْجُمْلَةُ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي تَدَاخُلِ الْفِدْيَةِ، كَذَا الْوَاحِدُ عَلَى الْوَاحِدِ فِي تَكْمِيلِ الدَّمِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ أَنَّ لِكُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةً، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَأَوْجَبَهَا. كَالْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ فِي غَيْرِهِ، وَعَنْهُ إنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ الْمَحْظُورِ، مِثْلُ أَنْ لَبِسَ لِشِدَّةِ الْحَرِّ، ثُمَّ لَبِسَ لِلْبَرْدِ، ثُمَّ لِلْمَرَضِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ، وَإِلَّا وَاحِدَةٌ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ لَبِسَ قَمِيصًا أَوْ جُبَّةً أَوْ عِمَامَةً لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قُلْت: فَإِنْ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً ثُمَّ بَرِئَ. ثُمَّ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً. قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: إنْ لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ مُتَفَرِّقًا، وَجَبَ دَمَانِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَجِدُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ وَصَاحِبَ الْفُرُوعِ: ذَكَرُوا الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَعَادَهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ لَا، وَحَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَتَعَدَّدُ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: إنْ تَعَدَّدَ قَتْلُهُ ثَانِيًا: فَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ صَيْدَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ: فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدَاءٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَتَّحِدَ كَفَّارَتُهُ أَوْ تَخْتَلِفَ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ وَهِيَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، لِحِكَايَتِهِ الْخِلَافَ مِثْلُ: أَنْ حَلَقَ وَلَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَنَحْوَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةً، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ [وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ] ، وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَوْقَاتٍ: فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِدْيَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ: إنْ تَبَاعَدَ الْوَقْتُ تَعَدَّدَ الْفِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا لَبِسَ وَغَطَّى رَأْسَهُ وَلَبِسَ الْخُفَّ، فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ الْكَفَّارَةُ. مِثْلُ: إنْ حَلَقَ، أَوْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ وَوَطِئَ: تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَقَ، أَوْ قَلَّمَ، أَوْ وَطِئَ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَامِدًا، أَوْ مُخْطِئًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) . إذَا حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهٍ وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَيَخْرُجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ.

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ قَرِيبًا، مَعَ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَمَّا إذَا قَتَلَ صَيْدًا: فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. مِنْهُمْ صَالِحٌ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَغَيْرُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْمُكْرَهُ عِنْدَنَا كَمُخْطِئٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِهَ يَعْنِي بِكَسْرِ الرَّاءِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. الثَّانِيَةُ: عَمْدُ الصَّبِيِّ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ خَطَأٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ نَاسِيًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) . كَذَا إنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، نَصَرَهَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحُكْمِ هُنَا كَالصَّوْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَهُ الْقَاضِي لِخَصْمِهِ: يَجِبُ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَتَى زَالَ عُذْرُ مَنْ تَطَيَّبَ: غَسَلَهُ فِي الْحَالِ، فَلَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَيَجُوزُ لَهُ غَسْلُهُ بِيَدِهِ وَبِمَائِعٍ وَغَيْرِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي غَسْلِهِ بِحَلَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ وَغَسْلَهُ: غَسَلَ الطِّيبَ، وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَهُ بَدَلٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِ الرَّائِحَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ: فَعَلَ وَتَوَضَّأَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَطْعُهَا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ: مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ حَكَّهُ بِتُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَسَّ طِيبًا يَظُنُّهُ يَابِسًا فَبَانَ رَطْبًا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَسَّ الطِّيبِ، وَالثَّانِي: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ. فَأَشْبَهَ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الطِّيبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ رَفَضَ إحْرَامَهُ ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا، فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْإِحْرَامُ بِرَفْضِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ مُحْصَرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ حُكْمُهُ بَاقٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَإِذَا فَعَلَ مَحْظُورًا بَعْدَ رَفْضِهِ: فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. كَذَا لَوْ فَعَلَ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ رَفْضِهِ: فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَحْظُورٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَدَاخَلْ، كَمَنْ لَمْ يَرْفُضْ إحْرَامَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي آخِرِ بَابِ " مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ ".

فَائِدَةٌ: لَزِمَهُ لِرَفْضِهِ دَمٌ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ؛ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ لَمْ تُفِدْ شَيْئًا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ: إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ التَّطَوُّعَ وَالْعُمْرَةَ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ " فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ. ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ: فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، بِخِلَافِ سَيَلَانِهِ بِعَرَقٍ وَشَمْسٍ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ) . يَعْنِي بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ إحْرَامِهِ: فَيَجُوزُ. لَكِنْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ تَطْيِيبِ ثَوْبِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَحْرُمُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ: هُوَ كَتَطْيِيبِ بَدَنِهِ. وَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ. فَائِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقَّهُ) . كَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ، أَوْ جُبَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) . مُرَادُهُ: وَلَوْ اسْتَدَامَ لَحْظَةً فَأَكْثَرَ فَوْقَ الْمُعْتَادِ فِي خَلْعِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا فَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إذَا رَشَّ فِيهِ مَاءً فَاحَ رِيحُهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ افْتَرَشَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ حَائِلٍ غَيْرِ ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَائِلُ لَا يَمْنَعُ رِيحَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ. وَإِنْ مَنَعَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كُرِهَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: الْقَارِنُ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ؛ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُمَا إحْرَامَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ شَبَّهَهُ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَحَرُمَ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ، وَنِيَّةُ الْحَجِّ غَيْرُ نِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ إحْرَامٌ وَاحِدٌ كَبَيْعِ عَبْدٍ وَدَارٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَهُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ وَالْمَبِيعُ اثْنَانِ، وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ. ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَخْرِيجًا إنْ لَزِمَهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ [وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: قَالَ الْقَاضِي: إذَا قُلْنَا عَلَيْهِ طَوَافَانِ لَزِمَهُ جَزَاءَانِ انْتَهَى] وَخَصَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ بِالصَّيْدِ كَمَا لَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِإِحْرَامٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَكَمَا لَوْ وَطِئَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْتَنِعُ التَّدَاخُلُ. ثُمَّ لَمْ يَتَدَاخَلَا؛ لِاخْتِلَافِ كَفَّارَتِهِمَا، أَوْ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ [وَالصِّيَامَ لَا يَتَدَاخَلَانِ] ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يَتَدَاخَلَانِ عِنْدَنَا. وَخَرَجَ فِي الْمُغْنِي لُزُومُ بَدَنَةٍ وَشَاةٍ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ، إذَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ إنْ قَدَرَ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ) . [يَعْنِي: إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْإِحْرَامِ، أَوْ] الْحَرَمِ، فَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا مُخْتَصَّةٌ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ. كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِهِمَا. كَذَا مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَا أَجْزَاءُ الْمَحْظُورَاتِ إذَا فَعَلَهَا فِي الْحَرَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ، وَيُجْزِئُهُ فِي أَيِّ نَوَاحِي الْحَرَمِ كَانَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " وَمَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ "، وَقَالَ مَالِكٌ " لَا يَنْحَرُ فِي الْحَجِّ إلَّا بِمِنًى، وَلَا فِي الْعُمْرَةِ إلَّا بِمَكَّةَ " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ.

وَأَمَّا الْإِطْعَامُ: فَهُوَ تَبَعٌ لِلنَّحْرِ، فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قِيلَ فِي النَّحْرِ فَالطَّعَامُ كَذَلِكَ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَ فِي الْحَجِّ بِمِنًى، وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْمَرْوَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: اخْتِصَاصُ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ بِهَدْيِ الْمُحْصَرِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُهَا: وَهَدْيُهُ فَعِنْدَنَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ قَدْ نَصُّوا. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَلَّمَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَنَحَرُوهُ أَجْزَأَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا اسْتَرَدَّهُ وَنَحَرَهُ، فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ ضَمِنَهُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يَضْمَنُ، وَيَجِبُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْحَرَمِ، وَإِطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ. الرَّابِعَةُ: مَسَاكِينُ الْحَرَمِ: مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَنْ وَرَدَ إلَيْهِ مِنْ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ الَّذِينَ تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إنْ قَدَرَ عَلَى إيصَالِهِ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ هُوَ وَالطَّعَامُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (إلَّا فِدْيَةَ الْأَذَى أَوْ اللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا) . كَالطِّيبِ وَنَحْوِهِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَحَيْثُ فَعَلَهُ وَلَمْ يُسْتَثْنَى سِوَى جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَكَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا وَجَدَ سَبَبَهَا فِي الْحِلِّ فَيُفَرِّقُهَا حَيْثُ وَجَدَ سَبَبَهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْهُ يُفَرِّقُهَا فِي الْحَرَمِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّبْصِرَةِ: لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. خُولِفَ فِيهِ لِمَا سَبَقَ، وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ: الْعُذْرَ فِي الْمَحْظُورِ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَعْذُورِ كَسَائِرِ الْهَدْيِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ: مَا فَعَلَهُ لِعُذْرٍ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ اسْتَبَاحَهُ، وَمَا فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَصَّ بِالْحَرَمِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قِيلَ: النَّحْرُ فِي الْحِلِّ، فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالتَّلْخِيصِ: الْوُجُوبُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا: إذَا وَجَدَ سَبَبَهَا فِي الْحَرَمِ يُفَرِّقُهَا فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ يُفَرِّقُهُ حَيْثُ فَعَلَهُ. كَحَلْقِ الرَّأْسِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: جَزَاءُ الصَّيْدِ: لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَالشَّارِحُ، وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْكِتَابِ، وَمَنْصُوصَ أَحْمَدَ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُفَرِّقُهُ حَيْثُ قَتَلَهُ لِعُذْرٍ. الثَّانِيَةُ: دَمُ الْفَوَاتِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. الثَّالِثَةُ: وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ: حِينَ فَعَلَهُ، إلَّا أَنْ يَسْتَبِيحَهُ لِعُذْرٍ، فَلَهُ الذَّبْحُ قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: كَذَلِكَ مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا أَوْ جَرَحَهُ. ثُمَّ أَخْرَجَ جَزَاءَهُ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَجْرُوحُ

أَوْ الْمُمْسَكُ، أَوْ قَدِمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فَدِيَتُهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، ثُمَّ حَلَقَ: أَجْزَأَ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ أَخْرَجَ فِدَاءَ صَيْدٍ بِيَدِهِ قَبْلَ تَلَفِهِ فَتَلِفَ: أَجْزَأَ عَنْهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ يُجْزِئُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ، فَيَبْعَثُهُ إلَيْهِ، وَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى نَحْرِهِ وَقْتَ تَحَلُّلِهِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَنْحَرُ هَدْيَ الْإِحْصَارِ إلَّا بِالْحَرَمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا فِيمَنْ كَانَ حَصْرُهُ خَاصًّا. أَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ فَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " الثَّانِي دَمُ الْمُحْصَرِ ". فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَأَمَّا الصِّيَامُ فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَان) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُجْزِئُ صَوْمٌ وِفَاقًا، وَالْحَلْقُ وِفَاقًا، وَهَدْيُ تَطَوُّعٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وِفَاقًا، وَمَا يُسَمَّى نُسُكًا بِكُلِّ مَكَان. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (كُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ: يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ) وَيُجْزِئُ أَيْضًا سُبُعُ بَقَرَةٍ، وَالْأَفْضَلُ: ذَبْحُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، لَكِنْ إذَا ذَبَحَهَا عَنْ الدَّمِ: هَلْ تَلْزَمُهُ كُلُّهَا، كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ؟ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْمَنْذُورِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ [وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] أَمْ يَلْزَمُهُ سُبُعُهَا فَقَطْ، وَالْبَاقِي لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا كَذَبْحِهِ سَبْعَ شِيَاهٍ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: فَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً لَمْ تَلْزَمْهُ كُلُّهَا فِي الْأَشْهَرِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَقْيَسُ، فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي [وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ] وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَالَ: قُلْت:

وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا زِيَادَةُ الثَّوَابِ، فَإِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ. انْتَهَى. وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ شَاةٌ أَوْ بَدَنَةٌ ". وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِيمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، فَأَخْرَجَ زَكَاتَهَا بَعِيرًا فِي " بَابِ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ". الثَّالِثَةُ: حُكْمُ الْهَدْيِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَيْهَا، فَلَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ مَا لَا يُضَحَّى بِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ) وَكَذَا عَكْسُهَا، وَتُجْزِئُهُ أَيْضًا الْبَقَرَةُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَنْ الْبَدَنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ النَّعَامَةَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً فِي غَيْرِ النَّذْرِ: لَا تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ عَنْ الْبَدَنَةِ مُطْلَقًا، إلَّا لِعَدَمِهَا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ فِي فَصْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ " إذَا نَذَرَ بَدَنَةً: أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ ". فَائِدَةٌ: مَنْ لَزِمَتْهُ بَدَنَةٌ أَجْزَأَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ تُجْزِئُ عِنْدَ عَدَمِهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا عَشْرُ شِيَاهٍ، وَالْبَقَرَةُ كَالْبَدَنَةِ فِي إجْزَاءِ سَبْعِ شِيَاهٍ عَنْهَا بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَمَنْ لَزِمَتْهُ سَبْعُ شِيَاهٍ أَجْزَأَهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، لِإِجْزَائِهَا عَنْ سَبْعَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ تُجْزِئُ إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

باب جزاء الصيد

قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ فِي الصَّيْدِ، وَالظَّاهِرُ عَنْهُ: لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ لَهَا، فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْهَدْيِ " إذَا نَذَرَ بَدَنَةً تُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. [بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ] ِ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فَيَجِبُ فِيهِ مِثْلُهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، فِيهِ مَا قَضَتْ) . أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِذَلِكَ غَيْرُ الصَّحَابِيِّ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَالصَّحَابِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ الشَّالَنْجِيُّ: هُوَ عَلَى مَا حَكَمَ الصَّحَابَةُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ فَرْضَ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ فِي الصَّحَابَةِ إنْ كَانَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ. قُلْنَا: فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ لِسَبْقِ الْحُكْمِ فِيهِ: فَحُكْمُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ احْتَجَّ بِالْآيَةِ الْقَاضِي، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: كُلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمٍ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَيَتْبَعُ مَا جَاءَ. قَدْ حَكَمَ وَفَرَّعَ مِنْهُ، وَقَدْ رَجَعَ الْأَصْحَابُ فِي بَعْضِ الْمِثْلِ إلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ وَالْأَيْلِ وَالتَّيْتَلِ وَالْوَعْلِ بَقَرَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَدَنَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَعَنْهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَدَنَةٌ. ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَعَنْهُ الْإِجْزَاءُ فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ.

فَائِدَةٌ: الْأَيْلُ: ذَكَرُ الْأَوْعَالِ، وَالْوَعْلُ: هُوَ الْأَرْوَى. وَهُوَ التَّيْسُ الْجَبَلِيُّ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، فَفِي الْأَرْوَى: بَقَرَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَعْلِ، جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: فِيهَا عَضَبٌ، وَهُوَ مَا قَبَضَ قَرْنُهُ مِنْ الْبَقَرِ، وَهُوَ دُونَ الْجَذَعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ) بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَائِقِ " فِي الضَّبُعِ شَاةٌ " وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ " كَبْشٌ أَوْ شَاةٌ ". قَوْلُهُ (وَفِي الْغَزَالِ وَالثَّعْلَبِ عَنْزٌ) وَالْغَزَالُ ذَكَرُ الظَّبْيَةِ إلَى حِينِ يَقْوَى. وَيَطْلُعُ قَرْنَاهُ. ثُمَّ هِيَ ظَبْيَةٌ وَالذَّكَرُ ظَبْيٌ، فَإِذَا كَانَ الْغَزَالُ صَغِيرًا: فَالْعَنْزُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ صَغِيرَةٌ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا: فَمِثْلُهُ، وَأَمَّا الثَّعْلَبُ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ فِيهِ عَنْزًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَقِيلَ: فِيهِ شَاةٌ فِي الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَحَكَاهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً. وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ حَرُمَ أَكْلُهُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ سَوَاءٌ أُبِيحَ أَكْلُهُ أَمْ لَا؟ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ،

وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ تَغْلِيبًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْكَافِي، فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: وَفِي الثَّعْلَبِ الْجَزَاءُ، مَعَ الْخِلَافِ فِي أَكْلِهِ. تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَة. نَقَلَ بَكْرٌ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. هُوَ صَيْدٌ. لَكِنْ لَا يُؤْكَلُ. وَقِيلَ: إنَّمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الطَّرِيقَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ فِيهِ الْجَزَاءُ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُبَاحٌ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. حَيْثُ قَالَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ " وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ فِي نَحْوِ حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ، وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ ". قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَمَا فِي حِلِّهِ خِلَافٌ كَثَعْلَبٍ، وَسِنَّوْرٍ، وَهُدْهُدٍ، وَصُرَدٍ وَغَيْرِهَا فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ الْخِلَافُ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَحْرُمُ قَتْلُ السِّنَّوْرِ وَالثَّعْلَبِ، وَفِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ بِقَتْلِهَا رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَفِي الثَّعْلَبِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ صَيْدٌ فِيهِ شَاةٌ، وَالْأُخْرَى: لَيْسَ بِصَيْدٍ وَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْوَبْرِ وَالضَّبِّ: جَدْيٌ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِي قَتْلِ الْوَبْرِ جَدْيًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ فِيهِ شَاةٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَقِيلَ: فِيهِ جُفْرَةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَمَّا الضَّبُّ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِي قَتْلِهِ جَدْيًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ فِيهِ شَاةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْيَرْبُوعِ: جَفْرَةٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ جَدْيٌ، وَقِيلَ: شَاةٌ، وَقِيلَ: عَنَاقٌ. قَوْلُهُ (وَفِي الْأَرْنَبِ: عَنَاقٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: فِيهِ جَفْرَةٌ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْعَنَاقُ لَهَا مَا بَيْنَ ثُلُثِ سَنَةٍ وَنِصْفِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ جَذَعَةٌ. وَالْجَفْرَةُ عَنَاقٌ مِنْ الْمَعْزِ لَهَا ثُلُثُ سَنَةٍ فَقَطْ، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: الْجَفْرَةُ لَهَا أَرْبَعُ شُهُورٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْجَفْرَةُ مِنْ الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعُ شُهُورٍ، وَالْعَنَاقُ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ دُونَ الْجَفْرَةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَفِي الْحَمَامِ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ شَاةٌ) . وُجُوبُ الشَّاةِ فِي الْحَمَامِ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَالْعَبُّ: وَضْعُ الْمِنْقَارِ فِي الْمَاءِ فَيَكْرَعُ كَالشَّاةِ وَلَا يَشْرَبُ قَطْرَةً قَطْرَةً، كَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ، وَالْهَدَرُ: الصَّوْتُ.

فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَمَامَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَالْغُنْيَةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ: فَمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ الْحَمَامُ، وَتُسَمِّي الْعَرَبُ الْقَطَا حَمَامًا، وَكَذَا الْفَوَاخِتُ وَالْوَرَاشِينُ، وَالْقُمْرِيُّ، وَالدُّبْسِيُّ، وَالسَّفَانِينُ، وَأَمَّا الْحَجَلُ: فَإِنَّهُ لَا يَعُبُّ. وَهُوَ مُطَوَّقٌ، فَفِيهِ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَاتِلَيْنِ أَيْضًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، مِنْ أَنَّهُ " يُقْبَلُ قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ " فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا [إذَا كَانَ] قَتَلَهُ خَطَأً. قَالَ: لِأَنَّ الْعَمْدَ يُنَافِي الْعَدَالَةَ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ لِعَدَمِ فِسْقِهِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَلَى قِيَاسِهِ قَتْلُهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: قَبُولُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ تَجِبُ فِدْيَةٌ فِي الضُّفْدَعِ، وَالنَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَأُمِّ حُبَيْنٍ، وَالسِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجِبُ فِي الْبَطِّ وَالدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ، أَمْ لَا؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا تَأْثِيرَ لِلْمُحْرِمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إنْسِيٍّ وَمُحَرَّمِ الْأَكْلِ ". فَائِدَةٌ: فِي سِنَّوْرِ الْبَرِّ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ: حُكُومَةٌ إنْ أَلْحَقَ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الثَّعْلَبِ.

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحِ، وَالْمَعِيبِ: مِثْلُهُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الزَّكَاةِ: يَضْمَنُ مَعِيبًا بِصَحِيحٍ. ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ. وَخَرَّجَهُ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا مِنْ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ، وَفِيهَا يُعْتَبَرُ الْكَبِيرُ أَيْضًا، فَهُنَا مِثْلُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَلَوْ قَتَلَ فَرْخَ حَمَامٍ كَانَ فِيهِ صَغِيرٌ مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ، وَفِي فَرْخِ النَّعَامَةِ جَزَاءٌ، وَفِيمَا عَدَاهَا قِيمَتُهُ، إلَّا مَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ، فَفِيهِ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (إلَّا الْمَاخِضَ تُفْدَى بِقِيمَةِ مِثْلِهَا) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ فِيهَا مِثْلُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: تُضْمَنُ بِقِيمَةِ مِثْلِهَا أَوْ بِحَائِلٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَزِيدُ فِي لَحْمِهَا كَلَوْنِهَا. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ فَدَاهَا بِغَيْرِ مَاخِضٍ فَاحْتِمَالَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَتُفْدَى الْمَاخِضُ بِمِثْلِهَا، فَإِنْ عَدِمَ الْمَاخِضَ فَقِيمَةُ مَاخِضٍ مِثْلِهَا، وَقِيلَ: قِيمَةُ غَيْرِ مَاخِضٍ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ جَنَى عَلَى حَامِلٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا: ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ، وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إذَا صَادَ حَامِلًا، فَإِنْ تَلِفَ حَمْلُهَا

ضَمِنَهُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَضْمَنُهُ إنْ تَهَيَّأَ لِنَفْخِ الرُّوحِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ يَصِيرُ حَيَوَانًا. كَمَا يُضْمَنُ جَنِينُ امْرَأَةٍ بَعْدَهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ إنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ. وَإِنْ كَانَ لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَاسَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وُجُوبَ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي وُجُوبِ عُشْرِ قِيمَةِ جَنِينِ الدَّابَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَمَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ الْبَيْضِ الْمَذَرُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِرَاخِ. كَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ كَسْرَةِ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ فَعَاشَ أَوْ مَاتَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ ". الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى) ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. كَذَا يَجُوزُ فِدَاءُ أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى، وَفِي فِدَائِهَا بِهِ وَجْهَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَالْأُنْثَى أَفْضَلُ، فَيُفْدَى بِهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: تُفْدَى أُنْثَى بِمِثْلِهَا، فَظَاهِرُ ذَلِكَ: عَدَمُ الْجَوَازِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدِمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ.

قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَهُوَ سَائِرُ الطَّيْرِ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا مَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ) كَالْإِوَزِّ، وَالْحُبَارَى، وَالْحَجَلِ، عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْكِسَائِيّ، وَالْكَبِيرِ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، وَالْكُرْكِيِّ، وَالْكَرَوَانِ وَنَحْوِهِ، فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى، وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ خُولِفَ فِي الْحَمَامِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ فِي الْحَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِيهِ شَاةٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ: فَفِيهِ الْجَزَاءُ كَالْحَمَامِ، وَقِيلَ: الْقِيمَةُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ فَفِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قِيمَةِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا) . إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ وَانْدَمَلَ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، أَوْ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ تُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ، فَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَهَلْ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ لَحْمًا، أَوْ يُضْمَنُ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ لَحْمًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي

الْوَجِيزِ. قَالَ فِي [الْمُغْنِي وَ] الشَّرْحِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيُضْمَنُ بَعْضُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا؛ لِضَمَانِ أَصْلِهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ؛ لِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى عَدْلِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمٍ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَا يُعْرَفُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. فَلَوْ قُلْنَا بِهِ: لَمْ يَمْتَنِعْ، وَإِنْ سَلَّمْنَا: فَهُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِي شَعْرِهِ ثُلُثَ دَمٍ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ لَا يُضْمَنُ بِهِ، كَطَعَامٍ مُسَوَّسٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ، فَلَمْ نُوجِبْ، فِي الزَّكَاةِ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ قِيمَةُ مِثْلِهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (لَوْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ ضَمِنَهُ) وَكَذَا لَوْ نَقَصَ فِي حَالِ نُفُورِهِ: ضَمِنَهُ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا، وَلَا يُضْمَنُ إذَا تَلِفَ فِي مَكَانِهِ بَعْدَ أَمْنِهِ مِنْ نُفُورِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يُضْمَنُ، وَلَوْ تَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ: فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قُلْت: الْأَوْلَى الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ سَبَبٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُمْكِنُ إحَالَتُهُ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ هُنَا، فَيُغَيِّرُ السَّبَبَ. ثُمَّ وَجَدْته فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ، وَقَالَ: وَقِيلَ: لَا يُضْمَنُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: وَالضَّمَانُ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ فِي الْكَافِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ. ثُمَّ سَقَطَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا: ضَمِنَهُمَا، فَلَوْ مَشَى الْمَجْرُوحُ قَلِيلًا، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى آخَرَ: ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ. مَا سَبَقَ يَضْمَنُهُمَا.

قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا تَلِفَ فِي مَكَانِهِ بَعْدَ أَمْنِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُ فَغَابَ، وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ، فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ الْجُرْحُ غَيْرَ مُوحٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عَلَيْهِ أَرْشَ مَا نَقَصَ بِالْجُرْحِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ كُلَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقَوِّمُهُ صَحِيحًا أَوْ جَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ انْدِمَالِهِ، فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ سُدُسُهُ، فَقِيلَ: يَجِبُ سُدُسُ مِثْلِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ. [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ] قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ، وَكَذَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمُوا وُجُوبَ مِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ لَحْمًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: يَجِبُ قِيمَةُ سُدُسِ مِثْلِهِ [وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلِ، وَقِيلَ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ) . إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَا يَعْلَمُ: هَلْ مَوْتُهُ بِجِنَايَتِهِ أَمْ لَا؟ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ كُلَّهُ هُنَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَ إتْلَافِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ سَبَبًا آخَرَ، فَوَجَبَ إحَالَتُهُ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَقْيَسُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ كَنَظَائِرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا غَيْرَ مُوحٍ، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ: أَوْ تَرَدَّى فَمَاتَ، ضَمِنَهُ لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْدَمَلَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ: فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ) ، وَكَذَا إنْ جَرَحَهُ جُرْحًا [مُوحِيًا] وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ تَخْرِيجًا: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى مَا نَقَصَ فِيمَا إذَا انْدَمَلَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: وُجُوبَ الْجَزَاءِ كَامِلًا، فِيمَا إذَا جَرَحَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ خَبَرَهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ كَلَامَهُ مُطْلَقٌ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْجُرْحَ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُوحٍ، وَغَابَ: أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ كَامِلًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ، وَكَذَا إنْ نَتَفَ شَعْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَشَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهِمْ [وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ عَلَيْهِ حُكُومَةً. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا إذَا قَطَعَ غُصْنًا ثُمَّ عَادَ، فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَتَقَدَّمَ " إذَا تَلِفَ بَيْضُ صَيْدٍ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ صَادَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِنَتْفِ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ: فَكَالْجُرْحِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِنْ غَابَ: فَفِيهِ مَا نَقَصَ، لِإِمْكَانِ زَوَالِ نَقْصِهِ. كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَغَابَ وَجَهِلَ. قَوْلُهُ (كُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَعَنْهُ إنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ) ، وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَسَوَاءٌ بَاشَرُوا الْقَتْلَ، أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُمْسِكًا وَالْآخَرُ مُبَاشِرًا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي أَيْضًا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَصَحَّحَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَعَنْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ إنْ كَفَّرُوا بِالْمَالِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَهْدَى فَبِحِصَّتِهِ، وَعَلَى الْآخَرِ صَوْمٌ تَامٌّ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَى مُحْرِمٍ مُمْسِكٍ مَعَ مُحْرِمٍ مُبَاشِرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ: لَا يَلْزَمُ مُسَبِّبًا مَعَ مُبَاشِرٍ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. لَا سِيَّمَا إذَا أَمْسَكَهُ لِيَمْلِكَهُ، فَقَتَلَهُ مُحِلٌّ. وَقِيلَ: الْقِرَانُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ فِعْلَ ذَلِكَ عِلَّةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ [وَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْمُمْسِكِ، وَأَنَّ عَكْسَهُ

باب صيد الحرم ونباته

الْمَالُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ] كَذَا قَالَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا " فَإِنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرِيكُ السَّبُعِ وَشَرِيكُ الْحَلَالِ. [بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ] ِ قَوْلُهُ (فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ جَزَاءَانِ: جَزَاءٌ لِلْحَرَمِ. وَجَزَاءٌ لِلْإِحْرَامِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ أَتْلَفَ كَافِرٌ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ كَفَّارَةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ. . . وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ يُقَالُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَيْسَ بِبِنَاءٍ جَيِّدٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَلَّ مُحِلٌّ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ، فَقَتَلَهُ: ضَمِنَاهُ مَعًا بِجَزَاءٍ وَاحِدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ فِي حِلٍّ. بَلْ عَلَى الْمَدْلُولِ وَحْدَهُ. كَحَلَالِ دَلَّ مُحْرِمًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِي الْحِلِّ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ: ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلَا يَضْمَنُ الْأُمَّ فِيمَا تَلِفَ فِرَاخُهُ فِي

الْحَرَمِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ رَمَى الْحَلَالُ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ. وَحَكَى الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ رِوَايَةً: بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ أَحْمَدَ وَرَدُّوهُ لِوُجُوهٍ جَيِّدَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ. إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا إذَا هَلَكَ فِرَاخُ الطَّائِرِ الْمُمْسَكِ، فَقَدَّمُوا الضَّمَانَ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: الضَّمَانُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ رَمَى الْحَلَالُ صَيْدًا، ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ: ضَمِنَهُ، وَلَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا، ثُمَّ حَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ: لَمْ يَضْمَنْهُ، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ فِيهِمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ: وَيَجِيءُ عَلَيْهِ قَوْلُ أَحْمَدَ: إنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ عَدَمُ الضَّمَانِ [عَلَيْهِ] . الثَّانِيَةُ: هَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الرَّمْيِ، أَوْ بِحَالِ الْإِصَابَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْإِصَابَةِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، فَلَوْ رَمَى بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَقَعَ بِالصَّيْدِ وَقَدْ حَلَّ: حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ: لَمْ. يَحِلَّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الصَّيْدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ، أَوْ كَلْبِهِ، أَوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحِلِّ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ

فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. اعْتِبَارًا بِالْقَاتِلِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحَرَمِ فَاصْطَادَ فِي الْحِلِّ، فَالْأَظْهَرُ عَنْهُ: أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ عَنْهُ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، فِيمَا إذَا هَلَكَ فِرَاخُ الطَّائِرِ الْمُمْسَكِ، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي الطَّائِرِ عَلَى الْغُصْنِ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَيَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْفِرَاخِ إذَا تَلِفَ فِي الْحِلِّ، وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ فَرَّخَ الطَّيْرُ فِي مَكَان يَحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ عَنْهُ، فَنَقَلَهُ فَهَلَكَ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ: حَرُمَ قَتْلُهُ، وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: رِوَايَةٌ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ وَقَوَائِمُهُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحِلِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاقْتَصَرَ. قُلْت: الْأَوْلَى هُنَا: عَدَمُ الضَّمَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ إنْ أَرْسَلَهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ لِتَفْرِيطِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْخِلَافُ رِوَايَاتٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: لَوْ قَتَلَ الْكَلْبُ صَيْدًا غَيْرَ الصَّيْدِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ: لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَعَنْهُ يَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ فِي الْحَرَمِ غَيْرُ الصَّيْدِ الَّذِي أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا يَحْكُونَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِيمَا إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ الْمُرْسَلَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِالْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ. قُلْت: لَكِنْ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا إذَا قَتَلَ غَيْرَ الْمُرْسَلِ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَقْوَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ: ضَمِنَهُ) ، وَإِنْ قَتَلَ السَّهْمُ صَيْدًا قَصَدَهُ وَكَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا غَيْرَ الَّذِي قَصَدَهُ، بِأَنْ شَطَحَ السَّهْمُ، فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكَلْبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالشَّارِحُ، وَأَمَّا إذَا رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ بِعَيْنِهِ فِي الْحَرَمِ: فَهَذِهِ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَضْمَنُهُ، مِنْهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ. بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ دَخَلَ سَهْمُهُ وَكَلْبُهُ الْحَرَمَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ: لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، فَتَحَامَلَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ، وَمَاتَ فِيهِ: حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ. كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ فَمَاتَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيُكْرَهُ أَكْلُهُ لِمَوْتِهِ فِي الْحَرَمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. سَوَاءٌ ضَمِنَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْحَرَمِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ تَلَفِهِ. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ) . يَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ إجْمَاعًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ قَلْعُ حَشِيشِهِ وَنَبَاتِهِ، حَتَّى السِّوَاكِ وَالْوَرَقِ. (إلَّا الْيَابِسَ) فَإِنَّهُ مُبَاحٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا زَالَ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْقَطْعِ. انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْرُمُ عُودٌ وَوَرَقٌ زَالَا مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ زَالَتْ هِيَ. بِلَا نِزَاعٍ [فِيهِ] وَمَا انْكَسَرَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ: فَهُوَ كَالظُّفُرِ الْمُنْكَسِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: تُبَاحُ الْكَمْأَةُ وَالْفَقْعُ وَالتَّمْرَةُ كَالْإِذْخِرِ. قَوْلُهُ (وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ) . مَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الْبُقُولِ، وَالزَّرْعِ، وَالرَّيَاحِينِ لَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا جَزَاءَ أَيْضًا: فِيمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ الشَّجَرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَأَبُو طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّيْحَانِ وَالْبُقُولِ فِي الْحَرَمِ؟ فَقَالَ: مَا زَرَعْته أَنْتَ فَلَا بَأْسَ، وَمَا نَبَتَ فَلَا. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ جَمِيعِ مَا زَرَعَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ أَنْبَتَهُ كَالزَّرْعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ بِالْجَزَاءِ فِي الشَّجَرِ؛ لِلنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ شَجَرِهَا. سَوَاءٌ أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ، أَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَنَسَبَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْبَتَهُ فِي الْحَرَمِ أَوَّلًا: فَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ أَنْبَتَهُ فِي الْحِلِّ. ثُمَّ غَرَسَهُ فِي الْحَرَمِ: فَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ كَانَ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّ مِنْ جِنْسِ شَجَرِهِمْ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالنَّخْلِ، وَنَحْوِهَا لَمْ يَحْرُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا أَنْبَتُوهُ مِنْ الزَّرْعِ، وَالْأَهْلِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ.

تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِيُّ " اخْتِصَاصَهُ بِالزَّرْعِ دُونَ الشَّجَرِ فَيَكُونُ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: تَحْرِيمَ قَطْعِ الشَّجَرِ الَّذِي أَنْبَتَهُ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الزَّرْعِ ذَلِكَ. انْتَهَى؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَيَعُمُّ الشَّجَرَ، كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ. قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ. حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ. لَا سِيَّمَا إذَا وَافَقَ الصَّحِيحَ؛ وَلِأَنَّ " مَا " مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَلَكِنْ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا يُنْبِتُ الْآدَمِيُّونَ جِنْسَهُ. كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الشَّارِحُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا مَا اسْتَثْنَيَاهُ، فَلَا يُبَاحُ قَطْعُ الشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ " وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَنَبَاتُهُ مُحَرَّمٌ، إلَّا الْيَابِسَ، وَالْإِذْخِرَ، وَمَا زَرَعَهُ الْإِنْسَانُ، أَوْ غَرَسَهُ " فَظَاهِرُهُ: عَدَمُ الْجَوَازِ. قُلْت: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ» ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: جَوَازَ قَطْعِ ذَلِكَ. مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ. أَشْبَهَ السِّبَاعَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ وَجْهَانِ) . أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، كَالْمُصَنِّفِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ

وَجَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي [فِي الْخِلَافِ] وَابْنُهُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ [وَالتَّنْبِيهِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ] الْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أَدْخَلَ بَهَائِمَهُ لِرَعْيِهِ. أَمَّا إنْ أَدْخَلَهَا لِحَاجَةٍ: لَمْ يَضْمَنْهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِشَاشُ لِلْبَهَائِمِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ مَنَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ الِاحْتِشَاشِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ احْتَشَّهُ لِبَهَائِمِهِ فَهُوَ كَرَعْيِهِ. كَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: إنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَلَعَهُ: ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَعَنْهُ يَضْمَنُهَا بِبَدَنَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ

فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَعَنْهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الصَّغِيرَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُضْمَنُ بِشَاةٍ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمِنْهُ يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا فَائِدَةٌ يَضْمَنُ الشَّجَرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِبَقَرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ بِقِيمَتِهَا. وَأَمَّا ضَمَانُ الْحَشِيشِ، وَالْوَرَقِ بِقِيمَتِهِ: فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغُصْنُ: فَيَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِنَقْصِ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ الْغُصْنَ الْكَبِيرَ بِشَاةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَخْلَفَ) هُوَ، أَوْ الْحَشِيشُ (سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

فوائد

أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ الضَّمَانُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بِاسْتِخْلَافِهِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، كَحَلْقِ الْمُحْرِمِ شَعْرًا ثُمَّ عَادَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا " إذَا نَتَفَ رِيشَهُ فَعَادَ " فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. [فَوَائِدُ] ُ إحْدَاهَا: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْطُوعِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. كَالصَّيْدِ، وَقِيلَ: يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ قَاطِعِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَلَعَ شَجَرًا مِنْ الْحَرَمِ، فَغَرَسَهُ فِي الْحِلِّ: لَزِمَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ يَبِسَ: ضَمِنَهُ، فَإِنْ رَدَّهُ، وَثَبَتَ كَمَا كَانَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَ نَاقِصًا: فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ. الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْجَزَاءَ: قَوَّمَهُ ثُمَّ صَامَ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: مَنْ لَمْ يَجِدْ: قَوَّمَ الْجَزَاءَ طَعَامًا كَالصَّيْدِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُخَيَّرُ بَيْنَ إخْرَاجِ الْبَقَرَةِ وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا، وَأَنْ يَفْعَلَ فِي ثَمَنِهَا كَمَا قُلْنَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَمَنْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ: ضَمِنَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. كَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ فِي الْحِلِّ: لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهَادِي.

أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ [وَصَحِيحِ الْمُحَرَّرِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُخْرَجُ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ، وَلَا يُدْخَلُ إلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ، وَلَا يُخْرَجُ مِنْ حِجَارَةِ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ، وَالْخُرُوجُ أَشَدُّ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَةِ إخْرَاجِهِ، وَجَزَمَ فِي مَكَان آخَرَ بِكَرَاهَتِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ إلَى حِلٍّ، وَفِي إدْخَالِهِ إلَى الْحَرَمِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَجُوزُ فِي تُرَابِ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوْلَى أَنَّ تُرَابَ الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ لِلتَّبَرُّكِ وَلِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ: يَحْرُمُ. وَمِنْهَا: لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ مَاءِ زَمْزَمَ قَالَ أَحْمَدُ: أَخْرَجَهُ كَعْبٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْهَا: حَدّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ بُيُوتِ السُّقْيَا، وَقَالَ الْقَاضِي: حَدُّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ: دُونَ التَّنْعِيمِ عِنْدَ بُيُوتِ نِفَارٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْيَمَنِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ إضَاحَةِ أَضَاةٍ لِبْنٍ، وَمِنْ الْعِرَاقِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عَلَى ثَنِيَّةِ رِجْلٍ، وَهُوَ جَبَلٌ بِالْمُنْقَطِعِ، وَقِيلَ: تِسْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ: تِسْعَةُ أَمْيَالٍ فِي شِعْبٍ يُنْتَسَبُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَمِنْ جَدَّةَ: عَشَرَةُ أَمْيَالٍ

عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْأَعْشَاشِ، وَمِنْ الطَّائِفِ: سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ، وَمِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ أَحَدَ عَشَرَ مِيلًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَالَ: عِنْدَ إضَاةِ لِبْنٍ مَكَانُ إضَاحَةِ لِبْنٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ [وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ لَوْ فَعَلَ وَذَبَحَ صَحَّتْ ذَكِيَّتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي صِحَّتِهَا احْتِمَالَانِ، وَالْمَنْعُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ الْآتِي وَغَيْرِهِ] . (وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا، إلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْوِسَادَةِ، وَالْمَسْنَدِ. وَهُوَ عُودُ الْبَكَرَةِ. (وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ، وَمَنْ أَدْخَل إلَيْهَا صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ) ، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: حُكْمُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا سَبَقَ، إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَدْخَلَ صَيْدًا، أَوْ أَخَذَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ. [قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْخَلَ إلَيْهِ صَيْدًا فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ) . قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي صِحَّةِ تَذْكِيَةِ الصَّيْدِ احْتِمَالَانِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ] . قَوْلُهُ (وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ.

وَعَنْهُ جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَحَنْبَلٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: سَلَبُ الْقَاتِلِ: ثِيَابُهُ. قَالَ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَالسَّرَاوِيلُ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَالزِّينَةُ مِنْ السَّلَبِ كَالْمِنْطَقَةِ، وَالسِّوَارِ، وَالْخَاتَمِ، وَالْجُبَّةِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ آلَةِ الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْفِعْلِ الْمَحْظُورِ. كَمَا قَالَ فِي سَلَبِ الْمَقْتُولِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَيْسَتْ الدَّابَّةُ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَسْلُبْهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا فَعَلَ. قَوْلُهُ (وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ) ، وَهُوَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، وَقَدْرُهُ: بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ: لَا يُعْرَفُ بِهَا ثَوْرٌ وَلَا عَيْرٌ وَإِنَّمَا هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ أَرَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ جَبَلَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَسَمَّاهُمَا ثَوْرًا وَعَيْرًا تَجَوُّزًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: عَيْرٌ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورٌ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ: لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ عَيْرٌ وَلَا ثَوْرٌ، وَأَمَّا ثَوْرٌ: فَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ مَعْرُوفٌ، فِيهِ الْغَارُ الَّذِي تَوَارَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» . قَالَ عِيَاضٌ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ ذَكَرُوا " عَيْرًا " فَأَمَّا " ثَوْرٌ " فَمِنْهُمْ

مَنْ كَنَّى عَنْهُ بِكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانَهُ بَيَاضًا. لِأَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا ذِكْرَ " ثَوْرٍ " خَطَأً. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَصْلُ الْحَدِيثِ «مِنْ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ» وَكَذَا قَالَ الْحَازِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ. وَقَدَّرُوا كَمَا قَدَّرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَهَذَا كُلُّهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ " ثَوْرًا " بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْعَلَّامَةُ عَفِيفُ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مَزْرُوعٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: صَحِبْت طَائِفَةً مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي هَيْثَمٍ، وَكُنْت إذَا صَحِبْت الْعَرَبَ أَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَرَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ وَادٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَرَرْنَا بِجَبَلٍ خَلَفَ أُحُدٍ، فَقُلْت: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْجَبَلِ؟ قَالُوا: هَذَا جَبَلُ ثَوْرٍ، فَقُلْت: مَا تَقُولُونَ؟ ، قَالُوا: هَذَا " ثَوْرٌ " مَعْرُوفٌ مِنْ زَمَنِ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا، فَنَزَلْت وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيُّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ فِي مُخْتَصَرٍ لِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفِهِمْ: أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ. يُسَمَّى " ثَوْرًا " قَالَ: وَقَدْ تَحَقَّقْته بِالْمُشَاهَدَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ الْعَالِمُ عَبْدُ السَّلَامِ الْبَصْرِيُّ: أَنَّ حَدَّ أُحُدٍ عَنْ يَسَارِهِ جَانِحًا إلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ " ثَوْرٌ " وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُهُ عَنْهُ لِطَوَائِفَ مِنْ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْجِبَالِ، فَكُلٌّ أَخْبَرَ: أَنَّ ذَلِكَ الْجَبَلَ اسْمُهُ " ثَوْرٌ " وَتَوَارَدُوا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْرَ " ثَوْرٍ " فِي الْحَدِيثِ صَحِيحٌ، وَأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ، وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عَنْهُ. قَالَ: وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا، وَقِيلَ: كَمَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَرَمُهَا مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ انْتَهَى.

وَقَدْ وَرَدَ «أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا» . قَالَ الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ: رِوَايَةُ «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» أَرْجَحُ لِتَوَارُدِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهَا، وَرِوَايَةُ " جَبَلَيْهَا " لَا تُنَافِيهَا، فَيَكُونُ عِنْدَ كُلِّ جَبَلٍ لَابَةٌ. أَوْ " لَابَتَيْهَا " مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ، وَ " جَبَلَيْهَا " مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَعَاكَسَهُ فِي الْمَطْلَعِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ " مَأْزِمَيْهَا "، فَالْمَأْزِمُ: الْمَضِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ نَفْسِهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَخَذَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْجِوَارِ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَنَا بِهِ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ، وَإِنَّك لَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَيَّ» وَعَنْهُ: الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُجْرَةِ، فَأَمَّا وَهُوَ فِيهَا: فَلَا وَاَللَّهِ وَلَا الْعَرْشُ وَحَمَلَتُهُ وَالْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ فِي الْحُجْرَةِ جَسَدًا لَوْ وُزِنَ بِهِ لَرَجَحَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّ التُّرْبَةَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَضَّلَ التُّرْبَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ إلَّا الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُجَاوَرَةِ، وَجَزَمُوا بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ.

وَغَيْرِهَا فِي مَكَّةَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ، وَيَجُوزُ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا الْمُجَاوَرَةُ بِهَا، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجِوَارَ بِمَكَّةَ لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمُجَاوَرَةُ فِي مَكَان يَتَمَكَّنُ فِيهِ إيمَانُهُ وَتَقْوَاهُ: أَفْضَلُ حَيْثُ كَانَ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: تَضَاعُفُ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ فَاضِلٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: تُكْتَبُ السَّيِّئَةُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا. إلَّا بِمَكَّةَ، وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّيِّئَاتِ. الرَّابِعَةُ: لَا يَحْرُمُ صَيْدُ وَجٍّ وَشَجَرِهِ وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ وَفِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا «إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهِهِ حَرَمٌ مَحْرَمٌ لِلَّهِ» لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ النُّقَّادِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُ وَجٍّ، وَهُوَ خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي إبَاحَتِهِ لِلْمُحِلِّ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: يُبَاحُ لَهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يُبَاحُ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ: فَلَا يُبَاحُ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب دخول مكة

[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ) أَنَّهُ سَوَاءً كَانَ دُخُولُهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَمَّا دُخُولُهَا فِي النَّهَارِ: فَمُسْتَحَبٌّ بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا دُخُولُهَا فِي اللَّيْلِ: فَمُسْتَحَبٌّ أَيْضًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ هَانِئِ: لَا بَأْسَ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ السُّرَّاقِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا فِي اللَّيْلِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَحَبُّوا الدُّخُولَ نَهَارًا فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى مِنْ كُدَى تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) أَنَّهُ لَا يَقُولُ حِينَ دُخُولِهِ شَيْئًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ " بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَمِنْ اللَّهِ، وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ فَضْلِك " انْتَهَى وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك " انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ يَقُولُ إذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ لَا يَسْتَحِبُّ قَوْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ فَالْمَسْجِدُ الْعَتِيقُ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْهُ هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَالُوهُ هُنَاكَ وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ هُنَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ هَذَا مَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ " وَكَبَّرَ " هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَفِي الْهَادِي

، وَالْمُحَرَّرِ،، وَالرِّعَايَتَيْنِ،، وَالْحَاوِيَيْنِ،، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ،، وَالْمُنَوِّرِ،، وَالتَّسْهِيلِ،، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: وَيُهَلِّلُ أَيْضًا قَالَ فِي النَّظْمِ: وَكَبَّرَ وَمَجَّدَ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ وَدَعَا وَقِيلَ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَدْعُو فَقَطْ وَمِنْهُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ،، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ،، وَالْمُسْتَوْعِبِ،، وَالْخُلَاصَةِ،، وَالْمُغْنِي،، وَالْكَافِي،، وَالتَّلْخِيصِ،، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا يَشْتَغِلُ بِدُعَاءٍ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى قَوْلِ " اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ إلَى قَوْلِ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ: تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا ". قَوْلُهُ (يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ،، وَالْفُصُولِ،، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ يَجْهَرُ بِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْجَهْرِ بِذَلِكَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَدَّمَهُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ قَالَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَابَعَهُمَا، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْكُوتٌ عَنْهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَجْهَرُ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ قَوْلًا وَاحِدًا قَوْلُهُ (ثُمَّ يَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا، أَوْ بِطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ

فَائِدَةٌ: يُسَمَّى طَوَافُ الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَطَوَافَ الْوُرُودِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْأُسْبُوعِ وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً: يَكُونُ الِاضْطِبَاعُ فِي رَمْلِهِ فَقَطْ وَقَالَهُ الْأَثْرَمُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الِاضْطِبَاعَ إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيُقَالُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) إذَا حَاذَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ أَجْزَأَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ حَاذَى بَعْضَ الْحَجَرِ بِكُلِّ بَدَنِهِ أَجْزَأَ أَيْضًا قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ قَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: وَلْيَمُرَّ بِكُلِّ بَدَنِهِ وَإِنْ حَاذَى الْحَجَرَ أَوْ بَعْضَهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ الشَّوْطُ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: يَجْزِيهِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ وَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ وَإِنْ شَقَّ أَشَارَ إلَيْهِ) خَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِاسْتِلَامِ مَعَ التَّقْبِيلِ، وَبَيْنَ الِاسْتِلَامِ مَعَ تَقْبِيلِ يَدِهِ، وَبَيْنَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ،، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ فَإِنْ شَقَّ الِاسْتِلَامُ أَشَارَ إلَيْهِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مُرَتَّبًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثُمَّ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى نَقَلَ الْأَثْرَمُ: وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَإِنْ

شَاءَ قَبَّلَ يَدَهُ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ وَقَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَلْ يُقَبِّلُ يَدَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَإِلَّا اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ وَقَبَّلَهُ. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي تَقْبِيلِهِ: الْخِلَافُ فِي الْيَدِ وَيُقَبِّلُهُ وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى يَعْنِي لَا يُقَبِّلُ الْمُشَارَ بِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُ يَدَهُ، كَمَا لَوْ عَسُرَ تَقْبِيلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمَسَهُ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ فَقَبَّلَهُ فَإِنْ عَسُرَ لَمْسُهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَقَامَ نَحْوَهُ وَقِيلَ: وَيُقَبِّلُهَا إذَنْ انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا أَعْلَمُ لَهُ مُتَابِعًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ جَوَازَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، لَا الِاسْتِحْبَابَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ بِوَجْهِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ السُّنَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ قَامَ بِحِذَائِهِ، وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ، وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ لَكِنْ هَذَا مَخْصُوصٌ بِصُورَةٍ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ أَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَجِبُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لَهُ كَمَا فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: الِاسْتِلَامُ هُوَ مَسْحُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ مِنْ السَّلَامِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ وَقِيلَ: مِنْ السِّلَامِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ، وَأَحَدُهَا سَلِمَةٌ يَعْنِي بِفَتْحِ السِّينِ وَبِكَسْرِ اللَّامِ وَقِيلَ: مِنْ الْمُسَالَمَةِ كَأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُسَالِمُ

وَقِيلَ: الِاسْتِلَامُ أَنْ يُحَيِّيَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْحَجَرِ بِالسَّلَامَةِ وَقِيلَ: هُوَ مَهْمُوزُ الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُلَاءَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَقِيلَ: مِنْ اللَّأْمَةِ وَهِيَ السِّلَاحُ كَأَنَّهُ حَصَّنَ نَفْسَهُ بِمَسِّ الْحَجَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك، وَوَفَاءً بِعَهْدِك، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ) هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ وَزَادَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) وَذَلِكَ لِيُقَرِّبَ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ ذَلِكَ لِمَيْلِ قَلْبِهِ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحَرَكَةُ الدَّوْرِيَّةُ يُعْتَمَدُ فِيهَا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَلَمَّا كَانَ الْإِكْرَامُ فِي ذَلِكَ لِلْخَارِجِ جُعِلَ لِلْيُمْنَى. قَوْلُهُ (فَإِذَا جَاءَ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ اسْتَلَمَهُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ) جَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ مَعَ الِاسْتِلَامِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلِ الرُّكْنِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: يَسْتَلِمُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي، وَالشَّيْخَانِ، وَجَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: وَيُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَقَالَ فِي الْمُذْهِبِ: وَفِي تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَجْهَانِ

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَنَفَاهُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ لَمْ يَرْمُلْ فِيهِنَّ، أَوْ فِي بَعْضِهِنَّ، لَمْ يَقْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ،، وَالِاضْطِبَاعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَوْ لَمْ يَسْعَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ: أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا تَرَكَهُ عَامِدًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُحْمَلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ طَافَ رَاكِبًا لَمْ يَرْمُلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ الْقَاضِي: يَخُبُّ بِهِ مَرْكُوبُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ إسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ كَانَ قُرْبَ الْبَيْتِ زِحَامٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَيُمْكِنُ الرَّمَلُ: وَقَفَ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الرَّمَلِ، وَالدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَاشِيَةِ النَّاسِ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّمَلِ، فَعَلَ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ أَيْضًا أَوْ يَخْتَلِطُ بِالنِّسَاءِ: فَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ أَوْلَى، وَالتَّأْخِيرُ لِلرَّمَلِ،، وَالدُّنُوِّ مِنْ الْبَيْتِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ: أَوْلَى مِنْ عَدَمِ الرَّمَلِ، وَالْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَنْتَظِرُ الرَّمَلَ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لِتَعَذُّرِ التَّجَافِي فِي الصَّلَاةِ

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْإِتْيَانُ بِهِ فِي الزِّحَامِ مَعَ الْقُرْبِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّمَلُ أَوْلَى مِنْ الِانْتِظَارِ كَالتَّجَافِي فِي الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِهِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا فِي فُصُولِ اللِّبَاسِ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ الْعَدْوُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ مَكْرُوهٌ جِدًّا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ وَيُتَوَجَّهُ تَرْكُ الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ: اسْتَلَمَهُمَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا) يَعْنِي اسْتَلَمَهُمَا إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِمَا. كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ اسْتَلَمَهُ بِلَا نِزَاعٍ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ وَإِلَّا أَشَارَ إلَيْهِ. وَكُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَسْتَلِمُهُمَا كُلَّ مَرَّةٍ وَقِيلَ: الْيَمَانِيَّ فَقَطْ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقِيلَ: يُقَبِّلُ يَدَهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ عَسُرَ قَبَّلَ يَدَهُ فَإِنْ عَسُرَ لَمْسُهُ أَشَارَ إلَيْهِ وَقَالَ: إنْ شَاءَ أَشَارَ إلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: كُلَّمَا حَاذَاهُمَا فَعَلَ فِيهِمَا مِنْ الِاسْتِلَامِ، وَالتَّقْبِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ

وَقِيلَ: يُكَبِّرُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَقَالَ يَقُولُ " اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا: يَقُولُ عِنْدَ الْحَجَرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي ابْتِدَاءِ أَوَّلِ الطَّوَافِ وَهُوَ قَوْلُ " بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ " تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ " أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ إلَى فَرَاغِ الْأُسْبُوعِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَشْوَاطِ الرَّمَلِ فَقَطْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَيَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَقُولُ ذَلِكَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ آخِرَ طَوْفَةٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: يَقُولُ بَعْدَ الذِّكْرِ، عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ فِي بَقِيَّةِ الرَّمَلِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا " وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " فَلَمْ يَخُصَّهَا بِالدُّعَاءِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ

قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ ") وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَقُولُ فِي بَقِيَّةِ الرَّمَلِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا " وَفِي الْأَرْبَعَةِ " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ " وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكْثِرُ فِي بَقِيَّةِ رَمَلِهِ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمِنْهُ " رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِ لِلطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ " وَتَقَدَّمَ مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي بَقِيَّةِ الرَّمَلِ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْوَاطِ الْبَاقِيَةِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، وَأَنْ يَقِفَ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ، وَالْمِيزَابِ، وَعِنْدَ كُلِّ رُكْنٍ، وَيَدْعُو وَذَكَرَ أَدْعِيَةً تَخُصُّ كُلَّ مَكَان مِنْ ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ. فَائِدَةٌ: تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ لِلطَّائِفِ نَصَّ عَلَيْهِ وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَقَالَهُ الْآجُرِّيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: كُلٌّ وَعَنْهُ: تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِتَغْلِيطِ الْمُصَلِّينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُ الْقِرَاءَةُ إذَا غَلَّطَ الْمُصَلِّينَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ أَيْضًا: تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فِيهِ، لَا الْجَهْرُ بِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَفِيهَا قِرَاءَةٌ وَدُعَاءٌ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

وَقِيلَ: مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَتَى بِهِمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْقُدُومِ أَتَى بِهِ فِي الزِّيَارَةِ وَلَوْ رَمَلَ فِي الْقُدُومِ، وَلَمْ يَسْعَ عَقِبَهُ: إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ رَمَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الزَّاغُونِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَنَفَاهُمَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ فَائِدَةٌ: لَا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ لِلْحَامِلِ الْمَعْذُورِ عَلَى الصَّحِيحِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَرْمُلُ بِالْمَحْمُولِ انْتَهَى. [وَلَا يُسَنُّ الرَّمَلُ إذَا طَافَ أَوْ سَعَى رَاكِبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ، أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ فِيهِ] . قَوْلُهُ (وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا: أَجْزَأَ عَنْهُ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ الطَّوَافَ يُجْزِئُ مِنْ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ رَكِبَ لِعُذْرٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ رَكِبَ لِعُذْرٍ: أَجْزَأَ طَوَافُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ [وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ] وَالتَّلْخِيصِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَخِيرًا، وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: تُجْزِئُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حَكَاهَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ بَلْ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ» وَقَالَ هُوَ: إذَا حُمِلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى قُلْت: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِهِ وَرَدِّهِ: أَنْ لَا يَكُونَ نُقِلَ عَنْهُ، وَالْمُجْتَهِدُ هَذِهِ صِفَتُهُ وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّمَا طَافَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى بَعِيرِهِ لِيَرَاهُ النَّاسُ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: فَيَجِيءُ مِنْ هَذَا: لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِيَرَاهُ الْجُهَّالُ. فَائِدَةٌ: السَّعْيُ رَاكِبًا كَالطَّوَافِ رَاكِبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ [وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِالْجَوَازِ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ] وَأَمَّا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَتَحْرِيرُهُ: إنْ كَانَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَ قَوْلًا وَاحِدًا بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَمَّا قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي الطَّوَافِ رَاكِبًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَكَى الْخِلَافَ قَالَ: وَكَذَا الْمَحْمُولُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَخِيرًا، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ كَالطَّوَافِ رَاكِبًا

فَائِدَةٌ: إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا: لَمْ يَخْلُ عَنْ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنْ الْمَحْمُولِ فَتَخْتَصُّ الصِّحَّةُ بِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَا جَمِيعًا عَنْ الْحَامِلِ فَيَصِحُّ لَهُ فَقَطْ بِلَا رَيْبٍ. الثَّالِثُ: نَوَى الْمَحْمُولَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَامِلُ شَيْئًا فَيَصِحُّ عَنْ الْمَحْمُولِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْحَامِلِ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ. الرَّابِعُ: عَكْسُهَا نَوَى الْحَامِلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الْمَحْمُولُ شَيْئًا فَيَصِحُّ عَنْ الْحَامِلِ. الْخَامِسُ: لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَلَا يَصِحُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. السَّادِسُ: نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ: لَمْ يَصِحَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. السَّابِعُ: أَنْ يَقْصِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الطَّوَافُ عَنْ الْمَحْمُولِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: وَصِحَّةُ أَخْذِ الْحَامِلِ الْأُجْرَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهَا عَمَّا يَفْعَلُهُ عَنْ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا يُجْزِئُ مَنْ حَمَلَهُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَقَعُ عَنْهُمَا وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: يَقَعُ عَنْهُمَا لِعُذْرٍ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يَقَعُ عَنْ حَامِلِهِ

قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الطَّائِفُ وَقَدْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَافَ مُنَكِّسًا، أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ، أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّوَافِ، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ: لَمْ يُجْزِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ إذَا طَافَ عَلَى شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ لَا يَجْزِيهِ وَقَطَعُوا بِهِ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكَعْبَةِ بَلْ جُعِلَ عِمَادًا لِلْبَيْتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ مَسَّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ: صَحَّ لِأَنَّ مُعْظَمَهُ خَارِجٌ عَنْ الْبَيْتِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا قُلْت: وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ طَافَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، كَالْقُبَّةِ وَغَيْرِهَا: أَجْزَأَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ: لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ: احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ الْإِجْزَاءُ كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَصَدَ بِطَوَافِهِ غَرَضًا وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا حُكْمِيَّةٍ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً وَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي الضَّرُورَةِ: أَفْعَالُ الْحَجِّ لَا تَتْبَعُ إحْرَامَهُ، فَتَتَرَاخَى عَنْهُ وَيَنْفَرِدُ بِمَكَانٍ وَزَمَنٍ وَنِيَّةٍ فَلَوْ مَرَّ بِعَرَفَةَ، أَوْ عَدَا حَوْلَ الْبَيْتِ بِنِيَّةِ طَلَبِ غَرِيمٍ أَوْ صَيْدٍ: لَمْ يَجْزِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فِي الْوُقُوفِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا، أَوْ عُرْيَانًا، لَمْ يَجْزِهِ) إذَا طَافَ مُحْدِثًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: هُوَ كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي إبَاحَةِ النُّطْقِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ مِنْ نَاسٍ وَمَعْذُورٍ فَقَطْ، وَعَنْهُ يَصِحُّ مِنْهُمَا فَقَطْ، مَعَ جُبْرَانِهِ بِدَمٍ وَعَنْهُ يَصِحُّ مِنْ الْحَائِضِ تَجْبُرُهُ بِدَمٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ مَعْذُورٍ وَأَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ: هَلْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ لَهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: وَالتَّطَوُّعُ أَيْسَرُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَأَوَائِلِ بَابِ الْحَيْضِ فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: يَلْزَمُ النَّاسَ انْتِظَارُ الْحَائِضِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَقَطْ حَتَّى تَطُوفَ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ

الثَّانِيَةُ: لَوْ طَافَ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ: صَحَّ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: النَّجِسُ وَالْعُرْيَانُ كَالْمُحْدِثِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْدَثَ فِي بَعْضِ طَوَافِهِ، أَوْ قَطَعَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ ابْتَدَأَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الطَّائِفِ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ حُكْمُ الْمُصَلِّي إذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَيُبْطِلُهُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ مَعَ الْعُذْرِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا، أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ يُصَلِّي وَيَبْنِي كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ بِنَائِهِ مِنْ عِنْدِ الْحِجْرِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ فِي أَثْنَاءِ الشَّوْطِ نَصَّ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي نَفْسِ الطَّوَافِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِالْيَقِينِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: وَيَأْخُذُ أَيْضًا بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ انْتَهَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هُنَا: مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَيَأْخُذُ أَيْضًا بِقَوْلِ عَدْلٍ وَقَطَعَا بِهِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَكُونَا خَلْفَ الْمَقَامِ) هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَنْهُ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. فَائِدَةٌ: لَوْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ بَعْدَ الطَّوَافِ: أَجْزَأَ عَنْهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يُصَلِّيهِمَا أَيْضًا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَلَا مَسْحُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إجْمَاعًا قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا يَمَسُّهُ وَنَقَلَ الْفَضْلُ: يُكْرَهُ مَسُّهُ وَتَقْبِيلُهُ وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: فَإِذَا بَلَغَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ فَلْيَمَسَّ الصَّخْرَةَ بِيَدِهِ وَلْيُمَكِّنْ مِنْهَا كَفَّهُ وَيَدْعُو. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ وَفِي كِتَابِ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ. فَوَائِدُ. الْأَوْلَى: يَجُوزُ جَمْعُ أَسَابِيعَ ثُمَّ يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ قَطْعُ الْأَسَابِيعِ عَلَى شَفْعٍ، كَأُسْبُوعَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ إذَنْ ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ، وَالْمُوجِزِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ جَمَاعَةٌ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ سَعْيِهِ عَنْ طَوَافِهِ بِطَوَافٍ وَغَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فِي أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ وَجَهِلَهُ: لَزِمَهُ الْأَشَدُّ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَلَمْ تَصِحَّ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْهَا

فَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ وَيَكُونُ قَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ الطَّوَافُ لِلْحَجِّ عَنْ النُّسُكَيْنِ وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ مِنْ الْحَجِّ: لَزِمَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ السَّعْيِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ مُعْتَدٍ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَطِئَ بَعْدَ حِلِّهِ مِنْ الْعُمْرَةِ: حَكَمْنَا بِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَجًّا عَلَى عَمْرَةٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ وَيَلْغُو مَا فَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ الَّذِي قَصَدَهُ لِلْحَجِّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ وَدَمٌ لِلْوَطْءِ فِي عُمْرَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ إعَادَةِ أَكْثَرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَيَحْصُلُ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُتَفَرِّقَةً إلَّا، الْخُرُوجَ عَنْ الْمَسْجِدِ: النِّيَّةُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَتَكْمِيلُ السَّبْعِ وَجَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وَأَنْ لَا يَمْشِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَهُ وَأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيهِ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ خِلَافٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسُنَنُهُ: اسْتِلَامُ الرُّكْنِ، وَتَقْبِيلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ وَالْمَشْيُ فِي مَوَاضِعِهِ وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالطَّوَافُ مَاشِيًا، وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ خِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَّا مِنْ بَابِهِ وَيَسْعَى سَعْيًا، يَبْدَأُ بِالصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهِ، حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ فَيَسْتَقْبِلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ

قَوْلُهُ (يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) يَعْنِي يَقُولُ ذَلِكَ إذَا رَقَى عَلَى الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ: يُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، إلَى قَوْلِهِ " هَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُلَبِّي) يَعْنِي: بَعْدَ هَذَا الدُّعَاءِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُلَبِّي عَقِيبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّلْبِيَةَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيَدْعُو) اقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحَرَّرَ، وَجَمَاعَةٌ: الدُّعَاءَ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا، وَيَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْعَلَمَ) هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ " يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْعَلَمَ " مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَمْشِي إلَى أَنْ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ [وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إلَى الْعَلَمِ) هَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَعْنِي قَالُوا " يَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَرْمُلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إنْ كَانَ رَاكِبًا عِنْدَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ؟ فَائِدَةٌ: لَا يُجْزِئُ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ دَمٍ ذَكَرَهَا فِي الْمُذْهَبِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ مُطْلَقًا مَعَ دَمٍ ذَكَرَهَا الْقَاضِي وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَعَ السَّهْوِ وَالْجَهْلِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا مُسْتَتِرًا مُتَوَالِيًا) أَمَّا السُّتْرَةُ، وَالطَّهَارَةُ: فَسُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الطَّهَارَتَيْنِ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ وَقَالَ عَنْ السُّتْرَةِ: الْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقِيلَ: هُمَا فِي السَّعْيِ كَالطَّوَافِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ،

وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَعَنْهُ: أَنَّهَا شَرْطٌ كَالطَّوَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعُذْرِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي السَّعْيِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ وَضَعْفٌ وَقِيلَ: هِيَ شَرْطٌ فِيهِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَزَادَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: وَأَنْ لَا يُقَدِّمَ السَّعْيَ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ مَنْعَهُ عَنْ أَحْمَدْ وَذَكَرَ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ: أَنَّ سَعْيَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ سَكْرَانُ: كَوُقُوفِهِمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْأَفْضَلَ

أَنْ يُقَصِّر مِنْ شَعْرِهِ فِي الْعُمْرَةِ، لِيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَالْحَلْقُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، وَحَلَّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ قَدْ سَاقَ هَدْيًا فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحُجَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقِيلَ: يَحِلُّ كَمَنْ لَمْ يُهْدِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَهُ الْقَاضِي وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا: وَعَنْهُ لَهُ التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً، دُونَ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ بِهِ انْتَهَى وَعَنْهُ: إنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ: نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي مُوسَى: يَنْحَرُ وَيَحِلُّ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيُّ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ " فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا مَعًا نَصَّ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا هُنَاكَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَمَتِّعِ أَمَّا الْمُعْتَمِرُ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ يَحِلُّ، سَوَاءٌ كَانَ مُلَبِّدًا رَأْسَهُ أَوْ لَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ حَتَّى يَحُجَّ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا: قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا وَصَلَ الْبَيْتَ) وَكَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْهُ: يَقْطَعُهَا بِرُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَشَرَعَ فِي الطَّوَافِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَحَنْبَلٍ، وَالْأَثْرَمِ، وَأَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالثَّانِيَ عَلَيْهِ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَجَوَّزَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَالشَّارِحُ: شَرَحَ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالتَّلْبِيَةِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يُلَبِّي فِيهِ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُظْهِرُ التَّلْبِيَةَ فِيهِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لَا يُسْتَحَبُّ وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي: يُكْرَهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهٌ: يُسَنُّ، وَالسَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ تَنْبِيهٌ: وَأَمَّا وَقْتُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا " وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ "

باب صفة الحج

[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ] ِّ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي حَلَّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ بِمَكَّةَ: الْإِحْرَامُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: الْمَكِّيُّ يُهِلُّ إذَا رَأَى الْهِلَالَ؟ قَالَ: كَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ قَالَ الْقَاضِي: فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُهِلُّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحْرِمُ الْمُتَمَتِّعُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَوْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ: لَزِمَهُ دَمُ الْإِسَاءَةِ مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُحْرِمُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِهِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَحِلَّ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: الْمُتَمَتِّعُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَصَامَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ يَوْمَ السَّابِعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ فَيُعَايِي بِهَا فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ: مِنْ الْغُسْلِ، وَالتَّنْظِيفِ، وَالتَّجَرُّدِ عَنْ الْمَخِيطِ وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ: لَا يَطُوفُ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِوَدَاعِ الْبَيْتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو دَاوُد: لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُوَدِّعَهُ وَطَوَافُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى لِلْحَجِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَتَيْنِ

فَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ أَتَى بِهِ وَسَعَى بَعْدَهُ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ (مِنْ مَكَّةَ وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ: جَازَ) الْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ بِلَا نِزَاعٍ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِمَكَانٍ عَلَى غَيْرِهِ وَنَقَلَ حَرْبٌ: يُحْرِمُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ خِلَافَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ إلَّا فِي الْإِيضَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: يُحْرِمُ بِهِ مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ قُلْت: وَكَذَا قَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ. قَوْلُهُ (وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ جَازَ) يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْحَرَمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ مِيقَاتُ حَجِّهِ: مِنْ مَكَّةَ فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ: وَمَنْ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ لِحَجِّهِ مِنْهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: مِنْ الْحَرَمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ: لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ وَاجِبًا فَلَوْ أَحَلَّ بِهِ: كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إنْ مَرَّ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ مُضِيِّهِ إلَى عَرَفَةَ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَنْصُورٍ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَأَهْلُ مَكَّةَ، إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ: فَمِنْ مَكَّةَ "

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمَكَّةَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّهُ يَخْطُبُ، وَيُعْلِمُهُمْ مَا يَفْعَلُونَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارَ إلَى عَرَفَةَ فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ: غَيْرَ صَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقِيلَ: يُقِيمُ بِعَرَفَةَ وَقَالَ: فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَالَ: يُقِيمُ بِعُرَنَةَ بِالنُّونِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ قُلْت: وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَرَفَةُ تَصْحِيفًا مِنْ عُرَنَةَ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَمِرَةُ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِك إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ: وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ " أَقَامَ بِنَمِرَةَ وَقِيلَ: بِعَرَفَةَ " لَيْسَ بِجَيِّدٍ إذْ نَمِرَةُ مِنْ عَرَفَةَ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ مَنْ قَبْلَهُ

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَقَامَ بِنَمِرَةَ أَوْ بِعَرَفَةَ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقِيمُ بِنَمِرَةَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بِعَرَنَةْ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنَّ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: يُقِيمُ بِبَطْنِ نَمِرَةَ وَقِيلَ بِعَرَفَةَ وَقِيلَ: بِوَادِيهَا انْتَهَى فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فِيهَا الْوُقُوفَ وَوَقْتَهُ، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ يُقَصِّرُهَا وَيَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا نَصَّ عَلَيْهِ وَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ: هَلْ يُشْرَعُ الْأَذَانُ فِي الْجَمْعِ؟ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَتَقَدَّمَ فِي الْجَمْعِ: هَلْ يَجْمَعُ أَهْلُ مَكَّةَ وَيَقْصُرُونَ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ، وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ رَاكِبًا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ انْتَهَى

وَقِيلَ: الْكُلُّ سَوَاءٌ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْ الْجَوَابِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ رَاكِبًا ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فَيَتَوَجَّهُ: تَخْرِيجُ الْحَجِّ عَلَيْهِمَا يَعْنِي: هَلْ الْحَجُّ مَاشِيًا أَفْضَلُ أَوْ رَاكِبًا، أَوْ هُمَا سَوَاءٌ؟ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الْمَشْيُ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُبَّادِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَنَصُّهُ صَرِيحٌ فِي مَرِيضٍ بِحَجَّةٍ: يُحَجُّ عَنْهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ " هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت: الْمُسِنُّونَ تَحَرَّى مَوْقِفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَثْبُتْ فِي جَبَلِ الرَّحْمَةِ دَلِيلٌ انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَوَقَّتَ الْوُقُوفَ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ: وَقَّتَ الْوُقُوفَ مِنْ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَحَكَى رِوَايَةً، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ عَاقِلٌ: تَمَّ حَجَّهُ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ: فَاتَهُ الْحَجُّ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ وُقُوفُ السَّكْرَانِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا كَإِحْرَامٍ وَطَوَافٍ، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا وَقِيلَ: يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَعْنِي فِي قَوْلِهِ " وَهُوَ عَاقِلٌ " النَّائِمُ وَالْجَاهِلُ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ مَعَ نَوْمٍ وَجَهْلٍ بِهَا فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَصِحُّ مِنْ النَّائِمِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْجَاهِلِ بِهَا وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي النَّائِمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِيهِمَا وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْمَنَاسِكِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهُ مَعَ النَّوْمِ، دُونَ الْإِغْمَاءِ وَالْجَهْلِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَقَفَ بِهَا وَدَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) هَذَا الْمَذْهَب وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ كَوَاقِفٍ لَيْلًا وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ نَسِيَ نَفَقَتَهُ بِمِنًى وَهُوَ بِعَرَفَةَ يُخْبِرُ الْإِمَامَ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ ذَهَبَ وَلَا يَرْجِعُ قَالَ الْقَاضِي: فَرُخِّصَ لَهُ لِلْعُذْرِ وَعَنْهُ: يَلْزَمُ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ دَمٌ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الدَّمِ: إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: فَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي

مُفْرَدَاتِهِ فَإِنْ عَادَ إلَى الْمَوْقِفِ بَعْد الْغُرُوبِ أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: عَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ عَادَ مُطْلَقًا وَفِي الْوَاضِحِ: وَلَا عُذْرَ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبّ الدَّفْعُ مَعَ الْإِمَامِ فَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ: تَرَكَ السُّنَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ: وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ بِتَرْكِهِ دَمٌ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَاتِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ إنْ صَلَّى صَلَاةَ آمِنٍ فَقِيلَ: يُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ وَلَوْ فَاتَ الْوُقُوفَ قُلْت: وَفِيهِ بُعْدٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَمْنِهِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَالْأَوَّلَانِ احْتِمَالَانِ فِي الرِّعَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَاهَا لَيْلًا فَوَقَفَ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُزْدَلِفَةَ، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَكِيمٍ: وَيَكُونُ مُسْتَغْفِرًا

قَوْلُهُ (يَبِيتُ بِهَا فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ يَعْنِي مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ كَرُعَاةٍ وَسُقَاةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفَرْعِ: وَيَتَخَرَّجُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، مِنْ لَيَالِي مِنًى قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: وُجُوبُ الدَّمِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا لَيْلًا فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَافَاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ طَرِيقِهِ، أَوْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، أَوْ مِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ: جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَخْذَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ مِنًى وَيُكْرَهُ مِنْ الْحَرَمِ، وَتَكْسِيرُهُ أَيْضًا قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَمِنْ الْحَشِّ. قَوْلُهُ (وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ الْحِمَّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ، فَيَكُونُ قَدْرَ حَصَى الْخَذْفِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يُجْزِئُ حَجَرٌ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ، وَالْفَائِقُ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُجْزِئُهُ الرَّمْي بِالْكَبِيرِ مَعَ تَرْكِ السُّنَّةِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ خَالَفَ

وَرَمَى بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ الْحَجَرِيَّةِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْقَوْلَانِ فِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَعَنْهُ عَدَدُهُ سِتُّونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسِتَّةٍ وَعَنْهُ عَدَدُهُ خَمْسُونَ حَصَاةً فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِخَمْسَةٍ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَفِي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ " تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ) أَنَّهُ لَوْ رَمَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً: لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ صَحِيحٌ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَيُؤَدَّبُ عَلَى هَذِهِ الْغَفْلَةِ نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَوَائِدُ مِنْهَا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ حُصُولَ الْحَصَى فِي الْمَرْمَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَكْفِي ظَنُّهُ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا رِوَايَةً فِي الْخِصَالِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مَعَ الشَّكِّ أَيْضًا وَهُوَ وَجْهٌ أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا: لَوْ وَضَعَهَا بِيَدِهِ فِي الْمَرْمَى لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهَا: لَوْ طَرَحَهَا فِي الْمَرْمَى طَرْحًا: أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ بِهَا وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى حَصَاةً فَالْتَقَطَهَا طَائِرٌ قَبْلَ وُصُولِهَا: لَمْ يُجْزِهِ

قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ رَمَاهَا فَذَهَبَ بِهَا رِيحٌ عَنْ الْمَرْمَى قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ وَمِنْهَا: لَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ صُلْبٍ فِي غَيْرِ الْمَرْمَى، ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْمَرْمَى، أَوْ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَتْ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى: أَجْزَأَتْهُ وَمِنْهَا: لَوْ نَفَضَهَا مَنْ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبِهِ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى: أَجْزَأَتْهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّ حُصُولَهَا فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِ الثَّانِي قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُكَبِّرُ بَدَلًا عَنْ التَّلْبِيَةِ وَنَقَلَ حَرْبٌ: يَرْمِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَقُولُ " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا " قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقُولُ " أُرْضِي الرَّحْمَنَ، وَأُسْخِطُ الشَّيْطَانَ " قَوْلُهُ (وَيَرْفَعُ يَدَهُ يَعْنِي الرَّامِيَ بِهَا وَهِيَ الْيُمْنَى حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ) ذَكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْوَادِيَ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ يَرْمِيَ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَلَهُ رَمْيُهَا مِنْ فَوْقِهَا. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَهَا وَهُوَ مَاشٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ

عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَرْمِيهَا مَاشِيًا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: يَرْمِيهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا وَكَيْفَمَا شَاءَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ: رَمْيًا سَائِرَهَا مَاشِيَيْنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَفِي هَذَا بَيَانٌ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ وَغَيْرِهَا وَمَالَا إلَى أَنْ يَرْمِيَهُمَا رَاكِبًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَرْمِيهِمَا رَاكِبًا، إنْ كَانَ، وَالْأَكْثَرُ مَاشِيًا نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) هَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مَنْجَا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةُ، وَالْمُذْهَبَ، وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ. [وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ] وَتَقَدَّمَ آخِرَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: وَقْتُ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ إذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا قَوْلُهُ (فَإِنْ رَمَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ بِحَصًى، أَوْ بِحَجَرٍ قَدْ رَمَى بِهِ: لَمْ يُجْزِهِ) إذَا رَمَى بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ: لَمْ يُجْزِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِذَا رَمَى بِغَيْرِ الْحَصَى لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُ بِالْكُحْلِ وَالْجَوَاهِرِ الْمُنْطَبِعَةِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالْيَاقُوتِ، وَنَحْوِهِ

وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ بِغَيْرِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَعَنْهُ: إنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ " الْحَصَى " الْحَصَى الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ، وَالْكِدَانَ وَالْأَحْمَرَ مِنْ الْمَرْمَرِ وَالْبِرَامِ وَالْمَرْوِ وَهُوَ الصِّوَانُ وَالرُّخَامِ، وَحَجَرِ الْمِسَنِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْحَجَرِ الْمَعْهُودِ فَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَجَرِ الْكُحْلِ وَالْبِرَامِ وَالرُّخَامِ وَالْمِسَنِّ وَنَحْوِهَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْ إخْرَاجِ تُرَابِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ أَجْزَأَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ الْمَنْعُ هُنَا وَأَمَّا إذَا رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ: فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ فِي التَّصْحِيحِ: يُكْرَهُ الرَّمْيُ مِنْ الْجِمَارِ، أَوْ مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ، أَوْ مَكَان نَجِسٍ فَوَائِدُ. الْأَوْلَى: لَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِحَصًى نَجِسٍ عَلَى الصَّحِيحِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يُجْزِئُ بِنَجَسٍ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِي الْإِجْزَاءِ بِنَجَسٍ وَجْهٌ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ

وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ فِيهِ حَجَرٌ فَفِي الْإِجْزَاءِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْحَجَرَ تَبَعٌ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ الثَّالِثَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْحَصَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ صَحَّحَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَوْلُهُ (وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) بِلَا نِزَاعٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لِلرَّمْيِ فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: نَصُّهُ لِلرُّعَاةِ خَاصَّةً الرَّمْيُ لَيْلًا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُسَنُّ رَمْيُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ

فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يَرْمِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ: لَمْ يَرْمِ إلَّا مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَا يَقِفُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَحْلِقُ، أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ: أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَيَدْعُو وَقْتَ الْحَلْقِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ يُكَبِّرُ وَقْتَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ فَائِدَةٌ: الْأُولَى: أَنْ لَا يُشَارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِأَنَّهُ نُسُكٌ قَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ أَبُو حَكِيمٍ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا إنْ قَصَّرَ: فَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ رَأْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ قُلْت: هَذَا لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَلَا يَسْمَعُ النَّاسُ غَيْرَهُ وَتَقْصِيرُ كُلِّ شَعْرَةٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى وَلَا شَعْرَةٌ مُشْقٍ جِدًّا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَجِبُ التَّقْصِيرُ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِحَلْقِهِ وَعَنْهُ يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِهِ وَكَذَا تَقْصِيرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي التَّقْصِيرِ فَقَطْ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُجْزِئُ تَقْصِيرُ مَا نَزَلَ عَنْ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ شَعْرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَأْسًا، ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ فِي الْفُصُولِ تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الشَّعْرَ الْمَضْفُورَ وَالْمَعْقُوصَ وَالْمُلَبَّدَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْمُلَبَّدِ وَالْمَضْفُورِ وَالْمَعْقُوصِ لِيَحْلِقَ

قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ كُلِّهِ قُلْت: حَيْثُ امْتَنَعَ التَّقْصِيرُ مِنْهُ كُلِّهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ مُلَبَّدًا تَعَيَّنَ الْحَلْقُ فِي الْمَنْصُوصِ وَقَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَا يَتَعَيَّنُ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِي الْعَبْدِ يُقَصِّرُ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاحِهِ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُقَصِّرُ الْعَبْدُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَلَا يَحْلِقُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ) يَعْنِي فَأَقَلَّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَنْسَكِهِ: يَجِبُ تَقْصِيرُ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْمُسِنَّةُ لَهَا أُنْمُلَةٌ وَيَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهَا فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: وَلِحْيَتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَدِمَ الشَّعْرَ اُسْتُحِبَّ لَهُ إمْرَارُ الْمُوسَى قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ فِي خِتَانِهِ قُلْت: وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْعَبَثِ وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ عَنْ حَلْقِ رَأْسِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ،) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُهُ، وَابْنُ الزَّاغُونِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ: إلَّا النِّسَاءَ، وَعَقَدَ النِّكَاحَ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ

فَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ: حِلُّ الْعَقْدِ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ إلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرَجِ. قَوْلُهُ (وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَيَلْزَمُهُ فِي تَرْكِهِ دَمٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هُمَا نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَصَحُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي مُعْتَمِرٍ تَرَكَ الْحِلَاقَ وَالتَّقْصِيرَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ: الدَّمُ كَثِيرٌ، عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ دَمٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِعْلُ أَحَدِهِمَا وَاجِبٌ وَعَلَى الثَّانِي: غَيْرُ وَاجِبٍ. قَوْلُهُ (إنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا نُسُكٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ قَالَ ابْنُ مَنْجَا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَوْلَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى " الصَّحِيحُ: أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ أَخَّرَهُ

عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمَا: إنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَعْدَ الرِّوَايَةِ (وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ عَلَى قَوْلِنَا " الْحِلَاقُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ " لَا عَلَى قَوْلِنَا " هُوَ نُسُكٌ " وَيُؤَيِّدُهُ: قَوْلُهُ قَبْلُ " ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ " لِأَنَّ ظَاهِرَهُ: أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ مَعًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّحَلُّلَ بِلَفْظِ " ثُمَّ " بَعْدَ ذِكْرِ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ التَّحَلُّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ، أَوْ يُحَصِّلُهَا اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ: الرَّمْيُ، وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ إحْدَاهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي الْكَافِي: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ رَمْيٍ وَطَوَافٍ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْبَاقِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مَنْجَا وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الْحَلْقُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: بَلْ نُسُكٌ، كَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَيَحِلُّ قَبْلَهُ

قَالَ ابْنُ مَنْجَا: فِيهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نُسُكٌ: فِي جَوَازِ حِلِّهِ قَبْلَهُ رِوَايَتَانِ وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: وَإِنْ كَانَ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا: لَمْ يَحِلَّ هَذَا التَّحَلُّلَ إلَّا بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ وَالطَّوَافِ فَيَحِلُّ مِنْ الْكُلِّ وَهُوَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ، أَوْ النَّحْرِ، جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَذَا لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَوْ نَحَرَ قَبْلَ رَمْيِهِ (وَإِنْ كَانَ عَالِمًا، فَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ دَمٌ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَظَاهِرُهَا: يَلْزَمُ الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ دَمٌ أَيْضًا وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمَرُّوذِيِّ: يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً) يَعْنِي: يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعْلِمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ، وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: تَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ

قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ بُكْرَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ حَتَّى يُعَلِّمَهُمْ الرَّمْيَ وَالنَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَعَنْهُ لَا يَخْطُبُ نَصَرَهُ الْقَاضِي قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى: إذَا أَتَى الْمُتَمَتِّعُ مَكَّةَ: طَافَ لِلْقُدُومِ نَصَّ عَلَيْهِ كَعُمْرَتِهِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَكَذَا الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ نَصَّ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقِيلَ: لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَدَ الْأَوَّلُ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُهُ: بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ) يَعْنِي: وَقْتُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ: وَقْتُهُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى: جَازَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ مِنًى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: عَلَيْهِ دَمٌ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَةً بِوُجُوبِ الدَّمِ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ مِمَّا خَرَّجَهُ فِي الطَّوَافِ: مِثْلُهُ فِي السَّعْيِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يَكْتَفِي بِسَعْيِ عُمْرَتِهِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (أَوْ لَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى: لَمْ يَسْعَ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً بِأَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ سَعْيَانِ: سَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَسَعْيٌ عِنْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا السَّعْيُ فِي الْحَجِّ رُكْنٌ: وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا، وَلَمْ يَكُنْ سَعَا مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَهُ عَالِمًا: لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَأَعَادَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا: فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَإِنْ قُلْنَا: السَّعْيُ وَاجِبٌ، أَوْ سُنَّةٌ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قِيلَ: السَّعْيُ لَيْسَ رُكْنًا قِيلَ: سُنَّةٌ وَقِيلَ: وَاجِبٌ فَفِي حِلِّهِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ السَّعْيِ، لِإِطْلَاقِهِمْ الْإِحْلَالَ بَعْدَ الطَّوَافِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ فِعْلِهِ: رَجَعَ حَرَامًا حَتَّى يَطُوفَ وَلَوْ اسْتَمَرَّ: بَقِيَ مُحْرِمًا وَيَرْجِعُ مَتَى أَمْكَنَهُ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ وَزَادَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ

قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ وَيَأْتِي فِي الْوَاجِبَاتِ: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ قَوْلُهُ (وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إذَا رَمَى فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ: لَمْ يُجْزِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ: فَيَجُوزُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَوَّزَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الرَّمْيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا ثَالِثَ يَوْمٍ وَأَطْلَقَ فِي مَنْسَكِهِ أَيْضًا: أَنَّ لَهُ الرَّمْيَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَأَنَّهُ يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَالْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ ثُمَّ يَنْفِرُ وَعَنْهُ: يَجُوزُ رَمْيُ مُتَعَجِّلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْفِرُ بَعْدَهُ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ رَمَى عِنْدَ طُلُوعِهَا مُتَعَجِّلًا، ثُمَّ نَفَرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ دَمًا وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فَائِدَةٌ: آخِرُ وَقْتِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ: الْمَغْرِبُ وَيُسْتَحَبُّ الرَّمْيُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ فِي الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ (يَقِفُ وَيَدْعُو) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْجِمَارِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا)

قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ) يَعْنِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بَعْدَهَا الْوُسْطَى، ثُمَّ الْعَقَبَةَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَلَوْ نَكَسَ: لَمْ يُجْزِهِ وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مَعَ الْجَهْلِ. قَوْلُهُ (وَفِي عَدَدِ الْحَصَى رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: سَبْعٌ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ (وَالْأُخْرَى يُجْزِيهِ خَمْسٌ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ سَبْعٍ فَإِنْ نَقَصَ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ فَلَا بَأْسَ وَلَا يَنْقُصُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يُجْزِيهِ سِتٌّ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً ". قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى: لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ، دُونَ غَيْرِهِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَيْ مَعَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمَاهُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: أَجْزَأَ) بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونَ أَدَاءً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقِيلَ: يَكُونُ قَضَاءً وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى الْغَدِ: رَمَى رَمْيَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا: فَعَلَيْهِ دَمٌ)

إذَا أَخَّرَ الرَّمْيَ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَأْتِي بِهِ كَالْبَيْتُوتَةِ فِي مِنًى لَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ (أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا) فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَهُ الْقَاضِي وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْوَاجِبَاتِ. قَوْلُهُ (وَفِي حَصَاةٍ أَوْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ) إذَا تَرَكَ حَصَاةً: وَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ عَلَى مَا مَضَى فِي أَوَّلِ بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ: ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ وَعَنْهُ عَلَيْهِ دَمٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ضَعَّفَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْحَصَاةِ مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ، فَفِي الْحَصَاتَيْنِ: مَا فِي حَلْقِ شَعْرَتَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ: دَمٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَإِنْ قُلْنَا فِي الْحَصَاةِ دَمٌ فَفِي الْحَصَاتَيْنِ، وَالثَّلَاثِ: دَمٌ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَعَنْهُ فِي الْحَصَاتَيْنِ مَا فِي الثَّلَاثِ كَجَمْرَةٍ وَجِمَارٍ

وَعَنْهُ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِ حَصَاتَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الظَّاهِرُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا شَيْءَ فِي حَصَاةٍ وَلَا حَصَاتَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً وَاحِدَةً، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ فِيهَا مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نُسُكًا بِمُفْرَدِهَا، بِخِلَافِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالَ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ مَنْجَا فِي شَرْحِهِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: وُجُوبَ الدَّمِ وَعَنْهُ: تَرْكُ لَيْلَةٍ كَتَرْكِ لَيَالِي مِنًى كُلِّهَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَعَنْهُ عَلَيْهِ دَمٌ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَعَنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَجُوزُ لَهُمْ الرَّمْيُ لَيْلًا وَنَهَارًا تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى " أَنَّ غَيْرَهُمْ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ بِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: أَهْلُ الْإِعْذَارِ مِنْ غَيْرِ الرِّعَاءِ كَالْمَرْضَى، وَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، وَنَحْوَهُمْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الرِّعَاءِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَكَذَا خَوْفُ فَوَاتِ مَالِهِ، وَمَوْتِ مَرِيضٍ قُلْت: هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى فِي يَدِ النَّائِبِ لِيَكُونَ لَهُ عَمَلٌ فِي الرَّمْيِ انْتَهَى وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ: لَمْ تَنْقَطِعْ النِّيَابَةُ.

قَوْلُهُ (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ: خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ، لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمْيٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَدْفِنُ بَقِيَّةَ الْحَصَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا، قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأُولَى قُلْت: لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ لَهُ طَرْحُهُ وَدَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى فَعَلَى الْأَوَّلِ: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ يَدْفِنُهُ فِي الْمَرْمَى وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ، كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: مُرِيدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا: لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ الرَّمْيُ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَنْهُ أَوْ قَبْلَهُ أَيْضًا وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضًا قَرِيبًا وَهَذَا النَّفْرُ الثَّانِي فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ، لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قُلْت: فَيُعَايِي بِهَا تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ) يَقْتَضِي: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، سَوَاءٌ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ أَوْ بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (فَإِذَا وَدَّعَ الْبَيْتَ ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي تِجَارَةٍ، أَوْ أَقَامَ: أَعَادَ الْوَدَاعَ) إذَا وَدَّعَ ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي تِجَارَةٍ: أَعَادَ الْوَدَاعَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ وَنَحْوِهِ: أَعَادَ الْوَدَاعَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ قَضَى حَاجَةً فِي طَرِيقِهِ: لَمْ يُعِدْ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ تَشَاغَلَ فِي طَرِيقِهِ بِشِرَاءِ زَادٍ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُعِدْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: إنْ قَضَى حَاجَتَهُ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ اشْتَرَى زَادًا فِي طَرِيقِهِ: لَمْ يُعِدْ زَادَ فِي الْكُبْرَى: أَوْ صَلَّى فَوَائِدُ مِنْهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَيْنِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ وَمِنْهَا: يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ، وَالْحِجْرِ مِنْهُ وَيَكُونُ حَافِيًا، بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ وَلَا سِلَاحٍ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي الْفُنُونِ: تَعْظِيمُ دُخُولِ الْبَيْتِ فَوْقَ الطَّوَافِ: يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْعِلْمِ انْتَهَى وَمِنْهَا: النَّظَرُ إلَى الْبَيْتِ عِبَادَةٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: وَكَذَا رُؤْيَتُهُ لِمَقَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَوَاضِعِ الْأَنْسَاكِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ: أَجْزَأَ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ

وَعَنْهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْهُ فَيَطُوفُ لَهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ: لَمْ يُجْزِهِ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ حَيْثُ اقْتَصَرُوا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى] وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُجْزِيهِ، كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ وَلَمْ أَرَ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ مُوَافِقًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ) إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ، وَكَانَ قَرِيبًا فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ، إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ رَجَعَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ دَمٌ فِي الْمَنْصُوصِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُ الدَّمِ عَنْ الْبَعِيدِ بِرُجُوعِهِ كَالْقَرِيبِ، وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ: مِنْ مِثْلِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ مِنْ الْحَرَمِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ لِلْقَرِيبِ: فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَمَتَى رَجَعَ الْقَرِيبُ: لَمْ يَلْزَمْهُ إحْرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: كَرُجُوعِهِ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَإِنْ رَجَعَ الْبَعِيدُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لُزُومًا وَيَأْتِي بِهَا وَبِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ وَدَّعَ ثُمَّ أَقَامَ بِمِنًى، وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ: يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ

وَإِنْ خَرَجَ غَيْرَ حَاجٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا: لَا يُوَدِّعُ انْتَهَى تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ " كُلَّ حَاجٍّ سَوَاءٌ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: أَهْلُ الْحَرَمِ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ (إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا) بِلَا نِزَاعٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَطْهُرْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ: لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِلْوَدَاعِ وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ: لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقَصِّرِ بِالتَّرْكِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْوَدَاعِ: وَقَفَ فِي الْمُلْتَزَمِ، بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ: أَنَّهُ يَأْتِي الْحَطِيمَ أَيْضًا وَهُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ فَيَدْعُو وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَنَقَلَ حَرْبٌ: إذَا قَدِمَ مُعْتَمِرًا، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ فَإِنْ الْتَفَتَ وَدَّعَ نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى النَّدْبِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيُّ: لَا يُوَلِّي ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يُسَنُّ لَهُ الْمَشْيُ الْقَهْقَرَى بَعْدَ وَدَاعِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: ثُمَّ يَأْتِي الْمُحَصَّبَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمُغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ يَهْجَعُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي قَوْلُهُ

(فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ: اُسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: نَقَلَ صَالِحٌ، وَأَبُو طَالِبٍ: إذَا حَجَّ لِلْفَرْضِ: لَمْ يَمُرَّ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ إذَا حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ كَانَ فِي سَبِيلِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا: بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ حَالَ زِيَارَتِهِ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدْعُو ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: قَرُبَ مِنْ الْحُجْرَةِ أَوْ بَعُدَ: انْتَهَى قُلْت: الْأَوْلَى الْقُرْبُ قَطْعًا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَيَدْعُو قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُكْرَهُ قَصْدُ الْقُبُورِ لِلدُّعَاءِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ وُقُوفُهُ أَيْضًا عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحَبُّ تَمَسُّحُهُ بِقَبْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: بَلْ يُكْرَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يَدْنُو مِنْهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ، بَلْ يَقُومُ حِذَاءَهُ فَيُسَلِّمُ وَعَنْهُ يَتَمَسَّحُ بِهِ وَرَخَّصَ فِي الْمِنْبَرِ

قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُ: وَلْيَأْتِ الْمِنْبَرَ فَيَتَبَرَّكُ بِهِ تَبَرُّكًا بِمَنْ كَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ (مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ: خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ مِنْهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إحْرَامَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَهْلَ الْحَرَمِ: يَصِحُّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ كَانَ بِمَكَّةَ غَيْرُ أَهْلِهَا، وَأَرَادَ عُمْرَةً وَاجِبَةً: فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْلًا: فَمِنْ أَدْنَى الْحِلِّ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ فِي قَوْلِهِ " وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ فَمِنْ الْحِلِّ " قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَوَاقِيت وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ الْكُلُّ سَوَاءٌ

وَمَا اسْتَحْضَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: فِي الْمُغْنِي، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدَهُ وَالْأَفْضَلُ بَعْدَهُمَا: الْحُدَيْبِيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ فِي الْمَكِّيِّ: أَفْضَلُهُ الْبُعْدُ هِيَ عَلَى قَدْرِ تَعَبِهَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: مُرَادُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْأَفْضَلُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ: مَا بَعُدَ نَصَّ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ التَّنْعِيمِ " هُوَ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا كُلُّهُ سَاقِطٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يُجْزِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيَنْعَقِدُ عَلَيْهِ دَمٌ) بِعَقْدِ إحْرَامِهِ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ الْحَرَمِ: لَزِمَهُ دَمٌ وَيُجْزِئُهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِهَا وَكَذَا بَعْدَهُ، كَإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِ الْحَجِّ وَلَنَا قَوْلٌ: لَا انْتَهَى وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ، مُعْتَمِرًا: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَقِيلَ: إنْ أَحْرَمَ بِهَا مَكِّيٌّ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَرَمِ: خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِهَا، وَقِيلَ: قَبْلَ إتْمَامِهَا، وَعَادَ فَأَتَمَّهَا: كَفَتْهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْرَامِهِ دُونَ مِيقَاتِهَا وَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا: فَفِي إجْزَائِهَا وَجْهَانِ انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُج حَتَّى أَتَمَّ أَفْعَالَهَا: فَوَجْهَانِ الْمَشْهُورُ: الْإِجْزَاءُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: وُجُودُ هَذَا الطَّوَافِ كَعَدَمِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسْعَى وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ كَذَلِكَ كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ

وَإِنْ وَطِئَ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَقْضِيهَا بِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ وَيُجْزِئُهُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَ بِدَمٍ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ثُمَّ قَدْ حَلَّ وَهَلْ مَحِلُّهُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ: الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْحَجّ: هَلْ الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ نُسُكٌ فَالصَّحِيحُ هُنَا: أَنَّهُ نُسُكٌ فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ فَيَحِلُّ قَبْلَ فِعْلِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَيَأْتِي فِي وَاجِبَاتِ الْعُمْرَةِ: أَنَّ الْحِلَاقَ أَوْ التَّقْصِيرَ وَاجِبٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ، وَالْعُمْرَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ فِي صِفَةِ الْقِرَانِ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ: فَتُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ

وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا تُجْزِئُ عَنْ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ الْإِكْثَارِ مِنْهَا، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ شَاءَ كُلَّ شَهْرٍ وَقَالَ أَيْضًا: لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ الْحَلْقُ وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَمَنْ كَرِهَ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُ: إذَا عَرَضَ بِالطَّوَافِ، وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ، خِلَافًا لِشَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مَا شَاءَ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي رَمَضَانَ لِأَنَّهَا فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ إذَا كَانَ تَطَوُّعًا، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا صَحَابِيٌّ عَلَى عَهْدِهِ إلَّا عَائِشَةَ لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ: الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هِيَ فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً قَالَ: وَهِيَ حَجٌّ أَصْغَرُ الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِيهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةِ التَّسْوِيَةِ

قُلْت: اخْتَارَ فِي الْهُدَى: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُر الْحَجِّ أَفْضَلُ وَمَالَ إلَى أَنَّ فِعْلَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي رَمَضَانَ الرَّابِعَةُ: لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يَعْتَمِرُ مَتَى شَاءَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً: تُكْرَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: زَادَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: تُكْرَهُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَالَ: وَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ مِيقَاتِهَا: لَمْ تَصِحَّ فِي وَجْهٍ. قَوْلُهُ (أَرْكَانُ الْحَجِّ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا فَلَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ: رَجَعَ مُعْتَمِرًا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ وَرَجَعَ لِبَغْدَادَ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ عَلَى نِيَّةِ إحْرَامِهِ فَإِنْ وَطِئَ: أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ، عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَنَقَلَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَدَّمَ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ السَّعْيُ وَالْإِحْرَامُ رُكْنَيْنِ عَلَى الْمُقَدَّمِ عَنْهُ أَمَّا السَّعْيُ: فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ: هُوَ رُكْنٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ سُنَّةٌ وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: هُوَ وَاجِبٌ اخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمَذْهَبِ وَأَمَّا الْإِحْرَامُ وَهُوَ النِّيَّةُ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ فَيَحْتَمِلُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ نَقَلَهُ فِي التَّلْخِيصِ

وَحَكَاهَا فِي الْفَائِقِ وَقَالَ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهَا التَّمِيمِيُّ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْفُرُوعِ وَعَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ وَعَنْهُ أَنَّهُ شَرْطٌ حَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ عَنْهُ: إنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ وَالْأَشْبَهُ: أَنَّهُ كَذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى: قَاسَ الْإِحْرَامَ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ: شَرْطٌ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ شَرْطًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَجُوزُ فِعْلُهُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا، كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ هُنَا " لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّهُ شَرْطٌ " يَعْنِي عَنْ أَحْمَدَ وَإِلَّا كَانَ كَلَامُهُ مُتَنَاقِضًا وَأَطْلَقَ رِوَايَةَ الشَّرْطِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مَا ظَاهِرُهُ: رِوَايَةُ جَوَازِ تَرْكِهِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَهُوَ سُنَّةٌ وَقَالَ: الْإِهْلَالُ فَرِيضَةٌ وَعَنْهُ سُنَّةٌ. قَوْلُهُ (وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) بِلَا نِزَاعٍ، إنْشَاءً وَدَوَامًا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْإِنْشَاءُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ) مُرَادُهُ: إذَا وَقَفَ نَهَارًا فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ

قَوْلُهُ (وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) مُرَادُهُ: إذَا وَافَاهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا جَاءَهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاسْتَثْنَى الْخِرَقِيُّ مِنْ ذَلِكَ الرُّعَاةَ، وَأَهْلَ السِّقَايَةِ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ مَبِيتًا بِمُزْدَلِفَةَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِمَا إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ، حَيْثُ شَرَحَ الْخِرَقِيُّ قَوْلُهُ (وَالْمَبِيتُ بِمِنًى) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ سُنَّةٌ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَا يَجِبُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِهَا فِي لَيَالِيهَا، أَوْ فِي لَيْلَةٍ. قَوْلُهُ: (وَالرَّمْيُ) بِلَا نِزَاعٍ وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا وَقَدَّمَ أَنَّهُ: هُوَ شَرْطٌ، أَمْ لَا؟ أَوْ مَعَ الْجَهْلِ قَوْلُهُ (وَالْحِلَاقُ) مُرَادُهُ: أَوْ التَّقْصِيرُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَتَقَدَّمَ: هَلْ هُوَ نُسُكٌ، أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ؟ قَوْلُهُ (وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَجِبُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَيَطُوفُهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى، أَوْ مِنْ نَفْرٍ آخَرَ

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَمَتَى أَرَادَ الْحَاجُّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ: لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ. فَائِدَةٌ: طَوَافُ الْوَدَاعِ: هُوَ طَوَافُ الصَّدْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: الصَّدْرُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ (وَمَا عَدَا هَذَا سُنَنٌ) مَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ مِنْهَا: الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَجِبُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَمِنْهَا: الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبَانِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا نَسِيَ الرَّمَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِنْهَا: طَوَافُ الْقُدُومِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ بْنُ حَرْبٍ: هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ وَمِنْهَا: الدَّفْع مِنْ عَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَطَعَ الْخِرَقِيُّ: أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا بِتَرْكِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ: الطَّوَافُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَفِي الْإِحْرَامِ وَالسَّعْيِ رِوَايَتَانِ)

باب الفوات والإحصار

اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا فِي السَّعْيِ وَالْإِحْرَامِ وَفِي الْإِحْرَامِ أَيْضًا مِنْ الْمِيقَاتِ كَالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْحَجِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، نَقْلًا وَمَذْهَبًا هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: أَرْكَانُهَا الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: السَّعْيُ فِي الْعُمْرَةِ رُكْنٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهَا أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِرُكْنَيْنِ كَالْحَجِّ قَوْلُهُ (وَوَاجِبَاتُهَا: الْحِلَاقُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الْحَجِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ قَوْلُهُ (فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ) كَذَا لَوْ تَرَكَ النِّيَّةَ لَهُ: لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الرُّكْنُ إلَّا بِهَا (وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَلَوْ كَانَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَتَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ: خِلَافٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ كَامِلًا كَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا وَنَحْوِهِ كَذَا تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَرَكَهُ جَهْلًا. [بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ] ِ قَوْلُهُ (وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ: فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لِعُذْرِ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ قَوْلُهُ (وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عُمْرَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ ذَكَرَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ

إحْرَامُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَا: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَارِنًا وَغَيْرَهُ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّيْخَانِ قَالَ: فَعَلَى هَذَا صَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ إحْرَامَهُ يَنْقَلِبُ بِمُجَرَّدِ الْفَوَاتِ إلَى عُمْرَةٍ قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ " وَيُجْعَلُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً " أَرَادَ: أَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمُعْتَمِرِ، مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ وَيَلْزَمُهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ: مِنْ مَبِيتٍ، وَرَمْيٍ وَغَيْرِهِمَا وَيَقْضِيهِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: دَخَلَ إحْرَامُ الْحَجِّ فَقَطْ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ، أَنَّهُ إذَا صَارَتْ عُمْرَةً: جَازَ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا فَيَصِيرُ قَارِنًا وَإِذَا لَمْ تَصِرْ عُمْرَةً: لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الْقَاضِي بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إحْرَامُ الْحَجِّ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَصَارَ قَارِنًا، وَاحْتَجَّ ابْنُ عَقِيلٍ: بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بَقَاؤُهُ: لَجَازَ أَدَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ وَبِأَنَّ الْإِحْرَامَ: إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً فَأَمَّا عَمَلُ عُمْرَةٍ فَلَا فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَتْ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ وَقِيلَ: تُجْزِئُ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامًا بِعُمْرَةٍ، بِحَيْثُ يُجْزِيهِ

عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا: لَصَارَ قَارِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا بِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَلَبَ الْحَجَّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَلِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَمَعَ الْحَاجَةِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا) إنْ كَانَ فَرْضًا: وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِيمَا إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْفَرْضِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَذْهَبُ لُزُومُ قَضَاءِ النَّفْلِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِيمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ لَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا هَدْيَ عَلَيْهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا نَصَّ عَلَيْهِ وَيَذْبَحُ الْهَدْيَ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ، إنْ قُلْنَا عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِلَّا ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ كَانَ قَدْ سَاقَ هَدْيًا نَحَرَهُ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ دَمِ الْفَوَاتِ وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يُجْزِيهِ إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَتَى يَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: وَجَبَ فِي سَنَتِهِ وَلَكِنْ يُؤَخَّرُ إخْرَاجُهُ إلَى قَابِلٍ وَالثَّانِي: لَمْ يَجِبْ إلَّا فِي سَنَةِ الْقَضَاءِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ عَلَى الْأَصَحِّ قِيلَ: مَعَ الْقَضَاءِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي عَامِهِ دَمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَبْحٌ إلَّا مَعَ الْقَضَاءِ، إنْ وَجَبَ قِيلَ تَحَلُّلُهُ مِنْهُ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَإِلَّا فِي عَامِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُخْرِجُهُ فِي سُنَّةِ الْفَوَاتِ فَقَطْ إنْ سَقَطَ الْقَضَاءُ وَإِنْ وَجَبَ فَمَعَهُ لَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ وَجَبَ سُنَّةُ الْفَوَاتِ فِي وَجْهٍ، أَوْ سُنَّةُ الْقَضَاءِ انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ فَائِدَةٌ " الْهَدْيُ " هُنَا: دَمٌ وَأَقَلُّهُ شَاةٌ هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِهِ وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ الْوُجُوبِ: صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمًا وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفِدْيَةِ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اخْتَارَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ، لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا: حَلَّ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ مِنْ قَابِلٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُجْزِئَهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ عِنْدَ ذِكْرِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ: أَنَّ دَمَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ إذَا قَضَى قَارِنًا، وَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَلْيُعَاوِدْ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ: أَجْزَأَهُمْ) سَوَاءٌ كَانَ وُقُوفُهُمْ يَوْمَ الثَّامِنِ أَوْ الْعَاشِرِ نَصَّ عَلَيْهِمَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَلْ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ: اسْمٌ لَمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ، أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ قَالَ: وَالثَّانِي الصَّوَابُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ أَخْطَئُوا لِغَلَطٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ: لَمْ يُجْزِ إجْمَاعًا فَلَوْ اُغْتُفِرَ الْخَطَأُ لِلْجَمِيعِ لَا يُغْتَفَرُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ وَمَنْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الرَّائِي مِنْ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، أَوْ بِمَكَانٍ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ

الْمَطَالِعُ: فَقَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فِي الْحَجِّ فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وُقُوفٌ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ لَا سِيَّمَا مَنْ يَرَاهُ قَالَ: وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ إنْ أَخْطَئُوا وَالْغَلَطُ فِي الْعَدَدِ فِي الرُّؤْيَةِ وَالِاجْتِهَادِ مَعَ الْإِغْمَامِ أَجْزَأَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ وَقِيلَ: هُوَ كَحَصْرِ الْعَدُوِّ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ " هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ " إنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ " وَفِي التَّعْلِيقِ فِيمَا إذَا أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ قَالَ " الْعَدَدُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ " قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ: إنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: إنَّ " النَّفَرَ " مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَقِيلَ " النَّفَرُ " فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] سَبْعَةٌ وَقِيلَ: تِسْعَةٌ وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّفَرَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، وَمَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آمِنٌ إلَى الْحَجِّ، وَلَوْ بَعُدَتْ وَفَاتَ الْحَجُّ: ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ، وَحَلَّ) يَعْنِي يَتَحَلَّلُ بِنَحْرِ هَدْيِهِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهِ وُجُوبًا فَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ هُنَا لِلتَّحَلُّلِ وَلَمْ تُعْتَبَرْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَالْمُحْصَرُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إكْمَالِهَا وَالذَّبْحُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِ الْحِلِّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ أَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ

وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الْمُحْصَرِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ: أَتَى بِالطَّوَافِ وَتَمَّ حَجُّهُ قَوْلُهُ (ذَبَحَ هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي: فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَوْضِعُهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيُوَاطِئُ رَجُلًا عَلَى نَحْرِهِ فِي وَقْتٍ يَتَحَلَّلُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ كَانَ حَصْرُهُ خَاصًّا فَأَمَّا الْحَصْرُ الْعَامُّ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ أَحَدٌ وَعَنْهُ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ، إذَا كَانَ مُفْرِدًا أَوْ كَانَ قَارِنًا وَيَكُونُ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَذَلِكَ مَنْ سَاقَ هَدْيًا لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَنْحَرُ الْهَدْيَ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِذَبْحِهِ التَّحَلُّلَ بِهِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَهُ النِّيَّةُ، طَلَبًا لِلتَّمْيِيزِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " ذَبَحَ هَدْيًا " يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ يَلْزَمُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ هَدْيٌ فَائِدَةٌ : لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إنْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِهِ، فَعَلَيْهِ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِتَحَلُّلِهِ، وَهَدْيٌ لِفَوَاتِهِ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " ذَبَحَ هَدْيًا وَحَلَّ " أَنَّ الْحِلَّ مُرَتَّبٌ عَلَى الذَّبْحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَنْهُ فِي الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ: لَا يَحِلُّ إلَّا يَوْمُ النَّحْرِ لِيَتَحَقَّقَ الْفَوَاتُ

الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ حَلَّ) أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ فِيهِ إطْعَامٌ وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَوَّمَهُ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ وَأَحَبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ: حَلَّ ثُمَّ صَامَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفِدْيَةِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ حَصَرَ عَنْ فِعْلٍ وَاجِبٍ: لَمْ يَتَحَلَّلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لَهُ وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ فِيمَنْ حَصَرَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ الثَّانِي: يَتَحَلَّلُ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَهُ التَّحَلُّلُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ التَّحَلُّلُ لِحَاجَةٍ فِي الدَّفْعِ إلَى قِتَالٍ، أَوْ بَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَالْعَدُوُّ مُسْلِمٌ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ بَذْلِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ بَذْلُهُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ وَمَعَ كُفْرِ الْعَدُوِّ يُسْتَحَبُّ قِتَالُهُمْ إنْ قَوِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْحِلَاقَ أَوْ التَّقْصِيرَ لَا يَجِبُ هُنَا وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْحَرَمِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُهُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ، أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ

وَجَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَا الرِّوَايَتَيْنِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَلْقِ: هَلْ هُوَ نُسُكٌ، أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ؟ وَقَدَّمَ الْوُجُوبَ فِي الرِّعَايَةِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ) وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُحْصَرِ رِوَايَتَانِ) إذَا زَالَ الْحَصْرُ بِعَدَمِ تَحَلُّلٍ وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ: لَزِمَهُ فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي إذَا كَانَ نَفْلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ " وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ " إحْدَاهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ نَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ، وَأَبُو طَالِبٍ وَخَرَجَ مِنْهَا فِي الْوَاضِحِ مِثْلُهُ فِي مَنْذُورَةٍ فَائِدَةٌ : مِثْلُ الْمُحْصَرِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ: مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ

قَوْلُهُ (فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ، دُونَ الْبَيْتِ: تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هُوَ كَمَنْ مُنِعَ مِنْ الْبَيْتِ وَعَنْهُ هُوَ كَحَصْرِ مَرَضٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ: لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَنْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ: مِثْلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مَقَامُهَا، وَحَرُمَ طَوَافُهَا وَرَجَعَتْ، وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا يَتَحَلَّلُ فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَنْحَرُ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ إلَّا بِالْحَرَمِ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ وَفِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَأَوْجَبَ الْآجُرِّيُّ الْقَضَاءَ هُنَا وَمِنْهَا: يَقْضِي الْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ قَضَاؤُهُ فِي رَقِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَمِنْهَا: يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْقَضَاءُ كَالْبَالِغِ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَصِحُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الصَّبِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا فَلْيُعَاوِدْ وَمِنْهَا: لَوْ أُحْصِرَ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ فَإِنْ حَلَّ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ، وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ: فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أُفْسِدَ الْحَجُّ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ جَازَ طَوَافُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ، لَصَحَّ إذَنْ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطُوفُ وَيَسْعَى فِيهِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَمْضِي فِيهَا وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنْهُ؟ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ لَبَّى بِحَجَّتَيْنِ: لَا يَكُونُ إهْلَالٌ بِشَيْئَيْنِ لِأَنَّ الرَّمْيَ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْصَرِ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي: فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ: أَنَّهُ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ.

باب الهدي والأضاحي

[بَابُ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ] ِّ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا: الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ) يَعْنِي: إذَا خَرَجَ كَامِلًا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا: الْأَسْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا ثُمَّ الْأَشْهَبُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ ثُمَّ الْأَسْوَدُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَ فِيهَا الْبِيضَ ثُمَّ الشُّهْبَ ثُمَّ الصُّفْرَ ثُمَّ الْعُفْرَ، ثُمَّ الْبُلْقَ، ثُمَّ السُّودَ وَقِيلَ: عَفْرَاءُ خَيْرٌ مِنْ سَوْدَاءَ، وَبَيْضَاءُ خَيْرٌ مِنْ شَهْبَاءَ قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَكْرَهُ السَّوَادَ وَقَالَ فِي الْكَافِي: أَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ ثُمَّ مَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا فَائِدَةٌ " الْأَشْهَبُ " هُوَ الْأَمْلَحُ قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ " الْأَشْهَبُ " هُوَ الْأَبْيَضُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " الْأَمْلَحُ " مَا بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ فَوَائِدُ مِنْهَا: جَذَعُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِالضَّأْنِ وَقَالَ: الثَّنِيُّ أَفْضَلُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْفَائِقِ وَمِنْهَا: كُلٌّ مِنْ الْجَذَعِ وَالثَّنِيُّ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ بَعِيرٍ، وَسُبْعِ بَقَرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا وَمِنْهَا: سَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ وَهَلْ الْأَفْضَلُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ كَالْعِتْقِ أَوْ الْمُغَالَاةِ فِي الثَّمَنِ، أَوْ الْكُلُّ سَوَاءٌ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَالْعَدَدُ أَفْضَلُ نَصًّا

وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: بَدَنَتَانِ سَمِينَتَانِ بِتِسْعَةٍ، وَبَدَنَةٌ بِعَشَرَةٍ؟ قَالَ: ثِنْتَانِ أَعْجَبُ إلَيَّ وَرَجَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَفْضِيلَ الْبَدَنَةِ السَّمِينَةِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ عَشْرَةَ: فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد حَدِيثٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: الذَّكَرُ أَفْضَلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: الْأُنْثَى أَفْضَلُ قَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ قُلْت: الْأَسْمَنُ وَالْأَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْفَضْلِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْخَصِيُّ رَاجِحٌ عَلَى النَّعْجَةِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْخَصِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ النَّعْجَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْكَبْشُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنَمِ لِأَنَّهَا أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِمَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ، لِمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ، إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِقِصَّةِ أَبِي بُرْدَةَ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك " أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ

قَوْلُهُ (وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَلِلْجَذَعِ ثَمَانُ شُهُورٍ قَوْلُهُ (وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَمِنْ الْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لِثَنِيِّ الْإِبِلِ سِتُّ سِنِينَ كَامِلَةً وَلِثَنِيِّ الْبَقَرِ: ثَلَاثُ سِنِينَ كَامِلَةً وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجِيءُ أَعْلَى سِنًّا مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُجْزِئُ أَعْلَى سِنًّا التَّنْبِيهُ: وَبِنْتُ الْمَخَاضِ عَنْ وَاحِدٍ وَحُكِيَ رِوَايَةً وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: جَذَعُ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ عَنْ وَاحِدٍ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: أَتُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثٍ؟ قَالَ: يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: تُجْزِئُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَنْ وَاحِدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: تُجْزِئُ بِنْتُ الْمَخَاضِ عَنْ وَاحِدٍ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْزِئُ بَقَرُ الْوَحْشِ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُجْزِئُ فِي هَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ: يُجْزِئُ قَوْلُهُ (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ الْوَاحِدِ) بِلَا نِزَاعٍ وَتُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ: فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْإِجْزَاءِ

قَوْلُهُ (وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمْ الْقُرْبَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ ذِمِّيًّا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ قَالَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ لِلْقَاضِي: الشَّرِكَةُ فِي الثَّمَنِ تُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْطًا مِنْ اللَّحْمِ وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهَا إفْرَازٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ، عَلَى الْمَنْعِ، إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَهُمْ قِسْمَتُهَا إنْ جَازَ إبْدَالُهَا وَقِيلَ: أَوْ حَرُمَ وَقُلْنَا: هِيَ إفْرَازُ حَقٍّ وَإِلَّا مَلَّكَهُ رَبُّهُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَبَاعُوهُ إنْ شَاءُوا انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: نَقَلَ أَحْمَدُ فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا فِي بَدَنَةِ أُضْحِيَّةٍ، وَقَالُوا: مَنْ جَاءَنَا يُرِيدُ أُضْحِيَّةً شَارَكْنَاهُ فَجَاءَ قَوْمٌ فَشَارَكُوهُمْ قَالَ: لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: مِنْ الْأَصْحَابِ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَجَوَّزَ الشَّرِكَةَ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَمَنَعَ مِنْهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ قُلْت: وَهَذَا اخْتِيَارُ الشِّيرَازِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الِاعْتِبَارُ أَنْ يَشْتَرِك الْجَمِيعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي بَقَرَةٍ وَذَكَرَ مَعْنَى النَّصِّ لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لِلتَّضْحِيَةِ فَذَبَحُوهَا عَلَى أَنَّهُ سَبْعَةٌ، فَبَانُوا ثَمَانِيَةً: ذَبَحُوا شَاةً وَأَجْزَأَتْهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي مَوْضِعٍ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ

وَنَقَلَ مُهَنَّا تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ وَيَرْضَوْنَ الثَّامِنَ وَيُضَحِّي وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تُجْزِئُ عَنْ الثَّامِنِ وَيُعِيدُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ عَلَى الشُّيُوعِ: أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ أَشْبَهَ الْوَجْهَيْنِ الْإِجْزَاءُ فَقَاسَهُ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ الرَّابِعَةُ: لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سُبْعَ بَقَرَةٍ ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ، عَلَى أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ: لَمْ يُجْزِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ لَحْمٌ اشْتَرَاهُ وَلَيْسَ بِأُضْحِيَّةٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا) بِلَا نِزَاعٍ قَالَ الْأَصْحَابُ: هِيَ الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا وَذَهَبَتْ فَإِنْ كَانَ بِهَا بَيَاضٌ لَا يَمْنَعُ النَّظَرَ أَجْزَأَتْ وَإِنْ أَذْهَبَ الضَّوْءَ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ فَفِي الْإِجْزَاءِ بِهَا رِوَايَتَانِ فِي الْخِلَافِ وَقِيلَ: وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: لَا تُجْزِئُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَصَحُّهُمَا لَا تُجْزِئُ عِنْدِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ الثَّانِي: تُجْزِئُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْإِجْزَاءُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَصَّ أَحْمَدُ تُجْزِئُ قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ وَلَمْ يُذْهِبْ الضَّوْءَ: جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بِهَا لِأَنَّ عَوَرَهَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى: أَنَّ الْعَمْيَاءَ لَا تُجْزِئُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

قُلْت: لَوْ نُقِلَ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْعَوْرَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا بَيَاضٌ أَذْهَبَ الضَّوْءَ فَقَطْ إلَى الْعَمْيَاءِ لَكَانَ مُتَّجَهًا قَوْلُهُ (وَلَا تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلَعُهَا، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ) لَا تُجْزِئُ الْعَرْجَاءُ، قَوْلًا وَاحِدًا فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْعَلَفِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَقْدِرُ أَنْ تَتَّبِعَ الْغَنَمَ إلَى الْمَنْحَرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: هِيَ الَّتِي لَا تُطِيقُ أَنْ تَبْلُغَ النُّسُكَ فَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ أَجْزَأَتْ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْعِيبِ: هِيَ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ جِنْسِهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تُجْزِئُ وَذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ (وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ بِجَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: وَمَا بِهِ مَرَضٌ مُفْسِدٌ لِلَّحْمِ كَجَرْبَاءَ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ: هِيَ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمْ: الْمَرِيضَةُ هِيَ الْجَرْبَاءُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مَثَلًا مِنْ الْأَمْثِلَةِ لَا أَنَّ الْمَرَضَ مَخْصُوصٌ بِالْجَرَبِ وَهُوَ أَوْلَى فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ

قَوْلُهُ (وَالْعَضْبَاءُ: هِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا، أَوْ قَرْنُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ هِيَ الَّتِي ذَهَبَ ثُلُثُ قَرْنِهَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: النِّصْفُ فَأَكْثَرُ ذَكَرَ الْخَلَّالُ: أَنَّهُمَا اتَّفَقُوا أَنَّ نِصْفَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجْزِئُ وَقِيلَ: فَوْقَ الثُّلُثِ لَا يُجْزِئُ قَالَهُ الْقَاضِي الْجَمْعُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً وَكَوْنُ الْعَضْبَاءِ لَا تُجْزِئُ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يَجُوزُ أَعْضَبُ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ نَظَرًا وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يُؤْكَلُ وَالْأُذُنُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهَا غَالِبًا ثُمَّ هِيَ كَقَطْعِ الذَّنَبِ وَأَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ قُلْت: هَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ الْمَعِيبَةُ الْأُذُنِ بِخَرْقٍ، أَوْ شَقٍّ، أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ) وَكَذَا الْأَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ فِي أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي الْخَرْقِ وَالشَّقِّ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ إجْزَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنُهَا وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَا ذَهَبَ أَقَلُّ ثُلُثِ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا وَلَا الْمَعِيبَةُ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا تُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ وَهِيَ مَا قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ مُقَدَّمِ أُذُنِهَا، وَلَا بِمُدَابَرَةٍ وَهِيَ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَلْفِ أُذُنِهَا وَلَا شَرْقَاءَ وَهِيَ مَا شَقَّ الْكَيُّ أُذُنُهَا وَلَا خَرْقَاءُ وَهِيَ مَا ثَقَبَ الْكَيُّ أُذُنَهَا " وَحَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى نَهْيِ التَّنْزِيهِ

فَوَائِدُ الْأُولَى: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْهَتْمَاءَ لَا تُجْزِئُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ أَعْثُرْ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا بِشَيْءٍ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تُجْزِئُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إذَا عُلِمْت ذَلِكَ، فَالْهَتْمَاءُ: هِيَ الَّتِي ذَهَبَتْ ثَنَايَاهَا مِنْ أَصْلِهَا قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الَّتِي سَقَطَ بَعْضُ أَسْنَانِهَا الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيِّ لَا تُجْزِئُ الْعَصْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا الثَّالِثَةُ: لَوْ قُطِعَ مِنْ الْأَلْيَةِ دُونَ الثُّلُثِ: فَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِيهِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَنَقَلَ هَارُونُ: كُلُّ مَا فِي الْأُذُنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّاةِ دُونَ النِّصْفِ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَى هَارُونُ وَحَنْبَلٌ فِي الْأَلْيَةِ: مَا كَانَ دُونَ النِّصْفِ أَيْضًا قَالَ: فَهَذِهِ رُخْصَةٌ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَاخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ بِكُلِّ نَقْصٍ دُونَ النِّصْفِ وَعَلَيْهِ أَعْتَمِدُ قَالَ: وَرَوَى الْجَمَاعَةُ التَّشْدِيدَ فِي الْعَيْنِ، وَأَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً الرَّابِعَةُ: الْجَدَّاءُ، وَالْجَدْبَاءُ وَهِيَ الَّتِي شَابَ وَنَشَفَ ضَرْعُهَا وَجَفَّ لَا تُجْزِئُ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَتُجْزِئُ الْجَمَّاءُ، وَالْبَتْرَاءُ، وَالْخَصِيُّ) أَمَّا الْجَمَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي انْكَسَرَ كُلُّ قَرْنِهَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: هِيَ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ لَهَا قَرْنٌ وَلَا أُذُنٌ

فَتُجْزِئُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الْجَمَّاءُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ خُلِقَتْ بِلَا أُذُنٍ، فَهِيَ كَالْجَمَّاءِ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ بِالْإِجْزَاءِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ الْبَنَّا وَأَمَّا الْبَتْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا ذَنَبَ فَتُجْزِئُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُضَحَّى بِأَبْتَرَ، وَلَا بِنَاقِصَةِ الْخَلْقِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالْبَتْرَاءِ: مَا قُطِعَ ذَنَبُهَا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ، فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ الْمَبْتُورَةُ الذَّنَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْبَتْرَاءُ الْمَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَا ذَنَبَ لَهَا خِلْقَةً وَأَمَّا الْخَصِيُّ: وَهُوَ الَّذِي قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ، أَوْ سُلِتَا فَقَطْ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يُجْزِئُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ رُضَّتْ خُصْيَتَاهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ خَصِيًّا مَجْبُوبًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ: وَيُجْزِئُ الْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ وَقِيلَ: يُجْزِئُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ وَفَسَّرَ الْخَصِيَّ بِمَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَقِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ؟ فَقَالَ: الْقَصْدُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ: اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ وَالْقَصْدُ مِنْ الزَّكَاةِ: الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالْحَامِلُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَائِلِ فَأَجْزَأَتْ قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا الْيُسْرَى) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَفْعَلُ كَيْفَ شَاءَ، بَارِكَةً وَقَائِمَةً فَائِدَةٌ : قَوْلُهُ (وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك) يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا: أَنْ يُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَابْنِ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُسَمِّي، وَيُكَبِّرُ حِينَ يُحَرِّكُ يَدَهُ بِالْقَطْعِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ " وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَقُولُ " اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْت مِنْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِك " وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيَقُولُ إذَا ذَبَحَ " وَجَّهْت وَجْهِي إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ". تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ) جَوَازُ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ

وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُهُ وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّةً جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْإِرْشَادِ وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَالَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا: جَوَازُ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ " الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى الْيَهُودِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْنَا " زَادَ الشَّرِيفُ " أَوْ عَلَى كِتَابِيٍّ نَصْرَانِيٍّ " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُقْتَضَى هَذَا: أَنَّ مَحَلَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ الشُّحُومِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الشُّحُومِ: فَلَا يَلِي الْيَهُودَ لَا نِزَاعَ قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَهَا بِيَدِهِ كَانَ أَفْضَلَ) بِلَا نِزَاعٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الذَّبْحِ وَيَشْهَدَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ عَجَزَ عَنْ الذَّبْحِ أَمْسَكَ بِيَدِهِ السِّكِّينَ حَالَ الْإِمْرَارِ فَإِنْ عَجَزَ: فَلْيَشْهَدْهَا وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ وَكَّلَ فِي الذَّبْحِ: اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمُوَكِّلِ إذَنْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لَا تَسْمِيَةُ الْمُضَحَّى عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: تُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ وَكَّلَ فِي الذَّكَاةِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ: نَوَى عِنْدَهَا، أَوْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَتَكْفِي نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ فَمَنْ أَرَادَ الذَّكَاةَ: نَوَى إذَنْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَوَقْتُ الذَّبْحِ: يَوْمَ الْعِيدِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَدْرِهَا) ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَمَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ: فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَغَيْرِهِمْ قَالَهُ الشَّارِحُ

وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَمَّا وَقْتُ الذَّبْحِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: إذَا مَضَى أَحَدُ أَمْرَيْنِ: مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، أَوْ قَدْرِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ " أَوْ " وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مَوْضِعِ ذَبْحِهِ، أَوْ لَمْ تَقُمْ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَقَطْ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ فَلَوْ سَبَقَتْ صَلَاةُ إمَامٍ فِي الْبَلَدِ: جَازَ الذَّبْحُ وَعَنْهُ وَقْتُهُ: بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقْتُهُ قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَةِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْفِعْلَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا فِي الرَّوْضَةِ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ الذَّبْحُ قَبْلَ الْإِمَامِ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَقِيلَ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِبَلَدِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فَقَالَ: وَعَنْهُ إذَا ضَحَّى الْإِمَامُ فِي بَلَدِهِ ضَحَّوْا انْتَهَى قُلْت: وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ تَنْبِيهٌ: تَابَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا: أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَمَنْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَابِعُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ الْمُذْهَبَ وَأَنَّ قَوْلَهُ " بَعْدَ الصَّلَاةِ " يَعْنِي: فِي حَقِّ مَنْ يُصَلِّيهَا وَقَوْلُهُ " أَوْ قَدْرِهَا " فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَتَكُونُ " أَوْ " فِي كَلَامِهِ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ

وَقَدْ قَالَ فِي النَّظْمِ: وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَ قَدْرِهَا لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمَا فَغَايَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ إضْمَارٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ كَثِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ إذْ يَبْعُدُ جِدًّا: أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ حَكَاهُ قَوْلًا وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَحَكَاهُ قَوْلًا فَائِدَةٌ: حُكْمُ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَأَصْحَابِ الطُّنُبِ الْخَرْكَاوَاتِ وَنَحْوِهِمْ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ: حُكْمُ أَهْلِ الْقُرَى، وَالْأَمْصَارِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْنَا " وَقْتُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي حَقِّهِمْ " فَقَدْرُهَا فِي حَقِّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا " بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ " فَقَدْرُهَا كَذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ قُلْنَا مَعَ ذَلِكَ " ذَبَحَ الْإِمَامُ " اُعْتُبِرَ قَدْرُ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْكُورَ ذَلِكَ فَكَذَا الْمَذْهَبُ هُنَا هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَامَّةُ أَصْحَابِ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمْ، لِقِلَّتِهِمْ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فَأَوَّلُ وَقْتِهِمْ: ذَلِكَ الْوَقْتُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ: أَنْ يَمْضِيَ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ مِقْدَارُ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَهُوَ وَقْتٌ لِأَهْلِ الْبَرِّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي: مِقْدَارُهُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَقْتُ الذَّبْحِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقِيلَ: أَوْ قَدْرُهَا لِأَهْلِ الْبَرِّ

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقْتُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، أَوْ قَدْرُهَا لِأَهْلِ الْبِرِّ وَقِيلَ: وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُغْنِي قُلْت: قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: قَدْرَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ بِمُتَوَسِّطِ النَّاسِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَخُطْبَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ فِي أَخَفِّ مَا يَكُونُ فَوَائِدُ مِنْهَا: إذَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ فِي الْمِصْرِ: لَمْ يَجُزْ الذَّبْحُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ نَفْسَ الصَّلَاةِ فَإِذَا زَالَتْ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الذَّبْحُ يَتْبَعُ الصَّلَاةَ قَضَاءً، كَمَا يَتْبَعُهَا أَدَاءً، مَا لَمْ يُؤَخَّرْ عَنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ، فَيَتْبَعُ الْوَقْتَ ضَرُورَةً وَمِنْهَا: حُكْمُ الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ: حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ وَتَقَدَّمَ وَقْتُ ذَبْحِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ " وَمِنْهَا: لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ وَقْتِ الذَّبْحِ لَمْ يَجُزْ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: هُوَ كَالْأُضْحِيَّةِ وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْوَاجِبِ قَوْلُهُ (إلَى آخِرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: آخِرُهُ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ فَائِدَةٌ: أَفْضَلُ وَقْتِ الذَّبْحِ: أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ وَقْتِهِ، ثُمَّ مَا يَلِيهِ قُلْت: وَالْأَفْضَلُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَذَبْحِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْخَلَّالُ قَالَ: وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ غَيْرُهُ: يُجْزِئُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ فَائِدَةٌ : قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ: يُكْرَهُ ذَبْحُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَيْلًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرِينَ قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لَيْلًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ (فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ: ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً وَسَقَطَ التَّطَوُّعَ) فَإِذَا ذَبَحَ الْوَاجِبَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَصْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَكُونُ لَحْمًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، لَا أُضْحِيَّةً فِي الْأَصَحِّ

قَوْلُهُ (وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ أَوْ بِتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ مَعَ النِّيَّةِ وَالْأُضْحِيَّةُ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا لِلَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَلْفَاظِ النَّذْرِ هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ قَلَّدَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ وَجَبَ كَمَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّيَّةَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: خَالَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْحَابَ فَقَالَ: يُؤْخَذُ بِهِ جَازِمًا بِهِ وَقَالَ: لَا يُتَابَعُ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَوْلِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ وَقِيلَ: مَعَ تَقْلِيدٍ وَإِشْعَارٍ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَقِيلَ أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ إذْ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ مَعَ النِّيَّةِ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَا بِقَوْلِهِ " هَذَا هَدْيٌ، أَوْ أُضْحِيَّةٌ " وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ احْتِمَالُ أَبِي الْخَطَّابِ وَيَأْتِي قَرِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ " فَقَطْ " فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا فِي غَيْرِهَا وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ وَالتَّبْصِرَةِ: إذَا أَوْجَبَهَا بِلَفْظِ الذَّبْحِ، نَحْوَ " لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهَا " لَزِمَهُ ذَبْحُهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ هَذِهِ الشَّاةِ ثُمَّ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا

قَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَى حَالَ الشِّرَاءِ لَمْ يَتَعَيَّنْ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ بِالشِّرَاءِ مَعَ النِّيَّةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَدَّمَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَعَيَّنَتْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ إذَا تَعَيَّنَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا وَلَا هِبَتُهُمَا، إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا بِخَيْرٍ مِنْهُمْ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ نَذَرَهَا ابْتِدَاءً بِعَيْنِهَا: لَمْ يَجُزْ إبْدَالُهَا إلَّا بِخَيْرٍ مِنْهَا انْتَهَى وَقَطَعَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ بِجَوَازِ إبْدَالِهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا وَقَالَ: نَصّ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ وَشِرَاءُ خَيْرٍ مِنْهُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ ضَحَّى دُونَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: إنْ بَاعَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ انْتَهَى وَعَنْهُ أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِالْيَقِينِ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا وَلَا غَيْرُهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَخِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْهِدَايَةِ بِمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ تَشْهَدُ لِذَلِكَ

فَعَلَى هَذَا: لَوْ عَيَّنَهُ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبَهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ وَيَمْلِكُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِمَا، إنْ أَخَذَ أَرْشَهُ: فَهَلْ هُوَ لَهُ، أَوْ هُوَ كَزَائِدٍ عَنْ الْقِيمَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمَ الزَّائِدِ عَنْ قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَهُ وَقِيلَ: بَلْ لِلْفُقَرَاءِ وَقِيلَ: بَلْ يَشْتَرِي لَهُمْ بِهِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ فَسَهْمًا مِنْ بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَلَحْمًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَجْهًا: أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي أُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَهَدْيٍ قَالَ: وَهُوَ سَهْوٌ فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ بَانَ مُسْتَحِقًّا بَعْدَ تَعَيُّنِهِ: لَزِمَهُ بَدَلُهُ نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَأَرْشٍ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَجُوزُ إبْدَالُ اللَّحْمِ بِخَيْرٍ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الثَّالِثَةُ: لَوْ أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ مُتْلِفٌ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ، أَوْ بَاعَهَا مَنْ أَوْجَبَهَا، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالثَّمَنِ مِثْلَهَا فَهَلْ تَصِيرُ مُتَعَيِّنَةً بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الرَّهْنِ وَالْوَقْفِ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إلَّا بِخَيْرٍ مِنْهُ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ، وَسَوَاءً كَانَ فِي الْإِبْدَالِ أَوْ الشِّرَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَجُوزُ بِمِثْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا لَمْ يَكُنْ أَهْزَلَ وَهُمَا

احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَهُ رُكُوبُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَعَنْهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَضْمَنُ نَقْصَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَظَاهِرُ الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ يَضْمَنُ إنْ رَكِبَهَا بَعْدَ الضَّرُورَةِ وَنَقَصَ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدُهَا مَعَهَا) بِلَا نِزَاعٍ وَسَوَاءٌ عَيَّنَهَا حَامِلًا، أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ فَلَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ وَلَدِهَا وَسَوْقِهِ: فَهُوَ كَالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ عَلَى مَا يَأْتِي الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ [حَرُمَ وَ] ضَمِنَهُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَيَجُزُّ صُوفَهَا وَوَبَرَهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ كَانَ أَنْفَعَ لَهَا) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَصَدَّقَ بِهِ نَدْبًا وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَتَصَدَّقُ بِهِ إنْ كَانَتْ نَذْرًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِالشَّعْرِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّ اللَّبَنَ وَالصُّوفَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِيجَابِ

وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْهَدْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي اللَّبَنِ قَوْلُهُ (وَلَا يُعْطِي الْجَازِرَ أُجْرَتَهُ شَيْئًا مِنْهَا) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ إنْ دُفِعَ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ، أَوْ الْهَدِيَّةِ: فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا وَجُلِّهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: لَا خِلَافَ فِي الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهِمَا وَجِلَالِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَا يَنْتَفِعُ بِمَا كَانَ وَاجِبًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَحَنْبَلٌ، وَغَيْرُهُمَا: وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ، الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمَا: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ وَلَا يُبْقِي مِنْهَا لَحْمًا وَلَا جِلْدًا، وَلَا غَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِجِلَالِهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا) يَحْرُمُ بَيْعُ الْجِلْدِ وَالْجَلِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: يَجُوزُ وَيَشْتَرِي بِهِ آلَةَ الْبَيْتِ لَا مَأْكُولًا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمَتَاعِ الْبَيْتِ، كَالْغِرْبَالِ وَالْمُنْخُلِ، وَنَحْوِهِمَا فَيَكُونُ إبْدَالًا بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مَقْصُودُهُمَا كَمَا أَجَزْنَا إبْدَالَ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَعَنْهُ يَجُوزُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ أُضْحِيَّةً وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا مِنْ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ دُونَ الشَّاةِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَهُ بَيْعُ سَوَاقِطِ الْأُضْحِيَّةِ، وَالصَّدَقَةُ بِالثَّمَنِ قَالَ قُلْت: وَكَذَا الْهَدْيُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا) وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً هَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: ذَبْحُهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ: إنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ نَحَرَهُ وَقَبَضَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَهَا ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ إذْنٍ أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحِهَا) [وَإِذَا ذَبَحَهَا غَيْرُ رَبِّهَا فَتَارَةً يَنْوِيهَا عَنْ صَاحِبِهَا، وَتَارَةً يُطْلِقُ، وَتَارَةً يَنْوِيهَا عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ نَوَى ذَبْحَهَا عَنْ صَاحِبِهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحِهَا] هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ أَرْشِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَذْبُوحَةً وَإِنْ ذَبَحَهَا وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: الْإِجْزَاءُ، وَعَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا: وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ ذَبَحَهَا وَنَوَى عَنْ نَفْسِهِ فَفِي الْإِجْزَاءِ عَنْ صَاحِبِهَا وَالضَّمَانِ رِوَايَتَانِ

ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ إحْدَاهُمَا: لَا تُجْزِئُ وَيَضْمَنُهَا وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُجْزِئُ مُطْلَقًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ فُضُولِيٍّ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ: حَكَى الْقَاضِي فِي الْأُضْحِيَّةِ رِوَايَتَيْنِ وَالصَّوَابُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ تَنْزِلَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ لَا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ فَإِنْ نَوَى الذَّابِحُ بِالذَّبْحِ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ: لَمْ يُجْزِئْهُ، لِغَصْبِهِ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَإِتْلَافِهِ لَهُ عُدْوَانًا وَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ يَظُنُّ أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ، لِاشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ: أَجْزَأَتْ عَنْ الْمَالِكِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الصُّورَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا مُصَرِّحًا بِالتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ الْخَلَّالُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَقَدَ لَهُمَا بَابَيْنِ مُفْرَدَيْنِ فَلَا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَلِيَ رَبُّهَا تَفْرِقَتَهَا وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: وَأَمَّا إذَا فَرَّقَ الْأَجْنَبِيُّ اللَّحْمَ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُجْزِئُ أَبْدَى [ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ] احْتِمَالًا بِالْإِجْزَاءِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ وَقَوَّاهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْهَا ضَمِنَ الذَّابِحُ قِيمَةَ اللَّحْمِ فَإِنْ كَانَ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ يَعُودُ مِلْكًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ تَصَرُّفِ غَاصِبٍ حُكْمِيٍّ عِبَادَةً وَعَقَدَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالتِّسْعِينَ: إذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً، وَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ: أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ الذَّابِحُ شَيْئًا نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً ابْتِدَاءً، أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ وَفَرَّقَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بَيْنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي

الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْمَالِكِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَضْمَنُ انْتَهَى فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ: يَضْمَنُ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا حَيَّةً، إلَى مَذْبُوحَةً ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) بِلَا نِزَاعٍ وَيَكُونُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا قَالَ الشَّارِحُ: وَجْهًا وَاحِدًا فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهَا: فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا عَلَى مَا يَأْتِي فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْقِيمَةُ ثَمَنَ الْأُضْحِيَّةِ فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا رَبُّهَا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ضَمِنَ مَا بَيْنَ كَوْنِهَا حَيَّةً إلَى كَوْنِهَا مَذْبُوحَةً ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا، ضَمِنَهَا بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا) وَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِ صَاحِبِهَا إذَا أَتْلَفَهَا مُفَرِّطًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الضَّمَانِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ التَّلَفِ فَيُصْرَفُ فِي مِثْلِهَا كَالْأَجْنَبِيِّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، [وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّرْكَشِيِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ: تَكُونُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ: مِنْ الْإِيجَابِ إلَى التَّلَفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: مِنْ الْإِيجَابِ إلَى النَّحْرِ وَقِيلَ: التَّلَفُ إلَى وُجُوبِ النَّحْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِتْلَافِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَوْ مِنْ حِينِ التَّلَفِ إلَى جَوَازِ الذَّبْحِ عِنْدَ الشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ عَمَّنْ ذَكَرَ وَقَوْلُهُ (فَإِنْ ضَمِنَهُمَا بِمِثْلِهَا، وَأَخْرَجَ فَضْلَ الْقِيمَةِ: جَازَ وَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً، أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ) لَا نِزَاعَ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: يَشْتَرِي بِهِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ: فَسَهْمًا مِنْ بَدَنَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْمُصَنِّفِ: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ شَاةٍ، وَلَا سُبْعَ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ: اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا فَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ فَخَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ: إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَاضِلُ مَا يَشْتَرِي بِهِ دَمًا: خَيَّرَهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لَحْمًا تَصَدَّقَ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ شِرَاءُ لَحْمٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَمَا زَادَ مِنْهُمَا اشْتَرَى بِالْفَضْلَةِ شَاةً فَإِنْ عَجَزَ: فَسَهْمًا مِنْ بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ: فَلَحْمًا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقِيلَ: بَلْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلَةِ فَوَائِدُ مِنْهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ: لَمْ يَضْمَنْهَا) بِلَا نِزَاعٍ وَعِنْدَ

الْأَكْثَرِ سَوَاءٌ تَلِفَتْ قَبْلَ ذَبْحِهِ أَوْ بَعْدَهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: وُجُوبُ الضَّمَانِ كَالزَّكَاةِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا نَذَرَ أُضْحِيَّةً، أَوْ الصَّدَقَةَ بِدَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ فَتَلِفَ: فَهَلْ يَضْمَنُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفِعْلِ، نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ مُسْتَحِقٍّ، كَالزَّكَاةِ وَإِلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا: يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ شَرْعًا: ضَمِنَ وَإِنْ قُلْنَا: مَسْلَكَ التَّبَرُّعِ: لَمْ يَضْمَنْ انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا: تَصَدَّقَ بِالْأَرْشِ وَمِنْهَا: أَوْ مَرِضَتْ، فَخَافَ عَلَيْهَا، فَذَبَحَهَا: لَزِمَهُ بَدَلُهَا وَلَوْ تَرَكَهَا فَمَاتَتْ: فَلَا شَيْءَ، عَلَيْهِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا: لَوْ ضَحَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ غَلَطًا: كَفَتْهُمَا وَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْقِيَاسُ ضِدُّهُمَا وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ فِي اثْنَيْنِ ضَحَّى هَذَا بِأُضْحِيَّةِ هَذَا وَهَذَا بِأُضْحِيَّةِ هَذَا يَتَبَادَلَانِ اللَّحْمَ وَيُجْزِئُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَوْ خَافَ أَنْ يَعْطَبَ ذَبَحَهُ وَفَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ) يَعْنِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَأَبَاحَ الْأَكْلَ مِنْهُ: الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ مَعَ فَقْرِهِ وَاخْتَارَ فِي التَّبْصِرَةِ: إبَاحَتَهُ لِرَفِيقِهِ الْفَقِيرِ وَقَوْلُهُ " وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ " قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا يَأْكُلُ هُوَ وَلَا خَاصَّتُهُ مِنْهُ قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الرُّفْقَةَ الَّذِينَ مَعَهُ: مِمَّنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فِي السَّفَرِ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَعَيَّبَتْ ذَبَحَهَا وَأَجْزَأَتْهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً قَبْلَ التَّعْيِينِ، كَالْفِدْيَةِ وَالْمَنْذُورَةِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ مَا عَيَّنَهُ فَتَارَةً يَكُونُ قَدْ عَيَّنَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ، كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي النُّسُكِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، أَوْ وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِ التَّعْيِينِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ التَّعْيِينِ، مِثْلَ مَا لَوْ وَجَبَ أُضْحِيَّةٌ سَلِيمَةٌ، ثُمَّ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُنَا عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّهَا بِقَرْنِهَا إلَى الْمَنْحَرِ فَانْقَلَعَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ لَا تُجْزِئُهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَخْرُجُ بِالْعَيْبِ عَنْ كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا زَالَ الْعَيْبُ عَادَتْ أُضْحِيَّةً كَمَا كَانَتْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ فَلَوْ تَعَيَّنَتْ هَذِهِ بِفِعْلِهِ: فَلَهُ بَدَلُهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَعَيَّبَ أَوْ تَلِفَ أَوْ ضَلَّ، أَوْ عَطِبَ،

أَوْ سُرِقَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ: لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ وَيَلْزَمُ أَفْضَلُ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا، فَعَطِبَ أَوْ مَاتَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ نَحَرَهُ جَازَ أَكْلُهُ مِنْهُ، وَيُطْعِمُ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: كَذَا قَالَ وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ انْتَهَى. وَفِي بُطْلَانِ تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: فِي تَعْيِينِهِ هُنَا احْتِمَالَانِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا قُلْنَا يَبْطُلُ تَعْيِينُهَا، وَتَعُودُ إلَى مَالِكِهَا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَبْطُلَ التَّعْيِينُ فِي وَلَدِهَا تَبَعًا، كَمَا ثَبَتَتْ تَبَعًا قِيَاسًا عَلَى نَمَائِهَا الْمُتَّصِلِ بِهَا وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَبْطُلَ، وَيَكُونَ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا فِي الْوُجُوبِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا وَلَمْ يَتْبَعَهَا فِي زَوَالِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَصِلًا عَنْهَا فَهُوَ كَوَلَدِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ إذَا وُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهُ، لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي وَلَدِهَا، وَالْمُدَبَّرَةُ إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا فَبَطَلَ تَدْبِيرُهَا، لَا يَبْطُلُ فِي وَلَدِهَا انْتَهَى وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ يَتْبَعُهَا قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَعْيِينُهُ لِأَنَّهُ بِوُحُودِهِ قَدْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أُمِّهِ، لَكِنْ تَعَذَّرَ فِي الْأُمِّ فَبَقِيَ حُكْمُ الْوَلَدِ بَاقِيًا قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ وَالْمَعِيبِ إلَى مِلْكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيِّ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ إلَى مِلْكِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ [وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ]

الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ إلَى مِلْكِهِ، فَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ قَوْلُهُ (كَذَلِكَ إذَا ضَلَّتْ فَذَبَحَ بَدَلَهَا ثُمَّ وَجَدَهَا) يَعْنِي: أَنَّ فِي اسْتِرْجَاعِ الضَّالِّ إلَى مِلْكِهِ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ ذَبْحِ بَدَلِهِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالْحُكْمَانِ وَاحِدٌ وَالْمُذْهَبُ هُنَا كَالْمَذْهَبِ هُنَاكَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَإِنَّهُمَا قَطَعَا بِأَنَّهُ يَذْبَحُ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ، وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَلَكِنْ خَرَّجَا تَخْرِيجًا: أَنَّهُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَيَقْوَى لُزُومُ ذَبْحِهِ مَعَ ذَبْحِ الْوَاجِبِ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى التَّفْرِقَةِ، إمَّا لِأَجْلِ الْحَدِيثِ، أَوْ لِأَنَّ الْعَاطِبَ وَالْمَعِيبَ قَدْ تَعَذَّرَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الْوَاجِبِ فَخَرَجَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ ذَلِكَ إلَى بَدَلِهِ وَأَمَّا الضَّالُّ: فَحَقُّ الْفُقَرَاءِ فِيهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ لِتَعَذُّرِهِ وَهُوَ فَقْدُهُ وَجَزَمَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: بِأَنَّهُ يَذْبَحُ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَوْلُهُ فَصْلٌ (سَوْقُ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ وَيَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ) بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عَرَفَةَ وَذَبَحَهُ: كَفَاهُ نَصَّ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (وَيُسَنُّ إشْعَارُ الْبَدَنَةِ فَيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ وَكَذَا مَا لَا سَنَامَ لَهُ مِنْ الْإِبِلِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ الشَّقُّ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا، الْيُمْنَى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الشَّقُّ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أَوْلَى وَعَنْهُ الْخِيَرَةُ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُسْتَوْعِبِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْعِرُ غَيْرَ السَّنَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجُوزُ إشْعَارُ غَيْرِ السَّنَامِ وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَحْمَدَ وَظَاهِرُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُشْعِرُ غَيْرَ الْإِبِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: وَيُسَنُّ إشْعَارُ مَكَانِ ذَلِكَ مِنْ الْبَقَرِ قَوْلُهُ (وَيُقَلِّدُهَا وَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ النَّعْلَ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَآذَانُ الْقِرَبِ وَالْعُرَى) هَذَا الْمَذْهَبُ " يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ كُلِّهِ، مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ نَصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يُقَلِّدُ الْغَنَمَ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: تَقْلِيدُ الْبُدْنَ جَائِزٌ وَقَالَ

الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْبُدْنُ تُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ تُقَلَّدُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسُوقَهُ حَتَّى يُشْعِرَهُ، وَيُجَلِّلَهُ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَيُقَلِّدَهُ نَعْلًا أَوْ عِلَاقَةَ قِرْبَةٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ: شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ) وَكَذَا سُبْعُ بَقَرَةٍ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً فَالصَّحِيحُ: وُجُوبُهَا كُلُّهَا قَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقِيلَ: الْوَاجِبُ سُبْعُهَا فَقَطْ، وَالْبَاقِي لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " كُلُّ هَدْيٍ ذَكَرْنَاهُ يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ " وَذَكَرْنَا فَائِدَةَ الْخِلَافِ هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَإِذَا نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ) إذَا نَذَرَ بَدَنَةً فَتَارَةً يَنْوِي، وَتَارَةً يُطْلِقُ فَإِنْ نَوَى، فَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ: فَفِي إجْزَاءِ الْبَقَرَةِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ إحْدَاهُمَا: تُجْزِئُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ " فِي آخِرِ بَابِ الْفِدْيَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ: أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ)

اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ بِنَذْرِهِ شَيْئًا إلَى مَكَّةَ، أَوْ جَعَلَ دَرَاهِمَ هَدْيًا فَهُوَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ هَانِئٍ وَيَبْعَثُ ثَمَنَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُلْقِيَ فِضَّةً فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ يُلْقِيهِ بِمَكَانِ نَذْرِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ: فَيُكَفِّرُ إنْ لَمْ يُلْقِهِ وَهُوَ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ ثَمَنَ الْمَنْقُولِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدَّمَهُ وَيَبْعَثُ الْقِيمَةَ وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلِلْحَرَمِ، لَا جَزُورًا وَإِنْ نَذَرَ جَذَعَةً كَفَتْ ثَنِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَنَقَلَ يَعْقُوبُ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُضَحِّيَ كُلَّ عَامٍ بِشَاتَيْنِ، فَأَرَادَ عَامًا أَنْ يُضَحِّيَ بِوَاحِدَةٍ إنْ كَانَ نَذَرَ فَيُوفِي بِهِ، وَإِلَّا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ قَالَ: إنْ لَبِسْت ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ فَلَبِسَهُ: أَهْدَاهُ أَوْ ثَمَنُهُ، عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ) شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا. فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مِنْهُ، بِلَا نِزَاعٍ. وَحُكْمُ الْأَكْلِ هُنَا وَالتَّفْرِقَةِ: كَالْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَأْكُلُ هُنَا إلَّا الْيَسِيرَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِالتَّعْيِينِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي ذِمَّتِهِ. فَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مِنْهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَّا مِنْ دَم الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ فَقَطْ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَأَنَّ الْخِرَقِيَّ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ التَّمَتُّعِ عَنْ الْقِرَانِ. لِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَتُّعٍ، لِتَرَفُّهِهِ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَا يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَعَنْهُ يَأْكُلُ مِنْ الْكُلِّ، إلَّا مِنْ النَّذْرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَأَلْحَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى بِهِمَا الْكَفَّارَةَ. وَجَوَّزَ الْأَكْلَ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: جَوَازَ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، كَالْأُضْحِيَّةِ. عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. لَكِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: اسْتَحَبَّ الْقَاضِي الْأَكْلَ مِنْ دَمِ الْمُتْعَةِ. الثَّانِيَةُ: مَا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ جَازَ لَهُ هَدِيَّتُهُ. وَمَا لَا فَلَا. فَإِنْ فَعَلَ ضَمَّنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ. وَقَالَ فِي النَّصِيحَةِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ مَنَعَهُ الْفُقَرَاءَ حَتَّى أَنْتَنَ. فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهُ فَقَطْ. قُلْت: يَتَوَجَّهُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمِثْلِهِ حَيًّا. أَشْبَهَ الْمَعِيبَ الْحَيَّ. قَوْلُهُ (وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الْغِنَى. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَخَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْيَتِيمِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْحَاضِرِ الْغَنِيِّ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي مُسْلِمًا، تَامَّ الْمِلْكِ. فَلَا يُضَحِّي الْمُكَاتَبُ مُطْلَقًا. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُضَحِّي بِإِذْنٍ. كَالرَّقِيقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَتَبَرَّعُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَذَبْحُهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا) . كَذَا الْعَقِيقَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ تَعْيِينُ مَا تَقَدَّمَ فِي صَدَقَةٍ مَعَ غَزْوٍ وَحَجٍّ. قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا. وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا. وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ: جَازَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ إخْرَاجُ الثُّلُثِ هَدِيَّةً. وَالثُّلُثِ الْآخَرِ صَدَقَةً. نَقَلَهُ عَنْهُ

ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَدْفَعُ إلَى الْمَسَاكِينِ مَا يَسْتَحْيِي مِنْ تَوْجِيهِهِ إلَى خَلِيطِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِمَا دُونَهَا. لِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنْ هَدِيَّةِ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ: أَنْ لَا يُجْزِئَ فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَهَادَى بِمِثَالِهِ. انْتَهَى. قُلْت: حُكِيَ هَذَا الْأَخِيرُ قَوْلًا فِي الرِّعَايَةِ وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ مِنْهَا بِأُوقِيَّةٍ كَفَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: هَذَا الْحَكَمُ إذَا قُلْنَا: هِيَ سُنَّةٌ. وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا وَاجِبَةٌ. فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أَكْلُ الثُّلُثِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَقَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا قَرِيبًا. الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلِمِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ أُضْحِيَّةُ الْيَتِيمِ، إذَا قُلْنَا: يُضَحَّى عَنْهُ، [عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ] . فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. وَيُوَفِّرُهَا لَهُ. لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ تَطَوُّعًا. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ.

قُلْت: لَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْهَا بِالْيَسِيرِ عُرْفًا: لَكَانَ مُتَّجَهًا. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ: الْمُكَاتَبُ إذَا ضَحَّى عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَتَبَرَّعُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهَا. وَيُهْدِيَ الْوَسَطَ. وَيَأْكُلَ الْأَدْوَنَ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْإِطْلَاقُ وَكَانَ مِنْ شِعَارِ السَّلَفِ: أَكْلُ لُقْمَةٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ غَيْرِهَا تَبَرُّكًا قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْكَافِرَ مِنْهَا، إذَا كَانَتْ تَطَوُّعًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ: فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْهَا، كَالزَّكَاةِ. وَلِهَذَا قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَقِيرِ وَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِهْدَاءِ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى غَنِيٍّ وَإِطْعَامُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتَجُوزُ الْهَدِيَّةُ مِنْ. نَقَلَهَا إلَى غَنِيٍّ. وَقِيلَ: مِنْ وَاجِبِهَا إنْ جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةُ: يُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ الْفَقِيرِ. فَلَا يَكْفِي إطْعَامُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَسُنَّ أَنْ يُفَرِّقَ اللَّحْمَ رَبُّهُ بِنَفْسِهِ. وَإِنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ جَازَ. الرَّابِعَةُ: الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الِادِّخَارِ مِنْ الْأَضَاحِيِّ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ.: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إلَّا فِي مَجَاعَةٍ. لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ. قُلْت: اخْتَارَ هَذَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ ظَاهِرُ فِي الْقُوَّةِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَبْحِهَا أَوْ تَعْيِينِهَا: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. وَلَمْ تُبَعْ فِي دَيْنِهِ.

قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقُلْت: إنْ وَجَبَ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَلَهُمْ أَكْلُ مَا كَانَ لَهُ أَكْلُهُ مِنْهَا. وَيَلْزَمُهُمْ زَكَاتُهَا إنْ مَاتَ قَبْلَهَا. ثُمَّ قَالَ: قُلْت إنْ كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا. فَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَّاهَا، أَوْ أَوْجَبَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَهَلْ تُبَاعُ كُلُّهَا أَوْ ثُلُثَاهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا " هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ أَمْ لَا؟ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْهَا) وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الثُّلُثَ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِصَدَقَتِهِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا: فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَأْكُلُ الثُّلُثَ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ الْمَقْطُوعِ بِهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ: فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا) اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَظَاهِرُهُ. إدْخَالُ الظُّفْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبَشَرَةِ. وَصَرَّحَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: بِذِكْرِ الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ، وَالْبَشَرَةِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنُ رَجَبٍ، وَغَيْرِهِمْ: لَا يَأْخُذُ شَعْرًا، وَلَا ظُفْرًا. فَظَاهِرُهُ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ. وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. فَلَعَلَّ مَنْ خَصَّ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ: أَرَادَ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، أَوْ أَنَّ الْغَالِبَ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُمَا. فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْغَالِبِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْن مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الزَّرْكَشِيّ. أَحَدُهُمَا: هُوَ حَرَامٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ: وَيَحْرُمُ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَنَسَبَهُ إلَى الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ. الزَّرْكَشِيّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: يُكْرَهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْبُلْغَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَبْصِرَةِ الْوَعْظِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَقَالَ: إنَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَ أَحْمَدُ الْكَرَاهَةَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ. وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا. وَيَنْتَهِي الْمَنْعُ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِيِّ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ.

فَائِدَةٌ : يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ بَعْدَ الذَّبْحِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ عَلَى مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ الْيَوْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَوْلُهُ (وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَبِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ إنَّهَا وَاجِبَةٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَالْمَشْرُوعُ: أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. مَعَ الْوِجْدَانِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الشَّاتَانِ مُتَقَارِبَتَيْنِ. فِي السِّنِّ وَالشَّبَهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَدِمَ الشَّاتَانِ: فَوَاحِدَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُغْنِي. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَقْتَرِضُ، وَأَرْجُو أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَقْتَرِضُ مَعَ وَفَاءٍ. وَيَنْوِيهِ عَقِيقَةً وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ خَالَفَ وَعَقَّ عَنْ الذَّكَرِ بِكَبْشٍ: أَجْزَأَ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (يَوْمَ سَابِعِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مِنْ مِيلَادِ الْوَلَدِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُسْتَحَبُّ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ ضَحْوَةَ النَّهَارِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ أَنَّهُ يَذْبَحُ إحْدَى الشَّاتَيْنِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. وَالْأُخْرَى يَوْمَ سَابِعِهِ.

الثَّالِثَةُ: ذَبْحُهَا يَوْمَ السَّابِعِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ عَقَّ بِبَدَنَةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ: لَمْ يُجْزِهِ إلَّا كَامِلَةً. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَفْضَلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي أُضْحِيَّةٍ. الْخَامِسَةُ: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: أَوْ قَبْلَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ فِي آدَابِهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. وَهِيَ حَقٌّ لِلْأَبِ لَا لِلْأُمِّ. السَّادِسَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْ الْعَقِيقَةِ إنْ لَمْ يَعُقَّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْإِجْزَاءُ. قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أَنْ تُجْزِئَ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْعَقِيقَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي مَعْنَاهُ لَوْ اجْتَمَعَ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا تَضْحِيَةَ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْهَدْيُ. قَوْلُهُ (وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ وَرِقًا يَوْمَ السَّابِعِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ وَوَزْنِ شَعْرِهِ سُنَّةٌ أَكِيدَةٌ. وَإِنْ فَعَلَهُ فَحَسَنٌ. وَالْعَقِيقَةُ هِيَ السُّنَّةُ. تَنْبِيهٌ: الظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَلْقِ: الذَّكَرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَلِلْإِنَاثِ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ إلَّا الْإِنَاثَ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِنَّ الْحَلْقُ

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ يَحْلِقُ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: هُوَ سُنَّةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: بَلْ يُلَطَّخُ بِخَلُوقٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو حَكِيمٍ: هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ فَاتَ) يَعْنِي لَمْ يَكُنْ فِي سَبْعٍ (فَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ. فَإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ) أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْأَسَابِيعَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَيَعُقُّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيِّ يَوْمٍ أَرَادَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُهُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ فَاتَ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ إحْدَى وَعِشْرِينَ: ذَبَحَهَا بَعْدَهُ. لِأَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ سَبَبُهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ اعْتِبَارُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ. وَإِنْ فَاتَ فَفِي الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيد الْعِنَايَةِ. وَعَنْهُ تَخْتَصُّ الْعَقِيقَةُ بِالصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: لَا يَعُقُّ غَيْرُ الْأَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا بَلَغَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَعَنْ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ، إلَّا إنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوْ امْتِنَاعٍ. قَوْلُهُ (وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ) هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا شِرْكٌ فِي بَدَنَةٍ، وَلَا بَقَرَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَنَّهُ يَنْزِعُهَا أَعْضَاءً. وَلَا يَكْسِرُ لَهَا عَظْمًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسَّوَاقِطُ. وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتُشَارِكُهَا فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهَا كَالْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالضَّمَانِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، وَالزَّكَاةِ، وَالرُّكُوبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِهَا وَسَوَاقِطِهَا وَرَأْسِهَا، وَالصَّدَقَةُ بِثَمَنِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ حُكْمُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى. فَيَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحُكْمُهَا فِيمَا يُجْزِئُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا يُجْتَنَبُ فِيهَا مِنْ الْعُيُوبِ وَغَيْرِهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ شُرِعَتْ

يَوْمَ النَّحْرِ. فَأَشْبَهَتْ الْهَدْيَ. وَالْعَقِيقَةُ شُرِعَتْ عِنْدَ سُرُورٍ حَادِثٍ، وَتَجَدُّدِ نِعْمَةٍ. أَشْبَهَتْ الذَّبْحَ فِي الْوَلِيمَةِ. وَلِأَنَّ الذَّبِيحَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ هُنَا. فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالتَّفْرِقَةُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ التَّمْلِيكَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَإِنْ طَبَخَهَا وَدَعَا إخْوَانَهُ فَحَسَنٌ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: طَبْخُهَا أَفْضَلُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لِأَحْمَدَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ. قَالَ: يَتَحَمَّلُونَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُطْبَخَ مِنْهَا طَبِيخٌ حُلْوٌ، تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطَى الْقَابِلَةُ مِنْهَا فَخْذًا. الثَّانِيَةُ: يُؤَذَّنُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُؤَذَّنُ فِي الْيُمْنَى. وَيُقَامُ فِي الْيُسْرَى. الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّكَ بِتَمْرَةٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: بِتَمْرٍ أَوْ حُلْوٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ مَتَى يُخْتَنُ؟ فِي بَابِ السِّوَاكِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُسَنُّ الْفُرْعَةُ. وَهِيَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ. وَلَا الْعَتِيرَةُ وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ.

كتاب الجهاد

[كِتَابُ الْجِهَادِ] ِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وَمَا يَحْمِلُهُ، إذَا كَانَ بَعِيدًا) فَلَا يَجِبُ عَلَى أُنْثَى بِلَا نِزَاعٍ وَلَا خُنْثَى. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَا عَبْدٍ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا مَجْنُونٍ. وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. [وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَوَاخِرِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ] . قَوْلُهُ (مُسْتَطِيعٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يُلْزَمُ الْعَاجِزُ بِبَدَنَةٍ فِي مَالِهِ، اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُ ضَعِيفًا، وَلَا مَرِيضًا مَرَضًا شَدِيدًا. أَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْجِهَادَ كَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ. وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْمَى. وَيَلْزَم الْأَعْوَرَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْأَعْشَى. وَهُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ. وَلَا يَلْزَمُ أَشَلَّ، وَلَا أَقْطَعَ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ، وَلَا مَنْ أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ، أَوْ إبْهَامُهُ، أَوْ مَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ نَفْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ. وَلَا يَلْزَمُ الْأَعْرَجَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَالْعَرَجُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شِدَّةُ الْعَدْوِ: لَا يَمْنَعُ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَلْزَمُ أَعْرَجَ يَسِيرًا. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ بَعْدَ تَقْدِيمِهِ عَدَمَ اللُّزُومِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْأَعْرَجِ: إنْ كَانَ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَجَبَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ الْوَاجِدُ لِزَادِهِ) كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَهُوَ

الصَّحِيحُ الْوَاجِدُ بِمِلْكٍ أَوْ بَذْلٍ مِنْ الْإِمَامِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بَعِيدًا " مَسَافَةُ الْقَصْرِ. فَائِدَةٌ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ: وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ. وَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْ الْبَاقِينَ. لَكِنْ يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مَا عَدَا الْقِسْمَيْنِ هُنَا سُنَّةٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: إذَا فَعَلَ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَرَّتَيْنِ، فَفِي كَوْنِ الثَّانِي فَرْضًا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ: وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضِيَّتَهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَكَلَامُ أَحْمَدَ مُحْتَمَلٌ. انْتَهَى، وَقَدَّمَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ جَوَازُ فِعْلِ الْجِنَازَةِ ثَانِيًا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ. وَإِنْ فَعَلَهُ الْجَمِيعُ كَانَ كُلُّهُ فَرْضًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلُّ وِفَاقٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَعَلَّهُ إذَا فَعَلُوهُ جَمِيعًا. فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ. فَيَهْجُوهُمْ الشَّاعِرُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ: مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ، وَالدَّعْوَةِ وَالْحُجَّةِ، وَالْبَيَانِ، وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالْبَدَنِ. فَيَجِبُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ) مُرَادُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِهِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، مَعَ الْقُدْرَةِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُهُ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ قِلَّةِ عَلَفٍ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ انْتِظَارِ مَدَدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى تَأْخِيرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ

بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فِي عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ، أَوْ يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِمَدَدٍ يَسْتَعِينُ بِهِ، أَوْ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ إلَيْهِمْ مَانِعٌ، أَوْ لَيْسَ فِيهَا عَلَفٌ أَوْ مَاءٌ، أَوْ يَعْلَمُ مِنْ عَدُوِّهِ حُسْنَ الرَّأْيِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَطْمَعُ فِي إسْلَامِهِ إنْ أَخَّرَ قِتَالَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: جَازَ تَرْكُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُفْعَلُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، إلَّا لِمَانِعٍ بِطَرِيقٍ. وَلَا يُعْتَبَرُ أَمْنُهَا. فَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى الْخَوْفِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِحَاجَةٍ. وَعَنْهُ وَمَصْلَحَةٍ، كَرَجَاءِ إسْلَامٍ. وَهَذَا الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: خِلَافُ مَا قَطَعَا بِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ، أَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ: تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ " أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ، أَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ عِنْدَ اسْتِئْجَارِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ: إيجَابُهُ عَلَى النِّسَاءِ فِي حُضُورِ الصَّفِّ دَفْعًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ هُنَا: وَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَوْضِعَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَهُوَ حَاضِرٌ. وَالثَّانِي: إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ النَّفِيرُ إلَيْهِمْ. إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْأَهْلِ أَوْ الْمَكَانِ،

أَوْ الْمَالِ، وَالْآخَرُ: مَنْ يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ مِنْ الْخُرُوجِ. هَذَا فِي أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَمَنْ بِقُرْبِهِمْ. أَمَّا الْبَعِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ كِفَايَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: أَوْ كَانَ بَعِيدًا. أَوْ عَجَزَ عَنْ قَصْدِ الْعَدُوِّ. قُلْت: أَوْ قَرُبَ مِنْهُ وَقَدَرَ عَلَى قَصْدِهِ، لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ بِمَنْعِ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَقٍّ، كَحَبْسِهِ بِدَيْنٍ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ " أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَعِيدَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إلَى حُضُورِهِ. كَعَدَمِ كِفَايَةِ الْحَاضِرِينَ لِلْعَدُوِّ. فَيَتَعَيَّنُ أَيْضًا عَلَى الْبَعِيدِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْبُلْغَةِ تَنْبِيهٌ آخَرُ: قَوْلُهُ " أَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ " هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَظَاهِرُ بَحْثِ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ. وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ. لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. وَيَلْزَمُ الْحَصْرَ الْحُضُورُ. وَلَا عَكْسُهُ. فَوَائِدُ لَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالنَّفِيرِ مَعًا: صَلَّى وَنَفَرَ بَعْدَهَا، إنْ كَانَ الْعَدُوُّ بَعِيدًا. وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا نَفَرَ وَصَلَّى رَاكِبًا. وَذَلِكَ أَفْضَلُ. وَلَا يَنْفِرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لَهَا. نَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ: يَنْفِرُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقْتٌ. قُلْت: لَا يَدْرِي نَفِيرٌ حَقٌّ أَمْ لَا؟ قَالَ: إذَا نَادَوْا بِالنَّفِيرِ فَهُوَ حَقٌّ. قُلْت: إنْ أَكْثَرَ النَّفِيرَ لَا يَكُونُ حَقًّا؟ قَالَ: يَنْفِرُ بِكَوْنِهِ يَعْرِفُ مَجِيءَ عَدُوِّهِمْ كَيْفَ هُوَ؟ . قَوْلُهُ (وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ: الْجِهَادُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُنَاكَ، وَالْحَوَاشِي.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي لَمْ تَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ. وَهِيَ فِي غَيْرِهِ بِعَدْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: الْعِلْمُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الْجِهَادُ أَفْضَلُ مِنْ الرِّبَاطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ الْحَكَمِ، فِي تَفْضِيلِ تَجْهِيزِ الْغَازِي عَلَى الْمُرَابِطِ مِنْ غَيْرِ غَزْوٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ. لِأَنَّ الرِّبَاطَ أَصْلٌ وَالْجِهَادَ فَرْعُهُ. لِأَنَّهُ مَعْقِلٌ لِلْعَدُوِّ، وَرَدَّ لَهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْرِ. وَفِي غَيْرِهَا نَظِيرُهَا. [وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] . الثَّانِيَةُ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا. وَالصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالثَّغْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: [قِتَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ] . قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ. وَمَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ) .

بِلَا نِزَاعٍ. وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَدِّلًا، وَلَا مُرْجِفًا. وَنَحْوَهُمَا. وَيُقَدَّمُ الْقَوِيُّ مِنْهُمَا. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً. وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ) . وَهَكَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيهِمَا. وَيُسْتَحَبُّ وَلَوْ سَاعَةً. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُمْ: وَأَقَلُّهُ سَاعَةٌ. انْتَهَى. وَأَفْضَلُ الرِّبَاطِ: أَشَدُّهُ خَوْفًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ) . يَعْنِي يُكْرَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَنْتَقِلُ بِأَهْلِهِ إلَى مَدِينَةٍ تَكُونُ مَعْقِلًا لِلْمُسْلِمِينَ كَأَنْطَاكِيَةَ، وَالرَّمْلَةِ، وَدِمَشْقَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا كَانَ الثَّغْرُ مَخُوفًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَإِنْ كَانَ الثَّغْرُ آمِنًا لَمْ يُكْرَهْ نَقْلُ أَهْلِهِ إلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَأَمَّا أَهْلُ الثُّغُورِ: فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ السُّكْنَى بِأَهْلَيْهِمْ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَرِبَتْ الثَّغْرُ وَتَعَطَّلَتْ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ الْغَازِي لَا تَلَقِّيه. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي حَجٍّ، وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ. وَنَقَلَ عَنْهُ فِي حَجٍّ: لَا إنْ كَانَ قَصْدُهُ، أَوْ كَانَ ذَا عِلْمٍ، أَوْ هَاشِمِيًّا، وَيَخَافُ شَرَّهُ. وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ لِلْحَجِّ.

وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: وَتَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ. وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي: وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُوَدِّعُ الْقَاضِي الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ. مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْحُكْمِ. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ، وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَدَارُ الْحَرْبِ: مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ أَوْ بَلَدُ بُغَاةٍ أَوْ بِدْعَةٍ. كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ. بِمَا إذَا أَطَاقَهُ. فَإِذَا أَطَاقَهُ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً فِي الْعِدَّةِ. وَلَوْ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] عَنْ الْقَاضِي: أَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ: إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا: لَمْ تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا، وَأَمِنَتْهُمْ عَلَى نَفْسِهَا: لَمْ تُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ كَالْحَجِّ. وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ: جَازَ الْخُرُوجُ حَتَّى وَحْدَهَا، بِخِلَافِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ (وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ. فَائِدَةٌ قَالَ: لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي.

قَوْلُهُ (وَلَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقِيلَ: يَسْتَأْذِنُهُ فِي دَيْنٍ حَالٍّ فَقَطْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُ، وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ. قُلْت: يَأْتِي حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا مُحَرَّرًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَقَامَ لَهُ ضَامِنًا، أَوْ رَهْنًا مُحْرِزًا، أَوْ وَكِيلًا يَقْضِيهِ: جَازَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَا وَفَاءَ لَهُ " أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ: يُجَاهِدُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. وَكَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ: لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُهُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ. لِإِطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الْمُجَاهَدَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قُلْت: لَعَلَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ حَكَى وَجْهَيْنِ. فَقَالُوا: وَيَسْتَأْذِنُ الْمَدْيُونُ. وَقِيلَ: الْمُعْسِرُ. الثَّانِي: عُمُومُ. قَوْلِهِ (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ إلَّا بِإِذْنِ أَبِيهِ) . تَقْتَضِي اسْتِئْذَانَ الْأَبَوَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، أَوْ أَحَدَهُمَا كَالْحُرَّيْنِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ وَقِيلَ: أَوْ رَقِيقٌ لَمْ يَتَطَوَّعْ بِلَا إذْنِهِ. وَمَعَ رِقِّهِمَا: فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا إذْنَ لِجَدٍّ وَلَا لِجَدَّةٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ شَيْءٌ. وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ وَاحْتِمَالٌ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ. يَعْنِي: أَنَّهُ كَالْأَبِ فِي الِاسْتِئْذَانِ. تَبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ. فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ) . أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ: أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: حُكْمُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي عَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ حُكْمُ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ " أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يُقَوِّمُ بِهِ دِينَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. لِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا خَاصَّةً بِطَلَبِهِ بِلَا إذْنٍ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ لَا يَأْذَنُ لَهُ أَبَوَاهُ يُطْلَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ وَقِيلَ: أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ. وَقِيلَ: أَوْ فَلَا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِبَلَدِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِ أَبَوَيْهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: هَلْ يُجِيبُ أَبَوَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ مِنْ صَفِّهِمْ إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ [مُطْلَقًا] وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَلْزَمُ ثَبَاتُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالنَّصِيحَةِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: يَلْزَمُهُ الثَّبَاتُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَأَبُو طَالِبٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قِتَالُ دَفْعٍ أَوْ طَلَبٍ. فَالْأَوَّلُ: بِأَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ كَثِيرًا لَا يَطِيقُهُمْ الْمُسْلِمُونَ. وَيَخَافُونَ أَنَّهُمْ إنْ انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَطَفُوا عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَهَهُنَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهِمْ فِي الدَّفْعِ حَتَّى يُسَلِّمُوا. وَمِثْلُهُ: لَوْ هَجَمَ عَدُوٌّ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُقَاتِلَةُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ، لَكِنْ إنْ انْصَرَفُوا اسْتَوْلَوْا عَلَى الْحَرِيمِ. وَالثَّانِي: لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُصَافَّةِ أَوْ قَبْلَهَا. فَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حِينَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ: لَا يَجُوزُ الْإِدْبَارُ مُطْلَقًا إلَّا لِتَحَرُّفٍ أَوْ تَحَيُّزٍ. انْتَهَى. يَعْنِي: وَلَوْ ظَنُّوا التَّلَفَ. [إذَا عَلِمْت ذَلِكَ] فَقَالَ الْأَصْحَابُ: التَّحَرُّفُ أَنْ يَنْحَازَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ، مِثْلَ أَنْ يَنْحَازَ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ، وَمِنْ نُزُولٍ إلَى عُلْوٍ، وَمِنْ مُعَطِّشَةٍ إلَى مَاءٍ، أَوْ يَفِرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِيُنْقِضَ صُفُوفَهُمْ، أَوْ تَنْفِرَ خَيْلَهُمْ مِنْ رَجَّالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْجَةً، أَوْ يَسْتَنِدَ إلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ. وَقَالُوا فِي التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ: سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. قَوْلُهُ (فَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ: فَلَهُمْ الْفِرَارُ) . قَالَ الْجُمْهُورُ: وَالْفِرَارُ أَوْلَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ، مَعَ ظَنِّ التَّلَفِ بِتَرْكِهِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي النُّسَخِ اسْتِحْبَابَ الثَّبَاتِ لِلزَّائِدِ عَلَى الضَّعْفِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ: لَوْ خَشِيَ الْأَسْرَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَاتِلَ

حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَا يَسْتَأْسِرَ. وَإِنْ اسْتَأْسَرَ جَازَ. لِقِصَّةِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَيَأْتِي كَلَامُ الْآجُرِّيِّ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمْ الظَّفَرُ. فَلَيْسَ لَهُمْ الْفِرَارُ. وَلَوْ زَادُوا عَلَى أَضْعَافِهِمْ) . وَظَاهِرُهُ: وُجُوبُ الثَّبَاتِ عَلَيْهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشِّيرَازِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُطِيقُوا قِتَالَهُمْ: لَمْ يَعْصِ مَنْ انْهَزَمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ الثَّبَاتُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ عَلِمْنَا مِنْ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: لَوْ ظَنُّوا الْهَلَاكَ فِي الْفِرَارِ، وَفِي الثَّبَاتِ. فَالْأَوْلَى لَهُمْ: الْقِتَالُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُ الْقِتَالُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرَ. يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ. الْأَسْرُ شَدِيدٌ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ. وَقَدْ قَالَ عَمَّارٌ " مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " فَلِهَذَا قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ يُسَنُّ انْغِمَاسُهُ فِي الْعَدُوِّ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا نُهِيَ عَنْهُ. وَهُوَ مِنْ التَّهْلُكَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ نَارٌ فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ) .

بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ شَكُّوا فَعَلُوا مَا شَاءُوا، مِنْ الْمُقَامِ أَوْ إلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمْ الْمُقَامُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ ذَلِكَ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهَا. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ قُتِلَ فِيهِ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ إذَا لَمْ يَقْصِدْهُمْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُ نَحْلٍ وَلَا تَغْرِيقُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ شُهْدِهِ كُلِّهِ بِحَيْثُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّحْلِ شَيْءٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ، وَلَا شَاةٍ، إلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ) . يَعْنِي: لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا لِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ الْأَكْلُ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا فِي غَيْرِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ. كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَذَكَرَا ذَلِكَ إجْمَاعًا فِي دَجَاجٍ وَطَيْرٍ وَاخْتَارَا أَيْضًا: جَوَازَ قَتْلِ دَوَابِّ قِتَالِهِمْ إنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ سَوْقِهَا، وَلَا يَدَعُهَا لَهُمْ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَكْسُهُ أَشْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَجُوزُ قَتْلُ مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ،

وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ. وَقَالَا: لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَا فَائِدَتَانِ أَحَدُهُمَا: لَوْ حُزْنَا دَوَابَّهُمْ إلَيْنَا: لَمْ يَجُزْ قَتْلُهَا إلَّا لِلْأَكْلِ. وَلَوْ تَعَذَّرَ حَمْلُ مَتَاعٍ فَتُرِكَ وَلَمْ يُشْتَرَ: فَلِلْأَمِيرِ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَإِحْرَاقُهُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَإِلَّا حَرُمَ. إذْ مَا جَازَ اغْتِنَامُهُ حَرُمَ إتْلَافُهُ، وَإِلَّا جَازَ إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ غَنِمْنَاهُ، ثُمَّ عَجَزْنَا عَنْ نَقْلِهِ إلَى دَارِنَا. فَقَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ غَنِيمَةٌ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إتْلَافُ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَجِبُ إتْلَافُهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَجِبُ إتْلَافُ كُفْرٍ أَوْ تَبْدِيلٍ. قَوْلُهُ (وَفِي جَوَازِ إحْرَاقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ: رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. اعْلَمْ أَنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ لِغَرَضٍ مَا. فَهَذَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. الثَّانِي: مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ. فَهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ وَحَرْقُهُ. الثَّالِثُ: مَا عَدَاهُمَا. فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ.

وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِهِ، أَوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ بِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْأَشْهَرِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: لَا يَحْرُقُ شَيْئًا وَلَا بَهِيمَةً إلَّا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِنَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُمْ يُكَافَئُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ) . وَكَذَا هَدْمُ عَامِرِهِمْ. يَعْنِي: أَنَّ رَمْيَهُمْ بِالنَّارِ وَفَتْحَ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ كَحَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَهُوَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ [وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ] . وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِالْجَوَازِ إذَا عَجَزُوا عَنْ أَخْذِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَحُزْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ظَفِرَ بِهِمْ لَمْ يُقْتَلْ صَبِيٌّ، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا رَاهِبٌ، وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَلَا زَمِنٌ، وَلَا أَعْمَى. لَا رَأْيَ لَهُمْ، إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) . قَالَ الْأَصْحَابُ: أَوْ يُحَرِّضُوا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ قَتْلِ الرَّاهِبِ بِشَرْطِ عَدَمِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ. فَإِنْ خَالَفَ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَذْهَبُ: لَا يُقْتَلُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ: فِي الْمَرْأَةِ، إذَا انْكَشَفَتْ وَشَتَمَتْ الْمُسْلِمِينَ رُمِيَتْ. وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تُرْمَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِثْلُهَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُقْتَلُ غَيْرُ مَنْ سَمَّاهُمْ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ. أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي

وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَلَا الْفَلَاحُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ مِثْلُهُ لَا يُقَاتِلُ. فَائِدَةٌ: الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي. وَيُقْتَلُ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا قَاتَلَ. لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْهَازِ عَلَى الْجَرِيحِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ. فَيَكُونُ. بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ، إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَرْمِيَهُمْ، وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِالرَّمْيِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ رَمْيُهُمْ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ. لِأَنَّ تَرْكَهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْجَيْشِ، أَوْ فَوْتُ الْفَتْحِ، رَمْينَا بِقَصْدِ الْكُفَّارِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَحْرُمُ الرَّمْيُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لَكِنْ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فِي " فَصْلٌ وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ". وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: يَجِبُ الرَّمْيُ. وَيُكَفِّرُ. وَلَا دِيَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَوْ قَالُوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسَرَاكُمْ، فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ السَّيْرِ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهُ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي قَتْلِ الْمَرِيضِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ قَتْلِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُخَلِّيهِ وَلَا يَقْتُلُهُ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ، عَلَى. الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ جَوَازَ قَتْلِهِ لِلْمَصْلَحَةِ. كَقَتْلِ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ أَسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ. فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ رَجُلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ. وَغَرَّمَهُ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا قَبْلَ تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا. قَوْلُهُ (وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ أَوْ مَالٍ) يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِمَالٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَاضِي فِي كُتُبِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بِمَالٍ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ [وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ] وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِيمَنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْحُرِّيَّةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ أَوْ الْفِدَاءُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْإِيضَاحِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْخِرَقِيِّ إنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِ مَنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. الظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْ الْخِرَقِيَّ، أَوْ حَصَلَ سَقْطٌ. فَإِنَّ الْفِدَاءَ مَذْكُورٌ فِي الْخِرَقِيِّ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ: يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ (إلَّا غَيْرَ الْكِتَابِيِّ، فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِلَيْهِ مِيلُ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ أَخْذِهَا جَازَ اسْتِرْقَاقُهُمْ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ. فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمَجُوسُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَمُرَادُهُ بِغَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ: مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا، يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس. وَأَبُو الْبَرَكَاتِ جَعَلَ مَنَاطَ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ. فَعَلَى قَوْلِهِ: نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يَجْرِي فِيهِمْ الْخِلَافُ، لِعَدَمِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.

قَالَ: وَيَقْرَبُ مِنْ نَحْوِ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنَّهُ حَكَى الْخِلَافَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِيرَةِ لِلْأَمِيرِ إذَا كَانَ الْأَسِيرُ حُرًّا مُقَاتِلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ. لِبَقَاءِ نَسَبِهِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ أَيْضًا إذَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَرَقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِذِمِّيٍّ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ وَبِاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْبُلْغَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي رِقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يُبْطِلُ الِاسْتِرْقَاقُ حَقَّ مُسْلِمٍ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا فِي مَالٍ. فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. وَفِي سُقُوطِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ: احْتِمَالَانِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ. فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ. فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ. وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ. وَإِنْ أُسِرَ وَأُخِذَ مَالُهُ مَعًا فَالْكُلُّ لِلْغَانِمِينَ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لَمْ تُسْتَرَقَّ لِحَمْلِهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إلَّا الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ.

قُلْت: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ فَمُسْلِمٌ. وَإِنْ أَرَادَ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَ الْأَصْلَحِ، وَلَهُ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ. فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَدَّدَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَنَظَرُهُ فِي ذَلِكَ فَالْقَتْلُ أَوْلَى. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْخِيَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَحْرَارِ وَالْمُقَاتِلَةِ. أَمَّا الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ: فَالْإِمَامُ يُخَيَّرُ بَيْنَ قَتْلِهِمْ إنْ رَأَى. أَوْ تَرْكِهِمْ غَنِيمَةً كَالْبَهَائِمِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ: فَيَصِيرُونَ أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ السَّبْيِ. وَأَمَّا مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ غَيْرَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي، وَالرَّاهِبِ، وَالزَّمِنِ، وَالْأَعْمَى فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ: لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ. وَحَكَى ابْنُ مُنَجَّا عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الشَّيْخِ، وَالزَّمِنِ. وَلَعَلَّهُ فِي الْمُغْنِي الْقَدِيمِ. وَحَكَى أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَنْ لَا يُقْتَلُ كَالْأَعْمَى، وَنَحْوِهِ يَرِقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ. وَأَمَّا الْمَجْدُ: فَجَعَلَ مَنْ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ هَؤُلَاءِ: حُكْمُهُ حُكْمُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ. وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ، وَلَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ. وَفِي الْوَاضِحِ: مَنْ لَا يُقْتَلُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فِيهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ. وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ. قَالَ: وَلَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أَبِيهِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمُوا رَقُّوا فِي الْحَالِ) . يَعْنِي: إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ صَارَ رَقِيقًا فِي الْحَالِ. وَزَالَ التَّخْيِيرُ فِيهِ. وَصَارَ حُكْمُهُ

حُكْمَ النِّسَاءِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ. وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. فَعَلَى هَذَا: يَجُوزُ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ الرِّقِّ. وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ. أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ لَمْ يُسْتَرَقَّ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى الْأَسِيرُ إسْلَامًا سَابِقًا يَمْنَعُ رِقَّهُ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ: لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُ. جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. ذَكَرَهُ فِي بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ) إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا. فَهُوَ مُسْلِمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: بِالْإِجْمَاعِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ فَائِدَةٌ: الْمُمَيِّزُ الْمَسْبِيُّ كَالطِّفْلِ فِي كَوْنِهِ مُسْلِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَكُونُ مُسْلِمًا، مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا.

وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يُسْلِمَ بِنَفْسِهِ. كَالْبَالِغِ. وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، [وَالْكَافِي] وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَتْبَعُ أَبَاهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَعَنْهُ يَتْبَعُ الْمَسْبِيَّ مَعَهُ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ: وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَفِي إسْلَامِهِ رِوَايَتَانِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَافِرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَبَى ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا تَبِعَ سَابِيَهُ حَيْثُ يَتْبَعُ الْمُسْلِمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقِيلَ: إنْ سَبَاهُ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ قُلْت: يَحْتَمِلُهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. بَلْ هُوَ ظَاهِرُهُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ: يَتْبَعُ مَالِكًا مُسْلِمًا كَسَبْيٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ " بَابِ الْمُرْتَدِّ " إذَا مَاتَ أَبُو الطِّفْلِ الْكَافِرُ أَوْ أُمُّهُ الْكَافِرَةُ، أَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفَسِخَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الِانْفِسَاخَ إنْ تَعَدَّدَ السَّابِي. مِثْلَ أَنْ يَسْبِيَ امْرَأَةً وَاحِدٌ، وَالزَّوْجَ آخَرُ، وَقَالَا: لَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ لَا يَنْفَسِخُ. نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، كَزَوْجَةِ ذِمِّيٍّ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ سُبِيَتْ دُونَهُ. فَهَلْ تُنَجَّزُ الْفُرْقَةُ، أَوْ تَقِفُ عَلَى فَوَاتِ إسْلَامِهِمَا فِي الْعِدَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ سُبِيَ وَحْدَهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَنْفَسِخُ. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَلَعَلَّ أَبَا الْخَطَّابِ اخْتَارَهُ فِي غَيْرِ الْهِدَايَةِ. فَأَمَّا فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا أَوْ اُسْتُرِقَّ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ. وَعِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمُشْرِكٍ مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّرِيفُ أَبَوْ جَعْفَرٌ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ،

وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ كَافِرًا. وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَالِغِ مِنْ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْهَدِيَّةِ جَوَازُ بَيْعِ أَوْلَادِ الْمُحَارَبِينَ مِنْ آبَائِهِمْ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُفَادَاةِ بِمَالٍ حُكْمُ بَيْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَأَمَّا مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ: لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ، وَلَا نِسَاءٌ إلَى الْكُفَّارِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فِي مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ قَوْلُهُ (وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . إنْ كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ: لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي [وَالْمُغْنِي] وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ. وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ. وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي مَوْضِعٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَأَطْلَقَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ [وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ] وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَيَحْرُمُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (بَيْنَ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا غَيْرَ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْعَمَّةُ مَعَ ابْنِ أَخِيهَا [وَالْخَالَةُ مَعَ ابْنِ أُخْتِهَا] . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: اخْتِصَاصُ الْأَبَوَيْنِ وَالْجَدَّيْنِ بِذَلِكَ. وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ وَلَوْ رَضُوا بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ التَّفْرِيقِ فِي الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا كَأَخْذِهِ بِجِنَايَةٍ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا حُكْمُ الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بِالْعِتْقِ وَلَا بِافْتِدَاءِ الْأَسْرَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْعِتْقِ. لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَضَانَةِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي افْتِدَاءِ الْأَسْرَى. وَيَجُوزُ فِي الْعِتْقِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمْ نَسَبًا يَمْنَعُ التَّفْرِيقَ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمْ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا لَزِمَتْهُ مُصَابَرَتُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا. فَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ: أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) . يُحْرِزُ بِذَلِكَ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ، سَوَاءٌ كَانُوا فِي السَّبْيِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ. كَذَا مَالُهُ أَيْنَ كَانَ. وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْمَنْفَعَةَ. كَالْإِجَارَةِ. وَيُحْرِزُ أَيْضًا الْحَمْلَ لَا الَّذِي فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ. وَلَا يُحْرِزُ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ سُبِيَتْ الْحَرْبِيَّةُ وَزَوْجُهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَمْنَعْ رِقَّهَا. فَيَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ فِي الدَّوَامِ، بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ. وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ: جَازَ، إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بِمَالٍ وَغَيْرِهِ " أَمَّا الْمَالُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِغَيْرِ مَالٍ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُمْ، وَيَسْتَضِرَّ بِالْمُقَامِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ. إذَا كَانَ مُسْلِمًا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) يَعْنِي فِي الْجِهَادِ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى. وَجَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَلَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ، مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْفِدَاءِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ لَزِمَ قَبُولُهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ. وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: يَلْزَمُ فِي الْمُقَاتِلَةِ. وَلَا يَلْزَمُ فِي النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أَوْ قَتْلِهِ. وَيَجُوزُ لَهُ الْمَنُّ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ: يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَا الْغَانِمِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ، أَوْ سَبْيٍ. فَأَسْلَمُوا عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَفِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ،

وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يُسْتَرَقُّونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَرَقُّونَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَالَ إلَيْهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ: لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ. وَيُخَيَّرَ فِيهِمْ كَالْأَسْرَى، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا يُنْزِلُهُمْ. لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْحِصْنِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ: عُقِدَتْ مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ جَاءَنَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَأُسِرَ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرُهُ. فَهُوَ حُرٌّ. وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ فِي هُدْنَةٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَالْكُلُّ لَهُ. وَإِنْ أَقَامَ بِدَارِ حَرْبٍ: فَرَقِيقٌ. وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ. وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا: فَهُوَ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ: فَهُوَ حُرٌّ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي حَقٍّ غَنِيمَةٌ. فَلَوْ هَرَبَ إلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ جَاءَ بِأَمَانٍ: فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ لَنَا.

بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ قَوْلُهُ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُ كَذَا. . . إلَخْ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ. وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ وَالْمُرْجِفَ) فَالْمُخَذِّلُ: هُوَ الَّذِي يُقْعِدُ غَيْرَهُ عَنْ. الْغَزْوِ. وَالْمُرْجِفُ: هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِقُوَّةِ الْكُفَّارِ وَكَثْرَتِهِمْ، وَضَعْفِ غَيْرِهِمْ. وَيَمْنَعُ أَيْضًا مَنْ يُكَاتِبُ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ يَرْمِي بَيْنَهُمْ بِالْفِتَنِ. وَمَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِنِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ. وَيَمْنَعُ أَيْضًا الصَّبِيَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ: يَمْنَعُ الطِّفْلَ. زَادَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ اشْتَدَّ مِنْ الصِّبْيَانِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ " أَنَّهُ لَا يَصْحَبُهُمْ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصْحَبُهُمْ لِضَرُورَةٍ. الثَّانِي: ظَاهِرٌ قَوْلُهُ (وَيَمْنَعُ النِّسَاءَ، إلَّا طَاعِنَةً فِي السِّنِّ، لِسَقْيِ الْمَاءِ، وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى) . مَنَعَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا تُمْنَعُ امْرَأَةُ الْأَمِيرِ لِحَاجَتِهِ. كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الشَّابَّةِ مِنْ النِّسَاءِ أَرْضَ الْعَدُوِّ. وَجَوَّزُوا لِلْأَمِيرِ خَاصَّةً أَنْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ) . هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَعْنِي قَوْلَهُ " إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ " مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ إنْ قَوِيَ جَيْشُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْعَدُوِّ، لَوْ كَانُوا مَعَهُ. وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ: الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قَالَ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَحْرُمُ إلَّا لِحَاجَةٍ، لِحُسْنِ الظَّنِّ. قَالَ: وَقِيلَ: إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ، وَلَا يُعَاوِنُونَ وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ وَالْكِتَابَةِ. وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ مِثْلِ الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ. وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ وَالْأَوْلَى: الْمَنْعُ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي: الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَيْضًا. لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا. فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ: اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ. لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّغَارَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَتَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ الضَّرَرِ. وَلِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ، بِخِلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " لَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ " يَعْنِي: يَحْرُمُ إلَّا بِشَرْطِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يُكْرَهُ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَيَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ) . الْمُسْتَحَبُّ فِي الْأَلْوِيَةِ: أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ. لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالنَّصْرِ نَزَلَتْ مُسَوَّمَةً بِهَا. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَعْقِدُ لَهُمْ الْأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ بِأَيِّ لَوْنٍ شَاءَ. قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ وَيَتَخَيَّرُ لَهُمْ الْمَنَازِلَ. وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا. فَيَحْفَظُهَا. وَيَبْعَثُ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ، حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ. وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ. وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفَلِ. وَيُشَاوِرُ ذَا الرَّأْيِ. وَيَصُفُّ جَيْشَهُ وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ جَنْبَةٍ كُفُوًا. وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ قَلْعَةٍ أَوْ مَاءٍ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ. فَيَجُوزُ مَجْهُولًا. فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جَارِيَةً مِنْهُمْ فَمَاتَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ. فَلَا شَيْءَ لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَهُ قِيَمُهَا وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ سُلِّمَتْ إلَيْهِ) وَكَذَا إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ وَهِيَ أَمَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرٌ فَلَهُ قِيمَتُهَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَفِي جَوَازِ رَدِّهَا إلَيْهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِ، لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى إعْطَاءِ قِيمَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ. فَلَهُ قِيمَتُهَا) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ أَبَى إلَّا الْجَارِيَةَ، وَامْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا فُسِخَ الصُّلْحُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَسْخُ الصُّلْحِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ وَقَوَّاهُ. قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ. وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهَا لِمَنْ سَبَقَ حَقُّهُ. وَلِرَبِّ الْحِصْنِ الْقِيمَةُ. فَائِدَةٌ: لَوْ بُذِلَتْ لَهُ الْجَارِيَةُ مَجَّانًا أَوْ بِالْقِيمَةِ: لَزِمَهُ أَخْذُهَا وَإِعْطَاؤُهَا لَهُ. وَالْمُرَادُ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَرَّةِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا.

قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَهُ. وَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْجَيْشُ: بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وَإِذَا رَجَعَ: بَعَثَ أُخْرَى، فَمَا أَتَتْ بِهِ أَخْرَجَ خُمُسَهُ، وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جُعِلَ لَهَا، وَقَسَمَ الْبَاقِيَ فِي الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ مَعًا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ السَّرِيَّةَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَلَ الْمَذْكُورَ إلَّا بِشَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَعَنْهُ تَسْتَحِقُّهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَجَوَازُ إعْطَاءِ النَّفْلِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ عَمِلَ مَا فِيهِ عَنَاءٌ جُعْلًا، كَمَنْ نَقَبَ أَوْ صَعِدَ هَذَا الْمَكَانَ، أَوْ جَاءَ بِكَذَا فَلَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَوْ مِنْ الَّذِي جَاءَ بِهِ كَذَا. مَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يُعْطِي إلَّا بِشَرْطٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَيَحْرُمُ تَجَاوُزُهُ الثُّلُثَ فِي هَذَا وَفِي النَّفْلِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ بِلَا شَرْطٍ فَقَطْ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ

قَوْلُهُ (فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ إلَى الْبِرَازِ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشُّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي تَحْرِيمَ الْمُبَارَزَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: بِغَيْرِ إذْنٍ تَحْرُمُ الْمُبَارَزَةُ فَالسَّلْبُ الْمَشْهُورُ لَيْسَتْ جَائِزَةً وَعَنْهُ يُكْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. حَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي فَإِنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْأَمِيرَ فِي الْمُبَارَزَةِ إذَا أَمْكَنَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي اللِّبَاسِ: وَهَلْ تُسْتَحَبُّ الْمُبَارَزَةُ ابْتِدَاءً، لِمَا فِيهَا مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، أَمْ تُكْرَهُ لِئَلَّا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: الْمُبَارَزَةُ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. إحْدَاهَا: مُسْتَحَبَّةٌ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصِّنْفِ وَالثَّانِيَةُ: مُبَاحَةٌ. وَهِيَ: أَنْ يَبْتَدِئَ الشُّجَاعُ فَيَطْلُبَهَا. فَتُبَاحُ وَلَا تُسْتَحَبُّ قُلْت: فِي الْبُلْغَةِ: إنَّهَا تُسْتَحَبُّ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: مَكْرُوهَةٌ. وَهِيَ أَنْ يَبْرُزَ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ. فَتُكْرَهُ لَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إلَيْهِ: فَلَهُ شَرْطُهُ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ كَذَلِكَ. فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ، أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ. جَاز الدَّفْعُ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْكَافِرُ وَفِي الْبُلْغَةِ: أَوْ أُثْخِنَ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ وَالرَّمْيُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ، أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، أَوْ عَجَزَ وَقِيلَ: أَوْ ظَهَرَ الْكَافِرُ عَلَيْهِ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ وَالرَّمْيُ، وَالْقِتَالُ. وَقِيلَ. إنْ عَادَ أَحَدُهُمَا مُثْخَنًا، أَوْ مُخْتَارًا: جَازَ رَمْيُ الْكَافِرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ فَلَهُ سَلَبُهُ. وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرُ مَحْبُوسٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. وَسَوَاءٌ شَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْهَامِ، أَوْ الْإِرْضَاخِ. حَتَّى الْكَافِرِ. صَرَّحَ بِهِ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَسْتَحِقُّهُ. سَوَاءٌ شَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَا، عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَاظِمُهَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ أَيْضًا إذْنُ الْإِمَامِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ نَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ. وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّضْخِ فَائِدَةٌ: لَوْ بَارَزَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَقَتَلَ قَتِيلًا: لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ لِأَنَّهُ عَاصٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ عَاصٍ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ. وَعَنْهُ فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمُسُ وَبَاقِيهِ لَهُ. قَالَ: وَيَخْرُجُ فِي الْعَبْدِ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ (إذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ، غَيْرَ مُثْخَنٍ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ) . وَكَذَا لَوْ أَثْخَنَ الْكَافِرُ بِالْجِرَاحِ بِلَا نِزَاعٍ.

وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَقْتُلَهُ، أَوْ يُثْخِنَهُ فِي حَالِ امْتِنَاعِهِ. وَهُوَ مُقْبِلٌ فَإِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ: لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: فَإِنْ كَانَ مُنْهَزِمًا إلَّا لِانْحِرَافٍ، أَوْ لِتَحَيُّزٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إذَا انْهَزَمَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. فَأَدْرَكَهُ وَقَتَلَهُ، فَسَلَبُهُ لَهُ. لِقِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَوْلُهُ " حَالَ الْحَرْبِ " هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي هَذَا نَظَرٌ. فَإِنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَكْوَعِ: كَانَ الْمَقْتُولُ مُنْفَرِدًا. وَلَا قِتَالَ هُنَاكَ. بَلْ كَانَ الْمَقْتُولُ قَدْ هَرَبَ مِنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ قَتَلَ صَبِيًّا، أَوْ امْرَأَةً إذَا قَاتَلَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي مُسْتَحِقِّ السَّلَبِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْنَمِ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، رَجُلًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً. فَلَوْ كَانَ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ كَالْمُخَذِّلِ وَالْمُرْجِفِ، قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْكَافِرُ إذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ النَّاظِمِ فِي الْكَافِرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ: فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ: فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ. فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ، وَالْقَاضِي: سَلَبُهُ لَهُمَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ إنْ كَانَتْ ضَرْبَةُ أَحَدِهِمَا أَبْلَغَ كَانَ السَّلَبُ لَهُ وَإِلَّا كَانَ غَنِيمَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ: فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ بِطَرِيقِ أَوْلَى. وَقِيلَ: سَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْرَهُ فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) . وَكَذَا إنْ رَقَّهُ الْإِمَامُ أَوْ فَدَاهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ. فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاطِعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ مَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ. حُكْمُ مَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَقَتَلَهُ آخَرُ: أَنَّ سَلَبَهُ لِلْقَاتِلِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ غَنِيمَةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. وَجَزَمَ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَالسَّلَبُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ، وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا) . يَعْنِي الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْخَلَّالُ. وَعَنْهُ أَنَّ الدَّابَّةَ وَآلَتَهَا لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ. وَقِيلَ: هِيَ غَنِيمَةٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَغُرَّنَّكَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ. فَإِنَّهُ وَهْمٌ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: حِلْيَةُ الدَّابَّةِ لَيْسَتْ مِنْ السَّلَبِ، بَلْ هِيَ غَنِيمَةٌ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ فِي السَّيْفِ: لَا أَدْرِي. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِدَابَّتِهِ: الدَّابَّةُ الَّتِي قَاتَلَ عَلَيْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَوْ كَانَ آخِذًا بِعِنَانِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (وَنَفَقَتُهُ وَخَيْمَتُهُ وَرَحْلُهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ مِنْ السَّلَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَكَذَا حَقِيبَتُهُ الْمَشْدُودَةُ عَلَى فَرَسِهِ. وَقِيلَ: فِيمَا مَعَهُ مِنْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلْبَهُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ إذَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فُرْصَةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ. فَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ، ظَاهِرًا وَخُفْيَةً. جَمَاعَةً وَآحَادًا، جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: الْغَزْوُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَهُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ. وَلَا دُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ. وَلَهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ إذَا كَانُوا عُصْبَةً لَهُمْ مَنَعَةٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَغَنِمُوا فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَسَوَاءٌ كَانُوا قَلِيلِينَ أَوْ كَثِيرِينَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ عَبْدًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ هِيَ لَهُمْ [بَعْدَ الْخُمُسِ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَعَنْهُ هِيَ لَهُمْ] مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيمَا أَخَذُوهُ بِسَرِقَةٍ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فِيمَا أَخَذُوهُ بِسَرِقَةٍ، وَاخْتِلَاسٍ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَمَعْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ دَخَلُوا لَوْ كَانَ لَهُمْ مَنَعَةٌ: لَمْ يَكُنْ مَا غَنِمُوا فَيْئًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، يَعْنِي أَنَّهُ غَنِيمَةٌ فَيُخَمَّسُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَعَنْهُ أَنَّهُ فَيْءٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيَخْرُجُ فِيهِ وَجْهٌ كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ هُنَا أَيْضًا. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هَذَا الْوَجْهَ. يَعْنِي أَنَّهُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ طَعَامًا، أَوْ عَلَفًا. فَلَهُ أَكْلُهُ وَعَلَفُ دَابَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ) وَلَوْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ. وَعَنْهُ لَا يَعْلِفُ مِنْ الدَّوَابِّ إلَّا الْمُعَدَّ لِلرُّكُوبِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَأَطْلَقَهُمَا. وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ عَلَى أَشْهَرِ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَ سَبْيًا اشْتَرَاهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُحْرِزَ. فَإِنْ أَحْرَزَ بِدَارِ حَرْبٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَعَنْهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ كُلِّهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ الْفَهْدَ وَكَلْبَ الصَّيْدِ وَالْجَارِحَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ يَجُوزُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ وَأَطْلَقَهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ. فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمَغْنَمِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَازٍ أَوْ غَيْرِهِ.

فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ رَدَّ قِيمَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ. وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ لَمْ يَخْلُ. إمَّا أَنْ يَبْذُلَهُ بِطَعَامٍ، أَوْ عَلَفٍ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ، فَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ. إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ مُبَاحًا وَأَخَذَ مُبَاحًا مِثْلَهُ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ، أَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ. وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ فَأَخَذَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ إبْقَاؤُهُ. وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ، وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ: رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَلَهُ أَكْلُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْعُمْدَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالشَّارِحُ، فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْإِرْشَادِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ الْمُنَوِّرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ. وَإِنْ أَكَلَهُ لَمْ يَرُدَّ قِيمَةَ أَكْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ يَرُدُّهَا. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْيَسِيرَ هُنَا يَرْجِعُ قَدْرُهُ إلَى الْعُرْفِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُوجَزِ: هُوَ كَطَعَامِ أَوْ عَلَفِ يَوْمَيْنِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْيَسِيرُ كَعَلَفَةٍ وَعَلَفَتَيْنِ، وَطَبْخَةٍ وَطَبْخَتَيْنِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ. وَهُوَ صَحِيحٌ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ بِالصَّابُونِ. فَإِنْ غَسَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثُ: السُّكَّرُ وَالْمَعَاجِينُ وَنَحْوُهُمَا كَالطَّعَامِ. وَفِي إلْحَاقِ الْعَقَاقِيرِ بِالطَّعَامِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى إلْحَاقُهُ بِالطَّعَامِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الرِّعَايَةِ: وَلَهُ شُرْبُ الدَّوَاءِ مِنْ الْمَغْنَمِ وَأَكْلُهُ. الرَّابِعُ: مَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ وَالْأَكْلِ: إذَا لَمْ يَحُزْهَا الْإِمَامُ. أَمَّا إذَا حَازَهَا الْإِمَامُ وَوَكَّلَ مَنْ يَحْفَظُهَا: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصِ عَنْهُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَجَوَّزَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ الْأَكْلَ مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُطْلَقًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ فِي الْغَنِيمَةِ جَوَارِحُ الصَّيْدِ، كَالْفُهُودِ وَالْبُزَاةِ. نَقَلَ صَالِحٌ: لَا بَأْسَ بِثَمَنِ الْبَازِي. انْتَهَى. وَلَا يَدْخُلُ ثَمَنُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ. وَيَخُصُّ الْإِمَامُ بِالْكَلْبِ مَنْ شَاءَ. فَلَوْ رَغِبَ فِيهَا بَعْضُ الْغَانِمِينَ دُونَ بَعْضٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ. وَإِنْ رَغِبَ فِيهَا الْكُلُّ، أَوْ نَاسٌ كَثِيرٌ: قُسِّمَتْ عَدَدًا مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ إنْ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا. وَإِنْ تَعَذَّرَ، أَوْ تَنَازَعُوا فِي الْجَيِّدِ مِنْهَا: أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ. قَالَهُ أَحْمَدُ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَصُبُّ الْخَمْرَ. وَلَا يَكْسِرُ الْإِنَاءَ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا دُهْنُ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ، وَيَجُوزُ شُرْبُ شَرَابٍ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: دَهْنُهُ بِدُهْنٍ لِلتَّزَيُّنِ لَا يُعْجِبُنِي. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَذَ سِلَاحًا) يَعْنِي مِنْ الْغَنِيمَةِ (فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ ثُمَّ يَرُدُّهُ)

يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ السِّلَاحِ الَّذِي أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ لِلْقِتَالِ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْحَاجَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُ الْفَرَسِ) يَعْنِي لِيُقَاتِلَ عَلَيْهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ [وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: لَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَا يَعْجِفُهَا. فَائِدَةٌ: حُكْمُ لُبْسِ الثَّوْبِ حُكْمُ رُكُوبِ الْفَرَسِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يَرْكَبُ وَلَا يَلْبَسُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ.

باب قسمة الغنيمة

[بَابُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ] ِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ قَسْمِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا فَهُوَ أَحَقُّ، بِقِيمَتِهِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ مَالُ مُسْلِمٍ مِنْ الْكُفَّارِ، بَعْدَ أَخْذِهِمْ لَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ نَقُولَ: هُمْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا، وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُونَهَا وَأَخَذْنَاهَا مِنْهُمْ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ قُسِمَ. وَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ. وَإِنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْدَ قَسْمِهِ، أَوْ قَبْلَ قَسْمِهِ. فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ قَسْمِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيُرَدُّ إلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَقْسُومًا. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْإِرْشَادِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِيَدِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَقَدْ أَسْلَمَ، أَوْ أَتَانَا بِأَمَانٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَاعَهُ الْمُغْتَنِمُ قَبْلَ أَخْذِ سَيِّدِهِ: صَحَّ. وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الثَّانِي. كَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ: صَحَّ. وَيَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِأَخْذِهِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَالشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ. بِثَمَنٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ)

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْإِرْشَادِ. وَقَالَ الْقَاضِي: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِقِيمَتِهِ. وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ بَاعَهُ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُتَّهَبُهُ، أَوْ وَهَبَاهُ، أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَاهُ. لَزِمَ تَصَرُّفُهُمَا. وَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ آخَرَ مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْأَصْلِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا: لَزِمَ السَّيِّدَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخْذُهَا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْعِوَضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ: حُكْمُ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَمْوَالُ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهَا: حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا تَقَدَّمَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَقِيَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَعَهُمْ حَوْلًا أَوْ أَحْوَالًا: فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ: لَمْ يَعْتِقْ. وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: انْفِسَاخُ نِكَاحِهَا. وَقِيلَ: لَا يَنْفَسِخُ. كَالْحُرَّةِ

وَرَوَى ابْنُ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ: تَعُودُ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَتْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالسَّبْيِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا بِالْقَهْرِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا: فَلَا يُقْسَمُ بِحَالٍ. وَتُوقَفُ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا. وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، حَيْثُ وَجَدَهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، أَوْ إسْلَامِ آخِذِهِ وَهُوَ مَعَهُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: هُوَ أَحَقُّ بِمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِثَمَنٍ، لِئَلَّا يُنْتَقَضَ حُكْمُ الْقَاسِمِينَ. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ: رِوَايَةُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ. وَيَصِحُّ عِتْقُهُ. وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الْمُزَوَّجَةِ. قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي: يَمْلِكُونَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ فَعَلَيْهَا يَمْلِكُونَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا. يَعْنِي وَلَوْ حَازُوهَا إلَى دَارِهِمْ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: لَا يَمْلِكُونَهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَمُفْرَدَاتِهِ: رِوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَ فِيهَا عَدَمَ الْمِلْكِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَصَّ أَبُو الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ. وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَقْسُومًا، وَمِنْ الْعَدُوِّ إذَا أَسْلَمَ. وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ. وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَحْكَامٍ أُخِذَ مِنْهَا ذَلِكَ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا مِلْكًا مُقَيَّدًا لَا يُسَاوِي أَمْلَاك الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُونَهَا حَتَّى يَحُوزُوهَا إلَى دَارِهِمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَإِذَا قُلْنَا يَمْلِكُونَ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحُوزُوهُ بِدَارِهِمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ اسْتِيلَائِهِمْ، بَلْ بِالْحِيَازَةِ إلَى دَارِهِمْ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ. وَبَنَى ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ مِلْكَهُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُمْ مُخَاطَبُونَ: لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَإِلَّا مَلَكُوهَا. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ الْقَاضِي: أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ. وَأَيْضًا: إنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مِلْكِ الْكُفَّارِ وَعَدَمِهِ أَمْوَالَنَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ. أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ: فَلَا يَمْلِكُونَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَالْخِلَافُ فِي تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ عَامٌّ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ.

تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: حَيْثُ قُلْنَا يَمْلِكُونَهَا، فَلَا يَمْلِكُونَ الْجَيْشَ وَلَا الْوَقْفَ. وَيَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ كَالْوَقْفِ فَلَا يَمْلِكُونَهَا. صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَصَاحِبُ النَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ " أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَمْلِكُونَ مَا شَرَدَ إلَيْهِمْ مِنْ الدَّوَابِّ، أَوْ أَبَقَ مِنْ الْعَبِيدِ، أَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِمْ مِنْ السُّفُنِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الْمَذْهَبُ لَا يَمْلِكُونَهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْأَحْرَارَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا يَمْلِكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا، وَلَا ذِمِّيًّا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُ فِدَاؤُهُ لِحِفْظِهِ مِنْ الْأَذَى. وَنَصُّهُ فِي الذِّمِّيِّ إذَا اُسْتُعِينَ بِهِ. وَمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَلَهُ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ دَيْنًا، مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ التَّبَرُّعَ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فَوَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي [وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ] .

وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَادَةَ الْأَسْرَى وَأَهْلِ الثَّغْرِ، فَيَشْتَرِيهِمْ لِيُخَلِّصَهُمْ وَيَأْخُذَ مَا وَزَنَ لَا زِيَادَةً. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ. قَوْلُهُ (وَمَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، مِنْ رِكَازٍ أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ. فَهُوَ غَنِيمَةٌ) . إذَا كَانَ مَعَ الْجَيْشِ وَأُخِذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رِكَازًا وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِهِمْ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَالْمُتَلَصِّصِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ. فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. فِيهِ الْخُمُسُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَخَرَجَ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ. وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُبَاحِ وَلَهُ قِيمَةٌ كَالصَّيُودِ، وَالصَّمْغِ، وَالدَّارَصِينِيِّ، وَالْحِجَارَةِ، وَالْخَشَبِ، وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ غَنِيمَةٌ مُطْلَقًا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ صَادَ سَمَكًا وَكَانَ يَسِيرًا، فَلَا بَأْسَ بِهِ مِمَّا يَبِيعُهُ بِدَانِقٍ أَوْ قِيرَاطٍ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهَدِيَّةُ مُبَاحٍ، وَكَسْبُ طَائِفَةٍ غَنِيمَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْأَقْلَامِ، فَهُوَ لِآخِذِهِ. وَإِنْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ حُكْمُ مَنْ أُخِذَ مِنْ الْفِدْيَةِ، أَوْ مَا أُهْدِيَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ. قَوْلُهُ (وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ

فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمَا: لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِيلَاءٍ تَامٍّ، لَا فِي فَوْرِ الْهَزِيمَةِ لِالْتِبَاسِ الْأَمْرِ، هَلْ هُوَ حِيلَةٌ أَوْ ضَعْفٌ؟ وَقَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُمْلَكُ إلَّا بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ. وَتَرَدَّدَ فِي الْمِلْكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، هَلْ هُوَ بَاقٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ أَنَّ مِلْكَهُمْ انْقَطَعَ؟ [عَنْهَا] وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تُمْلَكُ. كَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ بِالْقَصْدِ. وَقِيلَ: لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهَا قَبْلَ الْحِيَازَةِ بِدَارِنَا. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ قَسْمُهَا فِيهَا كَذَا تَبَايُعُهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَفِي: رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهَا فِيهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ الْأَمِيرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا فَوَكَّلَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ: صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا حَرُمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إذَا تَبَايَعُوا بَعْدَ قِسْمَتِهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ، هَلْ تَكُونُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ؟ . قَوْلُهُ (وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: مَتَى شَهِدَ الْوَقْعَةَ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: لَوْ حَازُوهَا وَلَمْ تُقْسَمْ، ثُمَّ انْهَزَمَ قَوْمٌ: فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِمْ حَتَّى صَارُوا عُصَاةً. فَائِدَةٌ: يَسْتَحِقُّ أَيْضًا مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْ بَعَثَهُ الْأَمِيرُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ. مِثْلَ الرَّسُولِ وَالدَّلِيلِ، وَالْجَاسُوسِ، وَأَشْبَاهِهِمْ. فَيُسْهِمُ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا. وَيُسْهِمُ أَيْضًا لِمَنْ خَلَّفَهُمْ الْأَمِيرُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، غَزْوًا أَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ فَرَجَعُوا. نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (مِنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ وَأُجَرَائِهِمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُسْهَمُ لِلْمُكَارِي، وَالْبَيْطَارِ، وَالْحَدَّادِ، وَالْخَيَّاطِ، وَالْإِسْكَافِ وَالصُّنَّاعِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَسِيرٍ وَتَاجِرٍ رِوَايَتَيْنِ. وَالْإِسْهَامُ لِلتَّاجِرِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ لِأَجِيرِ الْخِدْمَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يُسْهَمُ لَهُ إذَا قَصَدَ الْجِهَادَ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّاجِرِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: هَلْ يُسْهَمُ لِتَاجِرِ الْعَسْكَرِ وَسَوْقِهِ، وَمُسْتَأْجَرٍ مَعَ جُنْدٍ، كَرِكَابِيٍّ وَسَائِسٍ، أَمْ يَرْضَخُ لَهُمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ، تَبَرُّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِتَالِ: فَلَا حَقَّ لَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: مِنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ثُمَّ مَرِضَ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ. وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ) يَعْنِي لَا حَقَّ لَهُمَا وَلَا لِفَرَسِهِمَا فِيهَا.

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ تَرَكَا ذَلِكَ وَقَاتَلَا. وَلَا يَرْضَخُ لَهُمْ. لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ. وَلَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا غَزَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ عَاصٍ. وَلَا شَيْءَ لِمَنْ يُعِينُ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا، وَلَا لِمَنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْحُضُورِ، وَلَا لِطِفْلٍ وَلَا مَجْنُونٍ. وَكَذَا حُكْمُ مَنْ هَرَبَ مِنْ كَافِرِينَ. ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَيُسْهَمُ لِمَنْ مُنِعَ مِنْ الْجِهَادِ لِدَيْنِهِ فَخَالَفَ، أَوْ مَنَعَهُ الْأَبُ مِنْ جِهَادِ التَّطَوُّعِ فَخَالَفَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ (وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ. فَلَا حَقَّ لَهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي. الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: قُلْت وَمِثْلُهُ الْهَرَمُ وَالضَّعِيفُ، وَالْعَاجِزُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُسْهَمُ لِفَرَسٍ عَجِيفٍ. وَيُحْتَمَلُ لَا، وَلَوْ شَهِدَهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَحِقَ مَدَدٌ أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ، فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا أُسْهِمَ لَهُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُمَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) أَنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، وَبَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ: أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

قَالَ فِي الْوَجِيزِ: يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ وَالْمَدَدِيِّ لِمَنْ أَدْرَكَاهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: إذَا قُلْنَا تُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَتُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ تَقَضِّي الْحَرْبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. فَعَلَى هَذَا: لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إلَّا مَنْ شَهِدَ الْإِحْرَازَ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: اعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ شُهُودَ إحْرَازِ الْوَقْعَةِ. وَقَالُوا: لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ. وَفَصَلَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَيْنَ الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْمَدَدِ. فَيَسْتَحِقُّ الْجَيْشُ بِحُضُورِ جَزْءٍ مِنْ الْوَقْعَةِ، إذَا كَانَ تَخَلُّفُهُمْ لِعُذْرٍ. وَيُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَدَدِ بِخِلَافِ الْحَرْبِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي فَائِدَةٌ: لَوْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ: لَمْ يَسْتَحِقُّوا مِنْهَا شَيْئًا. فَلَوْ لَحِقَهُمْ عَدُوٌّ فَقَاتَلَ الْمَدَدُ مَعَ الْجَيْشِ، حَتَّى سَلِمُوا بِالْغَنِيمَةِ: لَمْ يَسْتَحِقُّوا أَيْضًا مِنْهَا شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاتَلُوا عَنْ أَصْحَابِهَا. لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَيْدِيهمْ وَجَدُوهَا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ. فَيَقْسِمُ خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ) الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ.

وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمُقَاتِلَةِ. وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ. وَعَنْهُ يُصْرَفُ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَهُوَ لِمَنْ يَلِي بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ اللَّهِ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ اللَّهَ أَضَافَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إضَافَةَ مِلْكٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِ النَّاسِ. ثُمَّ اخْتَارَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. بَلْ أَمْرُهَا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يُنْفِقُهَا فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى. وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ حَيْثُ كَانُوا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانُوا مُجَاهِدِينَ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمُوا بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُعْطُونَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْعُمْدَةِ. وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ ابْنُ شَاقِلَا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَجِبُ تَعْمِيمُهُمْ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا حَسَبَ الْإِمْكَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. فَعَلَى هَذَا: يَبْعَثُ الْإِمَامُ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْأَقَالِيمِ، وَيَنْظُرُ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا اسْتَوَتْ الْأَخْمَاسُ فَرَّقَ كُلَّ خَمْسٍ فِيمَنْ قَارَبَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُمِرَ بِحَمْلِ الْفَاضِلِ لِيُدْفَعَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ. لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَشُقُّ. فَلَمْ يَجِبْ كَالْمَسَاكِينِ. وَالْإِمَامُ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ إلَّا فِي قَلِيلٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ. فَعَلَى هَذَا يُفَرِّقُهُ كُلُّ سُلْطَانٍ فِيمَا أَمْكَنَ مِنْ بِلَادِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَلَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي وَاحِدٌ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: بَلْ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ. وَقِيلَ: مَا حَصَلَ مِنْ مَغْزَاهُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْخُمُسِ فِي جِهَةِ مَغْزَاهُ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا. الثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ. وَلَا لِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ، وَلَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: حِرْمَانُ الْمَوَالِي هُنَا فِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ لِكَوْنِهِمْ مِنْهُمْ. فَوَجَبَ أَنْ يُعْطُوا مِنْ الْخُمُسِ. انْتَهَى.

الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَأْخُذُوا سَهْمَهُمْ صُرِفَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ) هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ مِنْهُمْ الْيَتِيمُ الْغَنِيُّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: " الْيَتِيمُ " مَنْ لَا أَب لَهُ، إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ. قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْفُقَرَاءُ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُعْطُوا كَالزَّكَاةِ بِلَا نِزَاعِ. وَيَعُمُّ بِسِهَامِهِمْ جَمِيعَ الْبِلَادِ حَسَبَ الْإِمْكَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَكْفِي وَاحِدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَمِنْ ذَوِي الْقُرْبَى إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ كَالزَّكَاةِ. وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ، يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ.

وَذَكَرَ فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: أَنَّهُ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ عَنْ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَصْرِفَ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. وَهُوَ تَبَعٌ لِخُمُسِ الْغَنَائِمِ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُمْ كَالزَّكَاةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ أَسْبَابٌ كَالْمِسْكِينِ الْيَتِيمِ اسْتَحَقَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لِأَحْكَامٍ. فَإِنْ أَعْطَاهُ لِيُتْمِهِ فَزَالَ فَقْرُهُ، لَمْ يُعْطَ لِفَقْرِهِ شَيْئًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَهَا نَظَائِرُ تَأْتِي فِي الْوَقْفِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ لِمَصْلَحَةٍ، مِثْلَ نَفْلُ بَعْثَةِ سَرِيَّةٍ تُغِيرُ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا مَنْ جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ جُعْلًا. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ) . أَنَّ النَّفَلَ وَالرَّضْخَ يَكُونُ إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ. فَيَكُونَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: الرَّضْخُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحْمَدَ. وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. وَقِيلَ: النَّفَلُ وَالرَّضْخُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَهُمْ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) .

يَرْضَخُ لِلْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعْطَى نِصْفُ سَهْمِ رَجُلٍ، وَنِصْفُ الرَّضْخِ. فَإِنْ انْكَشَفَ حَالُهُ فَبَانَ رَجُلًا تَمَّمَ لَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ. وَيَرْضَخُ لِلصَّبِيِّ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا إلَى الْبُلُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يَرْضَخُ أَيْضًا لِمَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَيُسْهَمُ لَهُ بِحِسَابِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَرْضَخُ لَهُ فَقَطْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: يَجُوزُ التَّفْضِيلُ بَيْنَ مَنْ يَرْضَخُ لَهُمْ، عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ غِنَائِهِمْ وَنَفْعِهِمْ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَافِرِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي هَلْ يَرْضَخُ لَهُ، أَوْ يُسْهَمُ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْإِرْشَادِ. إحْدَاهُمَا: يَرْضَخُ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْأُخْرَى: يُسْهَمُ لَهُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَنَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهِيَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُسْهَمُ لَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ " غَزَا مَعَنَا " لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَشَرَطَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ كَالْخِرَقِيِّ. الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلرَّاجِلِ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلِلْفَارِسِ سَهْمُ فَارِسٍ) الْعَبْدُ إذَا غَزَا عَلَى فَرَسِ سَيِّدِهِ. فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْكَافِرُ إذَا غَزَا عَلَى فَرَسٍ. وَلَمْ أَرَهُ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ: أَسْهَمَ لَهُمْ) أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ. فَيَشْمَلُ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ.

وَالثَّانِي: يُسْهَمُ لَهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا لَحِقَ مَدَدِيٌّ، أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ " لَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي تَغَيُّرِ حَالِ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَتَغَيَّرَ أَحْوَالُهُمْ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ. فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ) فَسَهْمُ الْفَرَسِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فَرَسَانِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ غَيْرُ فَرَسِ الْعَبْدِ لَمْ يُسْهَمْ لِفَرَسِ الْعَبْدِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقْسِمُ بَاقِيَ الْغَنِيمَةِ. لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةِ الْجَيْشِ أَوْ خَلَّفَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا أَوْ بِرْذَوْنًا. فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: هَذَا أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْإِيضَاحِ. قَالَ الْخَلَّالُ: تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَحْمَدَ فِي إسْهَامِ الْبِرْذَوْنِ: أَنَّهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ.

وَعَنْهُ لَهُ سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ مُتَيَقِّظُونَ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ سَهْمُ الْعَرَبِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُنَوِّرِ وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ لَهُ سَهْمَانِ إنْ عَمِلَ كَالْعَرَبِيِّ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ أَصْلًا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: " الْهَجِينُ " مَنْ أُمُّهُ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ، وَأَبُوهُ عَرَبِيٌّ، وَعَكْسُهُ الْمُقْرِفُ. وَ " الْبِرْذَوْنُ " مَنْ أَبَوَاهُ غَيْرُ عَرَبِيَّيْنِ. وَ " الْعَرَبِيُّ " مَنْ أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ. وَيُسَمَّى الْعَتِيقَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: يُسْهَمُ لِثَلَاثَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. وَالْإِسْهَامُ لِفَرَسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُسْهَمُ لِبَعِيرِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ: قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. نَقَلَهَا الْمَيْمُونِيُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ كَانَ عَلَى بَعِيرٍ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ سَهْمَانِ، سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِبَعِيرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْعِنَايَةِ. وَهُنَّ أَوْجُهٌ مُطْلَقَاتٌ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ: يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَلِبَعِيرِهِ سَهْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَسٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنَّ حُكْمَ الْبَعِيرِ فِي الْإِسْهَامِ حُكْمُ الْهَجِينِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِ الْإِسْهَامِ لِلْبَعِيرِ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ الْوَقْعَةَ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَمْلِ: لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ) . وَالْفِيلَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: حُكْمُ الْفِيلِ حُكْمُ الْبَعِيرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الْبَعِيرِ وَالْفِيلِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: كَبَعِيرٍ. وَقِيلَ: سَهْمُ هَجِينٍ. انْتَهَى. قُلْت: لَوْ قِيلَ: سَهْمٌ لِلْفِيلِ كَالْعَرَبِيِّ، لَكَانَ مُتَّجَهًا. فَائِدَةٌ: لَا يُسْهَمُ لِلْبِغَالِ، وَلَا لِلْحَمِيرِ، بِلَا نِزَاعٍ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْبَعِيرِ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: لَيْسَ لِلْبَغْلِ إلَّا النَّفَلُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْبَغْلَ يَجُوزُ الرَّضْخُ لَهُ. وَهُوَ قِيَاسُ الْأُصُولِ وَالْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ: يُرْضَخُ لَهُمْ. كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ، كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ يَرْضَخُ لَهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: إنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ " الْبَغْلُ لِلثِّقَلِ " يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلرُّكُوبِ فِي الْقِتَالِ، بَلْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ. فَتَصَحَّفَ " الثِّقَلُ " بِالنَّفْلِ. ثُمَّ زِيدَ فِيهِ لَفْظَةُ " لَيْسَ " وَ " إلَّا ". قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا، أَوْ اسْتَعَارَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ، وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ: فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ) يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ. فَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِلَا نِزَاعٍ. وَسَهْمُ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارَةِ لِلْمُسْتَعِيرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ. وَعَنْهُ سَهْمُهُ لِلْمُعِيرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَزَا عَلَى فَرَسٍ حَبِيسٍ: اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ أَيْ مَاتَ أَوْ شَرَدَ، حَتَّى تَقَضَّى الْحَرْبُ. فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ) أَنَّهُ لَوْ صَارَ فَارِسًا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، وَقَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ: أَنَّ لَهُ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ. لِأَنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِتَقَضِّي الْحَرْبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ رَاجِلٌ: فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ. وَإِذَا أُحْرِزَتْ، وَهُوَ فَارِسٌ: فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ. قَالَ الشَّارِحُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِحِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ: الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا. فَيَكُونُ كَالْأَوَّلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ جَمْعَ الْغَنِيمَةِ وَضَمَّهَا وَإِحْرَازَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمُعْتَمَدُ أَصْلًا. وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ تَمَامُ الِاسْتِيلَاءِ. فَعَلَى هَذَا إذَا جَاءَ مَدَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ انْفَلَتَ أَسِيرٌ: فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ. وَعَنْ الْقَاضِي: أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ تُحْرَزْ الْغَنِيمَةُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا فِيمَا إذَا لَحِقَ مَدَدٌ، وَفِيمَا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُخْتَلِفٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ: الْفَرْقُ بَيْنَ ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُ الْفَرَسِ لِمَالِكِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَهْمَهُ لِغَاصِبِهِ. وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لِرَبِّهِ. وَيَأْتِي، إذَا غَصَبَ فَرَسًا وَكَسَبَ عَلَيْهِ: فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ، وَفِي الْغَصْبِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغَصْبِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقِيلَ: لَا رَضْخَ لَهَا وَلَا سَهْمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهَا، وَلَوْ كَانَ غَاصِبُهَا مِنْ أَصْحَابِ الرَّضْخِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ يَرْضَخُ لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهَا وَلَا يَرْضَخُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ: وَسَهْمُ فَرَسٍ مَغْصُوبٍ كَصَيْدِ جَارِحٍ مَغْصُوبٍ. وَقَالَ فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا صَادَ بِالْجَارِحِ: هَلْ يَرُدُّ صَيْدَهُ، أَوْ أُجْرَتَهُ، أَوْ هُمَا؟ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِلْأَجِيرِ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ رُكُوبُ دَابَّةٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا بِشَرْطٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ: لَمْ يَجُزْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَحَكَيَاهُ رِوَايَةً. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ: إنْ بَقِيَ مَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الْقَسْمِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، عَجْزًا عَنْ حَمْلِهِ. فَقَالَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ غَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَتَبَقَّى جَزْءٌ مِنْ الْمَتَاعِ مِمَّا لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى، فَيَدَعُهُ الْوَالِي، بِمَنْزِلَةِ الْفَخَّارِ وَمَا أَشْبَهَ، أَيَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا تَرَكَ وَلَمْ يَشْتَرِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمَتَاعِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حَمْلِهِ: إذَا حَمَلَهُ يُقْسَمُ. قَالَ الْخَلَّالُ: لَا أَشُكُّ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ هَذَا أَوْ لَا. ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبِيحَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي أَرْضِهِمْ كَالْمِسَنِّ، وَالْأَقْلَامِ، وَالْأَدْوِيَةِ كَانَ لَهُ. هُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَإِنْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِمُعَالَجَتِهِ أَوْ نَقْلِهِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَحْوِهِ. وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ. وَأَمَّا إذَا فَضَّلَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَمَحَلُّهُمَا إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْمُعْطَى، كَالشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا. فَإِنْ كَانَ لَا لِمَعْنًى لَهُ فِيهِ: لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِيهِ، وَلَمْ يَشْرِطْهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْلِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْأُجْرَةُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِحُضُورِهِ كَعَبْدٍ،

وَامْرَأَةٍ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ كَافِرًا: صَحَّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْكَافِرِ لِلْجِهَادِ. وَقَالَ: وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ . وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْإِمَامِ لَهُمْ. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى الِاسْتِئْجَارِ لِخِدْمَةِ الْجَيْشِ. فَعَلَى الْأُولَى: لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْأُجْرَةُ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا. وَعَنْهُ يُسْهَمُ لِلْكَافِرِ. وَقِيلَ: يَرْضَخُ لَهُمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ: لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمْ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اُسْتُؤْجِرَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرُدُّ الْأُجْرَةَ، وَيُسْهَمُ لَهُمْ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يُسْهَمُ [لَهُمْ] عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُمْ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُسْهَمُ لَهُ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ مَعَ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ، الْمَنْصُوصُ: أَنَّ حَقَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْفَرْعِ خِلَافًا. وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَا مَتَى قُلْنَا لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ: أَنْ لَا يُورَثَ. فَإِنَّ التَّوْرِيثَ يُذْكَرُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَفُرُوعِهِ بِالْإِبْطَالِ. فَإِنَّ مَنْ اخْتَارَ جَعَلَهُمْ كَالشَّفِيعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَا يُورَثُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ. وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ: يُكْتَفَى بِالْمُطَالَبَةِ فِي مِيرَاثِ الْحَقِّ كَالشُّفْعَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ أَمْ لَا. وَيَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَوَارِثٌ كَمُورِثِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ. لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَنَصَرَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَبَايَعُوهَا. ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ. فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْن عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. [قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ] . الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: مِنْ مَالِ الْبَائِعِ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ [فِي الْمُغْنِي] الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ تَفْرِيطٌ مِنْ الْمُشْتَرِي. أَمَّا إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، مِثْلَ مَا إذَا خَرَجَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُعَسْكَرِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ لَوْ تَبَايَعُوا شَيْئًا مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّيْخَانِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِمَا. فَإِنَّهُ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا تَبَايَعَ نَفْسَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتَقَابَضَا وَعَلَّلَ رِوَايَةَ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَالَ خَوْفٍ. فَالْقَبْضُ غَيْرُ

حَاصِلٍ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَلَّمَهُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا. وَيَتْلَفُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ هُنَا. وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالتَّعْلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: خَصَّ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ بِمَالِ الْغَنِيمَةِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَبَايُعِ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجْهَيْنِ كَمَالِ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا مَا بِيعَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ نَهْبٍ وَنَحْوِهِ: فَمَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، قَوْلًا وَاحِدًا. ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، كَشِرَاءِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ، مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ: أُدِّبَ وَلَمْ يُبْلَغْ بِهِ الْحَدُّ. وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرِيَةِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَلِدَ مِنْهُ. فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) إذَا أَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَتُهَا فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا. وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَمَهْرَهَا أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ هَلْ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ؟ فَيَجِبُ الْمَهْرُ. أَوْ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْوَطْءِ وَهُوَ النَّزْعُ؟ فَلَا يَجِبُ. لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَّ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا أَوْ مَهْرَهَا وَوَلَدَهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: وَلَزِمَهُ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى حَقِّهِ مِنْهَا. وَإِنْ رَجَعَتْ لَهُ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَهْرَهَا. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي: إذَا صَارَ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ: يَكُونُ الْوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِهِ. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً. لَهُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهَا. لِأَنَّ حَمْلَهَا بِحُرٍّ يَمْنَعُ بَيْعَهَا. وَفِي تَأْخِيرِ قَسْمِهَا حَتَّى تَضَعَ: ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْغَنِيمَةِ. فَوَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ مُعْسِرًا حَسَبَ قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ. فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَبَاقِيهَا رَقِيقٌ لِلْغَانِمِينَ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلِأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: أَنْ لَا يَنْفُذَ اسْتِيلَاؤُهَا، لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَأَنْ يَنْفُذَ إعْتَاقُهَا كَمَا يَنْفُذُ اسْتِيلَاءُ الِابْنِ فِي أَمَةِ أَبِيهِ دُونَ إعْتَاقِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَحَكَى فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ احْتِمَالًا آخَرَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا. كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِتْقِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ عَبْدًا: عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَسْبِقَ تَمَلُّكُهُ لَفْظًا. وَوَافَقَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ الْقَاضِي، لَكِنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ التَّمَلُّكِ وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً قَبْلَ الْقِسْمَةِ: لَمْ تَعْتِقْ. فَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ: عَتَقَتْ إنْ كَانَتْ قَدْرَ حَقِّهِ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا عَتَقَ قَدْرُ حَقِّهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ جِنْسًا وَاحِدًا فَكَالْمَنْصُوصِ. وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا. فَكَقَوْلِ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إذَا وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى بَعْضِ الْغَانِمِينَ، فَهَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. الثَّالِثَةُ: يَكُونُ مَوْقُوفًا، إنْ تَعَيَّنَ سَهْمُهُ فِي الرَّقِيقِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَالْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ يُحَرِّقُ رَحْلَهُ) سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (إلَّا السِّلَاحَ، وَالْمُصْحَفَ، وَالْحَيَوَانَ) وَكَذَا نَفَقَتُهُ. يَعْنِي: يَجِبُ حَرْقُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْخِرَقِيُّ وَالْآجُرِّيُّ مِنْ التَّحْرِيقِ إلَّا الْمُصْحَفَ وَالدَّابَّةَ. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ تَحْرِيقَ رِجْلِ الْغَالِّ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ لَا الْحَدِّ. فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مُرَادُهُ بِالْحَيَوَانِ: الْحَيَوَانُ بِآلَتِهِ، مِنْ سَرْجٍ وَلِجَامٍ وَحَبْلٍ وَرَحْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَلَفِهَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُحَرِّقُ كُتُبَ الْعِلْمِ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا لَا يُحَرَّقَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا يُحَرِّقُ كُتُبَ عِلْمِ وَثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ لَا تُحَرَّقُ وَقَالَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُحَرَّقَ. انْتَهَيَا. وَقِيلَ: تُحَرَّقُ ثِيَابُهُ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إلَّا الْمُصْحَفَ، وَالْحَيَوَانَ، وَثِيَابَ سُتْرَتِهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مَا لَمْ تَأْكُلْهُ النَّارُ، يَكُونُ لِرَبِّهِ. وَكَذَا مَا اسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُبَاعُ الْمُصْحَفُ، وَيُتَصَدَّقُ بِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ سَهْمُهُ. اخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. الثَّالِثَةُ: يُؤْخَذُ مَا غَلَّهُ مِنْ الْمَغْنَمِ. فَإِنْ تَابَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: رَدَّ لِلْمَغْنَمِ. وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ: رَدَّ خُمُسَهُ لِلْإِمَامِ، وَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ لِإِحْرَاقِ رَحْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْغَالُّ " حَيًّا " نَصَّ عَلَيْهِ " حُرًّا مُكَلَّفًا " وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مُلْزَمًا. ذَكَرَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مُسْلِمًا. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُحَرِّقُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْضًا. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَبَنَيَاهُمَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ صَحَّ الْبَيْعُ: لَمْ يُحَرِّقْ، وَإِلَّا حَرَّقَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. الْخَامِسَةُ: يُعَزَّرُ الْغَالُّ أَيْضًا، مَعَ إحْرَاقِ رَحْلِهِ بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ. لَكِنْ لَا يُنْفَى. نَصَّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ السَّارِقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُحَرَّقُ رَحْلُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَالِّ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ سَهْمٌ أَوْ لَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى الْغَالِّ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا أُهْدِيَ لَهُ مِنْهَا، أَوْ بَاعَهُ أَمَامَهُ، أَوْ حَابَاهُ: لَا يَكُونُ غَالًّا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا الْآجُرِّيَّ. فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ غَالٌّ أَيْضًا. الثَّالِثُ: لَوْ غَلَّ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ: لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَمَا أُخِذَ مِنْ الْفِدْيَةِ، أَوْ أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ) بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَأَمَّا مَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُهْدَى فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ لَا. فَإِنْ أُهْدِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ: فَهُوَ غَنِيمَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ. وَعَنْهُ هُوَ فَيْءٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِنْ أُهْدِيَ مَنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَقِيلَ: هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: هُوَ فَيْءٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا أُهْدِيَ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقِيلَ: هُوَ غَنِيمَةٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ يَكُونُ لِمَنْ أُهْدِيَ لَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ: فَلَهُ، وَإِلَّا فَغَنِيمَةٌ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ كَانَ أُهْدِيَ إلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: فَهُوَ لَهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْقَطَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ حَقَّهُ، وَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا: فَهُوَ لِلْبَاقِينَ. وَفِي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُ الْمُتَمَلِّكِ، وَفِي مِلْكِهِ بِتَمَلُّكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْلِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُونَ إنْ تَمَلَّكُوا. وَقَالَ أَيْضًا: لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إذَا قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ لَمْ يَمْلِكْ حَقَّهُ مِنْهَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اخْتَرْت تَمَلُّكَهَا. فَإِذَا اخْتَارَهُ مَلَّكَهُ حَقَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ أَسْقَطَ كُلٌّ مِنْ الْغَانِمِينَ حَقَّهُ: فَهُوَ فَيْءٌ.

باب حكم الأرضين المغنومة

[بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ] ِ قَوْلُهُ (أَحَدُهَا: مَا فُتِحَ عَنْوَةً. وَهِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قِسْمَتِهَا) كَمَنْقُولٍ، وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. (وَوَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ) بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ الْوَقْفُ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. زَادَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَوْ يَتْرُكُهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِخَرَاجٍ مُسْتَمِرٍّ، يُؤْخَذُ مِمَّنْ تُقَرُّ بِيَدِهِ، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، بِلَا أُجْرَةٍ. وَتَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً بَيْنَ قِسْمَتِهَا وَبَيْنَ دَفْعِهَا: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَالْمَنْقُولِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا. لَا يُعْتَبَرُ لَهَا التَّلَفُّظُ بِالْوَقْفِ، بَلْ تَرْكُهُ لَهَا مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا، كَمَا لَوْ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ. لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى لَفْظٍ. وَتَصِيرُ أَرْضَ عُشْرٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ " كَالْمَنْقُولِ " قَالَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا قَسَمَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يُخَمِّسُهَا، حَيْثُ قَالُوا " كَالْمَنْقُولِ " قَالَ: وَعُمُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْقَاضِي وَقِصَّةُ خَيْبَرَ: تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُخَمَّسُ. لِأَنَّهَا فَيْءٌ وَلَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ. لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُوقَفُ. وَالْأَرْضُ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ وَقَفَهَا. وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهَا، كَمَا يُقْسَمُ الْفَيْءُ. وَلَيْسَ فِي الْفَيْءِ خُمُسٌ. وَرَجَّحَ ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ جَعَلَهَا الْإِمَامُ فَيْئًا صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بَاقِيًا فِيهَا دَائِمًا وَأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْغَانِمِينَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا " لِلْإِمَامِ الْخِيَرَةُ " فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَصْلَحِ كَالتَّخَيُّرِ فِي الْأُسَارَى. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُهُمْ، أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ: لَمْ يَجُزْ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ: مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ وَقْفٍ وَقِسْمَةٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْمُغْنِي فِي الْبَيْعِ: إنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ: صَحَّ بِحُكْمِهِ كَالْمُخْتَلِفَاتِ وَكَذَا بَيْعُ الْإِمَامِ لِلْمَصْلَحَةِ. لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْحُكْمِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا. فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا. فَلَا تَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْفَيْءِ الْمَنْقُولِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا، وَيُقِرَّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ. فَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا أَيْضًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَصِيرُ وَقْفًا بِوَقْفِ الْإِمَامِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَتَكُونُ قَبْلَ وَقْفِهَا كَفَيْءٍ مَنْقُولٍ.

فَائِدَةٌ: هَذِهِ الدَّارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا دَارُ إسْلَامٍ. فَيَجِبُ عَلَى سَاكِنِهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْجِزْيَةُ وَنَحْوُهَا. وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ أَهْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُمْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ الْأَرْضَ مِلْكًا لِأَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ. وَعَلَيْهَا الْخَرَاجُ، لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ. وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا. فَهَذِهِ مِلْكٌ لَهُمْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أَوْ بَاعُوا الْمِلْكَ مِنْ مُسْلِمٍ: مُنِعُوا إظْهَارَهُ. قَوْلُهُ (خَرَاجُهَا كَالْجِزْيَةِ. إنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى مُسْلِمٍ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) أَنَّهَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْخَرَاجَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَالْمَرْجِعُ فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَعَامَّةِ شُيُوخِنَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ دُونَ النَّقْصِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ دُونَ النَّقْصِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْ الدِّينَارِ بِحَالٍ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ الرِّوَايَةِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ فِي الْخَرَاجِ خَاصَّةً، وَلَا تَجُوزُ فِي الْجِزْيَةِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَذَكَر فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: يَجُوزُ النَّقْصُ فِي الْجِزْيَةِ فَقَطْ. وَعَنْهُ يُرْجَعُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، إلَّا أَنَّ جِزْيَةَ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. (وَعَنْهُ يُرْجَعُ إلَى مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ) . وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَى وَهَذِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَيَأْتِي حَدُّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (وَقَدْرُ الْقَفِيزِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ يَعْنِي بِالْمَكِّيِّ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ) . هَذَا الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، قِيلَ: إنَّ قَدْرَهُ ثَلَاثُونَ رِطْلًا. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ قَدْرَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. فَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِالْمَكِّيِّ. فَائِدَتَانِ الْأُولَى: هَذَا الْقَفِيزُ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ. وَهُوَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَيْهِ وَالْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ: مَكُّوكَانِ. وَهُوَ ثَلَاثُونَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً. الثَّانِيَةُ: مِمَّا قَدَّرَهُ عُمَرُ عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ: دِرْهَمَانِ وَقَفِيزٌ مِنْ طَعَامِهِ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ: ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَخَرَاجُ عُمَرَ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ، وَالْحِنْطَةِ أَرْبَعَةٌ. وَالرُّطَبَةِ سِتَّةٌ، وَالنَّخْلِ ثَمَانِيَةٌ. وَالْكُرُومِ عَشْرَةٌ. وَالزَّيْتُون اثْنَا عَشَرَ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا. وَقِيلَ: مَنْ نَبْتُهُ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ مِثْلُهُمَا، وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَقِيلَ: عَلَى جَرِيبِ شَجَرِ الْخِبْطِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ. انْتَهَى. قَوْله (وَالْقَصَبَةُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ. وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ. وَقَبْضَتُهُ وَإِبْهَامُهُ قَائِمَةٌ) .

هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ ذِرَاعٌ هَاشِمِيَّةٌ. وَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ ذِرَاعِ الْبُرِّ بِإِصْبَعَيْنِ وَثُلُثَيْ إصْبَعٍ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَوَّلِ: هِيَ الذِّرَاعُ الْعُمَرِيَّةُ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الذِّرَاعُ الْهَاشِمِيُّ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الذِّرَاعَ الْأُولَى هِيَ الثَّانِيَةُ. فَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. وَظَاهِرُ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ التَّنَافِي. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّ فِي النُّسْخَةِ غَلَطًا. أَوْ يَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ ذِرَاعَانِ، ذِرَاعُ عُمَرَ وَذِرَاعٌ زَادُوهَا. قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَنَالُهُ الْمَاءُ، مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ: فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: فِيمَا لَا نَفْعَ بِهِ مُطْلَقًا رِوَايَتَانِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَهَا مَاءٌ تُسْقَى بِهِ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ: وَعَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُمْكِنُ زَرْعُهَا بِمَاءِ السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالدَّوَالِيبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمْكَنَ إحْيَاؤُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقِيلَ أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ: فَرِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَى مَا يُمْكِنُ إحْيَاؤُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَوْلُهُ " وَقِيلَ: أَوْ زَرَعَ مَا لَا مَاءَ لَهُ " ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ حَنْبَلِيًّا قَالَهُ، وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ. لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَرْضٍ لَا مَاءَ لَهَا

وَلَا زُرِعَتْ. فَإِذَا زُرِعَتْ وَجَدَ حَقِيقَةَ التَّصَرُّفِ بَعْدُ كَالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ) هَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: وَمَا يُرَاحُ عَامًا وَيُزْرَعُ عَامًا عَادَةً. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ كَانَ مَا يَنَالُهُ الْمَاءُ لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ حَتَّى يُرَاحَ عَامًا وَيُزْرَعَ عَامًا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: يُؤْخَذُ خَرَاجُ مَا لَمْ يُزْرَعْ عَنْ أَقَلِّ مَا يُزْرَعُ، وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ النَّخْلِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ. قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عُمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا: لَمْ يَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ بِأَرْضِ الْخَرَاجِ شَجَرٌ وَقْتَ الْمَوْقِفِ. فَثَمَرَةُ الْمُسْتَقْبَلِ لِمَنْ يُقِرُّ بِيَدِهِ. وَفِيهِ عُشْرُ الزَّكَاةِ كَالْمُتَجَدِّدِ فِيهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ بِلَا عُشْرٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَالْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَعَنْهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ، وَيُهْدِيَ لَهُ، لِيَدْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فِي خَرَاجِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ. فَالرِّشْوَةُ. مَا يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ. وَالْهَدِيَّةُ: الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَمَّا الْأَخْذُ: فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ؟ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ. وَيَأْتِي فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُحْتَسَبُ بِمَا ظَلَمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ الْعُشْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. لِأَنَّهُ غَصْبٌ. وَعَنْهُ: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَا خَرَاجَ عَلَى الْمَسَاكِنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنَّمَا كَانَ أَحْمَدُ يُخْرِجُ عَنْ دَارِهِ لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ مَزَارِعَ وَقْتَ فَتْحِهَا. وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: هَلْ عَلَى مَزَارِعِ مَكَّةَ خَرَاجٌ؟ وَهَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِ الْخَرَاجِ عَنْ إنْسَانٍ جَازَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهَا.

باب الفيء

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَدَعُ خَرَاجًا. وَلَوْ تَرَكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لَهُ هَذَا. فَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلَا. [بَابُ الْفَيْءِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ، كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ كَالْفَيْءِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَجَزَمَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ، لِافْتِقَارِهِ إلَى اجْتِهَادٍ، لِعَدَمِ تَعْيِينِ مَصْرِفِهِ. تَنْبِيهٌ: (وَالْعُشْرُ مَا تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَالُ مَنْ مَاتَ لَا وَارِثَ لَهُ) . قَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ قَسْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ يُقْسَمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ. وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي خُمُسِهِ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ أَمْ لَا؟ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. قَوْلُهُ (فَيُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ) يُصْرَفُ الْفَيْءُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الْمُقَاتِلَةُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ أَبُو حَكِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلرَّافِضَةِ فِيهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَائِدَةٌ: لَا يُفْرَدُ عَبْدٌ بِالْإِعْطَاءِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بَلْ يُزَادُ سَيِّدُهُ. وَقِيلَ: يُفْرَدُ بِالْإِعْطَاءِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُخَمَّسُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخَمَّسُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ نَصًّا. قُلْت: وَأَثْبَتَهُ رِوَايَةً فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى هَذَا: يُصْرَفُ مَصْرِفَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ. ثُمَّ خُمُسُ الْخُمُسِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا، كُلُّهَا فِي الْمَصَالِحِ. وَبَقِيَّةُ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: كَانَ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ قُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ) مُرَادُهُ: إلَّا الْعَبِيدَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْمُحْتَاجُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهِيَ أَصَحُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَأَبِي حَكِيمٍ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ قَرِيبًا. وَقِيلَ: يَدَّخِرُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْكِفَايَةِ. قَوْلُهُ (وَيَبْدَأُ بِالْمُهَاجِرِينَ. وَيُقَدِّمُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمَّ بَنِي نَوْفَلٍ، ثُمَّ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى، ثُمَّ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُفَاضَلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ: وَفِي جَوَازِ التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمْ بِالسَّابِقَةِ رِوَايَتَانِ. فَحَصَلَ الْخِلَافُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ، بَلْ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ لِمَعْنًى فِيهِمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ لَا تَفَاضُلَ، مَعَ جَوَازِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَعَنْهُ لَهُ التَّفْضِيلُ بِالسَّابِقَةِ، إسْلَامًا أَوْ هِجْرَةً. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَقَدْ فَضَّلَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَلَمْ يُفَضِّلْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي دَرَجَةٍ. فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يُقَدَّمُ أَسَنُّهُمَا، ثُمَّ أَقْدَمُهُمَا هِجْرَةً.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُقَدَّمُ بِالسَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ بِالدِّينِ، ثُمَّ بِالسَّبْقِ، ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ. ثُمَّ وَلِيُّ الْأَمْرِ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ رَتَّبَهُمَا عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ. نَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ. الثَّانِيَةُ: الْعَطَاءُ الْوَاجِبُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ، وَيَكُونُ عَاقِلًا حُرًّا بَصِيرًا صَحِيحًا. لَيْسَ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِتَالِ. فَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ كَالزَّمَانَةِ وَنَحْوِهَا، خَرَجَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ. وَسَقَطَ سَهْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ فِيهِ حَقٌّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ: دُفِعَ إلَى وَرَثَتِهِ حَقُّهُ. وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ: دُفِعَ إلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كِفَايَتُهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ، وَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُقَاتِلَةِ: فُرِضَ لَهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا تُرِكُوا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُفْرَضُ ثُمَّ إذَا اخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُقَاتِلَةِ، إذَا كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهِمْ. وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: بَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَضْمَنُهُ مُتْلِفُهُ. وَيَحْرُمُ الْأَخْذُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. فِي بَابِ اللُّقَطَةِ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا، فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ. وَيُسَلِّمُهُ إلَى الْإِمَامِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهُ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُشْتَرَكِ عَنْ عَدَمِ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. أَنْ يَكُون مَمْلُوكًا، نَحْوَ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمُبَاحَاتِ، وَالْوَقْفِ عَلَى مُطْلَقٍ، سَوَاءٌ تَعَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْإِعْطَاءِ، أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ، أَوْ بِالْفَرْضِ وَالتَّنْزِيلِ، أَوْ غَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ: أَنَّ الْمَالِكَ لَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِلَا إذْنٍ: مَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلِلْإِمَامِ تَعْيِينُ مَصَارِفِهِ وَتَرْتِيبُهَا، فَافْتَقَرَ إلَى إذْنِهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ: هَلْ بَيْتُ الْمَالِ وَارِثٌ أَمْ لَا؟ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ.

باب الأمان

[بَابُ الْأَمَانِ] ِ قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ أَمَانُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُطْلَقًا أَوْ أَسِيرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا: يَصِحُّ مِنْهُمْ، بِشَرْطِ أَنْ تُعْرَفَ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ فِي الْمَرْأَةِ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَصِحُّ أَمَانُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَتْلِ، دُونَ الرِّقِّ. وَقَالَ: وَيُشْتَرَطُ فِي أَمَانِ الْإِمَامِ عَدَمُ الضَّرَرِ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ. وَقَوْلُهُ " وَأَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ " جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا. وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا أَمَانُ الْمَجْنُونِ، أَوْ الطِّفْلِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ السَّكْرَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ الصِّحَّةَ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْمُكْرَهِ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَفِي أَمَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ: رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهَادِي، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ،

فِي خِلَافَيْهِمَا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ أَمَانُهُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ شَيْخِهِ. وَالزَّرْكَشِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. فَائِدَةٌ يَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ، وَالْكَافِرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صِحَّةَ الْأَمَانِ وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْأَسِيرِ مِنْ الْإِمَامِ. وَقِيلَ: وَالْأَمِيرِ. انْتَهَى. وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ الْكَافِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي: عَدَمَ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَأَمَّا آحَادُ الرَّعِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَمَانٌ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَصِحُّ. انْتَهَيَا. قَوْلُهُ (وَأَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْعَشَرَةِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلِلْقَافِلَةِ، وَكَذَا لِلْحِصْنِ) . مُرَادُهُ بِالْقَافِلَةِ: إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً. وَكَذَا إذَا كَانَ الْحِصْنُ صَغِيرًا. يَعْنِي: عُرْفًا. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. لِإِطْلَاقِهِمْ الْقَافِلَةَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْقَافِلَةِ وَالْحِصْنِ: أَنْ يَكُونَ مِائَةً فَأَقَلَّ. اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: الْحِصْنُ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ اسْتِحْسَانًا أَنْ لَا يُجَارَ عَلَى الْأَمِيرِ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: قِفْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَك. فَقَدْ أَمَّنَهُ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " قُمْ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمَانًا، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ. فَهُوَ عَلَى هَذَا كِنَايَةٌ. لَكِنْ إنْ اعْتَقَدَهُ الْكَافِرُ أَمَانًا: رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وُجُوبًا. وَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ. وَكَذَا حُكْمُ نَظَائِرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إذَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْأَمَانِ، فَظَنَّهُ. أَمَانًا: فَهُوَ أَمَانٌ. وَكُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ: فَهُوَ أَمَانٌ. وَقَالَ: إذَا اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَهُ، فَلَا يَقْتُلُهُ. لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ فَقَدْ أَمَّنَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَهَذَا يَقْتَضِي انْعِقَادَهُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْعِلْجُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُسْلِمُ. وَلَا صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ، فَادَّعَى أَيْ الْمُشْرِكُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ فَأَنْكَرَ) يَعْنِي الْمُسْلِمُ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) يَعْنِي الْمُسْلِمَ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: قُدِّمَ قَوْلُ الْمُسْلِمِ فِي الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ قَوْلُ الْأَسِيرِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ " إنِّي أَمَّنْته " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ، كَإِخْبَارِهِمَا أَنَّهُمَا أَمَّنَاهُ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى طِفْلِهَا. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُعْطِيَ أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا فَفَتَحَهُ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا فِيهِمْ: حَرُمَ قَتْلُهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَأَبِي طَالِبٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَ (حَرُمَ اسْتِرْقَاقُهُمْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَخْرُجُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ، وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، فِي رِوَايَتَيْهِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ حِصْنٍ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ وَالْمُسْتَأْمَنِ. وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ.

[وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ. وَفِي جَوَازِ إقَامَتِهِمْ فِي دَارِنَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا جِزْيَةٍ: وَجْهَانِ. انْتَهَى] وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي لَا يَجُوزُ سَنَةً فَصَاعِدًا، إلَّا بِجِزْيَةٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ عَقْدُهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ مُطْلَقًا. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ، وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ: قُبِلَ مِنْهُ) وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ تُصَدِّقُهُ عَادَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِتِجَارَةٍ وَلَمْ يُشْبِهْهُمْ، أَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ حَرْبٍ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ عَادَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ جَاءَ مُسْتَأْمَنًا. فَهُوَ كَالْأَسِيرِ، يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ بِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ، لَمْ يَخُنْهُمْ فِي شَيْءٍ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إلَيْنَا. فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ دَخَلَ قَرْيَةً فَأَخَذُوهُ: فَهُوَ لِأَهْلِهَا. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ شَرَدَتْ إلَيْنَا دَابَّةٌ مِنْهُمْ أَوْ فَرَسٌ، أَوْ نَدَّ بَعِيرٌ، أَوْ أَبَقَ رَقِيقٌ وَنَحْوُهُ. فَائِدَةٌ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا إلَّا بِإِذْنٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلرَّسُولِ وَلِلتَّاجِرِ خَاصَّةً. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: دُخُولُهُ لِسِفَارَةٍ، أَوْ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ: أَمَانٌ بِلَا عَقْدٍ، لَا لِتِجَارَةٍ. عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا بِلَا عَادَةٍ. نَقَلَ حَرْبٌ فِي غُزَاةٍ فِي الْبَحْرِ وَجَدُوا تُجَّارًا يَقْصِدُونَ بَعْضَ الْبِلَادِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ. وَيَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ إنْ طَلَبَهُ) وَكَذَا إنْ أَوْدَعَهُ لِذِمِّيٍّ، أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ فِي مَالِهِ. وَيَصِيرُ فَيْئًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ " أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. فَعَلَى هَذَا يُعْطَاهُ إنْ طَلَبَهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعَثَ بِهِ إلَى وَرَثَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ فَيْءٌ. وَيَأْتِي حُكْمُ مَالِ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي بَابِ أَحْكَامِهِمْ. فَائِدَةٌ لَوْ اُسْتُرِقَّ مَنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَمَالُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وُقِفَ مَالُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا بِمُجَرَّدِ اسْتِرْقَاقِهِ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ عَتَقَ رُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَهُوَ فَيْءٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِوَارِثِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. . قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا، فَاطْلُقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً) . وَكَذَا لَوْ شَرَطُوا أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا. (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَهْرَبَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ، الْتَزَمَ الشَّرْطَ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الْتِزَامِ الْإِقَامَةِ أَبَدًا. لِأَنَّ الْهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ. فَفِيهِ الْتِزَامٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يَمْنَعُوهُ مِنْ دِينِهِ، فَفِيهِ الْتِزَامُ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا، أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا، فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ، وَيَسْرِقَ، وَيَهْرَبَ) . إذَا أَطْلَقُوا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا عَلَيْهِ شَيْئًا، فَتَارَةً يُؤَمِّنُونَهُ، وَتَارَةً لَا يُؤَمِّنُونَهُ. فَإِنْ لَمْ

يُؤَمِّنُوهُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ، وَيَسْرِقَ، وَيَهْرَبَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا غَيْرَ. وَلَيْسَ لَهُ الْقَتْلُ، وَلَا السَّرِقَةُ. فَلَوْ سَرَقَ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا فَكَذَلِكَ. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِقَامَةُ، إذَا قُلْنَا: لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَالًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إلَيْهِمْ: لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ. إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ) إذَا كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِمْ بِلَا نِزَاعٍ. لِخَوْفِ قَتْلِهَا. وَأَلْحَقَ فِي نَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: الصَّبِيَّ بِالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنْ يَبْدَأَ بِفِدَاءِ جَاهِلٍ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَبْدَأَ بِفِدَاءِ الْعَالِمِ لِشَرَفِهِ، وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ، وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، وَشَرَطُوا عَلَيْهِ مَالًا، وَرَضِيَ بِذَلِكَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ

باب الهدنة

[بَابُ الْهُدْنَةِ] ِ مَعْنَى " الْهُدْنَةِ " أَنْ يَعْقِدَ الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ، عَقْدًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً. وَيُسَمَّى مُهَادَنَةً، وَمُوَادَعَةً، وَمُعَاهَدَةً. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إلَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِآحَادِ الْوُلَاةِ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مَعَ أَهْلِ قَرْيَةٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ الْجِهَادِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ عَقْدُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ مَعَ الْقُوَّةِ أَيْضًا وَالِاسْتِظْهَارُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُحَرَّرِ: وَيَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مَعَ قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِظْهَارِهِمْ مُدَّةَ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ. وَلَا يَجُوزُ فَوْقَهَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ دُونَ عَامٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بِمَالٍ مَنًّا لِلضَّرُورَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يَجُوزُ لِضَعْفِنَا مَعَ الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لِحَاجَةٍ. وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الْكَبِيرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَجُوزُ بِمَالٍ مَنًّا. وَقِيلَ: بِلَا ضَرُورَةٍ، أَوْ لِتَرْكِ تَعْذِيبِ أَسِيرٍ مُسْلِمٍ، أَوْ قَتْلِهِ، أَوْ أَسِيرٍ غَيْرِهِ، أَوْ خَوْفًا عَلَى مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ مُتَعَيِّنٌ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ ضَعِيفٌ أَوْ سَاقِطٌ.

قَوْلُهُ (فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، جَازَ لَهُ عَقْدُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَإِنْ طَالَتْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَجُوزُ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَنْهُ لَا يَحُوزُ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. فَائِدَةٌ يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَكُونُ أَيْضًا جَائِزًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ زَادَ عَلَى عَشْرٍ بَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ) يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَفِي الْعَشْرِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ زَادَ فَكَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَيَأْتِي فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَصِحُّ، وَتَكُونُ جَائِزَةً. وَيُعْمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِنَبْذِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ وَإِتْمَامِ الْمُؤَقَّتَةِ. فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْنَا وَشَاءَ فُلَانٌ " لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَلَوْ قَالَ " نُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ " لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَصِحُّ أَيْضًا. وَأَنَّ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ " مَا شِئْنَا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ رَدِّ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ، أَوْ صَدَاقِهِنَّ، أَوْ سِلَاحِهِمْ، أَوْ إدْخَالِهِمْ الْحَرَمَ: بَطَلَ الشَّرْطُ) إذَا شَرَطَ فِي الْمُهَادَنَةِ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ رَدَّ النِّسَاءِ إلَيْهِمْ، أَوْ سِلَاحِهِمْ، أَوْ إدْخَالِهُمْ الْحَرَمَ: بَطَلَ الشَّرْطُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَدَّ صَبِيٍّ إلَيْهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: مُمَيِّزٍ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ يَجُوزُ رَدُّ الطِّفْلِ دُونَ الْمُمَيِّزِ. وَقِيلَ: وَجَزَمَ غَيْرُهُمْ بِذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ رَدَّ مُهُورِهِنَّ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الشَّرْطِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَشَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: فِي الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ رَدَّ مَهْرِهَا فِي رِوَايَةٍ: بَطَلَ الشَّرْطُ وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةً: بِرَدِّ مَهْرِ مَنْ شَرَطَ رَدَّهَا مُسْلِمَةً. وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ. كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ. ذِكْرَهُ فِي [آخِرِ] الْجِهَادِ فِي فَصْلِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَالصُّلْحِ.

وَأَمَّا الْعَقْدُ حَيْثُ قُلْنَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ: فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ: بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إلَّا فِيمَا إذَا شَرَطَ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْعَقْدُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَظَاهِرُ الْوَجِيزِ صِحَّةُ الْعَقْدِ. فَائِدَةٌ لَوْ دَخَلَ نَاسٌ مِنْ الْكُفَّارِ فِي عَقْدٍ بَاطِلٍ دَارَ الْإِسْلَامِ مُعْتَقِدِينَ الْأَمَانَ كَانُوا آمِنِينَ. وَيُرَدُّونَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يُقِرُّونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرِّجَالِ مُسْلِمًا جَازَ) قَالَ الْأَصْحَابُ: جَازَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ. (وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ وَلَا يُجْبِرُهُ. وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ سِرًّا بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ) وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِمْ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ هَرَبَ مِنْهُمْ عَبْدٌ لِيُسْلِمَ، فَأَسْلَمَ: لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ. وَهُوَ حُرٌّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَذِلُّ، وَجَاءَ سَيِّدُهُ فِي طَلَبِهِ. فَلَهُ قِيمَتُهُ مِنْ الْفَيْءِ. قَالَ: قُلْت: وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ. وَتَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ. الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ مَا أَتْلَفُوهُ لِمُسْلِمٍ. وَلَا يُحَدُّونَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا: لَزِمَهُ الْقَوَدُ. وَإِنْ قَذَفَهُ حُدَّ. وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُطِعَ فِي الْأَقْيَسِ [وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ (وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ: لَمْ يَجُزْ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَغَيْرِهِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً مَنْصُوصَةً: يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ مِنْ سَابِيهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ شِرَاءِ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ مِنْهُمْ وَأَهْلِيهِمْ. كَحَرْبِيٍّ بَاعَ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ شِرَاؤُهُمْ كَذِمِّيٍّ بَاعَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَهُ أَوْ وَرَحِمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. فَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ. نَقْلُ الشَّالَنْجِيِّ: لَا بَأْسَ. فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَمْ يَشْتَرِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِتَوَصُّلِهِ بِعِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا كَدُخُولِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فِرَارًا مِنْهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعِتْقِ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِالرَّحِمِ، هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا. لِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَصِحُّ شِرَاءُ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ مِنْهُ. قُلْت: إنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَلَا. وَكَذَا إنْ قَهَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَمَلَكَهُمَا وَبَاعَهُمَا. وَإِنْ قَهَرَ زَوْجَتَهُ، وَمَلَكَهَا، وَبَاعَهَا: صَحَّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَمَنَعَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي الزَّوْجَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ أَوْلَادَ بَعْضٍ وَبَاعُوهُمْ، صَحَّ الْبَيْعُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ: نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجِبُ إعْلَامُهُمْ قَبْلَ الْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا خِيفَ مِنْهُ الْخِيَانَةُ لَمْ يُنْقَضْ عَهْدُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ صَدَرَ مِنْ الْمُهَادِنِينَ خِيَانَةٌ. فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهَا خِيَانَةٌ اغْتَالَهُمْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ فِي غَزْوَةٍ الْفَتْحِ إنَّ أَهْلَ الْعَهْدِ إذَا حَارَبُوا فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ وَعَهْدِهِ. صَارُوا بِذَلِكَ أَهْلَ حَرْبٍ نَابِذِينَ لِعَهْدِهِ. فَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَهُمْ. وَإِنَّمَا يُعْلِمُهُمْ إذَا خَافَ مِنْهُمْ الْخِيَانَةَ، وَأَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُنْتَقَضُ عَهْدُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ بِنَقْضِ عَهْدِ رِجَالِهِمْ، تَبَعًا لَهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَقَضَ الْهُدْنَةَ بَعْضُ أَهْلِهَا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ، أَوْ أَعْلَمُوا الْإِمَامَ بِذَلِكَ كَانَ النَّاقِضُ مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَإِنْ سَكَتُوا عَمَّا فَعَلَهُ النَّاقِضُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلَمْ يُكَاتِبُوا الْإِمَامَ: انْتَقَضَ عَهْدُ الْكُلِّ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ إذَا قَتَلُوا رَهَائِنَنَا. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

باب عقد الذمة

وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. الرَّابِعَةُ: مَتَى مَاتَ الْإِمَامُ أَوْ عُزِلَ، لَزِمَ مَنْ بَعْدَهُ الْوَفَاءُ بِعَقْدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ. فَلَا يُنْتَقَضُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ نَقْضَ مَا عَقَدَهُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ نَحْوُ صُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ. لِاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ. [بَاب عَقْدِ الذِّمَّةِ] ِ تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الْهُدْنَةِ: أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلَانِ آخَرَانِ. فَائِدَةٌ يَجِبُ عَقْدُهَا إذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ، مَا لَمْ يَخَفْ غَائِلَةً مِنْهُمْ. قَوْلُهُ (لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إلَّا لِأَهْلِ الْكِتَابِ. وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، كَالسَّامِرَةِ وَالْفَرَنْجِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ. وَهُمْ الْمَجُوسُ) لَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْمُصَنِّفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، إلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ. نَقَلَهَا الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا أَنَّ مَنْ دَانَ بِصُحُفِ شِيثٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَالزَّبُورِ، تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ، وَيُقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ وَيَتَوَجَّهُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلَوْ لَمْ تَحِلَّ نِسَاؤُهُمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكُلِّ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْدَ نُزُولِ الْجِزْيَةِ، بَلْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا.

وَقَالَ فِي الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: مَنْ أَخَذَهَا مِنْ الْجَمِيعِ، أَوْ سَوَّى بَيْنَ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ: فَقَدْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الصَّابِئُ فَيُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا) هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالصَّابِئُ إنْ وَافَقَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي دِينِهِمْ وَكِتَابِهِمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَهُوَ كَعَابِدِ وَثَنٍ. وَقِيلَ: بَلْ يُقْتَلُ مُطْلَقًا إنْ قَالَ: الْفَلَكُ حَيٌّ نَاطِقٌ وَالْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ آلِهَةٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ مَنْ تَدَيَّنَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، مِثْلَ السَّامِرَةِ وَالْفَرَنْجِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ النَّصَارَى فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ. لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُسْبِتُونَ. فَإِذَا أَسْبَتُوا فَهُمْ مِنْ الْيَهُودِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: هُمْ يُسْبِتُونَ. جَعَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي ذَبِيحَةِ الصَّابِئَةِ رِوَايَتَانِ. مَأْخَذُهُمَا: هَلْ هُمْ مِنْ النَّصَارَى أَمْ لَا؟

فَائِدَةٌ صِفَةُ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ " أَقْرَرْتُكُمْ بِالْجِزْيَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ " أَوْ مَا يُؤَدِّي ذَلِكَ، فَيَقُولُ " أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى ذَلِكَ " أَوْ نَحْوُهُمَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ قَدْرِ الْجِزْيَةِ. وَفِي الِاسْتِسْلَامِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. إذَا تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُ مُسْلِمٍ أُقِرَّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ [مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَلَا تُقْبَلُ] مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت مَنْ صَارَ كِتَابِيًّا بَعْدَ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ جَهِلَ وَقْتَهُ لَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ بَعْثِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: أَنَّهُ لَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَإِلَّا قُبِلَتْ.

وَأَطْلَقَهُ هُوَ وَالْأَوَّلُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ حُكْمُ مَنْ تَمَجَّسَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ أَوْ قَبْلَهَا، بَعْدَ التَّبْدِيلِ أَوْ قَبْلَهُ: حُكْمُ مَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقِرَّ ". قَوْلُهُ (وَأَمَّا إذَا وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي وَاخْتَارَ دِينَ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَتُعْقَدُ لَهُ الذِّمَّةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ غَيْرُ الْإِسْلَامِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَمَنْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ، لِلْآيَةِ. وَكَحَرْبِيٍّ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ إذَا بَذَلَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَوْ بَذَلُوهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَفِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَابَعَهُ احْتِمَالٌ تُقْبَلُ إذَا بَذَلُوهَا. فَائِدَةٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ نَقْضُ عَهْدِهِمْ وَتَجْدِيدُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدْ عَقَدَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَهُمْ هَكَذَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ جَوَازَ ذَلِكَ. لِاخْتِلَافِ الْمَصْلَحَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ. وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَجَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ بِالْفَرْقِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ، يَقْتَضِيهِ. قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ) وَكَذَا زِمَانِهِمْ وَمَكَافِيفِهِمْ، وَشُيُوخِهِمْ وَنَحْوِهِمْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَقْيَسُ. فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ: فَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَظْهَرُ إنْ قِيلَ: إنَّهَا كَالزَّكَاةِ فِي الْمَصْرِفِ أُخِذَتْ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ كَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ فَقِيرٍ وَلَا مِمَّنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ. قَوْلُهُ (وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ) كَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ وَنَحْوِهِمْ

وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَذُكِرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ) . كَبَنِي تَغْلِبَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ، وَأَبَاهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً، وَلَهُ شَوْكَةٌ يَخْشَى الضَّرَرَ مِنْهَا: تَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى مَا صُولِحَ عَلَيْهِ بَنُو تَغْلِبَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ أَحْمَدَ أَوَّلًا، وَإِطْلَاقُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ. وَلِهَذَا قَطَعَ بِهِ أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي، إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ أَزْيَدَ. وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ. وَلَا مُشْتَرَطَ فِي بَنِي تَغْلِبَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُصَالَحَةُ مِثْلِهِ مِمَّنْ يُخْشَى ضَرَرُهُ بِشَوْكَةٍ مِنْ الْعَرَبِ إذَا أَبَى دَفْعَهَا إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى) وَكَذَا لَا جِزْيَةَ عَلَى شَيْخٍ فَانٍ، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمْ. وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَكَذَا لَا جِزْيَةَ عَلَى رَاهِبٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَلَا يَبْقَى. بِيَدِهِ مَالٌ إلَّا بَلَغَتْهُ فَقَطْ، وَيُؤْخَذُ مَا بِيَدِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا لَنَا كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَالًا. قَالَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ لَهُ تِجَارَةٌ أَوْ زِرَاعَةٌ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْجِزْيَةُ الْوَظِيفَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْكَافِرِ لِإِقَامَتِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ عَامٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ هَذَا التَّفْرِيعِ: أَنَّ الْجِزْيَةَ أُجْرَةُ الدَّارِ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ " جَزَاهُ " بِمَعْنَى: قَضَاهُ. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَزَاءِ، إمَّا جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ صِغَارًا، أَوْ جَزَاءً عَلَى أَمَانِنَا لَهُمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ رِفْقًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا أَصَحُّ. قَالَ الشَّيْخُ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ أَوْ أُجْرَةٌ. قَوْلُهُ (وَلَا عَبْدٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إذَا كَانَ لِكَافِرٍ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ لَا تَجِبُ عَلَى عَبْدِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تَلْزَمُ عَبْدًا. وَعَنْهُ لِمُسْلِمٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَنَّهَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَفِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ: تَلْزَمُ عَبْدًا مُسْلِمًا عَنْ عَبْدِهِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَلْزَمُ الْمُعْتَقَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: فِي وُجُوبِ الْجِزْيَةِ عَلَى عَبْدٍ ذِمِّيٍّ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ [فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا] . إحْدَاهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِذَا عَتَقَ لَزِمَتْهُ الْجِزْيَةُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. هَذَا الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: وَتُؤْخَذُ مِمَّنْ صَارَ أَهْلًا لَهَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ وَوَهَنَهَا وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لَهُ مُسْلِمًا. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ فَيُعْطَى حُكْمَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا فَقِيرٍ يَعْجِزُ عَنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ تَجِبُ عَلَيْهِ. وَيُطَالَبُ بِهَا إذَا أَيْسَرَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ مُعْتَمِلًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: الْوُجُوبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَبْعَدُ دَلِيلًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ عَاجِزٍ لَا حِرْفَةَ لَهُ، أَوْ لَهُ حِرْفَةٌ لَا تَكْفِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: وَتَلْزَمُ الْفَقِيرَ الْمُحْتَرِفَ الْحِرْفَةَ الَّتِي تَقُومُ بِكِفَايَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ فَائِدَةٌ تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَالْكَافِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَوْ بَانَ رَجُلًا أُخِذَتْ مِنْهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ مَنْ ذَكَرَهُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ، وَلِلْمَاضِي. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ أَوْ اسْتَغْنَى) وَكَذَا لَوْ عَتَقَ. وَقُلْنَا: عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ (فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، فَيُجَابُ إلَى مَا يَخْتَارُ. قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ)

يَعْنِي: إذَا بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ، أَوْ اسْتَغْنَى فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ. وَكَذَا لَوْ عَتَقَ فِي أَثْنَائِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ لَا جِزْيَةَ عَلَى عَتِيقٍ مُسْلِمٍ. وَعَنْهُ وَعَتِيقٍ ذِمِّيٍّ. جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ ثُمَّ يُفِيقُ: لُفِّقَتْ إفَاقَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ حَوْلًا أُخِذَتْ مِنْهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ إذَا لَمْ يَتَعَسَّرْ ضَبْطُهُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ أَمْرُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ: لَا يَخْلُو عَنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْبُوطٍ، مِثْلَ مَنْ يُفِيقُ سَاعَةً مِنْ أَيَّامٍ، أَوْ مِنْ يَوْمٍ. فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ بِالْأَغْلَبِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَضْبُوطًا مِثْلَ مَنْ يُجَنُّ يَوْمًا، وَيُفِيقُ يَوْمَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، إلَّا أَنَّهُ مَضْبُوطٌ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُلَفَّقُ إفَاقَتُهُ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تُلَفَّقُ أَيَّامُهُ. فَإِذَا بَلَغَتْ حَوْلًا أُخِذَتْ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ مَا أَفَاقَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ ثُلُثَ الْحَوْلِ وَيُفِيقُ ثُلُثَيْهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. فَإِذَا اسْتَوَتْ إفَاقَتُهُ وَجُنُونُهُ، مِثْلَ مَنْ يُجَنُّ يَوْمًا، وَيُفِيقُ يَوْمًا، أَوْ يُجَنُّ نِصْفَ الْحَوْلِ، وَيُفِيقُ نِصْفَهُ عَادَةً: لُفِّقَتْ إفَاقَتُهُ. لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْأَغْلَبُ. الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُجَنَّ نِصْفَ حَوْلٍ، ثُمَّ يُفِيقُ إفَاقَةً مُسْتَمِرَّةً، أَوْ يُفِيقُ نِصْفَهُ

ثُمَّ يُجَنُّ جُنُونًا مُسْتَمِرًّا. فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي. وَعَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ الْجِزْيَةُ بِقَدْرِ مَا أَفَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَيَا. قَوْلُهُ (وَتُقْسَمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَرْجِعَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيُنْقِصَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ. فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَتَفْرِيعُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجِزْيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا نِزَاعَ فِيهِ. وَهُوَ تَقْدِيرُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ كُلٍّ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا دِينَارًا، أَوْ قِيمَتَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: الْغَنِيُّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَحَكَى رِوَايَةً. وَقِيلَ: مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: الْغَنِيُّ مَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارًا. وَهِيَ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَمَنْ مَلَكَ دُونَهَا إلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَمُتَوَسِّطٌ. وَمَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافٍ فَمَا دُونَهَا فَفَقِيرٌ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ: فَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ عُرْفًا. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ لَزِمَ قَبُولُهُ. وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ) وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَيْضًا دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذًى. وَلَا مَطْمَعَ بِالذَّبِّ عَمَّنْ بِدَارِ الْحَرْبِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ، عَلَى الْأَشْبَهِ. انْتَهَى وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ وَالْمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ. بَلْ أَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَمَنَعَ فِي الِانْتِصَارِ وُجُوبَهَا أَصْلًا، وَأَنَّهَا مُرَاعَاةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يَسْقُطُ. وَنَصَرَهُ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ: أَنَّهَا تَسْقُطُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. هُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِهِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا. وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ. وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) . قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُصْفَعُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إرْسَالُهَا مَعَ غَيْرِهِمْ، لِزَوَالِ الصَّغَارِ عَنْهُمْ. كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا " فَإِنْ قِيلَ: الْمَذْكُورُ مُسْتَحَقٌّ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ قِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّوْكِيلِ إنْ قِيلَ هُوَ مُسْتَحَقٌّ، لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْجِزْيَةِ. لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَحْصُلُ بِأَدَاءِ الضَّامِنِ. فَتَفُوتُ الْإِهَانَةُ. وَإِنْ قِيلَ " هُوَ مُسْتَحَبٌّ " انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهَلْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِذِمِّيٍّ فِي أَدَاءِ جِزْيَتِهِ، أَوْ أَنْ يَضْمَنَهَا، أَوْ أَنْ يُحِيلَ الَّذِي عَلَيْهِ بِهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ، كَمَا سَبَقَ. انْتَهَى. قُلْت: فَعَلَى الْمَنْعِ: يُعَايِي بِهَا فِي الضَّمَانِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْوَكَالَةِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ: فَأَطْلَقُوا الِامْتِهَانَ. الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا نَأْمَنُ نَقْضَ الْأَمَانِ، فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ. وَيَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَيُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ وَقَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ وَعَدَدَ مَنْ يُضَافُ) إذَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ: فَيَشْتَرِطُ تَبْيِينَ ذَلِكَ لَهُمْ. كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَيُبَيِّنُ لَهُمْ الْمَنْزِلَ وَمَا هُوَ عَلَى الْغِنَى وَالْفَقْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَاخْتَارَهُ. وَقِيلَ: تُقْسَمُ الضِّيَافَةُ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ [وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعِبَارَتُهُمْ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ إطْلَاقُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَاخْتَارَهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ شَرَطَ الضِّيَافَةَ مُطْلَقًا: صَحَّ فِي الظَّاهِرِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ أَطْلَقَ قَدْرَ الضِّيَافَةِ. فَالْوَاجِبُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَقْسِمُ الضِّيَافَةَ عَلَى قَدْرِ جِزْيَتِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ] . قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، [وَالْمُسْتَوْعِبِ] وَالْخُلَاصَةِ [وَالْكَافِي] وَالْمُحَرَّرِ [وَالنَّظْمِ] وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَلْزَمُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بِلَا شَرْطٍ. وَقِيلَ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَائِدَةٌ لَوْ جَعَلَ الضِّيَافَةَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ. لَكِنْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهَا أَقَلَّ مِنْ الْجِزْيَةِ. إذَا قُلْنَا الْجِزْيَةُ مُقَدَّرَةٌ الْأَقَلَّ. وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُصُولِ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ] . قَوْلُهُ (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ، فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِمْ وَمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) وَكَذَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاعْتُبِرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ثُبُوتُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ) يَعْنِي: وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ، عَلَى مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ: رَجَعَ عَلَيْهِمْ.

باب أحكام أهل الذمة

[بَابُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] ِ فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: بَذْلُ الْجِزْيَةِ، وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ مِنْ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا. فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ) . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: إنْ شَاءَ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمْ حَدَّ زِنًى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. قَوْلُهُ (وَيُلْزِمُهُمْ التَّمَيُّزَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي شُعُورِهِمْ، بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُءُوسِهِمْ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: هُوَ حَلْقُ شَعْرِ التَّحْذِيفِ مِنْ الْعِذَارِ وَالنَّزْعَتَيْنِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَكُنَاهُمْ. فَلَا يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَبِي الْقَاسِمِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ) وَكَذَا أَبُو الْحَسَنِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَنَحْوُهَا. وَكَذَا الْأَلْقَابُ، كَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ، يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَدْ كَنَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ طَبِيبًا نَصْرَانِيًّا. فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ. فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَسْقُفِ نَجْرَانَ يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ» وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " يَا أَبَا حَسَّانَ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ بِالْجَوَازِ لِلْمَصْلَحَةِ. وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ بُدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: تَجُوزُ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: رَأَيْته بِخَطِّ الزَّرِيرَانِيِّ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: رُدَّ عَلَيَّ. سَلَامِي. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ بُدَاءَتِهِمْ بِالسَّلَامِ قَوْلُهُ لَهُمْ " كَيْفَ أَصْبَحْت؟ وَكَيْفَ أَمْسَيْت؟ وَكَيْفَ أَنْتَ؟ كَيْفَ حَالُك؟ " نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَجُوزُ بِالنِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ الْخِرَقِيُّ. يَقُولُ: أَكْرَمَك اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. يَعْنِي بِالْإِسْلَامِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ قَوْلُهُ " هَدَاك اللَّهُ " زَادَ أَبُو الْمَعَالِي " وَأَطَالَ بَقَاءَك " وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمْ. قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ) يَعْنِي: أَنَّهُ بِالْوَاوِ فِي " وَعَلَيْكُمْ " أَوْلَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى: وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا بِالْوَاوِ. قُلْت: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: وَأَحْكَامِ الذِّمَّةِ لَهُ " وَالصَّوَابُ: إثْبَاتُ الْوَاوِ. وَبِهِ جَاءَتْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ. وَذَكَرَهَا الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ " انْتَهَى. وَقِيلَ الْأَوْلَى: أَنْ يَقُولَ " عَلَيْكُمْ " بِلَا وَاوٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا سَلَّمُوا عَلَى مُسْلِمٍ: لَزِمَهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَرُدُّ تَحِيَّتَهُ. وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ " أَهْلًا وَسَهْلًا " وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُصَافَحَتَهُمْ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ عَطَسَ أَحَدُهُمْ يَقُولُ لَهُ " يَهْدِيكُمْ اللَّهُ " قَالَ: إيشَ يُقَالُ لَهُ؟ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّهُ، كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ بُدَاءَتُهُ بِالسَّلَامِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. قَالَ: وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي: يُكْرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَإِنَّمَا بَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ. وَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ أَجَابَهُ. قَوْلُهُ (وَفِي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ: رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ. فَيُكْرَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي بَابِ الْجَنَائِزِ. وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ التَّحْرِيمِ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ. فَيُبَاحُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَعْنَاهُ: اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ. وَأَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ: يُعَادُ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ.

قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ «عَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُهُ. وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ» . نَقَلَ أَبُو دَاوُد: أَنَّهُ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ: فَنَعَمْ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُعَزِّيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقُولُ فِي تَعْزِيَتِهِمْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَيَدْعُو بِالْبَقَاءِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ. زَادَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ قَاصِدًا كَثْرَةَ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الدُّعَاءَ بِالْبَقَاءِ وَنَحْوِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ. لِأَنَّهُ شَيْءٌ فُرِغَ مِنْهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَسْتَعْمِلُهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيَةِ الْبُنْيَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ مُلَاصِقًا أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ رَضِيَ الْجَارُ بِذَلِكَ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ. زَادَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَدُومُ بِدَوَامِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ رِضَاهُ: سَقَطَ حَقُّ مَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَقْفِ قِسْمَةُ مَنَافِعَ لَا تَلْزَمُ، لِسُقُوطِ حَقِّ مَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَذَا لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ لِمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ فَمُحَرَّمٌ. فَائِدَةٌ لَوْ خَالَفُوا وَفَعَلُوا وَجَبَ هَدْمُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفُرُوعِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُمْنَعُونَ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا يُعْلُونَ عَلَى جَارٍ مُسْلِمٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمْنَعُونَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ نَقْضُهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَلَوْ انْهَدَمَتْ هَذِهِ الدَّارُ، أَوْ هُدِمَتْ: لَمْ تُعَدْ عَالِيَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ بَنَى مُسْلِمٌ دَارًا عِنْدَ دُورِهِمْ دُونَ بُنْيَانِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إجْمَاعًا. وَاسْتَثْنَى الْأَصْحَابُ مَا اشْتَرَطُوهُ فِيمَا فُتِحَ صُلْحًا عَلَى أَنَّهَا لَنَا. فَائِدَةٌ فِي لُزُومِ هَدْمِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا فِي الْعَنْوَةِ وَقْتَ فَتْحِهَا وَجْهَانِ. وَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ: إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أُخِذَ بِجِزْيَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا. فَيَأْخُذُهُ لِمَصْلَحَةٍ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَإِلَيْهِ مَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ هَدْمِهَا مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْنَا. وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْ هَدْمِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَشْهَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رَمِّ شَعَثِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْكَافِي وَقَالَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: كَمَنْعِ الزِّيَادَةِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَصَرَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَفِي بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ مِنْهَا، وَلَوْ كُلَّهَا: رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَيُمْنَعُ مِنْ بِنَائِهَا إذَا انْهَدَمَتْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ.: يَجُوزُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَبْنُونَ مَا اسْتُهْدِمَ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ عَنْ الْخِلَافِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ، هَلْ هِيَ اسْتِدَامَةٌ أَوْ إنْشَاءٌ؟ .

وَقِيلَ: إنْ جَازَ بِنَاؤُهَا جَازَ بِنَاءُ بِيعَةٍ مُسْتَهْدَمَةٍ بِبَلَدٍ فَتَحْنَاهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَوْ فُتِحَ بَلَدٌ عَنْوَةً. وَفِيهِ كَنِيسَةٌ مُنْهَدِمَةٌ، فَهَلْ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْمَهْدُومِ ظُلْمًا حُكْمُ الْمَهْدُومِ بِنَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: يُعَادُ الْمَهْدُومُ ظُلْمًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْمُنْكَرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ وَالْجَهْرِ بِكِتَابِهِمْ) . يَعْنِي: يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ عِيدٍ وَصَلِيبٍ، وَرَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَيِّتٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى تَكْلِيفِهِمْ. قَالَ: وَالْأَظْهَرُ يُمْنَعُونَ مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ. لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ فَقَطْ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَظْهَرُوا بَيْعَ مَأْكُولٍ فِي رَمَضَانَ مُنِعُوا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ. وَظَاهِرُهُ لَا فِي غَيْرِ سُوقِنَا إنْ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ.

وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا: مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. فَإِنْ أَظْهَرُوهُمَا أَتْلَفْنَاهُمَا. وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ شِرَاءِ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَكِتَابُ حَدِيثٍ. وَفِيهِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَامْتِهَانُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحَّانِ. أَوْمَأَ إلَيْهِمَا أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَجْهَانِ. وَاقْتَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَلَى الْمُصْحَفِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَرُوا ثَوْبًا مُطَرَّزًا بِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ وَالْبُطْلَانُ. وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَعْلِيمُهُمْ الْقُرْآنَ لَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمَنْصُوصُ التَّحْرِيمُ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَالْأَوَّلُ: الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَعْلِيمُهُمْ بَعْضَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْكَرَاهَةُ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ. وَقِيلَ: لَهُمْ دُخُولُهُ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِالْمَنْعِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَقِيلَ: يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، فِي أَوَاخِرِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ: لَيْسَ لِلْكَافِرِ دُخُولُ الْحَرَمَيْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ حَامِدٍ.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ فَيَجُوزُ. هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. وَقِيلَ: يُمْنَعُونَ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ، كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ) . اعْلَمْ أَنَّ " الْحِجَازَ " هُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ كَمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْيَمَامَةِ، وَخَيْبَرَ، وَالْيَنْبُعِ، وَفَدَكَ، وَمَا وَالَاهَا مِنْ قُرَاهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْهُ تَبُوكُ وَنَحْوُهَا، وَمَا دُونَ الْمُنْحَنَى. وَهُوَ عَقَبَةُ الصَّوَّانِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلُوا لِلتِّجَارَةِ لَمْ. يُقِيمُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقِيمُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ: وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَيْهِ: إنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ أَجْبَرَ غَرِيمَهُ عَلَى وَفَائِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ، لِمَطْلٍ أَوْ تَغَيُّبٍ. فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ لَهُ الْإِقَامَةُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.

قُلْت: لَوْ أَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ بِوَكِيلٍ: مُنِعَ مِنْ الْإِقَامَةِ. وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْإِقَامَةِ. وَيُوَكِّلُ مَنْ يَسْتَوْفِيهِ. قُلْت: فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ إذَا تَعَذَّرَ الْوَكِيلُ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَعَنْهُ إنْ مَرِضَ: لَمْ يُخْرَجْ حَتَّى يَبْرَأَ) . يَعْنِي: يَجُوزُ إقَامَتُهُ حَتَّى يَبْرَأَ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ أَيْضًا لِمَنْ يُمَرِّضُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ دُفِنَ بِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُدْفَنُ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ شَقَّ نَقْلُ الْمَرِيضِ وَالْمَيِّتِ: جَازَ إبْقَاءُ الْمَرِيضِ وَدَفْنُ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (قَوْلُهُ وَهَلْ لَهُمْ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ؟) . يَعْنِي: مَسَاجِدَ الْحِلِّ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُمْ دُخُولهَا مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَظْهَرُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ كَاسْتِئْجَارِهِ لِبِنَائِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُذْهَبِ.

قَالَ فِي الشَّرْحِ: جَازَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ. وَقَدَّمَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ الْجَوَازَ لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُهَا بِلَا إذْنِ مُسْلِمٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا أَظْهَرُ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِلَا إذْنٍ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ. ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُخُولُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَكَلَامِ الْقَاضِي: يَقْتَضِي جَوَازَهُ مُطْلَقًا، لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، لِيَرِقَّ قَلْبُهُ، وَيُرْجَى إسْلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ شُرِطَ الْمَنْعُ فِي عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ مُنِعُوا، وَإِلَّا فَلَا. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا يَدْخُلُ مَسَاجِدَنَا بَعْدَ عَامِنَا هَذَا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَخَدَمِهِمْ» . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَكُونُ لَنَا رِوَايَةٌ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ: ظَهَرَ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِكَافِرِ دُخُولُ مَسَاجِدِ الْحِلِّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ثُمَّ هَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ كَافِرٍ، أَوْ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ؟ فِيهِ طَرِيقَتَانِ. وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، مَعَ إذْنِ مُسْلِمٍ لِمَصْلَحَةٍ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ. أَوْ يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُسْلِمِ فَقَطْ؟ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ: ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهَا يَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهَا بِالْمَصْلَحَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. وَمِنْهُمْ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ: هَلْ يَجُوزُ دُخُولُهَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي [الْفُرُوعِ] وَالْآدَابِ الْكُبْرَى [وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا هُنَاكَ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ. فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ ابْتِذَالَهَا بِأَكْلٍ وَنَوْمٍ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. الثَّانِيَةُ: يُمْنَعُونَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّخْرِيجِ: لَا يُمْنَعُونَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُمْ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ؟ . وَيَأْتِي: هَلْ يَصِحُّ إصْدَاقُ الذِّمِّيَّةِ إقْرَاءَ الْقُرْآنِ فِي الصَّدَاقِ؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، ثُمَّ عَادَ. فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا، أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً: يَلْزَمُ الذِّمِّيَّ الْعُشْرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْهُ يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الْحَرْبِيِّ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَكْثَرَ. وَفِي الْوَاضِحِ: يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْخُمُسُ. وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَاجِرِ الْمِيرَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا شَيْءٌ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ الْعُشْرِ عَنْ الْحَرْبِيِّ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ وَتَرَاضٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ: الذِّمِّيُّ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ. وَفِي غَيْرِهَا رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَعَلَى ذَلِكَ: هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَخْتَصُّ بِهَا. وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا لَا يَتَّجِرُونَ بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ. قَالَ: وَأَهْلُ الْحَرْبِ إذَا دَخَلُوا إلَيْنَا تُجَّارًا بِأَمَانٍ: أُخِذَ مِنْهُمْ الْعُشْرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ عَشَّرُوا هُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، إذَا دَخَلَتْ إلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ . وَعَنْهُ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ فَعَلَ بِهِمْ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَأُخِذَ الْعُشْرُ مِنْهُمْ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا: وَالْكَافِرُ التَّاجِرُ إنْ مَرَّ عَلَى ... عَاشِرِنَا نَأْخُذُ عُشْرًا انْجَلَى حَتَّى وَلَوْ لَمْ ذَا عَلَيْهِمْ شَرْطًا ... أَوْ لَمْ يَبِيعُوا عِنْدَنَا مَا سَقَطَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُوا ذَاكَ بِنَا ... هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: الذِّمِّيَّ التَّغْلِبِيَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ أَقْيَسُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي. وَذَلِكَ ضِعْفُ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْهُ يَلْزَمُ التَّغْلِبِيَّ الْعُشْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، بِخِلَافِ ذِمِّيٍّ غَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ التَّاجِرَةَ كَالرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ عُشْرٌ، وَلَا نِصْفُ عُشْرٍ، إلَّا إذَا دَخَلَتْ الْحِجَازَ تَاجِرَةً. فَيَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، لِمَنْعِهَا مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْرِفُ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ. الثَّانِيَةُ: الصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. الثَّالِثَةُ: يَمْنَعُ دَيْنُ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ كَمَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ ابْنَتُهُ. فَهَلْ يُصَدَّقُ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يُصَدَّقُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُصَدَّقُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا عُشْرَ فِي زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ كَانَ التَّاجِرُ ذِمِّيًّا، أَوْ حَرْبِيًّا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: تَجِبُ فِي تِجَارَتَيْهِمَا. قُلْت: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأُطْلِقَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَذُكِرَ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: إنْ بَلَغَتْ تِجَارَتُهُ دِينَارًا فَأَكْثَرَ وَجَبَ فِيهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسَاوٍ لِلذِّمِّيِّ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ، فِي الذِّمِّيِّ وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا، وَبَلَغَتْ تِجَارَتُهُ كَذِمِّيٍّ. انْتَهَى. وَنَقَلَ صَالِحٌ اعْتِبَارَ الْعِشْرِينَ لِلذِّمِّيِّ، وَالْعَشَرَةِ لِلْحَرْبِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: يُعَشَّرُ لِلذِّمِّيِّ بِعَشَرَةٍ، وَلِلْحَرْبِيِّ بِخَمْسَةٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَجِبُ فِي نِصْفِ مَا يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الصَّحِيحُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ أَيْضًا.

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ كُلُّ مَا دَخَلَ إلَيْنَا. وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَظَاهِرُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: الْإِطْلَاقُ. فَائِدَةٌ لَا يُعَشَّرُ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ يُعَشَّرَانِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْغُنْيَةِ، وَزَادُوا: أَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُ ثَمَنِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ: يُعَشَّرُ ثَمَنُ الْخَمْرِ، دُونَ الْخِنْزِيرِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ، وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ) يَلْزَمُ الْإِمَامَ حِمَايَتُهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ [وَالْوَجِيزُ، وَالْمُحَرَّرُ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا اسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِلُزُومِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ] وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي الْقِتَالِ، فَسُبُوا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، أَوْ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: خُيِّرَ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ، أَعْنِي الْخِيرَةَ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ، وَبَيْنَ الِاسْتِعْدَاءِ وَعَدَمِهِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ [وَالْفُرُوعِ] وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ الْإِعْدَاءُ وَالْحُكْمُ بَيْنَهُمْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إنْ اخْتَلَفَتْ الْمِلَّةُ، وَإِلَّا خُيِّرَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ إنْ تَظَالَمُوا فِي حَقِّ آدَمِيٍّ: لَزِمَهُمْ الْحُكْمُ. وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، فِي إرْثِ الْمَجُوسِ: يُخَيَّرُ إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ التَّخْيِيرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُمْ عَلَى الْخِلَافِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا لَا شَرِيعَتُنَا. تَنْبِيهٌ مَتَى قُلْنَا لَهُ الْخِيرَةُ: جَازَ لَهُ أَنْ يُعَدِّيَ. وَيَحْكُمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا لَوْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ اتِّفَاقًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ السَّبْتِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. أَيْ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَوْ لَا يُحْضِرُهُ مُطْلَقًا، لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْتَ مُسْتَثْنًى مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ [قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ] . وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ يَوْمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ خُيِّرَ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً، وَتَقَابَضُوا: لَمْ يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا فَسَخَهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَتَقَابَضُوا بُيُوعَهُمْ، وَكَانَتْ فَاسِدَةً: يَفْسَخُهَا

وَلَوْ كَانَ قَدْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا، بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ بِالْقَبْضِ: نَفَذَ حُكْمُهُ وَهَذَا لِالْتِزَامِهِمْ بِحُكْمِهِ، لَا لِلُزُومِهِ لَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَغْوٌ. لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: هُمَا رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ أَلْزَمَهُمْ حَاكِمُهُمْ الْقَبْضَ، اُحْتُمِلَ نَقْضُهُ وَإِمْضَاؤُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ فِي الْخَمْرِ الْمَقْبُوضَةِ دُونَ ثَمَنِهَا: يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ، بِخِلَافِ خِنْزِيرٍ. لِحُرْمَةِ عَيْنِهِ. فَلَوْ أَسْلَمَ الْوَارِثُ فَلَهُ الثَّمَنُ. قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، لِثُبُوتِهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ: لَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ) هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلَا يُقِرُّ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَعَنْهُ يُقِرُّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ. وَعَنْهُ يُقِرُّ عَلَى أَفْضَلِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ فِي وَجْهٍ. ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، لِتَقَابُلِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا لَا يُقِرُّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَبَى: هُدِّدَ وَضُرِبَ وَحُبِسَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا. الثَّانِي: حَيْثُ قُلْنَا " يُقْتَلُ " فَهَلْ يُسْتَتَابُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: الْأَوْلَى الِاسْتِتَابَةُ لَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى (أَوْ انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَمْ يُقِرَّ) إذَا انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قُلْت: وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يُقَرُّ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا تَمَجَّسَ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ السَّيْفُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ، أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

وَأَمَّا إذَا انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ. فَإِنْ أَبَى قُتِلَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. وَعَنْهُ يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ، أَوْ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَعَنْهُ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ: أُقِرَّ) إذَا انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا، أَوْ غَيْرَ مَجُوسِيٍّ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَجُوسِيٍّ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَرُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٌّ إلَى دِينِهِمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ. فَلَهُ حُكْمُهَا وَكَذَا بَعْدَهَا. وَعَنْهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ. وَعَنْهُ وَإِنْ تَمَجَّسَ. انْتَهَى. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ. وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا، فَانْتَقَلَ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَرُّ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَمَجَّسَ الْوَثَنِيُّ فَهَلْ يُقَرُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يُقَرُّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقَرُّ. وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَوْ تَهَوَّدَ، أَوْ تَنَصَّرَ، أَوْ تَمَجَّسَ كَافِرٌ قَبْلَ الْبِعْثَةِ وَقَبْلَ التَّبْدِيلِ: أُقِرَّ بِلَا نِزَاعٍ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ: فَهَلْ هُوَ كَمَا قَبْلَ التَّبْدِيلِ، أَوْ كَمَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ أَوْ قَبْلَهَا، وَبَعْدَ التَّبْدِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَمَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ فَهَذَا مَحَلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا. وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ. فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، أَوْ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ: اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ هَذَا الشَّرْطَ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. كَذَا لَوْ أَبَى مِنْ الصَّغَارِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَكَذَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُقِيمًا بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ تَجَسُّسٍ، أَوْ إيوَاءِ جَاسُوسٍ، أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كِتَابِهِ، أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُوءٍ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ أَصَابَ مُسْلِمَةً بِاسْمِ نِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَة [وَالْمُذْهَبِ] وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَذْفَ فِي الْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ. بَلْ عَدَّا ذَلِكَ ثَمَانِيَةً. وَلَمْ يَذْكُرَاهُ إحْدَاهُمَا: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو حَفْصٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُنْتَقَضُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَيَّدَ أَبُو الْخَطَّابِ الْقَتْلَ بِالْعَمْدِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: الْإِطْلَاقُ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، مَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِمْ. لَكِنْ يُقَامُ

عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيمَا يُوجِبُهُ. وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. وَيُعَزَّرُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ بِمَا يَنْكَفُّ بِهِ أَمْثَالُهُ عَنْ فِعْلِهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: إنْ لَمْ نَنْقُضْهُ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، أَوْ كِتَابِهِ، أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُوءٍ. وَشَرَطَ [عَلَيْهِ] فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا الْقَذْفُ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ يُنْقَضُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً فِي الْمُقْنِعِ بِالنَّقْضِ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مُخَرِّجَهُ. تَنْبِيهٌ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ: الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ قَذَفَ مُسْلِمًا لَمْ يُنْقَضْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَإِنْ فَتَنَهُ عَنْ دِينِهِ وَعَدَّدَ مَا تَقَدَّمَ اُنْتُقِضَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ، بِنَاءً عَلَى نَصِّهِ فِي الْقَذْفِ. وَالْأَصَحُّ: التَّفْرِقَةُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ وَعَدَّدَ مَا تَقَدَّمَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ نَصًّا وَخَرَجَ لَا مِنْ قَذْفِ مُسْلِمٍ نَصًّا. وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ حُكْمُ مَا إذَا سَحَرَهُ فَآذَاهُ فِي تَصَرُّفِهِ: حُكْمُ الْقَذْفِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَظْهَرَ مُنْكَرًا، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ) .

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يُنْتَقَضُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوهُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْخِرَقِيِّ وَالْجَمَاعَةِ: إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ لَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ. وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ فَقَوْلَانِ: اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَتَى بِمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ: فَهَلْ يَلْزَمُ تَرْكُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ لَزِمَ، أَوْ شُرِطَ تَرْكُهُ: فَفِي نَقْضِهِ وَجْهَانِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَ فِي مُنَاظَرَاتِهِ فِي رَجْمِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، يَحْتَمِلُ نَقْضُ الْعَهْدِ. وَيُنْتَقَضُ بِإِظْهَارِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ سَتْرُهُ مِمَّا هُوَ دِينٌ لَهُمْ. فَكَيْفَ بِإِظْهَارِ مَا لَيْسَ بِدَيْنٍ؟ انْتَهَى. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ مَعَ الشَّرْطِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ مَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ عُمَرَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَنْ أَقَامَ مِنْ الرُّومِ فِي مَدَائِنِ الشَّامِ: لَزِمَتْهُمْ هَذِهِ الشُّرُوطُ. شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ أَوْ لَا. قَالَ: وَمَا عَدَا الشَّامَ. فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ:

اُنْتُقِضَ الْعَهْدُ بِمُخَالَفَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا. لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ: حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي نَصْرَانِيٍّ لَعَنَ مُسْلِمًا: تَجِبُ عُقُوبَتُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ وَأَمْثَالُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ [قَوْلٌ] يُقْتَلُ. لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَسَوَاءٌ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ، إلَّا أَنْ يَذْهَبَ بِهِمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّهُ يُنْتَقَضُ فِي أَوْلَادِهِ، كَوَلَدٍ حَادِثٍ بَعْدَ نَقْضِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُحَرَّرِ: الْوَلَدَ الْحَادِثَ بِدَارِ الْحَرْبِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ. وَلَوْ عَلِمُوا بِنَقْضِ عَهْدِ أَبِيهِمْ، أَوْ زَوْجِهِنَّ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُنْتَقَضُ إذَا عَلِمُوا وَلَمْ يُنْكِرُوا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الصُّغْرَى كَالْهُدْنَةِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّهُمَا فِي الْمُمَيِّزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ لَوْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ. فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ عِنْدَنَا، ثُمَّ نُقِضَ الْعَهْدُ: فَهُوَ كَذِمِّيٍّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

وَتَقَدَّمَ نَقْضُ عَهْدِهِ فِي ذُرِّيَّتِهِ فِي الْمُهَادَنَةِ. وَكَذَا مَنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يَغْزِلْهُمْ، أَوْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ الْإِمَامَ وَنَحْوُهُ، فِي بَابِ الْهُدْنَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ: خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ) فَيُخَيَّرُ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْجِهَادِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. قُلْت: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِغَيْرِ الْقِتَالِ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ قَتْلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالنَّظْمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ أَسْلَمَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ. فَأَمَّا إنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ

وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِي مَالِهِ الْخِلَافُ الْآتِي. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ إذَا رُقَّ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ مَالٌ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ مَا حُكْمُهُ؟ فِي بَابِ الْأَمَانِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْلَمَ مَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ: حَرُمَ قَتْلُهُ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَالْمُرَادُ غَيْرُ السَّابِّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ أَسْلَمَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، عَمَّنْ حَرُمَ قَتْلُهُ: وَكَذَا يَحْرُمُ رِقُّهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ رُقَّ ثُمَّ أَسْلَمَ بَقِيَ رِقُّهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِيمَنْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ: يُقْتَلُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ؟ قَالَ: يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ. هَذَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِيمَنْ قَهَرَ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَقَلَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ. وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْمُحَارِبِ. قَوْلُهُ (وَمَالُهُ فَيْءٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. فَيُنْقَضُ عَهْدُهُ فِي مَالِهِ كَمَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَاهُ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْأَمَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ فِي بَابِ نَقْضِ الْعَهْدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ فِي مَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ، فَهُوَ فَيْءٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ إرْثٌ. فَإِذَا تَابَ قَبْلَ قَتْلِهِ دُفِعَ إلَيْهِ. وَإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

كتاب البيع

وَقَالَ: وَقِيلَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْتِقَاضِ الْعَهْدِ فِي الْمَالِ بِنَقْضِهِ فِي صَاحِبِهِ. فَإِنْ قِيلَ يُنْتَقَضُ: كَانَ فَيْئًا. وَإِنْ قِيلَ لَا يُنْتَقَضُ: انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ. انْتَهَى. قُلْت: هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَجَمَاعَةٍ. [كِتَابُ الْبَيْعِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ) اعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْعِ مَعْنَيَيْنِ: مَعْنًى فِي اللُّغَةِ. وَمَعْنًى فِي الِاصْطِلَاحِ. فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مُعَوَّضٍ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِحَدِّهِ: بَيَانَ مَعْنَى الْبَيْعِ فِي اللُّغَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إذَا تَنَاوَلَ عَيْنَيْنِ، أَوْ عَيْنًا بِثَمَنٍ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ: فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُمَا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، إذَا تَضَمَّنَ عَيْنَيْنِ لِلتَّمْلِيكِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا تَضَمَّنَ مَالَيْنِ لِلتَّمْلِيكِ. فَأَبْدَلَ " الْعَيْنَيْنِ " بِمَالَيْنِ، لِيَحْتَرِزَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ. وَلَا يَطَّرِدُ الْحَدَّانِ. أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَانِعٍ، لِدُخُولِ الرِّبَا. وَيَدْخُلُ الْقَرْضُ عَلَى الثَّانِي. وَلَا يَنْعَكِسَانِ. أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ جَامِعٍ، لِخُرُوجِ الْمُعَاطَاةِ، وَخُرُوجِ الْمَنَافِعِ، وَمَمَرِّ الدَّارِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ عُقُودٌ سِوَى الْبَيْعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُوَ بَيْعُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ، وَمَا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: حَدُّ الْمُصَنِّفِ هُنَا حَدٌّ شَرْعِيٌّ، لَا لُغَوِيٌّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُهُ. لِأَنَّهُ بِصَدَدِ ذَلِكَ، لَا بِصَدَدِ حَدِّهِ فِي اللُّغَةِ.

فَدَخَلَ فِي حَدِّهِ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَرْضُ وَالرِّبَا، فَلَيْسَ بِمَانِعٍ. وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي النَّظْمِ: هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَيْرِ رِبًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، عَلَى التَّأْبِيدِ، بِعِوَضٍ مَالِيٍّ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا: الرِّبَا وَالْقَرْضُ. وَبِالْجُمْلَةِ: قَلَّ أَنْ يُسْلَمَ حَدٌّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: هُوَ مُبَادَلَةُ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مُطْلَقًا بِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ عَلَى التَّأْيِيدِ فِيهِمَا، بِغَيْرِ رِبًا وَلَا قَرْضٍ لَسَلِمَ. فَائِدَةٌ اشْتِقَاقُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ " الْبَاعِ " لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمُدُّ بَاعَهُ لِلْأَخْذِ مِنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَرُدَّ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ يُبَايِعُ صَاحِبَهُ، أَيْ يُصَافِحُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ. وَلِذَلِكَ يُسَمَّى الْبَيْعُ " صَفْقَةً " وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: الْبَيْعُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَائِعِ. وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَمُدُّ يَدَهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ " الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ " انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَيْعَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. إذْ الْمَصْدَرُ لَا يَشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ، ثُمَّ مَعْنَى " الْبَيْعِ " غَيْرُ مَعْنَى " الْمُبَايَعَةِ ". وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُبَايَعَةِ، بِمَعْنَى الْمُطَاوَعَةِ، لَا مِنْ الْبَاعِ. انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُك، أَوْ مَلَّكْتُك. وَنَحْوُهُمَا) .

مِثْلُ: وَلَّيْتُك، أَوْ شَرَّكْتُكَ فِيهِ. (وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْت، أَوْ قَبِلْت، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) . مِثْلُ تَمَلَّكْت، وَمَا يَأْتِي مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْبَيْعُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ بِدُونِ " بِعْت " وَ " اشْتَرَيْت " لَا غَيْرُهُمَا. ذَكَرَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِكَذَا. فَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ بِذَلِكَ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قَالَ أَخَذْته مِنْك، أَوْ بِذَلِكَ: صَحَّ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. الثَّانِيَةُ: لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ " السَّلَفِ " وَ " السَّلَمِ " قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَفْظِ " السَّلَمِ " ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بِلَفْظِ " السَّلَمِ " قَالَهُ الْقَاضِي. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي بَابِ الصُّلْحِ: فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " تَرَدُّدٌ. فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَعَدَمَهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُصُولِ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ: جَازَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، أَيْ يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ بِلَفْظِ الطَّلَبِ، كَقَوْلِهِ: بِعْنِي ثَوْبَك، أَوْ مَلِّكْنِيهِ. فَيَقُولُ: بِعْتُك. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. أَيْ لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ كَالنِّكَاحِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هَذِهِ أَشْهَرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ الْمُبْهِجُ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ بِلَفْظِ الْمَاضِي: صَحَّ. وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَاوِيَيْنِ: فَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي: صَحَّ. وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ. فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ: إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ: فَرِوَايَتَانِ. وَقَطَعَ فِي الْكَافِي بِالصِّحَّةِ، إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي. وَعَدَمُ الصِّحَّةِ إنْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ، أَوْ بِلَفْظِ الطَّلَبِ لَا غَيْرُ، كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، أَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي الْمُسْتَفْهَمِ بِهِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: ابْتَعْنِي هَذَا بِكَذَا؟ أَوْ أَتَبِيعُنِي هَذَا بِكَذَا؟ فَيَقُولُ: بِعْتُك: لَمْ يَصِحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ. حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: ابْتَعْت، أَوْ قَبِلْت أَوْ اشْتَرَيْت، أَوْ تَمَلَّكْت وَنَحْوُهَا.

فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ بِكَذَا، أَوْ ابْتَعْهُ بِكَذَا. فَقَالَ: اشْتَرَيْته، أَوْ ابْتَعْته: لَمْ يَصِحَّ، حَتَّى يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ: بِعْتُك، أَوْ مَلَّكْتُك. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. وَالْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ كَتَقَدُّمِ الطَّلَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْبَذْلِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: بِعْتُك، أَوْ قَبِلْت، إنْ شَاءَ اللَّهُ: صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْإِقْرَارِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي النِّكَاحِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ. الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ: صَحَّ، مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) . قَيَّدَ الْأَصْحَابُ قَوْلَهُمْ " وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ " بِالْعُرْفِ قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: الْمُعَاطَاةُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ، وَمِثْلُ مَا لَوْ سَاوَمَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ. فَيَقُولُ: خُذْهَا، أَوْ هِيَ لَك، أَوْ قَدْ أَعْطَيْتُكهَا: أَوْ قَوْلِ: كَيْفَ تَبِيعُ الْخُبْزَ؟ فَيَقُولُ:

كَذَا بِدِرْهَمٍ. فَيَقُولُ: خُذْ دِرْهَمًا، أَوْ زِنْ. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَصِحُّ بِشَرْطِ خِيَارٍ مَجْهُولٍ. كَمَا فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ وَالْخِيَارِ مَعَ قَطْعِ ثَمَنِهِ عُرْفًا وَعَادَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مِثْلُ الْمُعَاطَاةِ، وَضْعُ ثَمَنِهِ عَادَةً وَأَخْذُهُ. الثَّانِي: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ لَا يُسَمَّى إيجَابًا وَقَبُولًا وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. فَقَالَ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِلصِّيغَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَهُوَ تَخْصِيصٌ عُرْفِيٌّ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ اسْمُ كُلِّ تَعَاقُدٍ. فَكُلُّ مَا انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ: سُمِّيَ إثْبَاتُهُ إيجَابًا، وَالْتِزَامُهُ قَبُولًا. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِغَيْرِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِشَرْطِهَا، وَالْمُعَاطَاةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْقَاضِي، وَالْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صِحَّةَ الْبَيْعِ بِكُلِّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا، مِنْ مُتَعَاقِبٍ وَمُتَرَاخٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْهِبَةَ كَبَيْعِ الْمُعْطَاةِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِثْلُهُ الْهِبَةُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ: وَكَذَا الْهِبَةُ، وَالْهَدِيَّةُ، وَالصَّدَقَةُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: صِحَّةَ الْهِبَةِ. سَوَاءٌ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ أَوْ لَا. انْتَهَى. فَمَتَى قُلْنَا بِالصِّحَّةِ: يَكُونُ تَجْهِيزُهُ لِبِنْتِهِ بِجِهَازٍ إلَى زَوْجِهَا تَمْلِيكًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجْهِيزُ الْمَرْأَةِ بِجِهَازٍ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا تَمْلِيكٌ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ: أَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِذَلِكَ. وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. الثَّانِيَةُ: لَا بَأْسَ بِذَوْقِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الشِّرَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ. لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مَرَّةً: لَا أَدْرِي، إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا: لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الْبَيْعُ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَثُبُوتَ الْخِيَارِ عِنْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (التَّرَاضِي بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَا بِهِ اخْتِيَارًا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ مَالٍ، فَبَاعَ مِلْكَهُ لِذَلِكَ: كُرِهَ الشِّرَاءُ، وَصَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ تَحْرِيمَهُ وَكَرَاهِيَتَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: بَيْعُ التَّلْجِئَةِ، وَالْأَمَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يُرِيدَاهُ بَاطِنًا، بَلْ خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ دَفْعًا لَهُ بَاطِلٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ خَافَ ضَيْعَةَ مَالِهِ، أَوْ نَهْبَهُ، أَوْ سَرِقَتَهُ، أَوْ غَصْبَهُ، أَوْ أَخْذَهُ مِنْهُ ظُلْمًا: صَحَّ بَيْعُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ كَلَامِهِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ شَهَادَةً. فَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي أَبِيعُهُ، أَوْ أَتَبَرَّعُ لَهُ بِهِ، خَوْفًا أَوْ تَقِيَّةً: أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ. خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي التَّبَرُّعِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِ غَيْرِهِ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ، فَجَحَدَهُ أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ حَتَّى يَبِيعَهُ. فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فَهَذَا مُكْرَهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ الثَّالِثَةُ: لَوْ أَسَرَّا الثَّمَنَ أَلْفًا بِلَا عَقْدٍ. ثُمَّ عَقَدَهُ بِأَلْفَيْنِ: فَفِي أَيِّهِمَا الثَّمَنُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَطَعَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَسَرَّاهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ الْقَاضِي. وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّ الثَّمَنَ مَا أَظْهَرَاهُ وَلَوْ عَقَدَاهُ سِرًّا بِثَمَنٍ، وَعَلَانِيَةً بِأَكْثَرَ. فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ كَالنِّكَاحِ. اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. الرَّابِعَةُ: فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْهَازِلِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَ فِي الْفَائِقِ الْبُطْلَانَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ: وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُقْبَلُ مِنْهُ بِقَرِينَةٍ. الْخَامِسَةُ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِنِي مِنْ زَيْدٍ، فَإِنِّي عَبْدُهُ. فَاشْتَرَاهُ، فَبَانَ حُرًّا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُهْدَةُ. حَضَرَ الْبَائِعُ أَوْ غَابَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ، الْجَمَاعَةُ. كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ مِنْهُ عَبْدَهُ هَذَا. وَيُؤَدَّبُ هُوَ وَبَائِعُهُ. لَكِنْ مَا أَخَذَهُ الْمُقِرُّ غَرِمَهُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ رَجُلٍ يُقِرُّ بِالْعُبُودِيَّةِ حَتَّى يُبَاعَ؟ فَقَالَ: يُؤْخَذُ الْبَائِعُ وَالْمُقِرُّ بِالثَّمَنِ. فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ غَابَ، أُخِذَ الْآخِرُ بِالثَّمَنِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَوَجَّهَ هَذَا فِي كُلِّ غَارٍّ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَلَوْ كَانَ الْغَارُّ أُنْثَى حُدَّتْ وَلَا مَهْرَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ. السَّادِسَةُ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَرَهَنَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ كَبَيْعٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ إلَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمَةُ. وَقَالَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ وَالرُّشْدِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمُمَيِّزِ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ. قَوْلُهُ (إلَّا الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالسَّفِيهَ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي السَّفِيهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ: عَدَمُ وَقْفِ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالسَّفِيهُ مِثْلُ الْمُمَيِّزِ إلَّا فِي عَدَمِ وَقْفِهِ. يَعْنِي أَنَّ لَنَا رِوَايَةً فِي الْمُمَيِّزِ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَوُقُوفِهِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. بِخِلَافِ السَّفِيهِ.

وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمُمَيِّزِ، وَالْمُرَاهِقِ: تَصَرُّفُهُ لِلِاخْتِبَارِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا. أَمَّا فِي الْكَثِيرِ: فَلَا يَصِحُّ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ. وَأَمَّا فِي الْيَسِيرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ تَصَرُّفَ الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ: لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْجُمْلَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ تَزَوَّجَ الصَّغِيرُ فَبَلَغَ أَبَاهُ. فَأَجَازَهُ: جَازَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَوْ أَجَازَهُ هُوَ بَعْدَ رُشْدِهِ: لَمْ يَجُزْ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَابْنُ مُشَيْشٍ: صِحَّةَ عِتْقِهِ إذَا عَقَلَهُ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَصِحُّ عِتْقُهُ. وَأَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ. [وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ صِحَّةَ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ] وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالتَّرْغِيبِ فِي صِحَّةِ عِتْقِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَابْنِ عَشْرٍ، وَابْنَةِ تِسْعٍ: رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ، فِي صِحَّةِ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ: رِوَايَتَانِ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَغَيْرُهُمْ: فِي صِحَّةِ عِتْقِ السَّفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ: عَدَمُ صِحَّةِ عُقُودِهِ. وَأَنَّ شَيْخَهُ الْقَاضِيَ قَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي عُقُودِهِ كُلِّهَا رِوَايَتَانِ. وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ صِحَّةَ عِتْقِ مُمَيِّزٍ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا بَلَغَ عَشْرًا تَزَوَّجَ وَزَوَّجَ وَطَلَّقَ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَنُفُوذِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَإِبْرَائِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَطَلَاقِهِ: رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَشِرَاءُ السَّفِيهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَاقْتِرَاضُهُ: لَا يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَيَأْتِي أَحْكَامُ السَّفِيهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ: فَلَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْفِقْهِ. ذَكَرَ أَكْثَرَهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَيَأْتِي بَعْضُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي وَصِيَّتِهِ، وَتَزْوِيجِهِ، وَطَلَاقِهِ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ، وَإِسْلَامِهِ، وَرِدَّتِهِ، وَشَهَادَتِهِ، وَإِقْرَارِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي قَبُولِ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ. وَكَذَا الْعَبْدُ: هِبَةً وَوَصِيَّةً بِدُونِ إذْنٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ثَالِثُهَا: يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْمُمَيِّزِ. وَكَذَا قَبْضُهُ. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ وَالْحَارِثِيُّ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ فِي السَّفِيهِ وَالْمُمَيِّزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ فِي الصَّغِيرِ. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ. وَيُقْبَلُ مِنْ مُمَيِّزٍ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَدُونَهُ هَدِيَّةٌ أُرْسِلَ بِهَا، وَإِذْنُهُ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا. وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي، وَمِنْ فَاسِقٍ وَكَافِرٍ. وَذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ إجْمَاعًا.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ ظُنَّ صِدْقُهُ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا. وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) فَتَقْيِيدُهُ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ: احْتِرَازًا عَمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، كَالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا. وَتَقْيِيدُهُ الْمَنْفَعَةَ بِالْإِبَاحَةِ: احْتِرَازًا عَمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا. وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِبَاحَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ: احْتِرَازًا عَمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِضَرُورَةٍ، كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ: فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ " لِغَيْرِ حَاجَةٍ " لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَضْطَرُّ. فَمُرَادُهُ بِالضَّرُورَةِ: الْحَاجَةُ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَقَوْلُهُ " لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ " احْتِرَازًا مِنْ الْمَيْتَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تُبَاحُ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ، وَالْخَمْرِ الَّتِي تُبَاحُ لِدَفْعِ اللُّقْمَةِ بِهَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ أَقْعَدُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّا. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ بَيْعٍ مُجَازٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. وَمُعَيَّنٍ مِنْ حَائِطٍ يَجْعَلُهُ بَابًا، وَمِنْ أَرْضِهِ يَصْنَعُهُ بِئْرًا، أَوْ بَالُوعَةً، وَعُلْوِ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بِنَاءً مَوْصُوفًا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ مَبْنِيًّا، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْهِدَايَةُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الصُّلْحِ. قَوْلُهُ (فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ إجْمَاعًا.

وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِمَا. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا. قَوْلُهُ (وَدُودِ الْقَزِّ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِ دُودِ الْقَزِّ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ (وَبِزْرِهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَدِبَّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَدِبَّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ إذَا دَبَّ بِزْرُ الْقَزِّ فَهُوَ مِنْ دُودِ الْقَزِّ. حُكْمُهُ حُكْمُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَالنَّحْلِ مُنْفَرِدًا، وَفِي كُوَّارَاتِهِ) يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مُنْفَرِدًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي [وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُغْنِي] وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَفِي كُوَّارَاتِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مَعَ كُوَّارَاتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي كُوَّارَاتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهَا: يُشْتَرَطُ أَنْ يُشَاهِدَ النَّحْلَ دَاخِلًا إلَيْهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ هَذَا فِي بَيْعِهِ مُنْفَرِدًا وَقِيلَ: إذَا رَأَيَاهُ فِيهَا وَعَلِمَا قَدْرَهُ وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ. وَقِيلَ: إنْ رَأَيَاهُ يَدْخُلُهَا. وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَجَمَاعَةٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكُوَّارَةِ بِمَا فِيهَا مِنْ عَسَلٍ وَنَحْلٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ صِحَّةُ ذَلِكَ. انْتَهَى. قُلْت: اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَسْتُورًا بِأَقْرَاصِهِ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: ذَكَرَ الْخِرَقِيُّ. أَنَّ التِّرْيَاقَ لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ فِيهِ لُحُومَ الْحَيَّاتِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ. فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ. وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَلَا بِسُمِّ الْأَفَاعِي. فَأَمَّا السُّمُّ مِنْ الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ: فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ نَفْعِهِ. وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ، وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ، كَالسَّقَمُونْيَا وَنَحْوِهَا: جَازَ بَيْعُهُ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ بَيْعُ عَلْقٍ لِمَصِّ دَمٍ، وَدِيدَانٍ تُتْرَكُ فِي الشَّصِّ لِصَيْدِ السَّمَكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ وَالْفِيلِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، وَكَذَا سِبَاعُ الطَّيْرِ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: الْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ مَا يَصْلُحُ لِلصَّيْدِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ الْهَدْيِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ فِي الْهِرِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا الْفَائِقُ فِي غَيْرِ الْهِرِّ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِيمَا قِيلَ بِطَهَارَتِهِ مِنْهَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمُعَلَّمِ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لَكِنَّ الْأَوْلَى: أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَقْبَلَ التَّعْلِيمَ. وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي جَوَازِ بَيْعِ فِرَاخِهِ، وَبَيْضِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فِي الْبَيْضِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْضُ يُنْتَفَعُ بِهِ. بِأَنْ يَصِيرَ فِرَاخًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ قَبِلَ التَّعْلِيمَ جَازَ عَلَى الْأَشْهَرِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا.

قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ لِنَجَاسَتِهِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ " الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ " عَائِدٌ إلَى " سِبَاعِ الْبَهَائِمِ " فَقَطْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. لَا إلَى الْهِرِّ وَالْفِيلِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي بَيْعِ هِرٍّ وَمَا يُعَلَّمُ مِنْ الصَّيْدِ، أَوْ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ. كَفِيلٍ، وَفَهْدٍ، وَبَازٍ. إلَى آخِرِهِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْفِيلُ وَالْفَهْدُ التَّعْلِيمَ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ. كَأَسَدٍ، وَذِئْبٍ، وَدُبٍّ، وَغُرَابٍ. فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ تَعْلِيمَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. فَتَعْلِيمُ الْفِيلِ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمَا. وَتَعْلِيمُ غَيْرِهِ لِلصَّيْدِ. لَا أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ الْفِيلِ لِلصَّيْدِ. فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُعْهَدْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابَ فِيمَا يُصَادُ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَلِشَيْخِنَا عَلَيْهِ كَلَامٌ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا يُصَادُ عَلَيْهِ كَالْبُومَةِ الَّتِي يَجْعَلُهَا شِبَاكًا لِتَجْمَعَ الطُّيُورَ إلَيْهَا فَيَصِيدُهَا الصَّيَّادُ وَجْهَانِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَكَذَا حُكْمُ اللَّقْلَقِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَكَذَا قَدَّمَ الْجَوَازَ فِي اللَّقْلَقِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. الثَّانِيَةُ: بَيْعُ الْقِرْدِ، إنْ كَانَ لِأَجْلِ اللَّعِبِ بِهِ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرَاهَةَ بَيْعِ الْقِرَدَةِ وَشِرَائِهَا.

فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ حِفْظِ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ. فَقِيلَ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعُمُومَاتُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ تَقْتَضِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ. وَقَالَ فِي آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ: يُكْرَهُ اقْتِنَاءُ قِرْدٍ لِأَجْلِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. قُلْت: الصَّوَابُ تَحْرِيمُ اللَّعِبِ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ بَيْعُ طَيْرٍ لِأَجْلِ صَوْتِهِ. كَالْهَزَارِ، وَالْبُلْبُلِ، وَالْبَبَّغَاءِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمُ، وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ جَازَ حَبْسُهُ. وَفِي جَوَازِ حَبْسِهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَا قُصِدَ صَوْتُهُ. كَدِيكٍ، وَقُمْرِيٍّ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. كَغَنَمٍ، وَدَجَاجٍ، وَقُمْرِيٍّ، وَبُلْبُلٍ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَرِيضِ) . أَمَّا الْمُرْتَدُّ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قَالَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ جَوَازِ اسْتِتَابَتِهِ. وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ لَوْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُرْتَدٌّ. فَلَهُ الْأَرْشُ، سَوَاءٌ قُتِلَ أَوْ لَا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّ لَهُ الثَّمَنَ كُلَّهُ.

وَأَمَّا الْمَرِيضُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ. وَإِلَّا جَازَ. قَوْلُهُ (وَفِي بَيْعِ الْجَانِي، وَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ. وَجْهَانِ) . أَمَّا بَيْعُ الْجَانِي: فَأَطْلَقَ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا. ثُمَّ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُعْسِرًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فُسِخَ الْبَيْعُ. وَقُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْأَرْشِ لَزِمَهُ. وَكَانَ الْمَبِيعُ بِحَالِهِ. لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ. فَإِذَا بَاعَهُ، فَقَدْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ: فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ الْأَرْشِ أَوْ الرَّدِّ. فَإِنْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ قَبْلَ طَلَبِهَا: سَقَطَ الرَّدُّ وَالْأَرْشُ. وَإِذَا قُتِلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ دَمَهُ مُسْتَحَقٌّ تَعَيَّنَ الْأَرْشُ لَا غَيْرُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَأْتِي هَذَا بِعَيْنِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ خِيَارِ الْعَيْبِ. فَائِدَةٌ السَّرِقَةُ جِنَايَةٌ.

وَيَأْتِي هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ؟ فِي أَبْوَابِهَا. وَأَمَّا بَيْعُ الْقَاتِلِ فِي الْمُحَارَبَةِ يَعْنِي إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقُدِّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي.: إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ. لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ. انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ. فَأَمَّا إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَانِي عَلَى مَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي كُفْرٍ بِمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي الْمُحَارَبَةِ. وَأَمَّا بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. [فَعَلَيْهِ: لَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ ضَمِنَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ. كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ] .

وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَرَاهَةَ. فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الرَّجُلِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى ذَلِكَ. قُلْت: وَفِي تَقْيِيدِ [بَعْضِ] الْأَصْحَابِ ذَلِكَ بِالْآدَمِيَّاتِ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَشْهَرُ مَنْعُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ: فِي بَيْعِهِ نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ مِنْ عِنْدِهِ، بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ قُلْت: إنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ صَحَّ بَيْعُهُ قَبْلَهُ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِمَا اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ النَّاظِمُ، وَقِيلَ: قُبَيْلَ الشَّرْطِ بِعْهُ. قَوْلُهُ (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي بَيْعِهِ رُخْصَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَنَصَرَهُ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيُكْرَهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ فَائِدَةٌ حُكْمُ إجَارَتِهِ حُكْمُ بَيْعِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَكَذَا رَهْنُهُ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي كَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُكْرَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَقَدْ رَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي شِرَائِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ كَرَاهَةَ الشِّرَاءِ وَعَدَمَ كَرَاهَةِ الْإِبْدَالِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُهُمْ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُبَادَلَةِ: هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَالَ: هِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إبْدَالَ الْمُصْحَفِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ، بِخِلَافِ أَخْذِ ثَمَنِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَاعَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ ".

تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا كَانَ مُسْلِمًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ كَافِرًا: فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الرَّهْنِ: هَلْ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ؟ وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ؟ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ " وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَى كَلْبَ الصَّيْدِ. بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ. قَالَ: فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ. لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَاقْتِنَاؤُهُ، فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ النَّجِسِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَخَرَجَ قَوْلٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ مِنْ الدُّهْنِ النَّجِسِ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ السَّلَمِ فِي الْبَعْرِ وَالسِّرْجِينِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي بَيْعِ النَّجَاسَةِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ جَوَازَ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ بَيْعُ نَجَاسَةٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَلَا فَرْقَ، وَلَا إجْمَاعَ كَمَا قِيلَ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عَلَى الْمَنْعِ هَلْ يَجُوزُ إيقَادُ النَّجَاسَةِ؟ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ أَوْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ عَلِمَ نَجَاسَتَهَا. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَمَنْ بَعْدَهُ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: جَوَازَ بَيْعِهَا حَتَّى لِمُسْلِمٍ، مِنْ رِوَايَةِ جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا، عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ تَخْرِيجِ الْمُصَنِّفِ فِي كَلَامِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ قُلْنَا تَطْهُرُ بِغَسْلِهَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَلَا حَاجَةَ إلَى حِكَايَتِهِ قَوْلًا. وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَطْهُرُ يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهَا إنْ جَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا. وَلَعَلَّهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ الْمُتَقَدِّمُ. لَكِنْ حَكَاهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا) اعْتِقَادُهُ لِلطَّهَارَةِ. قَالَ: لِأَنَّ نَفْسَ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ. فَكَذَا هُنَا. قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَقَوْلُهُ " يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا " بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي شَرِيعَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: اشْتِرَاطُ إعْلَامِهِ بِنَجَاسَتِهِ

لَا غَيْرُ سَوَاءٌ اعْتَقَدَ طَهَارَتَهُ أَوْ لَا. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْهُ يُبَاعُ لِكَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْحَالِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَا يُوَافِقُ مَا نَقُولُ. فَإِنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى " لُتُّوا بِهِ السَّوِيقَ، وَبِيعُوهُ. وَلَا تَبِيعُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ. وَبَيِّنُوهُ ". وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَيَعْلَمُ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ. قَوْلُهُ (وَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَرَهَا فِي الْمُغْنِي. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِصْبَاحَ بِهَا. فَيَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَعَدَّى نَجَاسَتُهُ إمَّا بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إبْرِيقٍ، وَيُصَبُّ مِنْهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا يُمَسُّ، وَإِمَّا بِأَنْ يَدَعَ عَلَى رَأْسِ الْجَرَّةِ الَّتِي فِيهَا الدُّهْنُ سِرَاجًا مَثْقُوبًا، وَيُطَيِّنُهُ عَلَى رَأْسِ إنَاءِ الدُّهْنِ. وَكُلَّمَا نَقَصَ دُهْنُ السِّرَاجِ صَبَّ فِيهِ مَاءً، بِحَيْثُ يُرْفَعُ الدُّهْنُ، فَيَمْلَأُ السِّرَاجَ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَنَقَلَهُ طَائِفَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفُرُوعِ: أَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ، وَلَا بِشَحْمِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَوْلًا وَاحِدًا. عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّجَاسَاتِ. وَقَالَ: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ بَيْعِهَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرَهُ. خَرَّجُوا جَوَازَ الْبَيْعِ مِنْ رِوَايَةِ جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهَا. تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ) الْأَسِيرَ لَوْ بَاعَ مِلْكَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: لَا قَبْضَ وَلَا إقْبَاضَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. قَالَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فِي طَرِيقَتِهِ: يَصِحُّ. وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ فِي الْحَالِ. وَعَنْهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ. وَيَأْتِي حُكْمُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ فِي بَابِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّامِنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ) إذَا اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُسَمِّيَهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ

فِي الْعَقْدِ صَحَّ الْعَقْدُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. وَإِنْ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ " وَإِنْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ " يَشْمَلُ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ: إذَا تَصَرَّفَ لَهُ فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْمَالِ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَالثَّانِي: الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ هُنَا. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْأَكْثَرِينَ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ: هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى تَسْمِيَتِهِ فِي الْعَقْدِ أَمْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ فِي غَالِبِ ظَنِّي، وَابْنُ الْمُنَى. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ لَوْ اشْتَرَى بِمَالِ نَفْسِهِ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ. فَفِيهِ طَرِيقَانِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَجْرَى الْخِلَافَ فِيهِ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَهُ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَجَازَهُ مَنْ اشْتَرَى لَهُ: مَلَكَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ مَنْ اشْتَرَاهُ) يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ مَنْ اشْتَرَى لَهُ، وَلَوْ أَجَازَهُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى بَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا، فَقَالَ: اشْتَرَيْته لِزَيْدٍ فَأَجَازَهُ: لَزِمَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُشْتَرِي. انْتَهَى. وَقُدِّمَ هَذَا فِي التَّلْخِيصِ، إلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْإِجَازَةِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، فِي مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مِنْ حِينِ الْإِجَازَةِ. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ الْقَاضِيَ صَرَّحَ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ: إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَانْعِقَادُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. وَقَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ بَاطِلًا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ: بِعْته لِزَيْدٍ. فَقَالَ: اشْتَرَيْته لَهُ: بَطَلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ إنْ أَجَازَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ، بَعْدَ إجَازَتِهِ، صَحَّ مِنْ الْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ قَبْلَ ذَلِكَ، مُسْتَشْهِدًا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالْإِجَازَةِ. يَعْنِي أَنَّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: هَلْ يَدْخُلُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، أَوْ الْإِجَازَةِ؟ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ إنَّهُ يَقْبَلُ الِانْبِرَامَ وَالْإِلْزَامَ بِالْحُكْمِ. وَالْحُكْمُ لَا يُنْشِئُ الْمِلْكَ، بَلْ يُحَقِّقُهُ.

فَائِدَةٌ لَوْ بَاعَ مَا يَظُنُّهُ لِغَيْرِهِ، فَظَهَرَ لَهُ كَالْإِرْثِ وَالْوَكَالَةِ صَحَّ الْبَيْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الرَّهْنِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْأُصُولِيَّةِ، وَالْمُغْنِي فِي آخِرِ الْوَقْفِ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: مَنْ بَاشَرَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً، فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ، أَوْ وَاجَهَ بِالْعِتْقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً. فَبَانَتْ أَمَتَهُ: فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ رِوَايَتَانِ. وَلِابْنِ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ قَاعِدَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ، فِيمَنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ. . قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. ذَكَرَهَا الْحَلْوَانِيُّ. وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَذَكَرَهُ قَوْلًا عِنْدَنَا. قُلْت: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا. وَقَدْ جَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إصْدَاقَهَا. وَقَالَهُ الْمَجْدُ. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى نَفْعِهَا فَقَطْ. وَعَنْهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ دُونَ الْبَيْعِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ لِحَاجَتِهِ. قَوْلُهُ (كَأَرْضِ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ، وَنَحْوِهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مِصْرَ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقْسَمْ. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَمِصْرِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهَا.

فَائِدَةٌ لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ [أَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَبَاعَهُ] صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَإِنْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ هَذِهِ الْأَرْضَ، أَوْ وَقَفَهَا فَقِيلَ: يَصِحُّ. وَقِيلَ فِي النَّوَادِرِ: لَا يَصِحُّ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ حُكْمَ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ جَعَلَهَا الْإِمَامُ فَيْئًا، صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بَاقِيًا فِيهَا دَائِمًا، وَأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى الْغَانِمِينَ. تَنْبِيهٌ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (إلَّا الْمَسَاكِنَ) . أَنَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُحْدَثَةً بَعْدَ الْفَتْحِ، أَوْ مِنْ جُمْلَةِ الْفَتْحِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مِلْكِهِ، وَلَهُ عَقَارٌ فِي أَرْضِ السَّوَادِ قَالَ: لَا تُبَاعُ أَرْضُ السَّوَادِ، إلَّا أَنْ تُبَاعَ آلَتُهَا. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ الْمَنْعَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا: التَّسْوِيَةُ. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: التَّفْرِقَةُ. فَقَالَ: وَبَيْعُ بِنَاءٍ لَيْسَ مِنْهَا، وَغَرْسٌ مُحْدَثٌ: يَجُوزُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ. وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مَا فُتِحَ عَنْوَةً. فَأَمَّا الْمُحْدَثُ فَمَا دَخَلَ لِيُسْتَثْنَى. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ وَيَعْقُوبُ الْمَنْعَ. لِأَنَّهُ بَيْعٌ. وَهُوَ ذَرِيعَةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبِنَاءِ. وَجَوَّزَهُ فِي غَرْسٍ. وَمَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي. فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا الْمَسَاكِنُ

فِي الْمَدَائِنِ: فَيَجُوزُ بَيْعُهَا. لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبَنُوهَا مَسَاكِنَ وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَتْ إجْمَاعًا. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَأَرْضٍ مِنْ الْعِرَاقِ فُتِحَتْ صُلْحًا) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِهَا، كَمَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَنَحْوُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ وَشِبْهِهَا. لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً " لِكَوْنِ عُمَرَ وَقَفَهَا. وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَكَان وُقِفَ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا فُتِحَ صُلْحًا يَصِحُّ بَيْعُهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إجَارَتُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: إجَارَتَهَا مُؤَقَّتَةً. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ وَلَا إجَارَتُهَا) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ فُتِحَتْ صُلْحًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَأَكْثَرُ مَكَّةَ فُتِحَ عَنْوَةً.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَهِيَ الْمَنْزِلُ، وَدَارُ الْإِقَامَةِ وَلَا إجَارَتُهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ بَيْعِهَا فَقَطْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ لِحَاجَةٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ إنْكَارُ عَدَمِ الدَّفْعِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي لِالْتِزَامِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَخْذُهُ. قُلْت: يُعَايَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: يَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَنْ عَامَلَ بِعِينَةٍ وَنَحْوِهَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ سَاقِطَةٌ، يَحْرُمُ بَذْلُهَا. وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ نَزَلَ فِيهِ لِوُجُوبِ بَذْلِهِ، وَإِلَّا حَرُمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. نَقْلُ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] . وَأَنَّ مِثْلَهُ السَّوَادُ وَكُلٌّ عَنْوَةٌ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ، كَالْمَسْعَى، وَالْمَرْمَى، وَنَحْوِهِمَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّمَا يَحْرُمُ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَإِجَارَتُهَا لِأَنَّ الْحَرَمَ حَرِيمُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] . فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخَصُّصُ بِمِلْكِهِ وَتَحْجِيرِهِ. لَكِنْ إنْ احْتَاجَ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْهُ سَكَنَهُ. وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ. وَهُوَ مَسْلَكُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ. وَسَلَكَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَتَرَدَّدَ كَلَامُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ. فَأَجَازَهُ مَرَّةً. وَمَنَعَهُ أُخْرَى. فَائِدَةٌ الْحَرَمُ كَمَكَّةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ لَهُ الْبِنَاءُ فِيهِ وَالِانْفِرَادُ بِهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى لَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِ مَكَّةَ. لِأَنَّهُ جِزْيَةُ الْأَرْضِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ عَلَى الْأُولَى: بَلْ كَسَائِرِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَعْلَمُ مَنْ أَجَازَ ضَرْبَ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا سِوَاهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءٍ عِدٍّ، كَمِيَاهِ الْعُيُونِ. وَنَقْعِ الْبِئْرِ، وَلَا مَا فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ، كَالْقَارِ وَالْمِلْحِ وَالنِّفْطِ وَلَا مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْكِلَاءِ وَالشَّوْكِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْعِدَّ، وَالْمَعَادِنَ الْجَارِيَةَ، وَالْكَلَأَ النَّابِتَ فِي أَرْضِهِ: هَلْ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ قَبْلَ حِيَازَتِهَا أَمْ لَا يُمْلَكُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تُمْلَكُ قَبْلَ حِيَازَتِهَا بِمَا تُرَادُ لَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَمْلِكُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ مِلْكِ الْأَرْضِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَتَأْتِي هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوهُمَا هُنَاكَ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ بَيْعُ ذَلِكَ، وَلَا يَمْلِكُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، لَكِنْ يَكُونُ مُشْتَرِيهِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: مَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا مَلَكَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. وَلَوْ اسْتَأْذَنَهُ حَرُمَ مَنْعُهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ. وَخَرَّجَهُ رِوَايَةً مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَمْنَعُ التَّمْلِيكَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِسَائِرِ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ أَرْضِهِ، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ. وَجَوَّزَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَقْطَعٍ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ، يُرِيدُ تَعْطِيلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ زَرْعٍ وَبَيْعِ الْمَاءِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ، وَالْمَوْجُودِ فِي أَرْضِهِ إذَا قَصَدَ اسْتِنْبَاتَهُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا: لَا يَدْخُلُ الظَّاهِرُ مِنْهُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ، سَوَاءٌ قَالَ " بِحُقُوقِهَا " أَوْ لَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ احْتِمَالًا يَدْخُلُ فِيهِ، جَعْلًا لِلْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَاللَّقْطِ. وَلَهُ الدُّخُولُ لِرَعْيِ كَلَأٍ وَأَخْذِهِ وَنَحْوِهِ. إذَا لَمْ يُحَوِّطْ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ. وَعَنْهُ مُطْلَقًا. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ [وَعَنْهُ عَكْسُهُ. وَهُوَ] . قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) . قَالَ فِي الْحَاوِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِهَا مَا هُوَ مَحُوطًا وَمَا لَيْسَ بِمَحُوطٍ. وَنَصَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَقَيَّدَ فِي الْمُغْنِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِالْمَحُوطِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. قَالَ: فَيُفِيدُ كَوْنَ التَّقْيِيدِ أَشْبَهَ بِالْمَذْهَبِ.

قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ فِيمَا عَدَا الْمَحُوطَ لَا يُعْتَبَرُ بِحَالٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَحُوطِ. فَأَمَّا الْمَحُوطُ: فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ عَكْسُهُ، يَعْنِي: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَكَرِهَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْوَسِيلَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا: رِوَايَةً بِجَوَازِ بَيْعِ ذَلِكَ، مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ عَمَّا يَسْتَحِقُّ تَمَلُّكَهُ انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. الثَّانِي: يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ: لَوْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ سَمَكٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهِ طَائِرٌ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ. الثَّالِثُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا لَمْ يَحُزْهُ. فَأَمَّا إذَا حَازَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِلَا نِزَاعٍ. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ " أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْكُحْلِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ، وَمَا أَشْبَهَهَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا. وَيَجُوزُ

بَيْعُهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا خَفِيًّا، أَمْ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا خَفِيًّا، أَوْ حَدَثَ [ذَلِكَ فِيهَا] بَعْدَ أَنْ مَلَكَهَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ الْمَنْعُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بَيْعُهُ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِ كَالْمَغْصُوبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمُوا بِهِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إنْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ كَالْمَغْصُوبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَبَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَحَصَّلَهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَبِيعَ يَفْسُدُ بِالْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَيَفْسُدُ، وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، إذَا كَانَ يَأْلَفُ الْمَكَانَ وَالرُّجُوعَ إلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفُنُونِ، وَقَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ. وَأَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ.

فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْبُرْجُ مُغْلَقًا، وَيُمْكِنُ أَخْذُ الطَّيْرِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ السَّمَكُ فِي مَكَان لَهُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ فِي تَحْصِيلِهِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، أَوْ لَا تَطُولُ الْمُدَّةُ. فَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ فِي تَحْصِيلِهِ جَازَ بَيْعُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَسْهُلْ أَخْذُهُ، بِحَيْثُ يَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ. وَلِلْجَهْلِ بِوَقْتِ تَسْلِيمِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ بِجَهَالَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا الْمَغْصُوبِ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، أَوْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ) بَيْعُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَبَيْعُهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ الْغَاصِبِ: صَحِيحٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا الْقَادِرُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ.

قَوْلُهُ (السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِرُؤْيَةٍ) يَعْنِي مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالرُّؤْيَةِ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ مُقَارِنَةً لِلْبَيْعِ. وَتَارَةً تَكُونُ غَيْرَ مُقَارِنَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِجَمِيعِهِ صَحَّ الْبَيْعُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِبَعْضِهِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى بَقِيَّتِهِ: صَحَّ الْبَيْعُ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَرُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ تَكْفِي فِيهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُوشٍ. وَكَذَا رُؤْيَةُ وَجْهِ الرَّقِيقِ، وَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ وَنَحْوِهِمَا. وَمَا فِي الظُّرُوفِ مِنْ مَائِعٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ. وَمَا فِي الْأَعْدَالِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأُنْمُوذَجِ، بِأَنْ يُرِيَهُ صَاعًا وَيَبِيعَهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: ضَبْطُ الْأُنْمُوذَجِ كَذِكْرِ الصِّفَاتِ. نَقَلَ جَعْفَرُ فِيمَنْ يَفْتَحُ جِرَابًا وَيَقُولُ: الْبَاقِي بِصِفَتِهِ إذَا جَاءَ عَلَى صِفَتِهِ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَمَا عَرَفَهُ بِلَمْسِهِ، أَوْ شَمِّهِ أَوْ ذَوْقِهِ فَكَرُؤْيَتِهِ. وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْمَبِيعَ تَقْرِيبًا. فَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ غَيْرِ جَوْهَرِيٍّ جَوْهَرَةً. وَقِيلَ: وَيُشْتَرَطُ شَمُّهُ وَذَوْقُهُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ؟ أَوْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ. فَتَارَةً يُوصَفُ لَهُ، وَتَارَةً لَا يُوصَفُ. فَإِنْ لَمْ يُوصَفْ لَهُ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هَذَا: إذَا ذَكَرَ جِنْسَهُ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ جِنْسَهُ، فَلَا يَصِحُّ. رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَإِنْ وَصَفَ لَهُ، فَتَارَةً يَذْكُرُ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ، وَتَارَةً يَذْكُرُ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ: لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَهُ أَيْضًا فَسْخُ الْعَقْدِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا فَسْخَ لَهُ كَإِمْضَائِهِ. وَلَيْسَ لَهُ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا الْخِيَارُ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ. وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْبَغْلَ بِكَذَا. فَقَالَ: اشْتَرَيْته. فَبَانَ فَرَسًا أَوْ حِمَارًا: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَلَهُ الْخِيَارُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَعَنْهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ. وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَخِيَارُهُ فِي مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْفَوْرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا بِعَيْبٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا رَأَى عَيْنًا وَجَهِلَهَا، أَوْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ الصِّفَةِ مَا لَا

يَكْفِي فِي السَّلَمِ رِوَايَةُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ: وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْفَوْرِ. وَقِيلَ: فِي مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ: إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ. وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. وَقِيلَ: يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إذَا ظَهَرَ بِخِلَافِ رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ، أَوْ صِفَةٍ عَلَى التَّرَاخِي، إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ، لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ. وَعَنْهُ: عَلَى الْفَوْرِ. وَعَلَيْهِمَا مَتَى أَبْطَلَ حَقَّهُ مَنْ رَدَّهُ فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ، أَوْ رَآهُ، ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَرَاهُ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ رَآهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا " أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ فِيهِ وَعَدَمُهُ عَلَى السَّوَاءِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَمَّا إذَا عَقَدَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. فَائِدَةٌ مَتَى قُلْنَا: يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ: صَحَّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ كَتَوْكِيلِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ بِالذَّوْقِ، أَوْ بِالشَّمِّ: صَحَّ بَيْعُ

الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ: جَازَ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ كَالْبَصِيرِ. وَلَهُ خِيَارُ الْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ. انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ عُدِمَتْ الصِّفَةُ وَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ بِذَوْقٍ أَوْ شَمٍّ: صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ) . يُسَمَّى هَذَا خِيَارَ الْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ. لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَوْصُوفَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخَ إنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، أَوْ وَجَدَهُ عَلَى خِلَافِ مَا وَصَفَهُ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ مَعَ الْقَبْضِ، وَيَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ. لَا بِرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ. وَعَنْهُ: عَلَى الْفَوْرِ. وَعَلَيْهِمَا مَتَى أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ، فَلَا أَرْشَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ) . يَعْنِي: إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، أَوْ عَلَى خِلَافِ مَا وَصَفَهُ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، بِعُمُومِ كَلَامِهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ. هَلْ يَتَحَالَفَانِ، أَوْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَسَيَأْتِي قَالَ فِي النُّكَتِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَائِعِ. وَالثَّانِي: يَتَحَالَفَانِ. قَالَ: وَجَعَلَ الْأَصْحَابُ الْمَذْهَبَ هُنَا قَوْلَ الْمُشْتَرِي. مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ

فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْتنِي هَذَيْنِ بِمِائَةٍ. قَالَ: بَلْ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِينَ أَوْ بِمِائَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَيْعِ الْآخَرِ. مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ السَّابِقَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَهُوَ مُشْكِلٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ الْبَيْعُ بِالصِّفَةِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: بَيْعُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ، وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ. فَهَذَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ. قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَقَبْضِ الْمَبِيعِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ. الثَّانِي: بَيْعُ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدًا تُرْكِيًّا. ثُمَّ يَسْتَقْصِي صِفَاتِ السَّلَمِ. فَيَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَقْيَسِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ. فَمَتَى سَلَّمَ إلَيْهِ عَبْدًا عَلَى غَيْرِ مَا وَصَفَهُ لَهُ. فَرَدَّهُ عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُ، فَأَبْدَلَهُ: لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ. لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى عَيْنِ هَذَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِيَمْضِ وَيَشْتَرِهِ وَيُسَلِّمْهُ " وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ قَبْضِ ثَمَنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ ثَمَنِهِ. وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يُعْتَبَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى. لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِصْنَاعُ سِلْعَةٍ. لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَمِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَوْبٍ نَسَجَ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ بَقِيَّتَهُ. وَعَلَّلُوا تَبَعًا لِلْقَاضِي بِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْسُوجِ بَيْعُ عَيْنٍ. وَالْبَاقِي مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْوَاحِدُ بَعْضُهُ بَيْعُ عَيْنٍ وَبَعْضُهُ مُسْلَمٌ فِيهِ. لِأَنَّ الْبَاقِي سَلَمٌ فِي أَعْيَانٍ. وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَمٌ وَاسْتِئْجَارٌ. فَاللُّحْمَةُ غَائِبَةٌ. فَهِيَ مُسْلَمٌ فِيهِ وَالنَّسْجُ اسْتِئْجَارُ. وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي، إنْ صَحَّ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ مِنْهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ. لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَسَلَمٌ، أَوْ شُرِطَ فِيهِ نَفْعُ الْبَائِعِ. انْتَهَى. فَإِنْ أَحْضَرَ اللُّحْمَةَ وَبَاعَهَا مَعَ الثَّوْبِ، وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ نَسْجَهَا: فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ، عَلَى مَا يَأْتِي. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَلَا اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) . بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إجْمَاعًا. وَهُوَ بَيْعُ " الْمَجْرِ " وَنَهَى الشَّارِعُ أَيْضًا عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ بِسُكُونِ الْجِيمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ: هُوَ بِفَتْحِهَا. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَنَهَى الشَّارِعُ أَيْضًا عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ " الْمَلَاقِيحُ " الْأَجِنَّةُ. " وَالْمَضَامِينُ " مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ " الْمَجْرُ " مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ. وَالْمَجْرُ: الرِّبَا. وَالْمَجْرُ: الْقِمَارُ. وَالْمَجْرُ: الْمُحَاقَلَةُ، وَالْمُزَابَنَةُ. انْتَهَى. وَقِيلَ " الْمَضَامِينُ " مَا فِي بُطُونِهَا. " وَالْمَلَاقِيحُ ": مَا فِي ظُهُورِهَا. وَعَلَى التَّفْسِيرَيْنِ هُوَ غَيْرُ عَسْبِ الْفَحْلِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. لِأَنَّ عَسْبَ الْفَحْلِ: هُوَ أَنْ يُؤَجَّرَ الْفَحْلُ لِيَنْزُوَ عَلَى أُنْثَى غَيْرِهِ. وَظَاهِرُ مَا فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّ الَّذِي فِي الظُّهُورِ هُوَ عَسْبُ الْفَحْلِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ هُوَ بَيْعِ الْمَضَامِينِ. وَهُوَ الْمَجْرُ. انْتَهَى. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ وَهُوَ ضِرَابُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ حُكْمُ إجَارَتِهِ. وَأَمَّا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ: فَلَا يَصِحُّ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ قَالَ: إنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ: جَازَ. وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ: خِلَافًا. وَأَطْلَقَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا الْمِسْكِ فِي الْفَأْرِ) . يَعْنِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَجَّهَ تَخْرِيجًا وَاحْتِمَالًا بِالْجَوَازِ. وَقَالَ: لِأَنَّهَا وِعَاءٌ لَهُ يَصُونَهُ وَيَحْفَظُهُ. فَيُشْبِهُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، وَتُجَّارُ ذَلِكَ يَعْرِفُونَهُ فِيهَا. فَلَا غَرَرَ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. قَوْلُهُ (وَلَا الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ) . يَعْنِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِ. قُلْت: وَفِيهِ قُوَّةٌ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِحَيٍّ. قُلْت: حَيْثُ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. فَائِدَةٌ لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَتَرَكَهُ حَتَّى طَالَ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّطْبَةِ إذَا طَالَتْ، عَلَى مَا يَذْكُرُهُ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ. وَلَا شَاةً مِنْ قَطِيعٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَصَرَّحُوا بِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ. قُلْت: هَذَا كَالْمُتَعَذِّرِ وُجُودُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ النُّقُودِ: إنْ ثَبَتَ لِلثِّيَابِ عُرْفٌ وَصِفَةٌ: صَحَّ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالنُّقُودِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي الْمُفْرَدَاتِ: يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، بِشَرْطِ الْخِيَارِ. فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَغْرُوسِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي يَظْهَرُ وَرَقُهُ فَقَطْ، كَاللِّفْتِ، وَالْفُجْلِ، وَالْجَزَرِ، وَالْقُلْقَاسِ، وَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. ذَكَرَاهُ فِي [بَابِ] بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ. وَلَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ قَلْعِهِ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى رِوَايَتَيْ الْغَائِبِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: وَالِاسْتِحْسَانُ جَوَازُهُ. لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَالْغَرَرُ يَنْدَفِعُ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالدِّرَايَةِ بِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا شَجَرَةٍ مِنْ بُسْتَانٍ، وَهَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ إلَّا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا هَذَا الْقَطِيعِ إلَّا شَاةً) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَطَاءِ قَبْلَ قَبْضِهِ. لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمَجْهُولٌ، وَلَا بَيْعُ رُقْعَةٍ بِهِ. وَعَنْهُ يَبِيعُهَا بِعِوَضٍ مَقْبُوضٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ صَحَّ) مُقَيَّدٌ بِأَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ أَكْثَرَ مِنْ قَفِيزٍ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ أَجْزَاؤُهَا مُتَسَاوِيَةً. فَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهَا: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ، وَالْمُحَدِّرِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ يَجْمَعُ مَا يَبِيعُ بِهِ مِنْ الْبُرِّ مَثَلًا، أَوْ الشَّعِيرِ الْمُخْتَلِفِ الْأَوْصَافِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ صُبْرَةُ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا، أَوْ ثُلُثَهَا، أَوْ جُزْءًا مِنْهَا: صَحَّ مُطْلَقًا، لِظَاهِرِ النُّصُوصِ. وَقِيلَ: إنْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهُ كَصُبْرَةِ بَقَّالِ الْقَرْيَةِ لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَظْهَرُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا إلَّا قَفِيزًا: كَانَ هُوَ الْمَبِيعَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ فَرَّقَ قُفْزَانَ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ، أَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا: صَحَّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: الصِّحَّةُ. لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخِلَافِ صِحَّةَ إجَارَةِ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُتَقَارِبَةِ النَّفْعِ. لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَفَاوَتُ كَالْأَعْيَانِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ. صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا: لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَهُوَ قَوِيٌّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَعْلَمَا قُفْزَانَهَا. فَأَمَّا إنْ عَلِمَا قُفْزَانَهَا: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ. وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي مَوْضُوعِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَشَرَطَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ ظَهَرَ تَحْتَهَا رَبْوَةٌ وَنَحْوُهَا: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ بَاطِنَهَا رَدِيئًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا فَاتَ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَإِنْ ظَهَرَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ، أَوْ بَاطِنَهَا خُيِّرَ مِنْ ظَاهِرِهَا. فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا حَصَلَ مِنْ الِانْخِفَاضِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا عَلَى

أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَانَتْ تِسْعَةً. وَحُكْمُ الثَّانِيَةِ: حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ. فَائِدَةٌ اسْتِثْنَاءُ صَاعٍ مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ كَاسْتِثْنَاءِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ بِالصِّحَّةِ فِيهَا. وَيَأْتِي قَرِيبًا: إذَا اسْتَثْنَى مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ، كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ. قَوْلُهُ (أَوْ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ إلَّا صَاعًا: لَمْ يَصِحَّ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ اسْتِثْنَاءِ صَاعٍ مِنْ شَجَرَةٍ كَاسْتِثْنَاءِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ صَاعٍ مِنْ شَجَرَةٍ. وَلَوْ مَنَعْنَا مِنْ صِحَّتِهِ فِي الصُّبْرَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ، وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ. وَقَاسَهَا عَلَى سَوَاقِطِ الشَّاةِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ. فَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا إلَّا جَرِيبًا أَوْ جَرِيبَيْنِ مِنْ أَرْضٍ يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا: صَحَّ. وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا. وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا جُرْبَانِهَا لَمْ يَصِحَّ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ بَاعَهُ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا إذَا عَلِمَا الْجُرْبَانَ، وَالْأَذْرُعَ فِي الثَّوْبِ: صَحَّ الْبَيْعُ، وَكَانَ مُشَاعًا. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا وَلَا مُشَاعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك مِنْ هَذَا الثَّوْبِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى هُنَا: صَحَّ. فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يُنْقِصُهُ قَطَعَاهُ، وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُهُ وَتَشَاحَّا: صَحَّ. وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَّا بِضَرَرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا. وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَعَيَّنَ الِابْتِدَاءَ دُونَ الِانْتِهَاءِ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي تَلِينِي. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا مَأْكُولًا إلَّا رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أَبَى الْمُشْتَرِي ذَبْحَهُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَذْبَحْهُ يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ هَذَا الْمُسْتَثْنَى: ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ لَا فَسْخَ لَهُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهُ الْجِلْدَ، وَالرَّأْسَ، وَالْأَطْرَافَ، مُنْفَرِدَةً: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. لِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ عُرْفًا. وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ، وَهُوَ يُخَالِفُ الْعَقْدَ الْمُبْتَدَأَ، لِجَوَازِ اسْتِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ إلَى رَفْعِهِ الْمُعْتَادِ. وَبَقَاءُ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمُرْتَدَّةِ. وَلِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَرَثَةِ أَمَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا دُونَ حَمْلِهَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّاةُ لِلْمُشْتَرِي. فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي: فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَنْ الْأَصْلُ لَهُ، إلَّا أَنْ يَعْثُرَ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَهُمَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ اسْتَثْنَى جُزْءًا مُشَاعًا مَعْلُومًا مِنْ شَاةٍ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَاسَهُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الشَّحْمِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَرُدَّ قِيَاسُ الْقَاضِي بِأَنَّ الشَّحْمَ مَجْهُولٌ، وَلَا جَهَالَةَ هُنَا. وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ اسْتَثْنَى رُبُعَ لَحْمِ الشَّاةِ، لَا رُبُعَهَا مُشَاعًا. ثُمَّ اخْتَارَ الصِّحَّةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا. الْخَامِسَةُ: لَوْ اسْتَثْنَى مُشَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ حَائِطٍ، كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ، أَوْ جَزْءٍ كَثَلَاثَةِ أَثْمَانِهِ: صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَثْنَى حَمْلَهُ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. نَقَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٌّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: حَمْلُ الْمَبِيعِ كَالْإِمَا يَسْتَثْنِي ... أَطْرَافَ شَاةٍ هَكَذَا فِي الْمُغْنِي فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَثْنَى الْحَمْلَ فِي الْعِتْقِ: صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: اسْتِثْنَاءُ رِطْلِ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ: كَاسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ رِطْلٍ مِنْ لَحْمٍ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ. وَصَحَّ بَيْعُ لَحْمِهِ فِيهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ جِلْدِهِ وَحْدَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ، وَلَا بَيْعُ الْجِلْدِ مَعَ اللَّحْمِ قَبْلَ السَّلْخِ، اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ الْجِلْدِ. وَصَحَّ بَيْعُ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالسُّمُوطِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ جِلْدِهِ جَمِيعًا كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ. وَمَنَعَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ، ظَانًّا أَنَّهُ بَيْعُ غَائِبٍ بِدُونِ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ. قَالَ: وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ وَحْدَهُ وَالْجِلْدِ وَحْدَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا بِحُرٍّ: صَحَّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ: إنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ. الرَّابِعَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: لَوْ عَدَّ أَلْفَ جَوْزَةٍ وَوَضَعَهَا فِي كَيْلٍ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِلَا عَدٍّ: لَمْ يَصِحَّ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْبَاقِلَّا وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَتِهِ، وَالْحَبِّ فِي الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَقَطَعُوا بِهِ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي إبْقَائِهِ صَلَاحٌ ظَاهِرٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا) يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ حَالَ الْعَقْدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ. وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ الْبَيْعُ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ لَا يَعْلَمَانِ وَزْنَهَا، وَبِصُبْرَةٍ ثَمَنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِي الْأُولَى. وَمِثْلُ ذَلِكَ: مَا يَسَعُ هَذَا الْكَيْلَ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ هُنَا الصِّحَّةُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً مَعْلُومَةً بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ شَهْرًا: صَحَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِرَقْمِهَا) لَمْ يَصِحَّ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِرَقْمِهَا " إذَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا " وَهُوَ وَاضِحٌ. أَمَّا إذَا كَانَ الرَّقْمُ مَعْلُومًا: فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ " مَعْلُومًا ". وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (أَوْ بِأَلْفٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً) لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إسْلَامِ ثَمَنٍ وَاحِدٍ فِي جِنْسَيْنِ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ: الصِّحَّةَ. وَيَلْزَمُهُ النِّصْفُ ذَهَبًا وَالنِّصْفُ فِضَّةً. بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ عَقِيلٍ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَإِنَّهُ صَحَّحَ إقْرَارَهُ بِذَلِكَ مُنَاصَفَةً. قَوْلُهُ (أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ) أَيْ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ) لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (أَوْ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ: لَمْ يَصِحَّ) إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ أَوْ لَا.

فَإِنْ كَانَ فِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ بِهِ إذَا أَطْلَقَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ الْأَدْنَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إذَا اخْتَلَفَتْ النُّقُودُ: فَلَهُ أَقَلُّهَا قِيمَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ مُكَسَّرَةً، أَوْ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً: لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَلَى أَحَدِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ " إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ ". وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ جَعَالَةٌ. وَهَذَا بَيْعٌ. وَيُغْتَفَرُ فِي الْجَعَالَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأُجْرَةَ لَا يَمْلِكُ وُقُوعَهُ إلَّا عَلَى أَحَدِ الصِّفَتَيْنِ. فَتَتَعَيَّنُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عِوَضًا. فَلَا يُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ. وَالْبَيْعُ بِخِلَافِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي قِيَاسِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْفَرْقُ: نَظَرٌ. لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِوَضِ

فِي الْجَعَالَةِ شَرْطٌ، كَمَا هُوَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ. وَالْقَبُولُ فِي الْبَيْعِ إلَّا عَلَى إحْدَى الصِّفَتَيْنِ. فَيَتَعَيَّنُ مَا يُسَمَّى لَهَا. انْتَهَى. وَيَأْتِي: هَلْ هَذَا يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعِهِ أَمْ لَا؟ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَالْقَطِيعَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، وَالثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ: صَحَّ الْبَيْعُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا سَهْوٌ، لِكَوْنِهِمَا قَالَا " وَإِنْ بَاعَهُ صُبْرَةً كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ: صَحَّ، إنْ جَهِلَا ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَا فَوَجْهَانِ. وَإِنْ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي، وَجَهِلَ عِلْمَ بَائِعِهِ بِهِ: صَحَّ وَخُيِّرَ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ " انْتَهَيَا. وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزَافًا. عَلَى مَا يَأْتِي. فَلَعَلَّ فِي النَّسْخِ غَلَطًا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا إذَا جَهِلَهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي نُصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ عَلِمَ قَدْرَهَا الْبَائِعُ وَحْدَهُ حَرُمَ بَيْعُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ مَكْرُوهٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ: يَقَعُ الْعَقْدُ لَازِمًا. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَلَهُ الرَّدُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ، لَهُ الرَّدُّ. مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ قَدْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَجَهِلَ عِلْمَ بَائِعِهِ بِهِ: صَحَّ. وَخُيِّرَ فِيهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِهِ صَحَّ وَلَزِمَ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَبْطُلُ الْبَيْعُ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: عِلْمُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ مِثْلُ عِلْمِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: كَمَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْغَبْنِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَدَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْعِلْمِ الْبَائِعُ، بِدَلِيلِ الْعَيْبِ لَوْ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ جَازَ، وَمَعَ عِلْمِهِمَا يَصِحُّ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ فِي الْمَكِيلِ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الصُّبْرَةِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي. فَقِيلَ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ عِلْمِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَعُمُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ. وَجَزَمَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِالْبُطْلَانِ

وَقَالَ الْقَاضِي: الْبَيْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ [وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ. وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ] . وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ عَلِمَاهُ إذَنْ فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ بَيْعُ دُهْنٍ فِي ظَرْفٍ مَعَهُ، مُوَازَنَةً، كُلُّ رِطْلٍ بِكَذَا. إذَا عَلِمَا قَدْرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ جَهِلَا زِنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَ الْمَجْدُ الصِّحَّةَ إنْ عَلِمَا زِنَةَ الظَّرْفِ فَقَطْ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ احْتَسَبَ بِزِنَةِ الظَّرْفِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ مَبِيعًا، وَعَلِمَا مَبْلَغَ كُلٍّ مِنْهُمَا: صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. وَإِنْ بَاعَهُ جُزَافًا بِظَرْفِهِ أَوْ دُونَهُ صَحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ وَزْنَ الظَّرْفِ صَحَّ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَذَكَرَ قَوْلَ حَرْبٍ لِأَحْمَدَ: الرَّجُلُ يَبِيعُ الشَّيْءَ فِي ظَرْفِهِ مِثْلَ قُطْنٍ فِي جَوَالِيقَ فَيَزِنُهُ وَيُلْقِي لِلظَّرْفِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ الْمَجْدُ: وَحَكَيْنَا عَنْ الْقَاضِي خِلَافَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ إلَّا قَوْلَ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، إذَا بَاعَهُ مَعَهُ. انْتَهَى. وَإِذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ زَيْتًا فِي ظَرْفٍ، فَوَجَدَ فِيهِ رُبًّا: صَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ. وَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُ الرُّبِّ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ) وَكَذَا مِنْ الثَّوْبِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ: لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلِّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، لِأَنَّ " مِنْ " وَ " إنْ " أَعْطَتْ الْبَعْضَ. فَمَا هُوَ بَعْضٌ مَجْهُولٌ، بَلْ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا ثَمَنًا مَعْلُومًا. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: قَفِيزًا مِنْهَا. انْتَهَى. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ " إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ " وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا بَاعَهُ مِنْ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ، لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا. بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الدَّارِ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ. لِاخْتِلَافِ أَجْزَائِهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إذَا بَاعَهُ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهَا وَلَا قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْهَا. بِخِلَافِ قَوْلِهِ " أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ " فَإِنَّهُ يَصِحُّ هُنَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِلْعِلْمِ بِهِ وَبِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَصِحُّ. يَعْنِي: إذَا أَقَرَّ وَاسْتَثْنَى عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ، أَوْ وَرِقًا مِنْ عَيْنٍ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ: أَنَّهُ يَصِحُّ. فَيَجِيءُ هُنَا كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الصِّحَّةُ فِي الْإِقْرَارِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهَا. فَعَلَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِاتِّحَادِ النَّقْدَيْنِ. وَكَوْنِهِمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ.

وَعَلَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قِيمَةَ الذَّهَبِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. فَإِذَا اسْتَثْنَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ: لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْجَهَالَةِ غَالِبًا. قَالَ: وَعَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يَجِيءُ صِحَّةُ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فِي الْإِقْرَارِ. لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلْبَيْعِ: الْجَهْلُ فِي حَالِ الْعَقْدِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِرَقْمِهِ لَمْ يَصِحَّ، لِلْجَهْلِ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهُ. وَعَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يُخْرِجُ الثَّمَنَ عَنْ كَوْنِهِ مَجْهُولًا حَالَةَ الْعَقْدِ. وَفَارَقَ هَذَا الْإِقْرَارَ. لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ: قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ مُتَّجَهٌ. لَا دَافِعَ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. فَإِنَّ قَوْلَهُ " عَلَى كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ لَا يُخْرِجُ الثَّمَنَ عَنْ كَوْنِهِ مَجْهُولًا حَالَةَ الْعَقْدِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بَلْ كُلُّهُمْ إلَّا قَلِيلًا يَعْلَمُ قِيمَةَ الدِّينَارِ مِنْ الدَّرَاهِمِ. فَلَا تَحْصُلُ الْجَهَالَةُ حَالَةَ الْعَقْدِ لِغَالِبِ النَّاسِ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَفِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَوْ بَاعَ مَجْهُولًا وَمَعْلُومًا. هَذَا يَصِحُّ. أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْجَهْلَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجْهَلُ قِيمَتَهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: مَجْهُولًا لَا مَطْمَعَ فِي مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ. وَقِيلَ: يَتَعَذَّرُ عِلْمُ قِيمَتِهِ. انْتَهَى. فَأَمَّا إنْ قَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا. فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ إنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَإِنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ جَهَالَةُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ: صَحَّ الْبَيْعُ. وَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ: يَدْخُلُ الرَّهْنُ، وَالْهِبَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَنَظَائِرُهَا.

وَذَكَرَ التَّعْلِيلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالصِّحَّةِ فِي الْمَعْلُومِ. قُلْت: هُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ: فَسَدَ الْبَيْعُ. وَخَرَّجَ فِي الِانْتِصَارِ: صِحَّتُهُ عَلَى رِوَايَةٍ قَوْلُهُ (الثَّانِيَةُ: بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا أَوْ مَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ، كَقَفِيزَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَهُمَا. فَيَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ بِقِسْطِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ الْأَرْشُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، وَأَمْسَكَ بِالْقِسْطِ فِيمَا يَنْقُصُ بِالتَّفْرِيقِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي فِي الضَّمَانِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثَةُ: بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا. فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ. أُولَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ فِي عَبْدِهِ، وَفِي الْخَلِّ بِقِسْطِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ يَصِحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَانَ مَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْمُعَاوَضَةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالطَّرِيقِ بَطَلَ الْبَيْعُ. وَعَلَى قِيَاسِهِ الْخَمْرُ. وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلصِّحَّةِ: فَفِيهِ الْخِلَافُ قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْقَوَاعِدِ: وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَالْخَلَّ بِقِسْطِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، فِي بَابِ الضَّمَانِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ يُرَدُّ. قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخُصَّ هَذَا بِمَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ عَلَى بَدَلِ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ خَاصَّةً. كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتِ يَعْلَمُ مَوْتَهُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا لِلْحَيِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَأْخُذُ عَبْدَ الْبَائِعِ بِقِسْطِهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا فِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: أَنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ الْمَبِيعِ، لَا الْقِيَمِ. ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ. كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ. قَالَ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَلَا أَظُنُّهُ يَطَّرِدُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ جِنْسًا

وَاحِدًا. وَيَأْخُذُ الْخَلَّ، بِأَنْ يُقَدِّرَ الْخَمْرَ خَلًّا عَلَى قَوْلٍ، كَالْحُرِّ يُقَدَّرُ عَبْدًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: بَلْ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ عِنْدَ أَهْلِهَا. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ، قُلْت إنْ قُلْنَا: نَضْمَنُ لَهُمْ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَتَى صَحَّ الْبَيْعُ: كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ إذَا جَمَعَتْ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا الصِّحَّةُ. لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُودَ مُعَاوَضَةٍ. فَلَا تُوجَدُ جَهَالَةُ الْعِوَضِ فِيهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. فَهَلْ يَصِحُّ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. إذْ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَقْيَسُ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا: لَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ الِاثْنَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْهُمَا. لَكِنْ قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ حُكْمًا. ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ صَحَّ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّ أَحْمَدَ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ: يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَجْهًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ: يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَجْهًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ: يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى عَدَدِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا. وَمِنْهُمَا: لَوْ كَانَ لِاثْنَيْنِ عَبْدَانِ مُفْرَدَانِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ، فَبَاعَهُمَا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدًا مُعَيَّنًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقْسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ قِيمَتَيْ الْعَبْدَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا: يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمَبِيعِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَمِنْهَا: الْإِجَارَةُ مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَبَهَ عَبْدُهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقُرْعَةِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ أَذِنَ شَرِيكُهُ.

وَقِيلَ: بَلْ يَبِيعُهُ وَكِلَيْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، أَوْلَهُ. وَقُسِّمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا بِقِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: هَذَا أَجْوَدُ مَا يُقَالُ فِيهِ. كَمَا قُلْنَا فِي زَيْتٍ اخْتَلَطَ بِزَيْتٍ لِآخَرَ. وَأَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ) . يَعْنِي: بِثَمَنٍ وَاحِدٍ (صَحَّ فِيهِمَا) فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. أَحَدُهُمَا: صَحَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ الْأَقْوَى. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فِي أَظْهَرِ قَوْلِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَدَرَاهِمَ بِدِينَارٍ، أَوْ اشْتَرَى دَارًا وَسُكْنَى دَارٍ بِمِائَةٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا، قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَخُلْعٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، أَوْ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَبِعْتُك دَارِي بِمِائَةٍ: صَحَّ فِي النِّكَاحِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَفِي الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ بَطَلَا. وَقِيلَ: يَصِحَّانِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا جَمَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ: فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فَجَعَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ، فَكَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا صَفْقَةً وَاحِدَةً: بَطَلَ الْبَيْعُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَقِيلَ: الصِّحَّةُ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي النِّكَاحِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَالْأَكْثَرُونَ اكْتَفَوْا بِاقْتِرَانِ الْبَيْعِ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا يَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ لِلسَّيِّدِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ؟ يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَفِي الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. فَائِدَةٌ: تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْمَبِيعِ، أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ: نَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ شِرَاءَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْوَاحِدِ عَقْدَانِ وَصَفْقَتَانِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ عُقُودٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: هِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، إذْ عَقْدُ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ. انْتَهَيَا. وَقِيلَ: لَا تَتَعَدَّدُ بِحَالٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَقَطْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اتَّحَدَ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَاحْتِمَالَانِ. وَالْأَظْهَرُ الِاعْتِبَارُ بِالْمُوَكِّلِ. فَإِنْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: بِعْتُكُمَا هَذَا، فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَقُلْنَا تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي: فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ. يَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ مُحَرَّرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا)

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ صَحَّ الْبَيْعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالْحَاجَةُ هُنَا: كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. إذَا وَجَدَهُ يُبَاعُ، وَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ تُبَاعُ. وَكَذَا كَفَنُ الْمَيِّتِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَا لَوْ وَجَدَ أَبَاهُ يُبَاعُ وَهُوَ مَعَ مَنْ لَوْ تَرَكَهُ مَعَهُ رَحَلَ وَفَاتَهُ الشِّرَاءُ. وَكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَرْكُوبًا وَكَانَ عَاجِزًا أَوْ لَمْ يَجِدْ الضَّرِيرُ قَائِدًا، وَوَجَدَ ذَلِكَ يُبَاعُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ لِآلَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ الْمُشْتَرِي أَبَاهُ: جَازَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَاءٍ لِلطَّهَارَةِ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَزَادَ: وَلَهُ شِرَاءُ السُّتْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بَعْدَ نِدَائِهَا " النِّدَاءُ الثَّانِي الَّذِي عِنْدَ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: ابْتِدَاءُ الْمَنْعِ مَعَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ.

وَالرِّوَايَتَانِ لِلْقَاضِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ بِالزَّوَالِ. وَأَطْلَقَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَالرِّوَايَةَ الْأُولَى، فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ " أَنَّهَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَرِيضٍ وَنَحْوِهِ دُونَ غَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي الْأَسْوَاقِ. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا بِهَا دُونَ الْآخَرِ: حَرُمَ عَلَى الْمُخَاطَبِ. وَكُرِهَ لِلْآخَرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يَحْرُمُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَأْثَمُ فَقَطْ. كَالْمُحْرِمِ يَشْتَرِي صَيْدًا مِنْ مَحَلٍّ ثَمَنُهُ حَلَالٌ لِلْمَحَلِّ، وَالصَّيْدُ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الْخَامِسُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْإِيجَابُ قَبْلَ النِّدَاءِ وَالْقَبُولُ بَعْدَهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ صُدُورِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَحَدُ شِقَّيْهِ كَهُوَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. السَّادِسُ: ظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْجُمُعَةِ صِحَّةُ الْبَيْعِ بَعْدَ نِدَاءِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. فَشَمِلَ صُورَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَتَضَيَّقْ الْوَقْتُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا يَحْرُمَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ بِذَلِكَ. وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا. وَالثَّانِيَةُ: إذَا تَضَيَّقَ حَرُمَ الْبَيْعُ وَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: الْبُطْلَانُ أَقْيَسُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ فَكَذَا حُكْمُهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالِانْعِقَادِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي ذَلِكَ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِانْعِقَادِ النَّافِلَةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الْفَرِيضَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهُوَ أَشْهَرُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ اخْتَارَ إمْضَاءَ عَقْدِ بَيْعِ الْخِيَارِ بَعْدَ النِّدَاءِ صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. الثَّانِيَةُ: تَحْرُمُ الْمُنَادَاةُ وَالْمُسَاوَمَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُشْغِلُ. حَيْثُ قُلْنَا: يَحْرُمُ الْبَيْعُ. الثَّالِثَةُ: يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ [الْوَجِيزُ وَغَيْرُهُ] وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَلَا بَيْعُ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ، وَلِأَهْلِ الْحَرْبِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ. وَعَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: أَوْ ظَنَّهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ الْحَكَمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: بَيْعُ الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، لِمَنْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ الْمُسْكِرَ. وَكَذَا الْأَقْدَاحُ، لِمَنْ يَشْرَبُ بِهَا. وَكَذَا الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَنَحْوُهُمَا لِلْقِمَارِ.

وَكَذَا بَيْعُ الْأَمَةِ وَالْغُلَامِ لِمَنْ عُرِفَ بِوَطْءِ الدُّبُرِ، أَوْ لِلْغِنَاءِ. أَمَّا بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْعَدْلِ، كَقِتَالِ الْبُغَاةِ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ: فَجَائِزٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ رِوَايَةً بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لِكَافِرٍ. كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ: وَإِنْ اشْتَرَى، الْكَافِرُ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ صَحَّ. عَلَى الْأَصَحِّ وَعَتَقَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ] . وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَلَاءِ " إذَا قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ " وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْعِتْقِ " إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ مُوسِرٌ: هَلْ يَسْرِي إلَى بَاقِيهِ أَمْ لَا؟ ". فَائِدَةٌ: لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا فِي شِرَاءِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا النَّاظِمُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ سَمَّى الْمُوَكِّلُ فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ وَيُعْتِقُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ. لَا يَبِيعُ الْكَافِرَ آبِقًا. وَيُوَكِّلُ فِيهِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ " هَلْ يَبِيعُ مَنْ اُسْتُرِقَّ مِنْ الْكُفَّارِ لِلْكُفَّارِ؟ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَتُهُ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْكِتَابَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَحَكَى فِي الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا تَكْفِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَيَكْفِي فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. وَيَأْتِي إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي " بَابِ التَّدْبِيرِ " وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابَةِ إذَا وَرِثَهُ: الْوَجْهَانِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. فَائِدَةٌ: قِيلَ: يَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً فِي سَبْعِ مَسَائِلَ. إحْدَاهَا: الْإِرْثُ.

الثَّانِيَةُ: اسْتِرْجَاعُهُ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي، يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا كَافِرًا مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، وَحُجِرَ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ، يَعْنِي لَوْ وَهَبَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لِوَلَدِهِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَرَجَعَ فِي هِبَتِهِ. الرَّابِعَةُ: إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ. يَعْنِي إذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَرَدَّهُ. وَحَكَى فِي الْقَوَاعِدِ فِيهِ وَفِيمَا يُشَابِهُهُ وَجْهَيْنِ. الْخَامِسَةُ: إذَا قَالَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي وَصَحَّحْنَاهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْوَلَاءِ. السَّادِسَةُ: إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى قَوْلٍ. السَّابِعَةُ: إذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قُلْت: وَتَأْتِي ثَامِنَةٌ، وَهِيَ جَوَازُ شِرَائِهِ. وَيُؤْمَرُ بِبَيْعِهِ وَكِتَابَتِهِ. عَلَى رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ. وَتَاسِعَةٌ: وَهِيَ مَا إذَا مَلَكَهُ الْحَرْبِيُّ. وَقُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ مَالَنَا بِالِاسْتِيلَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ. وَعَاشِرَةٌ: وَهِيَ إذَا اسْتَوْلَدَ الْمُسْلِمُ أَمَةَ الْكَافِرِ قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ. وَقَالَ: يَمْلِكُ الْكَافِرُ الْمَصَاحِفَ بِالْإِرْثِ. وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ، وَبِالْقَهْرِ وَحَادِيَةَ عَشَرَ: وَهِيَ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدًا كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ مُدَّةً وَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِيهَا. قُلْت: وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: هَلْ يَمْلِكُ الْكَافِرُ فَسْخَ الْعَقْدِ بِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي، أَوْ عَيْبِ الثَّمَنِ، أَوْ بِخِيَارٍ، أَوْ إذَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الْمُسْلِمِ، أَمْ لَا؟

قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَمْلِكُهُ وَلَا يُقَرُّ فِي مِلْكِهِ. لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ الْعَقْدِ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ صُورَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ: مَا إذَا وَجَدَ ثَمَنَهُ مَعِيبًا وَقُلْنَا: الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً وَرَدَّهَا وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ مَسْأَلَةً. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ: أَنَا أُعْطِيك مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ. وَلَا شِرَاءُ الرَّجُلِ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِتِسْعَةٍ: عِنْدِي فِيهَا عَشَرَةٌ، لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ. الْأُولَى: فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالثَّانِيَةُ: فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. [وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ. قَالَ: وَمَالَ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْحَالَيْنِ. انْتَهَى. يَعْنِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدَهَا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَعَلَّلَهُ تَبَعًا لِمَيْلِ غَيْرِهِمْ] . وَأَمَّا قَبْلَ الْعَقْدِ: فَهُوَ سَوْمُهُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ أَعْنِي: الْبَيْعَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَشْهَرُهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَحْرُمُ الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ. فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالسِّلْعَةِ، وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ. أَوْ عِوَضِهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: سَوْمُهُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ مُحَرَّمٌ مَعَ الرِّضَى صَرِيحًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ حَصَلَ الرِّضَى ظَاهِرًا لَمْ يَحْرُمْ السَّوْمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ كَرِضَاهُ صَرِيحًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ هُنَا، لَكَانَ وَجْهًا حَسَنًا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فَعَلَيْهِ: لَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ: لَمْ يَحْرُمْ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَى: فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَسَّمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ السَّوْمَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. كَالْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الثَّانِيَةُ: سَوْمُ الْإِجَارَةِ كَالْبَيْعِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ. قُلْت: كَذَا اسْتِئْجَارُهُ عَلَى إجَارَةِ أَخِيهِ، حَيْثُ قُلْنَا بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ قُلْت: وَاسْتِئْجَارُهُ عَلَى اسْتِئْجَارِ أَخِيهِ، وَاقْتِرَاضُهُ عَلَى اقْتِرَاضِ أَخِيهِ، وَاتِّهَابُهُ عَلَى اتِّهَابِ أَخِيهِ: مِثْلُ شِرَائِهِ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، أَوْ شِرَائِهِ عَلَى اتِّهَابِهِ، أَوْ شِرَائِهِ عَلَى إصْدَاقِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ جِهَةُ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ (وَفِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ. وَلَا يَصِحُّ بِشُرُوطِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ: حَرُمَ، وَفَسَدَ الْعَقْدُ. رَضُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْخِرَقِيِّ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجَعَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ الصِّحَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِزَوَالِ النَّهْيِ، وَالْبُطْلَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَائِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ النَّهْيِ. انْتَهَى. قُلْت: مَا قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ. فَالرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ عَنْ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَبِهَا اسْتَدَلَّا.

قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَذْهَبَ وَالنَّهْيَ عَنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ شَاقِلَا: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْمِصْرِيَّ سَأَلَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: الْخَبَرُ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ؟ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً. قَالَ: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النَّهْيَ اخْتَصَّ بِأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، لِمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الضِّيقِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ خَمْسُ شُرُوطٍ. كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا، جَاهِلًا بِسِعْرِهَا. وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ، وَتَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهَا. فَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ يُحَرِّمُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ صَحَّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الشُّرُوطِ: أَنْ يَكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ) . هَذَا شَرْطٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالسِّعْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ. الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ. قَوْلُهُ (جَاهِلًا بِسِعْرِهَا) . يَعْنِي الْبَادِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ جَهْلُهُ بِالسِّعْرِ. قَوْلُهُ (أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ حُكْمُ مَا إذَا وَجَّهَ بِهَا الْبَادِي إلَى الْحَاضِرِ لِيَبِيعَهَا لَهُ: حُكْمُ حُضُورِ الْبَادِي لِيَبِيعَهَا. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. وَنَقْلُ الْمَرُّوذِيِّ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ جَزَمَ بِهِمَا الْخَلَّالُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ لَهُ. قَوْلُهُ (بِسِعْرِ يَوْمِهَا) .

زَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الشَّرْطِ: أَنْ يَقْصِدَ الْبَيْعَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا حَالًّا لَا نَسِيئَةً. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ بِسِعْرِ يَوْمِهَا. قَوْلُهُ (وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لَهُ: فَيَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَشْتَرِي لَهُ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ، وَالْهَازِلِ، وَنَحْوِهِمَا. فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنُصَّ عَلَيْهِ: أَنَّ النَّهْيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاقٍ. وَعَنْهُ زَوَالُهُ. وَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا) . هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْعِينَةِ، فِعْلُهَا مُحَرَّمٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَحْرُمُ اسْتِحْسَانًا، وَيَجُوزُ قِيَاسًا. وَكَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا. وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ: الْقِيَاسُ صِحَّةُ الْبَيْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْقِيَاسَ خُولِفَ لِدَلِيلٍ رَاجِحٍ. فَلَا خِلَافَ إذًا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ بِالصِّحَّةِ قَوْلًا. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ. إذَا كَانَ بَيَانًا بِلَا مُوَاطَأَةٍ، وَإِلَّا بَطَلَا. وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ أَطْلَقَ: هَذَا. إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إذَا قَصَدَ بِالْأَوَّلِ الثَّانِي يَحْرُمُ. وَرُبَّمَا قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَحْتَمِلُ إنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَصِحَّا، وَإِنْ سَلِمَ: فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ خَلَا عَنْ ذَرِيعَةِ الرِّبَا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا) . قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِنَقْدٍ. بَلْ يَحْرُمُ شِرَاؤُهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَقُلْهُ أَحْمَدُ، وَالْأَكْثَرُ. بَلْ لَوْ كَانَ بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٌّ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ اشْتَرَاهَا بِعَرْضٍ، أَوْ كَانَ بَيْعُهَا الْأَوَّلُ بِعَرْضٍ، فَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ جَازَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ. انْتَهَى. وَإِنْ بَاعَهَا بِنَقْدٍ وَاشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَجُوزُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَفِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ بِعَرْضٍ. فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ بِنَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: مِنْ مَسَائِلِ الْعِينَةِ لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ نَقْدًا، أَوْ غَيْرَ نَقْدٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: لَمْ يَصِحَّ. الثَّالِثَةُ: عَكْسُ الْعِينَةِ: مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ. وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ حَالٍّ. ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ نَسِيئَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَجُوزُ بِلَا حِيلَةٍ.

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاعُ أَيَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ؟ قَالَ: لَا. وَلَكِنْ بِأَكْثَرَ لَا بَأْسَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ شِرَاؤُهَا بِجِنْسِ الثَّمَنِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. إذَا لَمْ تَكُنْ مُوَاطَأَةٌ وَلَا حِيلَةٌ. بَلْ وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ جَازَ) مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ. فَإِنْ كَانَ حِيلَةٌ لَمْ يَجُزْ. وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهِ لَا مِنْ وَكِيلِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت: بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: لَوْ احْتَاجَ إلَى نَقْدٍ، فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ. فَلَا بَأْسَ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّوَرُّقِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ اشْتَرَى مِنْهُ: لَمْ يَجُزْ. وَهِيَ، الْعِينَةُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسِيئَةً: لَمْ يَجُزْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا، إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ. وَقَالَ: قِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ أَخْذُ عَيْنِ جِنْسِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ، إذَا كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ. وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ كَيْلَ بُرٍّ إلَى شَهْرٍ بِمِائَةٍ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ

مِنْهُ بُرًّا. فَلَا يَجُوزُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَنُصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ مِنْهُ شَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً. فَلَا يَجُوزُ. فَوَائِدُ الْبَابِ يَحْرُمُ التَّسْعِيرُ. وَيُكْرَهُ الشِّرَاءُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ هَدَّدَ مَنْ خَالَفَهُ: حَرُمَ وَبَطَلَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِأَحَدِهِمَا هَلْ الْوَعِيدُ إكْرَاهٌ أَمْ لَا؟ . وَيَحْرُمُ قَوْلُهُ " بِعْ كَالنَّاسِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يَحْرُمُ. وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلْزَامَهُمْ الْمُعَاوَضَةَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ. وَقَالَ: لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهَا مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ مِنْ مَكَان أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِمَا فِيهِ، لَا الشِّرَاءَ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُ. وَكَرِهَ أَيْضًا الشِّرَاءَ بِلَا حَاجَةٍ مِنْ جَالِسٍ عَلَى الطَّرِيقِ، وَمِنْ بَائِعٍ مُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لِبَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِهِ. وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِي قُوتِ الْآدَمِيِّ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ أَيْضًا فِيمَا يَأْكُلُهُ النَّاسُ. وَعَنْهُ أَوْ يَضُرُّهُمْ إدْخَارُهُ بِشِرَائِهِ فِي ضِيقٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: مِنْ بَلَدِهِ لَا جَالِبًا. وَالْأَوَّلُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَصِحُّ شِرَاءُ مُحْتَكِرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَفِي كَرَاهَةِ التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ إذَا لَمْ يُرِدْ الْحُكْرَةَ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ جَلَبَ شَيْئًا، أَوْ اسْتَغَلَّهُ مِنْ مِلْكِهِ، أَوْ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ، أَوْ اشْتَرَاهُ زَمَنَ الرُّخْصِ، وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ إذَنْ، أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ، كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا. فَلَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَغْلُوَ، وَلَيْسَ مُحْتَكِرًا. نُصَّ عَلَيْهِ. وَتَرْكُ ادِّخَارِهِ. لِذَلِكَ أَوْلَى. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ إنْ تَرَبَّصَ بِهِ السِّعْرَ، لَا جَالِبًا بِسِعْرِ يَوْمِهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَحَنْبَلٌ: الْجَالِبُ أَحْسَنُ حَالًا، وَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ، مَا لَمْ يَحْتَكِرْ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَنَّى الْغَلَاءَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: يُكْرَهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَيُجْبَرُ الْمُحْتَكِرُ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ. فَإِنْ أَبَى وَخِيفَ التَّلَفُ فَرَّقَهُ الْإِمَامُ وَيَرُدُّونَ مِثْلَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قِيمَتُهُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَكَذَا سِلَاحٌ لِحَاجَةٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت: وَأَوْلَى. وَلَا يُكْرَهُ ادِّخَارُ قُوتٍ لِأَهْلِهِ وَدَوَابِّهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: سَنَةً وَسَنَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي التِّجَارَةَ: فَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيِّقَ. وَمَنْ ضَمِنَ مَكَانًا لِيَبِيعَ فِيهِ وَيَشْتَرِي وَحْدَهُ: كُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِلَا حَاجَةٍ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ زِيَادَةٍ بِلَا حَقٍّ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

باب الشروط في البيع

[بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ] ِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَهِيَ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا: شَرْطُ مُقْتَضَى الْبَيْعِ، كَالتَّقَابُضِ وَحُلُولِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي " لَوْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ مِنْ هَذَا ". قَوْلُهُ (الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ كَتَأْجِيلِهِ، أَوْ الرَّهْنِ، أَوْ الضَّمِينِ بِهِ، أَوْ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، نَحْوِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوْ خَصِيًّا، أَوْ صَانِعًا، أَوْ مُسْلِمًا، أَوْ الْأَمَةِ بِكْرًا، أَوْ الدَّابَّةِ هِمْلَاجَةً وَالْفَهْدِ صَيُودًا. فَيَصِحُّ) الشَّرْطُ بِلَا نِزَاعٍ (فَإِنْ وَفَّى بِهِ) هُوَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا فَلِصَاحِبِهِ الْفَسْخُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الرَّدُّ. فَأَمَّا إنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ: تَعَيَّنَ لَهُ الْأَرْشُ. وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ الرَّدُّ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْفَسْخُ لَا غَيْرُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. فِي الرَّهْنِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالسَّامِرِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، أَوْ أَرْشَ فَقْدِ الصِّفَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الضَّمِينِ بِهِ) . مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ: أَنْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ. وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ لِمَصْلَحَتِهِ. وَيُلْزَمُ بِتَسْلِيمِ رَهْنِ الْمُعَيَّنِ، إنْ قِيلَ: يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ.

وَفِي الْمُنْتَخَبِ: هَلْ يَبْطُلُ بَيْعٌ بِبُطْلَانِ رَهْنٍ فِيهِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ أَمْ لَا كَمَهْرٍ فِي نِكَاحٍ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. فَائِدَةٌ: وَمِنْ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ: أَيْضًا لَوْ شَرَطَهَا تَحِيضُ، أَوْ اشْتَرَطَ الدَّابَّةَ لَبُونًا، أَوْ الْأَرْضَ خَرَاجَهَا كَذَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إنْ لَمْ تَحِضْ طَبْعًا، فَفَقْدُهُ يَمْنَعُ النَّسْلَ، وَإِنْ كَانَ لِكِبَرٍ فَعَيْبٌ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ الثَّمَنَ. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ كَوْنِهَا لَبُونًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهُوَ أَشْهَرُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا كَافِرَةً. فَبَانَتْ بِكْرًا مُسْلِمَةً. فَلَا فَسْخَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ قَصْدًا. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي فِيمَا إذَا شَرَطَهَا كَافِرَةً. فَبَانَتْ مُسْلِمَةً. تَنْبِيهٌ: مِمَّا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا، فَبَانَتْ بِكْرًا. أَوْ شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا مَثَّلُوا بِذَلِكَ. فَلِذَلِكَ حَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى مَا مَثَّلَهُ الْأَصْحَابُ. وَلِذَلِكَ أَجْرَاهُ الشَّارِحُ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَهُ كَافِرًا، فَبَانَ مُسْلِمًا. فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكَافِرَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَافِرِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا شَرَطَهَا كَافِرَةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا: رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا، أَوْ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ: صَحَّ) . إنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْأَوْلَى جَوَازُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ الْأَشْهَرُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدْ وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهَادِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: الصِّحَّةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَشْهُرُهُمَا بُطْلَانُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ طُرُقٌ: يَصِحُّ الشَّرْطُ فِيهِمَا. لَا يَصِحُّ فِيهِمَا. لَا يَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ الْخِلَافُ. لَا يَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَرَطَ الطَّائِرَ يَبِيضُ، أَوْ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ الْأَمَةَ حَامِلًا: فَحُكْمُهُنَّ كَالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عِنْدَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ فِي الطَّائِرِ أَنَّهُ يَبِيضُ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ الْأَوْلَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: بَطَلَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَشْهَرُ الْبُطْلَانُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَنَسَبَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ قَدَّمَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ يَصِيحُ فِي وَقْتٍ مِنْ اللَّيْلِ: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنَّهُ يَصِيحُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ: فَإِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّصْوِيتِ فِي الْقِمْرِيِّ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

وَإِنْ شَرَطَ الْأَمَةَ حَامِلًا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ فِيهِ. وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ الدَّابَّةَ حَامِلًا، فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ الْبُطْلَانُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ: فَفَاسِدٌ وَإِنْ شَرَطَهَا حَائِلًا فَبَانَتْ حَامِلًا فَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْأَمَةِ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا فَسْخَ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى كَالْأَمَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَهَائِمِ إنْ لَمْ يَضُرَّ اللَّحْمَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْبَيْعِ، كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، أَوْ حِمْلَانِ الْبَعِيرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَحَكَى عَنْهُ رِوَايَةً لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطُ وَطْءِ الْأَمَةِ وَدَوَاعِيهِ. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْبَائِعِ إجَارَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ وَإِعَارَتُهُ مُدَّةَ اسْتِثْنَائِهِ، كَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ

إذَا بِيعَتْ. وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي: فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِهِ: فَهُوَ كَتَلَفِهَا بِفِعْلِهِ. نَصُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ عِنْدِي: يَضْمَنُهُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نَقَصَهُ الْبَائِعُ لِأَجْلِ الشَّرْطِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَتَفْرِيطِهِ: لَمْ يَضْمَنْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالُوا: نُصَّ عَلَيْهِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطِهِ وَلَا فِعْلِهِ: ضَمِنَ نَفْعَهُ الْمَذْكُورَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. فَيَقُومُ الْمَبِيعُ بِنَفْعِهِ وَبِدُونِهِ. فَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ: أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَتِهِ. وَقِيلَ: بَلْ مَا نَقَصَهُ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي الْمَنْفَعَةِ، أَوْ يُعَوِّضُهُ عَنْهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ: جَازَ. قَوْلُهُ (أَوْ يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ) . الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى " أَوْ " تَقْدِيرُهُ: كَحَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ تَكْسِيرِهِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ أَوْ تَفْصِيلِهِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ) . فَلَوْ جَعَلْنَا الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا كَانَ جَمْعًا بَيْنَ شَرْطَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ جَوَازُهُ. وَسَوَاءٌ كَانَ حَصَادًا، أَوْ جَزَّ رَطْبَةً أَوْ غَيْرَهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرَيْنِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، فِي غَيْرِ شَرْطِ الْحَصَادِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ رِوَايَةً فِي الْمُذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: حَكَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعُوا بِصِحَّةِ شَرْطِ الْبَائِعِ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ نَفْعِ الْبَائِعِ جَمْعًا بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ: فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ أَعْيَانِ الْمَبِيعِ. وَكَمَا لَوْ بَاعَ أَمَةً مُزَوَّجَةً أَوْ مُؤَجَّرَةً، أَوْ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الصِّحَّةِ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّفْعِ. لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ. فَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ فِي جَزِّ الرَّطْبَةِ: إنْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ، لَمْ يَصِحَّ) وَجَعَلَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْمَذْهَبَ، وَقَدَّمَهُ فِي فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَيَخْرُجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. وَخَرَّجَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَقِيلَ: يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً تُوَافِقُ مَنْ خَرَجَ. ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدِ، صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَخْتَصُّ مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ بِمَا يُفْضِي الشَّرْطُ فِيهِ إلَى التَّنَازُعِ لَا غَيْرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ. وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ جَزِّ الرَّطْبَةِ عَلَيْهِ. فَخَرَجَ هُنَا مِثْلُهُ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَتَبِعَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنَاظِمِ النِّهَايَةِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ بَعِيدٌ. يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ وَالْأُصُولَ. وَخَرَّجَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: صِحَّةَ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلُوا مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ فِي حَصَادِ الزَّرْعِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَلْزَمُ الْبَائِعَ فِعْلُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ. وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ بِعَمَلِهِ. فَهُوَ كَالْأَجِيرِ. فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ، أَوْ اُسْتُحِقَّ: فَلِلْمُشْتَرِي عِوَضُ ذَلِكَ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ بَذْلَ الْعِوَضِ عَنْهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ. وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ بَذْلُهُ. فَلَوْ رَضِيَا بِعِوَضِ النَّفْعِ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إنْ كَانَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَرَدُّوا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ. فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ. سَوَاءٌ كَانَا مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ أَوْ الصَّحِيحَةِ. وَقَدَّمَاهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ، أَوْ صَحِيحَيْنِ، لَوْ انْفَرَدَا: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَيَحْتَمِلُ صِحَّتَهُ دُونَ شُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: وَإِنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ شَرْطَيْنِ يُنَافِيَانِهِ بَطَلَ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُمَا إذَا كَانَا مِنْ مَصْلَحَتِهِ لَا يَبْطُلُ كَالْأَوَّلِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ مُقْتَضَاهُ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ فَسَّرَ الشَّرْطَيْنِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُمَا بِشَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ. وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَرَدَّهُ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَدُّدِ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي تَأْثِيرِهِ خِلَافٌ، وَالِاثْنَانِ لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِمَا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ فَسَّرَهُمَا بِشَرْطَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَيْسَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ وَلَا مُقْتَضَاهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هُمَا شَرْطَانِ مُطْلَقًا. يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ فَاسِدَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. كَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِشَرْطٍ. عَلَى الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ: لَا يَصِحُّ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: إذَا أَجَّرَ هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، فَقَدْ فَسَخْتهَا: أَنَّهُ يَصِحُّ، كَتَعْلِيقِ الْخُلْعِ. وَهُوَ فَسْخٌ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي فِي الْإِقْرَارِ: لَوْ قَالَ بِعْتُك إنْ شِئْت، فَشَاءَ وَقَبِلَ: صَحَّ. وَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَيْءٍ. قَوْلُهُ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ. كَسَلَفٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِهِ. فَهَذَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ وَحْدَهُ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. هِيَ مَسْأَلَةُ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، الْمَنْهِيُّ عَنْهَا. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ: إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، وَبِعِشْرِينَ نَسِيئَةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: بَلْ هَذَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: الْبَيْعَتَانِ فِي الْبَيْعَةِ: أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ أَوْ بِعِشْرِينَ مُكَسَّرَةٍ. أَوْ يَقُولُ: بِعْتُك هَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعنِي هَذَا أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي هَذَا. انْتَهَى. فَجَمَعَ فِيهِمَا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إنْ اشْتَرَاهُ بِكَذَا إلَى شَهْرٍ كُلَّ جُمُعَةٍ دِرْهَمَانِ. قَالَ: هَذَا بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ. وَرُبَّمَا قَالَ: بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْبَيْعِ. نَحْوُ أَنْ يَشْرِطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعَ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يَعْتِقَ، أَوْ إنْ أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ، أَوْ يَشْرِطُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَأْتِي الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ،

وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ، وَإِنْ بَاعَهَا فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا: فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَقَالَ: وَنُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ بِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، وَمَنْعِ الْوَطْءِ. وَذَكَرَ نُصُوصًا كَثِيرَةً. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَصْحَابُهُ، وَصَحَّحَهُ. فِي الْخُلَاصَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ: الْفَسْخُ، أَوْ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ بِإِلْغَائِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْجَاهِلِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ دُونَ الْعَالِمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ قِيلَ: لَا أَرْشَ لَهُ. بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ لَا غَيْرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (إلَّا إذَا اشْتَرَطَ الْعِتْقَ. فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ الْأَقْوَى.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ: الْمَذْهَبُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ ذَلِكَ وَصِحَّتُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْوَجِيزِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَيَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَاهُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَالنَّذْرِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ الْأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ حَقٌّ لِلْبَائِعِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ. فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَهُ إسْقَاطُهُ مَجَّانًا. وَلَهُ الْأَرْشُ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَمْ يُعْتِقْهُ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ أَبَى عِتْقَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ. وَإِنْ أَمْضَى فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْعِتْقِ وَأَصَرَّ، فَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ يَعْتِقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. فَلَوْ بَادَرَ الْمُشْتَرِي وَبَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَيْضًا: لَمْ يَصِحَّ. قَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي لِلتَّسَلْسُلِ. وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ: عِنْدِي أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ هَلْ هُوَ لِلَّهِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى، أَوْ لِلْبَائِعِ؟ فَعَلَى

الْأَوَّلِ: هُوَ كَالْمَنْذُورِ عِتْقُهُ. وَعَلَى الثَّانِي: يَسْقُطُ الْفَسْخُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ. فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَنْقُصُ بِهِ الثَّمَنُ عَادَةً. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَعَنْهُ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً، وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ. وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ) . يَعْنِي أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: صِحَّةُ الشَّرْطِ، لِسُكُوتِهِ عَنْ فَسَادِهِ. فَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَاهُ. رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» يَعْنِي: أَنَّهُ فَاسِدٌ. وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ أَنَّهُ قَالَ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَاتَّفَقَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: عَلَى فَسَادِ الشَّرْطِ. وَفِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ: عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ. فَكَوْنُ الْبَيْعِ صَحِيحًا وَالشَّرْطِ فَاسِدًا. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نُقِلَ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ إنْ بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا لَا لِلْخِدْمَةِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَرُوِيَ عَنْهُ نَحْوُ عِشْرِينَ نَصًّا عَلَى صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ. قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا فِي الْبَيْعِ. مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمَبِيعِ نَفْسِهِ: صَحَّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ. كَاشْتِرَاطِ الْعِتْقِ. فَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ هَذَا الشَّرْطِ، بَلْ اخْتَارَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ

فِي كُلِّ عَقْدٍ وَكُلِّ شَرْطٍ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ. لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ وَالصَّرِيحَ وَالْكِنَايَةَ، كَالنَّذْرِ، وَكَمَا يَتَنَاوَلُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي صِحَّةِ هَذَا الشَّرْطِ وَلُزُومِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَقْفَ الْمَبِيعِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْبَيْعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ إذَا شُرِطَ. عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ: أَنْ تَقَعَ مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: فِي الْعَقْدِ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ: وَيَعْتَبِرُ مُقَارَنَةَ الشَّرْطِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالنِّكَاحِ. وَيَأْتِي كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا شَرَطَ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ شَرْطًا، فِي أَوَّلِ بَابِ شُرُوطِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا وَنَحْوَهُ) . مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا مَجْهُولَيْنِ، أَوْ نَفْعَ بَائِعٍ وَمَبِيعٍ إنْ لَمْ يَصِحَّا أَوْ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ بِلَا انْتِفَاعٍ. وَكَذَا فِنَاءُ الدَّارِ لَا بِحَقِّ طَرِيقِهَا (فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْطِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ [عَدَمُ] الْبُطْلَانِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى بَيْعِهِ فَبَاعَهُ: عَتَقَ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ: عَتَقَ الْعَبْدُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوْضِعٍ. وَلَهُ فِيهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى تَأْتِي. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَخْرِيجِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى طُرُقٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُنْقَلْ مِنْ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يُعْتَقُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَفِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ ضَعْفٌ، وَبَيَّنَهُ. الثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهُ عَلَى الْبَائِعِ. لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ. فَلَمْ تَنْقَطِعْ عَلَقَتُهُ عَنْ الْمَبِيعِ بَعْدُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتِقَ عَلَى الْبَائِعِ عَقِبَ إيجَابِهِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى بَيْعِهِ، وَبَيْعُهُ الصَّادِرُ مِنْهُ هُوَ الْإِيجَابُ فَقَطْ وَلِهَذَا سُمِّيَ بَائِعًا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي. حَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الْعِتْقِ، فَيَتَدَافَعَانِ. وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ، دُونَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَشْهَدُ لَهُ تَشْبِيهُ أَحْمَدَ لَهُ بِالْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيَّةِ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ، وَانْتِقَالِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْبَائِعِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَالْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَتَشْبِيهُهُ بِالْوَصِيَّةِ. وَسَلَكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ طَرِيقًا سَادِسًا. فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ لِلْعِتْقِ قَصْدَهُ الْيَمِينَ دُونَ التَّبَرُّرِ بِعِتْقِهِ: أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ. فَبَقِيَ كَنَذْرِهِ، إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَ غَيْرِهِ. فَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّرَ صَارَ عِتْقًا مُسْتَحَقًّا كَالنَّذْرِ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ: إذَا بِعْته فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ. أَوْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ بِعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ. فَلَقَدْ أَجَادَ وَأَفَادَ. وَلَهُ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ اعْتِرَاضَاتٌ وَمُؤَاخَذَاتٌ. لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هُنَا. وَذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْحَمْلِ " لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ. أَوْ فَأَنْتَ حُرٌّ سَاعَةَ إقْرَارِي ". قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ. كَقَوْلِهِ: بِعْتُك إنْ جِئْتنِي بِكَذَا، أَوْ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ) . فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَفَاسِدٌ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا، لِكَوْنِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَعْلِيقُهُ فِعْلًا مِنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولُ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُك بِحَقِّك، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك) يَعْنِي: مَبِيعًا بِمَا لَك عِنْدِي مِنْ الْحَقِّ (فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَلَا الشَّرْطُ فِي الرَّهْنِ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنُصَّ عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَبْطُلُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ صَارَ لَهُ. وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ قُلْت: فَعَلَيْهِ غَلْقُ الرَّهْنِ: اسْتِحْقَاقُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ بِوَضْعِ الْعَقْدِ، لَا بِالشَّرْطِ. كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا صِحَّةُ الرَّهْنِ: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. يَأْتِيَانِ مَعَ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرَّهْنِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَبِلَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ، فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ إلَى ذَلِكَ، الْوَقْتِ، ثُمَّ يَصِيرُ مَضْمُونًا. لِأَنَّ قَبْضَهُ صَارَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِحَالٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ. فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ شَرْطُ رَهْنِ الْبَيْعِ عَلَى ثَمَنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. فَيَقُولُ: بِعْتُك عَلَى أَنْ تَرْهَنَهُ بِثَمَنِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَالْقَاضِي. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَوْ إذَا رَهَنْتَنِيهِ: فَقَدْ بِعْتُك. فَقَدْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ إنْ قَالَ: بِعْتُك عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قَالَ: إذَا رَهَنْتَنِيهِ عَلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ كَذَا، فَقَدْ بِعْتُك. فَقَالَ: اشْتَرَيْت وَرَهَنْتهَا عِنْدَك عَلَى الثَّمَنِ: صَحَّ الشِّرَاءُ وَالرَّهْنُ. قَوْلُهُ (إلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَيْعَ الْعُرْبُونِ صَحِيحٌ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْمَنْصُوصُ الصِّحَّةُ فِي الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا، وَيَقُولَ: إنْ أَخَذْته وَإِلَّا فَالدِّرْهَمُ لَك) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ بَيْعِ الْعُرْبُونِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَسَوَاءٌ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْعُرْبُونُ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَخَذْت الْمَبِيعَ وَجِئْت بِالْبَاقِي وَقْتَ كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ. إجَارَةُ الْعُرْبُونِ كَبَيْعِ الْعُرْبُونِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الدِّرْهَمَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُؤَجِّرِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ السِّلْعَةَ أَوْ يَسْتَأْجِرَهَا. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّاظِمُ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَرْدُودًا إلَيْهِ إنْ، لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ، وَلِلْبَائِعِ مَحْسُوبًا مِنْ الثَّمَنِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ. وَلَمْ أَرَ مَنْ وَافَقَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. نُصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. يَعْنِي: أَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ صَحِيحَانِ. فَإِنْ

مَضَى الزَّمَنُ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُ، وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِفَوَاتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ: لَمْ يَبْرَأْ) . وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَيْبٍ كَذَا إنْ كَانَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ: لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُطُ كَالشُّفْعَةِ. وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَعَنْهُ يَبْرَأُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ فَكَتَمَهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ عَيَّنَهُ صَحَّ. وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: لَا يَبْرَأُ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْعُيُوبِ كُلِّهَا. لِأَنَّهُ مُرْفَقٌ فِي الْبَيْعِ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا نَظَرُ الصِّحَّةِ كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ. وَذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَرَّجَ أَصْحَابُنَا الصِّحَّةَ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " لَمْ يَبْرَأْ " أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْبَيْعِ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَفْسُدُ بِهَا الْعَقْدُ. فَيَدْخُلُ فِيهَا هَذَا الْبَيْعُ. انْتَهَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْعَيْبَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ سَوَاءٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ فِي عَيْبٍ بَاطِنٍ، وَخَرَجَ لَا يُعْرَفُ عَوَرُهُ: احْتِمَالَانِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِهِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ: صَحَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ. فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: لَا تَفْرِيعَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إلْزَامُهُ لِلْبَائِعِ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ الزَّائِدَ مَجَّانًا أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَحَلَّ الْفَسْخِ: إذَا لَمْ يُعْطِهِ الزَّائِدَ مَجَّانًا. وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ مَجَّانًا فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إمْضَائِهِ جَازَ) . يَعْنِي عَلَى إمْضَاءِ الْبَيْعِ. فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ وَقَسْطُ الزَّائِدِ. فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالْأَخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ بِالذِّرَاعِ. وَهَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا لَهُ الْفَسْخُ. قَالَ الشَّارِحُ: أَوْلَاهُمَا لَهُ الْفَسْخُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا خِيَارَ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ رَدَّ تَعْلِيلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ. فَهُوَ بَاطِلٌ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: لَا تَفْرِيعَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: النَّقْصُ عَلَى الْبَائِعِ. وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ جَازَ. فَإِنْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرِّضَى بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْفَسْخِ. فَإِنْ بَذَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةٌ فَبَانَ أَحَدَ عَشَرَ، أَوْ تِسْعَةً: حُكْمُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهُ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ مُشَاعًا. وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَيُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ. وَلَا خِيَارَ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّالِثَةُ: الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يُمْلَكُ بِهِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ. وَيَلْزَمُهُ رَدُّ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ نَقَصَ ضَمِنَ نَقْصَهُ. وَإِنْ تَلِفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وَضْعِهِ. وَإِنْ سَقَطَ مَيِّتًا لَمْ يَضْمَنْ. وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ. وَإِنْ مَلَكَهَا الْوَاطِئُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَيَأْتِي هَذَا بِأَتَمَّ مِنْهُ فِي أَوَاخِرِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الخيار في البيع

[بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ] ِ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ (أَحَدُهُمَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ) فَإِنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي ذَلِكَ الْبَابِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِكَلَامِهِ فِي الْكِتَابَةِ. الثَّانِي: يُسْتَثْنَى أَيْضًا: لَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ. فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْصُلُ اللُّزُومُ إلَّا بِقَوْلِهِ " اخْتَرْت لُزُومَ الْعَقْدِ " وَنَحْوُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثُ: كَذَلِكَ حُكْمُ الْهِبَةِ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهَا وَاحِدٌ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ: ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. الْخَامِسُ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي سُقُوطِ حَقِّ صَاحِبِهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: رِوَايَةٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي بَيْعٍ وَعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. [وَيَأْتِي فِي خِيَارِ الشَّرْطِ إنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْفَائِقِ. وَفَائِدَةِ الْوَجْهَيْنِ: هَلْ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، أَوْ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ. وَعَلَى الثَّانِي: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةِ) . ثَبَتَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ،

وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ فِي إجَارَةٍ تَلِي الْعَقْدَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ. وَجَزَمَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَثْبُتُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَوْلَى. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَخَصَّ الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الصَّرْفِ، وَتَرَدَّدَ فِي السَّلَمِ: هَلْ يَلْحَقُ الصَّرْفُ أَوْ بِبَقِيَّةِ الْبِيَاعَاتِ؟ عَلَى احْتِمَالَيْنِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَيَثْبُتُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ. كَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضٌ. كَصَرْفٍ، وَسَلَمٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ وَقِيلَ: وَبَقِيَّةُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ إلَّا فِي الْمُسَاقَاةِ) . وَكَذَا الْمُزَارَعَةُ، وَالْحَوَالَةُ، وَالسَّبْقُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَوَالَةِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ فِيهِنَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْحَوَالَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ فِيهِنَّ الْخِيَارُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ، إنْ قِيلَ: هِيَ بَيْعٌ. لَا إنْ قِيلَ: هِيَ إسْقَاطٌ أَوْ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ. انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا لِلْمُحِيلِ لَا غَيْرُ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: الْخِلَافُ هُنَا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا لَازِمَيْنِ أَوْ جَائِزَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: هُمَا جَائِزَانِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا يَأْتِي فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا. وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا لَازِمَانِ دَخَلَهُمَا الْخِيَارُ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَكَذَا حُكْمُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا جَعَالَةٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَلَا خِيَارَ فِيهِمَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا دَخَلَهُمَا الْخِيَارُ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. الثَّانِي: شَمِلَ قَوْلُهُ " وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ " غَيْرَ مَا اسْتَثْنَاهُ: مَسَائِلُ. مِنْهَا: الْهِبَةُ. وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ، وَتَارَةً تَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ: فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَنَّهَا: هَلْ تَصِيرُ بَيْعًا،

أَوْ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْهِبَةِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ: بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا فَهِيَ كَالْبَيْعِ. فَقَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَوْهُوبُ لَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى التَّأْبِيدِ، بِخِلَافِ الْوَاهِبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَقْبَضَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ. فَإِذَا أَقْبَضَ فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ: فَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ، لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارٌ. اسْتِغْنَاءً بِجَوَازِهَا. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْهَا: الْقِسْمَةُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ. عَلَى الصَّحِيحِ. فَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ: احْتَمَلَ أَنْ يَدْخُلَهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْأَصَحِّ وَفِي قِسْمَةٍ. وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا مُطْلَقًا. وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ. وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ، حَيْثُ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازٌ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ فَهِيَ كَالْبَيْعِ. يَدْخُلُهَا الْخِيَارَانِ مَعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدٌّ، وَعَدَلَتْ السِّهَامُ، وَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ: نُظِرَتْ. فَإِنْ كَانَ الْقَاسِمُ

الْحَاكِمَ فَلَا خِيَارَ. لِأَنَّهُ حُكْمٌ. وَإِنْ كَانَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ: لَمْ يَدْخُلْهَا خِيَارٌ. لِأَنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ، وَلَيْسَتْ بَيْعٌ. انْتَهَى. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. وَمِنْهَا: الْإِقَالَةُ. فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهَا فَسْخٌ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ: ثَبَتَ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَثْبُتَ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْإِقَالَةِ. وَمِنْهَا: الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. فَلَا خِيَارَ فِيهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ فِي الشُّفْعَةِ. وَقِيلَ: فِيهَا الْخِيَارُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَمِنْهَا: سَائِرُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ كَالنِّكَاحِ، وَالْوَقْفِ، وَالْخُلْعِ، وَالْإِبْرَاءِ، الْعِتْقُ عَلَى مَالِ، الرَّهْنُ، وَالضَّمَانُ، وَالْإِقَالَةُ لِرَاهِنٍ وَضَامِنٍ وَكَفِيلٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَلَا يَثْبُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِيمَا إذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ. فَقَالَ: طَلَّقْتُك بِهَا طَلْقَةً احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْخِيَارِ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبْضِ الْأَلْفِ لِيَكُونَ الطَّلَاقُ. رَجْعِيًّا. وَمِنْهَا: جَمِيعُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، كَالْجَعَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا) التَّفَرُّقَ الْعُرْفِيَّ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ ضَبَطَ ذَلِكَ بِعُرْفِ مَكَان بِحَسْبِهِ. فَلَوْ كَانَ فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ أَوْ سُوقٍ. فَقِيلَ: يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ

يَمْشِيَ أَحَدِهِمَا مُسْتَدْبِرًا صَاحِبَهُ خُطُوَاتٍ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ يَبْعُدُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ عَادَةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ. وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ: صَعِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَعْلَاهَا. وَنَزَلَ الْآخَرُ إلَى أَسْفَلِهَا. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً: خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا وَمَشَى. وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ: فَتَحْصُلُ الْمُفَارَقَةُ بِخُرُوجِهِ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ، أَوْ إلَى مَجْلِسٍ أَوْ صِفَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، بِحَيْثُ يُعَدُّ مُفَارِقًا. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَإِنْ صَعِدَ أَحَدُهُمَا السَّطْحَ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا فَقَدْ فَارَقَهُ. وَلَوْ أَقَامَا فِي مَجْلِسٍ وَبَنَى بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَعُدْ تَفَرُّقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ، وَهِيَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَسَائِل الْإِكْرَاهِ. فَقِيلَ: يَحْصُلُ بِالْعُرْفِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَحْصُلُ بِهِ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. فَعَلَيْهِ يَبْقَى الْخِيَارُ فِي مَجْلِسٍ زَالَ عَنْهُمَا الْإِكْرَاهُ فِيهِ حَتَّى يُفَارِقَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنْ أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ.

الطَّرِيقُ الثَّانِي: إنْ حَصَلَ الْإِكْرَاهُ لَهُمَا جَمِيعًا: انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا: فَالْخِلَافُ فِيهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَذَكَرَ فِي الْأُولَى احْتِمَالًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِكُلٍّ مِنْ الْبَائِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا عُرْفًا، وَلَوْ كَرِهَا. وَفِي بَقَاءِ خِيَارِ الْمُكْرَهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ: لَوْ رَأَيَا سَبُعًا أَوْ ظَالِمًا خَافَاهُ فَهَرَبَا مِنْهُ، أَوْ حَمَلَهُمَا سَيْلٌ أَوْ رِيحٌ وَفَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَبْطُلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ. وَجَزَمَ. بِمَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ. نُصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: بَطَلَ الْخِيَارُ، إنْ قُلْنَا: لَا يُورَثُ، وَإِنْ قُلْنَا يُورَثُ: لَمْ يَبْطُلْ انْتَهَى. وَيَأْتِي: هَلْ يُورَثُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا عِنْدَ إرْثِ خِيَارِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا خِيَارُ صَاحِبِهِ: فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَبْطُلُ إنْ قُلْنَا يُورَثُ، وَإِلَّا بَطَلَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْطُلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: وَلِيُّهُ أَيْضًا يَلِيهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَامَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ. وَقِيلَ: مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ نُطْقِهِ. فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ. الرَّابِعَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ فِيمَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ خَرِسَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَلْحَقَ بِالْعَقْدِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِهِ لَمْ يَلْحَقْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَخَرَّجُ لُحُوقُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَبَعْدَهُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَاقِ السَّادِسَةُ: تَحْرُمُ الْفُرْقَةُ خَشْيَةَ الِاسْتِقَالَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا تَحِلُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ مَشَى أَحَدُهُمَا، أَوْ فَرَّ لِيَلْزَم الْعَقْدُ قَبْلَ اسْتِقَالَةِ الْآخَرِ وَفَسْخِهِ وَرِضَاهُ حَرُمَ وَبَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ فِي الْأَشْهَرِ فِيهِمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْقَوَاعِدِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا) .

أَنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ. وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ: مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَسْقُطُ الْخِيَارُ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِيهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَسْقُطُ عَلَى الْأَقْيَسِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَسْقُطُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَسْقُطُ فِيهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يَسْقُطُ فِي الْأُولَى. وَيَسْقُطُ فِي الثَّانِيَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ: لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ، أَوْ قَالَ: لَا خِيَارَ بَيْنَنَا. سَقَطَ خِيَارُهُ وَحْدَهُ. وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا شُرِطَ فِيهِ أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ " اخْتَرْ " سَقَطَ خِيَارُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا السَّاكِتُ: فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (فَيَثْبُتُ فِيهَا وَإِنْ طَالَتْ) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَلَوْ بَاعَهُ مَا لَا يَبْقَى إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَطَعَامٍ رَطْبٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا. فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْخِيَارُ وَيُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهُ إلَى الْمُدَّةِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لَكَانَ مُتَّجَهًا، وَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ: يَتَوَجَّهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ فِي الْإِجَارَةِ، أَيْ مِنْ وَجْهِ عَدَمِ صِحَّةِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ تَلِي الْعَقْدَ. قَالَ: وَمِنْهُ إنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا إلَّا أَنْ يَقْطَعَاهُ أَوْ تَنْتَهِيَ مُدَّتُهُ [وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ إلَى الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ هُنَا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْمَجْهُولِ، لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَلَا يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ السَّلَمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ مُدَّةً، عَلَى أَنْ يَثْبُتَ يَوْمًا وَلَا يَثْبُتُ يَوْمًا. فَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِي: لَوْ شَرَطَ خِيَارَ الشَّرْطِ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِيمَا أَقْرَضَهُ: لَمْ يَجُزْ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قُلْت: وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَيَتَدَاوَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ. فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْبَيْعِ. وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَثْبُتُ فِي الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِي الْعَقْدَ) . أَنَّهَا لَوْ وَلِيت الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يَثْبُتُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَيَثْبُتُ فِي الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ " هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ لَمْ يَجِبْ الشُّرُوعُ فِيهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ. وَهُوَ الْبَيْعُ. الصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ وَالْإِجَارَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ إلَّا فِي الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَهُ الْمُجَرَّدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَثْبُتُ إنْ كَانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يَدْخُلُ الْقِسْمَةُ خِيَارٌ إنْ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ. كَمَا قَالَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْحَوَالَةِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. فَقَالَ: خِيَارُ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ الْعُقُودِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَاهُ إلَى الْغَدِ: لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُدَّةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَدْخُلُ. قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك وَلِي الْخِيَارُ إلَى الْغَدِ. فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْغَدِ أَدْنَى جَزْءٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً، فَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ

حِينِ التَّفَرُّقِ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا [وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ فَلَوْ قُلْنَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَصَرَّحَا بِاشْتِرَاطِهِ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ، أَوْ بِالْعَكْسِ: فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: بُطْلَانُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَصِحَّتُهُ فِي الثَّانِي. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إنْ عَلِمَ وَقْتَ التَّفَرُّقِ، فَهُوَ أَوَّلُ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَإِنْ جُهِلَ فِي الْعَقْدِ. وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ عَكْسِهَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ. وَكَانَ تَوْكِيلًا لَهُ وَفِيهِ. وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ جَازَ) . يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا. لَكِنْ إذَا شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ، فَتَارَةً يَقُولُ: لَهُ الْخِيَارُ دُونِي، وَتَارَةً يَقُولُ: الْخِيَارُ لِي وَلَهُ، وَتَارَةً يَجْعَلُ الْخِيَارَ لَهُ، وَيُطْلَقُ. فَإِنْ قَالَ: لَهُ الْخِيَارُ دُونِي. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: صِحَّتُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْوَكِيلِ، أَوْ يَكُونُ لَهُ وَلِلْمُوَكِّلِ، وَيُلْغِي قَوْلَهُ " دُونِي "؟ تَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ: أَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ وَلِلْمُوَكِّلِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْفَسْخُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِطِ وَوَكِيلِهِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ. وَإِنْ قَالَ: الْخِيَارُ لِي وَلَهُ. صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَإِنْ جَعَلَ الْخِيَارَ لَهُ وَأَطْلَقَ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ الشَّيْخُ، وَغَيْرُهُ: صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَكَانَ تَوْكِيلًا لَهُ فِيهِ) . حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ يَكُونُ خِيَارُ الْفَسْخِ لَهُ وَلِمُوَكِّلِهِ. فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَكُونُ تَوْكِيلًا لِأَحَدِهِمَا فِي الْفَسْخِ. وَقِيلَ: لِلْمُوَكِّلِ إنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ وَكِيلًا. انْتَهَى. وَهِيَ عِبَارَةٌ مُشْكِلَةٌ. وَالْخِلَافُ هُنَا لَا يَأْتِي فِيمَا يَظْهَرُ. فَإِنَّا حَيْثُ جَعَلْنَاهُ تَوْكِيلًا، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ يَسُوغُ لَهُ فِعْلُهُ. وَقَوْلُهُ " وَيَكُونُ تَوْكِيلًا لِأَحَدِهِمَا فِي الْفَسْخِ " لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْهُمَا يَعْنِي: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا. وَلِشَيْخِنَا عَلَى هَذَا كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي حَوَاشِيهِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ. فَائِدَةٌ: أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ: فَيَخْتَصُّ الْوَكِيلُ، لِأَنَّهُ الْحَاضِرُ. فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فِي الْمَجْلِسِ، وَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْخِيَارِ: رَجَعَتْ حَقِيقَةُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَظْهَرْ الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا. قَوْلُهُ (وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا رِضَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقُوا. [وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ] .

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَهُ الْفَسْخَ بِرَدِّ الثَّمَنِ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَالشَّفِيعِ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَعْدِلُ عَنْهُ، خُصُوصًا فِي زَمَنِنَا هَذَا. وَقَدْ كَثُرَتْ الْحِيَلُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ: أَنَّهُ لَا يَفْسَخُ فِي غَيْبَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَهُ فِي الْمُدَّةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَتَصَرَّفُ فِي الْفَسْخِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفْسَخَاهُ بَطَلَ خِيَارُهُمَا) . يَعْنِي وَلَزِمَ الْبَيْعُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ضُرِبَتْ لِحَقٍّ لَهُ لَا لِحَقٍّ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَمُضِيِّ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى. فَعَلَى هَذَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُؤْمَرُ بِالْفَسْخِ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَسَخَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْلَى عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهِيَ الْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي ثَبَتَ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ. انْتَهَى.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ عَنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ. فَعَلَيْهَا يَكُونُ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى أَنَّ الْمِلْكَ يَخْرُجُ عَنْ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ إلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ حُكْمُ انْتِقَالِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوَاعِدِهِ، وَغَيْرُهُ. مِنْهَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، أَوْ زَوْجَتَهُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَقُ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ: خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ. قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَأَنْكَرَ الْمَجْدُ ذَلِكَ، وَقَالَ: يَحْنَثُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ: فَلَا يَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فِي مُدَّتِهِ. وَهُوَ تَعْلِيلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالَانِ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا، إذَا قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: وَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شِقْصًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَبَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ انْتِزَاعَ شِقْصِ الشَّفِيعِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ. لِأَنَّهُ شَرِيكُ الشَّفِيعِ حَالَةَ بَيْعِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَسْتَحِقُّهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَأَهَلَّ هِلَالُ الْفِطْرِ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عَلَى الْبَائِعِ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ نِصَابًا مِنْ الْمَاشِيَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَوْلًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: زَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عَلَى الْبَائِعِ. وَمِنْهَا: الْكَسْبُ وَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ فِي مُدَّتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ أَوْ فَسَخَاهُ. وَعَنْهُ إنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ. وَعَنْهُ وَكَسْبُهُ. وَعَلَى الثَّانِي لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ: هُمَا لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَهُ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: مُؤْنَةُ الْمَبِيعِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا: فَمِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ عَلَى الثَّانِيَةِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَعَيَّبَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَرُدُّ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الرَّدُّ بِكُلِّ حَالٍ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ، بِشَرْطِ الْخِيَارِ. ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا فِي

مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ. فَالرَّدُّ وَاجِبٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ، فَوَجْهَانِ. جَزَمَ فِي الْكَافِي بِالْوُجُوبِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ مُحِلٌّ صَيْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فِي مُدَّتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكٍ عَلَى الصَّيْدِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَنْهُ فَلَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةُ أَرْسَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَتْ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ. فَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عَنْهَا، فَفِي لُزُومِ اسْتِرْدَادِهَا وَجْهَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ لُزُومِ اسْتِرْدَادِهَا. وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَزُلْ عَنْهَا: اسْتَرَدَّهُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا لَوْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَلْزَمُهُ. لِبَقَاءِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَاسْتَبْرَأَهَا فِي مُدَّتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ، لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءُ. وَإِنْ قُلْنَا بِانْتِقَالِهِ. فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمَا: يَكْفِي. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْمُحَرَّرِ وَجْهَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا: التَّصَرُّفُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْوَطْءِ. وَيَأْتِيَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. فَائِدَةٌ: الْحَمْلُ وَقْتَ الْعَقْدِ مَبِيعٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ حُكْمٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ، وَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الْعِوَضِ. وَلِمَنْ قُلْنَا: لَا حُكْمَ لَهُ لَمْ يَأْخُذْ

قِسْطًا. وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ. فَلَوْ رُدَّتْ الْعَيْنُ بِعَيْبٍ. فَإِنْ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ: رَدَّ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّمَاءِ. قَالَ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَجْزَاءِ، لَا حُكْمُ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، فَيَجِبُ رَدُّهُ مَعَ الْعَيْنِ. وَأَنْ لَا حُكْمَ لَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: أَنَّ الْقَاضِيَ، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَغَيْرَهُمَا قَالُوا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، أَنَّ لَهُ حُكْمًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ الْحَمْلُ نَمَاءٌ. فَتُرَدُّ الْأُمُّ بِعَيْبٍ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ هُوَ كَأَحَدِ عَيْنَيْنِ، أَوْ بَيْعٌ لِلْأُمِّ لَا حُكْمَ لَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُنْتَخَبِ فِي الصَّدَاقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي أَثْنَاءِ التَّفْلِيسِ: وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْبَيْعِ حَامِلًا، ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي. فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا. لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ الْبَيْعِ فَقَدْ بَاعَ عَيْنَيْنِ، وَقَدْ رَجَعَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (فَمَا حَصَلَ مِنْ كَسْبٍ أَوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ: فَهُوَ لَهُ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ أَوْ فَسَخَاهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهُوَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ إنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا فَالنَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْبَائِعِ. عَنْهُ: وَالْكَسْبُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ: هُمَا لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَهُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَانَ لَهُ نَمَاءٌ مُتَّصِلٌ، مُخَرَّجٌ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَجْهَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ: أَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ فَسْخٌ

لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ فِيهِ بِلُزُومِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ. فَعَلَى هَذَا: يَرْجِعُ بِالنَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ فِي الْخِيَارِ، بِخِلَافِ الْعَيْبِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ: هَلْ الْحَمْلُ وَالطَّلْعُ، أَوْ الْحَبُّ يَصِيرُ زَرْعًا: زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، أَوْ مُنْفَصِلَةٌ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْزِئَةُ الْمَبِيعِ. وَإِنْ تَصَرَّفَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا) . اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. أَوْ لِغَيْرِهِمَا. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ. وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِلُزُومِهِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ. لِأَنَّهُ مَالِكٌ، وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ تَصَرَّفَ، الْمُشْتَرِي فَتَارَةً يَكُونُ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ. وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَفَذَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَاحْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ وَتَصَرَّفَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَعَنْهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ. وَعَنْهُ تَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَمَنْ بَعْدَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. فَقَالَ: تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ وَلِلْبَائِعِ، الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمِلْكِ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَهُ غَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ مَعَ غَيْرِ الْبَائِعِ. فَأَمَّا إنْ تَصَرَّفَ مَعَ الْبَائِعِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَنْفُذُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى دَلَالَةِ التَّصَرُّفِ عَلَى الرِّضَى. وَلِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ احْتِمَالَانِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ أَوْ لَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَأَمَّا نُفُوذُ التَّصَرُّفِ: فَهُوَ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِلْكٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَنْفُذُ إنْ قِيلَ: الْمِلْكُ لَهُ وَالْخِيَارُ لَهُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَمَنْ أَفْرَدَهُ بِالْخِيَارِ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ يَمْضِي مِنْهُ دُونَ تَصَدُّدٍ

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ. وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْفُذُ. تَنْبِيهٌ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِهِمَا: إذَا لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدِهِمَا إذْنٌ مِنْ الْآخَرِ. أَوْ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ مِنْهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، أَوْ تَصَرُّفِ وَكِيلِهَا: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفُذُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي التَّصَرُّفِ. فَتَصَرَّفَ بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ. فَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فِي الْوَكِيلِ عَلَى مَا يَأْتِي وَأَوْلَى. وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) أَنَّ لِلْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ غَيْرِهِ، إذَا قَبَضَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِلْمَسْأَلَةِ. وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَجَمْعٌ كَثِيرٌ: أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ كَالْمُثَمَّنِ، سَوَاءٌ قُلْنَا فِي الْمَبِيعِ مَا قُلْنَا فِي الثَّمَنِ أَوْ لَا. وَلَمْ يَحْكُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا. لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَمَا لَا يَمْنَعُ فَقَالَ: وَالثَّمَنُ الَّذِي لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ كَالْمُثَمَّنِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ لِاسْتِقْرَارِهِ. انْتَهَى. فَقَدْ تُؤْخَذُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِ هُنَاكَ.

وَيَأْتِي أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ. فِي " فَائِدَةٌ: هَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْدِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا " فَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إسْقَاطًا لِخِيَارِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَوَجْهَانِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي غَيْرِ الْوَطْءِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِيهِ: لَمْ يَكُنْ فَسْخًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَكُونُ فَسْخًا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْحَلْوَانِيُّ فِي الْكِفَايَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُمْ. وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: تَصَرُّفُهُ بِالْوَطْءِ فَسْخٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمِمَّنْ [صَرَّحَ أَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ: الْقَاضِي] فِي الْمُجَرَّدِ. وَحَكَاهُ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ. [وَأَمَّا تَصَرُّفُ] الْمُشْتَرِي وَوَطْؤُهُ، وَتَقْبِيلُهُ، وَلَمْسُهُ بِشَهْوَةٍ، وَسَوْمُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ

فَهُوَ إمْضَاءٌ وَإِبْطَالٌ لِخِيَارِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ إمْضَاءً. وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي تَصَرُّفِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا، لِأَنَّ فِي طَرَفِهِ: الْفَسْخَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَقْدِ. وَفِي طَرَفِ الرِّضَى: يَمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآخَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَفِي نُسْخَةٍ " الْوَجْهَيْنِ " وَعَلَيْهِمَا شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ خِيَارُهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَبْطُلُ خِيَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لِلِاسْتِعْلَامِ: لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ. فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهُ لِغَيْرِ الِاسْتِعْلَامِ يَبْطُلُ. وَعِبَارَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ كَذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ قَوْلًا: إنْ اسْتَخْدَمَهُ لِلتَّجْرِبَةِ بَطَلَ. وَإِلَّا فَلَا. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرُوهُ قَوْلًا ثَالِثًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْخِلَافَ يَشْمَلُ الِاسْتِخْدَامَ لِلتَّجْرِبَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّجْرِيَةِ لِلْمَبِيعِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَنْظُرَ

سَيْرَهَا، أَوْ الطَّحْنِ عَلَيْهَا، لِيَعْلَمَ قَدْرَ طَحْنِهَا. أَوْ اسْتِخْدَامِ الْجَارِيَةِ فِي الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَهُ تَجْرِبَتُهُ وَاخْتِبَارُهُ بِرُكُوبٍ وَطَحْنٍ وَحَلْبٍ وَغَيْرِهَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ: وَتَصَرُّفُهُ بِكُلِّ حَالٍ رِضًا إلَّا لِتَجْرِبَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: فَأَمَّا مَا يَسْتَعْلِمُ بِهِ الْمَبِيعَ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَخْتَبِرَ فَرَاهَتَهَا، وَالطَّحْنِ عَلَى الرَّحَى لِيَعْلَمَ قَدْرَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى. وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ. انْتَهَى قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ لِلِاخْتِبَارِ يَسْتَوِي فِيهِ الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَا تَشْمَلُهُ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ [وَقَطَعَ بِمَا قُلْنَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ] وَمَنْشَأُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ حَرْبًا نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا غَسَلَتْ رَأْسَهُ، أَوْ غَمَزَتْ رِجْلَهُ، أَوْ طَبَخَتْ لَهُ، أَوْ خَبَزَتْ: يَبْطُلُ خِيَارُهُ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَا قَصَدَ بِهِ مِنْ اسْتِخْدَامٍ أَنَّ تَجْرِبَةَ الْمَبِيعِ لَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ. كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِيَعْلَمَ سَيْرَهَا. وَمَا لَا يَقْصِدُ بِهِ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْخِيَارَ. كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ لِحَاجَتِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَبَّلَتْهُ الْجَارِيَةُ وَلَمْ يَمْنَعْهَا: لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا. وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ. أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ: لَمْ يَبْطُلْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي: نَفَذَ عِتْقُهُ. وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا، كَذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ) .

إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ: نَفَذَ عِتْقُهُ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَيَصِحُّ عِتْقُهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ. وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْعِتْقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَةٌ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْبَائِعِ لَوْ أَعْتَقَهُ: يَنْفُذُ عِتْقُهُ كَالْمُشْتَرِي وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَكَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ مَعْدُودًا، أَوْ مَزْرُوعًا: انْفَسَخَ الْبَيْعُ عَلَى مَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. وَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ الْمُشْتَرِي. فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ. وَفِي خِيَارِ الْبَائِعِ الرِّوَايَتَانِ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ: فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا خِيَارُ الْبَائِعِ: فَيَبْطُلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ، وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ

مِثْلِيًّا. اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَحَكَاهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْفُصُولِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ) تَكُونُ الْقِيمَةُ وَقْتَ التَّلَفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ. الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: وَقْتَ الْقَبْضِ. وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: انْتِقَالُ الْمِلْكِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ لَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارٍ، أَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. أَوْ أَقْبَضَهَا الصَّدَاقَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. فَفِي ضَمَانِهِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: حُكْمُ ضَمَانِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَقْدِ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. إنْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَانَ مَضْمُونًا لَهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي فِي آخَرَيْنِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَ عِوَضًا فِي بَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ، كَانَ مُتَمَيِّزًا: لَمْ يُضْمَنْ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ: ضُمِنَ. وَإِنْ كَانَ فِي إجَارَةٍ: ضَمِنَ بِكُلِّ حَالٍ. الثَّانِي: إنْ كَانَ انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِسَبَبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ كَفَسْخِ الْمُشْتَرِي أَوْ شَارَكَ فِيهِ الْآخَرَ. كَالْفَسْخِ مِنْهُمَا: فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ. وَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ الْآخَرُ كَفَسْخِ الْبَائِعِ وَطَلَاقِ الزَّوْجِ. فَلَا ضَمَانَ. لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِ هَذَا بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا عُدْوَانٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ. وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ. الثَّالِثُ: حُكْمُ الضَّمَانِ بَعْدَ الْفَسْخِ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فَهُوَ

مَضْمُونٌ. وَإِلَّا فَلَا فَيَكُونُ الْبَيْعُ بَعْدَ فَسْخِهِ مَضْمُونًا. لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ بِالْفَسْخِ. صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا: ضَمَانُ الصَّدَاقِ [عَلَى الْمَرْأَةِ] وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ، وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الرَّادِّ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، حَتَّى قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ عَجَّلَ أُجْرَتَهَا، ثُمَّ انْفَسَخَتْ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ: فَلَهُ حَبْسُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ، وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا. الرَّابِعُ: لَا ضَمَانَ فِي الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ بَعْدَ فَسْخِهِ أَمَانَةً مَحْضَةً. صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. الْخَامِسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَنْتَهِيَ الْعَقْدُ، أَوْ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ. فِي الْأَوَّلِ: يَكُونُ أَمَانَةً مَحْضَةً. لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ ارْتَفَعَ وَعَادَ مِلْكًا لِلْأَوَّلِ. وَفِي الْفَسْخِ يَكُونُ مَضْمُونًا. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ: الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسَائِلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ نَقْصَهُ فِيمَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَهُ بِالْقِيمَةِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْآخَرِ: حُكْمُ الْعِتْقِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَأَحْبَلَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ. وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ) .

هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ. فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْبَائِعِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وَأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ. فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فَكَذَلِكَ، إنْ قُلْنَا الْبَيْعُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ) وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ؟ وَأَنَّ الصَّحِيحَ يَكُونُ فَسْخًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْفَسِخُ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) . قَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَصَرُّفِهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ) . وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا يَكُونُ الْمِلْكُ لَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) . هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالنَّاظِمِ، وَصَاحِبِ الْحَاوِي. وَصَحَّحُوهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ هُنَاكَ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَحَكَاهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا ثَابِتَ النَّسَبِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا عُلِمَ زَوَالُ مِلْكِهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ [وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا أَيْضًا] قَوْلُهُ (إذَا عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ) .

هَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَالُوا: إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. لِأَنَّ تَمَامَ الْوَطْءِ قَدْ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ، فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَالْأَكْثَرِينَ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْحَدِّ أَيْضًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ. أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الزِّنَا. فَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَحِقَهُ النَّسَبُ. وَوَلَدُهُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وِلَادَتِهِ. وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُورَثْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُورَثَ كَالْأَجَلِ وَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ حَلِّ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ رِوَايَةً. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَلَمْ يُورَثْ " إذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمَيِّتَ. فَأَمَّا إنْ طَالَبَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يُورَثُ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَا يُورَثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ كَالشَّرْطِ. وَفِي خِيَارِ صَاحِبِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: حَدُّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ، كَخِيَارِ الشَّرْطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَفِي الِانْتِصَارِ. رِوَايَةٌ: لَا يُورَثُ حَدُّ قَذْفٍ وَلَوْ طَلَبَهُ مَقْذُوفٌ، كَحَدِّ زِنًا. وَيَأْتِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَذْفِ. وَيَأْتِي: هَلْ تُورَثُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ بَابِ الشُّفْعَةِ. وَتَقَدَّمَ: إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى بَيْعِهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: خِيَارُ الْغَبْنِ. وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ. أَحَدُهَا: إذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَاشْتَرَى مِنْهُمْ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ. فَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا هَبَطُوا السُّوقَ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ غُبِنُوا) . أَعْلَمَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَنَّهُ إذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ، وَاشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَاعَ لَهُمْ: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ قَصَدَ تَلَقِّيهمْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا خِيَارَ لَهُمْ إلَّا إذَا قَصَدَ تَلَقِّيهمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ غُبِنُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَهُمْ الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يُغْبَنُوا. قَوْلُهُ (غَبْنًا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ) . يَرْجِعُ الْغَبْنُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُقَدَّرُ الْغَبْنُ بِالثُّلُثِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُثْبِتَ لِلْفَسْخِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّهُ أَصْحَابُنَا بِقَدْرِ ثُلُثِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ. انْتَهَى. وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِالسُّدُسِ.

وَقِيلَ: يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْغَبْنِ وَإِنْ قَلَّ. قَالَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَهُ الْفَسْخُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ بِالشَّرْطِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ بَعْدَ تَعَدُّدِ الْعُيُوبِ. قَوْلُهُ (الثَّانِيَةُ: فِي النَّجْشِ. وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَضُرَّ الْمُشْتَرِي) أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَيْعَ النَّجْشِ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَجُوزُ النَّجْشُ. وَعَنْهُ يَقَعُ لَازِمًا. فَلَا فَسْخَ مِنْ غَيْرِ رِضًا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ هَلْ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ؟ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ لَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا خِيَارَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْ الْبَائِعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَجَشَ الْبَائِعُ، فَزَادَ أَوْ وَاطَأَ. فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ فِي الْأَوْلَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُبْطِلُ الْبَيْعَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّجْشِ، كَمَا لَوْ زَادَ فِيهِ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَوْ زَادَ زِيدَ بِإِذْنِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا وَكَانَ زَائِدًا عَمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ: لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ وَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَبْطُلُ مَعَ عِلْمِهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُهُمْ فِي النَّجْشِ " لِيَغُرَّ الْمُشْتَرِيَ " لَمْ يَحْتَجُّوا لِتَوَقُّفِ الْخِيَارِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: وَفِيهِ نَظِيرٌ. وَأَطْلَقُوا الْخِيَارَ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ. لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّجْشِ. فَيَكُونُ الْقَيْدُ مُرَادًا. وَشَبَّهَ مَا إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّي. وَسَبَقَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ الْخِيَارُ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَزِيدَ فِي سِلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَقِيلَ: بَلْ لِيَغُرَّ مُشْتَرِيهَا الْغُرَّ بِهَا. [وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَزَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَ مَعْرُوفًا بِالْحِذْقِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ. انْتَهَى. وَلَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ] . وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ، " لِيَغُرَّ الْمُشْتَرِي " وَهُوَ حَسَنٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ: حُكْمُ زِيَادَةِ الْمَالِكِ فِي الثَّمَنِ كَأَنْ يَقُولَ: أَعْطَيْته فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا، وَهُوَ كَاذِبٌ حُكْمُ نَجْشِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَرْسِلُ) . يَثْبُتُ لِلْمُسْتَرْسِلِ الْخِيَارُ إذَا غَبَنَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ عَنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ.

فَوَائِدُ الْأُولَى " الْمُسْتَرْسِلُ " هُوَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ أَنْ يُمَاكِسَ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ " هُوَ الَّذِي لَا يُمَاكِسُ ". قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَلَا يُحْسِنُ الْمُبَايَعَةَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا: هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ سِعْرَ مَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ. فَصَرَّحَا أَنَّ " الْمُسْتَرْسِلَ " يَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ، وَأَنَّهُ الْجَاهِلُ بِالْبَيْعِ. كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُوَ الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ خِيَارِ التَّدْلِيسِ، فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، كَمَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْغَبْنِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ هُوَ الْجَاهِلُ بِالْقِيمَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا. قَالَ، فِي الْمَذْهَبِ: لَوْ جَهِلَ الْغَبْنَ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِعَجَلَتِهِ. وَهُوَ لَا يَجْهَلُ الْقِيمَةَ: ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ عَجَّلَ فِي الْعَقْدِ فَغَبَنَ فَلَا خِيَارَ لَهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَثْبُتُ أَيْضًا لِمُسْتَرْسِلٍ إلَى الْبَائِعِ لَمْ يُمَاكِسْهُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَهُ الْفَسْخُ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ غَالٍ، وَأَنَّهُ مَغْبُونٌ فِيهِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: يَثْبُتُ خِيَارُ الْغَبْنِ إلَى الْمُسْتَرْسِلِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا فَسَخَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ، لَا بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى. لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يَسْتَدْرِكْ [ظِلَامَةَ الْغَبْنِ. فَارَقَ مَا لَوْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْإِجَارَةِ فَفُسِخَ. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ] ظِلَامَتَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِسْطِهِ مِنْهَا مَعِيبًا. فَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ قَالَ الْمَجْدُ: نَقَلْته مِنْ خَطِّ الْقَاضِي عَلَى ظَهْرِ الْجُزْءِ الثَّلَاثِينَ مِنْ تَعْلِيقِهِ.

الثَّالِثَةُ: الْغَبْنُ مُحَرَّمٌ. نُصَّ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُنُونِ. وَقَالَ: إنَّ أَحْمَدَ قَالَ أَكْرَهُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: هَلْ غَبْنُ أَحَدِهِمَا فِي مَهْرِ مِثْلِهِ كَبَيْعٍ أَوْ لَا فَسْخَ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ فِي التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي، وَالِانْتِصَارِ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. ثُمَّ فَرَّقَ، وَقَالَ: وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الصَّدَاقُ عِنْدَهُمْ وَفِي وَجْهٍ لَنَا: بِعَيْبٍ يَسِيرٍ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ بِذَلِكَ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ. بَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَازِمًا. وَيَأْتِي قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ، وَبَابِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ. الْخَامِسَةُ: يَحْرُمُ تَغْرِيرُ مُشْتَرٍ، بِأَنْ يَسُومَهُ كَثِيرًا لِيَبْذُلَ قَرِيبًا مِنْهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ دَلَّسَ مُسْتَأْجِرٌ عَلَى مُؤَجِّرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اسْتَأْجَرَهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَفِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ [الْأُولَى] كَقَوْلِهِ، وَأَنَّهُ كَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ سَوَاءٌ. ثُمَّ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ عِنْدَ الْبَيْعِ " لَا خِلَابَةَ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا خَلَبَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: لَا خِيَارَ لَهُ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ. كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ، وَتَسْوِيدِ شَعْرِهَا وَتَجْعِيدِهِ، وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا) .

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَذَا تَحْسِينُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَنَحْوِهَا. وَتَصْنِيعُ النَّسَّاجِ وَجْهَ الثَّوْبِ، وَصَقَّالِ الْإِسْكَافِ وَجْهَ الْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّدْلِيسِ لَا خِيَارَ لَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَالًا إلَيْهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ بِذَلِكَ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَائِقِ [وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي] وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَذَكَرَ صُوَرَ الْمَسْأَلَةِ: تَحْمِيرُ الْوَجْهِ مِنْ الْخَجَلِ أَوْ التَّعَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. [وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُمْرَةِ الْخَجَلِ أَوْ التَّعَبِ وَنَحْوِهِمَا. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ] . فَائِدَةٌ: لَوْ سَوَّدَ كَفَّ الْعَبْدِ، أَوْ ثَوْبَهُ. لْيَظُنَّ أَنَّهُ كَاتِبٌ، أَوْ حَدَّادٌ، أَوْ عَلَفَ الشَّاةَ، أَوْ غَيْرَهَا. لِيَظُنَّ أَنَّهَا حَامِلٌ: لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ خِيَارٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ. قَوْلُهُ (وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) . يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ فِي الرَّدِّ بِشَرْطِهِ. وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْمُصَرَّاةِ، أَوْ نَقَصَتْ عَنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ الْقَمْحُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ. لِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: عَلَّلَ أَبُو بَكْرٍ وُجُوبَ الصَّاعِ بِأَنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلَطَ بِلَبَنٍ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي. فَلَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ قَطَعَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْمُشَاجَرَةَ بَيْنَهُمَا بِإِيجَابِ صَاعٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ مُصَرَّاةٍ: رَدَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا. صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ.

قُلْت: وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقِيمَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قِيمَةِ الْمُصَرَّاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ: رَدَّهُ وَأَجْزَأَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَزِمَ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فِي الْأَقْيَسِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْرُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَشْمَلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهَانِ إحْدَاهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهُ " أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي [وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ] وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ رَدُّهُ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ [اخْتَارَهُ الْقَاضِي] . الثَّانِي: لَوْ عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قَبْلَ الْحَلْبِ، فَرَدَّهَا قَبْلَ حَلْبِهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ (وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الرَّدُّ) . فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَرْضَ. كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْقِيَاسُ.

قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ كَالْعُيُوبِ. لِأَنَّ فِيهَا قَوْلًا كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ مُنْذُ عَلِمَ. وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَهَا وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَالَ فِيهِمَا: إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ التَّصْرِيَةَ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَثْبُتُ الرَّدُّ عِنْدَ تَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ. وَالْآخَرُ: تَكُونُ مُدَّةُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِكَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثٍ. أَنَّ خِيَارَهُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى تَمَامِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ إلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي: أَنَّ ابْتِدَاءَ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ حِينِ الْبَيْعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ يُخَيَّرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُنْذُ عَلِمَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ أَوْلَى.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَعَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَاضِي: أَنَّ الْخِيَرَةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي تَكُونُ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. وَتَكُونُ عَلَى هَذَا عَلَى الْفَوْرِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَكُونُ الْخِيَرَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَلَهُ الرَّدُّ " أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سِوَاهُ أَوْ الْإِمْسَاكُ مَجَّانًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ الرَّدِّ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي التَّصْرِيَةِ. لِأَنَّهُمَا حَكَيَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ. وَقَدَّمَاهُ فِي غَيْرِ التَّصْرِيَةِ. لَكِنْ قَالَا: ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً: لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ: إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، لَمْ يَمْلِكْ الرَّدَّ) . وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ. وَجَزَمَ بِهِ كُلُّ مَنْ ذَكَرَهَا وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا. قُلْت: لَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمُذْهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا، فِي طَلَاقِ بَائِنٍ فِيهِ عِدَّةٌ: احْتِمَالَانِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِقَدْرِ الِاسْتِبْرَاءِ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدَهُ: إنْ اشْتَرَى مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ جَاهِلًا ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهَا أَوْ الْأَرْشُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ " هَكَذَا أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ: فَلَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ عِلْمِهِ زَالَ. نُصَّ عَلَيْهِ. فَقَيَّدَ الطَّلَاقَ بِعَدَمِ الْعِلْمِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. فَائِدَةٌ لَوْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً: خُيِّرَ بَيْنَ الرَّدِّ أَوْ الْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا بِحَالٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ: فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ أَحَدُهُمَا: لَا رَدَّ لَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الرَّدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالُوا. وَلَيْسَ بِمَانِعٍ انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ جَازَ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ غَرِمَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَيَخْرُجُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ. وَلَا كِتْمَانُ عَيْبِهَا) أَمَّا التَّدْلِيسُ: فَحَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا كِتْمَانُ الْعَيْبِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ حَرَامٌ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: الْكَرَاهَةُ نَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْكَرَاهَةِ: التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) يَعْنِي إذَا كَتَمَ الْعَيْبَ أَوْ دَلَّسَهُ وَبَاعَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: بَيْعُهُ مَرْدُودٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ وَبَاعَ، فَتَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَقَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ دَلَّسَ الْعَيْبَ فَالْمَبِيعُ بَاطِلٌ. قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ فِي الْمُصَرَّاةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا. قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَدَلَّ عَلَى رُجُوعِهِ. قُلْت: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي: أَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ رَجَعَ

فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَكَذَا لَوْ أَعْلَمَهُ بِالْعَيْبِ، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِقَابُهُ بِإِتْلَافِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ إذَا دَلَّسَهُ. وَقَالَ: أَفْتَى بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ. وَهُوَ النَّقْصُ) " الْعَيْبُ " هُوَ مَا يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ عَادَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ مَا يُنْقِصُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ نَقِيصَةً يَقْتَضِي الْعُرْفُ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْهَا غَالِبًا. قَوْلُهُ (وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ، كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ، وَكَذَا شُرْبُهُ الْخَمْرَ وَالنَّبِيذَ، إذَا كَانَ مُمَيِّزًا) نَصَّ عَلَيْهِ. أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِالتَّمْيِيزِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ [ظَاهِرُ] مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إذَا تَكَرَّرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَبَوْلُهُ فِي فِرَاشِهِ مِرَارًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ عَشْرٍ فَصَاعِدًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَا يَأْبَاهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَأَمَّا الْعُيُوبُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى فِعْلِهِ كَكَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُمَيِّزٍ جَاوَزَ الْعَشْرَ فَهِيَ عَيْبٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَزِنًا مِمَّنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، أَوْ أَكْثَرَ. وَقِيلَ: إنْ دَامَ. زِنَا مُمَيِّزٍ أَوْ سَرِقَتُهُ أَوْ إبَاقُهُ، أَوْ شُرْبُهُ الْخَمْرَ، أَوْ بَوْلُهُ فِي فِرَاشِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْبَوْلِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَبِيرٍ. وَتَكَرَّرَ شَرْطُ النَّاظِمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَبِيرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ التَّكْرَارَ. قَوْلُهُ (كَالْمَرَضِ وَذَهَابِ جَارِحَةٍ، أَوْ سِنٍّ، أَوْ زِيَادَتِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْخَصِيِّ. وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ، وَلَكِنْ يُفَوِّتُهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُبَاحٌ، وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَالْعَمَى، وَالْعَوَرِ، وَالْحَوَلِ، وَالْخَوَصِ، وَالسَّبَلِ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْفَانِ وَالطَّرَشِ، وَالْخَرَسِ، وَالصَّمَمِ [وَالْقَرَعِ] وَالصُّنَانِ، وَالْبُهَاقِ، وَالْبَرَصِ، وَالْجُذَامِ، وَالْفَالِجِ، وَالْكَلَفِ، وَالتَّجَمُّرِ، وَالْعَفَلِ، وَالْقِرَانِ، وَالْفَتْقِ، وَالرَّتَقِ، وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْجُنُونِ، وَالسُّعَالِ، وَالْبُحَّةِ، وَكَثْرَةِ الْكَذِبِ، وَالتَّخْنِيثِ، وَكَوْنِهِ خُنْثَى، وَالثَّآلِيلِ، وَالْبُثُورِ، وَآثَارِ الْقُرُوحِ، وَالْجُرُوحِ، وَالشِّجَاجِ، وَالْجُدَرِيِّ، وَالْحُفَرِ وَهُوَ الْوَسَخُ يَرْكَبُ أُصُولَ الْأَسْنَانِ وَالثُّلُومِ فِيهَا، وَذَهَابِ بَعْضِ أَسْنَانِ الْكَبِيرِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْوَشْمِ. وَتَحْرِيمٍ عَامٍّ، كَأَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَحَمَاتِهِ، وَنَحْوِهِمَا، وَقَرَعٍ شَدِيدٍ مِنْ كَبِيرٍ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَكَوْنِ الثَّوْبِ غَيْرَ جَدِيدٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَثَرُ الِاسْتِعْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَالزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ، وَالْإِجَارَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَشَامَاتٍ، وَمَحَاجِمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَشَرَطٍ مَشِينٍ. وَمِنْهَا: إهْمَالُ الْأَدَبِ وَالْوَقَارِ فِي أَمَاكِنِهَا. نُصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ. قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ الْجَلَبِ، وَالصَّغِيرِ. وَمِنْهَا: الِاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْهَا: الْحُمْقُ مِنْ كَبِيرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ

الْأَصْحَابُ. وَهُوَ ارْتِكَابُ الْخَطَأِ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، الشَّارِحُ: وَحُمْقٌ شَدِيدٌ، وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْعَادَةَ. وَمِنْهَا: حَمْلُ الْأَمَةِ، دُونَ الدَّابَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي: إنْ لَمْ يَضُرَّ اللَّحْمُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. وَمِنْهَا: عَدَمُ خِتَانِ عَبْدٍ كَبِيرٍ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْكَبِيرُ مَجْلُوبًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِلَّا فَعَيْبٌ. وَمِنْهَا: عَثْرَةُ الْمَرْكُوبِ، وَكَدْمُهُ، وَقُوَّةُ رَأْسِهِ، وَحَرَنُهُ، وَشَمُوسُهُ، وَكَيُّهُ، أَوْ بِعَيْنِهِ ضَفَرَةٌ، أَوْ بِأُذُنِهِ شَقٌّ قَدْ خِيطَ، أَوْ بِحَلْقِهِ تَعَاتِعُ، أَوْ غُدَّةٌ، أَوْ عُقْدَةٌ، أَوْ بِهِ زَوَرٌ وَهُوَ نُتُوءُ الصَّدْرِ عَنْ الْبَطْنِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ شِقَاقٌ، أَوْ بِقَدَمِهِ فَرْعٌ وَهُوَ نُتُوءُ وَسَطِ الْقَدَمِ أَوْ بِهِ وَخْسٌ وَهُوَ وَرَمٌ حَوْلَ الْحَافِرِ أَوْ كَوَعٌ، أَوْ، الْعُرُوقُ فِي الرِّجْلَيْنِ عَنْ قَدَمَيْهِمَا، أَوْ كَوَعٌ وَهُوَ انْقِلَابُ أَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوْ بِعَقِبِهِمَا صَكَكٌ وَهُوَ تَقَارُبُهُمَا، وَقِيلَ: اصْطِكَاكُهُمَا أَوْ انْتِفَاخُهُمَا أَوْ بِالْفَرَسِ خَسْفٌ. وَهُوَ كَوْنُ إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلَاءَ. وَمِنْهَا: كَوْنُهُ أَعْسَرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ وَلَا يَعْمَلُ بِالْيُمْنَى عَمَلَهَا الْمُعْتَادَ، وَإِلَّا فَزِيَادَةُ خَيْرٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: كَوْنُهُ أَعْسَرَ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِعَمَلِهِ بِإِحْدَى يَدَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْجَارُ السُّوءُ عَيْبٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَبِئْرٌ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِالدَّارِ. قَالَ: وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ فِي زَمَانِنَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَاخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ وَالْأَسْنَانِ، وَطُولُ إحْدَى يَدَيْ الْأُنْثَى، وَخَرْمُ شُنُوفِهَا.

وَمِنْهَا: أَكْلُ الطِّينِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ. نَقَلَهُ عَنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيص، وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا. وَكَوْنُ الدَّارِ يَنْزِلُهَا الْجُنْدُ: عَيْبٌ. وَعِبَارَةُ الْقَاضِي: وَجَدَهَا مَنْزُولَةً قَدْ نَزَلَهَا الْجُنْدُ. قَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي، وَمَنْ تَابَعَهُمْ: لَوْ اشْتَرَى قَرْيَةً فَوَجَدَ فِيهَا سَبُعًا أَوْ حَيَّةً عَظِيمَةً: فَهُوَ عَيْبٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَجَدَهَا كَانَ السُّلْطَانُ يَنْزِلُهَا لَيْسَ عَيْبًا. وَنَقْصُ الْقِيمَةِ بِهِ عَادَةً إنْ عَيَّنَ لِذَلِكَ الثُّلُثَ وَكَانَ مُسْتَسْلِمًا. فَلَهُ الْفَسْخُ لِلْغَبْنِ لَا لِلْعَيْبِ. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ لِهَذَا الْأَمْرِ الْمُتَرَدِّدِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ الْفِسْقُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ، أَوْ الْفِعْلِ، أَوْ التَّغْفِيلِ: بِعَيْبٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي قَوْلِهِ " أَوْ التَّغْفِيلِ " نَظَرٌ. لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مِنْ الْمُمَيِّزِ عَيْبٌ. وَقِيلَ: هُوَ عَيْبٌ فِي الثَّلَاثَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ فَاسِقًا مَعَ إسْلَامِهِ فَلَهُ الرَّدُّ. سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ لِبِدْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ. قَالَ: وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ مُتَوَانِيًا فِي الصَّلَاةِ. وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. انْتَهَى وَالثُّيُوبَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ ظَهَرَتْ ثَيِّبًا مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَيْبٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَلَيْسَ مَعْرِفَةُ الْغِنَاءِ وَالْكُفْرُ بِعَيْبٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْغِنَاءُ فِي الْأَمَةِ عَيْبٌ. وَكَذَا الْكُفْرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَدَمُ نَبَاتِ عَانَةِ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ عَيْبٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ عَيْبٌ لِمُخَالَفَةِ الْجِبِلَّةِ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَيْسَ عَيْبًا. مَعَ بَقَاءِ الْقِيمَةِ. وَلَيْسَ عُجْمَةُ اللِّسَانِ وَالْفَأْفَاءُ وَالتَّمْتَامُ وَالْأَرَتُّ وَالْقَرَابَةُ بِعَيْبٍ. وَكَذَلِكَ الْأَلْثَغُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: اللَّثَغُ وَغُنَّةُ الصَّوْتِ عَيْبٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَمُفْرَدَاتُ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ كَصُدَاعٍ، وَحُمَّى يَسِيرَةٍ، وَسُقُوطِ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ فِي الْمُصْحَفِ لِلْعَادَةِ. كَغَيْرِ يَسِيرٍ. وَلَوْ مِنْ وَلِيٍّ. قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَوَكِيلٍ. وَقَالَ فِي وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ: لَوْ كَثُرَ الْغَبْنُ بَطَلَ. وَقَالَ أَيْضًا: يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمَا. وَذَكَرَ أَيْضًا: الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ. وَأَنَّ الْمَهْرَ مِثْلُهُ فِي وَجْهٍ. وَأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ. كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ بِالشَّرْطِ. وَتَقَدَّمَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْغَبْنِ. وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي الْوَفَاءِ، وَغَيْرِهِ أَيْضًا: لَا فَسْخَ بِعَيْبٍ، أَوْ غَبْنٍ يَسِيرٍ. فَإِنَّ الْكَثِيرَ يَمْنَعُ الرُّشْدَ، وَيُوجِبُ السَّفَهَ. فَالرُّجُوعُ عَلَى وَلِيٍّ وَوَكِيلٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ، لَيْسَ هَذَا عَيْبًا. لَا يَخْلُو الْمُصْحَفُ مِنْ هَذَا. وَفِي جَامِعِ الْقَاضِي بَعْدَ هَذَا النَّصِّ قَالَ: الْآيَةُ كَغَبْنٍ يَسِيرٍ.

قَالَ: وَأَجْوَدُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَادَةً مِنْ ذَلِكَ. كَيَسِيرِ التُّرَابِ وَالْعَقْدِ فِي الْبُرِّ. قَوْلُهُ (فَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ) هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: فَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ، أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ. قَوْلُهُ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي سَوَاءٌ تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الْأَرْشُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ، كَالصَّفْقَةِ إذَا تَفَرَّقَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ إذَا دَلَّسَ الْعَيْبَ خُيِّرَ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ. وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الْعَيْبَ خُيِّرَ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ بِلَا أَرْشٍ وَعَنْهُ: لَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ لِمُشْتَرٍ وَهَبَهُ بَائِعٌ ثَمَنًا، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ. كَمَهْرٍ فِي رِوَايَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ. قَالَ: وَاخْتَارَ الْقَاضِي خِلَافَهُ: أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَيَتَخَرَّجُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ. فَيَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْإِبْرَاءِ. لَوْ ظَهَرَ هَذَا الْمَبِيعُ مَعِيبًا بَعْدَ أَنْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ. فَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَدِّهِ. وَالطَّرِيقُ الْآخِرُ: تَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ وَجْهًا وَاحِدًا. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ مَا يُشَابِهُ هَذَا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ ظَهَرَ بِالْمَأْجُورِ عَيْبٌ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ. جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا أَرْشَ لَهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. الثَّانِيَةُ إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ الثَّمَنِ مَعَ بَقَائِهِ. لِأَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ إسْقَاطٌ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ الْبَائِعُ، لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ يَعْنِي: فِي أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي مِقْدَارِ الْعَيْبِ، وَرُجُوعٌ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ إسْقَاطٌ لِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ الَّذِي تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ. وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْأَرْشَ فَسْخٌ، أَوْ إسْقَاطٌ لِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ مُعَاوَضَةٌ: أَنَّهُ إنْ كَانَ فَسْخًا. أَوْ إسْقَاطًا: لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَسْتَحِقُّ جُزْءًا مِنْ غَيْرِ الثَّمَنِ مَعَ بَقَائِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ. انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْأَرْشَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فِي الْمَبِيعِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ: إذَا قُلْنَا هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْفَائِت. فَهَلْ هُوَ

عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ قِيمَتِهِ؟ ذَهَبَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْقِيمَةِ. وَذَهَبَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَابْنُ الْمُنَى: إلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْعَيْنِ الْفَائِتَةِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: جَوَازُ الْمُصَالَحَةِ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْمَضْمُونُ الْعَيْنُ: فَلَهُ الْمُصَالَحَةُ عَنْهَا بِمَا شَاءَ. وَإِنْ قُلْنَا الْقِيمَةُ: لَمَا يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهَا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ : لَوْ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ بِعِوَضٍ بَذَلَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَقَبِلَهُ: جَازَ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ مِنْ الْأَرْشِ فِي شَيْءٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الشُّفْعَةِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مِثْلِهِ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ (وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: قَدْرُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَنِسْبَةِ مَا يُنْقِصُ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ إلَى تَمَامِهَا لَوْ كَانَ سَلِيمًا يَوْمَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ (وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَعَنْهُ: لِلْبَائِعِ. وَنَفَاهَا الزَّرْكَشِيُّ. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهِ. فَقَدْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إلَّا مَعَ نَمَائِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرُدُّ كَسْبَهُ.

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ يُرَدُّ عِوَضُهُ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ. فَائِدَةٌ : لَوْ حَدَثَ حَمْلٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ. فَهَلْ هُوَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ أَوْ مُتَّصِلٌ؟ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا: أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ: هُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَا. فَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى قَبُولِهَا إذَا بَذَلَتْهَا الْمَرْأَةُ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الأدميات. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّفْلِيسِ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ: هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ حُكْمٌ. فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَإِلَّا فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُتَّبَعُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا يُتَّبَعُ فِي الْمَبِيعِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَأَمَّا إذَا حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ: فَهُوَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ تُرَدُّ أُمُّهُ دُونَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِيهَا. وَأَظُنُّ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ كَمَا لَوْ كَانَ حُرًّا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا رَدَّهَا لَا يَرُدُّهَا إلَّا بِوَلَدِهَا. فَيَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَةٌ : لِلْأَصْحَابِ فِي الطَّلْعِ: هَلْ هُوَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ أَوْ مُتَّصِلٌ؟ طُرُقٌ. أَحَدُهَا: هُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ. وَكَذَا فِي الْكَافِي. وَجَعَلَ كُلَّ ثَمَرَةٍ عَلَى شَجَرَةٍ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً.

الثَّانِي : زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ التَّفْلِيسِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا. وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ الثَّالِثُ : الْمُؤَبَّرُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَغَيْرُهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي التَّفْلِيسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَذَكَرَهُ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الرَّابِعُ : غَيْرُ الْمُؤَبَّرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الْمُؤَبَّرِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ التَّرْتِيبِ فِي الصَّدَاقِ. الْخَامِسُ : الْمُؤَبَّرَةُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا. وَفِي غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ وَجْهَانِ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ. وَهِيَ طَرِيقُهُ فِي الْكَافِي فِي التَّفْلِيسِ. وَأَمَّا الْحَبُّ إذَا صَارَ زَرْعًا، وَالْبَيْضَةُ إذَا صَارَتْ فَرْخًا: فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغَيُّرِ مَا يُزِيلُ الِاسْمَ. لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَالَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. تَنْبِيهٌ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: النَّمَاءُ الْمُتَّصِلُ كَالْمُنْفَصِلِ. فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قِيمَتُهُمَا. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ لِلْمُشْتَرِي. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. فَعَلَى هَذَا: يُقَوَّمُ عَلَى الْبَائِعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْمُغْنِي، فِي النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ فِي مَسْأَلَةِ صَبْغِهِ وَنَسْجِهِ: لَهُ أَرْشُهُ إنْ رَدَّهُ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي الْمُغْنِي: فَلَهُ أَرْشُهُ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ (وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ. فَلَهُ رَدُّهَا. وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً بِلَا خِيَارٍ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: وَطْؤُهَا يَمْنَعُ رَدَّهَا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا تُرَدُّ الْأَمَةُ بَعْدَ وَطْئِهَا، وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ: كَالْعَيْبِ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا ضَمَانُهُ عَلَى الْبَائِعِ، كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ، وَالْمَزْرُوعِ. وَالثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا أَرْشَ إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ فَيَأْخُذَهُ مِنْهُ. وَحُدُوثُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ عُهْدَةُ الْحَيَوَانِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَعَنْهُ سِتَّةٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَبَعْدَ السِّتَّةِ. وَالْمُذْهَبُ: لَا عُهْدَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ فِيهِ حَدِيثٌ. الثَّانِيَةُ : لَوْ اشْتَرَى مَتَاعًا، فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى. فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى بَائِعِهِ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ أَرْدَأَ أَكَانَ لَهُ رَدُّهُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: لَعَلَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ جَاهِلًا بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ، أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ. فَلَهُ الْأَرْشُ)

يَعْنِي: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عَنْ أَحْمَدَ. [وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ. وَإِلَيْهَا مَيْلُ الشَّارِحِ. وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يُدَلِّسْ الْعَيْبَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَيْضًا مَهْرُ الْبِكْرِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ: هُوَ مَا نَقَصَهُ مُطْلَقًا. الثَّانِي : عَلَى رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إذَا رَدَّهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ زَوَالُ الْعَيْبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُهُ إنْ أَمْكَنَ زَوَالُهُ قَبْلَ رَدِّهِ. وَإِنْ زَالَ بَعْدَ الرَّدِّ فَفِي رُجُوعِ مُشْتَرٍ عَلَى بَائِعٍ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ الرُّجُوعِ.

قَوْلُهُ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ دَلَّسَ الْعَيْبَ. فَيَلْزَمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. أَعْنِي فِيمَا إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ [الْعَيْبَ] . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَنَصُّهُ: لَهُ رَدُّهُ بِلَا أَرْشٍ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قُلْت: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ: رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا، فَأَبَقَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ: إنْ كَانَ إبَاقُهُ مَوْجُودًا فِي يَدِ الْبَائِعِ: يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. لِأَنَّهُ غَرَّرَ بِالْمُشْتَرِي. وَيَتَّبِعُ الْبَائِعُ عَبْدَهُ حَيْثُ كَانَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. فَعَلَى هَذَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: سَوَاءٌ كَانَ التَّلَفُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ مِنْ فِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ [فِعْلِ] الْعَبْدِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبًا لِلْجُمْلَةِ أَوْ لِبَعْضِهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: لَمْ يَنُصَّ أَحْمَدُ عَلَى جِهَاتِ الْإِتْلَافِ. وَالْمَنْقُولُ: هُوَ فِي الْإِبَاقِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ بِانْتِفَاعِهِ، أَوْ بِفِعْلِ اللَّهِ، كَمَا حَمَلَ الْقَاضِي عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ أَصَحُّ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ الْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَام - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ. يَعْنِي بِهَذَا الِاحْتِمَالِ إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. لَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَاهَا فِي التَّلَفِ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَرْشِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَحَكَى طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ رِوَايَةً بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ : لَوْ كَانَ كَاتِبًا أَوْ صَائِغًا، فَنَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ الشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَعَنْهُ يَرُدُّهُ مَجَّانًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ) أَيْ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْنِهِ (رَجَعَ بِأَرْشِهِ) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ، وَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبٍ وَعَيْبُهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَلَهُ أَرْشُهُ. وَعَنْهُ إنْ أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبٍ جَعَلَ الْأَرْشَ فِي الرِّقَابِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ كَانَ لَهُ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُطْلَقًا. يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنَّ الْأَرْشَ يَكُونُ فِي الرِّقَابِ. وَرَدَّهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا أَرْشَ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: أَنْ يَفْسَخَ، وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ. ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. تَنْبِيهٌ : فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ أَعْتَقَ. الْعَبْدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِلْقَرَابَةِ: لَا أَرْشَ لَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ لَكَانَ مُتَّجَهًا، بَلْ فِيهِ قُوَّةٌ. قَوْلُهُ (أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ: رَجَعَ بِأَرْشِهِ) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ وَيَرُدُّ بَدَلَهَا مِنْ رَدِّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ. وَذَكَرَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ، عَنْ الْمَذْهَبِ: هُوَ ضَعِيفٌ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ) . يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَغَيْرُهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: أَنْ يُفْسَخَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ الْمَبِيعُ. فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوْ الْأَرْشُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَا إنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الْأَرْشَ، فَلَهُ الْأَرْشُ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهِ: كَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي، ثُمَّ لِلثَّانِي رَدُّهُ عَلَيْهِ. وَفَائِدَتُهُ: اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِيهِ احْتِمَالُ أَنْ لَا رَدَّ هُنَا. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ) أَيْ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَيْبِ. يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْهِبَةُ كَالْبَيْعِ، فِيهَا الرِّوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: أَنْ يُفْسَخَ، وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ. فَائِدَةٌ : حَيْثُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَأَخَذَ الْأَرْشَ: فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) وَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، أَوْ عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ، أَوْ اسْتَغَلَّهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِيهِ. وَعَنْهُ لَهُ الْأَرْشُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى الرِّضَا فَمَعَ الْأَرْشِ كَإِمْسَاكِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فِيهِ بُعْدٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ فِي الْبَاقِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ [ثُمَّ قَالَا: وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ] لَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ لَا يُنْقِصُهُمَا التَّفْرِيقُ: فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْبَاقِيَةِ فِي مِلْكِهِ؟ يَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَحَمَلَا كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إذَا دَلَّسَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ، كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَيَا. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَرْشِ الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالْمَنْصُوصُ جَوَازُ الرَّدِّ، كَمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ. وَبَنَى الْقَاضِي وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمَا الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ عَيْنَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوْلَى. وَمَثَّلَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِالْعَيْنَيْنِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ " وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهَا " قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلَى، بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ. وَعَلَى هَذَا شَرْحُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. فَإِذَنْ يَكُونُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ جَوَازَ رَدِّ الْبَاقِي. وَكَذَا حَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا: إنْ حَصَلَ بِالتَّشْقِيصِ نَقْصٌ: رَدَّ أَرْشَهُ، مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ، إلَّا مَعَ التَّدْلِيسِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ الْمُدَلَّسَةِ. وَعَلَى هَذَا: لَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِرَدِّ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مُدَلَّسٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَفِي أَرْشِ الْمَبِيعِ الرِّوَايَتَانِ) . يَعْنِي الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هُنَا: لَا شَيْءَ لَهُ مَعَ تَدْلِيسِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ فَلَهُ الْأَرْشُ) . يَعْنِي: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ. وَيَكُونُ شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ عِوَضِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ لَوْ بَذَلَهُ الْبَائِعُ. عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ فِي الْأُولَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْأُولَى رِوَايَةٌ: يُجْبَرُ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ: يُجْبَرُ أَيْضًا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَأَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ نَزَعَ النَّعْلَ. فَإِنْ كَانَ النَّزْعُ يَعِيبُهَا لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةُ النَّعْلِ عَلَى الْبَائِعِ، عَلَى أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَهَلْ يَكُونُ إهْمَالًا لِلْفِعْلِ أَوْ تَمْلِيكًا، حَتَّى لَوْ سَقَطَ كَانَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الْأَوْلَى: أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ إهْمَالًا. حَتَّى لَوْ سَقَطَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ اشْتَرَى حُلِيَّ فِضَّةٍ بِوَزْنِهِ دَرَاهِمَ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا: جَازَ لَهُ رَدُّهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قُلْت: فَيُعَايِي بِهَا. فَإِنْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَعَنْهُ يَرُدُّهُ، وَيَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّفَاضُلِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَوْلُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَفْسَخُ الْحَاكِمُ الْبَيْعَ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ. وَيُطَالِبُ بِقِيمَةِ الْحُلِيِّ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إهْمَالُ الْعَيْبِ، وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا فَسَخَ وَجَبَ رَدُّ الْحُلِيِّ وَأَرْشُ نَقْصِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا بِمِثْلِهِ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا يُنْقِصُ قِيمَتَهُ دُونَ كَيْلِهِ: لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ أَرْشِهِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّفَاضُلِ. وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحُلِيِّ بِالدَّرَاهِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ الْفَسْخُ فِي رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ. وَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ. وَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، عَلَى " مُدِّ عَجْوَةٍ "

وَفِي الْمُنْتَخَبِ: يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا. وَيَأْخُذُ الْجَيِّدَ رَبُّهُ، وَيُدْفَعُ الرَّدِيءُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ اشْتَرَى رِبَوِيًّا بِجِنْسِهِ. فَبَانَ مَعِيبًا، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ رَدِّهِ: مَلَكَ الْفَسْخَ، وَيَرُدُّ بَدَلَهُ. وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ، ثُمَّ أَخَذَ عَنْهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ قَدِيمٍ: رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالذَّهَبِ لَا بِالدَّرَاهِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي آخِرِ بَابِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، فَكَسَرَهُ، فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا مَعَ شَرْطِ الْبَائِعِ سَلَامَتَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ كَبَيْضِ النَّعَامِ، وَجَوْزِ الْهِنْدِ وَكَذَا الْبِطِّيخُ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ وَنَحْوُهُ. فَلَهُ أَرْشُهُ) . يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَرْشِهِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَ وَأَخْذِ الثَّمَنَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ

التَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ إذَا زَادَ فِي الْكَسْرِ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِعْلَامِ. وَإِنْ لَمْ يَزِدْ خُيِّرَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الشَّرْحِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، وَلَا أَرْشَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. يَعْنِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ سَلَامَتَهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْأُولَى: وَجْهٌ فِيهِ، وَتَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الَّذِي لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ فَعَنْهُ: لَهُ الْأَرْشُ. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّهُ. وَخَيَّرَهُ الْخِرَقِيُّ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. فَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، الَّتِي ذَكَرَهَا: لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا " اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ الَّذِي لِمَكْسُورِهِ قِيمَةٌ. فَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا لَا تَبْقَى لَهُ مَعَهُ قِيمَةٌ، وَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا لَا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُ الْمَبِيعِ بِدُونِهِ، وَتَارَةً يَكْسِرُهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ. فَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا لَا تَبْقَى لَهُ مَعَهُ قِيمَةٌ، فَهُنَا يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ " أَنَّهُ يَرُدُّ أَرْشَ الْكَسْرِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ [وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ] وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، [وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى] وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي لَهُ الرَّدُّ بِلَا أَرْشٍ عَلَيْهِ لِكَسْرِهِ. لِأَنَّهُ حَصَلَ بِطَرِيقِ اسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ، وَالْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ.

وَإِنْ كَسَرَهُ كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلَامُهُ بِدُونِهِ. فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي فِي الَّذِي قَبْلَهُ إذَا رَدَّهُ: هَلْ يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْكَسْرِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الزَّائِدُ عَلَى اسْتِعْلَامِ الْمَبِيعِ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي. انْتَهَوْا. قُلْت: يُشْبِهُ مَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا قَالُوا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ. فَبَاعَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ. وَقُلْنَا: يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ. فَإِنْ فِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَا بَيْنَ مَا بَاعَ بِهِ وَثَمَنِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَا بَيْنَ مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ وَمَا لَا يَتَغَابَنُونَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ، ثُمَّ أَخَّرَ الرَّدَّ: لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، مِنْ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ عَلَى التَّرَاخِي، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى رَدِّهِ أَوْ أَرْشِهِ. لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ بِالتَّأْخِيرِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقِيلَ عَنْهُ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: السُّكُوتُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ رِضًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ " مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا: أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ فَعَلَهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ".

وَقَوْلُهُ " مِنْ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ " كَاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ. لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. فَلَهُ أَخْذُهُ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: أَوْ رَكِبَهَا لِسَقْيِهَا أَوْ عَلَفِهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: إنْ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ لَا لِلِاخْتِبَارِ: بَطَلَ رَدُّهُ بِالْكَثِيرِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بُطْلَانِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالِاسْتِخْدَامِ رِوَايَتَانِ. فَكَذَا يُخَرَّجُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَالِاسْتِخْدَامُ وَالرُّكُوبُ لَا يَمْنَعُ أَرْشَ الْعَيْبِ، إذَا ظَهَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ. وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إنَّمَا نَصَّ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْأَرْشَ. وَقِيلَ: رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِرَدِّهَا رِضًا. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً فَأَصَابَ بِهَا عَيْبًا، وَلَمْ يَخْتَرْ الْفَسْخَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَبْقَيْتهَا لِأَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الْخِيَارَ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَصْلًا فِي الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، إذَا قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الْخِيَارَ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتَقَةِ. وَوَافَقَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: خِيَارُ الْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ عَلَى التَّرَاخِي. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ بَيْعِ الْمَوْصُوفِ، فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. كَذَا الْخِيَارُ لِإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ.

وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: يُخَيَّرُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى الرَّدِّ أَوْ الْأَرْشِ، إنْ تَضَرَّرَ الْبَائِعُ. فَكَذَا هُنَا قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا. فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا لَوْ وَرِثَا خِيَارَ عَيْبٍ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ فِيهِمَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ. إنْ قُلْنَا هُوَ كَعَقْدَيْنِ: فَلَهُ الرَّدُّ. وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ كَعَقْدَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ: لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا نَقْدُ نِصْفِ ثَمَنِهِ وَقَبْضُ نِصْفِهِ. وَإِنْ نَقَدَهُ كُلَّهُ: قَبَضَ نِصْفَهُ. وَفِي رُجُوعِهِ: الرِّوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ قَالَ: بِعْتُكُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَبِلْت جَازَ. وَإِنْ سَلَّمْنَا فَكَمُلَاقَاةِ فِعْلِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ. وَهُنَا لَاقَى فِعْلُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا، وَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ: فَلَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِمَا، وَرَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَإِمْسَاكُ نَصِيبِ الْآخَرِ. لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ. وَلَمْ يَحْصُلْ بِرَدِّهِ تَشْقِيصٌ. لِأَنَّهُ كَانَ مُشَقَّصًا قَبْلَ الْبَيْعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ. ثُمَّ قَالَ مِنْ عِنْدِهِ: وَإِنْ قُلْنَا هُوَ كَعَقْدَيْنِ: جَازَ وَإِلَّا فَلَا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ خِيَارَ عَيْبٍ، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا: سَقَطَ حَقُّ الْآخَرِ فِي الرَّدِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إمْسَاكُهُمَا وَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الرَّدَّ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا. فَعَلَى هَذَا: إنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا، فَلَيْسَ رَدُّ الْبَاقِي إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ، مَعَ يَمِينِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قِيمَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي قِيمَتِهِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدُّ أَحَدِهِمَا. وَلَهُ الرَّدُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَإِنْ بَانَا مَعِيبَيْنِ: رَدَّهُمَا أَوْ أَمْسَكَهُمَا. وَقِيلَ: هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَهِيَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا. الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ) يَعْنِي إذَا أَبَى أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ. وَقَوْلُهُ " فَلَهُ رَدُّهُ " يَعْنِي لَا يَمْلِكُ إلَّا رَدَّهُ وَحْدَهُ. بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا رَدُّهُمَا أَوْ إمْسَاكُهُمَا. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوقِ الزِّرْيَرانِيَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ، أَوْ رَدُّهُمَا مَعًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي وِعَاءَيْنِ ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ [أَوْ مِمَّا لَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفْرِيقُ] بَيْنَهُمَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ، وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا. فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا) (وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَا مَعِيبَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا مَعَ أَرْشِ نَقْصِ الْقِيمَةِ بِالتَّفْرِيقِ الْمُبَاحِ. وَقِيلَ: إنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ الْبَاقِي مَعَ أَرْشِ نَقْصِ قِيمَتِهِ بِالتَّفْرِيقِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا " كَذَا وُجِدَ فِي نُسَخٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَزَادَ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِصْلَاحِ " أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا " قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَفِي تَمْثِيلِ الْمُصَنِّفِ كِفَايَةٌ. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ. وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ: هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. وَهِيَ أَنَصُّهُمَا. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهَا فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، أَوْ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ. فَلَمْ تَثْبُتُ بَرَاءَتُهَا.

وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَتَحَالَفَانِ كَالْحَلِفِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: فَمَعَ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ عَلَى الْبَتِّ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ: فَمَعَ يَمِينِهِ، وَهِيَ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ، وَتَكُونُ عَلَى الْبَتِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَنْهُ: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يُحْتَمَلَ إلَّا قَوْلُ أَحَدِهِمَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ. فَإِنْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ رَدُّهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ. فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ كَوْنَ هَذِهِ سِلْعَتَهُ، وَمُنْكِرٌ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِهِ. وَهَذَانِ الْفَرْعَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِمَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ [الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ] وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُبَيْلَ بَابِ السَّلَمِ: وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ الَّذِي قَبَضْته مِنِّي: صُدِّقَ إنْ حَلَفَ. وَاخْتَارَ فِيهَا هَذَا إنْ كَانَ عَيَّنَهُ فِي

الْعَقْدِ. إنْ كَانَ عَيَّنَهُ بَعْدَهُ عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْعَقْدِ: صُدِّقَ الْمُشْتَرِي إنْ حَلَفَ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مُعَيَّنٍ حَالَ الْعَقْدِ. وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَبِهِ عَيْبٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَعَدَمُ وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا الْعَيْبِ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ. ثُمَّ نَقَدَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ قَبَضَهُ مِنْ قَرْضٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ، وَلَا بَيِّنَةَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. وَهُوَ الْقَابِضُ مَعَ يَمِينِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ الظَّاهِرُ مَعَهُ، وَالظَّاهِرُ مَعَ الْبَائِعِ. لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ غَيْرَ مَعِيبٍ، فَلَمْ يُغْفَلْ. قَوْلُهُ (فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوقِ الزِّرْيَرانِيَّةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْقَبْضِ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَبْلَ الْقَرْضِ بِفَصْلٍ وَلَوْ قَالَ الْمُسَلِّمُ: هَذَا الَّذِي أَقْبَضْتَنِي وَهُوَ مَعِيبٌ. فَأَنْكَرَ أَنَّهُ هَذَا: قُدِّمَ قَوْلُ الْقَابِضِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُ. لِأَنَّهُ قَدْ أَقَبَضَ فِي الظَّاهِرِ مَا عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي آخِرِ بَابِ الْقَبْضِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ: لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ،

فَقَالَ: هَذَا الثَّمَنُ وَقَدْ خَرَجَ مَعِيبًا. وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي: فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: إنْ قُلْنَا النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُ: فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا. لِأَنَّهُ أَقْبَضَ فِي الظَّاهِرِ مَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَابِضِ. لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ. وَالْأَصْلُ اشْتِغَالُهَا بِهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ: إنْ قُلْنَا النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ اشْتِغَالُ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ. وَلَمْ يَثْبُتْ بَرَاءَتُهَا مِنْهُ. وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَيَّنُ: فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. فِيمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ [وَاحِدٍ] مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّ الْعَيْبَ حَدَثَ عِنْدَهُ فِي السِّلْعَةِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَلَامَةَ الْعَقْدِ. وَالْأَصْلُ، عَدَمُهُ. وَيَدَّعِي عَلَيْهِ الْفَسْخَ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَابِضِ. لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ التَّسْلِيمَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ، إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِالْعَيْبِ هُوَ الْمَبِيعُ. وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا، وَلَا فَصْلًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنًا. نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الرَّدِّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الصَّرْفِ. وَفَرَّقَ السَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ بِعَيْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ، فَيَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِمَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْبَ أَنَّ مَالَهُ كَانَ مَعِيبًا. أَمَّا إنْ اعْتَرَفَ بِالْعَيْبِ، وَقَدْ فَسَخَ صَاحِبُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ هَذَا الْمُعَيَّنَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. صَرَّحَ بِهِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الْمُغْنِي. مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ

قَبِلَ اسْتِحْقَاقَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْآخَرُ. وَالْأَصْلُ مَعَهُ. وَيَشْهَدُ لَهُ: أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ، فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَبِيعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ. وَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْفَسْخِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ: هَلْ هُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَدْ يَكُونُ مَا أَخَذَهُ أَمَانَةً عِنْدَهُ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْبَائِعِ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ ثُمَّ أَحْضَرَهَا، فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَرُّ بِهَا. فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ. فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْعَقْدِ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَظَاهِرُ الشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. الْخَامِسَةُ: لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ. فَقَالَ الْمُشْتَرِي: هِيَ ثَيِّبٌ: أُرِيَتْ النِّسَاءَ الثِّقَاتِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي. وَقَالَ: مَا وَجَدْتهَا بِكْرًا: خُرِّجَ فِيهَا الْوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْعَيْبِ الْحَادِثِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ، ثُمَّ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ. فَلَهُ الْفَسْخُ، وَأَخْذُ الْأَمَةِ أَوْ قِيمَتِهَا لِعِتْقِ مُشْتَرٍ. وَلَيْسَ لِبَائِعِ الْأَمَةِ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ بِالْقَوْلِ. لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا تَامٌّ مُسْتَقَرٌّ. فَلَوْ أَقْدَمَ الْبَائِعُ وَأَعْتَقَ الْأَمَةَ أَوْ وَطِئَهَا: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَسْخًا، وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا أَنَّ وَطْأَهُ اسْتِرْجَاعٌ. وَرَدَّهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ أَوْ الْأَرْشُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ الْأَرْشُ) . يَعْنِي: يَتَعَيَّنُ لَهُ الْأَرْشُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ مَالِكٌ الْفَسْخَ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ. وَأَخَذَ ثَمَنَهُ الَّذِي وَزَنَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْعَبْدِ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي: فَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ. لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَتِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ رَدَّهُ بِعَيْبِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ الْبَيْعِ. غَايَتُهُ: أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا. فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ. قَوْلُهُ (وَالشَّرِكَةُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُك فِي نِصْفِهِ، أَوْ بِثُلُثِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ قَالَ " أَشْرَكْتُك " وَسَكَتَ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَقِيَهُ آخَرُ، فَقَالَ: أَشْرِكْنِي عَالِمًا بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ. وَهُوَ الرُّبْعُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْبَيْعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ نَصِيبَهُ كُلَّهُ، وَهُوَ النِّصْفُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ السِّلْعَةِ

الْمُشْتَرَكَةِ. هَلْ يَتَنَزَّلُ الْبَيْعُ عَلَى نِصْفٍ مَشَاعٍ. وَإِنَّمَا لَهُ نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبْعُ، أَوْ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ بِمِلْكِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَنَزَّلُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَخُصُّهُ كُلِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَشْرَكَتْك فِي نِصْفِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ سِوَى النِّصْفِ. فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الرُّبْعَ. لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِي فِي الْمِلْكَيْنِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النِّصْفِ حَتَّى يَقُولَ " نَصِيبِي " وَإِنْ أُطْلِقَ تَنَزَّلَ عَلَى الرُّبْعِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ الرُّبْعُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ مَا فِي يَدِهِ وَنِصْفُ مَا فِي شَرِيكِهِ إنْ أَجَازَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرِينَ: لِطَالِبِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ الْأَخِيرُ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ بِوُقُوفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَيُجِيزُهُ الْآخَرُ. وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لِاثْنَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا آخَر: أَشْرِكَانِي. فَأَشْرَكَاهُ مَعًا. فَلَهُ الثُّلُث عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَهُ النِّصْفُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَإِنْ أَشْرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا: كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبْعُ. وَإِنْ قَالَ: أَشْرِكَانِي فِيهِ، فَشَرَكَهُ أَحَدُهُمَا. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَهُ السُّدُسُ. وَعَلَى الثَّانِي: لَهُ الرُّبْعُ. وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَشْرَكْنَاكَ انْبَنَى عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. فَإِنْ قُلْنَا بِهِ وَأَجَازَهُ، فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْمَلِكُ فِي ثُلُثِهِ أَوْ نِصْفِهِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى قَفِيزًا وَقَبَضَ نِصْفَهُ. فَقَالَ لَهُ شَخْصٌ: بِعْنِي نِصْفَ هَذَا الْقَفِيزِ فَبَاعَهُ: انْصَرَفَ إلَى نِصْفِ الْمَقْبُوضِ. وَإِنْ قَالَ: أَشْرِكْنِي فِي هَذَا الْقَفِيزِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَفَعَلَ: لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ إلَّا فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ. فَيَكُونُ النِّصْفُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْصَرِفُ إلَى النِّصْفِ كُلِّهِ. فَيَكُونُ بَائِعًا لِمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ. فَيَصِحُّ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ كَمَا قُلْنَا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (وَالْمُرَابَحَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ. فَيَقُولُ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ. بِعْتُكَهُ بِهَا وَرِبْحَ عَشَرَةٍ، أَوْ عَلَى أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا) . الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ: بِعْتُكَهُ بِهَا وَرِبْحَ عَشَرَةٍ لَا يُكْرَهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا مَكْرُوهَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: أَنَّهُ كُرِهَ بَيْعُ ده يازده. وَهُوَ هَذَا. وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ: هُوَ الرِّبَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ: كَأَنَّهُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ. لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً فِي الْحَاوِي، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَالْمُوَاضَعَةُ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك بِهَا وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا) . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ. كَمَا لَوْ قَالَ: وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ، أَوْ عَنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا غَلَطٌ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَتِسْعَةُ أَعْشَارِ دِرْهَمٍ. وَحَكَاهُ الْأَزَجِيُّ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَتَى بَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ: حَطَّ الزِّيَادَةَ. وَيَحُطُّ فِي الْمُرَابَحَةِ قِسْطَهَا، وَيُنْقِصُهُ فِي الْمُوَاضَعَةِ. وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ بَلَى. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا حُكْمُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْيِيرِهِ بِالثَّمَنِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: يَأْخُذُهُ مُؤَجَّلًا. وَلَا خِيَارَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ. فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مُؤَجَّلًا، عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَعَنْهُ: يَأْخُذُهُ حَالًّا أَوْ يَفْسَخُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا.

فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ عَلِمَ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ: حَبَسَ الثَّمَنَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ غَلَطًا، أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مَعَ يَمِينِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَالَ ابْنُ رَزِينِ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. وَعَنْهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْكَافِي. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ وَقُلْنَا: لَا يُقْبَلُ فَادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَلَطٌ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ. لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهَا بِدُونِ ثَمَنِهَا عَالِمًا: لَزِمَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَهَا الْأَزَجِيُّ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا.

قَوْلُهُ (أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً) . مِثْلُ: أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غُلَامٍ دُكَّانَهُ لِحُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَتَبَيَّنَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً، فَقَالَ الْقَاضِي: إذَا بَاعَ غُلَامٌ دُكَّانَهُ سِلْعَةً، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ. لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَظَاهِرُ الْفَائِقِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (أَوْ بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْيِيرِهِ بِالثَّمَنِ. فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَتْ السِّلْعَةُ كُلُّهَا لَهُ أَوْ الْبَعْضُ الْمَبِيعُ، إذَا كَانَ الْجَمِيعُ صَفْقَةً وَاحِدَةً. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً مُطْلَقًا مِنْ اللَّذَيْنِ اشْتَرَيَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ عَكْسُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ. عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا. فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمُتَمَاثِلَاتِ الَّتِي يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا الْمُتَسَاوِي. فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ مُرَابَحَةً بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَمَا يُزَادُ فِي الثَّمَنِ أَوْ يُحَطُّ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) . يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَيُخْبِرُ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ،

كَمَا بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْفُرُوعِ بِانْتِقَالٍ وَلَا بِعَدَمِهِ. [وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ] . فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ: مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ زَادَ أَجَلًا أَوْ خِيَارًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ [وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ] . الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَوْ حَطَّ كُلَّ الثَّمَنِ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ، أَوْ يَصِحُّ، أَوْ يَكُونُ هِبَةً؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هِبَةً. قَوْلُهُ (أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيْبٍ: يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ) . أَيْ يُحَطُّ مِنْهُ، وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّاب. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهَادِي، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يُخْبَرُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَصْطَلَحْنَاهُ. لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ) . يَعْنِي يُحَطُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهَادِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَانْتَصَرَ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ.

قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يُحَطُّ هَاهُنَا مِنْ الثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أَخَذَ نَمَاءَ مَا اشْتَرَاهُ. أَوْ اسْتَخْدَمَهُ، أَوْ وَطِئَهُ لَمْ: يَجِبْ بَيَانُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ كَنَقْصِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَخُصَتْ السِّلْعَةُ عَنْ قَدْرِ مَا اشْتَرَاهَا بِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِخْبَارُ بِالْحَالِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَمْ يَرْضَهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ. فَفِيهِ نَوْعُ تَغْرِيرٍ. ثُمَّ وَجَدْت فِي الْكَافِي قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ لِرَغْبَةٍ تَخُصُّهُ، كَحَاجَتِهِ إلَى إرْضَاعٍ: لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِالْحَالِ، وَيَصِيرُ كَالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِأَجْلِ الْمَوْسِمِ الَّذِي كَانَ حَالَ الشِّرَاءِ. ذَكَرَهُ الْفُنُونُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (أَوْ زِيدَ فِي الثَّمَنِ أَوْ حُطَّ مِنْهُ، بَعْدَ لُزُومِهِ: لَمْ يُلْحَقْ بِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُلْحَقُ بِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ. فَائِدَةٌ: هِبَةُ مُشْتَرٍ لِوَكِيلٍ بَاعَهُ كَزِيَادَةٍ، وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَقَصَّرَهُ بِعَشَرَةٍ: أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِنْ قَالَ: تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ. فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: لَا يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ حُكْمًا وَخِلَافًا وَمَذْهَبًا أُجْرَةُ كَيْلِهِ، وَوَزْنِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَحَمْلِهِ وَخِيَاطَتِهِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَعَلَفُ الدَّابَّةِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: لَا. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا بَيَّنَ فَلَا بَأْسَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ جَازَ) . اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُحَطُّ الرِّبْحُ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ. لَا أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ حَطِّ الرِّبْحِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِالْحَالِ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُمْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ نِصْفَ سِلْعَةٍ بِعَشَرَةٍ، وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهَا بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَاهَا مُسَاوَمَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ فِي الْحَاوِي: رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: إجْمَاعًا. وَخَرَّجَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا. كَشَرِكَةِ الِاخْتِلَاطِ. وَإِنْ بَاعَاهَا مُرَابَحَةً، أَوْ مُوَاضَعَةً، أَوْ تَوْلِيَةً: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ: الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا. نَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَنْكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَحَنْبَلٌ: عَلَى رَأْسِ مَالِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ وَقِيلَ: الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: وَجْهٌ خَرَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ، وَالرِّبْحُ نِصْفَانِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْمُسَاوَمَةُ عِنْدِي أَسْهَلُ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَذَلِكَ لِضِيقِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْبَائِعِ. لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ النَّقْدِ وَالْوَزْنِ وَتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَمِمَّنْ اشْتَرَاهُ. وَيَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ وَالرَّقْمُ، وَالْقِصَارَةُ وَالسَّمْسَرَةُ وَالْحَمْلُ، وَلَا يَغُرَّ فِيهِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ، لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ: فَهُوَ أَوْلَى لِلْمُشْتَرِي وَأَسْهَلُ. قَوْلُهُ (وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا) .

هَذَا الْمَذْهَبُ: وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ صُورَةً. وَكَذَا حُكْمُ السَّمَاعِ لِبَيِّنَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَلَا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِاتِّفَاقِنَا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ: الْمَنْصُوصُ، كَاخْتِلَافِهِمَا بِحَدِّ قَبْضِهِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْمَنْصُوصِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً مَذْهَبًا فَهِيَ ظَاهِرَةٌ دَلِيلًا. وَذَكَرَ دَلِيلَهَا وَمَالَ إلَيْهَا. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ. قِيلَ: فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً؟ قَالَ: كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَعَنْهُ: إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَحَالَفَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. قَوْلُهُ (فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ. فَيَحْلِفُ: مَا بِعْته بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْته بِكَذَا. ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْته بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته بِكَذَا) . اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَذْكُرُ فِي يَمِينِهِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَيَبْدَأُ بِالنَّفْيِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ: يُبْدَأُ بِالْإِثْبَاتِ. وَذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا. وَذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْته بِكَذَا لَا بِكَذَا. وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْته بِكَذَا لَا بِكَذَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَذْكُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ خِلَافَ الْأَشْهَرِ: الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا أَعْنِي الْإِثْبَاتَ أَوْ النَّفْيَ. وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: حَلَفَ الْبَائِعُ: مَا بَاعَهُ إلَّا بِكَذَا، ثُمَّ الْمُشْتَرِي: أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا بِكَذَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَوْ نَكَلَ مُشْتَرٍ عَنْ إثْبَاتٍ: قُضِيَ عَلَيْهِ. [قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي عَنْ الْإِثْبَاتِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِتَخْيِيرِ الْبَائِعِ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ تَحَالَفَا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ: أُقِرَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَقِفُ الْفَسْخُ عَلَى الْحَاكِمِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ " أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَكَذَا لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ إعْطَائِهِ بِمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي، وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَخْذِ بِمَا قَالَهُ الْبَائِعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ إبَائِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا) . وَهُوَ كَالصَّرِيحِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مَعَ تَلَفِ السِّلْعَةِ. وَقَدْ دَخَلَ ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ التَّحَالُفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَتَذْكِرَةِ

ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَعَنْهُ لَا يَتَحَالَفَانِ إنْ كَانَتْ تَالِفَةً. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ التَّحَالُفُ وَلَا الْفَسْخُ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ مُسَاوِيَةً لِلثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي. وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِهِ الرُّجُوعُ إلَى مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْيَمِينُ وَلَا الْفَسْخُ. لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشْرَعَ لِتَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ لِلْمُشْتَرِي. انْتَهَيَا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا " هَكَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ وَشُرَّاحُهُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ثُمَّ يَرُدُّ عَيْنَ الْمَبِيعِ عِنْدَ التَّفَاسُخِ، إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِلَّا فَمِثْلَهَا. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا. فَاعْتُبِرَ الْمِثْلِيَّةُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً فَالْقِيمَةُ وَالْجَمَاعَةُ أَوْجَبُوا الْقِيمَةَ وَأَطْلَقُوا. الثَّانِي: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا. وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ التَّالِفِ " نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ. فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ".

فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْعَيْنِ أَوْ الْعَيْبِ. أَمَّا صِفَةُ الْعَيْنِ: فَلَا خِلَافَ فِيهَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ كَانَتْ الصُّفَّةُ عَيْبًا، كَالْبَرَصِ وَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي نَفْيِ ذَلِكَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِلَّا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ. فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ. فَإِنْ تَسَاوَيَا وَكَانَا مِنْ جِنْسٍ تَقَاصَّا وَتَسَاقَطَا، عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِلَّا سَقَطَ الْأَقَلُّ وَمِثْلُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ الْقِيمَةَ إذَا زَادَتْ عَنْ الثَّمَنِ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الزِّيَادَةُ. لِأَنَّهُ قَالَ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ دَفْعِ الثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَبَيْنَ دَفْعِ الْقِيمَةِ. لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدَّعِي الزِّيَادَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ كَكَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَسْخِ، بَلْ هَذَا التَّخْيِيرُ مُصَرِّحٌ بِهِ بِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَالُفِ. وَلَيْسَ إذْ ذَاكَ فَسْخٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُخَيَّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَعْنِي جَدَّهُ أَبَا الْمَعَالِيَ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ فَإِنَّهُ حَكَى [عَنْهُ] بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وُجُوبُ الزِّيَادَةِ أَظْهَرُ. لِأَنَّ بِالْفَسْخِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الثَّمَنِ. وَبَحَثَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. فَقَالَ: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَجِبَ قِيمَتُهُ، إلَّا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ. أَمَّا إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ: فَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِالثَّمَنِ فَلَا يُعْطَى زِيَادَةً. لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا.

وَمِثْلُ هَذَا فِي الصَّدَاقِ وَلَا فَرْقَ، إلَّا أَنَّ هُنَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ. فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِهِ قَائِمٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ، ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا. وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ بَاطِنًا. وَعَلَيْهِ إثْمُ الْغَاصِبِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ إنْ فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا: انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَإِنْ فَسَخَهُ الْكَاذِبُ عَالِمًا بِكَذِبِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. فَوَافَقَ اخْتِيَارُهُ فِي الْمُغْنِي مَا جَزَمَ بِهِ هُنَا. وَوَافَقَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَقَالَ: وَيَنْفَسِخُ ظَاهِرًا فَقَطْ، لِفَسْخِ أَحَدِهِمَا ظُلْمًا، وَمُطْلَقًا لِفَسْخِ الْمَظْلُومِ. وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ فَقَالَ: وَإِنْ فَسَخَ الْمَظْلُومُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا ... وَيَنْفُذُ فَسْخُ الْمُعْتَدِي ظَاهِرًا قَدْ ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُطْلَقًا. وَيَنْفُذُ فَسْخُ الْمُعْتَدِي. فَأَدْخَلَ الظَّالِمَ وَالْمَظْلُومَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. ثُمَّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: مَعَ ظُلْمِ الْبَائِعِ وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا. وَقِيلَ: وَبَاطِنًا فِي حَقِّ الْمَظْلُومِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَمَعَ ظُلْمِ الْبَائِعِ وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا. وَقِيلَ: وَبَاطِنًا. وَمَعَ ظُلْمِ الْمُشْتَرِي وَفَسْخِهِ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَيُبَاعُ لِلْبَائِعِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَسِخُ بَاطِنًا. وَمَعَ فَسْخِ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ. فَقَالَ شَيْخُنَا: يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَيُبَاحُ لِلْبَائِعِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ.

وَعِنْدِي: إنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا انْفَسَخَ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ. لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ إمْضَاءُ الْعَقْدِ، وَاسْتِيفَاءُ حَقِّهِ. فَإِذَا فَسَخَ فَقَدْ تَعَدَّى. فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّصَرُّفُ. لِأَنَّهُ غَاصِبٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الظَّالِمُ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ. فَكَانَ لَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَنْفَسِخُ فِي الْبَاطِنِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْبَاطِنِ. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ: وَمَتَى وَقَعَ الْفَسْخُ انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي حَقِّهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا أَنْفَسَخَ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا. وَقَيَّدَ هُوَ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ، سَوَاءٌ كَانَ الظَّالِمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ. وَلَمْ أَجِدْ نَقْلًا صَرِيحًا يُوَافِقُ ذَلِكَ، وَلَا دَلِيلًا يَقْتَضِيهِ. بَلْ الْمَنْقُولُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا مَنْقُولٌ صَرِيحٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يُخَالِفَهُ. بَلْ الْمَنْقُولُ فِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهِمْ. وَقَدْ اخْتَارَ مَا قَطَعَ بِهِ هُنَا فِي الْمُغْنِي. فَقَالَ: وَيَقْوَى عِنْدِي ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَذَكَرَهُ قَوْلًا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا وَجَدْت دَلِيلًا يَقْتَضِيهِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. فَإِنَّ فَسْخَ الْمَظْلُومِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ظَاهِرُ الدَّلِيلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا فَسْخُ الظَّالِمِ لِلْعَقْدِ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفَسْخُ. فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ.

وَهَذِهِ عَادَةُ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ مَعَ الْمُصَنِّفِ، إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَنْقُولٍ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ. فَإِنَّ الِاعْتِذَارَ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُصَنِّفُ إمَامٌ جَلِيلٌ، لَهُ اخْتِيَارٌ وَاطِّلَاعٌ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُطْلَقًا. كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ ظَالِمًا انْفَسَخَ فِي حَقِّهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ظَالِمًا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَاخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ. فَيُرْجَعُ إلَيْهِ) . إذَا كَانَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ: أُخِذَ بِهِ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: أُخِذَ بِالْغَالِبِ. وَعَنْهُ الْوَسَطُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَعَنْهُ الْأَقَلُّ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَيَتَحَالَفَانِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَى أَغْلَبِ نُقُودِ الْبَلَدِ. فَإِنْ تَسَاوَتْ فَأَوْسَطُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَحَالَفَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أُخِذَ نَقْدُ الْبَلَدِ أَوْ غَالِبُهُ إنْ تَعَدَّدَتْ نُقُودُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَوَتْ فَالْوَسَطُ. وَمِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ: حَلَفَ. وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى وَقِيلَ: إنْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ، وَهُنَاكَ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ. فَلَهُ أَقَلُّ ذَلِكَ.

فَظَاهِرُهُ: جَوَازُ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ وَلِلْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَلَهُ أَدْنَاهَا. لِأَنَّهُ الْيَقِينُ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَتَحَالَفَانِ. وَكَذَا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. قَالَا: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ هُوَ الْأَغْلَبُ، وَالْمُعَامَلَةُ بِهِ أَكْثَرُ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْمُعَامَلَةِ بِهِ. أَشْبَهُ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَدَّهُمَا إلَيْهِ مَعَ التَّسَاوِي. لِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِّ وَتَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا. وَفِي الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ مَيْلٌ عَلَى أَحَدِهِمَا. فَكَانَ التَّوَسُّطُ أَوْلَى. وَعَلَى مُدَّعِي ذَلِكَ الثَّمَنُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ نُقُودٌ رُجِعَ إلَى أَوْسَطِهَا، تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا. وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ. فَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً تَحَالَفَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: أُخِذَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ. فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَسَطِ أَوْ يَتَحَالَفَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ وَغَالِبِهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ تَسَاوَتْ نُقُودُهُ. فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَسَطِ، أَوْ يَتَحَالَفَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَلْزَمُ نَقْدُ الْبَلَدِ، أَوْ غَالِبُهُ، أَوْ أَحَدُ الْمُتَسَاوِيَةِ أَوْ وَسَطُ الْمُتَقَارِبَةِ بِحَلِفِهِمَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا قَطَعَ التَّحَالُفِ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ، لَكِنْ هَلْ يُؤْخَذُ الْغَالِبُ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ يُؤْخَذُ الْوَسَطُ؟ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَوْ يُؤْخَذُ الْأَقَلُّ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. وَالثَّالِثَةُ: قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى رِوَايَةِ الْوَسَطِ. وَلَنَا قَوْلٌ رَابِعٌ بِالتَّحَالُفِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تَسَاوَتْ النُّقُودُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَالِبٌ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ: أُخِذَ الْوَسَطُ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ: هَلْ يُؤْخَذُ الْوَسَطُ، أَوْ يَتَحَالَفَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَالْوَسَطُ الَّذِي فِي الْفُرُوعِ، غَيْرُ الْمُوَسَّطِ الَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ، أَوْ شَرْطٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِي أَجَلًا أَوْ شَرْطًا، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَالْمُنَوِّرِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي.

وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ. جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَنِهَايَتِهِ، وَنَظْمِهَا، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا إذَا اخْتَلَفَا فِي رَهْنٍ، أَوْ فِي ضَمِينٍ، أَوْ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) . فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ [وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ] وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى عَبْدٍ عَدَمَ الْإِذْنِ، وَدَعْوَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا حَالَةَ الْعَقْدِ. وَفِيمَنْ يَدَّعِي الصِّغَرَ وَجْهٌ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. لِأَنَّهُ الْأَصْلُ [وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ وَقَالَ لَمْ أَكُنْ بَالِغًا] . وَقَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الصِّغَرَ أَوْ السَّفَهَ حَالَةَ الْبَيْعِ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي مُدِّ عَجْوَةٍ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ: قُبِلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مُدَّعِي فَسَادِهِ.

وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا ضَمِنَ أَوْ أَقَرَّ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا حَالَةَ الضَّمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتنِي هَذَيْنِ. فَقَالَ بَلْ أَحَدَهُمَا) يَعْنِي بِثَمَنٍ وَاحِدٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَصَحَّحَهَا. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ وَأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ، وَبَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ تَحَالَفَا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْتنِي هَذَا، فَقَالَ: بَلْ هَذَا. حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ. وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) . هَذَا إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي الْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا: يَتَحَالَفَانِ، وَتَحَالَفَا. فَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْبَائِعِ. وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُهُ إذَا بَذَلَ لَهُ ثَمَنَهُ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَيْعِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ ثَمَنَهُ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِيَدِ الْبَائِعِ: فَإِنَّهُ يَقِرُّ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُهُ. وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الْأَمَةِ: لَمْ يَطَأْهَا الْبَائِعُ. لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِبَيْعِهَا. نَقَلَ جَعْفَرٌ: هِيَ مِلْكٌ لِذَاكَ، أَيْ الْمُشْتَرِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِجُحُودِهِ. وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ خِلَافُ خُرُوجِهِ فِي النِّهَايَةِ مِنْ الطَّلَاقِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى، الْبَيْعَ وَدَفْعَ الثَّمَنِ، فَقَالَ: بَلْ زَوَّجْتُك وَقَبَضْت الْمَهْرَ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى إبَاحَةِ الْفَرْجِ لَهُ، وَتُقْبَلُ دَعْوَى النِّكَاحِ بِيَمِينِهِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَوْلًا: تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْبَيْعَ بِيَمِينِهِ. وَيَأْتِي عَكْسُهَا فِي أَوَائِلِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ. ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ ". وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي " فَصْلٍ، السَّابِعُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمَبِيعِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنُ عَيْنٌ: جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إلَيْهِمَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ أَوَّلًا ثُمَّ الثَّمَنَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بَلْ يُسَلِّمُ إلَيْهِمَا مَعًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: أَيُّهُمَا يَلْزَمُهُ الْبُدَاءَةُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: مَنْ قَدَرَ مِنْهُمَا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ: ضَمِنَهُ كَغَاصِبٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا) يَعْنِي فِي الذِّمَّةِ حَالًّا (أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ. ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ حَاضِرًا) يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَالَّ. كَمَا لَوْ خَافَ فَوَاتَهُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. فَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ: لَوْ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي: لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْجَاعَهُ، وَلَا مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ الْقَرِيبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا: لَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّقْدِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ خِلَافِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِدُونِ إذْنٍ صَرِيحٍ مِنْ الْبَائِعِ. نَصَّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا بَعِيدًا، أَوْ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا. فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ مَعَ إعْسَارِهِ فَقَطْ، أَوْ يَصْبِرُ مَعَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُبَاعَ الْمَبِيعُ. وَقِيلَ: وَغَيْرُهُ مِنْ مَالِهِ، فِي وَفَاءِ ثَمَنِهِ إذَا تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أَوْ بُعْدٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا بِهِ كُلِّهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْضَرَ نِصْفَ الثَّمَنِ، فَهَلْ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ؟ أَوْ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا حَتَّى يَزْنِ الْبَاقِيَ، أَوْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ؟ . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَقِيلَ: نَقْدُ بَعْضِ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَحْضَرَ نِصْفَ ثَمَنِهِ. فَقِيلَ: يَأْخُذُ الْمَبِيعَ. وَقِيلَ: نِصْفَهُ. وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مَعَ خِيَارِ شَرْطٍ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا أَخْذُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ: فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ. وَكَذَا أَخْذُ نِصْفِهِ، لِلتَّشْقِيصِ. فَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِثْلُهُ الْمُؤَجِّرُ بِالنَّقْدِ فِي الْحَالِّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْمُشْتَرِي مُعْسِرًا " أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلًا لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ [وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْحَالِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ. فَإِنَّهُ قَالَ: لَهُ الْفَسْخُ] . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ: حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ قَرِيبًا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي. (وَاحْتُمِلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي) مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُحْبَسُ عَنْ الْمُشْتَرِي. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْبِسُهُ إلَى أَجَلِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ. يَعْنِي: بِهِ الْمُصَنِّفَ. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُؤَجِّرُ بِالنَّقْدِ فِي الْحَالِّ. قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) . أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ مَحِلُّ ذَلِكَ: إذَا كَانَ مَطْمُوعًا مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا. وَعَنْهُ مَحَلُّ ذَلِكَ: فِي الْمَطْعُومِ، سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ لَا. الثَّانِي: أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَحْكَامَ بِمَا يُكَالُ، وَيُوزَنُ، لَا بِمَا يُبَاعُ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا " الصُّبْرَةُ. وَهُوَ

إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ [وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ] . وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِذَلِكَ إذَا بِيعَ بِالْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ لَا بِمَا بِيعَ مِنْ ذَلِكَ جُزَافًا. كَالصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَعَنْهُ فِي الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. الثَّالِثُ: فِي اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ: إشْعَارٌ بِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ مِثْلَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَلَوْ كَانَ مَعْدُودًا، أَوْ مَذْرُوعًا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي: قَوْلِهِ {وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ} وَهُوَ وَجْهٌ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَعْدُودَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَذْرُوعَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لِبَائِعِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَوَّزَ التَّوْلِيَةَ فِيهِ. وَالشَّرِكَةَ. وَخَرَّجَهُ مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ. وَالْمَذْهَبُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ " أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ. وَلَكِنْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ ابْنُ مُشَيْشٍ وَغَيْرُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ. ذَكَرَهَا فِي مَسْأَلَةِ نَقْلِ الْمَلِكِ زَمَنَ الْخِيَارِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مِلْكُ الْبَائِعِ قَائِمٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ الْمُشْتَرِي. فَائِدَتَانِ أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ فِي قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَةٍ: لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ: لَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِكَيْلِهِ وَوَزْنِهِ. وَلِهَذَا نَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْآخَرِ، مَا لَمْ يَكِيلَا أَوْ يَزِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: فَيَتَّجِهُ إذَنْ فِي نَقْلِ الْمَلِكِ رِوَايَتَا الْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُحِيلُ بِهِ قَبْلَهُ. وَقَالَ: غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ كَهُمَا فِي رِوَايَةٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا ". الثَّانِيَةُ: الْمَبِيعُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ: مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ " جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ.

وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ بَيْعِهِ لِبَائِعِهِ، وَجَوَازَ التَّوْلِيَةِ فِيهِ وَالشَّرِكَةِ. وَهُنَا مَسَائِلُ: مِنْهَا: الْعِتْقُ. وَيَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْمَاعًا. وَمِنْهَا: رَهْنُهُ وَهِبَتُهُ بِلَا عِوَضٍ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ. وَفِي جَوَازِهِمَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّهْنِ: عَدَمُ جَوَازِ رَهْنِهِ، حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمَبِيعِ، غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْخَمْسِينَ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا إجَارَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَبِيعِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ [وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُرْتَهِنِ] عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. انْتَهَى. وَقَطَعَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي: الْجَوَازَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ أَيْضًا: وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ: صَحَّ رَهْنُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا فِيمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَلِلْأَصْحَابِ وَجْهٌ آخَرُ بِجَوَازِ رَهْنِهِ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ: صِحَّةَ رَهْنِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي بَابِ الرَّهْنِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَمِنْهَا: الْإِجَارَةُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ مِنْ بَائِعِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَمِنْهَا: التَّوْصِيَةُ بِهِ وَالْخُلْعُ عَلَيْهِ. فَجَوَّزَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ بِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ بِجَوَازِ جَعْلِهِ مَهْرًا، مُعَلِّلًا بِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ يَسِيرٌ. فَيُغْتَفَرُ فِي الصَّدَاقِ. وَمِنْهُمْ: الْمَجْدُ. انْتَهَى. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَهْرًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ بَيْعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَدَمُ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ كُلُّهُ، وَكَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ. كَانَ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهِ. وَكَذَا إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ. لَكِنْ هَلْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي بَاقِيهِ، أَوْ يَفْسَخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِيهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ قَبُولِ الْمَبِيعِ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَبَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْبَاقِي، وَأَنَّ التَّالِفَ يَسْقُطُ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ. انْتَهَى. وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ: فَيَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَلَفِ الْبَعْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ إمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِالْقِيمَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: قَالَهُ أَصْحَابُنَا.

وَقِيلَ: إنْ أَتْلَفَهُ بَائِعُهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ إطْلَاقَ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا. وَظَاهِرُ مَا رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: إذَا كَانَ التَّلَفُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَمُطَالَبَةُ مُتْلِفِهِ بِالْقِيمَةِ " كَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ إلَّا الْمُحَرَّرَ بِقَوْلِهِمْ " بِقِيمَتِهِ ": " بِبَدَلِهِ " وَقَدْ نَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: يُطَالِبُ مُتْلِفَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِمِثْلِهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ: فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالثَّانِي: لَا يَنْفَسِخُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ ثُبُوتُ الْخِيرَةِ فِي فَسْخِهِ. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخَلْطَ: هَلْ هُوَ اشْتِرَاكٌ أَوْ إهْلَاكٌ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْغَصْبِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى شَاةً بِشَعِيرٍ، فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَالسَّمَاوِيِّ. وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ: فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ رِطْلًا مِنْ زُبْرَةٍ، فَتَلِفَتْ إلَّا قَفِيزًا أَوْ رِطْلًا: فَهُوَ الْمَبِيعُ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ شِقْصًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ أَوْ مَذْرُوعٍ. فَقَبَضَ الْعَبْدَ وَبَاعَهُ، أَوْ أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ تَلِفَ الطَّعَامُ قَبْلَ قَبْضِهِ: انْفَسَخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي. وَلَا يَبْطُلُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. وَيَرْجِعُ مُشْتَرِي الطَّعَامِ عَلَى

مُشْتَرِي الْعَبْدِ أَوْ الشِّقْصِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ. وَعَلَى الشَّفِيعِ مِثْلُ الطَّعَامِ. لِأَنَّهُ عِوَضُ الشِّقْصِ. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي حُكْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا فِي بَابَيْهِمَا. وَيَأْتِي حُكْمُ الثَّمَرَةِ إذَا بَاعَهَا عَلَى الشَّجَرِ: هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ جَذِّهَا؟ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ: يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) . وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْدُودَ وَالْمَذْرُوعَ كَهُمَا، فَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ كَأَخْذِهِ بِشُفْعَةٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ رِوَايَةٌ: يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ فَقَطْ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ. فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَوْ ضَمِنَهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الْفُصُولِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَجَعَلَهَا طَرِيقَةَ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: عَلَيْهِ تَدُلُّ أُصُولُ أَحْمَدَ. كَتَصَرُّفِ

الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَرَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْعَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَعَكْسُهُ كَالصُّبْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ. كَمَا شُرِطَ قَبْضُهُ لِصِحَّتِهِ، كَسَلَمٍ وَصَرْفٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي الصَّرْفِ: إنْ تَمَيَّزَ لَهُ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ، وَيَأْمُرُ الْبَائِعَ بِقَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْمُتَعَيِّنَانِ فِي الْعُرْفِ قِيلَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: لَا. لِقَوْلِهِ " إلَّا هَؤُلَاءِ ". فَوَائِدُ الْأُولَى: ضَابِطُهُ: الْمَبِيعُ مُتَمَيِّزٌ وَغَيْرُهُ. فَغَيْرُ الْمُتَمَيِّزِ: مُبْهَمٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَنَحْوِهِ. فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ الِافْتِقَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا. وَمُبْهَمٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، كَنِصْفِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ. فَفِي الْبُلْغَةِ: هُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَفِي التَّلْخِيصِ: هُوَ مِنْ الْمُتَمَيِّزَاتِ، فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي. وَالْمُتَمَيِّزُ قِسْمَانِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَبِعْتُكَ هَذَا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ وَنَحْوِهِ. فَهُوَ كَالْمُبْهَمِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَخَرَّجَ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالْعَبْدِ، وَالدَّارِ، وَالصُّبْرَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الذِّمِّيَّاتِ، فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. الثَّانِيَةُ: مَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ أَوْ لَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ وَغَيْرِهِ، لَيْسَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوهُ. وَرَدَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَاسْتَشْهَدَ لِلرَّدِّ بِكَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. الثَّالِثَةُ: الثَّمَنُ الَّذِي لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الثَّمَنِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ: فَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ، لِاسْتِقْرَارِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَنْ اشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ فَبَلَعَتْهُ، إنْ قُلْنَا: يَتَعَيَّنُ الدِّينَارُ بِالتَّعْيِينِ، وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ: انْفَسَخَ هُنَا. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَنْفَسِخْ. الرَّابِعَةُ: حُكْمُ كُلِّ مُعَيَّنٍ مُلِكَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ: يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. كَالْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَالْعِوَضِ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَنَحْوِهِمَا: حُكْمُ الْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ وَمَنْعِهِ كَمَا سَبَقَ، قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَيْعَ فِيهِ وَغَيْرَهُ، لِعَدَمِ قَصْدِ الرِّبْحِ. انْتَهَى. وَحُكْمُ مَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ، وَالْعِوَضِ فِي الْعِتْقِ، وَالْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قِيلَ: حُكْمُ الْبَيْعِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، لَكِنْ يَجِبُ بِتَلَفِهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَلَا فَسْخَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُمَا فَسْخَ نِكَاحٍ، لِفَوْتِ بَعْضِ الْمَقْصُودِ كَعَيْبِ مَبِيعٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا لَا يَنْفَسِخُ، فَيَضْمَنُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَفِي التَّلْخِيصِ، بَلْ ضَمَانُهُ كَبَيْعٍ. وَحُكْمُ الْمَهْرِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِي مَوْرُوثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ: لَمْ يُعْتَبَرْ قَبْضُهُ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِلَا خِلَافٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا. لِعَدَمِ ضَمَانِهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ. كَمَبِيعٍ مَقْبُوضٍ، وَكَوَدِيعَةٍ، وَكَمَالِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: وَصِيَّةٌ كَبَيْعٍ. وَقِيلَ: وَإِرْثٌ أَيْضًا كَبَيْعٍ. وَفِي الْإِفْصَاحِ عَنْ أَحْمَدَ: مُنِعَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي إرْثٍ وَغَيْرِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: مُنِعَ تَصَرُّفُهُ فِي غَنِيمَةٍ قَبْلَ قَبْضِهَا إجْمَاعًا. وَعَارِيَّةٍ كَوَدِيعَةٍ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ. وَيَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْقَرْضِ فِي أَوَّلِ بَابِهِ. قَوْلُهُ (وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ) وَكَذَا الْمَعْدُودُ، وَالْمَذْرُوعُ بِعَدِّهِ، وَذَرْعِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: حُضُورُ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ نَائِبِهِ. وَعَنْهُ: إنْ قَبَضَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: وَإِنْ تَقَابَضَاهُ جُزَافًا، لِعِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ: جَازَ، إلَّا فِي الْمَكِيلِ. فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ السَّلَمِ: هَلْ يُكْتَفَى بِعِلْمِ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ لَا؟ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى كَرَاهَةِ زَلْزَلَةِ الْكَيْلِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ اسْتِنَابَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْقَبْضِ.

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَحَّ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. الثَّالِثَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ طَرَفُهُ كَيَدِهِ. بِدَلِيلِ تَنَازُعِهِمَا مَا فِيهِ. وَقِيلَ: لَا. الرَّابِعَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ قَبْضِ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: اكْتَلْ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ قَدْرَ حَقِّك، فَفَعَلَ: صَحَّ. وَقِيلَ: لَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ (وَفِي الصُّبْرَةِ وَمَا يُنْقَلُ بِالنَّقْلِ، وَفِيمَا يُتَنَاوَلُ بِالتَّنَاوُلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: إنْ قَبَضَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: وَالْقَبْضُ فِي الْمَشَاعِ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ إلَيْهِ. فَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يُسْلِمَ نَصِيبَهُ قِيلَ لِلْمُتَّهِبِ: وَكِّلْ الشَّرِيكَ فِي قَبْضِهِ وَنَقْلِهِ. فَإِنْ أَبَى نَصَبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا. فَيَنْقُلُهُ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ. لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ. وَيَتِمُّ بِهِ عَقْدُ شَرِيكِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ اتَّهَبَ مُبْهَمًا أَوْ مَشَاعًا، مِنْ مَنْقُولٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ غَيْرِهِ. فَأَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي الْقَبْضِ: كَانَ سَهْمُهُ أَمَانَةً مَعَ الْمُتَّهَبِ، أَوْ يُوَكِّلُ الْمُتَّهَبُ شَرِيكَهُ فِي قَبْضِ سَهْمِهِ مِنْهُ، وَيَكُونُ أَمَانَةً. وَإِنْ تَنَازَعَا قَبَضَ لَهُمَا وَكِيلُهُمَا أَوْ أَمِينُ الْحَاكِمِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْهِبَةِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمَشَاعِ إذَنْ

الشَّرِيكُ. فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا. وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً. وَقَالَ فِي الْعُيُونِ: بَلْ عَارِيَّةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْقَبْضِ، وَالضَّمَانِ وَمَنْ بَاعَ حَقَّهُ الْمَشَاعَ مِنْ عَيْنٍ، وَسَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ، فَهُوَ غَاصِبٌ حَقَّ شَرِيكِهِ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي عَدَمَ إذْنِهِ فِي قَبْضِ حَقِّهِ، فَتَلِفَ: ضَمَّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَكَذَا إنْ جَهِلَ الشَّرِكَةَ أَوْ وُجُوبَ الْإِذْنِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ. لَكِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ غَرَّهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ (وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ بِالتَّخْلِيَةِ) . كَاَلَّذِي لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ: مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: أُجْرَةُ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ عَلَى بَاذِلِهِ مِنْهُمَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أُجْرَةُ نَقْلِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَهُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَأُجْرَةُ الْمَنْقُولَاتِ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ قُلْنَا كَمَقْبُوضٍ أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: أُجْرَةُ الْمَنْقُولَاتِ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ قُلْنَا كَمَقْبُوضٍ أَوْ لَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ. نَصُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمُؤْنَةُ تَوْفِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ وَزْنِهِ وَكَيْلِهِ، وَذَرْعِهِ وَعَدِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى بَاذِلِهِ. وَمُؤَنُهُ قَبْضِ مَا بِيعَ جُزَافًا وَهُوَ مُتَمَيِّزٌ عَلَى مَنْ صَارَ لَهُ، إنْ قُلْنَا: هُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ. فَهُوَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِمَا، فِي حَقِّ التَّوْفِيَةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: أُجْرَةُ الْكَيَّالِ عَلَى الْبَائِعِ. وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ، وَالنَّقْلِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْمُشْتَرِي. ثُمَّ قَالَ مِنْ عِنْدِهِ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ النَّقَّادِ. وَزِنَةَ الْوَزَّانِ. انْتَهَى. [وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: وَأُجْرَةُ النَّقَّادِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ. فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ إلَيْهِ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قُبِضَ. فَهِيَ عَلَى الْبَائِعِ. لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ مِنْهُ وَمَلَكَهُ. فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ شَيْئًا مِنْهُ مَعِيبًا يَجِبُ رَدُّهُ] . الثَّانِيَةُ: يَتَمَيَّزُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُثَمَّنِ بِدُخُولِ " بَاءِ " الْبَدَلِيَّةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقِيلَ: إنْ اشْتَمَلَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ. فَهُوَ الثَّمَنُ، وَإِلَّا فَهُوَ مَا دَخَلَتْهُ " بَاءُ " الْبَدَلِيَّةِ. نَحْوُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِهَذَا. فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت، أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت هَذَا بِهَذَا. فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ: أَنَّ الثَّمَنَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَوْضُوعَةُ لِلثَّمَنِيَّةِ اصْطِلَاحًا. فَيَخْتَصُّ بِهَا فَقَطْ. قُلْت: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَضْمَنُ النُّقَّادُ مَا أَخْطَئُوا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: إذَا عُرِفَ حَذَقُهُ وَأَمَانَتُهُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَقِيلَ: يَضْمَنُونَ. وَمِنْهَا: إتْلَافُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ: قَبْضٌ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَمْدًا فَقَبْضٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَغَصْبُهُ لَيْسَ بِقَبْضٍ. وَفِي الِانْتِصَارِ: خِلَافٌ، إنْ قَبِلَهُ: هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا أَمْ يُفْسَخُ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ؟ وَكَذَا مُتَّهِبٌ بِإِذْنِهِ: هَلْ يَصِيرُ قَابِضًا فِيهِ، وَفِي غَصْبِ عَقَارٍ لَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَائِعِهِ: صَارَ قَابِضًا؟ . وَمِنْهَا: يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْبَائِعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْرُمُ فِي غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ. وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، أَوْ أَخَذَهُ بِلَا إذْنِهِ: لَمْ يَكُنْ قَبْضًا إلَّا مَعَ الْمُقَاصَّةِ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ تَعَاطِيهِمَا عَقْدًا فَاسِدًا فَلَوْ فَعَلَا: لَمْ يُمْلَكْ بِهِ. وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَاعْتَرَضَهُ أَحْمَدُ الْحَرْبِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَأَبْدَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: احْتِمَالًا بِنُفُوذِ الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. قَالَ: وَيُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا يُؤَثِّرُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَغْصُوبِ فِي الضَّمَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: هَذَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. وَمِنْهُ خَرَّجَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ لَا يَضْمَنُهُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فِي بَابِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَحَلَّهُ لِمَعْنًى مَا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبِي طَالِبٍ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: يَضْمَنُهُ بِالْمُسَمَّى، لَا الْقِيمَةِ. كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي الْكِتَابَةِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ، وَالْأَصَحُّ: بِقِيمَتِهِ كَمَغْصُوبٍ. وَفِي الْفُصُولِ أَيْضًا فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ أَنَّهُ كَبَيْعٍ فَاسِدٍ، إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الْمُسَمَّى اسْتَحَقَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ. كَذَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمِثْلِ لِهَذِهِ الْمَنْفَعَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي تَصَرُّفِ الْعَبْدِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ: أَوْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ يَوْمَ تَلَفِهِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِيهِ وَفِي عَارِيَّةٍ: كَمَغْصُوبٍ. وَقَالَهُ فِي الْوَسِيلَةِ. وَقِيلَ: لَهُ حَبْسُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ عَلَى قَبْضِ ثَمَنِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُ زِيَادَتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهُ مُطْلَقًا نَمَاؤُهُ الْمُتَّصِلُ وَالْمُنْفَصِلُ، وَأُجْرَتُهُ مُدَّةَ قَبْضِهِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَأَرْشُ نَقْصِهِ. وَقِيلَ: هَلْ أُجْرَتُهُ وَزِيَادَتُهُ مَضْمُونَةٌ أَوْ أَمَانَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: وَنَمَاؤُهُ وَأُجْرَتُهُ وَأَرْشُ نَقْصِهِ لِمَالِكِهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَنْفَعَةٍ. وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ بِقِيمَتِهِ، وَزِيَادَتُهُ أَمَانَةٌ. انْتَهَى وَقَدَّمَ الضَّمَانَ أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ: وَفِي ضَمَانِ زِيَادَتِهِ وَجْهَانِ.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا: إنْ سَقَطَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَهَدَرٌ. وَقَالَهُ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِي الْوَفَاءِ: يَضْمَنُهُ. انْتَهَى. وَيَضْمَنُهُ ضَارِبُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَحُكْمُهُ فِي الْوَطْءِ حُكْمُ الْغَاصِبِ، إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ قَوْلُهُ (وَالْإِقَالَةُ: فَسْخٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَيُشْرَعُ إقَالَةُ النَّادِمِ. وَهِيَ فَسْخٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَعَنْهُ: إنَّهَا بَيْعٌ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. تَنْبِيهٌ: يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ وَغَيْرِهِ مِنْهَا: إذَا تَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ: فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى الثَّانِيَةِ، إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ بَائِعِهِ خَاصَّةً قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَمِنْهُمَا: جَوَازُهَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَوَزْنٍ، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَا يَصِحُّ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ ثَانٍ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ.

وَمِنْهَا: إذَا تَقَايَلَا بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ بِنَقْصٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ: لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ. وَالْمِلْكُ بَاقٍ لِلْمُشْتَرِي، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَيْضًا. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ وَنَقْصٍ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْهُ بِيعَ. فَيَنْعَكِسُ ذَلِكَ إلَّا مِثْلَ الثَّمَنِ فِي وَجْهٍ. وَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبَ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَمِنْهَا: تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ " الْإِقَالَةِ " وَ " الْمُصَالَحَةِ " عَلَى الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تَنْعَقِدُ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ: مَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ. فَلَا تَنْعَقِدُ الْإِقَالَةُ بِلَفْظِ " الْبَيْعِ " وَلَا الْبَيْعُ بِلَفْظِ " الْإِقَالَةِ " قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: انْعِقَادُهَا بِذَلِكَ. وَتَكُونُ مُعَاطَاةً. قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ. وَمِنْهَا: عَدَمُ اشْتِرَاطِ شُرُوطِ الْبَيْعِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُقَالِ فِيهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي فِي التَّفْلِيسِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَقْتَضِي: أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَوْ قَالَ: أَقِلْنِي. ثُمَّ غَابَ، فَأَقَالَهُ: لَمْ يَصِحَّ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ: يَصِحُّ عَلَى الْفَوْرِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: الْإِقَالَةُ لَمَّا افْتَقَرَتْ إلَى الرِّضَا وَقَفَتْ عَلَى الْعِلْمِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَلِفَتْ السِّلْعَةُ. فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: إنْ قِيلَ هِيَ فَسْخٌ: صَحَّتْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهَانِ. وَقَالَ: أَصْلُهُمَا الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَا: وَفَارَقَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ مَرْدُودًا. وَمِنْهَا: صِحَّتُهَا بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تَصِحُّ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا. وَمِنْهَا: نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يُتَّبَعُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالرُّجُوعِ لِلْمُفْلِسِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا بِرَدِّهِ مَعَ أَصْلِهِ. حَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْهُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: النَّمَاءُ لِلْبَائِعِ، عَلَى الْمَذْهَبِ. مَعَ ذِكْرِهِمَا أَنَّ نَمَاءَ الْعَيْبِ لِلْمُشْتَرِي. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَهُ نَخْلًا حَامِلًا، ثُمَّ تَقَايَلَا وَقَدْ أَطْلَعَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتَّبَعُ الْأَصْلُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ لَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: إنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً: فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ: فَهِيَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ. وَمِنْهَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ، لَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَثْبُتُ فِيهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي لَا يَثْبُتُ.

وَمِنْهَا: هَلْ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الرَّدُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُرَدَّ بِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَدَّ بِهِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَمِنْهَا: الْإِقَالَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَقِيلَ: يَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا الثَّانِيَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتِهِمَا. وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ السَّلَمِ. وَمِنْهَا لَوْ بَاعَهُ جُزْءًا مَشَاعًا مِنْ أَرْضِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي وَلَا مَنْ حَدَثَ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الْمُقَايَلَةِ شَيْئًا مِنْ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَثْبُتُ لَهُمْ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ، ثُمَّ عَفَا الْآخَرُ عَنْ شُفْعَتِهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا وَأَرَادَ الْعَافِي أَنْ يَعُودَ إلَى، الطَّلَبِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْهَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا، ثُمَّ تَقَايَلَاهُ قَبْلَ الطَّلَبِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَسْقُطُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَسْقُطُ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَقِيلَ: يَسْقُطُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي حَفْصٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ أَوْ الشَّرِيكُ الْإِقَالَةَ فِيمَا اشْتَرَيَاهُ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِهَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ فُصُولِهِ: عَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَمْلِكُهَا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَمْلِكُهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الشَّرِكَةِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَمْلِكُ الْمُفْلِسُ بَعْدَ الْحَجْرِ الْمُقَايَلَةَ، لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ؟ فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَمْلِكُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَظْهَرُ يَمْلِكُهَا. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ

وَمِنْهَا: لَوْ وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا. فَبَاعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَمْتَنِعُ رُجُوعُ الْأَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفَوَائِدِ. وَيَأْتِي هَذَا هُنَاكَ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُفْلِسِ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِقَالَةٍ وَوَجَدَهَا بَائِعُهَا عِنْدَهُ. وَيَأْتِي هَذَا فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ أَمَةً، ثُمَّ أَقَالَهُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالشِّيرَازِيُّ: يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الثَّانِيَةِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ بُخْتَانَ: وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ مُطْلَقًا. وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، إنَاطَةً بِالْمِلْكِ، وَاحْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ. وَنَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ الْإِقَالَةَ إنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّعَرُّفِ: وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ. كَذَلِكَ حَكَى الرِّوَايَةَ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ، فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. وَكَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ. إنَّمَا نَظَرَ لِلِاحْتِيَاطِ. قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَجْدِ. حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ قَيْدَ التَّفَرُّقِ مَعَ وُجُودِهِ. وَتَصْرِيحِ الْإِمَامِ بِهِ. لَكِنَّهُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِقَيْدٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ بِنَاؤُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَيْعِ خِيَارٍ وَقُلْنَا: لَمْ يَنْتَقِلْ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَجِبُ. وَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمَجْدُ أَيْضًا الْقَبْضَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَهَا امْرَأَةً. بَلْ حَكَى فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَ. وَخَالَفَ أَبَا مُحَمَّدٍ فِي تَصْرِيحِهِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ كَالرَّجُلِ.

وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ التَّفَرُّقِ وَعَدَمِهِ: وَقَعَ فِي الرَّجُلِ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى انْتِقَالِ الضَّمَانِ عَنْ الْبَائِع وَعَدَمِهِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ تَجَدُّدَ الْمِلْكِ مَعَ تَحَقُّقِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ: هَلْ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، أَوْ لَأَبِيعَنَّ، أَوْ عَلَّقَ فِي الْبَيْعِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ: تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ مِنْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ يُقَالُ: الْأَيْمَانُ تَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ. وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، وَقُبِضَتْ دُونَ ثَمَنِهَا. ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَقُلْنَا: يَجِبُ لَهُ الثَّمَنُ فَأَقَالَ الْمُشْتَرِي فِيهَا. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ، قِيلَ: لَا يَصِحُّ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَوَائِدِ. وَمِنْهَا: هَلْ تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؟ . ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ: أَنَّ خِيَارَ الْإِقَالَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ. وَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ: صَحَّتْ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ: فَوَجْهَانِ. وَبَنَى فِي الْفُرُوعِ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْخِلَافِ. وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ: لَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَمِنْهَا: لَوْ تَقَايَلَا فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ. ثُمَّ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَنُفُوذِهِ، فَهَلْ يُؤَثِّرُ حُكْمُهُ؟ إنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ: فَحُكْمُهُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ صَحِيحٌ. وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ: لَمْ يَنْفُذْ. لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْإِقَالَةِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ، وَتُلْغَى الْإِقَالَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ. وَمِنْهَا: مُؤْنَةُ الرَّدِّ. فَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا تَلْزَمُ مُشْتَرِيًا. وَتَبْقَى بِيَدِهِ أَمَانَةً. كَوَدِيعَةٍ. وَفِي التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي: يَضْمَنُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَعِيبٍ. وَفِي ضَمَانِهِ النَّقْصَ خِلَافٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ تَوَجَّهَ عَلَى مُشْتَرٍ. فَائِدَةٌ: إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ بِإِقَالَةٍ، أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَهَلْ يَرْتَفِعُ الْعَقْدُ مِنْ حِينِهِ، أَوْ مِنْ أَصْلِهِ؟ . قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِقَالَةِ فِي النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ: إذَا قِيلَ إنَّهَا فَسْخٌ: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. فَيُحْكَمُ بِأَنَّهَا فَسْخٌ مِنْ حِينِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَخَامِسُهَا: أَنْ يَنْفَسِخَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَيَعُودَ إلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْهُ. فَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ. لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ رَفْعٌ لَهُ مِنْ حِينِهِ. لَا مِنْ أَصْلِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْفَسْخُ عِنْدَنَا: رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِنْ أَصْلِهِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقِيَاسُ أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَسَائِرِ الْفُسُوخِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمَا: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ. وَهَذَا أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي رَأَيْنَا فِي الْمُغْنِي: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ، وَرَفْعٌ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ. فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ اطَّلَعَ عَلَى مَكَان غَيْرِ هَذَا. أَوْ هُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ إنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ مِنْ " حِينِهِ " يَرْجِعُ إلَى الْعَقْدِ، لَا إلَى الْفَسْخِ.

قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ [فِي التَّنْبِيهِ] بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ لَوْ نَكَحَهَا الْمُشْتَرِي. ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ. انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافَيْهِمَا: الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ: رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ: رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلِهَذَا يَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ، بِخِلَافِ الْمَعِيبِ. انْتَهَيَا وَتَلَخَّصَ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ثَالِثُهَا: فَرْقٌ بَيْنَ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ: أَنَّهُ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ.

باب الربا والصرف

[بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ] ِ قَوْلُهُ (فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ: فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَشُيُوخُ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ. وَمُخْتَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ. فَعَلَيْهَا: عِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: كَوْنُهُمَا مَوْزُونَ جِنْسٍ. وَعِلَّةُ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ: كَوْنُهُنَّ مَكِيلَاتِ جِنْسٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْكَيْلُ بِمُجَرَّدِهِ عِلَّةٌ، وَالْجِنْسُ شَرْطٌ. وَقَالَ: أَوْ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلَ جِنْسٍ هُوَ الْعِلَّةُ. وَفِعْلُ الْكَيَّالِ شَرْطٌ، أَوْ نَقُولُ: الْكَيْلُ أَمَارَةٌ. فَالْحُكْمُ عَلَى الْمَذْهَبِ: إيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُطْلَقًا. وَالتَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ إسْلَامُ النَّقْدِيِّ فِي الْمَوْزُونِ. وَبِهِ بَطَلَتْ الْعِلَّةُ. لِأَنَّ

كُلَّ شَيْئَيْنِ شَمِلَهُمَا إحْدَى عِلَّتَيْ رِبَا الْفَضْلِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِيهِمَا. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَحْرُمُ سَلَمُهُمَا فِيهِ وَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ فَلِلْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ، مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، كَالْحُبُوبِ وَالْأُشْنَانِ وَالنُّورَةِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ، وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَّانِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ وَنَحْوِهَا. وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَكُلُّ مَطْعُومٍ) مُرَادُهُ مَطْعُومٌ لِلْآدَمِيِّ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ. فَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ: الثَّمَنِيَّةُ. وَفِيمَا عَدَاهَا: كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ. فَتَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ، وَيَخْرُجُ مَا عَدَاهَا. وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوَّاهَا الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ الثَّمَنِيَّةَ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ: كَوْنُهُنَّ مَطْعُومَ جِنْسٍ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَلَا فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْأُشْنَانِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَوْلُنَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ " الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ: الثَّمَنِيَّةُ " هِيَ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ. وَنُقِضَتْ طَرْدًا بِالْفُلُوسِ، لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَعَكْسًا بِالْحُلِيِّ. وَأُجِيبَ بِعَدَمِ النَّقْدِيَّةِ الْغَالِبَةِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَقُولُوا: إذَا نَفَقَتْ حَتَّى لَا يُتَعَامَلَ إلَّا بِهَا أَنَّ فِيهَا الرِّبَا، لِكَوْنِهَا ثَمَنًا غَالِبًا.

قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: مِنْ فَوَائِدِهَا رُبَّمَا حَدَثَ جِنْسٌ آخَرُ يُجْعَلُ ثَمَنًا، فَتَكُونُ تِلْكَ عِلَّةً. الثَّانِيَةُ: رَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ أَخِيرًا فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّ الْأَعْيَانَ السِّتَّةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا لَا تُعْرَفُ عِلَّتُهَا لِخَفَائِهَا. فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَعَدَّاهَا؛ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ مَذْهَبُ طَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَدَاوُد وَجَمَاعَةٍ. الثَّالِثَةُ: الْقَاعِدَةُ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اجْتَمَعَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِيهِ الرِّبَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً كَالْأَرُزِّ وَالدَّخَنِ وَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِيَّاتِ وَالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَا عُدِمَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ، أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُ: فَلَا رِبَا فِيهِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، كَالتِّينِ وَالنَّوَى وَالْقَتِّ وَالطِّينِ، إلَّا الْأَرْمَنِيَّ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ دَوَاءً. فَيَكُونُ مَوْزُونًا مَأْكُولًا. فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَمَا وُجِدَ فِيهِ الطَّعْمُ وَحْدَهُ، أَوْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ: فَفِيهِ الْخِلَافُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ حِلُّهُ. الرَّابِعَةُ: لَا رِبَا فِي الْمَاءِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا وَعَدَمِ تَمَوُّلِهِ عَادَةً. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَيْهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ. فَلَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ مَكِيلٌ. فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِمْ. وَيُعَايَا بِهَا. وَقِيلَ: يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، إنْ قِيلَ: إنَّهُ مَكِيلٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْيَسُ جَرَيَانُ الرِّبَا فِيهِ، عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا: الطَّعْمُ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي خِلَافِ أَبِي الْخَطَّابِ الصَّغِيرِ.

وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ: يَنْتَقِضُ بِلَحْمِ الطَّيْرِ، وَبِالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَنَحْوِهِمَا وَبِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَمَوَّلُ: مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَنَا لَيْسَتْ الْمَالِيَّةَ الْخَامِسَةُ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ دَاخِلَانِ، عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا. فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، جَوَّزَ بَيْعَ الْمَصُوغِ الْمُبَاحِ بِقِيمَتِهِ حَالًّا. قُلْت: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَكَذَا جَوَّزَهُ نَسَاءً، مَا لَمْ يَقْصِدْ كَوْنَهَا ثَمَنًا. قَالَ: وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ الْقُرْبِ بِالصَّنْعَةِ. فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَإِلَّا فَجِنْسٌ بِنَفْسِهِ. فَيُبَاحُ خُبْزٌ بِهَرِيسَةٍ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا بَيْعَ مَوْزُونٍ رِبَوِيٍّ بِالتَّحَرِّي لِلْحَاجَةِ. السَّادِسَةُ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: هَلْ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يُوزَنُ بِصِنَاعَةٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَذَلِكَ كَالْمَعْمُولِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، وَنَحْوِهِ. وَكَالْمَعْمُولِ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ، كَالْخَوَاتِمِ وَالْأَسْطَالِ وَالْإِبَرِ وَالسَّكَاكِينِ وَالثِّيَابِ وَالْأَكْيِسَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ فِيمَا لَا يَقْصِدُ وَزْنَهُ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ التَّفَاضُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْعُ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ وَكِسَاءٍ بِكِسَاءَيْنِ يَدًا بِيَدٍ. وَأَصْلُ ذَلِكَ الْوَزْنُ وَلَمْ يُرَاعَ أَصْلُهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّعْلِيقِ: إنْ قَصَدَ وَزْنَهُ كَالْأَسْطَالِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَنَحْوِهِمَا: لَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَزْنَهُ كَالصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا جَازَ التَّفَاضُلُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ. وَهُوَ أَوْجَهُ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي فِي الْمَوْزُونِ وَقَطَعَ فِي الْمَنْسُوجِ مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ: أَنَّهُ لَا رِبَا فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَخْرُجُ بَيْعُ فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّفَاضُلُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ كَانَتْ نَافِقَةً. هَلْ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: سَوَاءٌ كَانَتْ نَافِقَةً أَوْ كَاسِدَةً. بِيعَتْ بِأَعْيَانِهَا، أَوْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا. وَجَزَمَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا مَعَ نِفَاقِهَا لَا تُبَاعُ بِمِثْلِهَا إلَّا مُمَاثَلَةً، مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ فِي مَعْمُولِ الْحَدِيدِ. قَالَ: وَتُلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، هَلْ تَجْرِي مَجْرَى الْأَثْمَانِ. فَيَجْرِي الرِّبَا فِيهَا؟ إنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ

الثَّمَنِيَّةُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ. أَوْ لَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَا هُوَ ثَمَنٌ غَالِبًا. وَذَلِكَ يَخْتَصُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهَا، إلَّا إذَا اعْتَبَرْنَا أَصْلَهَا، وَقُلْنَا: الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ الْوَزْنُ كَالْكَاسِدَةِ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. قَوْلُهُ (وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ (كَيْلًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ بَيْعَ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ وَزْنًا شَاعَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ جَوَازُ بَيْعِ مَكِيلٍ وَزْنًا وَمُوزِنٍ كَيْلًا. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا) . شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: بَاعَ مَكِيلًا بِمَوْزُونٍ، أَوْ مَوْزُونًا بِمَكِيلٍ. فَهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا، إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِهَ الْمُجَازَفَةَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ. الثَّانِيَةُ: بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونًا بِمَوْزُونٍ. وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ. فَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ جُزَافًا. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا خَيْرَ فِيمَا يُكَالُ بِمَا يُكَالُ جُزَافًا وَلَا فِيمَا يُوزَنُ بِمَا يُوزَنُ جُزَافًا، اتَّفَقَتْ الْأَجْنَاسُ أَوْ اخْتَلَفَتْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَابٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ لَا يَجُوزُ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَالْأَوَّلُ: اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَالْجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ: وَالْأَبَازِيرُ جِنْسٌ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ، كَالْأَدِقَّةِ وَالْأَخْبَازِ وَالْأَدْهَانِ) . وَكَذَا الْخُلُولُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَنَّ خَلَّ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَفِي الْخُلُولِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي التَّلْخِيصِ: الْخُلُولُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي فِي التَّلْخِيصِ مُوَافِقًا لِلرِّوَايَةِ. وَخَرَجَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الْأَدْهَانَ الْمَائِعَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَأَنَّ الْفَاكِهَةَ كَتُفَّاحٍ وَسَفَرْجَلٍ جِنْسٌ. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالْمَاءِ. قُلْت: فَيُعَايَا بِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: اللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاعْتِبَارِ أُصُولِهِ، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي كَوْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ) . يَعْنِي أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. هَلْ هُوَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ؟ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَاللَّحْمِ، أَوْ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَاللَّحْمِ؟ سَوَاءٌ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَبَنُ الْبَقَرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْوَحْشِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَشْمَلُهَا. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ فِي اللَّبَنِ: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ أَيْضًا. كَاللَّحْمِ. ذَكَرْنَا فِي الْمَذْهَبِ وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ فِي اللَّحْمِ: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ: لَحْمُ الْأَنْعَامِ، وَلَحْمُ الْوَحْشِ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ، وَلَحْمُ دَوَابِّ الْمَاءِ. اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ. وَضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارَ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا خِلَافَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ لَحْمَ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ جِنْسَانِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ فِي اللَّحْمِ: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: لَحْمُ الْأَنْعَامِ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ، وَلَحْمُ دَوَابِّ الْمَاءِ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَإِنَّ لَحْمَ الْوَحْشِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ حُكْمٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَحْمُ الْغَنَمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: جِنْسَانِ، ضَأْنٌ وَمَعْزٌ. لِتَفْرِيقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَهُمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. الثَّانِيَةُ: الشُّحُومُ وَالْأَكْبِدَةُ وَالْأَطْحِلَةُ وَالرِّئَاتُ وَالْجُلُودُ وَالْأَصْوَافُ وَالْعِظَامُ وَالرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ: يَجْرِي فِيهِنَّ مِنْ الْخِلَافِ مَا يَجْرِي فِي اللَّحْمِ. هَلْ ذَلِكَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ وَالْكَبِدُ أَجْنَاسٌ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّحْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ. وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا: حَنِثَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ مَنَعَ الْقَاضِي مِنْهُ، لِكَوْنِ اللَّحْمِ لَا يَخْلُو عَنْ شَحْمٍ لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّ الشَّحْمَ لَا يَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ. وَلَوْ مُنِعَ لِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ. لِاشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ. ثُمَّ لَا يَصِحُّ هَذَا عِنْدَ الْقَاضِي. لِأَنَّ السَّمِينَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ اللَّحْمِ عِنْدَهُ لَحْمٌ. فَلَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُ اللَّحْمِ عَلَى الشَّحْمِ. انْتَهَى. فَوَائِدُ مِنْهَا: الْقُلُوبُ وَالرُّءُوسُ وَالْأَطْحِلَةُ وَالرِّئَاتُ وَالْجُلُودُ وَالْأَصْوَافُ وَالْعِظَامُ وَالْأَكَارِعُ: كَاللَّحْمِ وَالْكَبِدِ، يَعْنِي: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ جِنْسٌ غَيْرَ اللَّحْمِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: الرُّءُوسُ مِنْ جِنْسِ اللَّحْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا. وَمِنْهَا: الْأَلْيَةُ، وَالشَّحْمُ جِنْسَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

وَقِيلَ: هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ أَبْيَضُ فِي الْحَيَوَانِ، يَذُوبُ بِالْإِذَابَةِ وَيَصِيرُ دُهْنًا. فَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: اللَّحْمُ الْأَبْيَضُ، كَسَمِينِ الظَّهْرِ وَالْجَنْبَيْنِ، وَنَحْوِهِ. هُوَ وَاللَّحْمُ الْأَحْمَرُ الْخَالِصُ: جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَمِنْهَا: حَكَى ابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، فِي جَوَازِ بَيْعِ اللِّبَأِ بِاللَّبَنِ: وَجْهَيْنِ. وَخَصَّهُمَا الْقَاضِي بِمَا مَسَّتْ النَّارُ أَحَدُهُمَا. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعِنْدَهُمَا مَعَ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَمَاثِلًا، وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا. وَلَا يَجُوزُ إنْ مَسَّتْ النَّارُ أَحَدَهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ. وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهَ مَنْعِ ابْنِ الْبَنَّا عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ النَّارُ أَحَدَهُمَا. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ، أَوْ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: يَجُوزَانِ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزُّبْدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ فِي بَيْعِ السَّمْنِ بِالْمَخِيضِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ، وَلَا بِالسَّمْنِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ مِنْ فُرُوعِ اللَّبَنِ. كَاللِّبَأِ وَنَحْوِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالزُّبْدِ. إذَا كَانَ الزُّبْدُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِنْ الزُّبْدِ الَّذِي فِي اللَّبَنِ. وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِهِ مُتَفَاضِلًا. وَمَنْعَ جَوَازِهِ مُتَمَاثِلًا. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَخْرُجُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ شَبِيهَةٌ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّذِي فِي " مُدِّ عَجْوَةٍ " عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْحُكْمُ فِي السَّمْنِ كَالْحُكْمِ فِي الزُّبْدِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِسَمْنٍ. وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ بِزُبْدٍ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْمَخِيضِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. قُلْت: صَرَّحَ فِي الْمَذْهَبِ بِهَا مِثْلَهَا. وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ. وَمِنْهَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ، سَوَاءٌ كَانَ رَائِبًا أَوْ

حَلِيبًا، بِلَبَنٍ جَامِدٍ أَوْ مَصْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ فِي غَيْرِ الْمَصْلِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحْرُمُ إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مَقْصُودَ اللَّحْمِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَشَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَبَعْضُ [الْأَصْحَابِ] الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَنِي الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّحْمِ: هَلْ هُوَ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ؟ . وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَجْنَاسٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى.

قُلْت: قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ بَاعَ اللَّحْمَ بِحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ غَيْرِ أَصْلِهِ وَقُلْنَا: هُمَا أَصْلٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ، إلَّا جَازَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: احْتَجَّ مَنْ مَنَعَهُ بِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. وَبِأَنَّ اللَّحْمَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَمَنْ أَجَازَهُ قَالَ: مَالُ الرِّبَا بَيْعٌ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَلَا جِنْسِهِ. فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِالْأَثْمَانِ. وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَعَنْهُ اللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ. فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ. وَفِي غَيْرِهِ وَجْهٌ. فَبُنِيَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّحْمَ أَجْنَاسٌ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّحْمِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ قُلْنَا: أَجْنَاسٌ. جَازَ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. فَوَائِدُ الْأَوْلَى: يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: جَازَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى نَقْلٍ فِيهِ خَاصٍّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ. فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَصَرَّحَ بِالْجَوَازِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَأْكُولِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِمِثْلِهِ بِشَرْطِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَاب.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إلَى الْجَوَازِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ رُطَبًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بَيْعُ رَطْبَةٍ بِرَطْبَةٍ. وَهُوَ شَامِلٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ نَزْعُ عَظْمِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اشْتِرَاطُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ نَزْعَ الْعَظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ نَزْعُ عَظْمِهِ فِي الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. هُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْإِيضَاحِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ عِظَامِهِ، وَمَالُوا إلَى ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَسَلِ [بِالْعَسَلِ] تَصْفِيَتُهُ مَعَ الشَّمْعِ. فَإِنْ لَمْ يَصِفْ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ " مُدِّ عَجْوَةٍ " عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقٍ، وَلَا بِسَوِيقِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ. فَيُبَاعُ وَزْنًا. اخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَعَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَنْعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْكَيْلُ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ بَيْعُ دَقِيقٍ بِسَوِيقِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَجُوزُ، عَلَى الْأَضْعَفِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ وَزْنًا. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: يَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقٍ بِسَوِيقِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزٍ بِحَبِّهِ، وَلَا بِدَقِيقِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمَا. نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ. لِأَنَّ فِيهِ مَاءً. وَعَلَّلَهُ ابْنُ شِهَابٍ بِأَنَّهُمَا إذَا صَارَا خُبْزًا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَفِي الْفُرُوعِ هُنَا كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ. فَلَمْ نَذْكُرْهُ. الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ جَيِّدٍ بِمُسَوِّسٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ جَيِّدٍ بِحَبٍّ خَفِيفٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَبَيْعُ عَفَنِهِ بِسَلِيمِهِ يُحْتَمَلُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا أَصْلُهُ بِعَصِيرِهِ) . يَعْنِي لَا يَجُوزُ، كَزَيْتُونٍ بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الزَّيْتُونِ يُكْرَهُ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا خَالِصُهُ بِمَشُوبِهِ) . وَكَذَا لَا يَجُوز مَشُوبُهُ بِمَشُوبِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي " مُدِّدَ عَجْوَةٍ ". وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ: جَوَازُ بَيْعِ خَالِصِهِ بِمَشُوبِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. وَرُبَّمَا كَانَ سَهْوًا. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ عَدَمَ الْجَوَازِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُبَاعُ بِالْكَيْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: بِالْوَزْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: أَوْ وَزْنًا. قَوْلُهُ (وَمَطْبُوخُهُ بِمَطْبُوخِهِ) . يَعْنِي يَجُوزُ كَاللِّبَإِ بِمِثْلِهِ، وَالْأَقْطِ بِمِثْلِهِ، وَالسَّمْنِ بِمِثْلِهِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: إنْ اسْتَوَيَا فِي عَمِلَ النَّارِ صَحَّ، وَإِلَّا فَمُدُّ عَجْوَةٍ. قَوْلُهُ (وَخُبْزُهُ بِخُبْزِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. قَالَ وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا يَجُوزُ فَطَيْرٌ بِخَمِيرٍ قَوْلُهُ (إذَا اسْتَوَيَا فِي النِّشَافِ أَوْ الرُّطُوبَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَخُبْزُهُ بِخُبْزِهِ. وَأَطْلَقَ. وَقَالَ: اسْتَوَيَا جَفَافًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخُبْزُهُ بِخُبْزِهِ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ. وَلَعَلَّ هَذَا الْمَذْهَبَ

قَوْلُهُ (وَعَصِيرُهُ بِعَصِيرِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَرُطَبُهُ بِرُطَبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَالَا: يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ فِي اللَّحْمِ بِمِثْلِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَمْ يُجِزْهُ الْخِرَقِيُّ فِي اللَّحْمِ رُطَبًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ إبَاحَتُهُ هُنَا. لِقَوْلِهِ " وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الرُّطَبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ " فَإِنَّ مَفْهُومَهُ جَوَازُ [بَيْعِ] الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ. وَتَقَدَّمَ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ عِنْدَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ. وَهُوَ بَيْعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ) . أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ " الْحَبُّ فِي سُنْبُلِهِ " وَأَطْلَقَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَيْعَ الْمُحَاقَلَةِ: هُوَ بَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَدًّا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ.

قَوْلُهُ (وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) (وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الرِّبَا عِنْدَ مَسْأَلَةِ " الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ جِنْسَانِ ". الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي بَيْعِهِ بِمَكِيلٍ غَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَصِحُّ بِغَيْرِ مَكِيلٍ فَخَصَّ الْخِلَافَ بِالْمَكِيلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمَثَّلَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ. وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمَا: بِالشَّعِيرِ. وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافَ بِالْحَبِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَالْأَوَّلُ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِي. لِأَنَّ كُلَّ حَبٍّ مَكِيلٌ. وَلَيْسَ كُلُّ مَكِيلٍ بِحَبٍّ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ. فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَبٍّ. قَوْلُهُ (وَلَا بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ. وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ إلَّا فِي الْعَرَايَا. وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِهِ مِنْ التَّمْرِ كَيْلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ) . " الْعَرَايَا " الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا: هِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، سَوَاءٌ كَانَ

مَوْهُوبًا أَوْ غَيْرُ مَوْهُوبٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تَخْصِيصُ الْعَرَايَا بِالْهِبَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي رِوَايَةٍ سِنْدِيٍّ وَابْنِ الْقَاسِمِ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ لِلْجَارِ أَوْ ابْنِ الْعَمِّ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ، مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. فَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا لِلرِّفْقِ. قَوْلُهُ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) . يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْأَوْسُقُ أَصْلًا فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْوَاهِبَ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَخُرُوجُهُ فِي بُسْتَانِهِ، أَوْ يَكْرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ دُخُولَ بُسْتَانِ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَغْرَبَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي ذَلِكَ. وَلَا نَظِيرَ لَهُ. قَوْلُهُ (لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ) . وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِ التَّمْرِ وَلَا تَمْرَ مَعَهُ إلَّا الرُّطَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَعَلَّلُوهُ فَقَالُوا: جَوَازُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. لِأَنَّهُ إذَا جَازَ

مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ فَلِحَاجَةِ الِاقْتِيَاتِ أَوْلَى. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَعَلَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْحَاجَةِ: إذَا كَانَتْ مَوْهُوبَةً وَيَشُقُّ عَلَى الْوَاهِبِ دُخُولُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَخُرُوجُهُ، أَوْ يَكْرَهُ الْوَاهِبُ دُخُولَ غَيْرِهِ. فَيَجُوزُ الْبَيْعُ إذًا. تَنْبِيهٌ: يَكْتَفِي بِالْحَاجَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي: اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ مِنْ جَانِبَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي الْمُتَقَدِّمَةِ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْقِيَامُ عَلَيْهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي، وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ حَاجَةِ الْبَائِعِ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ وَسْقٍ فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْحَاجَةِ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَرِيقَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَيُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ مِثْلَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَفَافِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعْطِيهِ مِثْلَ رُطَبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ.

قِيلَ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ تَنْبِيهٌ: تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا شُرُوطٌ. بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَمِنْهَا: كَوْنُهُ رُطَبًا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ بِتَمْرٍ. وَمِنْهَا: كَوْنُهَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمِنْهَا: كَوْنُهَا خَرْصًا لَا جُزَافًا. وَمِنْهَا: كَوْنُ الْمَبِيعِ بِتَمْرٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا رُطَبًا. وَمِنْهَا: كَوْنُ التَّمْرِ الْمُشْتَرَى بِهِ كَيْلًا لَا جُزَافًا. وَمِنْهَا: كَوْنُ التَّمْرِ مِثْلَ مَا حَصَلَ بِهِ الْخَرْصُ، لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. وَمِنْهَا: الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَسَبِهِ. فَقَيْدُ النَّخْلَةِ: بِالتَّخْلِيَةِ، وَفِي التَّمْرِ: بِكَيْلِهِ. فَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ مَشَى إلَى الْآخَرِ فَسَلَّمَهُ جَازَ التَّبَايُعُ. وَيَأْتِي إذَا تَرَكَ الرُّطَبَ حَتَّى أَثْمَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. وَمِنْهَا: الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ أَوْ التَّمْرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُشْتَرِي نَقْدٌ يَشْتَرِي بِهِ. فَهَذِهِ تِسْعَةُ شُرُوطٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ مَنْ يَتَعَدَّاهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا

فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي الْعِنَبِ وَحْدَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ فِي الْقِيَاسِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ التَّمْرِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ: جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الزَّرْعِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ بَيْعِ الْخُبْزِ الطَّرِيِّ بِالْيَابِسِ فِي بَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَنَحْوِهَا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَزَادَ: بَيْعُ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ نَظَرًا لِلْحَاجَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيهِ الرِّبَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَمَعَ أَحَدِهَا أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا، كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمُوهُ وَنَصَرُوهُ. وَيَأْتِي: إذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُدَّيْنِ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ وَاحِدٍ، أَوْ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ نَقْدٍ وَاحِدٍ وَعَنْهُ يَجُوزُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَكُونُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ فَعَلَيْهَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ بِمُدٍّ وَدِرْهَمَيْنِ، وَمُدَّيْنِ بِدِرْهَمٍ وَمُدٍّ. وَدِرْهَمٍ وَمُدٍّ بِدِرْهَمٍ وَمُدٍّ. وَمُدَّيْنِ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَعَكْسُهُ. وَلَا يَجُوزُ دِرْهَمٌ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ، وَلَا مُدٌّ بِدِرْهَمٍ وَمُدٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: التَّسَاوِيَ. وَجَعَلَ كُلَّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ جِنْسِهِ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْجِنْسِ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ. لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقِيمَةِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا.

وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَجُوزُ، إنْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي مَعَهُ مَقْصُودًا، كَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي فَوَائِدِهِ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْحِيلَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَهِيَ أَظْهَرُهُمَا. لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ وَتَلِفَ لَمْ يَدْرِ بِمَ يَرْجِعُ؟ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ. وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَلَّى بِجِنْسِ حِلْيَتِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي بَيْعِهِ بِنَقْدٍ آخَرَ رِوَايَتَانِ. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ. رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُقْتَدَى وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ جَزَمَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ، كَأَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، كَالتَّمِيمِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى الْخِلَافَ، كَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَنَقَلَ الْبُزْرَاطِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَشْهَدُ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي حُلِيٍّ صُنِعَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ وَمِائَةٍ نُحَاسٍ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كُلِّهِ بِالْفِضَّةِ وَلَا بِالذَّهَبِ، وَلَا بِوَزْنِهِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى تَخْلُصَ الْفِضَّةُ مِنْ النُّحَاسِ وَيَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْجُمَلِ، وَتَوْزِيعِ الْجُمَلِ عَلَى الْجُمَلِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لِلْأَصْحَابِ فِي تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَا أَخَذَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ: يُقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا: إمَّا إلَى تَعْيِينِ التَّفَاضُلِ، وَإِمَّا إلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي. وَكِلَاهُمَا مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِي بَابِ الرِّبَا. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ. سَدًّا لِذَرِيعَةِ الرِّبَا. فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَلِكَ حِيلَةٌ عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ وَاقِعٌ. كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ، جُعِلَا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا. فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا مَقْصُودَيْنِ، حَسْمًا لِهَذِهِ الْمَادَّةِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيمَاءٌ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ. فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَدِينَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ زَرْعٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ نَقْدٍ وَاحِدٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ، لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِجَوَازِ أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ. فَيَقْبِضُ قِيمَتَهُ وَحْدَهُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَدَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْقِيَاسَ الْأَوَّلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا، وَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَبِنِصْفِهِ فُلُوسًا، أَوْ حَاجَةً أُخْرَى: جَازَ. كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا، وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا جَازَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، كَدِينَارٍ قِرَاضَةً

وَهُوَ قَطْعُ الذَّهَبِ وَصَحِيحٌ بِصَحِيحَيْنِ) وَكَذَا عَكْسُهُ (جَازَ) . وَكَذَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ، أَوْ تَمْرًا بِرْنِيًّا وَمَعْقِلِيًّا بِإِبْرَاهِيمِيٍّ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِب التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْفَائِقِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ نَقْدًا فَكَمُدِّ عَجْوَةٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَمَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَفُرُوعُهَا: الرِّبَا فِيهَا مَقْصُودٌ. فَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِمَا أَمَّا إذَا كَانَ الرِّبَا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ. أَحَدُهَا: مَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً، وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا. كَتَزْوِيقِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا ثَوْبٌ طِرَازُهُ ذَهَبٌ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ بِالِاتِّفَاقِ. الثَّانِي: مَا يُقْصَدُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ أَصْلًا لِمَالِ الرِّبَا. كَبَيْعِ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ بِمَالٍ مِنْ جِنْسِهِ. فَهَذَا لَهُ حُكْمٌ يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. الثَّالِثُ: مَا لَا يُقْصَدُ وَهُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ لِمَالِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بِمَا فِيهِ مِنْهُ. وَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُمْكِنَ إفْرَادُ التَّابِعِ بِالْبَيْعِ. كَبَيْعِ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ بِرُطَبٍ. فَفِيهِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. الثَّانِي: الْجَوَازُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنِ بَطَّةَ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ مِمَّا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ. كَبَيْعِ شَاةٍ لَبُونٍ بِلَبَنٍ، أَوْ ذَاتِ صُوفٍ بِصُوفٍ، وَبَيْعِ التَّمْرِ بِالنَّوَى. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " فِي بَيْعِ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ نَوًى، وَاللَّبَنِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ، وَالصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ رِوَايَتَانِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ وَالصُّوفِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ أَوْ صُوفٍ. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نَوًى بِتَمْرٍ بِنَوَاهُ. قَالَ الشَّارِحُ [عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ] يَجُوزُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا. عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَلَعَلَّ الْمَنْعَ يَنْزِلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ مَقْصُودًا. فَالْجَوَازُ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْقَصْدِ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَشَهِدَ لَهُ تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ الْجَوَازَ بِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ بَيْعِ تَمْرٍ بِلَا نَوًى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى. وَإِنْ أَبَحْنَاهُ فِي عَكْسِهَا.

وَقِيلَ: يُبَاحُ كَالْعَكْسِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ مُدِّ عَجْوَةٍ. فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ فِيهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِزِيَادَةِ الْمُفْرَدِ عَلَى مَا مَعَهُ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الَّذِي لَهُ مَالٌ بِمَالٍ دُونَ الَّذِي مَعَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالنَّوَى بِالتَّمْرِ: وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ فِيهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مَسَائِلِ مُدِّ عَجْوَةٍ. فَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ لَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. كَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ. وَكَذَلِكَ حَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً فِي بَيْعِ الشَّاةِ ذَاتِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ بِالصُّوفِ وَاللَّبَنِ: أَنَّهُ يَجُوزُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الشَّاةِ مِنْ جِنْسِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَلَعَلَّ هَذَا مَعَ قَصْدِ اللَّبَنِ وَالصُّوفِ بِالْأَصَالَةِ، وَالْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. وَإِنْ حُمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ هُنَا لَا عِبْرَةَ بِهَا. وَأَنَّ الرَّاوِيَ التَّابِعَ كَغَيْرِهِ. فَهُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ . قَوْلُهُ (وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: وَمَرَدُّ الْكَيْلِ: عُرْفُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنِ: عُرْفُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّ عِبَارَاتِ الْأَوَّلِينَ مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا: لَكَانَ مُتَّجَهًا. وَيُقَوِّي ذَلِكَ: أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ جَزَمَ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ إطْلَاعِهِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ» فَدَلَّ أَنَّ مُرَادَهُمْ مَا قُلْنَاهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَرْجِعُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ: إلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَرَدَ فِي الْمُحَرَّرِ الْكَيْلُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ إلَى مَكَّةَ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْخِلَافَ، فَظَاهِرُهُمَا: التَّغَايُرُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُمَا حَكَيَا عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَمَا لَا عُرْفَ لَهُمْ بِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ) . أَصْلُهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي [فِي التَّعْلِيقِ] . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدِمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ فِي الْوَزْنِ لَا غَيْرَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اخْتَلَفَ عُرْفُ الْبِلَادِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ: تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الثَّانِي.

وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: إنْ تَعَذَّرَ رَجَعَ إلَى عُرْفِ بَلَدِهِ. قَالَهُ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: الْمَائِعُ كُلُّهُ مَكِيلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْأَدْهَانُ، وَالزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ، وَالْعَسَلُ، وَالدِّبْسُ، وَالْخَلُّ، وَاللَّبَنُ، وَنَحْوُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا مَكِيلَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَدْهَانُ مَكِيلَةٌ. وَفِي اللَّبَنِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، إلَّا فِي اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِمَا. وَقَدَّمَ فِي مَوْضِعٍ: أَنَّ اللَّبَنَ مَكِيلٌ. وَقَالَ: الزُّبْدُ مَكِيلٌ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ السَّلَفِ فِي اللَّبَنِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّ الدُّهْنَ وَاللَّبَنَ مَكِيلٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يُبَاعُ السَّمْنُ بِالْوَزْنِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُبَاعَ بِالْكَيْلِ. وَجَزَمَا بِأَنَّ الزُّبْدَ مَوْزُونٌ. وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ الْعَسَلَ مَوْزُونًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَالْخُبْزُ إذَا يَبِسَ وَدُقَّ وَصَارَ فَتِيتًا بِيعَ كَيْلًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ وَجْهٌ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ. انْتَهَى. وَالدَّقِيقُ مَكِيلٌ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا. وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا وَأَصْلُهُ مَكِيلٌ، كَالْخُبْزِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. الثَّانِيَةُ: مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْزُونِ: الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالنُّحَاسُ الْأَصْفَرُ، وَالرَّصَاصُ وَالزِّئْبَقُ، وَالْكَتَّانُ، وَالْقُطْنُ، وَالْحَرِيرُ، وَالْقَزُّ، وَالصُّوفُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ، وَالْغَزْلُ، وَاللُّؤْلُؤُ، وَالزُّجَاجُ، وَاللَّحْمُ، وَالشَّحْمُ، وَالشَّمْعُ، وَالزَّعْفَرَانُ، وَالْعُصْفُرُ، وَالْوَرْسُ، وَالْخُبْزُ، وَالْجُبْنُ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَمِنْ ذَلِكَ: الْبُقُولُ، وَالسَّفَرْجَلُ، وَالتُّفَّاحُ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْخَوْخُ، وَالْإِجَّاصُ، وَكُلُّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَكِيلِ: كُلُّ حَبٍّ، وَبِزْرٍ، وَأَبَازِيرَ، وَجَصٍّ، وَنَوْرَةٍ، وَأُشْنَانَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ ثَمَرِ النَّخْلِ، مِنْ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَسَائِرِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الثِّمَارِ. كَالزَّبِيبِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبُنْدُقِ، وَاللَّوْزِ، وَالْعُنَّابِ، وَالْمِشْمِشِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْبُطْمِ، وَالْبَلَحِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِكَيْلٍ لَمْ يَعْهَدْ . قَوْلُهُ (وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ: فَكُلُّ شَيْئَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا. عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ. لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا. وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) . فَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَيَحْرُمُ مُدَبَّرٌ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِمَا. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ صَرَفَ الْفُلُوسَ النَّافِقَةَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ: لَمْ يَجُزْ النَّسَاءُ فِيهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَازَ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إنْ قُلْنَا هِيَ عُرُوضٌ: جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ إسْلَامُ الدَّرَاهِمِ فِي الْفُلُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ ثَمَنًا. وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ ثَمَنًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ مَكِيلًا بِمَوْزُونٍ جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا: جَازَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (وَفِي النَّسَاءِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبُ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِلَّةِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ رِبَوِيٍّ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَبِيعِينَ غَيْرَ رِبَوِيٍّ كَالْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِالْمَعْدُودِ رِوَايَتَيْنِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ هُنَا: الصِّحَّةُ. قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَالْمُصَنِّفُ،

وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ مَطْعُومًا حَرَّمَ النَّسَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِي كُلِّ مَالٍ بِيعَ بِآخَرَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْقَاضِي: وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. فَعَلَيْهِمَا عِلَّةُ النَّسَاءِ: الْمَالِيَّةُ، وَضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: وَلَوْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ، وَالْعُرُوضُ نَقْدًا وَالدَّرَاهِمُ نَسِيئَةً: جَازَ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ: لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى النَّسِيئَةِ فِي الْعُرُوضِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ. وَيَجُوزُ فِي الْجِنْسَيْنِ، كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوَانِ. فَالْجِنْسُ أَحَدُ صِفَتَيْ الْعِلَّةِ: فَأَثَرَ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يَجُوزُ النَّسَاءُ إلَّا فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْجِنْسُ شَرْطٌ مَحْضٌ. فَلَمْ يُؤَثِّرْ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ شَرْطٍ، كَالْإِحْصَانِ مَعَ الزِّنَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَحْرُمُ. فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا نَقْدٌ: فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ نَسِيئَةً جَازَ. وَإِنْ كَانَ نَقْدًا وَالْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَةٌ يَحْرُمُ بِأَفْضَلَ مِنْ جِنْسِهِ. لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَهُوَ بَيْع الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَهُ صُوَرٌ. مِنْهَا: بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ حَالًّا مِنْ عُرُوضٍ أَوْ أَثْمَانٍ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: جَعْلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ دَيْنًا. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَصَادَقَا وَلَمْ يَحْضُرَا شَيْئًا. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَا حَالَيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْجَوَازَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا جَازَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ. وَكَانَ الْعَيْنُ بِالدَّيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْأَظْهَرُ لَا يُشْتَرَطُ حُلُولُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُقَاصَّةِ. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ، إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى ثَمَنِهِ " فَنَذْكُرُهَا فِي آخِرِ السَّلَمِ وَالْخِلَافُ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ. ثُمَّ افْتَرَقَا: بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي الصَّرْفِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَفِي الْآخَرِ: يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُمَا مُبَيِّنَانِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقَدْ عَلِمْت فِيمَا مَضَى الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَارَفَا ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ: بَطَلَ الْعَقْدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَفِي الْأُخْرَى: إنْ قَبَضَ عِوَضَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَمْ يَبْطُلْ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَصَارَفَا وَوَجَدَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَهُ عَيْبًا، أَوْ غَصْبًا. فَتَارَةً يَكُونُ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى عَيْنَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى عَيْنَيْنِ، فَتَارَةً يَكُونُ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَتَارَةً يَكُونُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَتَارَةً أَيْضًا يَكُونُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ. إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ فِي الذِّمَّةِ فَتَارَةً يَكُونُ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: فَتَارَةً يَكُونُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَتَارَةً أَيْضًا يَكُونُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنَيْنِ. فَهَذِهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ. أَرْبَعَةٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنَيْنِ. وَأَرْبَعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ.

وَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ تَارَةً تَكُونُ الْمُصَارَفَةُ فِيهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَتَارَةً تَكُونُ مِنْ جِنْسَيْنِ. فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً. فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَلَوْ بِوَزْنٍ مُتَقَدِّمٍ يَعْلَمَانِهِ، أَوْ إخْبَارِ صَاحِبِهِ، وَكَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا الْبَغْلَ. فَإِذَا هُوَ حِمَارٌ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقَعُ لَازِمًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ الْبَدَلِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ بِمَا فِي الدِّينَارِ مِنْ الذَّهَبِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَيَبْطُلُ فِي الْبَاقِي، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَبْعِيضِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيِّ فِي خِصَالِهِ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَإِنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ وَقُلْنَا: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَتَارَةً يَكُونُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْعَقْدِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: يَبْطُلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ جَعْفَرٍ وَابْنِ الْحَكَمِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ قَبُولُهُ، وَأَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ. وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْخِرَقِيِّ.

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَظَاهِرُ مَا أَوْرَدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ مَذْهَبًا. وَإِحْدَى نُسَخِ الْخِرَقِيِّ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ. وَقَيَّدَهُ فِي الْوَجِيزِ بِالْمَجْلِسِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّهُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: يَبْطُلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ جَعْفَرٍ وَابْنِ الْحَكَمِ، كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ قَبُولُهُ وَأَخْذُ أَرْشِ الْعَيْبِ، وَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ. لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ، كَبَيْعِ بُرٍّ بِشَعِيرٍ، فَيَجِدُ أَحَدُهُمَا عَيْبًا. فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ دِرْهَمًا بَعْدَ التَّفَرُّقِ. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَهُ رَدَّهُ، سَوَاءٌ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ. وَلَا بَدَلَ لَهُ. لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ، إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ لَهُ رَدَّهُ وَبَدَلَهُ. وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْعَيْبِ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الذِّمَّةِ عَلَى جِنْسَيْنِ، وَكَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ. فَتَارَةً يَجِدُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَتَارَةً بَعْدَهُ. فَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَالصَّرْفُ صَحِيحٌ. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ. وَلَهُ الْإِمْسَاكُ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْجِنْسَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْبَدَلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، فَالصَّرْفُ أَيْضًا صَحِيحٌ. ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرَّدِّ

وَالْإِمْسَاكِ. فَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ. فَعَنْهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ. وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْخَلَّالِ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى رِوَايَةً ثَالِثَةً أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَ. قَالَ: وَهِيَ بَعِيدَةٌ. فَعَلَى الْأُولَى: إنْ وَجَدَ الْبَعْضُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ: بَطَلَ فِيهِ. وَفِي الْبَقِيَّةِ: رِوَايَتَانِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. وَالْمُصَنِّفِ أَطْلَقَ هُنَا الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ بَدَلُ الْمَرْدُودِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ: فَلَهُ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ، لَكِنْ إنْ طَلَبَ مَعَهُ الْأَرْشَ. فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمُحَقَّقُ. وَقَالَ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَهُ الْأَرْشُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، لَا الْأُولَى. انْتَهَى. إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فِيمَا إذَا كَانَا جِنْسَيْنِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ رَدَّهُ، وَأَخَذَ بَدَلَهُ. وَالصَّرْفُ صَحِيحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّرْفُ فَاسِدٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُجِدَ الْعَيْبُ فِي الْبَعْضِ، فَبَعْدَ التَّفَرُّقِ يَبْطُلُ فِيهِ. وَفِي غَيْرِ الْمَعِيبِ رِوَايَتَانِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ بِبَدَلِهِ. وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فُسِخَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُحَقَّقُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ عِنْدِي. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ. وَأَجْرَى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَمَاعَةٌ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ مِنْ الْجِنْسِ. إحْدَاهُمَا: بُطْلَانُ الْعَقْدِ بِرَدِّهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَبْطُلُ، وَبَدَلُهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ يَقُومُ مَقَامَهُ. فَمُجَرَّدُ وُجُودِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ عِنْدَهُمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا يَبْطُلُ، قَوْلًا وَاحِدًا. عَكْسُ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذُكِرَتْ: فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُصَارَفَةُ فِي جِنْسَيْنِ. وَحُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسَيْنِ إلَّا فِي أَخْذِ الْأَرْشِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ جِنْسِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ قَرِيبًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّلَمِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا: فَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي بَابِ السَّلَمِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: يَجُوزُ اقْتِضَاءُ نَقْدٍ مِنْ آخَرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَحَنْبَلٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ " وَإِذَا اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ ".

وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْضُرَ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرٌّ بِسِعْرِ يَوْمِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَيَكُونُ صَرْفًا بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُلُولُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ: تَوَقَّفَ أَحْمَدُ. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: حَالًّا. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ذَهَبٌ، فَقَبَضَ مِنْهُ دَرَاهِمَ مِرَارًا. فَإِنْ كَانَ يُعْطِيهِ كُلَّ دِرْهَمٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّينَارِ: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَحَاسَبَا بَعْدُ، فَصَارَفَهُ بِهَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ: لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ كَانَ فِي ذِمَّتَيْهِمَا فَاصْطَرَفَا. فَنَصُّهُ: لَا يَصِحُّ. وَخَالَفَ شَيْخُنَا. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: مَتَى صَارَفَهُ وَتَقَابَضَا: جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَخَذَ مِنْهُ بِلَا مُوَاطَأَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ [فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي الْمَجْلِسِ. قَدَّمَهُ] فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، إلَّا أَنْ يَمْضِيَ لِيُصَارَفَ غَيْرَهُ. فَلَمْ يَسْتَقِمْ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: مَا يُعْجِبُنِي، إلَّا أَنْ يَمْضِيَ فَلَمْ يَجِدْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ: مِنْ غَيْرِهِ أَعْجَبَ إلَيَّ قَوْلُهُ (وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنْكَرَ ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَكْثَرُونَ أَثْبَتُوهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَافَّةً. انْتَهَى. وَعَنْهُ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ (تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ) . يَعْنِي فِي جَمِيعِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا. مِنْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا. وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَيُحْكَمُ بِمِلْكِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ. فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا، وَإِنْ تَلْفِت: فَمِنْ ضَمَانِهِ. وَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: خُيِّرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْسَاكِ بِلَا أَرْشٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مِثْلَيْنِ، كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا بِجَوَازِ أَخْذِ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ مِثْلِهِ، كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُشْتَمِلًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، فِي هَذَا التَّفْرِيعِ: فَإِنْ أَمْسَكَ فَلَهُ الْأَرْشُ، إلَّا فِي صَرْفِهَا بِجِنْسِهَا [وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّهُ أَجْرَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ] .

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالْأَرْشِ " وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَطْلَقَ التَّخْرِيجَ. فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْجِنْسُ وَالْجِنْسَانِ، وَفِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ. انْتَهَى. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَهُ إبْدَالُهَا مَعَ عَيْبٍ وَغَصْبٍ، وَلَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي إلَّا بِقَبْضِهَا. وَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكُ الْبَائِعِ، وَإِنْ تَلِفَتْ: فَمِنْ ضَمَانِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ، وَتَشَاحَّا فِي التَّسْلِيمِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إلَيْهِمَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: هُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ. يَعْنِي أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا. ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، فِي آخِرِ فَصْلِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُحَرَّرًا. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَبِهِ عَيْبٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي. فَفِيهِ طَرِيقَانِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ: هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ " فَلْيُعَاوَدْ قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) . يَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَارِ الْإِسْلَامِ، بِلَا نِزَاعٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فِي بَابِ الْجِهَادِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: يَجُوزُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ الَّذِي لَا أَمَانَ بَيْنَهُمَا. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ دَخَلَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ بِأَمَانٍ لَمْ يَخُنْهُمْ فِي مَالِهِمْ، وَلَا يُعَامِلُهُمْ بِالرِّبَا.

وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَلَمْ يُقَيِّدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الْأَمَانِ. وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ: لَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَأَقَرَّهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِهَا. قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمُوجَزِ، وَحَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي التَّبْصِرَةِ وَغَيْرِهَا: لَمْ يُقَيِّدْهَا بِعَدَمِ الْأَمَانِ. فَيَدْخُلُ فِيهَا لَوْ كَانُوا بِدَارِنَا أَوْ دَارِهِمْ بِأَمَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَرِوَايَةُ التَّبْصِرَةِ أَعَمُّ لِشُمُولِهَا دَارَ الْحَرْبِ وَدَارَ الْإِسْلَامِ، بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَرِوَايَةُ الْمُوجَزِ أَخَصُّ، لِقُصُورِهَا عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَحَمْلِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمْ أَمَانٌ أَوْ لَا، وَلَا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ ظَاهِرَهَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ. فَإِنَّ هَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: مَالُ كَافِرٍ مُصَالِحٍ مُبَاحٌ بِطِيبِ نَفْسِهِ. وَالْحَرْبِيُّ مُبَاحٌ أَخْذُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَائِدَةٌ: لَا رِبَا بَيْنَ عَبْدٍ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ وَلَدٍ وَنَحْوِهِمْ، وَبَيْنَ سَيِّدِهِمْ. هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَالْتَزَمَ الْمَجْدُ فِي مَوْضِعِ جَرَيَانِ الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إذَا قُلْنَا بِمِلْكِهِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُكَاتَبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا رِبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ كَعَبْدِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَالُ الْكِتَابَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ. قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَغَيْرُهُمْ هُنَاكَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ زَادَ الْأَجَلُ وَالدَّيْنُ: جَازَ فِي احْتِمَالٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابَةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي

باب بيع الأصول والثمار

[بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ] ِ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ دَارًا: تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا وَبِنَاءَهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " أَرْضَهَا " الْمَعْدِنَ الْجَامِدَ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَشْمَلُ الْمَعَادِنَ الْجَارِيَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ. فَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي. وَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ " إذَا ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَاهُ مَعْدِنٌ جَارٍ: هَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا؟ " وَيَدْخُلُ أَيْضًا: الشَّجَرُ وَالنَّخْلُ الْمَغْرُوسُ فِي الدَّارِ، قَوْلًا وَاحِدًا. عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ فِيهِ احْتِمَالَانِ. فَائِدَةٌ: مَرْفِقُ الْأَمْلَاكِ كَالطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ، وَمَسِيلُ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ، أَوْ يَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ الِاخْتِصَاصِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَالْغَصْبِ. وَدَلَّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَطَرَدَ الْقَاضِي ذَلِكَ حَتَّى فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ. وَرَتَّبَ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الْفِنَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، إذْ اسْتِطْرَاقُهُ عَامٌّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا بِطَرِيقِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْفِنَاءِ. لِأَنَّهُ مِنْ الْحُقُوقِ كَمَسِيلِ الْمِيَاهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْمِلْكُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكُلِّ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى مِلْكِ حَرِيمِ الْبِئْرِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. قَوْلُهُ (إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا، كَالْمِفْتَاحِ وَحَجَرِ الرَّحَا الْفَوْقَانِيِّ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي،

وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: لَا يَدْخُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَدْخُلُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ الْمِفْتَاحُ. وَلَا يَدْخُلُ الْحَجَرُ الْفَوْقَانِيُّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ بَاعَ الدَّارَ وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهَا " فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَاءُ الْبِئْرِ الَّتِي فِي الدَّارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ وَأَصْلُهُمَا: هَلْ يَمْلِكُ الْمَاءَ أَوْ لَا؟ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ مَتَاعٌ، وَطَالَتْ مُدَّةُ نَقْلِهِ وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِفَوْقِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَهُوَ عَيْبٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَرْضٍ بِهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ. فَلَوْ تَرَكَهُ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَغَيْرُهُ: لَوْ قَالَ: تَرَكْته لَك، فَفِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا وَجْهَانِ وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ نَقْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: مَعَ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَيَنْقُلُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ. فَلَا يَلْزَمُ لَيْلًا، وَلَا جَمْعُ الْحَمَّالِينَ. وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ مُشْتَرٍ بِبَقَائِهِ. فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الْأُولَى أَنَّ لَهُ إجْبَارَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا بِحُقُوقِهَا، دَخَلَ غِرَاسُهَا وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: بِحُقُوقِهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهَادِي، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَدْخُلُ. وَالْبَائِعُ تَبْقِيَتُهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: حُكْمُ الْأَرْضِ إذَا رَهَنَهَا حُكْمُهَا إذَا بَاعَهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: هَلْ يَتَّبِعُهُمَا فِي الرَّهْنِ. كَالْبَيْعِ، إذَا قُلْنَا يَدْخُلُ أَوَّلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِضَعْفِ الرَّهْنِ عَنْ الْبَيْعِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهَا بُسْتَانًا بِحُقُوقِهِ دَخَلَ الْبِنَاءُ، وَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالنَّخْلُ، وَالْكَرْمُ وَعَرِيشُهُ الَّذِي يَحْمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهِ " فَفِي دُخُولِ الْبِنَاءِ غَيْرُ الْحَائِطِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيمَا فِيهِ مِنْ بِنَاءِ غَيْرِ الْحِيطَانِ وَجْهَانِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قَالَ " بِحُقُوقِهِ " أَوْ لَا وَهِيَ طَرِيقَةٌ فِي الْمَذْهَبِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهُ شَجَرَةً فَلَهُ بَيْعُهَا فِي أَرْضِ الْبَائِعِ كَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاجْتِيَازِ، وَلَهُ الدُّخُولُ لِمَصَالِحِهَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ بَاعَ قَرْيَةً، لَمْ تَدْخُلْ مَزَارِعُهَا إلَّا بِذِكْرِهَا.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَوْ قَرِينَةٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ أَوْلَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ شَجَرٌ بَيْنَ بُنْيَانِهَا، وَلَمْ يَقُلْ " بِحُقُوقِهَا " فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ نَقْلًا وَمَذْهَبًا. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا بِدُخُولِهِ. السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ شَجَرَةً. فَهَلْ يَدْخُلُ مَنْبَتَهَا فِي الْبَيْعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَحَكَى عَنْ ابْنِ شَاقِلَا: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الدُّخُولُ، حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِشَجَرَةٍ لِرَجُلٍ هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ انْقَلَعَتْ فَلَهُ إعَادَةُ غَيْرِهَا مَكَانَهَا. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاقِلَا. كَالزَّرْعِ إذَا حُصِدَ، فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَرْضِ سِوَى حَقِّ الِانْتِفَاعِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ يَجُزْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كَالرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ) أَوْ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ [فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي. وَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ وَاللُّقَطَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ الْقِثَّاءِ، وَالْبَاذِنْجَان] لِلْبَائِعِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَأَصْلُهُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ قَالَ " بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا " دَخَلَ فِيهَا ذَلِكَ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: هَلْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَالشَّجَرِ، أَوْ كَالزَّرْعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا كَالشَّجَرِ، انْبَنَى عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ: هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ كَالزَّرْعِ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَجْهًا وَاحِدًا.

وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّجَرِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأَرْضِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَجْدِ. وَقِيلَ: يَتَّبِعُ، وَجْهًا وَاحِدًا. بِخِلَافِ الشَّجَرِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ الْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ مِمَّا يُؤْخَذُ زَهْرُهُ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ، كَالْبَنَفْسَجِ وَالنَّرْجِسِ، وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَاللِّينُوفَرِ، وَنَحْوِهِ. فَإِنْ تَفَتَّحَ زَهْرُهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَتَفَتَّحْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ التَّفْصِيلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ، مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ) وَكَذَلِكَ الْقُطْنِيَّاتُ وَنَحْوُهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ كَانَ الزَّرْعُ بَدَا صَلَاحُهُ: لَمْ يَتَّبِعْ الْأَرْضَ. وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتْبَعْ أَخْذَ الْبَائِعِ بِقَطْعِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا. مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى. كَذَا مَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ، كَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَالْقَتِّ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ. إلَّا أَنَّ الْعُرُوقَ لِلْمُشْتَرِي. فَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالزَّرْعِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ الْجَوْزُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ " يَعْنِي بِلَا أُجْرَةٍ. وَيَأْخُذُ أَوَّلَ وَقْتِ أَخْذِهِ زَادَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَهُ.

وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ فِي عَادَةِ أَخْذِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِلْبَائِعِ، أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرٌ لِلْبَائِعِ، وَظَنَّ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِهِ، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ: فَلَهُ الْفَسْخُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ بَذْرٌ. فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ، كَالنَّوَى وَبَذْرِ الرَّطْبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى أَصْلُهُ، كَالزَّرْعِ وَنَحْوِهِ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ الْبَادِي. هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا جَمِيعًا. لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُودَعَةٌ فِي الْأَرْضِ، فَكَانَتْ فِي حُكْمِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْمَدْفُونَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. . قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: وَالْبَذْرُ إنْ بَقِيَ أَصْلُهُ فَكَشَجَرٍ. وَإِلَّا كَزَرْعٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَدْخُلُ. وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْبَذْرَ لَا يَدْخُلُ. لِأَنَّهُ مُودَعٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: فِي بَذْرٍ وَزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، قِيلَ: يَتْبَعُ الْأَرْضَ. وَقِيلَ: لَا. وَيُؤْخَذُ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ إنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ الْأَرْضَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْبَذْرِ. فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ: إنْ ذَكَرَ قَدْرَهُ وَوَصْفَهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا وَهُوَ مَا تَشَقَّقَ طَلْعُهُ) التَّأْبِيرُ: هُوَ التَّلْقِيحُ. وَهُوَ وَضْعُ الذَّكَرِ فِي الْأُنْثَى. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسَّرَهُ بِالتَّشَقُّقِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَقِّحْ. لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى. وَعَلَى هَذَا إنَّمَا نِيطَ الْحُكْمُ بِالتَّأْبِيرِ فِي الْحَدِيثِ لِمُلَازَمَتِهِ لِلتَّشَقُّقِ غَالِبًا. إذَا عَلِمْت هَذَا، فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَبَالَغَ الْمُصَنِّفُ. فَقَالَ: لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالتَّأْبِيرِ وَهُوَ التَّلْقِيحُ لَا بِالتَّشَقُّقِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. فَعَلَيْهَا: لَوْ تَشَقَّقَ وَلَمْ يُؤَبِّرْ: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. وَنَصَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلٌّ مُفْتَقِرٌ إلَى صُنْعٍ كَثِيرٍ لَا يَكُونُ ظُهُورُهُ الْفَصْلُ، بَلْ إيقَاعُ الْفِعْلِ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَتَلَخَّصَ: أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ: فَغَيْرُ مُؤَبَّرٍ. وَمَا تَشَقَّقَ وَلُقِّحَ: فَمُؤَبَّرٌ، وَمَا تَشَقَّقَ وَلَمْ يُلَقَّحْ: فَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ " طَلْعُ الْفِحَالِ " يُرَادُ لِلتَّلْقِيحِ، كَطَلْعِ الْإِنَاثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالَ: أَنَّهُ لِلْبَائِعِ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (فَالتَّمْرُ لِلْبَائِعِ، مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ إلَى الْجُذَاذِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ قَطْعُهُ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ سَائِرِ الْعُقُودِ فِي ذَلِكَ كَالْبَيْعِ فِي أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ: يَلْحَقُ بِأَصْلِهِ، وَمَا

أَبَرَّ: لَا يَلْحَقُ. وَذَلِكَ مِثْلُ الصُّلْحِ، وَالصَّدَاقِ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَالْأَجْرِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالشُّفْعَةِ، إلَّا أَنَّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ يَتْبَعُ فِيهِ الْمُؤَبِّرَ، إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ. وَأَمَّا الْفُسُوخُ: فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهُمَا: يَتْبَعُ الطَّلْعَ مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ رُفِعَ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَتْبَعُ بِحَالٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَالْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ. هَذَا كُلُّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ لَا يَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ: فَيَتْبَعُ الطَّلْعَ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِالثَّالِثِ. وَصَرَّحَ فِي الْمُغْنِي بِالثَّانِي. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِفْلَاسِ، وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ، فَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِمَا الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ إذَا بَقِيَتْ إلَى يَوْمِ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ قَوْلِهِ " مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ إلَى الْجُذَاذِ " إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ بُسْرًا، أَوْ يَكُونُ بُسْرُهُ خَيْرًا مِنْ رُطَبِهِ. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ: فَإِنَّهُ يَجُذُّهُ حِينَ اسْتِحْكَامِ حَلَاوَةِ بُسْرِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تَبْقَى إلَى وَقْتِ الْجُذَاذِ. وَلَوْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَبْقَى فِي بَقَائِهَا فَائِدَةٌ وَلَا زِيَادَةٌ. وَهَذَا أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ، وَالْآخَرُ: يُقْطَعُ فِي الْحَالِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ قَبْلَ الْجُذَاذِ، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ بِذَلِكَ ضَرَرًا كَبِيرًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَى قَطْعِهَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ) يَعْنِي: يَكُونُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي شَجَرِهِ إلَى اسْتِوَائِهِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَا يَحْمِلُ الشَّجَرُ يَظْهَرُ بَارِزًا لَا قِشْرَ عَلَيْهِ كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالتُّوتِ وَالْجُمَّيْزِ وَاللَّيْمُونِ وَالْأُتْرُنْجِ وَنَحْوِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِشْرٌ يَبْقَى فِيهِ إلَى أَكْلِهِ، كَالرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَنَحْوِهِمَا. أَوْ لَهُ قِشْرَانِ، كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهِمَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا لَهُ قِشْرَانِ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ، إلَّا بِتَشَقُّقِ قِشْرِهِ الْأَعْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ. وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ الْمَوْزُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا. وَالْبَاقِلَّاءُ فِي قِشْرَةٍ لَا يَتْبَعُ الْأَصْلَ. لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِظُهُورِهِ. وَرَدَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ، الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: الِاعْتِبَارُ بِانْعِقَادِ لُبِّهِ. فَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ: تَبِعَ أَصْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا . قَوْلُهُ (وَمَا ظَهَرَ مِنْ نُورِهِ كَالْمِشْمِشِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُشْتَرِي) أَنَاطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحُكْمَ بِالظُّهُورِ مِنْ النُّورِ. فَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ تَنَاثَرَ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: إنْ تَنَاثَرَ نُورُهُ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَإِلَّا فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.

لِأَنَّ ظُهُورَ ثَمَرِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَنَاثُرِ نُورِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْبَائِعِ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ النُّورِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي احْتِمَالًا، جَعْلًا لِلنُّورِ كَمَا فِي الطَّلْعِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ كَالْوَرْدِ، وَالْقُطْنِ: لِلْبَائِعِ) . بِلَا نِزَاعٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا الْيَاسَمِينُ، وَالْبَنَفْسَجُ، وَالنَّرْجِسُ، وَنَحْوِهِ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: الْقُطْنُ كَالطَّلْعِ وَأَلْحَقُوا بِهِ هَذِهِ الزُّهُورَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ هَذَا الْمُنَظِّمَ هُوَ نَفْسُ الثَّمَرَةِ أَوْ قِشْرُهَا الْمُلَازِمُ لَهَا، كَقِشْرِ الرُّمَّانِ. فَظُهُورُهُ ظُهُورُ الثَّمَرَةِ. بِخِلَافِ الطَّلْعِ. فَإِنَّهُ وِعَاءٌ لِلثَّمَرَةِ وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ بَيْعُ الشَّجَرِ إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ، وَبُدُوُّ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ: ظُهُورُهُ مِنْ شَجَرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُنَظَّمًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْوَرَقُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ فِي وَرَقِ التُّوتِ الْمَقْصُودُ أَخْذُهُ إنْ تَفَتَّحَ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَإِنْ كَانَ حَبًّا: فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ وَجْهٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ: فَهُوَ لِلْبَائِعِ. وَمَا لَمْ يَظْهَرْ: فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) وَكَذَلِكَ مَا أُبِّرَ بَعْضُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ مُنَجَّى وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ فِي النَّخْلِ: أَنَّ مَا أَبَرَّ لِلْبَائِعِ

وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ الْوَرْدُ وَنَحْوُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْكُلُّ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الِانْتِصَارِ. وَاخْتَارَهُ غَيْرُ ابْنِ حَامِدٍ، كَشَجَرَةٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ مِنْ شَجَرِهِ: لِلْمُشْتَرِي. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. وَلَوْ أُبِّرَ بَعْضُهُ فَبَاعَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَحْدَهُ. فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ] . وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي بُدُوِّ الثَّمَرَةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ مَنْ وَاهِبٍ ادَّعَى شَرْطَ ثَوَابٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ جِنْسًا: فَلَمْ يُفَرِّقْ أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْعِ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ الْأَوَّلَ. وَقَالَا: الْأَشْبَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعَيْنِ. فَمَا أُبِّرَ مِنْ نَوْعٍ، أَوْ ظَهَرَ بَعْضُ ثَمَرَةٍ: لَا يَتْبَعُهُ النَّوْعُ الْآخَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ . تَنْبِيهٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ احْتَاجَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرَةُ إلَى سَقْيٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي. وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْهُ) . أَنَّهُ لَا يَسْقِيهِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ سَقْيُهُ، لِلْمَصْلَحَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ أَوْ لَا، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ احْتَاجَتْ الْأَرْضُ إلَى سَقْيٍ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ حَكَمْنَا أَنَّ الثَّمَرَ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ أَوَّلَ وَقْتِ أَخْذِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ زَادَ الْمُصَنِّفُ. وَلَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَهُ. وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهُ إلَى وَقْتِ أَخْذِهِ فِي الْعَادَةِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ لِتَضَرُّرِ الْأَصْلِ. زَادَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: تَضَرُّرًا كَثِيرًا، وَأَطْلَقَاهُمَا. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " يَبْقَى إلَى الْحَصَادِ " قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَلَا الزَّرْعُ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمَا. وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ، حَيْثُ اشْتَرَطُوا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ: لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِأَصْلِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إجْمَاعًا. لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَمَاعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَالِك الشَّجَرِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ: صَحَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُقْتَضَى هَذَا: أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَ بَعْضٌ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مُشَاعًا: لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (وَالْحَصَادُ وَاللِّقَاطُ عَلَى الْمُشْتَرِي) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْجُذَاذُ. لَكِنْ لَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى مَذْهَبًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ.

قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ رِوَايَةً. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا: لَمْ يَصِحَّ) . يَعْنِي: إذَا بَاعَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَطْعَ وَلَا التَّبْقِيَةَ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ: لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ وَعَنْهُ يَصِحُّ إنْ قَصَدَ الْقَطْعَ. وَيَلْزَمُ بِهِ فِي الْحَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ إطْلَاقَهُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ. وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْقَطْعِ. وَمَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَ رِوَايَاتٍ: لَيْسَ بِسَدِيدٍ. إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ تَرَكَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ إلَّا بِشَرْطِ جَزِّهِ) حُكْمُ بَيْعِ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ: حُكْمُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ. فَلَا يُبَاعُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَّا مَعَ أَصْلِهِ أَوْ لِرَبِّهِ، أَوْ مَعَ أَرْضِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَّا جِزَّةً جِزَّةً بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً، إلَّا أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهُ) . إنْ بَاعَهُ بِأَصْلِهِ صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَصْلِهِ، إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مَعَ أَرْضِهِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمَقَاثِيَ وَنَحْوَهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. وَإِنْ بَاعَهُ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ. فَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ [لَمْ يَصِحَّ] إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُبَاعُ قِثَّاءٌ وَنَحْوُهُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً. نَصَّ عَلَيْهِ، إلَّا مَعَ أَصْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ. وَقَالَ هُنَا: وَمَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ. كَقِثَّاءٍ وَكَالشَّجَرِ وَثَمَرِهِ: كَثَمَرَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، لَكِنْ لَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ اللُّقَطَةَ الظَّاهِرَةَ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ فَالْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ. وَقِيلَ: لَا يُبَاعُ إلَّا لُقَطَةً لُقَطَةً، كَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُبَاعُ بِطِّيخٌ قَبْلَ نُضْجِهِ، وَلَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ قَبْلَ أَوَانِ أَخْذِهِ عُرْفًا إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ فِي الْحَالِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ بَيْعُ اللُّقَطَةِ الْمَوْجُودَةِ وَالْمَعْدُومَةِ إلَى أَنْ تَيْبَسَ الْمَقْتَاةُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقَاثِي دُونَ أُصُولِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِقَصْدِ الظَّاهِرِ غَالِبًا. فَائِدَةٌ: الْقُطْنُ إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَعْوَامًا، كَقُطْنِ الْحِجَازِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّجَرِ فِي جَوَازِ إفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ. وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِحُقُوقِهَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ. وَثَمَرُهُ كَالطَّلْعِ. إنْ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ. وَمَتَى كَانَ جَوْزُهُ ضَعِيفًا رُطَبًا لَمْ يَقْوَ مَا فِيهِ: لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. كَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ، وَإِنْ قَوِيَ حَبُّهُ وَاشْتَدَّ جَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. كَالزَّرْعِ إذَا اشْتَدَّ حَبُّهُ.

وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِشَرْطِهِ. وَالْبَاذِنْجَانُ الَّذِي تَبْقَى أُصُولُهُ وَتَتَكَرَّرُ ثَمَرَتُهُ كَالشَّجَرِ. وَمَا يَتَكَرَّرُ زَرْعُهُ كُلَّ عَامٍ كَالزَّرْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، وَطَالَتْ الْجِزَّةُ، وَحَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى. فَلَمْ تَتَمَيَّزْ، أَوْ اشْتَرَى ثَمَرَتُهُ لِيَأْكُلَهَا رُطَبًا فَأَثْمَرَتْ: بَطَلَ الْبَيْعُ) . شَمِلَ كَلَامُهُ قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى قَبْلَ الْقَطْعِ، وَلَمْ تَتَمَيَّزْ مِنْ الْمَبِيعِ. الثَّانِي: مَا عَدَا ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَا عَدَا حُدُوثِ ثَمَرَةٍ أُخْرَى. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَسَدَ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذِهِ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَعَلَيْهَا: الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَعَنْهُ: الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. فَتَقُومُ الثَّمَرَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَهَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا. وَحَكَى ابْنُ الزاغوني، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً: أَنَّ الْبَائِعَ يَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعَنْهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ. وَيَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ اسْتِحْبَابًا. لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ. انْتَهَى. وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الصِّحَّةِ. فَأَمَّا مَعَ الْفَسَادِ: فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْحَاوِي: كَمَا لَوْ أَخَّرَهُ لِمَرَضٍ. وَرَدَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: هُوَ مُخَالِفٌ نُصُوصَ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلْبَائِعِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ لَكَانَ أَقْرَبَ. قَالَ الْمَجْدُ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ زِيَادَةَ الثَّمَرَةِ فِي صِفَتِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَمَا طَالَ مِنْ الْجِزَّةِ لِلْبَائِعِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَتَصَدَّقَانِ بِهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وُجُوبًا. وَقِيلَ: نَدْبًا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ. فَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، لَا تَدْخُلُ الزِّيَادَةُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْمُشْتَرِي.

وَعَنْهُ: الزِّيَادَةُ كُلُّهَا لِلْبَائِعِ. نَقَلَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ زَرْعِ الْغَاصِبِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِيمَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا وَتَرَكَهُ حَتَّى سَنْبَلَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ بِقَدْرِ مَا اشْتَرَى يَوْمَ اشْتَرَى. فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ: كَانَ لِلْبَائِعِ صَاحِبُ الْأَرْضِ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ بِقَصْدِ حِيلَةٍ. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَتَى تَعَمَّدَ الْحِيلَةَ فَسَدَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ عَرِيَّةً فَأَثْمَرَتْ: إنْ سَاوَى الثَّمَرَ الْمُشْتَرَى بِهِ: صَحَّ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لِيَفْسَخَ. وَعَنْهُ إذَا تَرَكَ الرَّطْبَةَ حَتَّى طَالَتْ: لَمْ يَبْطُلْ الْمَبِيعُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ حُكْمَ الْعَرِيَّةِ إذَا تَرَكَهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ حُكْمُ الثَّمَرَةِ إذَا تَرَكَهَا حَتَّى بَدَا صَلَاحُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْبُطْلَانِ فِي الْعَرَايَا. وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا. مِنْهُمْ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا. فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لِلْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، وَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى شِرَاءِ الثَّمَرَةِ وَبَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ. الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ مَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَلَطَ بِمَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ. فَبَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ. كَمَا لَوْ تَلِفَ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّأْخِيرِ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَيَكُونُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَطْبَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ النَّعْنَاعِ وَالْهُنْدُبَا، أَوْ صُوفًا عَلَى ظَهْرٍ فَتَرَكَهَا حَتَّى طَالَتْ: لَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ. لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَاخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ. كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرَّطْبَةِ وَالْبُقُولِ وَالصُّوفِ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ. وَمَتَى تَلِفَ بِجَائِحَةٍ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَطْعِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا. وَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي. لِأَنَّ مِلْكَهُ إنَّمَا يَنْفَسِخُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ خِلَافَهُ. لِأَنَّ الْفَسْخَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ. وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقَطْعِ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَقَدْ يُقَالُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ يَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ مِنْ حِينِ التَّأْخِيرِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ هَلْ تَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ إذَا قُلْنَا: بِالْبُطْلَانِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى التَّبْقِيَةِ جَازَ. وَزَكَاةُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ قُلْنَا: الزِّيَادَةُ لَهُمَا فَعَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا، وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى الْخِلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: وَأَمَّا إذَا حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ. فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسَائِلِ الْأُولَى، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ. فَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهِمَا، كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ ثَمَرَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهَا اصْطَلَحَا. وَلَا يَبْطُلْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ [وَالْفَائِقِ] وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ فَحَدَثَتْ أُخْرَى، قِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: اسْمَحْ بِنَصِيبِك. فَإِنْ فَعَلَ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ. وَإِنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَحَدَثَتْ أُخْرَى: وَقِيلَ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ لَا غَيْرُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى خَشَبًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَأَخَّرَ قَطْعَهُ فَزَادَ، فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. فَقَالَ لَوْ اشْتَرَى خَشَبًا لِيَقْطَعَهُ فَتَرَكَهُ، فَنَمَا وَغَلُظَ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيُّ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الزِّيَادَةَ لَهُمَا، وَاخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ أَيْضًا. فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الْبَرْمَكِيِّ فِي الزِّيَادَةِ. وَقِيلَ: الْبَيْعُ لَازِمٌ، وَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ. قَالَ الْجَوْزِيُّ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ قَوْلِ الْجَوْزِيِّ قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ الِاشْتِرَاكُ. فَوَافَقَ الْمَنْصُوصَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَخَّرَ قَطْعَ خَشَبٍ مَعَ شَرْطِهِ فَزَادَ. فَقِيلَ: الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ: لِلْكُلِّ. وَقِيلَ: لِلْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الزِّيَادَةُ لَهُمَا. اخْتَارَهُ الْبَرْمَكِيّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرَةِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ: جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَيُشْتَرَطُ التَّبْقِيَةُ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِذَا طَابَ أَكْلُ الثَّمَرِ. وَظَهَرَ نُضْجُهُ جَازَ بَيْعُهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: بِظُهُورِ مَبَادِئِ الْحَلَاوَةِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ جَدِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ الْقَبْضِ مَا يُمْكِنُ. فَكَفَى، لِلْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ لِبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَجِدَهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةِ مِنْ السَّمَاءِ رَجَّعَ عَلَى الْبَائِعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ أَتَلِفَتْ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، إلَّا أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَنْضَبِطُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ أَتْلَفَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، ضَمِنَهُ الْبَائِعُ. وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا جَائِحَةَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ.

وَاخْتَارَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ إسْقَاطَ الْجَوَائِحِ مَجَّانًا. وَحَمَلَ أَحَادِيثَهَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: قَيَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ، الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا بَعْدَ التَّخْلِيَةِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَحَلَّ الْجَائِحَةِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَتَسْلِيمِهِ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّحْلِيَةِ مَا حَصَلَ قَبْضٌ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ) صِحَّةُ الْبَيْعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا صَاحِبَ النِّهَايَةِ. فَإِنَّهُ أَبْطَلَ الْعَقْدَ. كَمَا لَوْ تَلِفَ الْكُلُّ. الثَّالِثُ: عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الَّتِي قُلْنَا فِيهَا: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَتْلَفَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا قِيلَ: يُعْتَبَرُ ثُلُثُ الثَّمَرَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَبْلُ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الثُّلُثِ بِالْقِيمَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الثُّلُثِ بِالثَّمَنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. الرَّابِعُ: عَلَى الْمَذْهَبِ: يُوضَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ التَّالِفِ. نَقَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. الْخَامِسُ: لَوْ تَعَيَّبَتْ بِذَلِكَ. وَلَمْ تَتْلَفُ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْأَرْشِ، وَبَيْنَ الرَّدِّ وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ: تَخْتَصُّ الْجَائِحَةُ بِالثَّمَنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَكَذَا مَا لَهُ أَصْلٌ يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ كَقِثَّاءٍ، وَخِيَارٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَنَحْوِهَا. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: لَوْ اشْتَرَى لُقَطَةً ظَاهِرَةً مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ. فَإِنْ قُلْنَا: حُكْمُهَا حُكْمُ ثَمَنِ الشَّجَرِ فَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَالزَّرْعِ خَرَجَتْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَائِحَةِ الزَّرْعِ وَقَالَ الْقَاضِي: مِنْ شَرْطِ الثَّمَنِ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ الْجَائِحَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْتَبْقَى بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَى وَقْتٍ كَالنَّخْلِ، وَالْكَرْمِ، وَمَا أَشْبَهَهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تُسْتَبْقَى ثَمَرَتُهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ كَالتِّينِ، وَالْخَوْخِ، وَنَحْوِهِمَا فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا جَائِحَةَ فِي غَيْرِ النَّخْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ: وَتَثْبُتُ أَيْضًا فِي الزَّرْعِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا تَلِفَتْ الْبَاقِلَا. أَوْ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا. قُلْنَا وَجْهَانِ. الْأَقْوَى: يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُبُوتَ الْجَائِحَةِ فِي زَرْعٍ مُسْتَأْجَرٍ وَحَانُوتٍ نَقَصَ نَفْعُهُ عَنْ الْعَادَةِ. وَحَكَمَ بِهِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَمْزَةَ فِي حَمَّامٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: قِيَاسُ نُصُوصِهِ وَأُصُولِهِ: إذَا تَعَطَّلَ نَفْعُ الْأَرْضِ بِآفَةٍ. انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ. كَانْهِدَامِ الدَّارِ. وَأَنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِيمَا تَلِفَ مِنْ زَرْعِهِ. لِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ لَمْ يَبِعْهُ إيَّاهُ. وَلَا يُنَازِعُ فِي هَذَا مَنْ فَهِمَهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " بِجَائِحَةٍ مِنْ السَّمَاءِ " ضَابِطُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا صَنَعَ

لِآدَمِيٍّ كَالرِّيحِ وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ، وَالْبَرَدِ، وَالْجَلِيدِ، وَالصَّاعِقَةِ، وَالْحَرِّ، وَالْعَطَشِ، وَنَحْوِهَا كَذَا الْجَرَادُ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. الثَّانِي: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مَعَ أَصْلِهَا. فَإِنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِيهَا إذَا تَلِفَتْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا: مَا إذَا أَخَذَهَا عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ. فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا الْبَائِعُ. وَالْحَالَةُ هَذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَضْعُهَا عَمَّنْ أَخَّرَ الْأَخْذَ عَنْ وَقْتِهِ. وَاخْتَارَهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالَةِ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. ثُمَّ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ. فَتَارَةً يَتَمَكَّنُ مِنْ قَطْعِهَا قَبْلَ تَلَفِهَا، وَتَارَةً لَا يَتَمَكَّنُ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِهَا وَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى تَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمَجْدِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، اعْتِمَادًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَنَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَمْ يَحْصُلْ. قَالَ فِي الْحَاوِي: يَقْوَى عِنْدِي وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ هُنَا: قَوْلًا وَاحِدًا. لِأَنَّ مَا شُرِطَ فِيهِ الْقَطْعُ. فَقَبَضَهُ: يَكُونُ بِالْقَطْعِ وَالنَّقْلِ. فَإِذَا تَلِفَ قَبْلَهُ يَكُونُ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَطْعِهَا حَتَّى تَلِفَتْ: فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ: خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. فَهُوَ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ نَاظِمُ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِعَسْكَرٍ أَوْ لُصُوصٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَائِحَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَهُوَ أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا غَلَبَ الصَّلَاحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي النَّوْعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيمَا إذَا غَلَبَ الصَّلَاحُ فِي شَجَرَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي: إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ النَّوْعِ جَازَ بَيْعُ [بَعْضِ] ذَلِكَ النَّوْعِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ غَلَبَ جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ

عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَظْهَرُهُمَا يَكُونُ صَلَاحًا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَكُونُ صَلَاحًا لَهُ. فَلَا يُبَاعُ إلَّا مَا بَدَا صَلَاحُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَابْنُ شَاقِلَا فِي تَعْلِيقِهِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَلَاحًا لِلْجِنْسِ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ صَلَاحًا لِمَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ. فَيَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ صَلَاحَ بَعْضِ نَوْعٍ مِنْ بُسْتَانٍ لَا يَكُونُ حَاصِلًا لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ بُسْتَانٍ آخَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.

وَعَنْهُ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي شَجَرَةٍ مِنْ الْقَرَاحِ يَكُونُ صَلَاحًا لَهُ وَلَمَّا قَارَبَهُ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَسَاتِينِ رِوَايَتَيْنِ. الثَّالِثُ: لَيْسَ صَلَاحُ بَعْضِ الْجِنْسِ صَلَاحًا لِجِنْسٍ آخَرَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صَلَاحُ جِنْسٍ فِي الْحَائِطِ صَلَاحٌ لِسَائِرِ أَجْنَاسِهِ فَيَتْبَعُ الْجَوْزُ التُّوتَ. وَالْعِلَّةُ عَدَمُ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي عَلَى الثَّمَرِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا بَقِيَّةَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تُبَاعُ عَادَةً كَالنَّوْعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِمَّا بَدَا صَلَاحُهُ وَبَاعَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ (وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ: أَنْ يَحْمَرَّ، أَوْ يَصْفَرَّ. وَفِي الْعِنَبِ أَنْ يَتَمَوَّهَ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: حُكْمُ مَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ عِنْدَ صَلَاحِهِ كَالْإِجَّاصِ، وَالْعِنَبِ الْأَسْوَدِ: حُكْمُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ. وَفِي سَائِرِ الثَّمَرِ: أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ، وَيَطِيبُ أَكْلُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَمَاعَةٌ: بُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: أَنْ يَطِيبَ أَكْلُهُ وَيَظْهَرُ نُضْجُهُ. وَهَذَا الضَّابِطُ أَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ، وَمَا ذَكَرُوهُ عَلَامَةٌ عَلَى هَذَا. هَذَا حُكْمُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الثِّمَارِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. فَأَمَّا مَا يَظْهَرُ فَمَا بَعْدَ فَمٍ كَالْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْيَقْطِينِ، وَنَحْوِهَا

فَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِيهِ: أَنْ يُؤْكَلَ عَادَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: صَلَاحُهُ تَنَاهِي عِظَمِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَلَاحُهُ الْتِقَاطُهُ عُرْفًا، وَإِنْ طَابَ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: صَلَاحُ الْحَبِّ: أَنْ يَشْتَدَّ أَوْ يَبْيَضَّ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ. فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ " أَوْ بِقَرِينَةٍ " يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شِرَاءِ الْأَمَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ يَتَّبِعُهَا مَا عَلَيْهَا مَعَ عِلْمِهَا بِهِ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَتَّبِعُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْمَالَ: اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ، وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمَالَ: لَمْ يُشْتَرَطْ) . فَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ لَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَهُ نَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالتَّلْخِيصِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. نَقَلَ صَالِحٌ، وَأَبُو الْحَارِثِ: إذَا كَانَ إنَّمَا قَصَدَ الْعَبْدُ: كَانَ الْمَالُ تَبَعًا لَهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قِيلَ الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ: لَمْ تُشْتَرَطْ شُرُوطُ الْبَيْعِ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ. وَزَادَ: إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَبْدَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ. فَكَلَامُهُ خَرَجَ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّعْلِيقِ وَتَبِعَهُمَا أَبُو الْبَرَكَاتِ

أَمَّا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ، فَصَرَّحَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: بِأَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا. وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمِلْكَ، بَلْ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ. وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَفِي نَسَبِهِ هَذَا إلَيْهِمَا نَظَرٌ. لِاحْتِمَالِ بِنَائِهِمَا عَلَى الْمِلْكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْفَقُ لِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَلِمَشْهُورِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ: لَمْ يُشْتَرَطْ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ: اُشْتُرِطَ. وَحَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُمْ رَتَّبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ: فَيَسْقُطُ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ، وَيَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَمَالًا. وَهَذَا عَكْسُ طَرِيقَةِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. ثُمَّ يَلْزَمُهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ. وَيَتَلَخَّصُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ. انْتَهَى. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: إذَا بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ. فَفِيهِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: الْبِنَاءُ عَلَى الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، لَمْ يَشْتَرِطْ مَعْرِفَةَ الْمَالِ، وَلَا سَائِرَ شَرَائِطِ الْبَيْعِ. لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِيَكُونَ عَبْدًا ذَا مَالٍ. وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الْعَبْدِ لَا تُفْرَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ. فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَالِ. وَإِنْ تَبِعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ، أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ عَلَى رِوَايَةٍ. وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِأَنَّ الْمَالَ دَاخِلٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: اعْتِبَارُ قَصْدِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِهِ لَا غَيْرُ. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا

لِلْمُشْتَرِي: اُشْتُرِطَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، بَلْ قَصَدَ الْمُشْتَرِي تَرْكَهُ لِلْعَبْدِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَحْدَهُ: لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي الصِّحَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ. وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى بَيْعٍ رِبَوِيٍّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ وَعَدَمُهُ مُعْتَبَرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ. وَهُوَ عُدُولٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَأُصُولِهِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَمَضْمُونُهَا: أَنَّا إنْ قُلْنَا الْعَبْدُ يَمْلِكُ: لَمْ يُشْتَرَطْ لِمَالِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ بِحَالٍ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ: فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا لِلْمُشْتَرِي: اُشْتُرِطَ لَهُ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ: لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَذَكَرَهَا أَيْضًا فِي الْقَوَاعِدِ [وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَرْبَعُ طُرُقٍ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ لِلْجَمَالِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا كَانَ لِلُّبْسِ الْمُعْتَادِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مِنْ الْمَغْنَمِ. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ جَمِيعُ الثِّيَابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: عَذَارِ الْفَرَسِ، وَمِقْوَدُ الدَّابَّةِ: كَثِيَابِ الْعَبْدِ، وَيَدْخُلُ نَعْلُهَا فِي بَيْعِهَا كَلُبْسِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَأُولَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ وَلَهُ سُرِّيَّةٌ: لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، كَامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب السلم

[بَابُ السَّلَمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ مَالًا فِي عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ: هُوَ أَنْ يُسْلِمَ عَيْنًا حَاضِرَةً فِي عِوَضٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٌ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ بَيْعٌ مَعْدُومٌ خَاصٌّ لَيْسَ نَفْعًا إلَى أَجَلٍ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا: هُوَ بَيْعُ عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ مَعْدُومَةٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هُوَ بَيْعُ مَعْدُومٍ خَاصٍّ بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ) . وَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: سِتَّةً وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: خَمْسَةً. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: أَرْبَعَةً. مَعَ ذِكْرِهِمْ كُلِّهِمْ جَمِيعَ الشُّرُوطِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِي لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَ ذَلِكَ جَعَلَ الْبَاقِيَ مِنْ تَتِمَّةِ الشُّرُوطِ، لَا شُرُوطًا لِنَفْسِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ (أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ. كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَذْرُوعِ) . أَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ: فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا الْمَذْرُوعُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. ذَكَرَهَا إسْمَاعِيلُ فِي الطَّرِيقَةِ قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْمَعْدُودُ الْمُخْتَلِفُ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ وَالرُّءُوسِ، وَالْجُلُودِ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) . فَأَمَّا الْحَيَوَانُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ: مِنْهَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ النِّيءِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُعْتَبَرُ نَزْعُ عَظْمِهِ. لِأَنَّهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ. لَكِنْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ، ضَأْنٌ أَوْ مَعْزٌ، جَذَعٌ أَوْ ثَنِيٌّ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، خَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ، رَضِيعٌ أَوْ فَطِيمٌ، مَعْلُوفَةٌ أَوْ رَاعِيَةٌ، مِنْ الْفَخِذِ أَوْ الْجَنْبِ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ. سَمِينٌ أَوْ هَزِيلٌ.

وَمِنْهَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَمِنْهَا: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّحْمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يَخْتَلِفُ. قَالَ: كُلُّ سَلَفٍ يَخْتَلِفُ. وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ وَالْبُقُولُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبِنَاءِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَصِحُّ فِي مَعْدُودٍ مُخْتَلِفٍ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا أَرَى السَّلَمَ فِي الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَمَّا الْجُلُودُ وَالرُّءُوسُ وَنَحْوُهَا، كَالْأَكَارِعِ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّارِحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ السَّلَمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ

النَّاظِمُ. وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَكَان آخَرَ [جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كُلُّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ] . قَوْلُهُ (وَفِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّءُوسِ، وَالْأَوْسَاطِ كَالْقَمَاقِمِ، وَالْأَسْطَالِ الضَّيِّقَةِ الرُّءُوسِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي. وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. فَيُضْبَطُ بِارْتِفَاعِ حَائِطِهِ، وَدُورٌ أَسْفَلَهُ أَوْ أَعْلَاهُ. قَوْلُهُ (وَفِيمَا يُجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ النُّشَّابِ الْمُرَيَّشِ، وَالنَّبْلِ الْمُرَيَّشِ، وَالْخِفَافِ، وَالرِّمَاحِ. حُكْمُ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ هُنَا أَيْضًا. وَأَمَّا الْقَسِّيُّ: فَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ: كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ [وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ] وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا. لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى خَشَبٍ وَقَرْنٍ وَعَصَبٍ وَوِتْرٍ. إذْ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ مَقَادِيرِ ذَلِكَ وَتَمْيِيزُ مَا فِيهَا، بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ " وَالْمَذْرُوعُ " وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ، كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: السَّلَمُ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فِي اللُّؤْلُؤِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْعَقِيقِ وَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَالْحَوَامِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ) . لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَوَامِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى [وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ] .

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي الْخِلْفَاتِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي شَاةِ لَبُونٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي أَمَةٍ وَوَلَدِهَا، أَوْ وَأَخِيهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا الصِّفَةَ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّهْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ " وَمَثَّلَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ (الْمَغْشُوشُ مِنْ الْأَثْمَانِ) أَنَّ السَّلَمَ يَصِحُّ فِي الْأَثْمَانِ نَفْسِهَا، إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ عَرْضَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ إسْلَامُ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ، أَوْ فِي ثَمَنٍ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ أَسْلَمَ فِي نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ عَرْضًا مَقْبُوضًا جَازَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ غَيْرَهُمَا. فَيُجْعَلُ عَرْضًا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَالْمَنَافِعُ أَيْضًا كَمَسْأَلَتِنَا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ إسْلَامُ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا بِعَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ خَاصَّةً. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ جَعْلُ رَأْسِ الْمَالِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. فَعَلَيْهَا: لَا يُسْلِمُ الْعُرُوضَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جَاءَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ: فَإِنْ اتَّحَدَ صِفَةً، فَجَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ لَزِمَهُ أَخْذُهُ. وَقِيلَ: لَا وَإِنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ فَصَارَتْ عِنْدَ الْمَحْمَلِ كَمَا شَرَطَ. فَفِي جَوَازِ أَخْذِهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ حِيلَةً حُرِّمَ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ عَيْنِهِ إذَا جَاءَهُ بِهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ. وَرَدَّهُ ابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. الثَّانِيَةُ: فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَابْنُ مَنْصُورٍ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ: الْجَوَازَ. وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ الْمَنْعَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ الْكَرَاهَةَ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ أَبِي حَرْبٍ: الْفُلُوسُ بِالدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً. وَإِنْ أَرَادَ فَضْلًا لَا يَجُوزُ. فَهَذِهِ نُصُوصُهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ قُلْت: هَذَا إنْ قُلْنَا هِيَ سِلْعَةٌ. انْتَهَى.

اخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْفُصُولِ أَنَّ الْفُلُوسَ عُرُوضٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَاخْتَارَهُ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الطَّالِبَانِيُّ مِنْ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَتِهِ. وَهِيَ قَبْلَ تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ بِيَسِيرٍ. فَعَلَيْهِ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الطَّالِبَانِيِّ. وَاخْتَارَهُ. وَتَأَوَّلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُ: الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ أَثْمَانٌ. وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ: أَنَّهَا أَثْمَانٌ بِكُلِّ حَالٍ. فَعَلَيْهَا: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَثْمَانِ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا وَعَدَمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَوَقَّفَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا. فَقَالَ: أَنَا مُتَوَقِّفٌ عَنْ الْفُتْيَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ الطَّالِبَانِيِّ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّحِيحُ السَّلَمُ فِيهَا. لِأَنَّهَا إمَّا عَرْضٌ أَوْ ثَمَنٌ. لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا أَنَّا نَقُولُ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ وَلَا نُصَحِّحُ السَّلَمَ فِيهَا: فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْأَثْمَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ وَالْمَعَاجِينِ وَنَحْوِهَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ (وَيَصِحُّ فِيمَا يُتْرَكُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِمَصْلَحَتِهِ كَالْجُبْنِ تُوضَعُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ، وَالْعَجِينُ يُوضَعُ فِيهِ الْمِلْحُ، وَكَذَا الْخُبْزُ، وَخَلُّ التَّمْرِ. يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ. وَالسَّكَنْجَبِينُ يُوضَعُ فِيهِ الْخَلُّ وَنَحْوُهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا. فَيَذْكُرُ

جِنْسَهُ، وَنَوْعَهُ وَقَدْرَهُ وَبَلَدَهُ، وَحَدَاثَتَهُ وَقِدَمَهُ، وَجَوْدَتَهُ وَرَدَاءَتَهُ) . قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْحَابُنَا يَعْتَبِرُونَ ذِكْرَ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، مَعَ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ قَالَ: وَعِنْدِي. أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَزِيدُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا جَيِّدًا أَوْ بِالْعَكْسِ. انْتَهَى. وَيَذْكُرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَ النَّوْعِ. وَسِنَّ الْحَيَوَانِ، وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ، وَهُزَالَهُ، وَرَاعِيًا أَوْ مَعْلُوفًا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَيَذْكُرُ آلَةَ الصَّيْدِ، أُحْبُولَةً، أَوْ صَيْدَ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ صَقْرٍ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِ يَسِيرٌ. قَالَا: وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَبَايَنُ بِهِ الثَّمَنُ فَهَذَا أَوْلَى. انْتَهَيَا. وَيُعْتَبَرُ ذِكْرُ الطُّولِ بِالشِّبْرِ فِي الرَّقِيقِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. لَكِنْ يَذْكُرُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا أَوْ رَبْعًا. وَيُعْتَبَرُ فِي الرَّقِيقِ: ذِكْرُ الْكُحْلِ وَالدَّعَجِ، وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ، وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ خَمِيصَةً، ثَقِيلَةَ الْأَرْدَافِ، سَمِينَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ. وَلَا يُطَوَّلُ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَالَهُ غَيْرُ الْقَاضِي فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِصَالِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْكُحْلِ وَالدَّعَجِ وَثِقَلِ الْأَرْدَافِ وَوَضَاءَةِ الْوَجْهِ، وَكَوْنِ الْحَاجِبَيْنِ مَقْرُونَيْنِ وَالشَّعْرِ سَبْطًا، أَوْ جَعْدًا، وَأَشْقَرَ أَوْ أَسْوَدَ، وَالْعَيْنِ زَرْقَاءَ، وَالْأَنْفِ أَقْنَى فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَجْهَانِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَذْكُرُ الثُّيُوبَةَ وَالْبَكَارَةَ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ. انْتَهَى. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الطَّيْرِ: ذَكَرَ النَّوْعَ وَاللَّوْنَ، وَالْكِبَرَ وَالصِّغَرَ، وَالْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ، وَلَا يُعَرِّفُ سِنَّهَا أَصْلًا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْوَزْنِ فِي الطَّيْرِ. كَالْكُرْكِيِّ وَالْبَطِّ. لِأَنَّ الْقَصْدَ لَحْمُهُ. وَيُنْزِلُ الْوَصْفَ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَةٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَيَذْكُرُ فِي الْعَسَلِ الْمَكَانَ: بَلَدِيٌّ أَوْ جَبَلِيٌّ، رَبِيعِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، وَاللَّوْنَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى عَتِيقٍ أَوْ حَدِيثٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ خَمْسَةُ أَضْرُبٍ. الْأَوَّلُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ. إنْ حَفِظَ أَوْصَافَهُ، كَاللَّبَنِ وَحِجَارَةِ الْبِنَاءِ. الثَّانِي: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَوْصَافٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ. وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا: الرَّصَاصُ، وَالصُّفْرُ، وَالنُّحَاسُ، وَحِجَارَةُ الْآنِيَةِ كَالْبِرَامِ، وَالرِّجْسُ الطَّاهِرُ، وَالشَّوْكُ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ، وَالسَّمَكُ، وَالْإِبْرَيْسَمُ، وَالْآجُرُّ، وَالرُّءُوسُ، وَالسَّمْنُ، وَالْجَبَلِيُّ، وَالْعَسَلُ. الثَّالِثُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَوْصَافٍ. وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا: الْجُلُودُ، وَحِجَارَةُ الْأَرْحَاءِ، وَالصُّوفُ، وَالْقُطْنُ، وَالْغَزْلُ، وَخَشَبُ الْوَقُودِ وَالْبِنَاءِ، وَالْخُبْزُ، وَالزُّبْدُ، وَاللِّبَأُ، وَالرُّطَبُ، وَالطَّعَامُ، وَالنِّعَمُ، وَالْخَيْلُ. الرَّابِعُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِسِتَّةِ أَوْصَافٍ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: السَّمَرُ فِي الْعَبِيدِ، وَخَشَبُ الْقَسِّيِّ. الْخَامِسُ: مَا يُضْبَطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَوْصَافٍ، وَهُوَ شَيْئَانِ. الثِّيَابُ، وَلَحْمُ الصَّيْدِ وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. قُلْت: جَزَمَ بِهَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَمِنْ الْأَوْصَافِ الْمَضْبُوطَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَيْضًا، وَغَيْرُهُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَيَذْكُرُ أَيْضًا مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ غَالِبًا. كَالْعَرْضِ، وَالسُّمْكِ، وَالتَّدْوِيرِ، وَالسِّنِّ، وَاللَّوْنِ، وَاللِّينِ، وَالنُّعُومَةِ، وَالْخُشُونَةِ، وَالدِّقَّةِ، وَالْغِلَظِ، وَالرِّقَّةِ، وَالصَّفَاقَةِ، وَجَلْبِ يَوْمِهِ، وَزُبْدِ يَوْمِهِ، وَالْحَلَاوَةِ، وَالْحُمُوضَةِ، وَالْمَرْعَى، وَالْعَلَفِ، وَكَوْنِ الْمَبِيعِ حَدِيثًا أَوْ عَتِيقًا، رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، رَبِيعِيًّا أَوْ خَرِيفِيًّا. وَغَيْرِ ذَلِكَ. كُلُّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَذِكْرُ أَوْصَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ يَطُولُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. فَلْيُرَاجَعُوا. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لِأَنَّ طَلَبَ الْأَرْدَأِ مِنْ الْأَرْدَأِ عِنَادٌ. فَلَا يَثُورُ فِيهِ نِزَاعٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَ جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَهُ لَهُ، أَوْ نَوْعٍ آخَرَ. فَلَهُ أَخْذُهُ) . إذَا جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَ مِنْ نَوْعِهِ. فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ. وَإِنْ جَاءَهُ بِنَوْعٍ آخَرَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ أَيْضًا فِي أَخْذِهِ. وَعَدَمِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ

فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ وَغَيْرُهُمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَدْنَى مِنْ النَّوْعِ الْمُشْتَرَطِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ أَخْذُهُ كَأَخْذِ غَيْرِ جِنْسِهِ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ فِي الْأَخْذِ وَعَدَمِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى كَوْنِ النَّوْعِيَّةِ تَجْرِي مَجْرَى الصِّفَةِ أَوْ الْجِنْسِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازَ الْأَخْذِ لِلْأَرْدَأِ عَنْ الْأَعْلَى، كَشَعِيرٍ عَنْ بُرٍّ بِقَدْرِ كَيْلِهِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَالْمَرُّوذِيُّ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَلَى رِوَايَةِ: أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: جَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا رِوَايَةً فِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِقَدْرِهِ. إذَا كَانَ دُونَ الْمُسْلَمِ فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا هَذَا يَخُصُّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ، مُطَابِقًا لِنَصِّهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّ الضَّمَّ فِي الزَّكَاةِ يَخْتَصُّهُمَا، دُونَ الْقُطْنِيَّاتِ وَغَيْرِهَا. بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَإِنْ تَنَوَّعَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ أَخْذُهُ. وَحُكِيَ رِوَايَةً نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: لَا يَأْخُذُ فَوْقَ صِفَتِهِ، بَلْ دُونَهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا كَانَ لَهُ رَدُّهُ أَوْ أَرْشُهُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا: لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُودُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْعَامَّةِ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا وَالْخُلَاصَةُ، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَالْبُلْغَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزُّبْدَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَهِيَ مِنْ زَوَائِدِ الشَّارِحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَذْرُوعِ إلَّا بِالذَّرْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ الْجَوَازُ وَزْنًا. قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مَعْلُومًا. فَإِنْ شَرَطَ مَكِيلًا بِعَيْنِهِ أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . وَكَذَا الْمِيزَانُ وَالذِّرَاعُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ مِكْيَالَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِيزَانَهُ: صَحَّ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ الْعَقْدُ. وَلَمْ يَتَعَيَّنَا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

وَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ يَتَعَيَّنُ مِكْيَالٌ. انْتَهَى. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْأُخْرَى: يُسْلِمُ فِيهِ وَزْنًا. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ عَدَدًا. وَفِي الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَزْنًا. قَالَ الشَّارِحُ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَةِ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَوَاكِهِ وَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ صِحَّةَ السَّلَمِ فِي مَعْدُودٍ غَيْرِ حَيَوَانٍ يَتَقَارَبُ عَدَدًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي، فَأَمَّا الْمَعْدُودُ: فَيُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ. وَقِيلَ: بِالْوَزْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ كَثِيرًا كَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبُقُولِ: قَدَّرَهُ بِالْوَزْنِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِمَا عَدَدًا. وَفِيمَا يَتَفَاوَتُ كَالرُّمَّانِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّارِحِ. فَالصَّحِيحُ إذَنْ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَا يَتَقَارَبُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا فِيهِ وَمَا يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا يُسْلِمُ فِيهِ وَزْنًا. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا، لَهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ) . يَعْنِي فِي الْعَادَةِ، كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَتَغَيَّرُ فِيهِ الثَّمَنُ غَالِبًا بِحَسَبِ الْبُلْدَانِ، وَالْأَزْمَانِ، وَالسِّلَعِ. قَالَ فِي الْكَافِي: كَالشَّهْرِ وَنِصْفِهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُمَثِّلُ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ. فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَقَلُّهُ شَهْرٌ. انْتَهَى. قُلْت، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ الْأَجَلِ. فَيَكُونُ شَهْرًا فَصَاعِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: أَقَلُّهُ شَهْرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ. وَلَوْ كَانَ أَجَلًا قَرِيبًا: وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ: هُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ. كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: يَصِحُّ حَالًّا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» أَيْ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِك. فَلَوْ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ حَالًّا لَقَالَ: لَا تَبِعْ هَذَا، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَك أَوْ لَا. وَتَكَلَّمَ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَحَمَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَرْتَضِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ إذَا أَسْلَمَهُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَرَدَّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَنَا وَجْهٌ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْخِلَافِ بِصِحَّةِ السَّلَمِ حَالًّا. وَيَكُونُ بَيْعًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً) .

كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِمَا (فَيَصِحُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ: صَحَّ) . إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلَيْنِ صَحَّ. بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ: صَحَّ أَيْضًا، بِشَرْطِ أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ. وَيَأْتِي هَذَا قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ ". وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ يَصِحُّ فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْبَيَانِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ أَسْلَمَ ثَمَنَيْنِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ أَسْلَمَ إلَى الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ هُمَا وَغَيْرُهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَصَادِ إذَا جَعَلَهُ إلَى زَمَنِهِ. أَمَّا إلَى فِعْلِهِ: فَلَا يَصِحُّ. قُلْت: جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ. فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ، أَوْ مُضِيِّهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدِينِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ حَرْبٌ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَكَذَا فِي مُضِيِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَدِينُ فِي مَكَانِ تَسْلِيمِهِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَيْهِ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. وَذَكَرْنَا الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ. فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ مُقَدَّرًا بِأَشْهُرِ الرُّومِ، كَشُبَاطَ وَنَحْوِهِ. وَعِيدٍ لَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ، كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. كَالشَّعَانِينِ، وَعِيدِ الْفَطِيرِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ غَالِبًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. حَيْثُ قَالُوا بِالْأَهِلَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: مَحَلُّهُ شَهْرُ كَذَا: صَحَّ. وَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: مَحَلُّهُ أَوَّلُ شَهْرِ كَذَا، أَوْ آخِرُهُ: صَحَّ. وَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، أَوْ آخِرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْآخِرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ مَثَلًا إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ: حَلَّ بِأَوَّلِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَائِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ مَثَلًا إلَى جُمَادَى، أَوْ رَبِيعٍ، أَوْ يَوْمِ النَّفْرِ وَنَحْوِهِ. مِمَّا يَشْتَرِك فِيهِ شَيْئَانِ لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَيَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهِمَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا إذَا جَعَلَهُ إلَى الشَّهْرِ وَكَانَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ: لَزِمَهُ قَبْضُهُ وَإِلَّا فَلَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ

وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ كَانَ مِمَّا يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ قَدِيمُهُ أَوْ حَدِيثُهُ: لَزِمَهُ قَبْضُهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَقَطَعَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَتْلَفُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ قَدِيمُهُ أَوْ حَدِيثُهُ: لَا يَلْزَمُ قَبْضُهُ لِلضَّرَرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالسَّلَمِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. كَمَا يُعَبِّرُ بِالسَّرِقَةِ عَنْ الْمَسْرُوقِ، وَبِالرَّهْنِ عَنْ الْمَرْهُونِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّك، أَوْ تُبْرِئَ مِنْهُ. فَإِنْ أَبَى رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ. فَيَقْبِضُهُ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ هُنَا. وَكَذَلِكَ فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا: إنْ أَبَى قَبْضَهُ بَرِئَ. ذَكَرَاهُ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ أَتَاهُ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْضُهُ. فَأَبَى أَنْ يَقْبِضَهُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ، لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ. الثَّانِيَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ إذَا أَتَى بِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ " إذَا عَجَّلَهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ". قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُوهِ فِي مَحِلِّهِ. فَإِنْ

كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ، أَوْ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ إلَى غَيْرِ وَقْتِهِ لَمْ يَصِحَّ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَحَنْبَلٌ: يَصِحُّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ، أَوْ اُسْتُحْصِدَ. وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إنْ أَمِنَ عَلَيْهَا الْجَائِحَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. إنْ لَمْ يَحْصُلْ إجْمَاعٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً: فَعَنْهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا. وَعَنْهُ لَا. وَعَلَيْهَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامُ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ " أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ حَالَةَ الْعَقْدِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ: خُيِّرَ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ، وَالرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ عِوَضِهِ، إنْ كَانَ مَعْدُومًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ كُلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ، عِنْدَ مَحِلِّهِ أَوْ بَعْضُهُ: إمَّا لِغَيْبَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، أَوْ لِعَجْزٍ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ لِعَدَمِ حَمْلِ الثِّمَارِ تِلْكَ السَّنَةَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ فِي الْكُلِّ، أَوْ الْبَعْضِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُغَنِّي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ فِي الْبَعْضِ الْمُتَعَذِّرِ. وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ الْبَعْضُ وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا فِي الْكُلِّ، أَوْ يَصْبِرُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ بَعْضُهُ. وَقِيلَ: أَوْ انْقَطَعَ وَتَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ. فَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ وَتَحَقَّقَ بَقَاؤُهُ يَلْزَمُ بِتَحْصِيلِهِ عَلَى الْمُقَدَّمِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَحْصِيلِهِ إذَا انْقَطَعَ بِلَا خِلَافٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الِانْقِطَاعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّعَذُّرِ. فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِلصَّحِيحِ. وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (السَّادِسُ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ: لَمْ يَصِحَّ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَبَضَ الْبَعْضَ ثُمَّ افْتَرَقَا: بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ. وَلَا يَبْطُلُ فِيمَا قَبَضَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَعَنْهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ فِي بَابِ الصَّرْفِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ فِي بَابِ الصَّرْفِ. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا. فَتَارَةً يَكُونُ الْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ. وَتَارَةً يَكُونُ قَدْ وَقَعَ عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ قَبَضَهُ. فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ وَقُلْنَا: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَيَّنُ فَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ. وَأَخْذُ أَرْشِ عَيْبِهِ، أَوْ رَدَّهُ وَأَخَذَ بَدَلَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ قَبَضَهُ. فَتَارَةً يَكُونُ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ: لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَبْطُلُ إنْ اخْتَارَ الرَّدَّ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَسَدَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَجْرَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيهِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ وَلَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ فَلْيُعَاوَدْ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ظَهَرَ رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ مُسْتَحَقًّا بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُعَيَّنٌ وَقُلْنَا: تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بِالتَّعْيِينِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَيَّنُ، كَانَ لَهُ الْبَدَلُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِيَدٍ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِنْ تَفَرَّقَا بَطَلَ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، أَوْ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ.

وَتَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ أَحْكَامٌ كَهَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَاسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُعَاوَدْ. فَإِنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ. وَيَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي شُرُوطِ السَّلَمِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِيهِ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ، كَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ؟ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَغْشُوشِ مِنْ الْأَثْمَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ: لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْبَيَانِ. وَهِيَ تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ: الْجَوَازُ هُنَا أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى مَعْرِفَةِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَصِفَتِهِ. وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ ثَمَّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا. انْتَهَى.

وَقَدْ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً صَحَّ، وَيَكُونُ بَيْعًا بِلَفْظِ السَّلَمِ. فَيُقْبَضُ ثَمَنُهُ فِيهِ. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ هِيَ الْمُشْتَرَطَةُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لَا غَيْرُ، لَكِنْ هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَيْضًا. قُلْت: هُمَا مِنْ أَرْكَانِ السَّلَمِ كَمَا هُمَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ. وَلَيْسَ هُمَا مِنْ شُرُوطِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ. كَالْبَرِّيَّةِ. فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ) . إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ كَالْبَرِّيَّةِ، وَالْبَحْرِ، وَدَارِ الْحَرْبِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْوَفَاءِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ. وَيُوَفَّى بِأَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إلَى مَكَانِ الْعَقْدِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: قُلْت: إذَا كَانَ مَكَانُ الْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ

يَصْلُحُ، لَكِنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَجَبَ ذِكْرُ مَوْضِعِ الْوَفَاءِ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُقَدَّمَ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَيَكُونُ الْوَفَاءُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ) . يَعْنِي إذَا عَقَدَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ. فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ كَانَ تَأْكِيدًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ: صَحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ أَيْضًا فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَالْمَنْصُوصُ فَسَادُهُ فِي رِوَايَةٍ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْقَوَاعِدِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ شَرْطِ. إنْ رَضِيَا بِهِ، لَا مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: كَأَخْذِ بَدَلِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ: بِأَنَّ بَيْعَهُ يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. لَكِنْ يَكُونُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ. لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ الْفَسْخِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي الْفُرُوعِ.

وَأَمَّا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ الْجَوَازَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَمَّا بَيْعُ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ مِنْ الْبُيُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَوَافَقَهُ فِي شَرْحِهَا عَلَيْهِ. وَلَمْ يَزِدْ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَوْلُهُ (وَلَا هِبَتُهُ) . ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَا لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. نَقَلَهَا حَرْبٌ. وَاخْتَارَهَا فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنْ كَانَ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَكَان. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْهِبَةِ، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ: بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ". فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ دَيْنِ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ هِبَةُ دَيْنٍ لِغَيْرِ غَرِيمٍ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَعَمَّ. قَوْلُهُ (وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ.

وَعَنْهُ يَجُوزُ أَخْذُ الشَّعِيرِ عَنْ الْبُرِّ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجَمَاعَةٌ. وَحُمِلَا عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ ". قَوْلُهُ (وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى دَيْنِ السَّلَمِ، وَبِدَيْنِ السَّلَمِ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ مَعَ الْمَدْيُونِ وَغَيْرِهِ بِحَالٍ فِي دَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَذَا رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ إذَنْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي. وَمُسْتَنَدُ عُمُومِ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ، أَوْ جُمْهُورِهِمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ اشْتَرَطَ فِي الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَصِحُّ فِي كُلِّ دَيْنٍ عَدَا كَذَا. وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْمُسْتَثْنَى. وَهَذَا دَيْنٌ. فَصَحَّتْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ) . مِنْ عَيْنٍ وَقَرْضٍ، وَمَهْرٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا وَفَرَغَتْ مُدَّتُهَا، وَأَرْشِ جِنَايَةٍ، وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَذَكَرَهَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ كَدَيْنِ السَّلَمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ بَيْعِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ قَرِيبًا. تَنْبِيه: يُسْتَثْنَى عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ مِنْ ثَمَنِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بَاعَهُ مِنْهُ بِالنَّسِيئَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِمَا يُشَارِكُهُ الْمَبِيعُ فِي عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ، حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا، عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي جَوَازِ رَهْنِهِ عِنْدَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَهُ: رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ فِي الْمَشَاعِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْجَوَازُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. حَيْثُ قَالُوا: يَجُوزُ رَهْنُ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ (بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ) . إذَا بَاعَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُسْتَقِرًّا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَقُلْنَا: بِصِحَّتِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً، أَوْ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ: اُشْتُرِطَ قَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك الشَّعِيرَ الَّذِي فِي ذِمَّتِك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ، أَوْ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ

بِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ) . يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةَ بَيْعِ الصِّكَاكِ. وَهِيَ الدُّيُونُ الثَّابِتَةُ عَلَى النَّاسِ تُكْتَبُ فِي صِكَاكٍ. وَهُوَ الْوَرَقُ وَنَحْوُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ نَقْدًا، أَوْ بِيعَ بِنَقْدٍ: لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ بِنَسِيئَةٍ. وَإِنْ بِيعَ بِعَرْضٍ وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ غَرَرٌ. وَالْجَوَازُ. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَحَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدٍ بْنِ الْحَكَمِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الْإِقَالَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ. سَوَاءٌ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: قِيلَ: يَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِيهِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنْ قِيلَ هِيَ فَسْخٌ: صَحَّتْ الْإِقَالَةُ فِيهِ. وَإِنْ قِيلَ هِيَ بَيْعٌ: لَمْ يَصِحَّ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ. انْتَهَى. قُلْت: جَزَمَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَوَائِدِ الْإِقَالَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ فِي دَيْنِ السَّلَمِ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَيَكُونُ إقَالَةً. وَقَالَ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ حَقِّهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: فَيَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. الْتِفَاتًا إلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَيَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْعُمْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (إذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ عِوَضَهُ) . يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. يَعْنِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ.

وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَلَا عِوَضِهِ، إنْ تَعَذَّرَ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْمُغْنِي: لَا يُشْتَرَطُ فِي ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ. وَيَلْزَمُ رَدُّ الثَّمَنِ الْمَوْجُودِ. فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ ثَمَنًا وَهُوَ ثَمَنٌ فَصَرْفٌ، وَإِلَّا فَبَيْعٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) . قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا أَقَالَهُ رَدَّ الثَّمَنَ، إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضًا عَنْهُ، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَيْسَ لَهُ صَرْفُ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي عَقْدٍ آخَرَ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ. انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: يَرْجِعُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ عِوَضِهِ عِنْدَ الْفَسْخِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا قَبْلَ قَبْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا جَعْلَهُ فِي سَلَمٍ آخَرَ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ حَالًّا عَنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي الْإِقَالَةِ: وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ أَوْ عِوَضَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ. وَقِيلَ: مَتَى شَاءَ. وَقِيلَ: مَتَى انْفَسَخَ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَخَذَ ثَمَنَهُ الْمَوْجُودَ. وَقِيلَ: أَوْ بَدَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ. وَقِيلَ: أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إنْ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَعْدُومًا أَخَذَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ. وَقِيلَ: أَوْ بَدَلَهُ كَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ غَيْرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضِهِ. وَلَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ سَلَمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ. فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِك، فَفَعَلَهُ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ) . لِأَنَّ قَبْضَهُ لِنَفْسِهِ حَوَالَةٌ بِهِ، وَالْحَوَالَةُ بِالسَّلَمِ لَا تَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقَعُ قَبْضُهُ لِلْآمِرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَبْقَى الْمَقْبُوضُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: أَحْضِرْ اكْتِيَالِي مِنْهُ لِأَقْبِضَهُ لَك، فَفَعَلَ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلثَّانِي. وَيَكُونُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ عَلَى أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: صَارَ لِلْآمِرِ. وَهَلْ يَصِيرُ مَقْبُوضًا لَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي، وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُهُ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الرَّهْنِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ وَيَصِحُّ. وَيَكُونُ قَبْضًا لِنَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ. وَلَا يَكُونُ قَبْضًا لِنَفْسِهِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ: وَإِنْ قَبَضَهُ جُزَافًا، لِعِلْمِهِمَا قَدْرَهُ: جَازَ، وَفِي الْمَكِيلِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ شَاهَدَ كَيْلَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ رِوَايَتَيْنِ فِي شِرَائِهِ بِلَا كَيْلٍ ثَانٍ. وَخَصَّهُمَا فِي التَّلْخِيصِ بِالْمَجْلِسِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَأَنَّ الْمَوْزُونَ مِثْلُهُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ: إنْ لَمْ يُحْضِرْ هَذَا الْمُشْتَرِي الْمَكِيلَ فَلَا، إلَّا بِكَيْلٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُفَرِّغُهُ فِي الْمِكْيَالِ ثُمَّ يَكِيلُهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اكْتَالَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمِكْيَالِ، وَسَلَّمَهُ إلَى غَرِيمِهِ، فَقَبَضَهُ: صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا، وَقَالَ لَهُ: اسْتَوْفِ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّك، فَفَعَلَ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى قَبْضِ الْمُوَكِّلِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. وَالْمَنْصُوصُ: الصِّحَّةُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَيَكُونُ الْبَاقِي فِي يَدِهِ وَدِيعَةً. وَعَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ: قَدْرُ حَقِّهِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، وَالْبَاقِي أَمَانَةً. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ فِي آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَذِنَ لِغَرِيمِهِ فِي الصَّدَقَةِ بِدَيْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ عَنْهُ، أَوْ فِي صَرْفِهِ، أَوْ الْمُضَارَبَةِ بِهِ، لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَبْرَأْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يَصِحُّ. بَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَبَنَاهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ. وَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ تَقَدَّمَتَا فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ، وَتَأْتِي الْمُضَارَبَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّرِكَةِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: اعْزِلْهُ وَضَارِبْ بِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَجْعَلُهُ مُضَارَبَةً، إلَّا أَنْ يَقُولَ: ادْفَعْهُ إلَى زَيْدٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَيْك. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِكَذَا. وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ دَيْنِي " صَحَّ. وَكَانَ إقْرَاضًا كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ. وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ لِلْمُقَاصَّةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْهَا: مَسْأَلَةُ الْمُقَاصَّةِ. وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ: بَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ.

وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْهَا رَأْسًا. وَلَكِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ. تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ، إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَى ثَمَنِهِ ". فَنَقُولُ: مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَحَالًّا وَمُؤَجَّلًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْ الْأَكْثَرِ قَدْرُ الْأَقَلِّ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَتَسَاقَطَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِيهَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَعَنْهُ يَتَسَاقَطَانِ بِرَضِي أَحَدِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يَتَسَاقَطَانِ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ. أَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ: امْتَنَعَتْ الْمُقَاصَّةُ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: مَنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا، لَمْ تُحْتَسَبْ بِهِ مَعَ عُسْرَتِهَا. لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فِيمَا فَضَلَ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا: لَمْ يَتَسَاقَطْ. ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ فِي وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَالشَّارِحُ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ اسْتَلِفْ أَلْفًا فِي ذِمَّتِك فِي طَعَامٍ، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي

قَضَائِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ. فَقَدْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَوَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: أَعْطِ فُلَانًا كَذَا: صَحَّ. وَكَانَ قَرْضًا. وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْوَسِيلَةِ فِيهِ رِوَايَتَيْ قَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ إنْ قَالَ " عَنِّي " فَقَطْ، وَإِنْ قَالَهُ لِغَيْرِ غَرِيمِهِ: صَحَّ إنْ قَالَ " عَنِّي " وَإِلَّا فَلَا. وَنَصَرَ الشَّرِيفُ الصِّحَّةَ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ لِغَرِيمِهِ نَقْدًا، ثُمَّ قَالَ: اشْتَرِ بِهِ مَا لَكَ عَلَيَّ، ثُمَّ اقْبِضْهُ لَك. صَحَّا نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِهِ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك: صَحَّ الشِّرَاءُ. ثُمَّ إنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ. وَفِي صِحَّةِ قَبْضِهِ لِلْمُوَكِّلِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ الشِّرَاءُ دُونَ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لَك: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ بِهِ مِثْلَ مَا لَك عَلَيَّ: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِي صِحَّتِهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ. فَلَمْ يَقْبَلْهُ رَبُّهُ، أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يُجْبَرَا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ كَتَوْكِيلِهِ، وَكَتَمْلِيكِهِ لِلزَّوْجِ وَالْمَدْيُونِ. وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ وَفَاءَ دَيْنٍ بَرِئَ، وَإِلَّا فَمُتَبَرِّعٌ. وَإِنْ وَفَّاهُ حَاكِمٌ قَهْرًا: كَفَتْ نِيَّتُهُ إنْ قَضَاهُ مِنْ مَدْيُونٍ.

وَفِي لُزُومِ رَبِّ دَيْنٍ نِيَّةُ قَبْضِ دَيْنِهِ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ اللُّزُومِ. وَإِنْ رَدَّ بَدَلَ عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: عَادَةُ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ: ذِكْرُ مَسْأَلَةِ قَبْضِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ فِي آخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ. وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ. فَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ، وَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَيْضًا ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ: هُنَا. وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَذَكَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ فِي بَابِ الْهِبَةِ. فَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْفُرُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ جُزَافًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِهِ) . مَتَى قَبَضَهُ جُزَافًا، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ جُزَافًا: أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّهِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ. وَيُطَالِبُ بِالْبَعْضِ إنْ كَانَ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِالْكَيْلِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَبِرَهُ كُلَّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ عِنْدَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الصُّبْرَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ جُزَافًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ، أَوْ يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضٌ عَمَّا لَهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ: ثُمَّ إنَّهُ فِي الْكَافِي عَلَّلَ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَخَذَهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ كِيسًا، وَقَالَ: اتَّزِنْ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّك: لَمْ يَكُنْ قَابِضًا قَدْرَ حَقِّهِ قَبْلَ الْوَزْنِ. وَبَعْدَهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَعَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ: يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ لِلسَّوْمِ، وَالْكِيسُ وَبَقِيَّةُ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ كَالْوَكِيلِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ: لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَيْنًا. وَقَالَ: خُذْ حَقَّك مِنْهَا، تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا، وَلَا يَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ. قَالَ: وَمَنْ قَبَضَ دَيْنَهُ ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ: ضَمِنَهُ. قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ عَيْنًا، ثُمَّ بَانَ لَا دَيْنَ لَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا ادَّعَى غَلَطًا مُمْكِنًا عُرْفًا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ.

قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ، مَعَ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا حُكْمُ مَا قَبَضَهُ مِنْ مَبِيعِ غَيْرِهِ، أَوْ دَيْنِ آخَرَ كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَغَيْرِهِمَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الرَّهْنِ وَفِي الْكَفِيلِ فِي بَابِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْكَفِيلِ فِي بَابِهِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ، وَإِلَّا كُفِلَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ تِلْمِيذُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ وَيَصِحُّ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: وَفِي تَعْلِيلِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ نَظَرٌ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَوْلَى. قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: وَيَصِحُّ الرَّهْنُ فِي السَّلَمِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ،

باب القرض

وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَزَاهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إلَى اخْتِيَارِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ. نَقَلَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ وَيَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ. وَقَالَ فِي بَابِ الرَّهْنِ: وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ وَالضَّمِينُ فِي السَّلَمِ، وَالْقَرْضِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ. وَحَكَى فِي الْفُرُوعِ كَلَامَ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. [بَابُ الْقَرْضِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهَا: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْقَرْضِ: مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ وَوَصْفِهِ. وَيَأْتِي قَرْضُ الْمَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ. وَيَأْتِي: هَلْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ؟ الثَّانِيَةُ: " الْقَرْضُ " عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ مَالٍ إلَى الْغَيْرِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَيَرُدَّ بَدَلَهُ. قَالَهُ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بَنِي آدَمَ وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا) . أَمَّا قَرْضُ بَنِي آدَمَ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ قَرْضِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَصِحُّ قَرْضُ آدَمِيٍّ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي

وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُبَاحَةٍ لِلْمُقْتَرِضِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَصِحُّ قَرْضُ الْأَمَةِ لِمَحْرَمِهَا. وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِغَيْرِ مَحْرَمِهَا. وَأَمَّا قَرْضُ الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهِبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. فَعَلَيْهِ: يَرُدُّ الْمُقْتَرِضُ الْقِيمَةَ عَلَى مَا يَأْتِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ: الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ يَأْتِيَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِنْ شَأْنِ الْقَرْضِ: أَنْ يُصَادِفَ ذِمَّةً لَا عَلَى مَا يَحْدُثُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.

وَفِي الْمُوجَزِ: يَصِحُّ قَرْضُ حَيَوَانٍ، وَثَوْبٍ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ قَرْضُ جِهَةٍ، كَالْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا ذِمَّةَ لَهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَرْضُ الْمَنَافِعِ. لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَعْيَانٍ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَجُوزُ قَرْضُ الْمَنَافِعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ قَالُوا: مَا صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ صَحَّ قَرْضُهُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ قَرْضُ الْمَنَافِعِ، مِثْلُ أَنْ يَحْصُدَ مَعَهُ يَوْمًا وَيَحْصُدَ مَعَهُ الْآخَرُ يَوْمًا، أَوْ يُسْكِنَهُ الْآخَرُ دَارًا لِيُسْكِنَهُ الْآخَرُ بَدَلَهَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالْقَبْضِ) . أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ الْمُنَجَّى. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَمْلِكُهُ الْمُقْتَرِضُ بِقَبْضِهِ. انْتَهُوا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُتِمُّ بِقَبُولِهِ، وَيَمْلِكُهُ بِقَبْضِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتِمُّ بِقَبُولِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيَمْلِكُ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ مِلْكُهُ بِقَبْضَةِ كَهِبَةٍ. وَلَهُ الشِّرَاءُ مِنْ مُقْتَرِضِهِ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ: وَيَتِمُّ بِالْقَبُولِ. وَيَمْلِكُهُ بِقَبْضِهِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: الْقَرْضُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُجَرَّدِ، وَالْمُبْهِجِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يُمْلَكُ الْمُبْهَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَيَمْلِكُ الْعَيْنَ بِالْقَبْضِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَالْحَلْوَانِيِّ، وَابْنِهِ، إلَّا أَنَّهُمَا حَكَيَا فِي الْمُعَيَّنِ رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَأَمَّا اللُّزُومُ: فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَبِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: حُكْمُ الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ: حُكْمُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا. وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ. قَوْلُهُ (فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ. وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْرَضُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ) . إنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَزِمَهُ قَبُولُهُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. لِإِطْلَاقِهِمْ الرَّدَّ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ يُوجِبُ رَدَّ الْقِيمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِذَا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَرُدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَلَمْ أَجِدْ مَا قَالَ فِي كِتَابٍ آخَرَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهُ رَدَّهُ، سَوَاءٌ رَخُصَ السِّعْرُ أَوْ غَلَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إذَا رَخُصَ السِّعْرُ. قَوْلُهُ (مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ، أَوْ يَكُنْ فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةً. فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ) . فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْقِيمَةَ أَيْضًا، سَوَاءٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهَا أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهَا فَلَهُ الْقِيمَةُ. وَإِنْ تَعَامَلُوا بِهَا مَعَ تَحْرِيمِ السُّلْطَانِ لَهَا، لَزِمَهُ أَحَدُهَا. قَوْلُهُ (فَيَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَرْضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ تَحْرِيمِهَا. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ ثَمَنًا. وَقِيلَ: لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ " فَيَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ " اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ.

فَإِنَّهُ يُعْطِي مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا. فَلَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً، فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ: أَعْطَى قِيمَتَهَا ذَهَبًا. وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ هُنَا مَسَائِلَ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْقَرْضِ. فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا هُنَا لِعِظَمِ نَفْعِهَا، وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا. فَقَالَ: وَالنَّقْدُ فِي الْمَبِيعِ حَيْثُ عُيِّنَا ... وَبَعْدَ ذَا كَسَادُهُ تَبَيَّنَا نَحْوُ الْفُلُوسِ ثُمَّ لَا يُعَامَلُ ... بِهَا فَمِنْهُ عِنْدَنَا لَا يُقْبَلُ بَلْ قِيمَةُ الْفُلُوسِ يَوْمَ الْعَقْدِ ... وَالْقَرْضُ أَيْضًا هَكَذَا فِي الرَّدِّ وَمِثْلُهُ مَنْ رَامَ عَوْدَ الثَّمَنِ ... بِرَدِّهِ الْمَبِيعَ خُذْ بِالْأَحْسَنِ قَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ ذَا فِي ذِي الصُّوَرْ ... وَالنَّصُّ فِي الْقَرْضِ عِيَانًا قَدْ ظَهَرْ وَالنَّصُّ فِي الْقِيمَةِ فِي بُطْلَانِهَا ... لَا فِي ازْدِيَادِ الْقَدْرِ أَوْ نُقْصَانِهَا بَلْ إنْ غَلَتْ فَالْمِثْلُ فِيهَا أَحْرَى ... كَدَانَقٍ عِشْرِينَ صَارَ عَشْرَا وَالشَّيْخُ فِي زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصِ ... مِثْلًا كَقَرْضٍ فِي الْغَلَا وَالرُّخْصِ وَشَيْخُ الْإِسْلَام فَتَى تَيْمِيَّةِ ... قَالَ قِيَاسُ الْقَرْضِ عَنْ جَلِيَّةِ الطَّرْدُ فِي الدُّيُونِ كَالصَّدَاقِ ... وَعِوَضٌ فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْغَصْبُ وَالصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ ... وَنَحْوُ ذَا طُرًّا بِلَا اخْتِصَاصِ قَالَ وَفِيهِ جَاءَ فِي الدَّيْنِ نَصٌّ مُطْلَقُ ... حَرَّرَهُ الْأَثْرَمُ إذْ يُحَقِّقُ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْكَسَادَ نَقْصَا ... فَذَاكَ نَقْصُ النَّوْعِ عَابَتْ رُخْصَا قَالَ وَنَقْصُ النَّوْعِ لَيْسَ يُعْقَلُ ... فِيمَا سِوَى الْقِيمَةِ ذَا لَا يُجْهَلُ وَخَرَّجَ الْقِيمَةَ فِي الْمِثْلِيِّ ... بِنَقْصِ نَوْعٍ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ عَدْلٌ مَاضِي ... خَوْفَ انْتِظَارِ الْعُسْرِ بِالتَّقَاضِي لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذِي الْمَسْأَلَهْ ... نَظَمْتهَا مَبْسُوطَةً مُطَوَّلَهْ

قَوْلُهُ (وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْقِيمَةِ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا) . يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ أَعْوَزَ الْمِثْلَ فِيهِمَا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ إعْوَازِهِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَوْ اقْتَرَضَ حِنْطَةً، فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَقْتَ الطَّلَبِ، فَرَضِيَ بِمِثْلِ كَيْلِهَا شَعِيرًا: جَازَ. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ. وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ وَنَحْوُهَا: فَيَجِبُ رَدُّ الْقِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَوْمَ قَبْضِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ جِنْسًا وَصِفَةً وَقِيمَةً. قَوْلُهُ (وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ) . يَعْنِي فِي الْمَذْرُوعِ وَالْمَعْدُودِ، وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ (وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: يُرَدُّ بِالْقِيمَةِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِصِفَاتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَرُدُّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَرْضِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَى الثَّانِي: يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ فِي الصِّفَاتِ تَقْرِيبًا. فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّعَذُّرِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اقْتَرَضَ خُبْزًا أَوْ خَمِيرًا عَدَدًا. وَرَدَّ عَدَدًا بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ: جَازَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعَنْهُ: بَلْ مِثْلُهُ وَزْنًا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَرُدُّ مِثْلَهُ عَدَدًا، مَعَ تَحَرِّي التَّسَاوِي وَالتَّمَاثُلِ، بِلَا وَزْنٍ وَلَا مُوَاطَأَةٍ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ قَرْضُ الْمَاءِ كَيْلًا. وَيَصِحُّ قَرْضُهُ لِلسَّقْيِ، إذَا قُدِّرَ بِأُنْبُوبَةٍ. وَنَحْوِهَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَسَأَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ عَنْ عَيْنٍ بَيْنَ أَقْوَامٍ لَهُمْ نَوَائِبُ فِي أَيَّامٍ: يَقْتَرِضُ الْمَاءَ مِنْ صَاحِبِ نَوْبَةِ الْخَمِيسِ لِلسَّقْيِ بِهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ؟ قَالَ: إذَا كَانَ مَحْدُودًا، يَعْرِفُ كَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ. وَإِلَّا أَكْرَهَهُ. قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ الْقَرْضُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَإِنْ أَجَّلَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَأَخِيهِ الْحُسَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صِحَّةَ تَأْجِيلِهِ، وَلُزُومَهُ إلَى أَجَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ كَانَ دَيْنُهُ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ: جَازَ تَأْجِيلُهُ إنْ رَضِيَ.

وَخَرَّجَ رِوَايَةً مِنْ تَأْجِيلِ الْعَارِيَّةِ، وَمِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ إلْحَاقِ الْأَجَلِ وَالْخِيَارِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ حَلَّ أَجَلُهُ: لَمْ يَصِرْ مُؤَجَّلًا بِتَأْجِيلِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَحْرُمُ التَّأْجِيلُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَرْضُ حَالٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ تَأْجِيلُهُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ وُجُوبُ أَدَاءِ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا، نَحْوُ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارِهِ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ) . أَمَّا شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا، أَوْ أَنْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ أَنْ يَقْضِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ هَذَا الشَّرْطِ) وَهُوَ عَائِدٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَعَدَمَهُ فِيمَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ لِبَيْعٍ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ، فِي فَسَادِ الْعَقْدِ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ،

وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالْفَسَادِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ الْفَسَادِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ إرْسَالَ نَفَقَةٍ إلَى أَهْلِهِ، فَأَقْرَضَهَا رَجُلًا لِيُوَفِّيَهَا لَهُمْ: جَازَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، أَوْ قَضَى خَيْرًا مِنْهُ) يَعْنِي بِغَيْرِ مُوَاطَأَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الْوَفَاءِ: جَازَ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَصَحَّحَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَائِقِ فِيمَا إذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْجَمِيعِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الْوَفَاءِ، أَوْ زَادَهُ. وَجَزَمَ الْحَلْوَانِيُّ أَنْ يَأْخُذَ أَجْوَدَ مَعَ الْعَادَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَزِيدُهُ شَيْئًا عَلَى قَرْضِهِ، فَهُوَ كَشَرْطِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَفِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَقَالُوا: لِأَنَّهُ «عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَانَ مَعْرُوفًا بِحُسْنِ الْوَفَاءِ» . فَهَلْ يُسَوِّغُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ إقْرَاضَهُ مَكْرُوهٌ؟ وَعَلَّلُوهُ بِتَعْلِيلٍ جَيِّدٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ زَادَهُ مَرَّةً فِي الْوَفَاءِ، فَزِيَادَةُ مَرَّةٍ ثَانِيَةٍ مُحَرَّمَةٌ. ذَكَرَهُ فِي النَّظْمِ.

الثَّانِيَةُ: شَرْطُ النَّقْصِ كَشَرْطِ الزِّيَادَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ فِيمَا لَا رِبَا فِيهِ. قُلْت: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْقَرْضِ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَنْقَصَ، وَكَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا: لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ: لَمْ يَجُزْ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَهُ أَنْقَصَ، وَهُوَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا: لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقْرَضَ غَرِيمَهُ لِيَرْهَنَهُ عَلَى مَا لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُقْرِضِ: فَفِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ: اعْطِنِي رَهْنًا، وَأُعْطِيك مَالًا تَعْمَلُ فِيهِ وَتَقْضِينِي: جَازَ. وَكَذَا قَالَ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَرْضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " لَمْ يَجُزْ " يَعْنِي لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ مَجَّانًا. فَأَمَّا إذَا نَوَى احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ مُكَافَأَتَهُ: جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْغَرِيمُ. فَلَوْ اسْتَضَافَهُ حُسِبَ لَهُ مَا أَكَلَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَيُتَوَجَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ. فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِإِطْعَامٍ مِنْ إضَافَةٍ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ وَإِلَّا حُسِبَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ أَقْرَضَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِيُوَفِّيَهُ كُلَّ وَقْتٍ شَيْئًا: جَازَ. نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَقْرَضَ فَلَّاحَهُ فِي شِرَاءٍ بَقَرًا وَبَذْرًا بِلَا شَرْطٍ: حُرِّمَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَوَّزَهُ الْمُصَنِّفُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَذْرِهِ، وَأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ كَالْمُعْتَادِ فِي فِعْلِ النَّاسِ فَفَاسِدٌ. لَهُ تَسْمِيَةُ الْمِثْلِ. وَلَوْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ. لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمِنْهَا: لَوْ أَقْرَضَ مَنْ عَلَيْهِ بُرٌّ يَشْتَرِيه بِهِ وَيُوَفِّيهِ إيَّاهُ. فَقَالَ سُفْيَانُ: مَكْرُوهٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَّدَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى اقْتِرَاضِهِ لَهُ لِجَاهِهِ: صَحَّ. لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ جَاهِهِ فَقَطْ. وَلَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى ضَمَانِهِ لَهُ: لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. لِأَنَّهُ ضَامِنٌ. فَيَكُونُ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً. وَمَنَعَ الْأَزَجِيُّ فِي الْأُولَى أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا) وَكَذَا لَوْ غَصَبَهُ أَثْمَانًا (فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ: لَزِمَتْهُ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهَا عَلَى الْمُقْتَرِضِ مُؤْنَةٌ، فَلَوْ أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا كَثِيرَةً. وَلِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ عَلَى الْمُقْتَرِضِ، وَقِيمَتُهَا فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَنْقَصُ: لَمْ يَلْزَمْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ إذَنْ قِيمَتُهُ فِيهِ فَقَطْ. وَقَوْلِي " وَلِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ " قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لُزُومَ الرَّدِّ فِي الْأَثْمَانِ. كَالْمُصَنِّفِ هُنَا.

وَصَرَّحَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُمْ أَرَادُوا فِي الْغَالِبِ. وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيْرُهَا: لَمْ تَلْزَمْهُ. فَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقِيمَةِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا) . ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ لَا. أَمَّا إنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ: فَلَا يَلْزَمُهُ. وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَثْمَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَكَلَامُهُ جَارٍ عَلَى الْغَالِبِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٌ: مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ بَذْلُهُ، بَلْ قِيمَتُهُ. وَمَا لَيْسَ لَهُ مُؤْنَةٌ يَلْزَمُهُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ طَلَبَ الْمُقْرِضُ مِنْ الْمُقْتَرِضِ بَدَلَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ: لَزِمَهُ، إلَّا إذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ إذَا كَانَ بِبَلَدِ الْمُقْرِضِ أَنْقَصَ قِيمَةً. فَلَا يَلْزَمُهُ سِوَى قِيمَتِهِ فِيهِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَهُوَ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَزِمَهُ رَدُّ بَدَلِهِ. وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَقَلُّ قِيمَةً: لَمْ يَجِبْ رَدُّ الْبَدَلِ، وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ مِثْلَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَيْهِ. فَوَائِدُ أَحَدُهَا: أَدَاءُ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَبِدُونِ الْمُطَالَبَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَّلِ الْفَلَسِ.

قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ لَهُ وَقْتًا لِلْوَفَاءِ. فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ لَهُ وَقْتًا لِلْوَفَاءِ كَيَوْمِ كَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ. لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْوَفَاءِ فِيهِ كَالْمُطَالَبَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي ذِمَّتِهِ الدَّيْنَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ فَيَجِبُ إعْلَامُهُ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي قَسْمِ الزَّوْجَاتِ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. ذَكَرَاهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَذَلَ الْمُقْتَرِضُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي بَلَدٍ آخَرَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْمُقْرِضِ مُؤْنَةٌ، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ: لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْرِضَ أَخْذُهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ وَالطَّرِيقُ آمِنَانِ. أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَا آمِنَيْنِ: لَزِمَهُ أَخْذُهُ. بِلَا نِزَاعٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: بِعَدَمِ اللُّزُومِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَدَّدُ عَدَمُ الْأَمْنِ، وَإِنْ كَانَا غَيْرَ آمِنَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَذَلَ الْغَاصِبُ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ التَّالِفِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَذْلِ الْمُقْتَرِضِ لِلْمُقْرِضِ فِي بَلَدِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَالِفٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ مُطْلَقًا.

باب الرهن

[بَابُ الرَّهْنِ] ِ فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: " الرَّهْنُ " عِبَارَةٌ عَنْ تَوْثِقَةِ دَيْنٍ بِعَيْنٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَوْثِقَةُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ عَلَى قَوْلٍ. الثَّانِيَةُ: " الْمَرْهُونُ " عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ عَيْنٍ جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهَا. الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ. أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ وَتَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ. الرَّابِعَةُ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّهْنِ، وَقَدْرِهِ، وَصِفَتِهِ، وَجِنْسِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الْخَامِسَةُ: يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى كُلِّ دَيْنٍ وَاجِبٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَهُنَا مَسَائِلُ فِيهَا خِلَافٌ. مِنْهَا: دَيْنُ السَّلَمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَمِنْهَا: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ، كَالْغُصُوبِ، وَالْعَوَارِيّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ، أَوْ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ. وَفِي صِحَّةِ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الرَّهْنُ عَلَى عَوَارِي الْكُتُبِ لِلْوَقْفِ وَنَحْوِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَمَّا رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ.

وَمِنْهَا: الدِّيَةُ الَّتِي عَلَى الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ. فَفِي صِحَّةِ أَخْذِ الرَّهْنِ عَنْهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ صَحَّ الرَّهْنُ بِدَيْنٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ: فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِنْهَا: دَيْنُ الْكِتَابَةِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْمُوجَزِ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالزُّبْدَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالْبُلْغَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَقِيلَ: إنْ جَازَ أَنْ يُعْجَزَ الْمُكَاتَبُ نَفْسُهُ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِلَّا صَحَّ. وَمِنْهَا: هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى الْجَعْلِ فِي الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: هَذَا أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ احْتِمَالُ الْقَاضِي. وَأَمَّا بَعْدَ الْعَمَلِ: فَيَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَمِنْهَا: هَلْ يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى عِوَضِ الْمُسَابَقَةِ؟ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ. وَلَمْ يُعْلَمْ إفْضَاؤُهَا إلَى الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: فِيهَا وَجْهَانِ. هَلْ هِيَ إجَارَةٌ، أَوْ جَعَالَةٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إجَارَةٌ. صَحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ بِعِوَضِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُحَلَّلٌ، فَهِيَ جَعَالَةٌ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُحَلَّلٌ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ. ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ السَّلَمِ. السَّادِسَةُ: لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِعُهْدَةِ الْمَبِيعِ، وَلَا بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ. كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَالْإِجَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ إذَا كَانَ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةً. مِثْلُ إجَارَةِ الدَّارِ، وَالْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ، وَالْجَمَلِ الْمُعَيَّنِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، أَوْ لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ. فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ. كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: صَحَّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَيْهِ. السَّابِعَةُ: يَصِحُّ عَقْدُ الرَّهْنِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَصَحَّ تَبَرُّعُهُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لِوَلِيٍّ رَهْنُهُ عِنْدَ أَمِينٍ لِمَصْلَحَةٍ كَحَلِّ دَيْنٍ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ بَيْعُ مَالِهِ وَالتَّبَرُّعُ بِهِ. فَلَا يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ وَعَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُمْ فِي تِجَارَةٍ وَنَحْوِهِمْ. قَوْلُهُ (يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ الْحَقِّ وَبَعْدَهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَقَالَ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ.

فَائِدَةٌ: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ، وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَصْلِ. وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ دَيْنِ الرَّهْنِ، لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يَجُوزُ تَقْوِيَةُ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ. وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوْ فَدَى الرَّهْنَ الْجَانِيَ، وَشَرَطَ جَعْلَهُ رَهْنًا بِالْفِدَاءِ مَعَ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ فَعَلَى الصِّحَّةِ: يَكُونُ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ رَهْنُ كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، إلَّا الْمُكَاتَبَ، إذَا قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ: لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ) . يَصِحُّ رَهْنُ كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَهُنَا مَسَائِلُ فِيهَا خِلَافٌ. مِنْهَا: الْمُكَاتَبُ، وَيَصِحُّ رَهْنُهُ إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ بَيْعُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ رَهْنِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: بِصِحَّةِ بَيْعِهِ، إذَا اشْتَرَطْنَا اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ. وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ إنْ جَازَ بَيْعُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ بَقَاءُ الْقَبْضِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُمَكَّنُ مِنْ الْكَسْبِ كَمَا قَبْلَ الرَّهْنِ. وَأَمَّا أَدَاؤُهُ: فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهُ. فَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ الرَّهْنُ فِيهِ وَفِي أَكْسَابِهِ. وَإِنْ عَتَقَ كَانَ مَا أَدَّاهُ مِنْ نُجُومِهِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنًا. وَمِنْهَا: الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ، وَيَصِحُّ رَهْنُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ. وَيُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَخَرَجَ عَدَمُ الصِّحَّةِ. فَائِدَةٌ يَجُوزُ رَهْنُ حِصَّتِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ دَارٍ. فَيَرْهَنُ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ رَهْنُ حِصَّتِهِ مِنْ مُعَيَّنٍ مِنْ شَيْءٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ حَقِّهِ مِنْ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ تَنْقَسِمُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ شَرِيكِهِ فَاحْتِمَالَانِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ صَحَّ. وَقِيلَ: إنْ لَزِمَ الرَّهْنُ بِالْعَقْدِ صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي بَيْعِهِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اقْتَسَمَا، فَوَقَعَ الْمَرْهُونُ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ: فَهَلْ يَلْزَمُ الرَّاهِنَ بَدَلُهُ أَوْ رَهْنُهُ لِشَرِيكِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ إلْزَامُهُ بِبَدَلِهِ، أَوْ رَهْنِهِ لِشَرِيكِهِ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: بِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي كَوْنِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا (جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أَمِينٍ، أَمَانَةً أَوْ بِأُجْرَةٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ إجَارَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا عَلَى ثَمَنِهِ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . إذَا أَرَادَ رَهْنَ الْمَبِيعِ لِلْغَيْرِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ: جَازَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا، مِنْ الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَرْهَنَهُ عَلَى ثَمَنِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ. فَإِنْ رَهَنَهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ: صَحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا،

وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفَائِقِ، سَوَاءٌ قَبَضَ ثَمَنَهُ أَوْ لَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ. وَإِنْ رَهَنَهُ عَلَى ثَمَنِهِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَمَّا الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ، وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنْ الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ: فَذَكَرَ الْقَاضِي جَوَازَ رَهْنِهِ. وَحَكَاهُ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ: يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَعَلَهَا كَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ؛ وَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ رَهْنُهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ: صَحَّ رَهْنُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَتَلَفِهِ. لَكِنَّ مَحَلَّهُمَا عِنْدَهُ: بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ.

تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ مِثْلَهُمَا فِي الْحُكْمِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَالْمُصَنِّفُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ الْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ: حُكْمُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا كَوْنُ رَهْنِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ. وَهِيَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ: مُخْتَصٌّ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. وَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ. هَذِهِ. وَالثَّانِيَةُ: مُخْتَصٌّ بِالْمَبِيعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ. كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. فَعَلَيْهَا: لَا يَجُوزُ رَهْنُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا عَدَاهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ. وَفِي رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ الْخِلَافُ. وَالثَّالِثَةُ: الْمَنْعُ مُخْتَصٌّ بِالْمَطْعُومِ. فَعَلَيْهَا: لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا عَدَاهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ الْخِلَافُ. وَالرَّابِعَةُ: الْمَنْعُ يَعُمُّ كُلَّ مَبِيعٍ. فَعَلَيْهَا: لَا يَجُوزُ رَهْنُ كُلِّ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى غَيْرِ ثَمَنِهِ. وَفِي رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ الْخِلَافُ. انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَزُولُ الضَّمَانُ بِالرَّهْنِ عَلَى قِيَاسِ مَا إذَا رَهَنَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ غَاصِبِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ فِي آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ شُرُوطِ الْبَيْعِ " لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ ". قَوْلُهُ (وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، إلَّا الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ) وَكَذَا الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. يَعْنِي يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. يَعْنِي لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ رَهَنَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. إنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَا التَّرْكَ. وَكَذَا الْخِلَافُ إنْ أَطْلَقَا. فَتُبَاعُ إذَنْ عَلَى الْقَطْعِ. وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا بِدَيْنٍ حَالٍّ. بِشَرْطِ الْقَطْعِ: صَحَّ. وَبَاعَ كَذَلِكَ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: لَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: رَهْنُ الْأَمَةِ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُبَاعَانِ، حَيْثُ حَرُمَ التَّفْرِيقُ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: مَتَى بِيعَا كَانَ مُتَعَلِّقُ الْمُرْتَهِنِ مَا يَخْتَصُّ الْمَرْهُونَ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي قَدْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَتْ الْأُمُّ الْمَرْهُونَةُ، كَمْ قِيمَتُهَا مُفْرَدَةً؟ فَيُقَالُ: مِائَةٌ وَمَعَ الْوَلَدِ مِائَةٌ وَخَمْسِينَ. فَلَهُ ثُلُثَا الثَّمَنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَوَّمَ الْوَلَدُ أَيْضًا مُفْرَدًا. فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ بِدُونِ أُمِّهِ؟ فَيُقَالُ: عِشْرُونَ. فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَلَهَا وَلَدٌ، وَيُقَوَّمَ الْوَلَدُ وَهُوَ مَعَ أُمِّهِ. فَإِنَّ التَّفْرِيقَ مُمْتَنِعٌ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي، إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَعْلَمُ أَنَّ لَهَا وَلَدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ رَهْنِ الْمُصْحَفِ، إذَا قُلْنَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمُسْلِمٍ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، فَإِنَّهُمَا ذَكَرَا حُكْمَ رَهْنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ. وَقَدَّمَا عَدَمَ الصِّحَّةِ. وَقَالَا: وَكَذَا الْمُصْحَفُ إنْ جَازَ بَيْعُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ مُصْحَفٍ مِنْ مُسْلِمٍ: صَحَّ رَهْنُهُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَظَاهِرُهُمْ: أَنَّ لَنَا رِوَايَةً بِعَدَمِ صِحَّةِ رَهْنِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَهُ. وَأَمَّا رَهْنُهُ عَلَى دَيْنٍ كَافِرًا إذَا كَانَ بِيَدِ مُسْلِمٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّحْنَا رَهْنَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْكَافِي وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَأُلْحِقَتْ بِالْمُصْحَفِ كُتُبُ الْحَدِيثِ، يَعْنِي فِي جَوَازِ رَهْنِهَا بِدَيْنِ كَافِرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ رَهَنَ الْمُصْحَفَ، أَوْ كُتُبَ الْحَدِيثِ لِكَافِرٍ: لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ رَبِّهِ بِلَا إذْنٍ وَلَا ضَرَرٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَعَنْهُ يَجُوزُ رَهْنُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا رَهَنَ مُصْحَفًا لَا يَقْرَأُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. انْتَهَى. الثَّانِي: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَجَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِرَاءَةَ لِلْمُرْتَهِنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا إذْنِهِ. الثَّالِثَةُ: يَلْزَمُ رَبَّهُ بَذْلُهُ لِحَاجَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ مُطْلَقًا، كَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْمُصْحَفِ هُنَاكَ. وَأَكْثَرُهَا فِي آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهَادِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ إذَا شَرَطَهُ فِي يَدِ عَدْلٍ مُسْلِمٍ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ،

وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: اخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا أَطْلَقْنَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ، وَأَنْ يَسْتَعِيرَهُ لِيَرْهَنَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ فِيهِمَا سَوَاءٌ بَيَّنَ قَدْرَ الدَّيْنِ لَهُمَا أَوْ لَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الدَّيْنَ. وَيَجُوزُ لَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ إقْبَاضِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَبْلَ الْعَقْدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمَا الرُّجُوعُ. قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْعَارِيَّةِ قَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ لَازِمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمَالِكِ. وَأَمَّا بَعْدَ إقْبَاضِهِ: فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَجُوزُ لَهُمَا الرُّجُوعُ أَيْضًا. فَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ وَبِيعَ: رَجَعَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. وَلَا يَرْجِعُ بِمَا بَاعَهُ بِهِ، سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِأَكْثَرِهِمَا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ قَطْعًا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ فِي مُسْتَأْجِرٍ مِنْ مُسْتَعِيرٍ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ، وَأَوْلَى. وَهُوَ نَظِيرُ إعَارَتِهِ لِلرَّهْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ إلَّا بِالْقَبْضِ) . يَعْنِي لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِمَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ. فَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ فِي الْقَبْضِ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. فَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ. فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا يَجُوزُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزًا. وَيَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ: أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ. وَأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى الْأَوَّلِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا، كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَنَحْوِهِمَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَغَيْرِ الْمُتَعَيَّنِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّى، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمُتَعَيَّنِ. فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَيْهِمَا: مَتَى امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ. وَإِنْ رَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ طَلَبَهُ: أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى رَدِّهِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ. وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِزَوَالِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: صِفَةُ قَبْضِ الرَّهْنِ: كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَارِيَّةٌ، أَوْ وَدِيعَةٌ، أَوْ غَصْبٌ، أَوْ نَحْوُهُ: صَحَّ الرَّهْنُ. وَالْمُذْهَبِ: لُزُومُ الرَّهْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ. وَالْيَدُ

ثَابِتَةٌ. وَالْقَبْضُ حَاصِلٌ. وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ، لَا غَيْرُ. وَهَذَا عَلَى الْأَكْثَرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَصِيرُ رَهْنًا حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهَا. فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَبِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا فَبِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيَالُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ: لَمْ يَصِرْ مَقْبُوضًا حَتَّى يُوَافِيَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلَهُ، ثُمَّ تَمْضِي مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهَا. لِأَنَّ الْعَقْدَ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ. وَالْقَبْضُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِإِمْكَانِهِ. وَيَكْفِي ذَلِكَ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ حَقِيقَةً. فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهَا، فَهُوَ كَتَلَفِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَذَا الْهِبَةُ، عَلَى الْخِلَافِ وَالْمُذْهَبُ، عَلَى مَا يَأْتِي] . قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى الرَّاهِنِ: زَالَ لُزُومُهُ) . ظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِهِ نِيَابَةً أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالًا: أَنَّهُ لَا يَزُولُ لُزُومُهُ إذَا أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ بِإِذْنِهِ نِيَابَةً فَائِدَةٌ: لَوْ أَجَّرَهُ أَوْ أَعَارَهُ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ. فَلُزُومُهُ بَاقٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ الْمَذْهَبُ كَالْمُرْتَهِنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ: يَزُولُ لُزُومُهُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِحَالٍ. انْتَهَى.

فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ عَادَ اللُّزُومُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. وَلَوْ سَكَّنَهُ بِأُجْرَتِهِ بِلَا إذْنٍ فَلَا رَهْنَ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَكْرَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ لَهُ، فَإِذَا رَجَعَ صَارَ رَهْنًا. وَالْكِرَاءُ لِلرَّاهِنِ. وَقِيلَ: إنْ أَعَارَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، لَمْ يَزُلْ اللُّزُومُ. وَإِلَّا زَالَ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي الْمُذْهَبِ قَوْلُ: إنْ أَجَّرَ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَزُلْ اللُّزُومُ. وَإِنْ أَجَّرَ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ زَالَ اللُّزُومُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ زَادَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى أَجَلِ الدَّيْنِ: لَمْ يَصِحَّ بِحَالٍّ. فَائِدَةٌ: لَوْ رَهَنَهُ شَيْئًا. ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَهَلْ يَصِيرُ عَارِيَّةً حَالَةَ الِانْتِفَاعِ بِهِ. أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالًا: أَنَّهُ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ اخْتَلَفَا تَعَطَّلَ الرَّهْنُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَتَعَطَّلُ. وَيُجْبَرُ مَنْ أَبَى مِنْهُمَا الْإِيجَارَ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ يَتَعَطَّلُ الْإِيجَارُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَتَعَطَّلْ. قَوْلُهُ (وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَعَنْهُ: أَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيَّنِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ رَهَنَهُ مَا هُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. وَمَضْمُونٍ عَلَيْهِ كَالْغُصُوبِ، وَالْعَوَارِيّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. حَيْثُ قُلْنَا: يَضْمَنُ، وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ صَحَّ الرَّهْنُ وَزَالَ الضَّمَانُ. كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ. كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لُزُومُ الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهِيَ شَبِيهَةُ الْهِبَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ رَهَنَهُ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ غَصْبًا. فَكَهِبَتِهِ إيَّاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: لَا يَصِيرُ رَهْنًا حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الثَّانِي: إنْ كَانَ مَنْقُولًا: فَبِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا: فَبِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيَالُهُ وَاتِّزَانُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا: لَمْ يَصِرْ مَقْبُوضًا حَتَّى يُوَافِيَهُ بِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلَهُ، ثُمَّ تَمْضِي مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهَا. فَهُوَ كَتَلَفِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَبْضِهِ. ثُمَّ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الرَّاهِنِ فِي قَبْضِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ رَهَنَهُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ غَصْبًا. فَكَهِبَتِهِ إيَّاهُ. وَيَزُولُ ضَمَانُهُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْهِبَةِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ (وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ لَا يَصِحُّ، إلَّا بِالْعِتْقِ. فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ) . إذَا تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي الرَّهْنِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ بِالْعِتْقِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْفُذُ. وَسَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُعْسِرِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَاتِ لِلْأَكْثَرِينَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُ الْمُعْسِرِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ تَخْرِيجًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ كَذَلِكَ اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ عِتْقُ الْمُوسِرِ أَيْضًا. وَذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةٌ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُوسِرِ بِغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمُوسِرِ: يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَيَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ بَيْنَ الرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ عَبْدٍ مِثْلِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمُعْسِرِ: مَتَى أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ: أُخِذَتْ، وَجُعِلَتْ رَهْنًا. وَأَمَّا بَعْدَ الْحُلُولِ: فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهَا رَهْنًا. بَلْ يُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا: يَأْخُذُ الْقِيمَةَ. فَإِنَّهَا تَكُونُ وَقْتَ الْعِتْقِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ. فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ زَوَالِ الرَّهْنِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: احْتِمَالٌ بِالنُّفُوذِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّاهِنِ عِتْقُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ. وَيَأْتِي إذَا أَقَرَّ بِعِتْقِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ: لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ وَقْفُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ: يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ. وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا، وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا. وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَصِحُّ بَيْعُ الرَّاهِنِ لِلرَّهْنِ وَيَلْزَمُهُ. وَيَقِفُ لُزُومُهُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. كَبَيْعِ الْخِيَارِ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حُكْمُ إخْرَاجِهَا مِنْ الْمَرْهُونِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَأَوْلَدَهَا: خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ يَجْزِمُونَ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ. لِأَنَّ الْفِعْلَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ. بِدَلِيلِ نُفُوذِ إيلَادِ الْمَجْنُونِ دُونَ عِتْقِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَالِاسْتِيلَادُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعِتْقِ، وَأَوْلَى بِالنُّفُوذِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لِلرَّاهِنِ الْوَطْءُ بِشَرْطٍ. ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا، فَجُعِلَتْ رَهْنًا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَأَخَّرُ الضَّمَانُ حَتَّى تَضَعَ. فَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ أَحْبَلَهَا. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. فَائِدَةٌ: لَهُ غَرْسُ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَلَا يُمْنَعُ مِنْ سَقْيِ شَجَرٍ، وَتَلْقِيحٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ عَلَى إنَاثٍ مَرْهُونَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُمْنَعُ. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مُدَاوَاةٍ وَفَصْدٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ مِنْ قَطْعِ سِلْعَةٍ فِيهَا خَطَرٌ. وَيُمْنَعُ مِنْ خِتَانِهِ إلَّا مَعَ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ يَبْرَأُ قَبْلَ حَلِّهِ. وَلِلْمُرْتَهِنِ مُدَاوَاةُ مَا فِيهِ لِلْمَصْلَحَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لَهُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَفَعَلَ: صَحَّ. وَبَطَلَ الرَّهْنُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا. فَهَذَا الشَّرْطُ صَحِيحٌ. وَيَصِيرُ رَهْنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ صِحَّةَ الشَّرْطِ، وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ فِي الْهِبَةِ كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الرَّهْنُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ أَذِنَ فِيهِ بِلَا نِزَاعٍ. فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ثَبَتَ رُجُوعُهُ، وَتَصَرَّفَ الرَّاهِنُ جَاهِلًا رُجُوعَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ؟

عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَالَا: بِنَاءً عَلَى تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بَعْدَ عَزْلِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، كَمَا يَأْتِي. فَكَذَا هُنَا. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ هُنَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ الدَّيْنُ صَحَّ الْبَيْعُ. وَصَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْخُذُ الدَّيْنَ مِنْهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ، وَصَارَ رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَبْقَى ثَمَنُهُ رَهْنًا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ حَالٍّ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ جَعْلَ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ، بَلْ فِيهِ الْأَمْرَانِ. فَهَلْ يَبْقَى ثَمَنُهُ رَهْنًا، أَوْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ. أَحَدُهُمَا: يَبْقَى ثَمَنُهُ رَهْنًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ الرَّهْنُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ) . إذَا بَاعَهُ بِإِذْنِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ مِنْ ثَمَنِهِ: صَحَّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ،

وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَزَاهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ إلَى الْقَاضِي فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. قَالَ: وَنَصَرَهُ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى مَا حَكَاهُ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكُلُّ شَرْطٍ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ: فَهُوَ فَاسِدٌ. وَفِي الْعَقْدِ رِوَايَتَا الْبَيْعِ. انْتَهَى. وَأَمَّا شَرْطُ التَّعْجِيلِ: فَيَلْغُو قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: يَصِحُّ الشَّرْطُ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ رَهْنًا. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ وَجَدْته صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي بِهِ الْمَجْدَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَلْغُو شَرْطُ التَّعْجِيلِ، لَكِنَّهُ يُفِيدُ بَقَاءَ كَوْنِهِ رَهْنًا. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ رَهْنًا. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: الْوَجْهَانِ هُنَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. انْتَهَى. فَيَكُونُ الصَّحِيحُ لَا يَكُونُ رَهْنًا. قَوْلُهُ (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ وَكَسْبُهُ مِنْ الرَّهْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَفِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ الْمَقْصُودِ وَجْهٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُصُولِ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّهْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ جَيِّدٌ.

وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ تَبَعِيَّةِ كَسْبِ الرَّهْنِ وَنَمَائِهِ. وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَكَوْنُ الْكَسْبِ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ) . سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. لَكِنْ إنْ كَانَتْ عَمْدًا، فَهَلْ لِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قَبَضَ، فَهَلْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟ يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ. فَوَائِدُ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ (وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَفَنُهُ إنْ مَاتَ، وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إنْ كَانَ مَخْزُونًا) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْ الرَّاهِنِ بِيعَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. فَإِنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ بِيعَ كُلُّهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ كَبَعْدِ الْوَفَاءِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ: لَزِمَهُ. وَظَاهِرُهُ: لُزُومُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى التَّعَدِّي. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَبَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ، جَرْيًا عَلَى الظَّاهِرِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ تَعَدَّى فِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي. لَكِنْ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِيَّةِ، وَجْهَانِ. لِأَنَّهَا لَا تَجْمَعُ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: بَقَاءُ الرَّهْنِيَّةِ.

وَهُوَ الصَّوَابُ. ثُمَّ وَجَدْته قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِيهِ زَالَ ائْتِمَانُهُ، وَبَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَلَمْ تَبْطُلْ تَوْثِقَتُهُ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ احْتِمَالًا يُبْطِلَانِ الرَّهْنَ. وَفِيهِ بُعْدٌ. لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ. وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ عِنْدَ الْعَدْلِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَادِثِ: قَبْلَ قَوْلِهِ فِيهِ أَيْضًا. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ) . بِلَا نِزَاعٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. كَدَفْعِ عَبْدٍ يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ، فَيَتْلَفُ. وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مَوْجُودَةٍ بَعْدَ الْفَسْخِ عَلَى الْأُجْرَةِ فَتَتْلَفُ. فَلَا يَسْقُطُ مَا عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ. بِخِلَافِ حَبْسِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ الْمُتَمَيِّزَ عَلَى ثَمَنِهِ. فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ. وَالرَّهْنُ لَيْسَ بِعِوَضِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ لَوْ رَهَنَ شَيْئَيْنِ بِحَقٍّ، فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا. فَالْآخَرُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ. بَلْ يُقَسِّطُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: سَوَاءٌ اتَّحَدَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، أَوْ تَعَدَّدَ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ) . بِلَا نِزَاعٍ. حَتَّى لَوْ قَضَى أَحَدُ الْوَارِثِينَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ دَيْنٍ بِرَهْنٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَوَفَّى أَحَدُهُمَا: انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ عِنْدَ رَجُلَيْنِ، فَوَفَّى أَحَدُهُمَا يَبْقَى جَمِيعُهُ رَهْنًا عِنْدَ الْآخَرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ مُقَاسَمَةُ الْمُرْتَهِنِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْعَيْنَ كُلَّهَا تَكُونُ رَهْنًا. إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ رَهَنَ نِصْفَ الْعَبْدِ عِنْدَ رَجُلٍ، فَصَارَ جَمِيعُهُ رَهْنًا. انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ: مَا إذَا رَهَنَ جُزْءًا مُشَاعًا. وَكَانَ فِي الْمُقَاسَمَةِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُنْقِصُ قِيمَةَ الثَّانِي. فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّاهِنَ مِنْ قِسْمَتِهِ. وَيُقِرُّ جَمِيعَهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، الْبَعْضُ رَهْنٌ، وَالْبَعْضُ أَمَانَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيْئًا، فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا: انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا رَهَنَ اثْنَانِ عَيْنَيْنِ، أَوْ عَيْنًا لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِمَا، مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَاهُ دَارًا لَهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيْهِمَا. نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْضِ الْآخَرُ: أَنَّ الدَّارَ رَهْنٌ عَلَى مَا بَقِيَ. وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ جَعَلَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْحَقِّ، تَوْزِيعًا لِلْمُفْرَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ. لَا عَلَى الْمُفْرَدِ. وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ.

قَالَ الْقَاضِي: هَذَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ عَقْدَ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْوَاحِدِ فِي حُكْمِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ: إنَّهَا فِي حُكْمِ عَقْدَيْنِ: كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مَرْهُونًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ. وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ: كَانَ عَمَّا نَوَاهُ، الدَّافِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي النِّيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا: صَرَفَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُوَزِّعُ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ. فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِلْعَدْلِ فِي بَيْعِهِ: بَاعَهُ وَوَفَّى الدَّيْنَ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ بَاعَهُ الْعَدْلُ. اشْتَرَطَ إذْنَ الْمُرْتَهِنِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إذْنِ الرَّاهِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ إذْنُ الْعَدْلِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ: بِبَيْعِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، كَأَصْلِهِ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنٍ مُتَجَدِّدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ) . يَعْنِي إذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ، أَوْ كَانَ أَذِنَ فِيهِ ثُمَّ عَزَلَهُ وَقُلْنَا: يَصِحُّ عَزْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ. فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ أَجْبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَقَضَى دَيْنَهُ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ، أَوْ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ: حَبَسَهُ الْحَاكِمُ أَوْ عَزَّرَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ: صَحَّ. وَقَامَ قَبْضُهُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ) بِلَا نِزَاعٍ. ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ اسْتِنَابَةُ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ فِي الْقَبْضِ. وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَعَبْدُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ كَهُوَ. لَكِنْ يَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ. إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَا لَهُ فِي الْبَيْعِ: لَمْ يَبِعْ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ: بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ) . إذَا أَذِنَا لِلْعَدْلِ، أَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعَيِّنَ نَقْدًا. أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ عَيَّنَ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِمَا يُخَالِفُهُ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ، أَوْ أَكْثَرُ. فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ بَاعَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَتَسَاوَى أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ تَتَسَاوَ بَاعَ بِأَغْلَبِ نُقُودِ الْبَلَدِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا: أَنَّهُ يَبِيعُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ مَعَ عَدَمِ التَّسَاوِي.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ النُّقُودُ مُتَسَاوِيَةً. انْتَهَى. وَإِنْ تَسَاوَتْ النُّقُودُ: بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَبِيعُ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَحَظُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ: بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ. بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ تَسَاوَتْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَيَّنَ الْحَاكِمُ لَهُ مَا يَبِيعُهُ بِهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ فِي تَعْيِينِ النَّقْدِ، لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْمُرُهُ بِبَيْعِهِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَافَقَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِمَا يَرَى الْحَظَّ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَبِيعُ الْوَكِيلُ هُنَا نِسَاءً، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً يَجُوزُ، بِنَاءً عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَرُدَّ. الثَّالِثَةُ: إذَا بَاعَ الْعَدْلُ بِدُونِ الْمِثْلِ، عَالِمًا بِذَلِكَ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. لَكِنَّهُ عَلَّلَهُ بِمُخَالَفَتِهِ. وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَكِيلِ. وَلِهَذَا أَلْحَقَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: بِبَيْعِ الْوَكِيلِ. فَصَحَّحَاهُ وَضَمَّنَاهُ النَّقْصَ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ.

قَالَ الشَّارِحُ، قَالَ شَيْخُنَا: لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَصِحُّ، وَيَضْمَنُ لِلنَّقْصِ كُلِّهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ. فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَضَاهُ بِبَيِّنَةٍ: ضَمِنَ) . إذَا ادَّعَى الْعَدْلُ دَفْعَ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَدْفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ، أَوْ لَا. فَإِنْ دَفَعَهُ بِبَيِّنَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً، حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً: قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِمَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَنْبَغِي الضَّمَانُ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ. اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ قَوْلٌ عَلَيْهِمَا فِي تَسْلِيمِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: يُصَدَّقُ الْعَدْلُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى رَاهِنِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: يُصَدَّقُ عَلَيْهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهَا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الشَّرْحِ: ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَ الْآخَرُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ، وَيَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ: لَمْ يَرْجِعْ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ: رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَرْجِعُ عَلَى رَاهِنِهِ وَعَلَى الْعَدْلِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالرَّاهِنُ يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ. انْتَهَوْا. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مِنِّي بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ، فَعَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حَقِّهِ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَمْ يُشْهِدْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَلَى الثَّالِثِ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَا يُقْبَلُ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ. فَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ وَحْدَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ) . يَأْتِي حُكْمُ الْوَكِيلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ فَقَضَاهُ وَلَمْ يُشْهِدْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَزَلَهُمَا: صَحَّ عَزْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْإِرْشَادِ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْحِيلَةِ. لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِالْمُرْتَهِنِ. فَيُعَايَى بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ حَاكِمٌ يَأْمُرُ بِالْبَيْعِ أَوْ لَا، مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ. أَوْ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ) .

اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ وَافَقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذَا وُجِدَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ، كَالْمُحَرَّمِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَنَحْوَهُ، أَوْ نَافَى الْعَقْدَ، كَعَدَمِ بَيْعِهِ عِنْدَ الْحُلُولِ، أَوْ إنْ جَاءَ بِحَقِّهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ. فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ. وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ كَالْبَيْعِ إذَا اقْتَرَنَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِيمَا إذَا شَرَطَ مَا يُنَافِيهِ. وَنَصَرَاهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، فِيمَا إذَا شَرَطَ مَا يُنَافِيهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكُلُّ شَرْطٍ وَافَقَ مُقْتَضَاهُ لَمْ يُؤَثِّرْ. وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ أَوْ نَافَاهُ، نَحْوَ كَوْنِ مَنَافِعِهِ لَهُ. وَإِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ، أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ: فَهُوَ فَاسِدٌ. وَفِي الْعَقْدِ رِوَايَةُ الْبَيْعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ أَنَّهُ: لَوْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: مَا يَنْقُصُ بِفَسَادِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ: يُبْطِلُهُ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَمَا لَا يَنْقُصُ بِهِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَقِيلَ: إنْ سَقَطَ دَيْنُ الرَّهْنِ فَسَدَ، وَإِلَّا فَالرِّوَايَتَانِ، إلَّا جَعْلَ الْأَمَةِ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ عَزَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ: يَبْطُلُ فِيهِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَفْسُدُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ صَارَ لَهُ وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ.

قُلْت: فَعَلَيْهِ غَلَقَ الرَّهْنُ: اسْتِحْقَاقُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ بِوَضْعِ الْعَقْدِ، لَا بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْفُصُولِ ثُمَّ إذَا بَطَلَ، وَكَانَ فِي بَيْعٍ فَفِي بُطْلَانِهِ لِأَخْذِهِ حَظًّا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا؟ لِانْفِرَادِهِ عَنْهُ كَمَهْرٍ فِي نِكَاحٍ احْتِمَالَانِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوْ الرَّهْنِ، أَوْ رَدِّهِ، أَوْ قَالَ: أَقَبَضْتُك عَصِيرًا؟ قَالَ: بَلْ خَمْرًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ) . أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي وَقَعَ الرَّهْنُ بِهِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: رَهَنْتُك عَبْدِي بِأَلْفٍ. فَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ بِأَلْفَيْنِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، مَا لَمْ يَدَّعِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ مَا رَهَنَهُ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا. فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ. فَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك بِبَعْضِهِ. فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ بِكُلِّهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ بِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ. فَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ بِالْمُؤَجَّلِ مِنْهُمَا. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ بِالْحَالِّ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الرَّهْنِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: رَهَنْتُك هَذَا. فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: وَهَذَا أَيْضًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَتَحَالَفَانِ فِي الْمَشْرُوطِ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ: رَهَنْتُك عَلَى هَذَا. قَالَ: بَلْ هَذَا، قُبِلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ: يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِقَبُولِ قَوْلِ الْمُرْتَهِنِ بِنَاءً عَلَى الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ. فَإِنَّ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ. وَخَرَّجَ هَذَا الْوَجْهَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ إلَى الْمُوَكِّلِ " حَيْثُ قَالَ " وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ: أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ، فَلَوْ قَالَ: رَهَنْته. فَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ غَصَبْته، أَوْ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَك، أَوْ عَارِيَّةٌ. فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ الرَّاهِنِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ فِي الْغَصْبِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْغَصْبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْغَصْبِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْأَقْوَى قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي أَنَّهُ رَهْنٌ وَلَيْسَ بِغَصْبٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: أَرْسَلْت وَكِيلَك، فَرَهَنَ عِنْدِي هَذَا عَلَى أَلْفَيْنِ قَبَضْتهمَا مِنِّي فَقَالَ: مَا أَذِنْت لَهُ إلَّا فِي رَهْنِهِ بِأَلْفٍ. فَإِنْ صَدَّقَ الرَّسُولُ الرَّاهِنَ حَلَفَ مَا رَهَنَهُ

إلَّا بِأَلْفٍ، وَلَا قَبَضَ غَيْرَهُ. وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّاهِنِ. وَإِنْ صَدَّقَ الْمُرْتَهِنَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وَعَلَى الرَّسُولِ أَلْفٌ. وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِأَلْفٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ: رَهَنْتُك عَبْدِي الَّذِي بِيَدَيَّ بِأَلْفٍ. فَقَالَ: بَلْ بِعْتنِي هُوَ بِهَا أَوْ قَالَ: بِعْتُك هُوَ بِهَا. فَقَالَ: بَلْ رَهَنَنِي هُوَ بِهَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ. وَيَسْقُطُ، وَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ. وَتَبْقَى الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ: رَهَنْته عِنْدَك بِأَلْفٍ قَبَضْتهَا مِنْك، وَقَالَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ: بَلْ بِعْتنِي هُوَ بِهَا: صُدِّقَ رَبُّهُ، مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةٍ، يَقُولُ خَصْمُهُ فَلَا رَهْنَ، وَتَبْقَى الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ. الْخَامِسَةُ: مَنْ طَلَبَ مِنْهُ الرَّدَّ. وَقَبِلَ قَوْلَهُ، فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِيَشْهَدَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْحَلِفِ احْتِمَالٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي الْوَكَالَةِ: وَكُلُّ أَمِينٍ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَطَلَبَ مِنْهُ، فَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَحْلِفُ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِذَلِكَ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ. ذَكَرَاهُ فِي آخِرِ الْوَكَالَةِ. وَكَذَا مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: بَلَى. وَقَطَعَ بِالْأَوَّلِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ أُخْرَى، كَدَيْنٍ بِحُجَّةٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُ الْوَثِيقَةِ. بَلْ الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهُ. لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَسْلِيمِ بَائِعٍ كِتَابَ ابْتِيَاعِهِ إلَى مُشْتَرٍ.

وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ حَتَّى يُزِيلَ الْوَثِيقَةَ. وَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَقِّ الِاحْتِيَاطُ بِالْإِشْهَادِ. وَعَنْهُ فِي الْوَدِيعَةِ: يَدْفَعُهَا بِبَيِّنَةٍ إذَا قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ هَذَا لِلْوُجُوبِ، كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ وَالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِلْوُجُوبِ أَشْبَهُ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ الْوَكَالَةِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ الرَّاهِنُ: أَقَبَضْتُك عَصِيرًا. قَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ خَمْرًا. وَمُرَادُهُ: إذَا شَرَطَ الرَّهْنَ فِي الْبَيْعِ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ. وَجَعَلَهَا الْقَاضِي كَالْحَلِفِ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ: أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ رَهْنِهِ، عَتَقَ وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا) . اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، إذَا كَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ: حُكْمُ مُبَاشَرَتِهِ لِعِتْقِهِ حَالَةَ الرَّهْنِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا كَمَا تَقَدَّمَ. فَلْيُرَاجَعْ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ أَقَرَّ بِالْعِتْقِ بَطَلَ الرَّهْنُ مَجَّانًا. وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَتَبِعَهُ نَاظِمُهَا وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِعِتْقِهِ قَبْلَ رَهْنِهِ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ لَا الْمُرْتَهِنِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ مِنْ الْمُوسِرِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى) . قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ.

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ: أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. وَيَحْلِفُ لَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الْيَمِينُ: أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ. فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ: قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَيَأْتِي هُنَا وَجْهٌ: أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ مَجَّانًا. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَاظِمُهَا هُنَا كَمَا قَالَ فِي الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ. وَجَعَلَا الْحُكْمَ وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ: قُبِلَ فِي حَقِّهِ. وَلَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ، مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَأَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ، وَالْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ.

نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ ارْتَهَنَ دَابَّةً، فَعَلَفَهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَالْعَلَفُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. مَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْلِفَ؟ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرُ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الرَّاهِنِ وَغَيْبَتِهِ، وَامْتِنَاعِهِ وَعَدَمِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ فَقَطْ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَوْ مَنَعَهَا. وَشَرَطَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: امْتِنَاعَ الرَّاهِنِ مِنْ النَّفَقَةِ. وَحَمَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: إذَا لَمْ يَتْرُكْ رَاهِنُهُ نَفَقَتَهُ فَعَلَ ذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ " أَوْ مَحْلُوبًا " الْأَمَةُ الْمُرْضِعَةُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقِيلَ: لَا تَدْخُلُ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي غَيْرِ الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَيَسْتَخْدِمَهُمَا بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. لَكِنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَالَفَ حَنْبَلٌ الْجَمَاعَةَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إنْ فَضَلَ مِنْ اللَّبَنِ فَضْلَةٌ بَاعَهُ، إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ، وَإِلَّا بَاعَهُ الْحَاكِمُ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الرُّجُوعُ هُنَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ مُتَطَوِّعًا لَا يَرْجِعُ بِلَا رَيْبٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، إنْ كَانَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: أَوْ جُهِلَتْ الْمَنْفَعَةُ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْلَ الثَّمَرَةِ بِإِذْنِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُسَكِّنُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، مَعَ إمْكَانِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) . إذَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، مَعَ إمْكَانِهِ، فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ: فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ رِوَايَةً: أَنَّهُ كَإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَقْيَسُ. إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْغَرِيمِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِئْذَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمَ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: إذْنُ الْحَاكِمِ كَإِذْنِ الرَّاهِنِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُ الْحَاكِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَنْفَقَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: إذَا أَنْفَقَ عَلَى عَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ مَرْهُونٍ. فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ. أَشْهَرُهُمَا: أَنَّ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ. كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرُونَ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الرُّجُوعُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. فَكَلَامُهُ عَامٌّ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُ الْحَاكِمِ، رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ أَوْ بِنَفَقَةِ مِثْلِهِ إنْ

أَشْهَدَ. وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا نَوَاهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قُلْت: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَتَى نَوَى الرُّجُوعَ مَعَ التَّعَذُّرِ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَفِي الْقَوَاعِدِ هُنَا كَلَامٌ حَسَنٌ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَفِي نَفَقَةِ الْجِمَالِ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدِ الْمُكْتَرِي) . قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ حَيَوَانٍ مُؤَجَّرٍ وَمُودَعٍ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَزَادَ: وَإِذَا أَنْفَقَ عَلَى الْآبِقِ حَالَةَ رَدِّهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْجَعَالَةِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ فَكَفَّنَهُ. أَمَّا إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُودَعِ، فَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَاوِيًا لِلرُّجُوعِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُ مَالِكِهِ رَجَعَ. وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى. وَالْمَذْهَبُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ: الرُّجُوعُ، كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الضَّمَانِ. قَالَ: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، مُتَابِعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْوَدِيعَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْجِمَالِ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، فَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْجِمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ. فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ. قَالَ: وَمُقْتَضَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً.

ثُمَّ إنَّ الْأَكْثَرِينَ اعْتَبَرُوا هُنَا اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الرَّهْنِ. وَاعْتَبَرُوهُ فِي الْمُودَعِ وَاللُّقَطَةِ. وَفِي الْمُغْنِي. إشَارَةٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي عَدَمِ الِاعْتِبَارِ، وَأَنَّ الْإِنْفَاقَ بِدُونِ إذْنِهِ: يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَكَذَلِكَ اعْتَبَرُوا الْإِشْهَادَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ، فَعَمَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ: لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً) . وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَعْيَانِ آلَتِهِ. وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا عَمَّرَ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الرَّهْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِيمَنْ عَمَّرَ وَقْفًا بِالْمَعْرُوفِ: لِيَأْخُذَهُ عِوَضَهُ. فَيَأْخُذُهُ مِنْ مُغِلِّهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَحْفَظُ أَصْلَ مَالِيَّةِ الدَّارِ لِحِفْظِ وَثِيقَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ، وَلَوْ قِيلَ: إنْ كَانَتْ الدَّارُ بَعْدَ مَا خَرِبَ مِنْهَا تَحَرَّزَ قِيمَةَ الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ كَانَ دُونَ حَقِّهِ، أَوْ فَوْقَ حَقِّهِ، وَيَخْشَى مِنْ تَدَاعِيهَا لِلْخَرَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا، حَتَّى تَنْقُصَ عَنْ مِقْدَارِ الْحَقِّ. فَلَهُ أَنْ يُعَمِّرَ وَيَرْجِعَ: لَكَانَ مُتَّجَهًا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا جَنَى الرَّهْنُ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ، تَعَلَّقَ أَرْشُهُ بِرَقَبَتِهِ وَلِسَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ بَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْلِيمُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. فَيَمْلِكُهُ) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُهُ، إذَا اخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ، فَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ إنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْكَافِي. تَنْبِيهٌ: خَيَّرَ الْمُصَنِّفُ السَّيِّدَ بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ. [وَهُوَ الْمَذْهَبُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُغْنِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهِ لِلْبَيْعِ. فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْخِيَرَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَبَيْعِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ فِدَائِهِ، أَوْ دَفْعِهِ بِالْجِنَايَةِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ ذَكَرَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا فِي مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ: إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَمْدًا وَأَحْكَامُهُ.

وَلَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهُنَّ هُنَا إلَّا الزَّرْكَشِيَّ. وَهُوَ قِيَاسُ مَا فِي مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. بَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ هُنَاكَ. لَكِنَّ اقْتِصَارَهُمْ هُنَا عَلَى الْخِيَرَةِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُنَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ. وَلَا نَعْلَمُهُ. لَكِنْ ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ بَعْدَ أَنْ قَطَعُوا بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَيْرَ الْمَرْهُونِ كَالْمَرْهُونِ. وَهُوَ أَظْهَرُ. إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] . [قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. وَالثَّانِيَةُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالثَّالِثَةُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالْفِدَاءِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ: إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَمْدًا وَأَحْكَامُهُ] . قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ: بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ. وَبَاقِيهِ رَهْنٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ. وَيَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيُبَاعُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ. فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالتَّشْقِيصِ: بِيعَ كُلُّهُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ بَيْعُ بَعْضِهِ. أَمَّا إنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ: فَإِنَّهُ يُبَاعُ جَمِيعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ، فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ: رَجَعَ بِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا: لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ جَعْلَهُ رَهْنًا بِالْفِدَاءِ مَعَ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَصْلُحُ أَمْ لَا؟ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا اخْتَارَ فِدَاءَهُ فَفَدَاهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ لَا. فَإِنْ فَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ: رَجَعَ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ؟ أَوْ يَفْدِيهِ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ: لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: بِنَاءً عَلَى مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الضَّمَانِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَكَذَا هُنَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَرْجِعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالنَّظْمِ.

قُلْت: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الرَّاهِنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِئْذَانُهُ فَلَا رُجُوعَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ هُنَا. وَإِنْ رَجَعَ مَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَرْجِعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ مَنْ بَنَاهُ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ، فَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَ. لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِافْتِدَاءُ هُنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ لِيَكُونَ رَهْنًا. وَقَدْ وَافَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَهُ رَهْنًا بِفِدَائِهِ، مَعَ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ: لَمْ يَصِحَّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ [وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِي مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ] . الثَّالِثَةُ: لَوْ سَلَّمَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَرَدَّهُ، وَقَالَ بِعْهُ وَأَحْضِرْ الثَّمَنَ: لَزِمَ السَّيِّدَ ذَلِكَ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَفْدِهِ الْمُرْتَهِنُ. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ مُحَرَّرَةً مُسْتَوْفَاةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَلِسَيِّدِهِ الْقِصَاصُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهِمَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازُ الْقِصَاصِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ. وَحَكَاهُ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَلِسَيِّدِهِ الْقَوَدُ فِي الْعَبْدِ بِرِضَى الْمُرْتَهِنِ. وَإِلَّا جَعَلَ قِيمَةَ أَقَلِّهِمَا قِيمَتَهُ رَهْنًا. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُقْتَصُّ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ إعْطَائِهِ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً، تُجْعَلُ مَكَانَهُ) . يَعْنِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَجِيزِ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَحَكَاهُمَا فِي الْكَافِي وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً) . هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَهُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى، قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ اقْتَصَّ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْنًا قَالَ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ جَمِيعُ قِيمَةِ الْجَانِي. قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي الْمُغْنِي فِي الرَّهْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا جُرِحَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أَوْ قُتِلَ فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ السَّيِّدُ " أَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا اقْتَصَّ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً، فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْنًا. نَصَّ عَلَيْهِ. هَذَا لَفْظُهُ. فَلَعَلَّ ابْنَ مُنَجَّى رَأَى مَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: مَعْنَى قَوْلِهِ " فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً " لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يُسَاوِي عَشَرَةً وَقَاتِلُهُ يُسَاوِي خَمْسَةً، أَوْ عَكْسُهُ: لَمْ يَلْزَمْ الرَّاهِنَ إلَّا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى

لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ. وَفِي الثَّانِيَةِ: لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا إلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْوُجُوبِ: إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ فِي الْقِصَاصِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. فَإِذَا عَيَّنَهُ بِالْقِصَاصِ، فَقَدْ فَوَّتَ الْمَالَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي: أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى قَوْلِنَا " مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا " فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: وَجَبَ الضَّمَانُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ قَطْعًا. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ عَفَا وَقُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ، فَلَا قِيمَةَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ، هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ) . وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. يَعْنِي حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ: مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ، أَوْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لَهُ، كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ، أَوْ إتْلَافِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، أَوْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ: فَهَدَرٌ. وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى مَا دُونَهَا. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَا دُونَهَا، بِأَنْ عَفَا عَلَى مَالٍ: سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ. وَكَذَلِكَ إنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصَّ فَلَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ اقْتَصَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، أَوْ قَضَاءً عَنْ الدَّيْنِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ، فَاقْتَصَّ الْوَرَثَةُ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِيمَةُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: لَهُمْ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَإِنْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ. وَهَلْ يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْعَافِي نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. انْتَهَى كَلَامُهُمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ. فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَائِدَةٌ: لَوْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ مُطْلَقًا وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا كَانَ كَمَا لَوْ اقْتَصَّ. فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ هُنَا، مَعَ أَنَّهُ قَطَعَ هُنَاكَ بِالْوُجُوبِ. كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنْ الْمَالِ: صَحَّ فِي حَقِّهِ. وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ إلَى الْجَانِي) يَعْنِي إذَا عَفَا السَّيِّدُ عَنْ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الْجَانِي بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ: صَحَّ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ. وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي الْأَرْشُ، فَيُدْفَعُ إلَى الْمُرْتَهِنِ. فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ رُدَّ مَا أُخِذَ مِنْ الْجَانِي إلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَعْنِي عَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهُ تُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنْ الرَّاهِنِ: رُدَّ مَا أُخِذَ مِنْ الْجَانِي، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَإِنْ اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْأَرْشِ. فَقِيلَ: يَرْجِعُ الْجَانِي عَلَى الْعَافِي. وَهُوَ الرَّاهِنُ. لِأَنَّ مَالَهُ ذَهَبَ فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْعَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَزِينٍ قَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي حَقِّ الْجَانِي مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ. وَإِنَّمَا اسْتَوْفَى بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ حَالَ مِلْكِهِ لَهُ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى إنْسَانٌ عَلَى عَبْدِهِ، ثُمَّ رَهَنَهُ لِغَيْرِهِ، فَتَلِفَ بِالْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ مُتْلِفٌ، وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهَا تَكُونُ رَهْنًا بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ. وَفَرَّعَ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَيْعِ الْمُتْلَفِ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَدَلِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ. وَخَالَفَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، فِي مَسْأَلَةِ إبْدَالِ الْأُضْحِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِجَعْلِ الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا حَدَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَادَّعَى الْجَهَالَةَ، وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُكْرَهَةِ. قَوْلُهُ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) . يَعْنِي إذَا وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ يَجْهَلُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ هَذَا الصَّحِيحُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَسْقُطُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَمَالِكِهِ بِاعْتِقَادِهِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَالْمَغْرُورِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ يَجْهَلُ التَّحْرِيمَ: فَلَا حَدَّ وَوَلَدُهُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ وَالْمَهْرُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ عِنْدَهُ رُهُونٌ لَا يَعْلَمُ أَرْبَابَهَا: جَازَ لَهُ بَيْعُهَا، إنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ. وَيَجُوزُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا، بِشَرْطِ ضَمَانِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ.

باب الضمان

وَفِي إذْنِ الْحَاكِمِ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَخْذِ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِهِ، مَعَ عَدَمِهِ: رِوَايَتَانِ، كَشِرَاءِ وَكِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: عَلَى أَنَّهُ تَعَذَّرَ إذْنُ الْحَاكِمِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَأَقَرُّوا النُّصُوصَ عَلَى ظَاهِرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ الثَّمَنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: بَلَى. وَلَوْ بَاعَهَا الْحَاكِمُ وَوَفَّاهُ: جَازَ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْغَصْبِ: إذَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَحَقُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَمَوْتِهِ مَعَ الْإِفْلَاسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [بَابُ الضَّمَانِ] ِ فَائِدَةٌ: اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهِ. فَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ " الِانْضِمَامِ " لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَنْضَمُّ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِالْجَيِّدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَرَدَّ بِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي " الضَّمِّ " مِيمٌ. وَفِي " الضَّمَانِ " نُونٌ. وَشَرْطُ صِحَّةِ الِاشْتِقَاقِ: وُجُودُ حُرُوفِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ.

وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ. وَهُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنْ " التَّضَمُّنِ " قَالَهُ الْقَاضِي. وَصَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَعِ. لِأَنَّ ذِمَّةَ الضَّامِنِ تَتَضَمَّنُ الْحَقَّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعْنَاهُ تَضْمِينُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ. وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ " الضِّمْنِ " قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ أَرْجَحُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَاَلَّذِي يَتَلَوَّحُ لِي: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ " الضِّمْنِ " فَتَصِيرُ ذِمَّةُ الضَّامِنِ فِي ضِمْنِ ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. فَهُوَ زِيَادَةٌ وَثِيقَةٌ. انْتَهَى. هَذَا الْخِلَافُ فِي الِاشْتِقَاقِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَوَاحِدٌ. قَوْلُهُ (وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْتِزَامِ الْحَقِّ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ الْتِزَامُ الرَّشِيدِ مَضْمُونًا فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ ذِمَّتِهِ، حَالًا أَوْ مَآلًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ الْتِزَامُ مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، أَوْ مُفْلِسٍ: مَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ بَقَائِهِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ الْتِزَامُ الْإِنْسَانِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنَ الْمَدْيُونِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ بِمَانِعٍ، لِدُخُولِ مَنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ. وَلَا جَامِعَ، لِخُرُوجِ مَا قَدْ يَجِبُ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَدَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ بَرِئَ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، عَلَى رِوَايَةٍ تَأْتِي. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَيْسَ شَامِلًا مَا قَدْ يَجِبُ، وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مَعْنَاهُ تَضْمِينُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، حَتَّى يَصِيرَ مُطَالَبًا بِهِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ.

فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الضَّمَانُ بِلَفْظِ " ضَمِينٌ، وَكَفِيلٌ، وَقَبِيلٌ، وَحَمِيلٌ، وَصَبِيرٌ، وَزَعِيمٌ " أَوْ يَقُولُ " ضَمِنْت دَيْنَك " أَوْ " تَحَمَّلْته " وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ " أَنَا أُؤَدِّي " أَوْ " أَحْضُرُ " لَمْ يَكُنْ مِنْ أَلْفَاظِ الضَّمَانِ. وَلَمْ يَصِرْ ضَامِنًا بِهِ وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ الصِّحَّةَ بِالْتِزَامِهِ. قَالَ: هُوَ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ فِي مَسَائِلَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ فَهِمَ مِنْهُ الضَّامِنُ عُرْفًا. مِثْلُ قَوْلِهِ " زَوِّجْهُ وَأَنَا أُؤَدِّي الصَّدَاقَ، أَوْ بِعْهُ وَأَنَا أُعْطِيك الثَّمَنَ، أَوْ اُتْرُكْهُ وَلَا تُطَالِبْهُ وَأَنَا أُعْطِيك " وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا مَعًا أَيْضًا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَمِنْ التَّرِكَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبِ حَيَاةً وَمَوْتًا. وَعَنْهُ يَبْرَأُ الْمَدْيُونُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ إنْ كَانَ مَيِّتًا مُفْلِسًا. نَصَّ عَلَيْهِ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) . يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: الْمُفْلِسُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْحَجْرِ. حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إقْرَارٍ: صَحَّ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ

الْمُصَنِّفِ هُنَا. أَوْ يَكُونُ مَفْهُومُ كَلَامِهِ هُنَا مَخْصُوصًا بِمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ. وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَمَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ. وَمَنْ لَا فَلَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ ضَمَانُ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَيَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ كَالْمُفْلِسِ. وَصَرَّحُوا بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ. وَيَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ. فَيَكُونُ عُمُومُ كَلَامِهِمْ أَوْ لَا مَخْصُوصَ بِغَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلْمُفْلِسِ. الثَّانِي: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ ضَمَانِ الْمَرِيضِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ حَسَبَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ ثُلُثِهِ. فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِغَيْرِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزٍ تَبَرُّعُهُ سِوَى الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: وَمَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَبَرُّعُهُ بِمَالِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. كَالْقِنِّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: عَدَمَ الصِّحَّةِ. إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَأَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ: بَرِئَ الضَّامِنُ. وَإِنْ بَرِئَ الضَّامِنُ، أَوْ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ: لَمْ يَبْرَأْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالْقَضَاءِ. لَوْ قَالَ: بَرِئْت. إلَى أَوْ أَبْرَأْتُك ". قَوْلُهُ (وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، فَأَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ: بَرِئَ هُوَ وَالضَّامِنُ مَعًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ الْمَضْمُونُ لَهُ فَلَهُ قِيمَتُهَا. وَقِيلَ: أَوْ يُوَكِّلَا ذِمِّيًّا يَشْتَرِيهَا. وَلَوْ أَسْلَمَ ضَامِنُهَا بَرِئَ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا سَفِيهٍ) . أَمَّا الْمَجْنُونُ: فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: خَرَّجَ أَصْحَابُنَا صِحَّةَ ضَمَانِهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ. وَيَأْتِي حُكْمُ إقْرَارِهِ فِي بَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، بِنَاءً عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا صِحَّةَ ضَمَانِ الصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ يَصِحُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ضَمِنَ، وَقَالَ: كَانَ قَبْلَ بُلُوغِي، وَقَالَ خَصْمُهُ: بَلْ بَعْدَهُ. فَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. قُلْت: وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا بَاعَ، ثُمَّ ادَّعَى الصِّغَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ ". وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. فَكَذَا هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَمَّا السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ ضَمَانُ السَّفِيهِ، وَيَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا مِنْ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ

وَيَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُطَالِبُهُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْمَنْصُوصُ يَصِحُّ، بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الصِّحَّةُ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَجْهًا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَقِيلَ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَجْرِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقِيَاسُهُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَالَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: مَنْشَؤُهُمَا أَنَّ دُيُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ: هَلْ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ . وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: الصَّحِيحُ هُنَاكَ التَّعَلُّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَقِيلَ: بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ كَاسْتِدَانَتِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَجْرِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنْ يَكُونَ فِي كَسْبِهِ. فَإِنْ عَدِمَ فَفِي رَقَبَتِهِ.

فَائِدَةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ الْأَخْرَسِ. إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الضَّامِنِ لَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهُمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ: يُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ لَهُ، دُونَ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَا كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا) . يَعْنِي: إذَا كَانَ مَآلُهُ إلَى الْعِلْمِ (وَلَا وَاجِبًا) إذَا كَانَ مَآلُهُ إلَى الْوُجُوبِ. (فَلَوْ قَالَ: ضَمِنْت لَك مَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُغْنِي: احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا سَيَجِبُ. فَعَلَى: الْمَذْهَبِ يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ الضَّمَانِ قَبْلَ وُجُوبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: لَهُ إبْطَالُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ ضَمَانُ بَعْضِ الدَّيْنِ مُبْهَمًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَيُفَسِّرُهُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا تُعْرَفُ الرِّوَايَةُ عَنْ إمَامِنَا. فَيَمْنَعُ. وَقَدْ سَلَّمَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لِجَهَالَتِهِ حَالًا وَمَآلًا. وَلَوْ ضَمِنَ أَحَدَ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلًا وَاحِدًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ ضَمَانِ الْحَارِسِ وَنَحْوِهِ وَتُجَّارِ الْحَرْبِ، مَا يَذْهَبُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْبَحْرِ، وَأَنَّ غَايَتَهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَضَمَانِ السُّوقِ. وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ مَا يَجِبُ عَلَى التُّجَّارِ لِلنَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ. وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: مَا أَعْطَيْت فُلَانًا فَهُوَ عَلَيَّ. فَهَلْ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يُعْطِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ لِمَا أَعْطَاهُ فِي الْمَاضِي، مَا لَمْ تَصْرِفْهُ قَرِينَةٌ عَنْ أَحَدِهِمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهَا فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لِلْمَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْخِرَقِيِّ. وَيُرَجِّحُهُ إعْمَالُ الْحَقِيقَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَصَحَّحَهُ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ اخْتِيَارَ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا أَعْطَيْت فُلَانًا عَلَيَّ وَنَحْوُهُ، وَلَا قَرِينَةَ: قُبِلَ مِنْهُ. وَقِيلَ: لِلْوَاجِبِ. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ النُّحَاةُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدْ وَرَدَ لِلْمَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] وَوَرَدَ لِلْمُسْتَقْبَلِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قُلْت: قَدْ يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَحَدِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي ضَمِنَهُ الضَّامِنُ. فَيَثْبُتُ الْحَقُّ فِي ذِمَمِ الثَّلَاثَةِ. وَكَذَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَهُ الْكَفِيلُ. فَيَبْرَأُ الثَّانِي بِإِبْرَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَا عَكْسَ. وَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ، رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَإِنْ قَضَاهُ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَذِنَ لِصَاحِبِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْمَذْهَبُ الرُّجُوعُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ عَلَى أَحَدٍ، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيَأْتِي بَعْضُ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالضَّامِنِ إذَا تَعَدَّدَ وَغَيْرِهِ فِي الْكَفَالَةِ. فَلْيُعْلَمْ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ وَغَيْرِهِ) . أَيْ غَيْرِ الْمُفْلِسِ. يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُفْلِسِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ. نَصَّ عَلَيْهَا. وَتَقَدَّمَتْ.

قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، وَعَنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَحَكَى النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ: فِيهِ خِلَافًا. فَضَمَانُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ. أَوْ إنْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، أَوْ اسْتَحَقَّ. وَضَمَانُهُ عَنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: أَنْ يَضْمَنَ عَنْ الْبَائِعِ الثَّمَنَ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوْ أَرْشِ الْعَيْبِ. فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَأَصْلُ الْعُهْدَةِ: هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي تُكْتَبُ فِيهِ الْوَثِيقَةُ لِلْبَيْعِ. وَيُذْكَرُ فِيهِ الثَّمَنُ. ثُمَّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَضْمَنُهُ. وَأَلْفَاظُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ " ضَمِنْت عُهْدَتَهُ، أَوْ ثَمَنَهُ، أَوْ دَرَكَهُ " أَوْ يَقُولُ لِلْمُشْتَرِي " ضَمِنْت خَلَاصَك مِنْهُ. أَوْ مَتَى خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَقَدْ ضَمِنْت لَك الثَّمَنَ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالشَّافِي: لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ: ضَمَانَ الْعُهْدَةِ. وَرُدَّ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ لِثَمَنِ الْمَبِيعِ يَصِحُّ. وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَصِحُّ: ضَمَانُ الدَّرَكِ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ. وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ: إنَّمَا ضَمِنَهُ يُرِيدُ الثَّمَنَ، لَا الْخَلَاصَ. لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ فَهُوَ بَاطِلٌ. أَوْمَأَ إلَى هَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي وَنَقَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ. فَالْأَنْقَاضُ لِلْمُشْتَرِي. وَيَرْجِعُ

بِقِيمَةِ التَّالِفِ عَلَى الْبَائِعِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّ ضَامِنِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْعُهْدَةِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنَّهُمَا مَا ضَمِنَاهُ إلَّا إذَا ضَمِنَ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ غِرَاسٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ خَافَ الْمُشْتَرِي فَسَادَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، أَوْ كَوْنِ الْعِوَضِ مَعِيبًا، أَوْ شَكَّ فِي كَمَالِ الصَّنْجَةِ، وَجَوْدَةِ جِنْسِ الثَّمَنِ، فَضَمِنَ ذَلِكَ صَرِيحًا: صَحَّ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ ضَمَانُ نَقْصِ الصَّنْجَةِ، وَنَحْوِهَا. وَيَرْجِعُ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فِي حَقِّ الضَّامِنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْكَافِي. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ ضَمَانُهُ. سَوَاءٌ كَانَ الضَّامِنُ حُرًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَحَكَاهَا فِي الْخُلَاصَةِ وَجْهًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ ضَمَانُهُ إذَا كَانَ حُرًّا، لِسَعَةِ تَصَرُّفِهِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ ضَامِنًا، أَوْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ " إذَا ضَمِنَ أَحَدُ الْمُكَاتَبَيْنِ الْآخَرَ، هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ "

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ، كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَحُمِلَ عَلَى التَّعَدِّي، كَتَصْرِيحِهِ بِهِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. بِلَا نِزَاعٍ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ كَالْعَوَارِيِّ، وَالْغُصُوبِ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ مِنْ ضَمَانِ الْقَابِضِ، وَأَنَّ ضَمَانَهُ يَصِحُّ. وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُنْكِرُونَ مَسْأَلَةَ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. فِي فَصْلِ " مَنْ بَاعَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا " وَيَذْكُرُونَهَا أَيْضًا فِي أَحْكَامِ الْقَبْضِ. وَيَذْكُرُونَ مَسْأَلَةَ الضَّامِنِ هُنَا، وَمَسْأَلَةُ صِحَّةِ ضَمَانِ الضَّامِنِ لِلْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى ضَمَانِهِ بِقَبْضِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ نُصُوصٌ. فَنَقَلَ حَرْبٌ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَغَيْرُهُمَا: ضَمَانَ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ كَالرَّهْنِ وَمَا يَقْبِضُهُ الْأَجِيرُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا ضَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْطَعْ ثَمَنَهُ، أَوْ قَطَعَ ثَمَنَهُ: لَزِمَهُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا. فَقَالَ: خُذْهُ بِمَا شِئْت، فَأَخَذَهُ. فَمَاتَ بِيَدِهِ قَالَ: هُوَ مِنْ مَالِ بَائِعِهِ. لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَتَّى يَقْطَعَ ثَمَنَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ فِيمَنْ قَالَ: بِعْنِيهِ. فَقَالَ: خُذْهُ بِمَا شِئْت. فَأَخَذَهُ فَمَاتَ بِيَدِهِ يَضْمَنُهُ رَبُّهُ. هَذَا بَعْدُ لَمْ يَمْلِكْهُ.

قَالَ فِي الْمَجْدِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ، وَأَنَّهُ يُخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي بَيْعِ خِيَارٍ. عَلَى قَوْلِنَا " لَا يَمْلِكُهُ ". وَقَالَ: تَضْمِينُهُ مَنَافِعَهُ. كَزِيَادَةٍ، وَأَوْلَى. انْتَهَى. فَهَذِهِ نُصُوصُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَمَانِهِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى فِي ضَمَانِهِ رِوَايَتَيْنِ. سَوَاءٌ أَخَذَ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ أَوْ بِدُونِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَصَحَّحَ الضَّمَانَ. لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْعِوَضِ. فَهُوَ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. انْتَهَى. قُلْت: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْأُولَى: أَنْ يُسَاوِمَ إنْسَانًا فِي ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَيَقْطَعَ ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ. فَإِنْ رَضَوْهُ وَإِلَّا رَدَّهُ. فَيَتْلَفُ. فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ: يَضْمَنُ إنْ صَحَّ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ. وَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ. وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ؛ وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَضْمَنُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ بِذَلِكَ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ سَاوَمَهُ، وَأَخَذَهُ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ، إنْ رَضَوْهُ. وَإِلَّا رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ ثَمَنِهِ، فَيَتْلَفُ. فَفِي ضَمَانِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ؛ وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. إحْدَاهُمَا: يَضْمَنُهُ الْقَابِضُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي هَذَا الْبَابِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَهُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ. نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: هُوَ مِنْ ضَمَانِ قَابِضِهِ، كَالْعَارِيَّةِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَضْمَنُهُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ. كَالرَّهْنِ، وَمَا يَقْبِضُهُ الْأَجِيرُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخَذَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ لِيُرِيَهُ أَهْلَهُ. إنْ رَضَوْهُ اشْتَرَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ، فَتَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ: لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: هَذَا أَظْهَرُ عَنْهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَلَا ضَمَانَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. فَائِدَةٌ: الْمَقْبُوضُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فِي الْبَيْعِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَوَلَدُ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ: كَهُوَ، لَا وَلَدُ جَانِيَةٍ، وَضَامِنَةٍ، وَشَاهِدَةٍ، وَمُوصًى بِهَا، وَحَقٍّ جَائِزٍ، وَضَمَانِهِ. وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِيهِ سَرَى. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَلَدُ مُوصًى بِعِتْقِهَا، لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا. وَإِنَّمَا الْمُخَاطَبُ الْمُوصَى إلَيْهِ. انْتَهَى. وَفِي ذَلِكَ بَعْضُ مَسَائِلَ مَا أَعْلَمُ صُورَتَهَا. مِنْهَا: قَوْلُهُ " وَحَقٍّ جَائِزٍ ". قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: مِنْهَا: الشَّاهِدَةُ، وَالضَّامِنَةُ، وَالْكَفِيلَةُ، لَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهِنَّ شَيْءٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّ وَلَدَ الضَّامِنَةِ يَتْبَعُهَا، وَيُبَاعُ مَعَهَا كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ. وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهَا وَأَكْسَابِهَا شَيْءٌ

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: إذَا وَلَدَتْ الْمَقْبُوضَةُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَصْلِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ كَوَلَدِ الْعَارِيَّةِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْعَارِيَّةِ: حُكْمُ وَلَدِ الْمُعَارَةِ، وَالْمُؤَجَّرَةِ، وَوَلَدِ الْوَدِيعَةِ. وَيَأْتِي حُكْمُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ فِي بَابَيْهِمَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: إذَا طُولِبَ الضَّامِنُ بِالدَّيْنِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ بِإِذْنِهِ: فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِتَخْلِيصِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقِيلَ: لَيْسَ لِلضَّامِنِ مُطَالَبَتُهُ بِتَخْلِيصِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ. وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ الضَّامِنَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِتَخْلِيصِهِ. مِنْ الْمَضْمُونِ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِتَخْلِيصِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ إذَا طَالَبَهُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ تَغَيَّبَ مَضْمُونٌ عَنْهُ أَطْلَقَهُ فِي مَوْضِعٍ وَقَيَّدَهُ فِي آخَرَ: بِقَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ فَأَمْسَكَ الضَّامِنُ، وَغَرِمَ شَيْئًا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَأَنْفَقَهُ فِي حَبْسٍ: رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْحَجْرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ مُتَبَرِّعًا: لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَكَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ. فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ: مِمَّا قَضَى، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ) . إنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَبَرِّعًا أَوْ لَا. فَإِنْ قَضَاهُ مُتَبَرِّعًا: لَمْ يَرْجِعْ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذِهِ هِبَةٌ، تَحْتَاجُ قَبُولًا وَقَبْضًا وَرِضًى، وَالْحَوَالَةُ بِمَا وَجَبَ قَضَاءٌ. وَإِنْ قَضَاهُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ، أَوْ يَذْهَلَ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ: فَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ، شَمَلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ بِإِذْنِهِ، وَيَقْضِيَ بِإِذْنِهِ. فَيَرْجِعُ أَيْضًا بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَضْمَنَ بِإِذْنِهِ، وَيَقْضِيَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَيَرْجِعُ أَيْضًا بِلَا نِزَاعٍ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَضْمَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَقْضِيَ بِإِذْنِهِ. فَيَرْجِعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَضْمَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَيَقْضِيَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَهَذِهِ فِيهَا الرِّوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالتِّسْعِينَ: يَرْجِعُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ. وَيُشْهِدَ عَلَى نِيَّتِهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ. فَلَوْ نَوَى التَّبَرُّعَ، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ. وَاشْتَرَطَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ. وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنْ لَا رُجُوعَ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ إذْنِهِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَظْهَرُ فِيهَا كَذَبْحِ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ فِي مَنْعِ الضَّمَانِ وَالرُّجُوعِ. لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا إبْرَاءٌ، كَتَحْصِيلِ الْأَجْرِ بِالذَّبْحِ. انْتَهَى. وَإِنْ قَضَاهُ، وَلَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ وَلَا التَّبَرُّعَ، بَلْ ذَهِلَ عَنْ قَصْدِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ. فَإِنَّهُ جَعَلَ النِّيَّةَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ أَصْلًا لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَسِيرًا حُرًّا مُسْلِمًا. وَقِيلَ: يَرْجِعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا وَاجِبًا بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ وَالْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ الْقَضَاءَ وَحَلَفَ: لَمْ يَرْجِعْ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ، أَوْ كَذَّبَهُ) . إذَا ادَّعَى الضَّامِنُ الْقَضَاءَ، وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوْ يُكَذِّبَهُ. فَإِنْ كَذَّبَهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَضَاءِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ. فَلِلْمَضْمُونِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالضَّامِنِ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الضَّامِنُ ثَانِيًا، فَهَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ بِالْأَوَّلِ لِلْبَرَاءَةِ بِهِ بَاطِنًا، أَوْ بِالثَّانِي؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِمَا قَضَاهُ ثَانِيًا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: هُوَ أَرْجَحُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِمَا قَضَاهُ أَوَّلًا، وَهُمَا طَرِيقَةٌ مُوجَزَةٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَالثَّانِي قَدَّمَهُ فِيهَا أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِقَدْرِ الدَّيْنِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَضَاهُ بِإِشْهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَضَاهُ بِإِشْهَادٍ صَحِيحٍ، رَجَعَ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ غَائِبَةً أَوْ مَيِّتَةً. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الرَّهْنِ. وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ. لَكِنْ لَوْ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالْفِسْقِ بَاطِنًا أَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا كَشَهَادَةِ الْعَبِيدِ، أَوْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، أَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فَهَلْ يَرْجِعُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَطَعَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: بَلَى، وَيَحْلِفُ مَعَهُ. فَلَوْ ادَّعَى الْإِشْهَادَ وَأَنْكَرَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ. فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَإِنْ قَضَاهُ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ بِحَضْرَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، أَوْ فِي غَيْبَتِهِ. فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ: رَجَعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ فِي غَيْبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْقَضَاءِ) أَيْ الْمَضْمُونُ لَهُ (فَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ: لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِق، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: رَجَعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَرْجِعُ. وَهُوَ احْتِمَالُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: لَوْ قَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ " بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ " فَهُوَ مُقِرٌّ بِقَبْضِهِ. وَلَوْ قَالَ " بَرِئْت " وَلَمْ يَقُلْ " إلَيَّ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ. وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْحَقِّ لِلضَّامِنِ " بَرِئْت إلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ " فَهُوَ مُقِرٌّ بِقَبْضِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

وَلَوْ قَالَ " أَبْرَأْتُك " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالْقَبْضِ، قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " وَهَبْتُك الْحَقَّ " فَهُوَ تَمْلِيكٌ. فَيَرْجِعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ إبْرَاءٌ. فَلَا رُجُوعَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوْ الضَّامِنُ، فَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ قَبْلَ مَحِلِّ الدَّيْنِ مُفْلِسًا بِهِ: لَمْ يَكُنْ لِلْمَضْمُونِ لَهُ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ قَبْلَ مَحِلِّهِ. وَإِنْ خَلَفَ وَفَاءً بِالْحَقِّ فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَحِلُّ، وَالْأُخْرَى: لَا يَحِلُّ إذَا وَثِقَ الْوَرَثَةُ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّى. وَقِيلَ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَا مَعًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَجَزَمُوا بِعَدَمِ الْحُلُولِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا. وَأَطْلَقُوا الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَا مَعًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ مَاتَا مَعًا وَقِيلَ: أَوْ الْمَدْيُونُ وَحْدَهُ: حَلَّ. فَجَزَمَ بِالْحُلُولِ إذَا مَاتَا مَعًا. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا) . بِلَا نِزَاعٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْحَالِّ، دُونَ الضَّامِنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ أَجَلِهِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَلْزَمُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ ضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فِي الْكَفَالَةِ: وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ) . إنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، بِإِذْنِهِ. بِلَا نِزَاعٍ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ. عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ كَفَالَةُ الْمَدْيُونِ إلَّا بِإِذْنِهِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) . يَعْنِي: بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ مُطْلَقًا يَصِحُّ ضَمَانُهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ) . يَعْنِي يَصِحُّ أَنْ يَكْفُلَهَا، بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا يَضْمَنُهَا، إلَّا أَنْ تَتْلَفَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي صِحَّةِ كَفَالَةِ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ وَجْهَانِ. وَلَمْ أَرَ الْخِلَافَ لِغَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ: تَنْعَقِدُ الْكَفَالَةُ بِأَلْفَاظِ الضَّمَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ " حَمِيلٌ. وَقَبِيلٌ " اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ " شَمَلَ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ، كَحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَنَحْوِهِمَا. أَوْ لِآدَمِيٍّ، كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ. وَكَوْنُ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِأَخْذِ مَالٍ، كَالدِّيَةِ وَغُرْمِ السَّرِقَةِ. الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِزَوْجٍ وَشَاهِدٍ. قَوْلُهُ (وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَأَحَدِ هَذَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. فَهُوَ كَالْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إنْسَانٍ كَثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ،

وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَعْضِ الْبَدَنِ قَوْلُهُ (أَوْ عُضْوٍ) صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. إذَا تَكَفَّلَ بِعُضْوٍ مِنْ إنْسَانٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَجْهِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ بِوَجْهِهِ: صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ بِبَعْضِ الْبَدَنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اسْتَحَبُّوا الْخِلَافَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِعُضْوٍ غَيْرِ وَجْهِهِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْحَيَاةُ تَبْقَى مَعَهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ تَصِحَّ. وَإِنْ

كَانَتْ لَا تَبْقَى مَعَهُ كَرَأْسِهِ وَكَبِدِهِ وَنَحْوِهِمَا صَحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَ غَيْرُ الْقَاضِي: إنْ كَفَلَ بِعُضْوٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ وَالْقَلْبِ وَالظَّهْرِ صَحَّ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهَا كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ بِإِنْسَانٍ، عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ: صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا الصِّحَّةَ فِي كَفِيلٍ بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَالَ: كَفَلْت بِبَدَنِ فُلَانٍ عَلَى أَنْ تُبْرِئَ فُلَانًا الْكَفِيلَ: فَسَدَ الشَّرْطُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَفْسُدُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ لَا يَفْسُدُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: ضَمِنْت لَك هَذَا الدَّيْنَ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الدَّيْنِ الْآخَرِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: إنْ جِئْت بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَأَنَا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ، أَوْ وَإِلَّا فَأَنَا ضَامِنٌ مَا لَك عَلَى فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا عَلَيْهِ.

أَوْ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ شَهْرًا. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَهُوَ أَقْيَسُ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: تَصِحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَنْزِعُ إلَى تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ وَتَوْقِيتِهَا، بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَتِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ ضَمَانٍ وَكَفَالَةٍ بِغَيْرِ سَبَبِ الْحَقِّ، وَتَوْقِيتِهَا: وَجْهَانِ. فَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ كَفِيلٌ بِهِ، أَوْ كَفَلَهُ شَهْرًا فَوَجْهَانِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: صِحَّةَ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ عَلَّقَ الضَّمَانَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ صَحَّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِسَبَبِ الْحَقِّ، كَالْعُهْدَةِ، وَالدَّرَكِ، وَمَا لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُوجَدْ بِسَبَبِهِ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُهُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ عَدَمُهُ. وَهُوَ أَقْيَسُ. لِأَنَّهُ وَعْدٌ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَفَلَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ: لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ فِيهِ. وَهَكَذَا الضَّمَانُ. وَإِنْ جَعَلَهُ إلَى الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ وَالْعَطَاءِ. وَخُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ. وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ هُنَا. انْتَهَيَا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَى الْكَفِيلِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَفِي رِضَى الْمَكْفُولِ بِهِ وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا

فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى: هَذَا أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ قَوْلُهُ (وَمَتَى أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَسَلَّمَهُ: بَرِئَ، إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَفِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ) . إذَا أَحْضَرَ الْمَكْفُولَ بِهِ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ: بَرِئَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ بَرِئْت إلَيْك مِنْهُ، أَوْ قَدْ سَلَّمْته إلَيْك، أَوْ قَدْ أَخْرَجْت نَفْسِي مِنْ كَفَالَتِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهِ أَشْهَدَ عَلَى امْتِنَاعِهِ رَجُلَيْنِ وَبَرِئَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إحْضَارِهِ وَامْتِنَاعِ الْمَكْفُولِ لَهُ مِنْ قَبُولِهِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَا إذَا أَحْضَرَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ: حُكْمُ مَا إذَا أَحْضَرَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ: يَتَعَيَّنُ إحْضَارُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ فِيهِ إنْ حَصَلَ ضَرَرٌ فِي غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَبْرَأُ بِبَقِيَّةِ الْبَلَدِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعِنْدَ غَيْرِهِ إذَا كَانَ فِيهِ سُلْطَانٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الْمَكْفُولُ فِي حَبْسِ الشَّرْعِ، فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ بَرِئَ. وَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ مِنْهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَيُمَكِّنُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْإِخْرَاجِ لِيُحَاكِمَ غَرِيمَهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُ. هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ، كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَإِنْ قِيلَ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِعْلَامُهُ بِمَكَانِهِ لَا يُعَدُّ تَسْلِيمًا. قُلْنَا: بَلْ يُعَدُّ. وَلِهَذَا إذَا دَلَّ عَلَى الصَّيْدِ مُحْرِمًا كَفَّرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، أَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ: بَرِئَ الْكَفِيلُ) . إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ تَوَانَى الْكَفِيلُ فِي تَسْلِيمِهِ، حَتَّى مَاتَ أَوْ لَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا. فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ تَوَانَى فِي تَسْلِيمِهِ حَتَّى مَاتَ: لَمْ يَبْرَأْ، وَإِلَّا بَرِئَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ. فَإِنْ اشْتَرَطَ الْكَفِيلُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ

إنْ مَاتَ بَرِئَ بِمَوْتِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَبْرَأُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهِ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَكْفُولِ بِهَا. فَإِنْ اشْتَرَطَ بَرِئَ، قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوْتِ. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " أَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى " قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ فِي مَحِلِّهِ: فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ، مَعَ بَقَائِهِ: لَزِمَ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، أَوْ عِوَضُ الْعَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَفِي الْمُبْهِجِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَلْزَمُهُ، إنْ امْتَنَعَ بِسُلْطَانٍ. وَأَلْحَقَ بِهِ مُعْسِرًا أَوْ مَحْبُوسًا وَنَحْوَهُمَا، لِاسْتِوَاءِ الْمَعْنَى. وَكَوْنُ الْكَفِيلِ يَضْمَنُ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السَّجَّانُ كَالْكَفِيلِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ أُمْهِلَ الْكَفِيلُ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي فَيُحْضِرُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ: ضَمِنَ) .

إذَا مَضَى الْكَفِيلُ لِيُحْضِرَ الْمَكْفُولَ بِهِ، وَتَعَذَّرَ إحْضَارُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَالَبَ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مُدَّةً: لَزِمَهُ ذَلِكَ، إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ، وَطَالَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ بِحُضُورِهِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ أَدَّى الْكَفِيلُ مَا لَزِمَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ كَالضَّامِنِ، وَأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ، ثُمَّ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ. بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ، لِامْتِنَاعِ بَيْعِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَفَلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ، فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ: لَا يَبْرَأُ. وَقِيلَ: يَبْرَأُ الْآخَرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. وَنَصَرَهُ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ فِي فُرُوقِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَقَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا إنْ كَفَلَا كَفَالَةَ اشْتِرَاكٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَا " كَفَلْنَا لَك زَيْدًا نُسَلِّمُهُ إلَيْك " فَإِذَا سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ. لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُلْتَزَمَ وَاحِدٌ. فَهُوَ كَأَدَاءِ أَحَدِ الضَّامِنَيْنِ لِلْمَالِ.

وَإِنْ كَفَلَا كَفَالَةَ انْفِرَادٍ وَاشْتِرَاكٍ، بِأَنْ قَالَا " كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ لَك بِزَيْدٍ " فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لَهُ إحْضَارَهُ، فَلَا يَبْرَأُ بِدُونِهِ، مَا دَامَ الْحَقُّ بَاقِيًا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ كَفَلَا فِي عَقْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ. وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي فِي ضَمَانِ الرَّجُلَيْنِ الدَّيْنَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ: بَرِئَ الِاثْنَانِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا سَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ، فَأَبْرَأهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ) . بِلَا نِزَاعٍ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يَصِحُّ أَنْ يَكْفُلَ الْكَفِيلُ كَفِيلًا آخَرَ. فَإِنْ بَرِئَ الْأَوَّلُ بَرِئَ الثَّانِي، وَلَا عَكْسَ. وَإِنْ كَفَلَ الثَّانِيَ ثَالِثٌ: بَرِئَ بِبَرَاءَةِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ، وَلَا عَكْسَ. فَلَوْ كَفَلَ اثْنَانِ وَاحِدًا، وَكَفَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ آخَرُ، فَأَحْضَرَهُ أَحَدُهُمَا بَرِئَ هُوَ وَمَنْ تَكَفَّلَ بِهِ، وَبَقِيَ الْآخَرُ وَمَنْ كَفَلَ بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ضَمِنَ اثْنَانِ دَيْنَ رَجُلٍ لِغَرِيمِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " أَنَا ضَامِنٌ لَك الْأَلْفَ " أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ قَالَا " كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنٌ لَك الْأَلْفَ " فَهُوَ ضَمَانُ اشْتِرَاكٍ فِي انْفِرَادٍ. فَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَلْفِ إنْ شَاءَ. وَلَهُ مُطَالَبَتُهُمَا. وَإِنْ قَضَاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ إلَّا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَإِنْ أَطْلَقَا الضَّمَانَ، بِأَنْ قَالَا " ضَمِنَّا لَك الْأَلْفَ " فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالْحِصَصِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِحِصَّتِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِلَافِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَقَطَعَ بِهِ الشَّارِحُ. وَقِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ، كَالْأَوَّلِ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهَا احْتِمَالَيْنِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَاعِدِ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الضَّامِنَيْنِ، فَيَصِيرُ الضَّمَانُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمَا. وَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ دَيْنًا مُتَسَاوِيًا عَلَى رَجُلَيْنِ. فَهَلْ يُقَالُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِنِصْفِ الدَّيْنَيْنِ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِأَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ؟ إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُبْهَمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ عَلَى اثْنَيْنِ مِائَةٌ لِآخَرَ، فَضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ. فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْمِائَةِ أَوْ أَبْرَأهُ مِنْهُ وَلَا نِيَّةَ. فَقِيلَ: إنْ شَاءَ صَرَفَهُ إلَى الَّذِي عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَفَهُ إلَى الَّذِي عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا ". وَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَحَالَ عَلَيْهِمَا لِيَقْبِضَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجْهًا لَا يَصِحُّ كَحَوَالَتِهِ عَلَى اثْنَيْنِ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمِائَةِ، بَقِيَ عَلَى الْآخَرِ خَمْسُونَ أَصَالَةً. السَّادِسَةُ: لَوْ ضَمِنَ ثَالِثٌ عَنْ أَحَدِهِمَا الْمِائَةَ بِأَمْرِهِ، وَقَضَاهَا: رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِهَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْآخَرِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ كَضَامِنِ الضَّامِنِ.

السَّابِعَةُ: لَوْ ضَمِنَ مَعْرِفَتَهُ: أُخِذَ بِهِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. الثَّامِنَةُ: لَوْ أَحَالَ رَبُّ الْحَقِّ، أَوْ أُحِيلَ، أَوْ زَالَ الْعَقْدُ: بَرِئَ الْكَفِيلُ. وَبَطَلَ الرَّهْنُ. وَيَثْبُتُ لِوَارِثِهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى احْتِمَالَ وَجْهَيْنِ فِي بَقَاءِ الضَّمَانِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيهَا: يَبْرَأُ، وَأَنَّهُ إنْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ رَقَّ. وَسَقَطَ الضَّمَانُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ أَقَالَهُ فِي سَلَمٍ بِهِ رَهْنٌ حَبَسَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ. جَعَلَهُ أَصْلًا، كَحَبْسِ رَهْنٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِالْمُتْعَةِ. التَّاسِعَةُ: لَوْ خِيفَ مِنْ غَرَقِ السَّفِينَةِ، فَأَلْقَى بَعْضُ مَنْ فِيهَا مَتَاعَهُ فِي الْبَحْرِ لِتَخِفَّ: لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، سَوَاءٌ نَوَى الرُّجُوعَ أَوْ لَا؟ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. انْتَهَى. وَيَجِبُ الْإِلْقَاءُ إنْ خِيفَ تَلَفُ الرُّكَّابِ بِالْغَرَقِ. وَلَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ: أَلْقِ مَتَاعَك. فَأَلْقَاهُ. فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ. وَإِنْ قَالَ: أَلْقِهِ وَأَنَا ضَامِنُهُ، ضَمِنَ الْجَمِيعَ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَمَنْ بَعْدَهُمَا. وَإِنْ قَالَ: وَأَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ، وَأَطْلَقَ. ضَمِنَ وَحْدَهُ بِالْحِصَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا الشَّارِحُ، وَلَا الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَضْمَنُهُ الْقَائِلُ وَحْدَهُ. إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَقِيَّتُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ ضَمَانَ اشْتِرَاكٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ضَمَانُ حِصَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ ضَمَانَ اشْتِرَاكٍ وَانْفِرَادٍ بِأَنْ يَقُولَ " كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنٌ لَك مَتَاعَك،

أَوْ قِيمَتَهُ " ضَمِنَ الْقَائِلُ ضَمَانَ الْجَمِيعِ. سَوَاءٌ كَانُوا يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ فَسَكَتُوا أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ، فِي آخِرِ الْغَصْبِ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَإِنْ رَضُوا بِمَا قَالَ: لَزِمَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ قَالُوا " ضَمِنَّاهُ لَك " ضَمِنُوا بِالْحِصَّةِ. وَإِنْ قَالُوا " كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا ضَامِنُهُ " ضَمِنَ الْجَمِيعُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَمَنْ بَعْدَهُمَا. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِهِمْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْغَصْبِ بَعْضُ هَذَا، وَمَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا. فَلْيُرَاجَعْ. الْعَاشِرَةُ: لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ " طَلِّقْ زَوْجَتَك. وَعَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ مَهْرُهَا " لَزِمَهُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ قَالَ " بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِمِائَةٍ وَعَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى " لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الحوالة

[بَابُ الْحَوَالَةِ] ِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ. لِأَنَّهَا تُحَوِّلُ الْحَقَّ وَتَنْقُلُهُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ. فَإِنَّ " التَّحَوُّلَ " مُطَاوِعٌ " لِلتَّحْوِيلِ " يُقَالُ: حَوَّلْته فَتَحَوَّلَ. الثَّانِيَةُ: " الْحَوَالَةُ " عَقْدُ إرْفَاقٍ. تَنْقُلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَتْ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لِجَوَازِهَا بَيْنَ الدَّيْنَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً. وَالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اخْتِصَاصِهَا بِجِنْسٍ وَاحِدٍ، وَاسْمٍ خَاصٍّ، وَلُزُومِهَا. وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَبِيعِ. لِعَدَمِ الْعَيْنِ فِيهَا. وَهَذَا الصَّوَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: " الْحَوَالَةُ " هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ، أَوْ تَقْبِيضٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا بَيْعٌ. فَإِنَّ الْمُحِيلَ يَشْتَرِي مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَجَازَ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ رُخْصَةً. لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الرِّفْقِ. فَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تُشْبِهُ " الْمُعَاوَضَةَ " مِنْ حَيْثُ إنَّهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ. وَتُشْبِهُ " الِاسْتِيفَاءَ " مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْرِئُ الْمُحِيلَ، وَيَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ. وَلِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ ذَلِكَ: أَلْحَقَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْمُعَاوَضَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَلْحَقَهَا بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ.

الثَّالِثَةُ: نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى رَجُلٍ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ مِنْهُ دِينَارًا. فَأَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ قَالَ: الضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِلِ، لِتَغْرِيرِهِ. وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الرَّسُولِ: ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ السَّلَمِ، أَوْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) . وَكَذَا لَوْ أَحَالَ عَلَى الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ (لَمْ تَصِحَّ. وَإِنْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ، أَوْ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ: صَحَّ) وَكَذَا لَوْ أَحَالَ بِالْأُجْرَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَارَةً تَكُونُ عَلَى مَالٍ. وَتَارَةً تَكُونُ بِمَالٍ. فَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَالٍ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُسْتَقِرًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ حُلُولِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ، لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ وَبِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِي مَنْعُ الْحَوَالَةِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ: صِحَّةُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَعَلَى الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِمَالٍ: لَمْ يُشْتَرَطْ اسْتِقْرَارُهُ. وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الزَّرْكَشِيّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي غَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى مَا يَأْتِي.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُحَالِ بِهِ مُسْتَقِرًّا، كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَنْ تَكُونَ بِدَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَعَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُسْتَقِرًّا عَلَى مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ، مُسْتَقِرًّا فِي الْأَشْهَرِ، عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتَخْتَصُّ بِدَيْنٍ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ. وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُهُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، عَلَى مُسْتَقِرٍّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ مُسْتَقِرٍّ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ. فَلَا تَصِحُّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَا فِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَكَذَلِكَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ. عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَصِحُّ حَوَالَةُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيَبْرَأُ الْعَبْدُ وَيُعْتَقُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ. انْتَهَى وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَوَالَةِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَهْرِ، وَالْأُجْرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، فِي الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَهْرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: الدُّيُونُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: دَيْنُ سَلَمٍ، وَدَيْنُ كِتَابَةٍ، وَمَا عَدَاهُمَا. وَهُوَ قِسْمَانِ: مُسْتَقِرٌّ، وَغَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَنَحْوِهِ. فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِدَيْنِ السَّلَمِ، وَلَا عَلَيْهِ. وَتَصِحُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ، دُونَ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ. وَيَصِحَّانِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ مُسْتَقِرِّهَا وَغَيْرِ مُسْتَقِرِّهَا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ بِحَالٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقِيلَ: وَلَا بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَبِعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالسَّامِرِيُّ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مِنْ الْمَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَالْمُحَالِ بِهِ: دَيْنُ السَّلَمِ. فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَلَا بِهِ، عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتِهِ، وَكَلَامِ الزَّرْكَشِيّ. فَائِدَةٌ: فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَعَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْقَبْضِ وَالضَّمَانِ مِنْ الْبُيُوعِ. فَقَالَ: لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ بِحَوَالَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى حَوَالَةً، بَلْ هُوَ وَكَالَةٌ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ أَحَالَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ: فَهُوَ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ، لَا حَوَالَةٌ. وَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ: فَهُوَ وَكَالَةٌ فِي اقْتِرَاضٍ أَيْضًا. فَلَا يُصَارِفُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: إنْ رَضِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ: صَارَ ضَامِنًا، يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الثَّانِي: اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: عِلْمُ الْمَالِ، وَأَنْ يَكُونَ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَفِي

غَيْرِ الْمِثْلِيِّ كَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ، يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَأَطْلَقَا فِي إبِلِ الدِّيَةِ الْوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ فِي الْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِكُلِّ مَا صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يُضْبَطُ بِالصِّفَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مِثْلٌ كَالْأَدْهَانِ، وَالْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ أَوْ لَا مِثْلَ لَهُ، كَالْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: تَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا يُقْضَى بِهِ قَرْضُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْإِبِلُ: فَقَالَ الشَّارِحُ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا فِي السِّنِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي السِّنِّ وَالْقِيمَةِ، وَسَائِرِ الصِّفَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ دِيَةٍ، وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِثْلُهَا قَرْضًا، فَأَحَالَهُ. فَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ فِي الْقَرْضِ قِيمَتُهَا: لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ. لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. وَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ مِثْلُهَا: اقْتَضَى قَوْلُ الْقَاضِي: صِحَّةَ الْحَوَالَةِ. وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ، فَأَحَالَ الْمُقْرِضُ بِإِبِلٍ: لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ فِي الْجِنْسِ) كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَالصِّفَةِ، كَالصِّحَاحِ بِالصِّحَاحِ وَعَكْسِهِ.

فَلَوْ أَحَالَ مَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ دِمَشْقِيَّةٌ بِدَرَاهِمَ عُثْمَانِيَّةٍ: لَمْ تَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْمُعَاوَضَةِ. إذْ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فِيهِمَا مُمْتَنِعٌ كَالْقَرْضِ. وَأَمَّا مَنْ أَلْحَقَهَا بِالِاسْتِيفَاءِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ تَفَاوُتًا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ عِنْدَ بَذْلِهِ، كَالْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ: صَحَّتْ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ. وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا رِضَى الْمُحْتَالِ، إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا) . لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحْتَالِ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَلِيءَ، فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: أَوْ فِعْلِهِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا: وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ. وَقِيلَ: هُوَ الْمَلِيءُ بِالْقَوْلِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَلِيءَ بِالْمَالِ: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالْقَوْلِ: أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا. وَالْبَدَنِ: أَنْ يُمْكِنَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ. الثَّانِيَةُ: يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، أَوْ جَحَدَ، أَوْ مَاتَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ.

قَالَ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّاظِمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِرِضَى الْمُحْتَالِ. فَإِنْ أَبَى: أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ. لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يَبْرَأُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتُفِيدُ الْإِلْزَامَ فَقَطْ. ذَكَرَهَا فِي النُّكَتِ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، قَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: وَمَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أَوْ تَقْبِيضٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ، لَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا قَبُولٌ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَقْبِيضٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ قَبُولُهَا. فَيُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ مُطَالَبَةَ الْمُحِيلِ قَبْلَ إجْبَارِ الْحَاكِمِ. وَذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ، وَابْنُهُ أَبُو يَعْلَى: لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ، كَتَعْيِينِهِ كِيسًا فَيُرِيدُ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا. فَبَانَ مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ: رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا) . هُنَا مَسَائِلُ. الْأُولَى: لَوْ رَضِيَ الْمُحْتَالُ بِالْحَوَالَةِ مُطْلَقًا بَرِئَ الْمُحِيلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ، مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا رِضًى مِنْ الْمُحْتَالِ وَهِيَ إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْمُصَنِّفِ رَجَعَ بِلَا نِزَاعٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْيَسَارَ وَجَهِلَهُ، أَوْ ظَنَّهُ مَلِيئًا، فَبَانَ مُفْلِسًا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةُ: بَرِئَ الْمُحِيلُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَجْهًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَظْمِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ وَجْهَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْبَنَّا. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُحِيلُ: أَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مَلِيءٌ. ثُمَّ تَبَيَّنَ عُسْرَتُهُ: رَجَعَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ إذَا أَحَالَهُ عَلَى مَلِيءٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِهِ. فَبَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ: لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ) . إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ خِيَارٍ، أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ مَالَ الْحَوَالَةِ أَوْ قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى هَذَا: لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ، فِي مَسْأَلَتَيْ حَوَالَتِهِ وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، لَا عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَا عَلَى مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ أُحِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، أَوْ أَحَالَ بِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَرْضًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى مَنْ أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ. وَهُوَ وَجْهٌ. كَمَا لَوْ بَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اتِّفَاقِهِمَا. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِهِ لَا عَلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ. وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِمْ: بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ فِي بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ بِهِ. وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. إلَّا فِي الْكَافِي. فَإِنَّهُ قَدَّمَ بُطْلَانَ الْحَوَالَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: هَلْ يَبْطُلُ إذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَعَلَى وَجْهِ بُطْلَانِ الْحَوَالَةِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ. فَإِنْ فَعَلَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَقَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ انْفَسَخَتْ. فَبَطَلَ الْإِذْنُ الَّذِي كَانَ ضِمْنَهَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَرَدَ عَلَى خُصُوصِ جِهَةِ الْحَوَالَةِ، دُونَ مَا تَضَمَّنَّهُ الْإِذْنُ. فَيُضَاهِي تَرَدُّدَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَمْرِ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ: هَلْ يَبْقَى الْجَوَازُ؟ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَقَاؤُهُ. وَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ قَبْلَ وَقْتِهِ انْعَقَدَ نَفْلًا. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ: هَلْ يَبْطُلُ الْأَصْلُ، أَوْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ فَقَطْ؟ .

وَيَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ. وَهِيَ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ: هَلْ يَبْطُلُ الْعُمُومُ؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. ذَكَرَهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُك. قَالَ: بَلْ وَكَّلْتنِي. أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك. قَالَ: بَلْ أَحَلْتنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْله (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَحَلْتُك، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ: فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " أَحَلْتُك بِدَيْنِي " وَادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ " أَحَلْتُك بِالْمَالِ الَّذِي قِبَلَ فُلَانٍ " ثُمَّ اخْتَلَفَا. فَقَالَ الْمُحِيلُ: إنَّمَا وَكَّلْتُك فِي الْقَبْضِ لِي. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنِي. فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي عَكْسُهَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْلِفُ الْمُحِيلُ. وَيَبْقَى حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: لَا يَقْبِضُ الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لِعَزْلِهِ بِالْإِنْكَارِ. وَفِي طَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْمُحِيلِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْحَوَالَةَ بَرَاءَةٌ. أَحَدُهُمَا: لَهُ طَلَبُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَعَلَى الثَّانِي: يَحْلِفُ الْمُحْتَالُ. وَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَيَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ. وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُحِيلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْمُحْتَالُ قَدْ قَبَضَ الْحَقَّ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَقَدْ بَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ احْتَمَلَ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ طَلَبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ أَخْذَهُ مِنْهُ، وَيَمْلِكَ مُطَالَبَتَهُ بِدَيْنِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ، وَلَمْ يَتْلَفْ: فَلِلْمُحِيلِ أَخْذُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقِيلَ: يَمْلِكُ الْمُحِيلُ أَخْذَهُ مِنْهُ. وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنِهِ، لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ مِنْهُ بِالْحَوَالَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. انْتَهَيَا. وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ قَالَ الْمُحِيلُ " أَحَلْتُك بِدَيْنِك. فَقَالَ: بَلْ وَكَّلْتنِي " فَفِيهَا الْوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ، فَحَلَفَ: بَرِئَ مِنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ. وَلِلْمُحْتَالِ قَبْضُ الْمَالِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ، فَحَلَفَ: كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ، وَمُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْ الْمُحِيلِ، فَلَهُ أَخْذُ مَا قَبَضَ لِنَفْسِهِ. وَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْ الْمُحِيلِ دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ: رَجَعَ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْحَوَالَةَ، فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ، أَوْ أَتْلَفَهَا: سَقَطَ حَقُّهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَسْقُطُ حَقُّهُ أَيْضًا. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ. وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُك بِدَيْنِك. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا) .

باب الصلح

يَعْنِي: إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَوَالَةُ عَلَى مَالِهِ فِي الدِّيوَانِ إذْنٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ. وَلِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ وَمُطَالَبَةُ مُحِيلِهِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مَسْأَلَةَ الْمُقَاصَّةِ هُنَا. وَذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي آخِرِ السَّلَمِ. وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ فَلْيُعَاوَدْ. [بَابُ الصُّلْحِ] ِ فَائِدَةٌ: " الصُّلْحُ " عِبَارَةٌ عَنْ مُعَاقَدَةٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى إصْلَاحٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هُوَ الْمُوَافَقَةُ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ. انْتَهَى. وَ " الصُّلْحُ " أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ. وَصُلْحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ. وَيَأْتِي. وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا خِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا، أَوْ خَافَتْ الزَّوْجَةُ إعْرَاضَ زَوْجِهَا عَنْهَا. وَيَأْتِي أَيْضًا. وَبَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، أَوْ فِي الْمَالِ. وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَهُوَ قِسْمَانِ: صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَصُلْحٌ عَلَى الْإِنْكَارِ. وَقِسْمٌ بِالْمَالِ. وَهُوَ الصُّلْحُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ. قَوْلُهُ فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ (أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ، مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ. فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَيْنٍ. فَيَهَبُ لَهُ بَعْضَهَا،

وَيَأْخُذَ الْبَاقِي. فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ، أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ) . إذَا أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَيْنٍ، فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ وَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا، وَمِنْ غَيْرِ شَرْطٍ: فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إبْرَاءٌ. وَالثَّانِيَ هِبَةٌ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ. قَالَ فِي الْفَرْعِ: لَا بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ فَصَالَحَ عَلَى بَعْضِهِ، لَمْ يَكُنْ صُلْحًا؛ لِأَنَّهُ هَضْمٌ لِلْحَقِّ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَا يُسَمَّى صُلْحًا. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَسَمَّاهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ صُلْحًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ. وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصُورَتُهُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَهُمْ: أَنْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِعَيْنٍ، فَيُعَاوِضُهُ عَنْهَا، أَوْ يَهَبَهُ بَعْضَهَا، أَوْ بِدَيْنٍ. فَيُبْرِئَهُ مِنْ بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ بِدُونِهِ. انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ " لَهُ صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ. فَالصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: بَاطِلٌ، قَوْلًا وَاحِدًا.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ أَوْ كَذَا. وَمَا أَشْبَهَهُ. فَالصُّلْحُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الصُّلْحُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، كَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ وَنَحْوِهِمَا) إلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، إلَّا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ) . هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ أَيْضًا. قَطَعَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَمَّا ادَّعَى عَلَى مُوَلِّيهِ، وَبِهِ بَيِّنَةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ: رِوَايَةٌ يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ هُنَا. وَكَدَيْنِ الْكِتَابَةِ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْحَالِّ، وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ: صَحَّ الْإِسْقَاطُ دُونَ التَّأْجِيلِ) .

أَمَّا الْإِسْقَاطُ: فَيَصِحُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْإِسْقَاطُ. وَأَمَّا التَّأْجِيلُ: فَلَا يَصِحُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً: بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ فِي الْمُعَاوَضَةِ، لَا التَّبَرُّعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ: فِي الْبَرَاءَةِ. وَهُوَ الْإِسْقَاطُ. فَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْبَاقِي: فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ. انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَالُوا: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَقَالَ: وَالدَّيْنُ إنْ يُوصَفْ بِالْحُلُولِ ... فَالصُّلْحُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَنْقُولِ عَلَيْهِ بِالْبَعْضِ مَعَ التَّأْجِيلِ ... رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ بِالدَّلِيلِ وَقَالَ بِالْجَزْمِ بِهِ فِي الْكَافِي ... وَفَصَّلَ الْمُقْنِعُ لِلْخِلَافِ فَصَحِّحْ الْإِسْقَاطَ دُونَ الْأَجَلِ ... وَذَاكَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يَنْجَلِي انْتَهَى. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا: لَوْ صَالَحَهُ عَنْ مِائَةِ صِحَاحٍ بِخَمْسِينَ مُكَسَّرَةً، هَلْ هُوَ: إبْرَاءٌ مِنْ الْخَمْسِينَ. أَوْ وَعْدٌ فِي الْأُخْرَى؟ قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْحَقِّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ، أَوْ عَنْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا: لَمْ يَصِحَّ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصِّحَّةَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَعِوَضٍ وَكَالْمِثْلِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ تَأْجِيلُ الْقِيمَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا: رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْمِائَةِ الثَّابِتَةِ الْإِتْلَافِ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا: صَحَّ فِيهِمَا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلِيًّا، مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ. وَإِنْ صَالَحَ عَنْ قِيمَةِ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: جَازَ. قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ إنْسَانًا لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، أَوْ امْرَأَةً لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ: لَمْ يَصِحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةَ إلَى الْمُدَّعِي مَالًا صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ: صَحَّ) . أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْ مَالًا صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةَ: لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَلَامُهُمْ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَمَتَى صَالَحَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ثَبَتَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِإِقْرَارِهَا، أَوْ بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ قُلْنَا: الصُّلْحُ بَاطِلٌ. فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ صَحِيحٌ. احْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ نِكَاحِهَا، فَكَانَ خُلْعًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَقَلَّ، فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ، لِتَتْرُكَ دَعْوَاهَا: لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ دَفَعَتْ إلَيْهِ مَالًا لِيُقِرَّ بِطَلَاقِهَا: لَمْ يَجُزْ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْآخَرِ: يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَذَلَتْهُ لِيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا. قُلْت: يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ. وَيَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ. فَإِنْ كَانَ بِأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ، فَهُوَ صَرْفٌ) . يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ فَهُوَ بَيْعٌ) . أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِلَفْظِ " الصُّلْحِ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَفِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَرَدُّدٌ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَعَلَّلَهُمَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَيْنٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا. وَيَحْرُمُ بِجِنْسِهِ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ صَالَحَ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ: حَرُمَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ بِمَنْفَعَةٍ، كَسُكْنَى دَارٍ. فَهُوَ إجَارَةٌ. تَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ، وَالْمُحَرَّرِ: لَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ مَنْ وُصِّيَ لَهُ بِخِدْمَةٍ أَوْ سُكْنَى، أَوْ حَمْلِ أَمَةٍ، بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ: جَازَ لَا بَيْعًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا: صَحَّ. فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهَا. فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ: رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ لَا بِمَهْرِهَا) . وَهَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَالْمُصَنِّفُ مُمْسِكٌ لِلْأَصْلِ، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " فَبَانَ صَحِيحًا ". وَفِي مُنَوَّرِ الْأَدَمِيِّ وَمُنْتَخَبِهِ " فَبَانَ أَنْ لَا عَيْبَ ". وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " فَبَانَ بِخِلَافِهِ " وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ فَمَفْهُومُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ حَقِيقَةً، ثُمَّ زَالَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْوَجِيزِ: بِلَا خِلَافٍ. وَوُجِدَ فِي نُسَخٍ " فَزَالَ، أَيْ الْعَيْبُ " وَكَذَا فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ: أَنَّهُ إنْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ حَقِيقَةً. ثُمَّ زَالَ، كَالْحُمَّى مَثَلًا، وَالْمَرَضِ، وَنَحْوِهِمَا.

لَكِنْ أَوَّلَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: مَعْنَى " زَالَ " تَبَيَّنَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إصْلَاحِهِ، كَالنُّسْخَةِ الْأُولَى. وَمَثَّلَهُ: بِمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً ظَنَّهَا حَامِلًا لِانْتِفَاخِ بَطْنِهَا. ثُمَّ زَالَ. وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَيْ: الْعَيْبُ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ زَالَ. كَمَبِيعِ طَيْرٍ مَرِيضًا. فَتَعَافَى: لَا شَيْءَ لَهَا. وَزَوَالُ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حَالَ الْعَقْدِ: لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَرْشِ. لَكِنَّ تَأْوِيلَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ. فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الصُّورَتَيْنِ. وَجَعَلُوا حُكْمَهُمَا وَاحِدًا. إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ. فَهُنَا صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ. فَهَذِهِ لَا نِزَاعَ فِيهَا فِي رَدِّ الْأَرْشِ. الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ الْعَيْبُ مَوْجُودًا ثُمَّ زَالَ. فَهَذِهِ مَحَلُّ الْكَلَامِ وَالْخِلَافِ. فَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى قَوْلًا ثَالِثًا. أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَيْثُ زَالَ يُرَدُّ الْأَرْشُ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ " فَزَالَ ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَرْشَ قَدْ اسْتَقَرَّ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ فِي نُسْخَةٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى قَوْلِهِمْ " فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ " اخْتَارَهُ ابْنُ مُنَجَّى. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَا خِلَافَ فِيهِ. وَكَأَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَلَنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْكُبْرَى.

فَقَالَ، قُلْت: إنْ زَالَ الْعَيْبُ وَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. وَيُزَادُ " إذَا زَالَ سَرِيعًا عُرْفًا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَعْدَهُ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ الرَّدِّ. وَالْقَوْلُ بِالرَّدِّ مُطْلَقًا إذَا زَالَ الْعَيْبُ بَعِيدٌ. إذْ لَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ يُرَدُّ فِيهِ. ثُمَّ وَجَدْته فِي النَّظْمِ قَالَ " إذَا زَالَ سَرِيعًا " فَحَمِدْت اللَّهَ عَلَى مُوَافَقَةِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْمَجْهُولِ بِمَعْلُومٍ، إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ لِلْحَاجَةِ) . سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، أَوْ كَانَ الْجَهْلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِمَا: عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي صُلْحِ الْمَجْهُولِ، وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ. وَخَرَّجَهُ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ الْإِبْرَاءِ مِنْ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمَاهُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَعْيَانٍ مَجْهُولَةٍ. لِكَوْنِهِ إبْرَاءً. وَهِيَ لَا تَقْبَلُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْمَجْهُولِ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَغَيْرِهِ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ كَبَرَاءَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقَدْ نَزَّلَ أَصْحَابُنَا الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ الْمُقَرِّ بِهِ بِمَعْلُومٍ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ. فَيَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِقَطْعِ النِّزَاعِ.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ، فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْمَجْهُولِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا. فَيُنْكِرَهُ أَوْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ. فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي. حَتَّى إنْ وَجَدَ بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا: ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) . وَإِنْ صَالَحَ بِبَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا، فَهُوَ فِيهِ كَالْمُنْكِرِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ خِلَافٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ كَالْمُنْكِرِ. وَفِي صِحَّتِهِ احْتِمَالَانِ. (وَيَكُونُ إبْرَاءً فِي حَقِّ الْآخَرِ. فَلَا يُرَدُّ مَا صَالَحَ عَنْهُ بِعَيْبٍ وَلَا يُؤْخَذُ بِشُفْعَةٍ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْإِنْكَارِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَثْبُتُ فِيهِ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ لَا تَثْبُتُ فِي هَذَا الصُّلْحِ، إلَّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ، مِنْ شُفْعَةٍ عَلَيْهِ، وَأَخْذِ زِيَادَةٍ، مَعَ اتِّحَادِ جِنْسِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمُصَالَحِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ حَقِّهِ بِدُونِهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَ.

وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا صَالَحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ بِتَأْخِيرٍ: جَازَ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: الصُّلْحُ جَائِزٌ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَإِنَّهُ قَالَ: الصُّلْحُ بِالنَّسِيئَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ مُهَنَّا: يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ صُلْحًا بِتَأْخِيرٍ. فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يُطَالِبْهُ بِالْبَقِيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: مِمَّنْ قَطَعَ بِصِحَّةِ صُلْحِ الْإِنْكَارِ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ: ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ: صَحَّ) . إذَا صَالَحَ عَنْ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ، فَتَارَةً يَكُونُ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا، وَتَارَةً يَكُونُ عَيْنًا. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا: صَحَّ الصُّلْحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ الْمَدْيُونِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ كَانَ عَيْنًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: صِحَّةُ الصُّلْحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَظْهَرُهُمَا لَا يَرْجِعُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَرَجَعَ إنْ كَانَ أَذِنَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ الثَّابِتَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا التَّخْرِيجُ لَا يَصِحُّ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالتَّخْرِيجُ بَاطِلٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ، غَيْرَ مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا، عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِنْقَاذِهَا: لَمْ يَصِحَّ) إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا: لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَصِحُّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا. فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّك صَادِقٌ، فَصَالِحْنِي عَنْهَا. فَإِنِّي قَادِرٌ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا مِنْ الْمُنْكِرِ: صَحَّ الصُّلْحُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ انْتِزَاعِهِ: فَلَهُ الْفَسْخُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُحْكَى أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فَاسِدًا. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ لِيَكُونَ الْحَقُّ لَهُ، مَعَ تَصْدِيقِهِ الْمُدَّعِي فَهُوَ شِرَاءُ دَيْنٍ أَوْ مَغْصُوبٍ. تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ ". قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ، وَبِكُلِّ مَا يُثْبِتُ مَهْرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِمُبْهَمٍ مِنْ أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُحْتَمَلُ مَنْعُ صِحَّةِ الصُّلْحِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِالْعَفْوِ وَالْمُصَالَحَةِ. فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ مِنْ الْجِنْسِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: يَصِحُّ بِمَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا قُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا. أَوْ اخْتَارَهُ الْوَلِيُّ، عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ أَحَدِ شَيْئَيْنِ. وَقِيلَ: الِاخْتِيَارُ يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ. وَلَا يَصِحُّ عَلَى جِنْسِهَا إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِنْسِ مِنْ إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ حَذَرًا مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَرِبَا الْفَضْلِ. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَجَمَاعَةٌ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. وَتَقَدَّمَ الصُّلْحُ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ بِمَا يُثْبِتُ مَهْرًا وَيَكُونُ حَالًّا فِي حَالِ الْقَاتِلِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ بِعَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا: رَجَعَ

بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ عَلِمَا كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ حُرًّا، أَوْ كَانَ مَجْهُولًا، كَدَارٍ وَشَجَرَةٍ. بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، أَوْ أَرْشُ الْجُرْحِ. وَإِنْ صَالَحَ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ: صَحَّ وَوَجَبَ الْوَسَطُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَرَجَ بُطْلَانُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ وَنَحْوِهَا بِعِوَضٍ. فَبَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا: رَجَعَ بِالدَّارِ وَنَحْوِهَا، أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ هُنَا بَيْعٌ حَقِيقَةً، إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ. وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ: رَجَعَ بِالدَّعْوَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: أَوْ قِيمَتِهِ مَعَ الْإِنْكَارِ. وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ بَيْعٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ سَارِقًا) . وَكَذَا شَارِبًا لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ، أَوْ لِيَشْهَدَ بِالزُّورِ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ: لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ عَنْ خِيَارٍ. قَوْلُهُ (وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَتَسْقُطُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتَسْقُطُ فِي وَجْهٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ.

فوائد

وَأَمَّا سُقُوطُ حَدِّ الْقَذْفِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ: هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. يَأْتِيَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقَذْفِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، لَمْ يَسْقُطْ، وَإِلَّا سَقَطَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. فَيَسْقُطُ الْحَدُّ هُنَا، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا الْخِلَافُ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَقِيلَ: إنْ جُعِلَ حَقَّ آدَمِيٍّ سَقَطَ، وَإِلَّا وَجَبَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ إنْ صَالَحَهُ بِعِوَضٍ. فَإِنْ كَانَ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ: فَهِيَ إجَارَةٌ، وَإِلَّا بَيْعٌ. وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى مَوْضِعِ قَنَاةٍ مِنْ أَرْضِهِ يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ وَبِبِنَاءِ مَوْضِعِهَا، وَعَرْضِهَا وَطُولِهَا: جَازَ. وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ عُمْقِهِ. وَيُعْلَمُ قَدْرُ الْمَاءِ بِتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ. وَمَاءُ مَطَرٍ: بِرُؤْيَةِ مَا يَزُولُ عَنْهُ الْمَاءُ وَمِسَاحَتُهُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، لَا قَدْرُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ كَالنِّكَاحِ. [فَوَائِدُ] ُ الْأُولَى: إذَا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى أَرْضِهِ. لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا، إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَلَا ضَرُورَةٌ. بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مَضْرُورًا إلَى ذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ أَيْضًا إلَّا بِإِذْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ وَأَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ، وَلَوْ مَعَ حَفْرٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا لِلضَّرُورَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ. وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إنَّمَا حَكَوْا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَاجَةِ. وَأَطْلَقَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي حَفْرِ بِئْرٍ، أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ. نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ: إذَا أَسَاحَ عَيْنًا تَحْتَ أَرْضٍ، فَانْتَهَى حَفْرُهُ إلَى أَرْضٍ لِرَجُلٍ أَوْ دَارٍ: فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَا بَطْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ، جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهَا فِي سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً: لَمْ تَجُزْ الْمُصَالَحَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الصُّلْحُ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحٍ. وَفِيهِ عَلَى أَرْضٍ بِلَا ضَرَرٍ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَدَّمَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي فِي يَدِهِ وَقْفًا. فَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَجُوزُ لَهُ حَفْرُ السَّاقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ، مَا لَمْ يَنْقُلْ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ الْبَابَ، وَالْخَوْخَةَ وَالْكُوَّةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ. وَفِي مَوْقُوفَةٍ: الْخِلَافُ، أَوْ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَلَّمًا لَمْ يُفِدْ. وَظَاهِرُهُ: لَا تُعْتَبَرُ الْمَصْلَحَةُ وَإِذْنُ الْحَاكِمِ. بَلْ عَدَمُ الضَّرَرِ، وَأَنَّ إذْنَهُ يُعْتَبَرُ لِرَفْعِ الْخِلَافِ. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَقْفِ. وَفِيهِ إذْنُهُ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْذُونِ الْمُمْتَازِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ، فَلِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَهُوَ مَعْنَى نَصِّهِ فِي تَجْدِيدِهِ لِمَصْلَحَةٍ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ فِي تَغْيِيرِ صِفَاتِ الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ. كَالْحَكُّورَةِ. وَعَمِلَهُ حُكَّامُ الشَّامِ حَتَّى صَاحِبُ الشَّرْحِ فِي الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ. وَقَدْ زَادَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَسْجِدهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيَّرَا بِنَاءَهُ. ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَادَ فِيهِ أَبْوَابًا. ثُمَّ الْمَهْدِيُّ. ثُمَّ الْمَأْمُونُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرٍ لِرَجُلٍ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهِ. وَقَدَّرَهُ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ: لَمْ يَجُزْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَالَا إلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. الرَّابِعَةُ: إذَا صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنْ الْعَيْنِ. أَوْ النَّهْرِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا جَازَ. وَكَانَ بَيْعًا لِلْقَرَارِ، وَالْمَاءُ تَابِعٌ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ وَمَوْضِعًا فِي حَائِطِهِ يَفْتَحُهُ بَابًا، وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا، وَعُلُوَّ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي وَضْعِ خَشَبٍ أَوْ بِنَاءٍ يَجُوزُ إجَارَةً، مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَيَجُوزُ صُلْحًا أَبَدًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ: لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا يَجُوزُ أَيْ يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْلَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يَصِحُّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَصِحُّ قَالَهُ الْقَاضِي. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ. فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ. وَهُنَا مُصَرَّحٌ بِهِ. وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ. وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهَا هُنَا. وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالصُّلْحِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ كَالْبَيْعِ هُنَا. فَالنَّقْلُ فِيهَا مِنْ الْمَكَانَيْنِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ صَحَّحْنَا ذَلِكَ. فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا، وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةٍ مُدَّةَ زَوَالِهِ عَنْهُ. وَفِي الصُّلْحِ: عَلَى زَوَالِهِ، وَعَدَمِ عَوْدِهِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُصَالَحَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: حُكْمُ الْبَيْعِ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: فَإِذَا فَرَغَتْ الْمُدَّةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْجِدَارِ مُطَالَبَتُهُ. بِقَلْعِ خَشَبِهِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَإِعَارَتِهِ لِذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ حُكْمِ الْعُرْفِ. لِأَنَّ الْعُرْفَ وَضْعُهَا لِلْأَبَدِ. فَهُوَ كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ.

ثُمَّ إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَى حِينِ نَفَادِ الْخَشَبِ، لِأَنَّهُ الْعُرْفُ فِيهِ. كَالزَّرْعِ إلَى حَصَادِهِ، لِلْعُرْفِ فِيهِ، أَوْ يُجَدِّدُ أُجْرَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَهِيَ الْمُسْتَحَقَّةُ بِالدَّوَامِ بِلَا عَقْدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ. فَإِنْ أَبَى فَلَهُ قَطْعُهَا) . قَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ إزَالَتُهَا بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ أَبَى لَوَاهُ، إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَلَهُ قَطْعُهُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَقَالَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْطَعُهُ هُوَ؟ قَالَ: لَا. يَقُولُ لِصَاحِبِهِ حَتَّى يَقْطَعَهُ. فَائِدَةٌ: إذَا حَصَلَ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ: لَزِمَ الْمَالِكَ إزَالَتُهُ إذَا طَالَبَهُ بِذَلِكَ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ إزَالَتِهِ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبَرُ. وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ فِي عَدَمِ الْإِجْبَارِ. وَالثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهِ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، إنْ أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ: لَمْ يَجُزْ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا صِحَّتُهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ صَالَحَهُ عَنْ رَطْبَةٍ: لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا جَازَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الرَّطْبَةِ، لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْيَابِسَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ رَطْبَةٍ لَمْ يَجُزْ. وَقِيلَ فِي الصُّلْحِ عَنْ غُصْنِ الشَّجَرَةِ: وَجْهَانِ. انْتَهَيَا. وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي لِلصِّحَّةِ: أَنْ يَكُونَ الْغُصْنُ مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِ الْحَائِطِ. وَمُنِعَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْهَوَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَجُوزُ مَعَ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الزِّيَادَةِ بِالْأَذْرُعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ، أَوْ بَيْنَهُمَا: جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَازَ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَعْلِ الثَّمَرَةِ بَيْنَهُمَا لَا أَدْرِي. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةً، لَا صُلْحَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ فِي غَيْرِ أَرْضِ مَالِكِهَا: حُكْمُ الْأَغْصَانِ. عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ عَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَغْصَانِ إذَا حَصَلَ ضَرَرٌ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: صُلْحُ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ، أَوْ زَلَقَ مِنْ خَشَبِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ: كَالْأَغْصَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ. وَفِي الْمُبْهِجِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا وَلَا سَابَاطًا) . وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ دِكَّةً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُهُ بِلَا ضَرَرٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا وَفِي الْمِيزَابِ الْآتِي حُكْمُهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِمْ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ الْغَصْبِ. وَفِي سُقُوطِ نِصْفِ الضَّمَانِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ. قُلْت: الصَّوَابُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ. ثُمَّ وَجَدْت الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ قَالَا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يَضْمَنُ بِالنِّصْفِ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ يَضْمَنُ بِهِ الْبَعْضَ. فَضَمِنَ بِهِ الْكُلَّ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الضَّمَانِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَبِأَنَّ النِّصْفَ عُدْوَانٌ. فَأَوْجَبَ كُلَّ الضَّمَانِ. فَظَاهِرُ مَا قَالُوا: أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمِيزَابِ إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ، وَلَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هُوَ كَإِشْرَاعِ الْأَجْنِحَةِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ احْتِمَالٌ بِالْجَوَازِ، مَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ. وَحُكِيَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: اخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى الدَّرْبِ: هُوَ السُّنَّةُ. وَاخْتَارَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. فَعَلَى هَذَا: لَا ضَمَانَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ وَالضَّمَانِ فِي الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ وَالْمَيَازِيبِ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فِيهِ: جَازَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَوَّزَ ذَلِكَ الْأَكْثَرُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقَالَ الْحَارِثِيُّ، فِي بَابِ الْغَصْبِ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصُّلْحِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قُلْت: بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ جَازَ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ مِقْدَارَ طُولِ الْجِدَارِ الَّذِي يُشْرَعُ عَلَيْهِ الْجَنَاحُ، وَالْمِيزَابُ وَالسَّابَاطُ، إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ. لَكِنْ حَيْثُ انْتَفَى الضَّرَرُ جَازَ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ عُبُورُ مَحْمَلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُرُورُ رُمْحٍ قَائِمًا بِيَدِ فَارِسٍ. قَوْلُهُ (وَلَا دُكَّانًا) . لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ دُكَّانًا فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ، سَوَاءً أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُجَوِّزُوا حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّوَامِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: تَخْرِيجٌ يَعْنِي: فِي جَوَازِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَالْبِنَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَوَازُ إخْرَاجِ الدُّكَّانِ. وَإِنْ مَنَعْنَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُقَدَّمِ.

فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى دَرْبٍ نَافِذٍ مِنْ مِلْكِهِ رَوْشَنًا. وَلَا كَذَا، وَلَا كَذَا. وَقِيلَ: وَلَا دُكَّانًا. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي النُّسْخَةِ غَلَطٌ. تَنْبِيهٌ: مِمَّنْ ذَكَرَ " الدُّكَّانَ " كَالْمُصَنِّفِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ: أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ " الدَّكَّةَ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ " الدُّكَّانَ " جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ مُنَجَّى " الدُّكَّانَ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالدَّكَّةِ. قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ " الدُّكَّانُ " الدَّكَّةُ الْمَبْنِيَّةُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ " الدَّكَّةُ " الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمِصْطَبَةُ. وَجَمَعَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَيْنَهُمَا. فَقَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ دِكَّةً، وَقِيلَ: وَلَا دُكَّانًا. انْتَهَى. فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ " الدُّكَّانُ " الْحَانُوتُ. انْتَهَى. فَهُوَ غَيْرُ " الدَّكَّةِ " عِنْدَهُ. وَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: وَ " الدُّكَّانُ " يُطْلَقُ عَلَى الْحَانُوتِ، وَعَلَى " الدَّكَّةِ " الَّتِي يَقْعُدُ عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: " الدَّكَّةُ " بِالْفَتْحِ. وَ " الدُّكَّانُ " بِالضَّمِّ: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمُقْعَدِ. [انْتَهَى.] قَوْلُهُ (وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَالَحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ: جَازَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ صُلْحُهُ عَنْ مَعْلُومِهِ بِعِوَضٍ فِي الْأَصَحِّ،

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ: جَازَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَهُوَ لِابْنِ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَتَحَهُ لِلِاسْتِطْرَاقِ: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَمْ يَجُزْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ: مَلَكَ نَقْلَهُ إلَى أَوَّلِهِ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ مِنْ فَتْحِهِ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ مُحَاذِيًا لِبَابِ غَيْرِهِ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ قَدَّمَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ (وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إلَى دَاخِلٍ مِنْهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. لَكِنْ لَا يَفْتَحُهُ قُبَالَةَ بَابِ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَجُوزُ إنْ سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ يَعْقُوبُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَنْ فَوْقَهُ. فَأَمَّا إنْ أَذِنُوا: ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ إذْنِ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَحَيْثُ قُلْنَا: بِالْإِذْنِ، وَأَذِنُوا. فَيَكُونُ إعَارَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَكُونُ إعَارَةً فِي الْأَشْبَهِ. وَكَذَا قَالَ قَبْلَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ دَارَانِ، ظَهْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى وَبَابُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَرَفَعَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً: جَازَ. فَإِنْ فَتَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَابًا إلَى الْأُخْرَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّطَرُّقِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى كِلَا الدَّارَيْنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الصُّغْرَى: جَازَ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَشْبَهُ الْجَوَازُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَارَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ بِجَارِهِ، كَحَفْرِ كَنِيفٍ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ، وَبِنَاءِ حَمَّامٍ إلَى جَنْبِ دَارِهِ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ، وَنَصْبِ تَنُّورٍ يَتَأَذَّى بِاسْتِدَامَةِ دُخَانِهِ، وَعَمَلِ دُكَّانِ قِصَارَةٍ، أَوْ حِدَادَةٍ، يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقِّهِ، أَوْ رَحًى، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ يَنْقَطِعُ بِهِ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ، فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ: أُمِرَ بِسَدِّهَا، لِيَعُودَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ لَمْ يَعُدْ كُلِّفَ صَاحِبُ الْبِئْرِ الْأَوَّلَةِ حَفْرَ الْبِئْرِ الَّتِي سُدَّتْ لِأَجْلِهِ مِنْ مَالِهِ. وَعَنْهُ لَا يُكَلَّفُ سَدُّ بِئْرِهِ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ. قَالَ الْقَاضِي: فَيَخْرُجُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ الْحَمَّامِ، وَالتَّنُّورِ، وَدُكَّانِ الْقِصَارَةِ، وَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: رِوَايَةُ عَدَمِ الْمَنْعِ فِي الْجَمْعِ أَقْيَسُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَعَالِيقِهِ عَنْهُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَمِيعِ فِي الْفَائِقِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى أَنَّ بِئْرَهُ فَسَدَتْ مِنْ خَلَاءِ جَارِهِ، أَوْ بَالُوعَتِهِ: طُرِحَ فِي الْخَلَاءِ أَوْ الْبَالُوعَةِ نِفْطٌ. فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ طَعْمُ النِّفْطِ وَلَا رَائِحَتُهُ فِي الْبِئْرِ: عُلِمَ أَنَّ فَسَادَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ فِيهَا: كُلِّفَ صَاحِبُ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ نَقْلَ ذَلِكَ، إنْ لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا.

هَذَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ أَقْدَمَ مِنْهُمَا. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ تَغْيِيرُ مَا عَمِلَهُ فِي مِلْكِهِ بِحَالٍ. قَالَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِ. الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْلِيَةِ دَارِهِ، فِي ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» مَنْعُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، خَوْفًا مِنْ نَقْصِ أُجْرَةِ مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي دَارِهِ دِبَاغَ الْجُلُودِ، أَوْ عَمَلَ الصَّحْنَاءِ: يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ فِي مِلْكِهِ قَنَاةً تَنِزُّ إلَى حِيطَانِ النَّاسِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً، وَلَا طَاقًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) . يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ حَتَّى بِضَرْبِ وَتَدٍ، وَلَا يُحْدِثُ سُتْرَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " يَلْزَمُ الشَّرِيكَ النَّفَقَةُ مَعَ شَرِيكِهِ عَلَى السُّتْرَةِ " عَلَى سُتْرَةٍ قَدِيمَةٍ انْهَدَمَتْ. وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وُجُوبَهَا مُطْلَقًا عَلَى نَصِّهِ. فَقَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوبِهَا. فَائِدَةٌ: يَلْزَمُ لِلْأَعْلَى بِنَاءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُشَارِكُهُ الْأَسْفَلُ. وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا، فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ يُلْزَمُ بِالْمُشَارَكَةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلَى حَائِطِ جَارِهِ، أَوْ الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ. (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إلَّا بِهِ) . إذَا أَرَادَ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، أَوْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَضَرَّرَ الْحَائِطُ بِذَلِكَ أَوْ لَا. فَإِنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ: مُنِعَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخَشَبِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ، لِإِمْكَانِهِ وَضْعَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ وَضْعِهِ، وَأَرَادَ وَضْعَهُ عَلَيْهِ: مُنِعَ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَازَ. وَكَذَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْنِيًا، وَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَهُ وَضْعُهُ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْجِدَارِ مَنْعُهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ.

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهِ فِي الْوَضْعِ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: جَازَ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَقًّا. وَحَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الضَّرُورَةَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْجَارِ ثَلَاثَةَ جُدُرٍ، وَلَهُ جِدَارٌ وَاحِدٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " لَا يَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ، وَكَانَ الْحَائِطُ يَبْقَى " وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ عَلَى حَائِطَيْنِ، إذَا كَانَا غَيْرَ مُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ كَانَ الْبَيْتُ وَاسِعًا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ جِسْرًا، ثُمَّ يَضَعُ الْخَشَبَ عَلَى ذَلِكَ الْجِسْرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَا، مِنْ امْتِنَاعِ التَّسْقِيفِ بِدُونِهِ. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالْيَتِيمِ وَالْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ) . أَنَّ الْمُقَدَّمَ: جَوَازُ وَضْعِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ جَازَ وَضْعُهُ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ.

وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ الْمَاءَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ لَهُ تَعْلِيَتُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِهِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَى حَائِطِ جَارِهِ وَإِسْنَادُ قُمَاشِهِ إلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَنْعِهِ احْتِمَالَيْنِ. وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ، وَنَظَرُهُ فِي ضَوْءِ سِرَاجِهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يَسْتَأْذِنُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ. فَإِنْ مَنَعَهُ حَاكَمَهُ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ قِيلَ لَهُ: أَيَضَعُهُ، وَلَا يَسْتَأْذِنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إيشْ يَسْتَأْذِنُهُ؟ ،. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً: لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ اتِّفَاقًا، كَمَسْأَلَتِنَا. . الثَّالِثَةُ: لَوْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطٍ. فَزَالَ لِسُقُوطِهِ، أَوْ قَلْعِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ، ثُمَّ أُعِيدَ. فَلَهُ إعَادَةُ خَشَبِهِ إنْ حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِتَرْكِهِ وَلَمْ يُخْشَ عَلَى الْحَائِطِ مِنْ وَضْعِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ عَلَيْهِ: لَزِمَهُ إزَالَتُهُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ: لَمْ يَمْلِكْ إجَارَتَهُ، وَلَا إعَارَتَهُ. وَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا بَيْعَهُ، وَلَا الْمُصَالَحَةَ عَنْهُ لِلْمَالِكِ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ إعَارَتَهُ أَوْ إجَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ: لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ، أَوْ وَضْعِ سُتْرَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ، جَازَ. وَصَارَتْ عَارِيَّةً لَازِمَةً، يَأْتِي حُكْمُهَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ.

وَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ: جَازَ، سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ. وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْبِنَاءِ وَالْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالسُّمْكِ وَالْآلَاتِ. السَّادِسَةُ: لَوْ وَجَدَ بِنَاءَهُ أَوْ خَشَبَهُ عَلَى حَائِطٍ مُشْتَرَكِ، أَوْ حَائِطِ جَارِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ. فَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَسِيلَ مَاءٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، أَوْ مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ. فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، فَانْهَدَمَ. فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَحَرْبٍ، وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَزِمَ الْآخَرَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أُجْبِرَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَا: هُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، كَبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَوْ بَنَاهُ، ثُمَّ أَرَادَ نَقْضَهُ. فَإِنْ كَانَ بَنَاهُ بِآلَتِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بَنَاهُ مِنْ عِنْدِهِ: فَلَهُ نَقْضُهُ. فَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَلَا تَنْقُضْهُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ غَيْرُ الْبَانِي نَقْضَهُ، أَوْ إجْبَارَ بَانِيهِ عَلَى نَقْضِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَيَا. وَيَأْتِي الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا: يُجْبَرُ، فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ. لَكِنْ إنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْأَشْهَرِ. كَمَا لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: عَادَ بَيْنَهُمَا، كَمَا كَانَ بِرُسُومِهِ وَحُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ بِعَيْنِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَمَلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَحَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ عَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِهِ نَظَرٌ. بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُ مَنْعَ شَرِيكِهِ

مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَرَامَةِ الْوَاقِعَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ حَقِّ الشَّرِيكِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِذَا بَنَى أَحَدُهُمَا الْحَائِطَ بِأَنْقَاضِهِ. فَهُوَ بَيْنَهُمَا، إنْ أَدَّى الْآخَرُ نِصْفَ قِيمَةِ التَّالِفِ. قَوْلُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ) . وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ فِي بِنَائِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَاعْتَبَرَ فِي الْمُجَرَّدِ إذْنَ الْحَاكِمِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ (وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْتِفَاعُ بِهِ) فَلَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَمِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ وَرُسُومِهِ حَتَّى يَدْفَعَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَصَّ بِهِ وَبِنَفْعِهِ دُونَ أَرْضِهِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: مَلَكَهُ الْبَانِي خَاصَّةً، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْبَانِي عَلَيْهِ رَسْمُ طَرْحِ أَخْشَابٍ، فَالْبَانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ وَضْعِ أَخْشَابِهِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحَائِطِ. وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاءَهُ لِيُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا. أَوْ يَشْتَرِكَانِ فِي الطَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَنَاهُ بِغَيْرِهَا، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: عَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الرُّسُومِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْمَنْعِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالْجَوَازِ: إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي ذَلِكَ، وَأَرَادَ الِانْتِفَاعَ بَعْدَ بِنَائِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بَعْدَ كَلَامِهِمَا الْأَوَّلِ بِقَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.

فَقَالَا: فَإِنْ كَانَ عَلَى الْحَائِطِ رَسْمُ انْتِفَاعٍ، أَوْ وَضْعِ خَشَبٍ، قَالَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِهِ. أَوْ تُمَكِّنَنِي مِنْ انْتِفَاعِي، وَإِمَّا أَنْ تُقْلِعَ حَائِطَك لِنُعِيدَ الْبِنَاءَ بَيْنَنَا. فَيَلْزَمُ الْآخَرَ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ رُسُومِهِ وَانْتِفَاعَهُ بِبِنَائِهِ. انْتَهَيَا. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ، فَإِنْ قِيلَ: فَعِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِهِ. فَكَيْفَ مَنَعْتُمْ هُنَا؟ . قُلْنَا: إنَّمَا مَنَعْنَا هُنَا مِنْ عَوْدِ الْحَقِّ الْقَدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ قَهْرًا. سَوَاءً كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَأَمَّا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَضْعِ لِلِارْتِفَاقِ: فَذَلِكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَشْتَرِطُونَ فِيهَا الْحَاجَةَ أَوْ الضَّرُورَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ) يَعْنِي الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبْنِ: الِانْتِفَاعَ (خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اخْتَارَ الْأَخْذَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنَائِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَدْفَعُ مَا يَخُصُّهُ كَغَرَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ مَعْنًى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: إذَا قُلْنَا: يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ مَعَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَامْتَنَعَ: أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ بَاعَ مِنْ عُرُوضِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَمَّرَهُ شَرِيكُهُ بِإِذْنِهِ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرَادَ بِنَاءَهُ لَمْ يَمْلِكْ الشَّرِيكُ مَنْعَهُ. وَمَا أَنْفَقَ، إنْ تَبَرَّعَ بِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ.

وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِهِ. فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ . قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ عَلَى الْأَوَّلِ: الْخِلَافُ. وَإِنْ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ بِآلَتِهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً. فَإِنْ أَرَادَ نَقْضَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ. فَلَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ. الثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْعِمَارَةِ مَعَ شَرِيكِهِ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اسْتُهْدِمَ جِدَارُهُمَا، أَوْ خِيفَ ضَرَرُهُ نَقَضَاهُ. فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَرِيكِهِ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: بَلَى، إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ، وَأَيُّهُمَا هَدَمَهُ إذَنْ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَهَدَرٌ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ عَلَى صِفَتِهِ كَمَا لَوْ هَدَمَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى هَدْمِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ. فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَنُبَيِّنُ الرَّاجِحَ فِي الْمَذْهَبِ هُنَاكَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ حَائِطٍ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا: لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا. وَيَبْنِي الطَّالِبُ فِي مِلْكِهِ إنْ شَاءَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الْخَامِسَةُ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، عَلَى أَنَّ ثُلُثَهُ لِوَاحِدٍ وَثُلُثَيْهِ لِآخَرَ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا شَاءَ: لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَتِهِ. وَإِنْ

وَصَفَا الْحَمْلَ، فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: صَحَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ بِئْرٌ، أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ، أَوْ قَنَاةٌ، وَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ. فَفِي إجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ: رِوَايَتَانِ) . إحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُجْبَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا وَالْخِلَافَ كَالْخِلَافِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، نَقْلًا وَمَذْهَبًا وَتَفْصِيلًا. قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُجْبَرُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا. وَحَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَائِطِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَائِطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، بِخِلَافِ الْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِذَا عَمَّرَهُ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْإِبَاحَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ لِلْقَاضِي، وَالتَّمَامِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ: لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقَنَاةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْمَنْعِ مِنْ سُكْنَى السُّفْلِ

إذَا بَنَاهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ. وَمَنْعُ الشَّرِيكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْحَائِطِ إذَا أُعِيدَ بِآلَتِهِ الْعَتِيقَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ، فَبَنَى أَحَدُهُمَا. فَمَا تَلِفَ مِنْ الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إهْمَالِ الْآخَرِ: يَضْمَنُهُ الَّذِي أَهْمَلَ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ، فَالسَّقْفُ بَيْنَهُمَا، لَا لِصَاحِبِ الْعُلْوِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْإِجْبَارُ إذَا انْهَدَمَ السَّقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ الَّذِي بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَ. وَلَوْ انْهَدَمَ الْجَمِيعُ، فَلِرَبِّ الْعُلْوِ إجْبَارُ صَاحِبِ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: أُجْبِرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَالْقَوَاعِدِ. وَعَنْهُ لَا يُجْبَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِبِنَاءِ السُّفْلِ، أَوْ يُشْرِكُهُ فِيهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُ السُّفْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ. إحْدَاهُمَا: يَنْفَرِدُ صَاحِبُ السُّفْلِ بِالْبِنَاءِ إلَى حَدِّهِ. وَيَنْفَرِدُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِبِنَائِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالثَّانِيَةُ: يُشْرِكُهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ فِيمَا يَحْمِلُهُ مِنْهُ. وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ، وَفِي مَنْعِهِ السُّكْنَى: مَا سَلَفَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ.

كتاب الحجر

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَبَقَةٌ ثَالِثَةٌ، فَهَلْ يَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي بِنَاءِ السُّفْلِ، وَالِاثْنَانِ فِي بِنَاءِ الْوَسَطِ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا. وَكَذَا الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ فَأَكْثَرُ. وَصَاحِبُ الْوَسَطِ مَعَ مَنْ فَوْقَهُ كَمَنْ تَحْتَهُ مَعَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا كَانُوا ثَلَاثَ طِبَاقٍ. فَإِنْ بَنَى رَبُّ الْعُلْوِ، فَفِي مَنْعِ رَبِّ السُّفْلِ الِانْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ: احْتِمَالَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى: الْمَنْعُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. [كِتَابُ الْحَجْرِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: " حَجْرُ الْفَلَسِ " عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْحَاكِمِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ مُدَّةَ الْحَجْرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ) وَحَجْرٌ لِحَظِّ نَفْسِهِ. فَالْحَجْرُ لِحَقِّ الْغَيْرِ: كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ، وَالْمَرِيضِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَلَدِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ فَصْلِ خِيَارِ التَّوْلِيَةِ. وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ. وَالْمُرْتَدِّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّاهِنِ وَالزَّوْجَةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي التَّبَرُّعِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ. وَالْحَجْرُ لِحَظِّ نَفْسِهِ: كَالْحَجْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَسْبَابٍ لِلْحَجْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَحْجُرُ حَاكِمٌ عَلَى مُقَتِّرٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَاخْتَارَ الْأَزَجِيُّ: بَلَى. فَيَكُونُ هَذَا سَبَبًا آخَرَ، عَلَى قَوْلِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ: فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ مِنْ شَرْطِ الْكَفِيلِ: أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ: فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَهُ مَنْعُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ مَنْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: مُنِعَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ كَانَ مَخُوفًا أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إذَا كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا. كَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِ. وَحَكَى فِي السَّفَرِ غَيْرِ الْمَخُوفِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا مُدَّةً قَبْلَ أَجَلِ الدَّيْنِ، جَازَ كَالْجِهَادِ. وَأَدْخَلَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ فِي السَّفَرِ الْمَخُوفِ: الْحَجَّ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ الْبَنَّا، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ،

وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. فَأَمَّا فِي الْجِهَادِ: فَيُمْنَعُ، حَتَّى يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ، عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. وَأَنَّ الْجِهَادَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَلَهُ السَّفَرُ دُونَ أَجَلِهِ. وَعَنْهُ لَا يُسَافِرُ غَيْرَ مُجَاهِدٍ، حَتَّى يَأْتِيَ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَذَلِكَ. فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبَعِيدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ: أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْخِلَافَ، وَأَنَّ لَنَا قَوْلًا: لَا يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَقَوْلًا: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا بِهِ لَا يَسْتَأْذِنُهُ. وَيَسْتَأْذِنُهُ غَيْرُهُ. وَمَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَالشَّارِحِ، وَجَمَاعَةٍ: إذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا. لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا رِوَايَةَ عَدَمِ الْمَنْعِ. فَقَالُوا: لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ. فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ. كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ. وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. فَهَذِهِ سِتُّ طُرُقٍ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ: أَنَّ لِغَرِيمِهِ مَنْعَهُ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ، إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ: يُلْزَمُ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُمْنَعَ لِيَعْمَلَ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ طُلِبَ مِنْهُ دَيْنٌ حَالٌّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ، فَسَافَرَ قَبْلَ وَفَائِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَإِنْ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الدَّيْنُ الْحَالُّ، أَوْ يَحِلُّ فِي سَفَرِهِ، فَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ، لِئَلَّا يُحْبَسَ قَبْلَ طَلَبِهِ كَحَبْسِ الْحَاكِمِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَ فِي قَضَائِهِ، لِئَلَّا يَمْنَعَ وَاجِبًا. ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا ابْنُ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: إنْ سَافَرَ وَكِيلٌ فِي الْقَضَاءِ: لَمْ يَتَرَخَّصْ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْبَنِيَ الْخِلَافُ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ قَبْلَ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْقَرْضِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجِبُ قَبْلَ الطَّلَبِ. فَلَهُ الْقَصْرُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ حَالًّا، وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ: لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ. وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ. فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ) الْقَوْلُ بِالْحَبْسِ: اخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَا تَخْلُصُ الْحُقُوقُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ غَالِبًا إلَّا بِهِ، وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: أَوَّلُ مَنْ حَبَسَ عَلَى الدَّيْنِ: شُرَيْحٌ الْقَاضِي. «وَمَضَتْ السُّنَّةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ عَلَى الدُّيُونِ، لَكِنْ يَتَلَازَمُ الْخَصْمَانِ» . وَأَمَّا الْحَبْسُ الْآنَ عَلَى الدَّيْنِ: فَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَتَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالَ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالطَّبَقَاتِ. فَائِدَةٌ: إذَا حُبِسَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يُبْرِئَهُ غَرِيمُهُ أَوْ يَرْضَى بِإِخْرَاجِهِ.

فَإِذَا تَبَيَّنَ أَمْرُهُ: لَمْ يَسَعْ الْحَاكِمَ حَبْسُهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ غَرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ مَحْضٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَصَرَّ: بَاعَ مَالَهُ. وَقَضَى دَيْنَهُ) إذَا أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ. وَيَقْضِي دَيْنَهُ، مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: أَبَى الضَّرْبَ الْأَكْثَرُونَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إذَا أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ، وَصَبَرَ عَلَيْهِ: ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ. فَإِنْ أَبَى عَزَّرَهُ. قَالَ: وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِمْ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ، إنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِهِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَتَى بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يُحْبَسُ. فَإِنْ لَمْ يَقْضِ بَاعَ الْحَاكِمُ وَقَضَاهُ. فَظَاهِرُهُ: يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْعُهُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا تَقَاعَدَ بِحُقُوقِ النَّاسِ: يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَيَقْضِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ طُولِبَ بِأَدَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إمْهَالًا: أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا. لَكِنْ إنْ خَافَ غَرِيمُهُ مِنْهُ: احْتَاطَ عَلَيْهِ بِمُلَازَمَةٍ، أَوْ كَفِيلٍ، أَوْ تَرْسِيمٍ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَطَلَ غَرِيمُهُ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى الشِّكَايَةِ، فَمَا غَرِمَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُمَاطِلَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا.

قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلِ " وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ " ثُمَّ قَالَ: وَإِلَّا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي. وَكَذَا أُجْرَةُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى السَّارِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابٍ مِنْ الدَّعَاوَى: وَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي: لَزِمَهُ مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ وَرَدِّهِ، وَإِلَّا لَزِمَا الْمُنْكِرَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الضَّمَانِ: إذَا تَغَيَّبَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حَتَّى غَرِمَ الضَّامِنُ شَيْئًا بِسَبَبِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي الْحَبْسِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ: رَجَعَ بِهِ عَلَى الْكَاذِبِ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ: حُبِسَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ، أَوْ إعْسَارِهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) إذَا ادَّعَى الْإِعْسَارَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ، أَوْ يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ، كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ. أَوْ عَنْ غَيْرِ مَالٍ كَالضَّمَانِ وَنَحْوِهِ وَأَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ. أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَشْهَدَ بِنَفَادِ مَالِهِ، أَوْ إعْسَارِهِ. فَإِنْ شَهِدَتْ بِنَفَادِ مَالِهِ أَوْ تَلَفِهِ: حَلَفَ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ لَا مَالَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْلِفُ مَعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: حَلَفَ مَعَهَا، وَفِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي،

وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَةٍ هُنَا. وَإِنْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مِمَّنْ يَخْبَرُ بَاطِنَ حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ قُبِلَتْ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهَا، عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ مَعَهَا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ: أَنَّهُ مُعْسِرٌ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِالظَّاهِرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُكْتَفَى فِي الْبَيِّنَةِ أَنْ تَشْهَدَ بِالتَّلَفِ، أَوْ بِالْإِعْسَارِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمُحَقَّقُ. وِفَاقًا لِلْمَجْدِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِعْسَارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالتَّلَفِ وَالْإِعْسَارِ مَعًا. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَشْهَدُ بِذَهَابِهِ وَإِعْسَارِهِ، لَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. الثَّانِيَةُ: تُسْمَعُ بَيِّنَةُ إعْسَارِهِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ حَبْسِهِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ بِيَوْمٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي الْإِعْسَارِ بَيِّنَةٌ وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ بِدَيْنِهِ وَكَانَ لَهُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ. قَالَهُ فِي الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ حَلَفَ أَنَّهُ قَادِرٌ: حَبَسَهُ. وَإِلَّا حَلَفَ الْمُنْكِرُ عَلَيْهِمَا. وَخُلِّيَ. وَنَقَلَ ابْنُ حَنْبَلٍ: يُحْبَسُ إنْ عُلِمَ لَهُ مَا يَقْضِي. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ عُرِفَ بِمَالٍ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ، وَحَلَفَ غَرِيمُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ: حُبِسَ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَحْلِفُ أَنَّهُ مُوسِرٌ بِدَيْنِهِ، وَلَا يَعْلَمُ إعْسَارَهُ بِهِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا حَلَفَ أَنَّهُ ذُو مَالٍ: حُبِسَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمَدْيُونُ تَلَفًا أَوْ إعْسَارًا، أَوْ يَسْأَلَ سُؤَالَهُ. فَتَكُونُ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً. فَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَقَاءِ مَالِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ: بَيِّنَةٌ. فَلَا كَلَامَ. وَإِلَّا فَيَمِينُ صَاحِبِ الْحَقِّ بِحَسَبِ جَوَابِ الْمَدْيُونِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَهُوَ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَهُ. انْتَهَى. وَحَيْثُ قُلْنَا: يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَأَبَى: حَلَفَ الْآخَرُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ الرَّابِعَةُ: يُكْتَفَى فِي الْبَيِّنَةِ هُنَا بِاثْنَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ. كَمَنْ يُرِيدُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالْغِنَى، وَادَّعَى الْفَقْرَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ: حَلَفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ) . أَيْ وَإِنْ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ، وَدَيْنُهُ عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ،

لَمْ يُقِرَّ بِالْمَلَاءَةِ بِهِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ وَالْغَالِبُ ذَهَابُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحْبَسُ إلَى ظُهُورِ إعْسَارِهِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ عُرِفَ بِمَالٍ، أَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُفْلِسِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ. أَوْ قَالَ " هُوَ لِزَيْدٍ " فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ: قُضِيَ دَيْنُ الْمُفْلِسِ مِنْهُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ، فَهَلْ يُقْضَى دَيْنُ الْمُفْلِسِ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُقْضَى مِنْهُ. وَيَكُونُ لِزَيْدٍ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لِزَيْدٍ مُضَارَبَةً. قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ، أَوْ كَانَ غَائِبًا. وَالثَّانِي: يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا لَا يُعْتَبَرُ لَهَا تَقَدُّمُ دَعْوَى وَإِنْ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْمُصَدِّقِ بَيِّنَةٌ قُدِّمَتْ لِإِقْرَارِ رَبِّ الْيَدِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ.

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْسِرِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَوَّلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قُلْت لَوْ قِيلَ بِجَوَازِهِ. إذَا تَحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الْحَقِّ لَهُ وَحَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْقِيَامِ عَلَى عِيَالِهِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ. وَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: لَزِمَهُ إجَابَتُهُمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ دُيُونِهِ، صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ قَرِيبًا. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ " هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالٍّ، أَوْ قَدْرِهِ، وَلَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا مَا يُنْفِقُ مِنْهُ غَيْرُهُ. أَوْ خِيفَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ " أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ الْبَعْضُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَجَمَاعَةٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. الْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ أَيْضًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِطَلَبِ غُرَمَائِهِ. وَالْأَصَحُّ: أَوْ بَعْضُهُمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْمُعْسِرَ لَوْ طَلَبَ الْحَجْرَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى الْمَالِ وَقِيلَ: أَوْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْحَجْرَ مِنْ الْحَاكِمِ لَزِمَهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُفْلِسُ وَحْدَهُ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: بِسُؤَالِهِ فِي وَجْهِهِ. قَوْلُهُ (وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ إلَّا بِالْعِتْقِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، وَتَصَرَّفَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ: صَحَّ تَصَرُّفُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهِ، حَتَّى قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ رِوَايَةً. وَاخْتَارَهُ. وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَقَضَاءُ دَيْنِهِ أَوْجَبُ عَلَيْهِ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، خُصُوصًا وَقَدْ كَثُرَتْ حِيَلُ النَّاسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَقَالَ: الْمُفْلِسُ إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ مِنْهُ سِلْعَتَهُ الَّتِي يَرْجِعُ بِهَا قَبْلَ الْحَجْرِ: لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ نُصُوصٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمُطَالَبَةِ الْبَائِعِ.

وَعَنْهُ لَهُ مَنْعُ ابْنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِمَا يَضُرُّهُ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ تَصَدَّقَ وَأَبَوَاهُ فَقِيرَانِ رُدَّ عَلَيْهِمَا. لَا لِمَنْ دُونَهُمَا. وَنَصَّ فِي رِوَايَةٍ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَجَانِبَ، وَلَهُ أَقَارِبُ مُحْتَاجُونَ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ: فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ تَبَرَّعَ وَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ لِوَارِثٍ أَوْ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ: أَنَّهُ يُرَدُّ. وَلِهَذَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً عَلَى رِوَايَةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ: هَذَا مَرْدُودٌ، وَلَوْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ: لَمْ أُجَوِّزْ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ. ذَكَرَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَإِنْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِغَيْرِهِ. فَإِنْ تَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: هَذَا أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْأَقْيَسِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَدْبِيرِ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِالتَّدْبِيرِ: صَحَّ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ. أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ: لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالصَّدَقَةِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ. قُلْت: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ، وَيُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ: فَيَبْغِي أَنْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِمَالِهِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْيَسِيرِ: لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ: إنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ طَلَبِ رَبِّ الْعَيْنِ لَهَا: جَازَ، لَا بَعْدُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغَرِيمٍ بِكُلِّ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِرِضَاهُمَا بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامْ أَحْمَدْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحّ. لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ رَدَّ مَعِيبٍ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَيَمْلِكُ الرَّدَّ بِخِيَارٍ غَيْرِ مُتَقَيِّدٍ

بِالْأَحَظِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَحَظِّ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَهُ رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الثَّانِيَةِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِيهِ حَظٌّ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إقْرَارٍ: صَحَّ. وَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرٍ عَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَلَا يُشَارِكُونَ مَنْ كَانَ دَيْنُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَفِي الْمُبْهِجِ: فِي جَاهِلٍ بِهِ وَجْهَانِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، أَوْ أَدَانَهُ عَامِلٌ قَبْلَ قِرَاضِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَيْنٍ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ: أَنَّ صَاحِبَ التَّبْصِرَةِ حَكَى رِوَايَةً بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّتِهِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَنْ عَامَلَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يَرْجِعُ بِعَيْنِ مَالِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

وَقِيلَ: يَرْجِعُ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَعَ جَهْلِهِ الْحَجْرَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا الْأَخِيرُ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَيْنًا بَاعَهَا إيَّاهُ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا، وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا. لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ. وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ: مِنْ شُفْعَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً: كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِاخْتِصَاصِ رَبِّ الْعَيْنِ الْمُبَاعَةِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ شُرُوطًا. مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا. فَلَوْ مَاتَ كَانَ صَاحِبُهَا أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: ذَلِكَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجْرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ رَبَّ الْعَيْنِ لَوْ مَاتَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْذُ السِّلْعَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهَا حَيًّا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلِرَبِّهِ دُونَ وَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ أَخْذُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ

وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: مِنْ الشُّرُوطِ: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ حَيًّا، إذْ لَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ. لِلْحَدِيثِ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ نَقَدَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا. فَإِنْ كَانَ نَقَدَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَمِنْهَا: أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا. وَكَذَا لَمْ يُزَلْ مِلْكُهُ عَنْ بَعْضِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. إنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ كَعَبْدَيْنِ، أَوْ ثَوْبَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا أَوْ نَقَصَ وَنَحْوُهُ: رَجَعَ فِي الْعَيْنِ الْأُخْرَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ: لَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: وَلَعَلَّ مَبْنَاهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ: هَلْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ أَمْ لَا؟ وَحُكْمُ انْتِقَالِ الْبَعْضِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ حُكْمُ التَّلَفِ. انْتَهَى. قُلْت: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ " أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ، عَلَى الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ تَلَفِ الْبَعْضِ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ. فَأَفْلَسَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، تَنْزِيلًا لِلْمُدَّةِ مَنْزِلَةَ الْمَبِيعِ، وَمُضِيِّ بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ بَعْضِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَهُ الرُّجُوعُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَبْقِيَةُ زَرْعِ الْمُفْلِسِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

ثُمَّ هَلْ يُضْرَبُ بِهَا لَهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، أَوْ يُقَدَّمُ بِهَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَمْتَنِعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا جُرِحَ الْعَبْدُ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَرْجِعُ، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَرْجِعُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا أَرْشَ لَهُ، كَالْحَاصِلِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِعْلِ بَهِيمَةٍ، أَوْ جِنَايَةِ الْمُفْلِسِ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ: فَلَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الرُّجُوعِ. وَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ مُوجِبًا لِلْأَرْشِ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلِلْبَائِعِ إذَا رَجَعَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ وَطِئَ الثَّيِّبَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَصَحِّ، إذَا لَمْ تَحْمِلْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَمْنَعُ الْأَخْذُ تَزَوُّجَ الْأَمَةِ. فَإِذَا أَخَذَهَا الْبَائِعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ خَرَجَتْ السِّلْعَةُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَرَجَعَتْ بَعْدَ الْحَجْرِ، فَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ. قَالَ النَّاظِمُ: عَادَ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَوِيِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هِيَ كَعَوْدِ الْمَوْهُوبِ إلَى الِابْنِ بَعْدَ زَوَالِهِ. هَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ أَمْ لَا؟ . قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِرْثٍ، وَوَصِيَّةٍ لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ كَالْإِقَالَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي رُجُوعِ الْأَبِ إذَا رَجَعَ إلَى الِابْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ: لَوْ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا. فَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ، لِسَبْقِهِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: بَقَاءُ صِفَةِ السِّلْعَةِ. فَلَوْ تَغَيَّرَتْ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِ الزَّيْتِ صَابُونًا، أَوْ قَطْعِ الثَّوْبِ قَمِيصًا، أَوْ نَجْرِ الْخَشَبِ أَبْوَابًا، أَوْ عَمَلِ الشَّرِيطِ أُبَرًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: إنْ أَحْدَثَ صَنْعَةً كَنَسْجِ غَزْلٍ، وَعَمَلِ الدُّهْنِ صَابُونًا فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَأْخُذُهُ. وَعَنْهُ: بَلَى، وَيُشَارِكُهُ الْمُفْلِسُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الْحَبِّ بِطَحْنِهِ، وَالدَّقِيقِ بِخَبْزِهِ، وَالْغَزْلِ بِنَسْجِهِ: رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ حَبًّا فَصَارَ زَرْعًا، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ نَوَى فَنَبَتَ شَجَرًا، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرْخًا: سَقَطَ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الرُّجُوعَ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ خُلِطَ الْمَبِيعُ أَوْ بَعْضُهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْخَلْطَ: هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِتْلَافِ أَمْ لَا؟ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ. بَلْ وَجَدَهُ حُكْمًا. انْتَهَى. قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ. وَإِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاكٌ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغَصْبِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ ". وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ شُفْعَةٍ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، فِي مَوْضِعٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِنْ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا فَلِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ. وَقِيلَ: الشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهِ. وَقِيلَ: إنْ طَالَبَ الشَّفِيعُ: امْتَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. لَكِنْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، فَمَا فَضَلَ مِنْهُ: رُدَّ عَلَى الْمَالِ. وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ الرُّجُوعُ فِي الْفَاضِلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَجْزُومًا بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَلَفَ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. فَكَذَلِكَ ذَهَابُ بَعْضِهِ بِالْبَيْعِ. انْتَهَى. فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ، فَرَهَنَ أَحَدَهُمَا. فَهَلْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْعَيْنَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَهُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا. فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ، وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْ الدُّيُونِ: قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ بِرَهْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ آخِرَ الرَّهْنِ.

وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ جِنَايَةٍ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، ثُمَّ يُفْلِسَ بَعْدَ تَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ. فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالْكَافِي. وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ. وَعَلَى الثَّانِي: هُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ نَاقِصًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ: لَوْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ حَقُّ شُفْعَةٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ. ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ الشَّفِيعُ، أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ: فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: أَنْ لَا تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً. فَإِنْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، كَالْكِتَابَةِ وَالْقُرْآنِ وَنَحْوِهِمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَرَدَّا غَيْرَهُ. قَالَ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ خِلَافِهِ: هُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. فَعَلَيْهَا: يَأْخُذُهَا بِزِيَادَتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ: فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُوجَزِ، فِي مَنْعِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ الرُّجُوعِ: رِوَايَتَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي مُوسَى: يَمْنَعُ الْوَلَدُ الرُّجُوعَ فِي أُمِّهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، أَوْ عِنْدَ الرُّجُوعِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ: لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ كَالسِّمَنِ. وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، مُنْفَصِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَمَعَ الرُّجُوعِ لَا أَرْشَ، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ، حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ. فَقَالَ فِي الْكُبْرَى: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ كَالسِّمَنِ، وَالْأَظْهَرُ: يُتَّبَعُ فِي الرُّجُوعِ كَالْبَيْعِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْقَاضِي: إنْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا. وَأَفْلَسَ بَعْدَ وَضْعِهَا: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّا إذَا قُلْنَا: لَا حُكْمَ لِلْحَمْلِ. فَهُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ حُكْمٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ كَانَ هُوَ وَالْأُمُّ قَدْ زَادَ بِالْوَضْعِ، فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَزِيدَا: جَازَ الرُّجُوعُ فِيهِمَا. وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنَيْنِ تَلِفَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْبَيْعِ حَائِلًا، وَحَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَزَادَتْ قِيمَتُهَا: فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ الْوَضْعِ فَزِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ وَجَدَهَا حَامِلًا: انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ: هَلْ لَهُ حُكْمٌ، فَيَكُونَ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً، يُتَرَبَّصُ بِهِ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ لَا حُكْمَ لَهُ كَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ؟ انْتَهَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفِ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَاللُّقَطَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدًا صَغِيرًا: أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى بَذْلِ

قِيمَتِهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ كَبِيرًا، وَقُلْنَا: يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ. فَإِنْ أَبَى بَطَلَ الرُّجُوعُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يُبَاعَانِ، وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مَا خَصَّ الْأُمَّ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. فَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدَ أَمَةٍ: فَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بَيْعُ الْأُمِّ مَعَهُ. وَلَهُ قِيمَتُهَا ذَاتَ وَلَدٍ بِغَيْرِ وَلَدٍ. زَادَ فِي الْفَائِقِ: وَيُحْتَمَلُ مَنْعُ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَدْفَعْ قِيمَتَهُ فَلَا رُجُوعَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ قَصَرَهُ: لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ. وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) .: هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِزَيْتٍ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِبَائِعِ الثَّوْبِ وَالسَّوِيقِ الرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ كَثَمَنِ الْعَبْدِ. وَقَالَا: وَإِنْ قَصَرَ الثَّوْبَ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ: فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَإِنْ زَادَتْ: فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ. انْتَهَيَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا زَادَتْ الْعَيْنُ بِقِصَارَةٍ، أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوِهِمَا: امْتَنَعَ الرُّجُوعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ صَبَغَهُ أَوْ قَصَرَهُ. فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي وَجْهٍ فِيهِمَا كَنَقْصِهِ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ قَصَرَهُ: لَمْ يَمْنَعْ. وَيُشَارِكُهُ الْمُفْلِسُ فِي الزِّيَادَةِ. وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا فَصَبَغَهَا، أَوْ قَصَرَهَا، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ قَصَرَ الثَّوْبَ وَقُلْنَا: يَرْجِعُ فِي الْأَقْيَسِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ رَجَعَ فِيهِ رَبُّهُ فِي الْأَصَحِّ. وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ فِي الْأَقْيَسِ. فَلَهُ مِنْ الثَّوْبِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْ مِنْ قِيمَتِهِ. وَقِيلَ: بَلْ أُجْرَةُ الْقِصَارَةِ. إلَّا أَنْ يَتْلَفَ بِيَدِهِ. فَيَسْقُطُ. وَقِيلَ: الْقِصَارَةُ كَالثَّمَنِ. وَفِي أُجْرَتِهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ: فَلَهُ الرُّجُوعُ، أَوْ مُشَارَكَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ فِي صَبْغِ الثَّوْبِ: وَإِنْ صَبَغَهُ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصَّبْغِ: رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ. وَشَارَكَ الْمُفْلِسَ فِيهِ بِقِيمَةِ صَبْغِهِ. إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا الْبَائِعُ. فَإِنْ أَبَى دَفْعَهَا: أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ حَقِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ قِيمَةِ الصَّبْغِ: فَالنَّقْصُ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا: فَالزِّيَادَةُ مَعَ قِيمَةِ الصَّبْغِ لَهُ. وَقِيلَ: يَشْتَرِكَانِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ: فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، أَوْ يَكُونُ كَالْغُرَمَاءِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ: لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَقْيَسِ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ، أَوْ زَيْتًا فَلَتّ بِهِ: فَلَا رُجُوعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَلَا رُجُوعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ: بِأَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. كَخَلْطِ الزَّيْتِ وَالْقَمْحِ وَنَحْوِهِمَا بِمِثْلِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالصَّبْغُ مِنْ وَاحِدٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّبْغُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِ الثَّوْبِ. فَعَلَى قَوْلِهِمْ: يَرْجِعُ فِي الثَّوْبِ وَحْدَهُ. وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ الصَّبْغِ. وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِ الصَّبْغِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا هَاهُنَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى دُفُوفًا وَمَسَامِيرَ مِنْ وَاحِدٍ فَسَمَّرَهَا بِهِ. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَرَسَ الْأَرْضَ، أَوْ بَنَى فِيهَا. فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَدَفْعُ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. فَيَمْلِكُهُ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ) . إذَا اتَّفَقَا عَلَى قَلْعِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. فَإِذَا فَعَلُوهُ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي أَرْضِهِ. فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْقَلْعِ فَلَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَلْعِ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُمْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا الْحَاصِلِ بِهِ. وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ. فَلَوْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَلْعِ: لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَبَى الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذَهُ وَقَلْعَهُ وَضَمَانَ نَقْصِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَمْلِكَهُ، أَوْ قَالَ: أَنَا أَقْلَعُ وَأَضْمَنُ النَّقْصَ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَوْا الْقَلْعَ، وَأَبَى دَفْعَ الْقِيمَةِ: سَقَطَ الرُّجُوعُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَرْضِ. وَيَكُونُ مَا فِيهَا لِلْمُفْلِسِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَفْرِيعَ. وَعَلَى الثَّانِي: إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ بِيعَا لَهُمَا. وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُجْبَرَ، فَيُبَاعُ الْجَمِيعُ. وَاحْتَمَلَ: لَا فَيَبِيعُ الْمُفْلِسُ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ مُفْرَدًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يُبَاعُ الْفَرْسُ مُفْرَدًا، أَوْ الْجَمِيعُ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ الْجَمِيعُ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُبَاعُ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ مُفْرَدًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَفْلَسَ وَهِيَ بِحَالِهَا. فَلَهُ الرُّجُوعُ. الثَّانِي: كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْبَيْعِ ثَمَرٌ ظَاهِرٌ، أَوْ طَلْعٌ مُؤَبَّرٌ، وَاشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي فَأَكَلَهُ، أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ، أَوْ تَلِفَ بِجَائِحَةٍ، ثُمَّ أَفْلَسَ: فَهَذَا فِي حُكْمِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثُ: أَطْلَعَ وَلَمْ يُؤَبَّرْ، أَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يَظْهَرْ وَقْتَ الْبَيْعِ. فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. فَلَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ تَلَفِهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ زَادَ، أَوْ بَدَا صَلَاحُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعُ: بَاعَهُ نَخْلًا حَائِلًا فَأَطْلَعَتْ، أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ، فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: أَفْلَسَ قَبْلَ تَأْبِيرِهَا. فَالطَّلْعُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. الثَّانِي: أَفْلَسَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ، وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ: فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَالطَّلْعُ لِلْمُشْتَرِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَوْ بَاعَهُ أَرْضًا فَارِغَةً، فَزَرَعَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَفْلَسَ: رَجَعَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ، وَجْهًا وَاحِدًا. الثَّالِثُ: أَفْلَسَ، وَالطَّلْعُ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ. فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى أُبِّرَ: فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. كَمَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ. فَلَوْ ادَّعَى الرُّجُوعَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، وَأَنْكَرَ الْمُفْلِسُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت بَعْدَ التَّأْبِيرِ. وَقَالَ الْمُفْلِسُ: بَلْ قَبْلَهُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. الرَّابِعُ: أَفْلَسَ بَعْدَ أَخْذِ الثَّمَرَةِ، أَوْ ذَهَابِهَا بِجَائِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأَصْلِ. وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. الثَّانِيَةُ: كُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ: فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُفْلِسِ بِقَطْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجِدَادِ. وَكَذَا إذَا رَجَعَ فِي الْأَرْضِ وَفِيهَا زَرْعٌ لِلْمُفْلِسِ. وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ أُجْرَةٌ. إذَا ثَبَتَ هَذَا. فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْقَطْعِ. فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا، وَكَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ، أَوْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةٌ: لَمْ يُقْطَعْ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَثِيرَةً: قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَطْعَ، فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: يُنْظَرُ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ فَيُعْمَلُ بِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّالِثُ: إنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقَطْعَ: وَجَبَ. وَإِنْ كَانَ الْمُفْلِسُ، فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَحَظَّ لَهُ: لَمْ يُقْطَعْ. الثَّالِثَةُ: إذَا كَمُلَتْ الشُّرُوطُ: فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِتَعَيُّنِهَا كَوَدِيعَةٍ. وَسَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهَا أَوْ نَقَصَتْ وَلَوْ بَذَلَ الْغُرَمَاءُ ثَمَنَهَا كُلَّهُ، وَهُوَ يُسَاوِي الْمَبِيعَ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، بِنَاءً عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِكَوْنِهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ: نُقِضَ حُكْمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يُنْقَضُ. الْخَامِسَةُ: يَكُونُ الِاسْتِرْجَاعُ فِي السِّلْعَةِ بِالْقَوْلِ. فَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا

ابْتِدَاءً لَمْ يَنْعَقِدْ، وَلَمْ يَكُنْ اسْتِرْجَاعًا. وَكَذَا الْوَطْءُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، لِتَمَامِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: يَكُونُ الْوَطْءُ اسْتِرْجَاعًا، وَأَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا آخَرَ بِعَدَمِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ. السَّادِسَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ، بَعْدَ كَمَالِ الشُّرُوطِ: مَسْأَلَةٌ. وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ صَيْدًا وَالْبَائِعُ مُحْرِمًا. فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ لِلصَّيْدِ لَا يَجُوزُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَقَطَعُوا بِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. السَّابِعَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَخْذَ السِّلْعَةِ عَلَى التَّرَاخِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَخَذَهُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَقْيَسِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الْوَجْهَانِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الثَّامِنَةُ: حَيْثُ أَخَذَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ، فَرُجُوعُهُ فَسْخٌ لِلْعَيْبِ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَبِيعِ، وَلَا إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. فَلَوْ رَجَعَ فِيمَنْ أَبَقَ صَحَّ: وَصَارَ لَهُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ: أَخَذَهُ. وَإِنْ تَلِفَ: فَمِنْ مَالِهِ. وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَالِفًا حِينَ اسْتِرْجَاعِهِ بَطَلَ رُجُوعُهُ. وَإِنْ رَجَعَ فِي مَبِيعٍ اشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ: قُدِّمَ تَعْيِينُ الْمُفْلِسِ، لِإِنْكَارِهِ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْبَائِعِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

التَّاسِعَةُ: مَتَى قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ، فَلَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الْمَوْجُودِ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُفْلِسِ وَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ بِالْفَلَسِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْأَجَلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَالَا: هُوَ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ فِي الْحَالِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقِيلَ: يُبَاعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ رَجَعَ فِيهِ مَجَّانًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الْعَاشِرَةُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا وَجَدَهَا. وَكَذَا حُكْمُ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ عَيْنَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ كَانَ دَيْنُهُ سَلَمًا، فَأَدْرَكَ الثَّمَنَ بِعَيْنِهِ: أَخَذَهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الرُّجُوعُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ: مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، كَالْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ، وَالصُّلْحُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ، كَأَنْ يَصْدُقَ امْرَأَةً عَيْنًا، وَتَحْصُلَ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا، وَقَدْ أَفْلَسَتْ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ عَيْنًا مُؤَجَّرَةً لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ. فَلَوْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ: فَلَهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهَا. الْحَادِيَةَ عَشْرَ: لَوْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ عَيْنٌ مُؤَجَّرَةٌ: كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهَا مُدَّةَ الْإِجَارَةِ. فَإِنْ تَعَطَّلَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: ضُرِبَ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَعَ الْغُرَمَاءِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (الْحُكْمُ الثَّالِثُ: بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ) . يَعْنِي إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ (وَقَسْمُ ثَمَنِهِ) .

يَعْنِي يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ. وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَهُ وَيَحْضُرَ الْغُرَمَاءُ) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَوْلُهُ (وَيَبِيعُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ) بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ الْمُسْتَقِرِّ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَكْثَرَ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إلَيْهِ حَاجَتُهُ: مِنْ مَسْكَنٍ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ كَانَ وَاسِعًا يَفْضُلُ عَنْ سُكْنَى مِثْلِهِ: بَيْعَ، وَاشْتُرِيَ لَهُ مَسْكَنُ مِثْلِهِ. وَلِابْنِ حَمْدَانَ احْتِمَالٌ: أَنَّ مَنْ ادَّانَ مَا اشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا: أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ عَيْنَ مَالِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ: أَخَذَهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَوْلُهُ (وَخَادِمٍ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ نَفِيسًا. وَكَذَا الْمَسْكَنُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. فَائِدَةٌ: يُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا آلَةُ حِرْفَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ حِرْفَةٍ: تُرِكَ لَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا فَرَسٌ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِهَا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُتْرَكُ لَهُ دَابَّةٌ يَحْتَاجُهَا. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يُبَاعُ الْكُلُّ إلَّا الْمَسْكَنُ، وَمَا يُوَازِيهِ مِنْ ثِيَابٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُهُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَرْكِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ وَغَيْرِهِمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ مَالَ الْغُرَمَاءِ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ عَيَّنَ مَا لَهُمْ: فَإِنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَكَلَامُهُمْ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ) يَعْنِي: عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ. وَمِنْ النَّفَقَةِ: كِسْوَتُهُ وَكِسْوَةُ عِيَالِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: مَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّكَسُّبِ: لَمْ يُتْرَكْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ. وَقَطَعَا بِهِ. وَهُوَ قَوِيٌّ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ جُهِّزَ مِنْ مَالِهِ كَنَفَقَةٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيُعْطِي الْمُنَادِي) يَعْنِي وَنَحْوَهُ (أُجْرَتَهُ مِنْ الْمَالِ) وَالْمُرَادُ: إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُعْطِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَحَقُّ الْمُنَادِي مِنْ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالنِّدَاءِ وَتَعَذَّرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي: مِنْ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ الْمُتَطَوِّعُ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ تَعَذَّرَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ابْتِدَاءً. انْتَهَى.

وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي: نَظَرٌ. وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيَبْدَأُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ الْجَانِي عَبْدًا لِمُفْلِسٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ ثَمَنِ الْجَانِي) . سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْجَانِي هُوَ الْمُفْلِسُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ. فَيَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ) ظَاهِرُهُ: إنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ لَازِمًا أَوْ لَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِاللُّزُومِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَازِمًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ، فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ وُجُودُ قَبْضِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: ثُمَّ يَخْتَصُّ مَنْ لَهُ رَهْنٌ بِثَمَنِهِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: يَخْتَصُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ، عَلَى الْأَصَحِّ. فَحَكَى الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ؛ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ مَوْتِ بَائِعٍ وَجَدَ مَتَاعَهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَذْهَبَ وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ: ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ: رُدَّ عَلَى الْمَالِ)

وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الْفَاضِلَ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا، وَأَنَّ الْقَاضِيَ اخْتَارَ: أَنَّ بَائِعَهُ أَحَقُّ بِالْفَاضِلِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ يَأْخُذُهَا) يَعْنِي بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَكَلَامُهُ هُنَا أَعَمُّ. فَيَدْخُلُ عَيْنُ الْقَرْضِ، وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَغَيْرِهِمَا. كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُفْلِسِ أَحَقُّ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ. فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ: لَمْ يَحِلَّ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْفَلَسِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَحِلُّ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ بِالْفَلَسِ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُشَارِكْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَحِلُّ إذَا وُثِّقَ بِرَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، وَإِلَّا حَلَّ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. فَمَتَى قُلْنَا: يَحِلُّ، فَهُوَ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ. وَمَتَى قُلْنَا: لَا يَحِلُّ، لَمْ يُوقَفْ لِرَبِّهِ شَيْءٌ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِهِ إذَا حَلَّ.

لَكِنْ إنْ حَلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ. وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْبَعْضِ شَارَكَهُمْ أَيْضًا. وَضُرِبَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ وَبَاقِي الْغُرَمَاءِ بِبَقِيَّةِ دُيُونِهِمْ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ: لَمْ يَحِلَّ إذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) يَعْنِي: بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوْ الدَّيْنِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ هُنَا مُطْلَقًا، وَلَوْ قَتَلَهُ رَبُّهُ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَحِلُّ بِالْفَلَسِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَمَالَ إلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تَعَذَّرَ التَّوَثُّقُ: حَلَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَلَا يَحِلُّ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَوْتِهِ مِنْ أَجْلِ الدُّيُونِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِذِمَّتِهِمْ. وَذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي الْحَوَالَةِ. فَإِنْ كَانَتْ مَلِيئَةً، وَإِلَّا وَثَّقُوا. وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَالتَّرِكَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَخْتَصُّ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ بِالْمَالِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُشَارَكُونَ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَدَيْنٌ مُؤَجَّلٌ قُلْنَا: لَا تَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَمَالِهِ بِقَدْرِ الْحَالِ فَهَلْ يُتْرَكُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ لِيَأْخُذَهُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ، أَوْ يُوَفَّى

الْحَالُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّهِ صَاحِبِ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ بِحِصَّتِهِ، أَوْ لَا يَرْجِعُ؟ يُحْتَمَلُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَوَائِدُ الْأُولَى: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يَحِلُّ الدَّيْنُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ. وَقَدْ عُدِمَ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ وَرِثَهُ بَيْتُ الْمَالِ: احْتَمَلَ انْتِقَالُهُ. وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ وَاحْتَمَلَ حَوْلَهُ. وَذَكَرَهُمَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، لِعَدَمِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: حُكْمُ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ حُكْمُ الْمُفْلِسِ وَالْمَيِّتِ فِي حُلُولِ الدَّيْنِ وَعَدَمِهِ. الثَّالِثَةُ: مَتَى قُلْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: وَالْمُخْتَارُ سُقُوطُ جُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ مُقَابِلِ الْأَجْلِ بِقِسْطِهِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضْعِ وَالتَّأْجِيلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. الرَّابِعَةُ: هَلْ يَمْنَعُ الدَّيْنُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ، أَمْ لَا يَمْنَعُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْنَعُ. بَلْ تَنْتَقِلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ الِانْتِقَالُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَنْتَقِلُ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقِسْمَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ يَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا بَيْنَ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي الضَّمَانَ، كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الدَّيْنِ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ أَمْ لَا؟ . قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي التَّفْلِيسِ. وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ: ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ: اعْتِبَارُهُ، حَيْثُ فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِقَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا. ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهَا جَمِيعًا، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا الدَّيْنُ. صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَهَلْ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهَا تَعَلُّقَ رَهْنٍ. أَوْ جِنَايَةٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: صَرَّحَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. وَيُفَسَّرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ: يَتَحَرَّرُ الْخِلَافُ بِتَحْرِيرِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: هَلْ يَتَعَلَّقُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ. وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، أَمْ يَتَقَسَّطُ؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْأَوَّلِ، إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ. وَتَعَلَّقَ بِحِصَّةِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُمْ قِسْطُهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَبِكُلِّ

جُزْءٍ مِنْهَا، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا رَهَنَهُ الشَّرِيكَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا. وَالثَّانِيَةُ: هَلْ يَمْنَعُ هَذَا التَّعَلُّقُ مِنْ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ؟ سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالثَّالِثَةُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ مَعَ الذِّمَّةِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَلْ الدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَنْتَقِلُ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِالْمُؤَجَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الِانْتِصَارِ، الصَّحِيحُ: أَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ. انْتَهَى. وَمِنْهُمْ: مَنْ خَصَّهُ بِالْقَوْلِ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَقَطْ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَرُدَّ بِلُزُومِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فِيهَا بِالتَّلَفِ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. إذَا عُرِفَ هَذَا: فَلِلْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ أَمْ لَا؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ قَوَاعِدِهِ. مِنْهَا: نُفُوذُ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ النُّفُوذِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ: لَا يَنْفُذُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا.

وَحَمَلَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ رِوَايَةَ ابْنِ الْمَنْصُورِ عَلَى هَذَا. وَقِيلَ يَنْفُذُ: قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ وَالْقِسْمَةِ، وَجَعَلَاهُ الْمَذْهَبَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: صِحَّةُ تَصَرُّفِهِمْ. انْتَهَى. وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَمَتَى خَلَّى الْوَرَثَةُ بَيْنَ التَّرِكَةِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ: سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُمْ بِالدُّيُونِ. وَنَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يُوفِيهِمْ مِنْهَا. وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْغُرَمَاءُ بِذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا تَصَرَّفُوا فِيهَا طُولِبُوا بِالدُّيُونِ كُلِّهَا. وَفِي الْكَافِي: إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ التَّرِكَةِ أَوْ الدَّيْنِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَنْفُذُ الْعِتْقُ خَاصَّةً كَعِتْقِ الرَّاهِنِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَعَ الْعِلْمِ. وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي مَأْخَذَهُمَا: أَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ، هَلْ يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ إسْقَاطَهَا بِالْتِزَامِهِمْ الْأَدَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ أَمْ لَا؟ وَفِي النَّظَرِيَّاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ: عِتْقُ الْوَرَثَةِ يَنْفُذُ مَعَ يَسَارِهِمْ، دُونَ إعْسَارِهِمْ. اعْتِبَارًا بِعِتْقِ مَوْرُوثِهِمْ فِي مَرَضِهِ. وَهَلْ يَصِحُّ رَهْنُ التَّرِكَةِ عِنْدَ الْغُرَمَاءِ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: نَمَاءُ التَّرِكَةِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِهِ أَيْضًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ. هَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ أَمْ لَا؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ، إنْ قِيلَ: إنَّ التَّرِكَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ: تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ كَالْمَرْهُونِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ رَهْنٍ يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِيهِ،

فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: تَعَلُّقَ جِنَايَةٍ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ: لَمْ تَتَعَلَّقْ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِالنَّمَاءِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَخَرَّجَ الْأَدَمِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالنَّمَاءِ مَعَ الِانْتِقَالِ أَيْضًا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. وَقَدْ يَنْبَنِي ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةِ الْوَرَثَةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرُ؟ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قَبْلُ فَوَائِدَ. قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ الْحُقُوقُ بِالنَّمَاءِ. إذْ هُوَ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ. وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ: يَتَوَجَّهُ تَعَلُّقُهَا بِالنَّمَاءِ كَالرَّهْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ. فَهَلْ تَبْتَدِئُ الْوَرَثَةُ حَوْلَ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، أَمْ لَا؟ فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا تَجْرِي فِي حَوْلِهِ حَتَّى تَنْتَقِلَ إلَيْهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ: هَلْ هُوَ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ، أَمْ هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ وَكَانَ مِمَّا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ انْبَنَى عَلَى الدَّيْنِ الْمَانِعِ: هَلْ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ فِي ابْتِدَائِهِ، أَوْ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فِي انْتِهَائِهِ خَاصَّةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ. فَيَمْتَنِعُ انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ: مَنْعُ الْوُجُوبِ هُنَا آخِرَ الْحَوْلِ فِي قَدْرِهِ أَيْضًا. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ فِي ذِمَّةِ الْوَارِثِ شَيْءٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ مَانِعٌ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَهُ شَجَرٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَمَاتَ. فَهُنَا صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُثْمِرَ، ثُمَّ يُثْمِرُ قَبْلَ الْوَفَاءِ. فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِالنَّمَاءِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِهِ، خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَنْعِ الدَّيْنِ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَارِثِ. وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ. أَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ التَّعَلُّقُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَمَا أَثْمَرَتْ. فَيَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِالثَّمَرَةِ. ثُمَّ إنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ: فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الظَّاهِرِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلَى الْوَرَثَةِ مَعَ الدَّيْنِ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْتَقِلُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتْ: تَعَلَّقَ بِهَا الدَّيْنُ. ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ: فَفِي الزَّكَاةِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَا إنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَقُلْنَا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مَعَ الدَّيْنِ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي بَابِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَلَهُ عَبِيدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَأَهَلَّ هِلَالُ الْفِطْرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِطْرَتُهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا فِطْرَةَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ حَيَوَانًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: مِنْ التَّرِكَةِ كَمُؤْنَةٍ. وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الْمَالِ، كَأُجْرَةِ الْمَخْزَنِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْمَدِينُ وَلَهُ شِقْصٌ، فَبَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُمْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا. وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ شَرِيكَ الْمَوْرُوثِ وَبِيعَ نَصِيبُ الْمَوْرُوثِ فِي دَيْنِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الشُّفْعَةُ . وَمِنْهَا: لَوْ وَطِئَ الْوَارِثُ الْجَارِيَةَ الْمَوْرُوثَةَ وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ فَأَوْلَدَهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا حَدَّ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَمَهْرُهَا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. فَفَائِدَةُ الْخِلَافِ حِينَئِذٍ فِي الْمَهْرِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَزَوَّجَ الِابْنُ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ أَبُوهُ: إنْ مِتّ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ: لَمْ تُعْتَقْ. وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَقَعُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَقَعُ. فَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ: مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: مَبْنِيٌّ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُدَبِّرْهَا الْأَبُ سَوَاءً. وَقِيلَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ، فَقَالَ: لَهُ فِي مِيرَاثِهِ أَلْفٌ. فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي إقْرَارِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ. إذْ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ

الْمِيرَاثَ. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ. فَإِنَّهُ إقْرَارٌ صَحِيحٌ. وَعَلَى هَذَا: إذَا قُلْنَا: يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْمِيرَاثَ، كَانَ مُنَاقِضًا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَتَرَكَ ابْنًا. ثُمَّ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْوَرَثَةَ. فَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ الِابْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ التَّرِكَةِ بِمِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ. وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ إجْمَاعًا. وَعَلَّلَهُ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ مَعَ الدَّيْنِ. فَانْتَقَلَ مِيرَاثُ الِابْنِ إلَى ابْنِهِ. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ: يَخْتَصُّ بِهِ وَلَدُ الصُّلْبِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْبَاقِي مِنْ الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: رُجُوعُ بَائِعِ الْمُفْلِسِ فِي عَيْنِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُفْلِسِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ امْتَنَعَ رُجُوعُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ، رَجَعَ. وَلَا سِيَّمَا وَالْحَقُّ هُنَا مُتَعَلِّقٌ فِي الْحَيَاةِ تَعَلُّقًا مُتَأَكِّدًا. وَمِنْهَا: مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ ابْنِهِ. فَقَالَ ابْنُهُ لِغُرَمَائِهِ: اُتْرُكُوا هَذِهِ الْأَلْفَ بِيَدِي، وَأَخِّرُونِي فِي حُقُوقِكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى أُوفِيَكُمْ جَمِيعَ حُقُوقِكُمْ. قَالَ: إذَا كَانُوا اسْتَحَقُّوا قَبْضَ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُونَهُ لِيُوفِيَهُمْ لِأَجَلٍ، فَتَرَكُوهَا فِي يَدَيْهِ: فَهَذَا لَا خَيْرَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَقْبِضُوا الْأَلْفَ مِنْهُ وَيُؤَخِّرُوهُ فِي الْبَاقِي مَا شَاءُوا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: تُخَرَّجُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ. قَالَ: وَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ جَازَ. وَهُوَ أَقْيَسُ بِالْمَذْهَبِ، عَلَّلَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَمِنْهَا: وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا وَنَحْوَهُ.

فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وَدِيعَةٍ لَا يَدْفَعُهَا إلَّا إلَى الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةَ الْمُطَالَبَةِ وَالرُّجُوعَ عَلَى الْمُودَعِ إذَا سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إنْ قُلْنَا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَهُمْ وِلَايَةُ الطَّلَبِ وَالْقَبْضِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْمَجْدُ: عِنْدِي أَنَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْغُرَمَاءَ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ كَالرَّهْنِ وَالْجَانِي. فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَعْضِهِمْ. انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْفَوَائِدِ مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ: رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذِهِ قِسْمَةٌ بِأَنَّ الْخَطَأَ فِيهَا. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَسَمَ أَرْضًا أَوْ مِيرَاثًا بَيْنَ شُرَكَاءَ، ثُمَّ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ، أَوْ وَارِثٌ آخَرُ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: فَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ اقْتَسَمَهَا غَرِيمَاهُ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ ثَالِثٌ دَيْنُهُ كَدَيْنِ أَحَدِهِمَا: رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِثُلُثِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَأَصْلُ هَذَا: مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِوَارِثٍ. فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ ابْنًا وَهُمَا ابْنَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الثَّانِيَةِ. بَلْ هُوَ خَطَأٌ فِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ مَا قَبَضَهُ بِحِصَّتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ كَمَفْقُودٍ رَجَعَ بَعْدَ قِسْمَةٍ وَتَلَفٍ. وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَصَلَ مَالُ الْغَائِبِ، فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا أَيْضًا. فَقَالَ: إنْ طَالَبَا جَمِيعًا اشْتَرَكَا، وَإِنْ طَالَبَ أَحَدُهُمَا: اخْتَصَّ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ. وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ: وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ وَلَهُ صَنْعَةٌ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ إحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُجْبَرُ. قَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ الرَّزِينِ. كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالتَّزْوِيجِ. حَتَّى أُمِّ وَلَدِهِ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ عَلَى قَوَدٍ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ دِيَتُهُ بِعَفْوِهِ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ مُطْلَقًا، إنْ قُلْنَا: يَجِبُ بِالْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مَبِيعٍ. إذَا كَانَ فِيهِ الْأَحَظُّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَبْقَى الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِبَقَاءِ دَيْنِهِ إلَى الْوَفَاءِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَإِيجَارِ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَفْتَقِرُ زَوَالُهُ إلَى حُكْمٍ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يَزُولُ الْحَجْرُ بِقَسْمِ مَالِهِ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ: لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ أَنْ يَحْلِفُوا) . عَدَمُ وُجُودِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ شُبْهَةٍ. قَوْلُهُ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنْ الْمُفْلِسِ، فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ: لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةً حَتَّى يَفُكَّ الْحَجْرَ عَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُبْهِجِ فِي الْجَاهِلِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ إذَا أَضَافَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ إقْرَارٍ صَحَّ. وَيُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ ". قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ. وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ. فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَظَاهِرُهُ: إنَّ هِبَةَ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَتَى تَصِحُّ هِبَةُ الْغُلَامِ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ إذَا احْتَلَمَ، أَوْ يَصِيرُ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً فِي صِحَّةِ إبْرَائِهِ. فَالْهِبَةُ مِثْلُهُ. وَيَأْتِي: هَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَغَيْرُهَا. أَمْ لَا؟ .

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ) يَعْنِي: إلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ (مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ: رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا. وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ، عَلِمَ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَجْنُونُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ السَّفِيهُ إذَا جَهِلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى الضَّمَانَ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ عَسِرٌ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَنَحْوِهِمَا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَأَمَّا إنْ حَصَلَ فِي أَيْدِيهِمْ بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ: كَالْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، وَنَحْوِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مَالًا فَأَتْلَفُوهُ. فَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُونَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ وَحْدَهُ. وَقَدْ قَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُقْنِعِ، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ: بِضَمَانِ الْعَبْدِ إذَا أَتْلَفَ الْوَدِيعَةَ. وَأَطْلَقَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: الْخِلَافَ فِي ضَمَانِ الصَّبِيِّ الْوَدِيعَةَ إذَا أَتْلَفَهَا. وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ، وَالسَّفِيهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الْمُحَرَّرُ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا مُحَرَّرًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَنَوْا فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَضْمَنُونَ أَيْضًا: إذَا أَتْلَفُوا شَيْئًا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِمْ. قَوْلُهُ (وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَرَشَدَا: انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ مَا بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يَنْفَكُّ فِي الصَّبِيِّ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَيَنْفَكُّ فِي غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ. قَوْلُهُ (وَالْبُلُوغُ: يَحْصُلُ بِالِاحْتِلَامِ) بِلَا نِزَاعٍ (أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحَكَى عَنْهُ رِوَايَةً: لَا يَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِالْإِنْبَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِإِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَعَنْهُ: الذَّكَرُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ (وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ) بِلَا نِزَاعٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: وَحَمْلُهَا دَلِيلُ إنْزَالِهَا. وَقَدْرُهُ: أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَكَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَعَنْهُ لَا يَحْصُلُ بُلُوغُهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ أَوَّلُ. فَائِدَةٌ: لَوْ وُجِدَ مَنِيٌّ مِنْ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ: فَهُوَ عَلَمٌ عَلَى بُلُوغِهِ. وَكَوْنِهِ رَجُلًا. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ أَوْ حَاضَ: كَانَ عَلَمًا عَلَى بُلُوغِهِ، وَكَوْنِهِ امْرَأَةً. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْإِنْزَالَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ احْتَلَمَ مِنْهُ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ خِلْقَةً زَائِدَةً. وَإِنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: فَبَالِغٌ، بِلَا إشْكَالٍ. انْتَهَى. وَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ذَكَرِهِ، وَالْحَيْضُ مِنْ فَرْجِهِ: فَمُشْكِلٌ. وَيَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْقَاضِي: يَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْخُنْثَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْبُلُوغُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ: فَمُشْكِلٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يَثْبُتُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْصُلُ الْبُلُوغُ بِذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: يَحْصُلُ بِهِ.

قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ أَمْنَى. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ أَمْنَتْ وَحَاضَتْ. وَكِلَاهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ. ثُمَّ وَجَدْتُ صَاحِبَ الْحَاوِي الْكَبِيرِ قَطَعَ بِذَلِكَ. وَعَلَّلَهُ بِمَا قُلْنَا. قَوْلُهُ (وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ) . يَعْنِي لَا غَيْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الرُّشْدُ الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَنَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ) يَعْنِي: بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَيُؤْنَسُ رُشْدُهُ (فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ: فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَلَا يُغْبَنُ) . يَعْنِي لَا يُغْبَنُ فِي الْغَالِبِ. وَلَا يُفْحَشُ قَوْلُهُ وَأَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدَيْهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، كَالْقِمَارِ، وَالْغِنَاءِ، وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَنَحْوِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمَاعَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ التَّبْذِيرَ وَالْإِسْرَافَ: مَا أَخْرَجَهُ فِي الْحَرَامِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْ يَصْرِفُهُ فِي صَدَقَةٍ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ، أَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَثِقْ بِإِيمَانِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا أَخْرَجَ فِي مُبَاحٍ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ وَرَشَدَتْ: دَفَعَ إلَيْهَا مَالَهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْغُلَامِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَدْفَعُ إلَى الْجَارِيَةِ مَالَهَا، وَلَوْ بَعْدَ رُشْدِهَا، حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ، أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَقِيلَ: يَبْقَى الْحَجْرُ عَلَيْهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَبْقَى مَا لَمْ تُعَنِّسْ. قَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ يَدْفَعُ إلَيْهَا مَالَهَا، إذَا عَنَّسَتْ وَبَرَزَتْ لِلرِّجَالِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُ الِاخْتِبَارِ: قَبْلَ الْبُلُوغِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: بَعْدَهُ لِلْجَارِيَةِ لِنَقْصِ خِبْرَتِهَا، وَقَبْلَهُ لِلْغُلَامِ. فَائِدَةٌ: لَا يُخْتَبَرُ إلَّا الْمُمَيِّزُ وَالْمُرَاهِقُ الَّذِي يَعْرِفُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ، وَبَيْعُ الِاخْتِبَارِ وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ: التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا لِلْأَبِ) . يَسْتَحِقُّ الْأَبُ الْوِلَايَةَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا. وَيَكْفِي كَوْنُهُ مَسْتُورَ الْحَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: وَلِيُّهُمَا الْأَبُ مَا لَمْ يُعْلَمْ فِسْقُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَوَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْأَبُ، ثُمَّ الْوَصِيُّ الْعَدْلَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ لِوَصِيِّهِ. ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) أَنَّ الْجَدَّ وَالْأُمَّ وَسَائِرَ الْعَصَبَاتِ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: لِلْجَدِّ وِلَايَةٌ. فَعَلَيْهَا: يُقَدَّمُ عَلَى الْحَاكِمِ بِلَا نِزَاعٍ. وَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الزُّبْدَةِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ لِلْأُمِّ وِلَايَةً. وَقِيلَ: لِسَائِرِ الْعَصَبَةِ وِلَايَةٌ أَيْضًا بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. ثُمَّ قَالَ، قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ حَجْرُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ عِنْدَ خَرَفِهِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَيْثُ قُلْنَا: لِلْأُمِّ وَالْعَصَبَةِ وِلَايَةٌ: أَنَّهُمْ كَالْجَدِّ فِي التَّقْدِيمِ عَلَى الْحَاكِمِ وَعَلَى الْوَصِيِّ، عَلَى الصَّحِيحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ فِي الْحَاكِمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَبِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ: فَأَمِينٌ يَقُومُ بِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: الْحَاكِمُ الْعَاجِزُ كَالْعَدَمِ. الثَّانِيَةُ: يَلِي كَافِرٌ عَدْلٌ مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ.

قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَيَلِي الْكَافِرُ الْعَدْلُ فِي دِينِهِ: مَالَ وَلَدِهِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلِيهِ، وَإِنَّمَا يَلِيهِ الْحَاكِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي: هَلْ يَلِي مَالَ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي يَلِي نِكَاحَهَا مِنْ مُسْلِمٍ؟ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ " مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا يَشْمَلُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا. إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ تَبَرَّعَ، أَوْ حَابَى، أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ: ضَمِنَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلَا يَبِيعُهُمَا إلَّا الْأَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الشِّرَاءُ مِنْ مَالِهِمَا إنْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُهُ هُوَ.، وَيُسْتَقْصَى فِي الثَّمَنِ بِالنِّدَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ مَجَّانًا مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْهُ يَجُوزُ مَجَّانًا لِمَصْلَحَةٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، بَانَ تُسَاوِي أَمَةٌ وَوَلَدُهَا مِائَةً وَيُسَاوِي أَحَدُهُمَا مِائَةً. قُلْت: وَلَعَلَّ هَذَا كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ مُكَاتَبَةِ رَقِيقِهِمَا وَعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَظٌّ لَهُمَا. مِثْلُ: أَنْ يُسَاوِيَ أَلْفًا فَيُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَيْهِمَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لَهُمَا لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ (وَتَزْوِيجُ إمَائِهِمَا) . . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلَهُ تَزْوِيجُ إمَائِهِمَا إذَا وَجَبَ تَزْوِيجُهُنَّ، بِأَنْ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ، أَوْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَقَطَعَا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِخَوْفِ فَسَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. فَائِدَةٌ: الْعَبِيدُ فِي ذَلِكَ كَالْإِمَاءِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُزَوِّجُ الْأَمَةَ وَإِنْ جَازَ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ، لِتَأَكُّدِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا. قُلْت: يَحْتَمِلُ الْعَكْسَ، لِرَفْعِ مُؤْنَتِهَا وَحُصُولِ صَدَاقِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ (وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا) . إذَا أَرَادَ الْوَالِي السَّفَرَ بِمَالِهِمَا.، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا. فَإِنْ سَافَرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ جَازَ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَا يَتَّجِرُ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْآمِنَةِ.

وَحَمَلَ الشَّارِحُ وَابْنُ مُنَجَّى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَافَرَ بِهِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، مِثْلُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ سَفَرٌ: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَلَا يُسَافِرُ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَهُ السَّفَرُ بِمَالِهِ، خِلَافًا لِلْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي. وَلَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ فِي الْكَافِي وَالْمُغْنِي بِجَوَازِ السَّفَرِ بِهِ لِلتِّجَارَةِ، وَمُنِعَ مِنْ السَّفَرِ لِغَيْرِهَا. قَوْلُهُ (وَالْمُضَارَبَةُ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي مَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً. بَلْ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ اتَّجَرَ بِنَفْسِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ.

قَوْلُهُ (بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ) هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. وَقِيلَ: بِأَقَلِّهِمَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَبَيْعُهُ نَسَاءً) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ بَيْعُهُ نَسَاءً عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَبَيْعُهُ نَسَاءً مَلِيئًا بِرَهْنٍ يَحْفَظُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَقَرْضُهُ) يَجُوزُ قَرْضُهُ لِمَصْلَحَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلِمَصْلَحَةٍ يُقْرِضُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ قَرْضُهُ، عَلَى الْأَصَحِّ، لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهُ قَرْضُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَلِيئًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُقْرِضُهُ لِحَاجَةِ سَفَرٍ، أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ لَا يُقْرِضُهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (بِرَهْنٍ)

هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فَقَالَ: يُقْرِضُهُ بِرَهْنٍ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ: لِحَظِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي قَرْضِهِ بِرَهْنٍ وَإِشْهَادٍ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَفِي قَرْضِهِ بِرَهْنٍ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ قَرْضِهِ لِلْمَصْلَحَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِرَهْنٍ أَوْ لَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَمْلِكُ قَرْضَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ رَهْنًا جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ الرَّهْنِ. فَالْأَوْلَى لَهُ أَخْذُهُ احْتِيَاطًا. فَإِنْ تَرَكَهُ: احْتَمَلَ أَنْ يَضْمَنَ إنْ ضَاعَ الْمَالُ لِتَفْرِيطِهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ الرَّهْنَ. قُلْت: إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَأَقْرَضَهُ ثُمَّ تَلِفَ: لَمْ يَضْمَنْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إيدَاعُهُ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَظَاهِرُهُ: مَتَى جَازَ قَرْضُهُ جَازَ إيدَاعُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: يَجُوزُ إيدَاعُهُ. لِقَوْلِهِمْ " يَتَصَرَّفُ بِالْمَصْلَحَةِ " وَقَدْ يَرَاهُ مَصْلَحَةً. وَلِهَذَا جَازَ مَعَ إمْكَانِ قَرْضِهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الشَّرِيكُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، دُونَ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. الْوَدِيعَةُ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظٍ. وَلَا سِيَّمَا إنْ جَازَ

لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ. وَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ فِي الْمُودَعِ رِوَايَةٌ. وَيَتَوَجَّهُ أَيْضًا فِي قَرْضِ الشَّرِيكِ رِوَايَةٌ. قَالَ: وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يُودِعُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَيُقْرِضُهُ لِحَظِّهِ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنَّهُ لَوْ سَافَرَ أَوْدَعَهُ. وَقَرْضُهُ أَوْلَى. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: يُقْرِضُهُ. فَلَا يُقْرِضُهُ لِمَوَدَّةٍ وَمُكَافَأَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ: وَلَا يَقْتَرِضُ وَصِيٌّ وَلَا حَاكِمٌ مِنْهُ شَيْئًا. وَيَأْتِي فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَحَظَّ. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ رَهْنُ مَالِهِمَا لِلْحَاجَةِ عِنْدَ ثِقَةٍ. وَلِلْأَبِ أَنْ يَرْتَهِنَ مَالَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي الْمُغْنِي رِوَايَةٌ: بِالْجَوَازِ لِغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهَا نَظَرٌ. قَوْلُهُ (وَشِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا. وَلَهُ بِنَاؤُهُ بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ) هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالشَّارِحُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْنِيهِ بِالْآجُرِّ وَالطِّينِ. وَلَا يَبْنِيهِ بِاللَّبِنِ وَحَمَلَا كَلَامَهُمْ عَلَى مَنْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى. وَأَجْرَاهُ فِي الْفَائِقِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَجَعَلَ الْأَوَّلَ اخْتِيَارَ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِلْيَتِيمِ الْمُوسِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. يَعْنِي يُسْتَحَبُّ لَهُ شِرَاؤُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالتَّضْحِيَةُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ. فَالْمَوْضِعُ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ: إذَا كَانَ الطِّفْلُ لَا يَعْقِلُ التَّضْحِيَةَ، وَلَا يَفْرَحُ بِهَا، وَلَا يَنْكَسِرُ قَلْبُهُ، بِتَرْكِهَا. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَهَا: عَكْسُ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي النَّظْمِ قَوْلًا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْيَتِيمِ الْمُوسِرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ مِنْهَا بِشَيْءٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. فَيُعَايَى بِهَا. قُلْت: وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ التَّصَدُّقِ مِنْهَا بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ: لَكَانَ مُتَّجَهًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَهُ تَعْلِيمُهُ مَا يَنْفَعُهُ وَمُدَاوَاتُهُ بِأُجْرَةٍ لِمَصْلَحَةٍ فِي ذَلِكَ وَحَمْلُهُ بِأَجْرٍ لِيَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالصَّدَقَةِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرَةِ أَنْ تَلْعَبَ بِاللُّعَبِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُصَوَّرَةٍ، وَشِرَاؤُهَا لَهَا بِمَالِهَا. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: مِنْ مَالِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمْ. إلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ غِبْطَةٍ. وَهُوَ أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا)

اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِجَوَازِ بَيْعِ عَقَارِهِمْ وُجُودَ أَحَدِ شَيْئَيْنِ: إمَّا الضَّرُورَةُ، وَإِمَّا الْغِبْطَةُ. فَأَمَّا الضَّرُورَةُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَكِنْ خَصَّ الْقَاضِي الضَّرُورَةَ بِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِغَرَقٍ أَوْ خَرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَكَلَامُهُمْ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَالْفَائِقِ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا الْغِبْطَةُ: فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لَهَا، بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ " أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا " وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالثُّلُثِ وَلَا غَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. سَوَاءٌ حَصَلَ زِيَادَةٌ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا نَصُّهُ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ

قَوْلُهُ (وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَعَاوَدَ السَّفَهَ: أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ، أَوْ أَبُوهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: حَجْرُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الْبَالِغِ السَّفِيهِ وَاجِبٌ عَلَى أُصُولِهِ، حَاكِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَاكِمٍ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ فِيهِ وَلِيُّهُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا. وَقِيلَ: إنْ زَالَ الْحَجْرُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ بِلَا حُكْمٍ عَادَ بِالسَّفَهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ جُنَّ بَعْدَ رُشْدِهِ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْحَاكِمُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَلِي عَلَى أَبَوَيْهِ الْمَجْنُونَيْنِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَرَى أَنْ يَحْجُرَ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ إذَا أَسْرَفَ، أَوْ كَانَ يَضَعُ مَالَهُ فِي الْفَسَادِ، أَوْ شِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ إلَّا بِحُكْمٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ فِي غَيْرِ السَّفِيهِ. فَأَمَّا فِي السَّفِيهِ: فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِفَكِّهِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَهُ حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى الزَّوَاجِ. فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُمْ قَالُوا: يَصِحُّ بِإِذْنِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ. فَلَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ، وَأَطْلَقَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ تَزْوِيجُ سَفِيهٍ بِلَا إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. فَمِلْكُهُ أَوْلَى كَالْبَيْعِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْمَنْعُ أَقْيَسُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي بَابِ النِّكَاحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي النِّكَاحِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْإِجْبَارُ إذَا كَانَ أَصْلَحَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي النِّكَاحِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَهُ إجْبَارُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَذِنَ لَهُ، فَفِي تَعْيِينِ الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ بِالتَّعْيِينِ، بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الْمَرْأَةَ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ مُطْلَقًا. وَنَصَرَاهُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْمَرْأَةِ لَهُ. وَيَتَقَيَّدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ لُزُومُهُ زِيَادَةً إذْنٍ فِيهَا كَتَزْوِيجِهِ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ هِيَ لِلنَّهْيِ عَنْهَا. فَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَ الْوَلِيَّ. وَإِنْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ اسْتَقَلَّ بِالزَّوَاجِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ عُلِمَ مِنْ السَّفِيهِ أَنَّهُ يُطَلِّقُ إذَا زُوِّجَ: اشْتَرَى لَهُ أَمَةً. الرَّابِعَةُ: يَصِحُّ خُلْعُهُ كَطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ وَلِعَانِهِ وَإِيلَائِهِ، لَكِنْ لَا يَقْبِضُ الْعِوَضَ. فَإِنْ قَبَضَهُ: لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ. وَلَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ وَجَبَ عَلَى السَّفِيهِ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْمُفْلِسِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يُكَفِّرُ بِهِ إنْ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ: أَعْتَقَ. السَّادِسَةُ: يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِنْ أَفْسَدَهَا دَفَعَ إلَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ. فَلَوْ أَفْسَدَهَا أَطْعَمَهُ بِحُضُورِهِ. وَإِنْ أَفْسَدَ كِسْوَتَهُ سَتَرَ عَوْرَتَهُ فَقَطْ فِي الْبَيْتِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّحَيُّلُ وَلَوْ بِتَهْدِيدٍ. وَإِذَا رَآهُ النَّاسُ أَلْبَسَهُ. فَإِذَا عَادَ نَزَعَ عَنْهُ. السَّابِعَةُ: يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَيَأْتِي وَصِيَّتُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَصِحُّ عِتْقُهُ عَلَى الْأَضْعَفِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَيَصِحُّ عِتْقُهُ الْمُنَجَّزُ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ؟ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ: صَحَّ، وَأُخِذَ بِهِ) إذَا أَقَرَّ بِحَدٍّ: اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ، فَطَلَبَ إقَامَتَهُ: كَانَ لِرَبِّهِ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجِبَ، لِئَلَّا يَتَّخِذَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ. وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ: سَدُّ الذَّرَائِعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَا يُفَرِّقُ السَّفِيهُ زَكَاةَ مَالِهِ بِنَفْسِهِ. وَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُ، وَلَا حَوَالَتُهُ. وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ، وَلَا ضَمَانُهُ، وَلَا كَفَالَتُهُ. وَيَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ كُلِّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ عِبَادَةٍ مَالِيَّةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ نَذْرُهَا وَتُفْعَلُ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ فَكِّ حَجْرِهِ كَالْإِقْرَارِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحَجِّ " إذَا أَحْرَمَ السَّفِيهُ نَفْلًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ)

يَعْنِي يَصِحُّ إقْرَارُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ، لَزِمَهُ بِاخْتِيَارٍ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ، أَوْ بِمَا يُوجِبُ مَالًا: لَزِمَهُ بَعْدَ حَجْرِهِ، إنْ عُلِمَ اسْتِحْقَاقُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَالَ حَجْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا) وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَالٍ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ السَّفِيهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَأْكُلُ إذَا قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ آخَرُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَأْكُلُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ) . جَوَازُ أَكْلِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ كِفَايَتِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، أَوْ قَدْرَ كِفَايَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الظَّاهِرُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ (إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ: لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَى الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

أَوْ يُقَالُ: هَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْأَخْذِ؟ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. أَوْ حَيْثُ اسْتَغْنَى امْتَنَعَ الْأَخْذُ؟ قَوْلُهُ (إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَّا مَعَ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَأْكُلُ الْفَقِيرُ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ الْأَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ مَجَّانًا، إنْ شَغَلَهُ عَنْ كَسْبِ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَأْكُلُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، قِيَاسًا عَلَى الْعَامِلِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ: الْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَأْكُلُ فَقِيرٌ وَمَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ مَعَاشِهِ بِالْمَعْرُوفِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَبِ. فَأَمَّا الْأَبُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْحُكْمِ. وَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ لِأَجْلِ عَمَلِهِ، لِغِنَاهُ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ فِي مَالِهِ. وَلَكِنْ لَهُ الْأَكْلُ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ عِنْدَنَا. وَضَعَّفَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ فَرَضَ لَهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا: جَازَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا مَعَ غِنَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْبُزْرَاطِيِّ فِي الْأُمِّ الْحَاضِنَةِ قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذَلِكَ إذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ بِيَسَارِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إذَا أَيْسَرَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ) . خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَحَرْبٍ: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّخْرِيجِ قُلْت: وَإِلْحَاقُهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ فِي الْأَكْلِ مَعَ الْغِنَى: أَوْلَى. كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَكْلِهِ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَقْرًا؟ ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي الْوَقْفِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا بَأْسَ. قُلْت: فَيَقْضِي دَيْنَهُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَأْكُلُ إذَا اشْتَرَطَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُقَدَّمُ بِمَعْلُومِهِ بِلَا شَرْطٍ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ مَعَ فَقْرِهِ كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُوَافَقَتُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ. وَالْوَكِيلُ يُمْكِنُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ يَقُومَانِ بِأَمْرِهِ يَأْكُلَانِ بِالْمَعْرُوفِ. لِأَنَّهُمَا كَالْأَجِيرِ وَالْوَكِيلِ. وَظَاهِرُ هَذَا: النَّفَقَةُ لِلْوَكِيلِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ إذَا نَظَرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَقَالَ الْقَاضِي مَرَّةً: لَا يَأْكُلُ. وَإِنْ أَكَلَ الْوَصِيُّ. فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ. وَقَالَ مَرَّةً: لَهُ الْأَكْلُ. كَوَصِيِّ الْأَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: الْوَكِيلُ فِي الصَّدَقَةِ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا لِأَجْلِ الْعَمَلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِتَفْرِقَةِ مَالٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ فِي حَيَاتِهِ مَالًا لِيُفَرِّقَهُ صَدَقَةً: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا بِحَقِّ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ. وَلَيْسَ بِعَامِلٍ مُنَمٍّ مُثْمِرٍ. قَوْلُهُ (وَمَتَى زَالَ الْحَجْرُ، فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) بِلَا نِزَاعٍ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقَالَ: مَا لَمْ تُخَالِفْهُ عَادَةٌ وَعُرْفٌ. وَيَحْلِفُ غَيْرُ الْحَاكِمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْلِفُ غَيْرُ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَغَيْرُ الْحَاكِمِ يَحْلِفُ. عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ اُتُّهِمَ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي وَصِيِّ الْيَتِيمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِدُونِ بَيِّنَةٍ. وَعَزَاهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ إلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالدَّفْعِ مَأْمُورٌ بِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ بِجُعْلٍ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ فِي الرَّهْنِ. قِيلَ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ. فَائِدَةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْحَاكِمِ، وَأَمِينِهِ، وَحَاضِنِ الطِّفْلِ، وَقَيِّمِهِ، حَالَ الْحَجْرِ وَبَعْدَهُ، فِي النَّفَقَةِ وَقَدْرِهَا وَجَوَازِهَا وَوُجُودِ الضَّرُورَةِ وَالْغِبْطَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّلَفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ إلَّا فِي الْأَحَظِّيَّةِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَلَوْ قَالَ (مَاتَ أَبِي مِنْ سَنَةٍ) أَوْ قَالَ (أَنْفَقْت عَلَيَّ مِنْ سَنَةٍ) فَقَالَ الْوَصِيُّ: بَلْ مِنْ سَنَتَيْنِ. قُدِّمَ قَوْلُ الصَّبِيِّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ الْهِبَةِ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَتَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِهَا بِمَا شَاءَتْ. عَلَى الْأَظْهَرِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ. فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. فَأَمَّا غَيْرُ الرَّشِيدَةِ: فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ " أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا فِي التَّبَرُّعِ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ. صَحَّحَهَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ " إذَا تَبَرَّعَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا ". قَوْلُهُ (يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ إلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ) . يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ فِيمَا أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: لَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ مَا. لِأَنَّهُ لَوْ انْفَكَّ لَمَا تُصُوِّرَ عَوْدُهُ، وَلَمَا اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَبْدِ بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ) . يَعْنِي يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ فِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ فَقَطْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذُكِرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي نَوْعٍ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ غَيْرِهِ مَلَكَهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ كَمُضَارِبٍ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً وَغَيْرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ فِي جَوَازِ إجَارَةِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ: لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ، وَفِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ. وَلَكِنْ يَكُونُ تَغْرِيرًا. فَيَكُونُ ضَامِنًا، بِحَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالضَّمَانِ. فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا كَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا نَقُولُ فِيمَنْ قَدَرَ عَلَى إنْجَاءِ إنْسَانِ مِنْ هَلَكَةٍ. بَلْ الضَّمَانُ هُنَا أَقْوَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِدُونِ إذْنٍ أَوْ عُرْفٍ. جَعَلَهُ أَصْلًا فِي عَدَمِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ. فَائِدَةٌ: هَلْ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ؟ قَالَ فِي الْكَافِي: هُوَ كَالْوَكِيلِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ مُطْلَقًا، لَكَانَ مُتَّجَهًا. قَوْلُهُ (وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، إلَّا الْمَأْذُونُ لَهُ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْعَبْدِ إذَا اسْتَدَانَ حَالَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ. فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، لَكِنْ إنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنِ الْمَالِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْغَيْرِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، أَوْ كَالْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ، وَصَاحِبُ الشَّرْحِ وَغَيْرُهُمَا: احْتِمَالَيْنِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ وَجَدَ مَا أَخَذَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ. فَإِنْ تَلِفَ مِنْ الْعَبْدِ فِي يَدِ السَّيِّدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَإِنْ شَاءَ كَانَ مُتَعَلِّقُهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ أَهْلَكَهُ الْعَبْدُ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ يُسَلِّمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ. وَعَنْهُ: إنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِكُلِّ الْحَقِّ بَالِغًا مَا بَلَغَ. ذَكَرَهَا فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ رَبُّ الْعَيْنِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ. فَعَلَى السَّيِّدِ الَّذِي عَلَيْهِ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ إذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ بِالْمُسَمَّى وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا بِقِيمَتِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا: إنْ وَجَدَهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ انْتَزَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ لِتَحَقُّقِ إعْسَارِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ السَّيِّدِ: لَمْ يُنْتَزَعْ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: جَوَازَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ. انْتَهَى. وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَهَلْ يَتَعَلَّقُ ثَمَنُهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ أَوْ بِذِمَّتِهِ؟ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. وَكَذَا إنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمُسَمَّى، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ: أَنَّهُ لَا يُنْتَزَعُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَأَنَّ الثَّمَنَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَالَ: وَيَظْهَرُ قَوْلُ الْمَجْدِ: إنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُقْرِضُ بِالْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَيَتَوَجَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ، وَيَسْتَدِينَ. فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ. وَتَصَرُّفٌ فِي بَيْعِ خِيَارٍ بِفَسْخٍ أَوْ إمْضَاءٍ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ. وَيَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ بِعَزْلِ سَيِّدِهِ لِلْمُوَكِّلِ. فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبَنَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَعَ الْإِذْنِ هَلْ هُوَ لِسَيِّدِهِ. فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ كَوَكِيلِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَبِرَقَبَتِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: يُؤْخَذُ السَّيِّدُ بِمَا اسْتَدَانَ لِمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَقَطْ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا ادَّانَ فَعَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ جَنَى فَعَلَى سَيِّدِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا: لَزِمَهُ كُلُّ مَا ادَّانَ. وَإِنْ قَيَّدَهُ بِنَوْعٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِدَانَةً، فَبِرَقَبَتِهِ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: يَكُونُ التَّعَلُّقُ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ

الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ: يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَالَتَيْنِ: إنَّمَا هُوَ فِي الدُّيُونِ. أَمَّا أُرُوشُ جِنَايَتِهِ، وَقِيَمُ مُتْلَفَاتِهِ: فَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ: إنْ جَنَى فَعَلَى سَيِّدِهِ. الثَّالِثُ: عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَعَلَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ مَحَلَّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا عَجَزَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ الدَّيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ مَا اسْتَدَانَهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ حُكْمُ مَا اسْتَدَانَهُ لِلتِّجَارَةِ بِإِذْنِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَطَعَ فِي التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ بِلُزُومِهِ لِلسَّيِّدِ، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ. الثَّانِيَةُ: لَا فَرْقَ فِيمَا اسْتَدَانَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، أَوْ فِي الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الْبُرِّ فَيَتَّجِرُ فِي غَيْرِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ شَيْئًا: لَمْ يَصِحَّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ

ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي الْآخَرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِهِ " وَكَذَا شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ ثَبَتَ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ أَرْشُ جِنَايَةٍ ثُمَّ مَلَكَهُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ الْأَرْشُ: سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: إنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ التِّجَارَةِ، إنْ كَانَ يَسِيرًا. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: صِحَّةَ إقْرَارِ الْمُمَيِّزِ. وَذَكَرَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُمَيِّزَ إنْ أَقَرَّا بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ: لَزِمَ. وَإِنْ أَقَرَّا بِمَالٍ أُخِذَ بَعْدَ الْحَجْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

وَيَأْتِي هُنَاكَ إقْرَارُ الْعَبْدِ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمُنِعَ فِي الِانْتِصَارِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِلَا إذْنِهِ: صَحَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لَهُ. وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَالْفُرُوعِ. وَزَادَ: لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَزَوْجِ صَاحِبَةِ الْمَالِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ الْكِتَابَةِ: وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ: انْفَسَخَ نِكَاحُهَا. وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَةَ سَيِّدِهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَى امْرَأَةَ سَيِّدِهِ، أَوْ صَاحِبَةَ الْمَالِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنُ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَقِيلَ: يُبَاعُ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُعْتَقُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَيَأْتِي نَظِيرُهَا " لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ: هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِالتَّمْلِيكِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ فَوَائِدَ جَمَّةً. ذَكَرَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هُنَا. فَلْتُرَاجَعْ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِالْإِبَاقِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَبْطُلُ إذْنُهُ بِإِبَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. فَائِدَةٌ: لَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ اسْتَوْلَدَهَا: لَمْ يَبْطُلْ إذْنُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي بُطْلَانِ إذْنِهِ بِكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَأَسْرٍ: خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِحُرِّيَّةٍ وَغَيْرِهَا كَحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْمُسْتَوْعِبِ: يَبْطُلُ إذْنُهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ سَبْيٍ. وَجَزَمَا بِأَنَّهُ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِإِيلَادِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكِسْوَةِ الثِّيَابِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ (هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ) وَكَذَا عَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ فِي الْكُلِّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْح، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي لِلْعَبْدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. فَائِدَةٌ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: الْمِلْكِ، وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ: لَهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ يَضْطَرِبَ الْعُرْفُ، وَيَشُكُّ فِي رِضَاهُ. أَوْ يَكُونُ بَخِيلًا، وَتَشُكُّ فِي رِضَاهُ. فَلَا يَصِحُّ.

باب الوكالة

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ كَصَدَقَةِ الرَّجُلِ مِنْ طَعَامِ الْمَرْأَةِ. وَكَمَنْ يُطْعِمُهَا بِفَرْضٍ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:. [بَابُ الْوَكَالَةِ] ِ فَائِدَةٌ " الْوَكَالَةُ " عِبَارَةٌ عَنْ إذْنٍ فِي تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ الْآذِنُ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِنَابَةِ الْجَائِزِ التَّصَرُّفِ مِثْلَهُ فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ حَالَ الْحَيَاةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ فِي الِاصْطِلَاحِ: التَّفْوِيضُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ فِي الْحَيَاةِ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِنَابَةِ الْغَيْرِ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ. قَوْلُهُ (تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ) . كَقَوْلِهِ " وَكَّلْتُك فِي كَذَا " أَوْ " فَوَّضْته إلَيْك " أَوْ " أَذِنْت لَك فِيهِ " أَوْ " بِعْهُ " أَوْ " أَعْتِقْهُ " أَوْ " كَاتِبْهُ " وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: إذَا قَالَ " بِعْ هَذَا " لَيْسَ بِشَيْءٍ، حَتَّى يَقُولَ " قَدْ وَكَّلْتُك ". قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ قَبْلَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِسَطْرَيْنِ هَذَا سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّوْكِيلِ. وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. انْتَهَى. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى التَّأْكِيدِ، لِنَصِّهِ عَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِاللَّفْظِ وَالْمُعَاطَاةِ. فَكَذَا الْوَكَالَةُ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا دَأْبُ شَيْخِنَا: أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَظْهَرِهِ، وَيَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ لَفْظٍ رِوَايَةٌ. وَيُصَحِّحُ الصَّحِيحَ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى هَذَا حَتَّى لَا يَصِيرَ الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَكُلُّ مَقَالٍ يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِذْنُ صَحَحْنَ ... بِهِ عَقْدَهَا مِنْ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِ وَعَنْهُ: سِوَى فَوَّضْت أَمْرَ كَذَا لَهُ ... وَوَكَّلْته فِيهِ اُرْدُدْنَهُ فَنَفِّدْ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: دَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمُ عَلَى انْعِقَادِ الْوَكَالَةِ بِالْفِعْلِ مِنْ الْمُوَكِّلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ، أَوْ خَيَّاطٍ. وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَكُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ) . يَصِحُّ الْقَبُولُ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ الْوَكِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، كَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، فِي أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ مِثْلُ الْوَكَالَةِ.

الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ تَعْيِينُ الْوَكِيلِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. فِي مَسْأَلَةِ: تَصَدَّقْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ: لَمْ تَصِحَّ. الثَّالِثَةُ: تَصِحُّ الْوَكَالَةُ مُؤَقَّتَةً بِلَا نِزَاعٍ، وَمُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ كَوَصِيَّةٍ، وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ، وَقَضَاءٍ، وَإِمَارَةٍ وَكَتَعْلِيقِ تَصَرُّفٍ. كَقَوْلِهِ " وَكَّلْتُك الْآنَ أَنْ تَبِيعَ بَعْدَ شَهْرٍ " أَوْ " تَعْتِقَهُ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ " أَوْ " تُطَلِّقَ هَذِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ ". وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي تَعْلِيقِ وَقْفٍ بِشَرْطٍ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ تَوْكِيلٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ تَصَرُّفٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْوَكَالَةَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا. فَهُوَ كَعَزْلِهِ نَفْسَهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ لَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ فِي شَيْءٍ، إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ، أَوْ فِي طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا: لَمْ يَصِحَّ. إذْ الْبَيْعُ وَالطَّلَاقُ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْحَالِ. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ

فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا، وَإِنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ، فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي عِتْقِهِ: صَحَّ. إنْ قُلْنَا: يَصِحُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى مِلْكَيْهِمَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ مَا إذَا قَالَ: إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: صِحَّةُ تَوْكِيلِ الْحُرِّ الْوَاجِدِ الطَّوْلَ فِي قَبُولِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ، وَصِحَّةُ تَوْكِيلِ الْغَنِيِّ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ لِفَقِيرٍ؛ لِأَنَّ سَلْبَهُمَا الْقُدْرَةَ تَنْزِيهًا لِمَعْنًى يَقْتَضِي مَنْعَ الْوَكَالَةِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بِالْوَكَالَةِ، وَامْرَأَةً غَيْرَهَا. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْبَلَ نِكَاحَ أُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: صِحَّةُ وَكَالَةِ الْمُمَيِّزِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ: مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِيهِ لِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ: رِوَايَتَانِ بِلَا إذْنٍ. وَفِيهِ فِي الْمُذْهَبِ لِنَفْسِهِ رِوَايَتَانِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَكَّلَ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ. وَأَحْكَامًا أُخَرَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ: مِنْ الْعُقُودِ، وَالْفُسُوخِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ) . يَشْمَلُ كَلَامَهُ: الْحَوَالَةَ، وَالرَّهْنَ، وَالضَّمَانَ، وَالْكَفَالَةَ، وَالشَّرِكَةَ، وَالْوَدِيعَةَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَالْجِعَالَةَ، وَالْمُسَاقَاةَ، وَالْإِجَارَةَ، وَالْقَرْضَ، وَالصُّلْحَ، وَالْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ، وَالْوَصِيَّةَ، وَالْإِبْرَاءَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالْإِنْفَاقُ، وَالْقِسْمَةُ. وَالْحُكُومَةُ، وَكَذَا الْوَكَالَةُ فِي الْوَقْفِ: ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَحَكَاهُ فِي الْجَمِيعِ إجْمَاعًا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ) . يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ أَوْ غَرِيمَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ فِي إعْتَاقِ عَبِيدِهِ، وَإِبْرَاءِ غُرَمَائِهِ، وَطَلَاقِ نِسَائِهِ: لَمْ يَمْلِكْ عِتْقَ نَفْسِهِ، وَلَا طَلَاقَهَا، وَلَا إبْرَاءَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. . وَقِيلَ: يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ فِي الْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. . نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُخْتَانَ وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا. وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ أَخْذِهِ مِنْهُ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُغْنِي. وَيَأْتِي فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ: هَلْ لِلْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ، أَمْ لَا الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهِ إقْرَارٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفَخْرِ فِي طَرِيقَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَالتَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ: إقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَفِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ: وَجْهَانِ. وَقِيلَ: التَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ: إقْرَارٌ. وَقِيلَ: يَقُولُ " جَعَلْته مُقِرًّا " انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُقِرُّ بِهِ، وَإِلَّا رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ. قَوْلُهُ (وَتُمْلَكُ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهِ) .

كَإِحْيَاءٍ لِلْمَوَاتِ، وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ. يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ. فَجَازَ كَالِابْتِيَاعِ وَالِاتِّهَابِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ وَالْوَكَالَةُ فِي تَمَلُّكِ مُبَاحٍ فِي الْأَصَحِّ. كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْوَكَالَةِ. هُوَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ. فَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مَلَكَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: مَنْ وُكِّلَ فِي احْتِشَاشٍ وَاحْتِطَابٍ فَهَلْ يَمْلِكُ الْوَكِيلُ مَا أَخَذَهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا الظِّهَارَ وَاللِّعَانَ وَالْأَيْمَانَ) . وَكَذَا الْإِيلَاءُ، وَالْقَسَامَةُ، وَالشَّهَادَةُ، وَالْمَعْصِيَةُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ فِي الْعِبَادَاتِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُقْبَلُ لَهُ النِّكَاحُ وَمَنْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ: تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ " قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ " وَنَوَى أَنَّهُ قَبِلَهُ لِمُوَكِّلِهِ. وَيَذْكُرُهُ: صَحَّ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ ضِدَّهُ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ " قَبِلْت نِكَاحَهَا " وَلَمْ يَقُلْ " لِفُلَانٍ " فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَمُوَلِّيَتِهِ) . فَعَلَى هَذَا: لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْوَلِيِّ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَبُولُ النِّكَاحِ مِنْهُ: فَيَصِحُّ لِنَفْسِهِ. فَكَذَا يَصِحُّ لِغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَفِي قَوْلِهِ (وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَلَا التَّوَكُّلُ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) . وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ لِغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا إلَّا ابْنَ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا يُوَكَّلُ فَاسِقٌ فِي نِكَاحٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا السَّفِيهُ، فَقِيلَ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ دُونَ إيجَابِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ قُلْنَا " يَتَزَوَّجُ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ " فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ فِي إيجَابِهِ وَقَبُولِهِ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: هَلْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ: هَلْ لِلْوَكِيلِ الْمُطَلِّقِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ) . كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا، إلَّا الصَّوْمَ الْمَنْذُورَ يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَكَالَةٍ. وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْحَجِّ، وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهِ تَدْخُلُ تَبَعًا لَهُ. قَوْلُهُ (وَالْحُدُودُ فِي إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَصَرُوهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي إثْبَاتِهِ، وَتَصِحُّ فِي اسْتِيفَائِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتِهِ، إلَّا الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ، عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ) . مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ اسْتِيفَائِهِمَا فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اُسْتُوْفِيَ الْقِصَاصُ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: فَفِي ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ. فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِأَنَّ عَفْوَ مُوَكِّلِهِ لَمْ يَصِحَّ، حَيْثُ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ. فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْدَ الرَّمْيِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهِيَ: الْبِنَاءُ عَلَى انْعِزَالِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْعَزِلُ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ صَحَّ الْعَفْوُ، وَضَمِنَ الْوَكِيلُ. وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ لِتَغْرِيرِهِ. وَالثَّانِي: لَا. فَعَلَى هَذَا: فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ خَطَأٌ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: فِي مَالِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.

وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ: إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَزِلُ: لَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ. وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَامِّيُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ عَفْوِهِ، وَتَرَدُّدًا بَيْنَ تَغْرِيرِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ. وَهَلْ تَكُونُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ. وَزَادَ: وَإِذَا قُلْنَا فِي مَالِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ) . يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ: هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَعْمَلُهُ وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْوَصِيَّ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ وَعَدَمِهِ كَالْوَكِيلِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَهُوَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْوَكِيلِ. وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ تَوْكِيلًا مَحْضًا. فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ وَلِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُ وَأَمَانَتُهُ. وَأَمَّا إسْنَادُ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْوَصِيِّ إلَى غَيْرِهِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ.

وَأَمَّا الْحَاكِمُ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي جَوَازِ اسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ أَيْضًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْخِلَافِ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَالِاسْتِخْلَافُ. وَإِنْ مَنَعْنَا الْوَكِيلَ مِنْهَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ لِلْإِمَامِ. بَلْ هُوَ نَاظِرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ وِلَايَةٍ. وَلِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِعَزْلِهِ. فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي وِلَايَتِهِ حُكْمَ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ تَوَلِّيَ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِنَفْسِهِ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ فَأَشْبَهَ مَنْ وُكِّلَ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُ عَادَةً لِكَثْرَتِهِ. انْتَهَى. وَأُلْحِقَ بِالْحَاكِمِ أَمِينُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَوَائِدُ تُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ. مِنْهَا: الشَّرِيكُ، وَالْمُضَارِبُ: هَلْ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا أَمْ لَا وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ. وَمِنْهَا: الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ لَا؟ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْبِرًا أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا: فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِ تَوْكِيلِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمَرْأَةِ. وَلِذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ إذْنُهَا. وَقَطَعَ بِهَذَا الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبِرٍ: فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ. وَإِنْ مَنَعْنَا الْوَكِيلَ مِنْ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ

بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمَرْأَةِ. فَلَا تَتَوَقَّفُ اسْتِنَابَتُهُ عَلَى إذْنِهَا كَالْمُجْبِرِ. وَإِنَّمَا افْتَرَقَا عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهَا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا. وَقَدَّمَ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَنَاقَضَ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِيهَا ضَعْفٌ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ فِي إذْنِهَا وَعَدَمِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَمِنْهَا: الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُمَا: هَلْ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا؟ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يُسَوَّغُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْجَمِيعِ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ. وَفِي الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ خَاصَّةً؟ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ، فَمِنْ شَرْطِ الْوَكِيلِ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ " وَكِّلْ عَنْك " صَحَّ. وَكَانَ وَكِيلَ وَكِيلِهِ. جَزَمَ

بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ قَالَ: " وَكِّلْ عَنِّي " صَحَّ أَيْضًا. وَكَانَ وَكِيلَ مُوَكِّلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَكُونُ وَكِيلَ وَكِيلِهِ أَيْضًا كَالْأُولَى. هَذَا نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ فِيمَا إذَا قَالَ " وَكِّلْ عَنِّي " أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ وَقَطَعَ بِهِ. وَقَالَ فِيمَا إذَا قَالَ " وَكِّلْ عَنْكَ " هَلْ يَكُونُ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ، أَوْ وَكِيلَ الْوَكِيلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَتَعَاكَسَا فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. فَلَعَلَّ مَا فِي التَّلْخِيصِ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ. فَإِنَّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى أَصْوَبُ. وَأَوْفَقُ لِلْأُصُولِ، أَوْ يَكُونُ طَرِيقَةً. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَإِنْ قَالَ " وَكِّلْ " وَلَمْ يَقُلْ " عَنِّي " وَلَا " عَنْك " فَهَلْ يَكُونُ وَكِيلَ الْوَكِيلِ كَالْأُولَى، أَوْ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ كَالثَّانِيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ وَكِيلًا لِلْمُوَكِّلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنُ رَجَبٍ. فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسِّتِّينَ. وَالثَّانِي: يَكُونُ وَكِيلَ الْوَكِيلِ. وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ، أَوْ قُلْنَا: يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَوَكَّلَ: فَإِنَّ الْوَكِيل الثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. الثَّالِثَةُ: حَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلٌ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ وَنَحْوِهِ. وَيَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ. وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: هُوَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ. فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ. وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ

الْمُوَكِّلِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِ وَكِيلِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ عَزْلُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَفِي صِحَّةِ تَوْكِيلِهِ فِي نِكَاحٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ فِي صِحَّةِ قَبُولِهِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْإِيجَابِ وَلَا الْقَبُولِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحَّانِ مِنْهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ سَيِّدِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَحْدَهُ. فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ. وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَكَذَا حَكَاهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ

وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَالَ " اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ " وَصَدَّقَاهُ: صَحَّ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ " مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك " عَتَقَ. وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ فِي الْأُولَى وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ: نَظَرْت فِي تَكْذِيبِهِ. فَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ: حَلَفَ وَبَرِئَ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ. وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ " مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك لِي " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ قَالَ " مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك مِنِّي إلَّا لَك " فَقَالَ " بَلْ لِزَيْدٍ " فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ: عَتَقَ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ. وَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يَعْتِقْ. قُلْت: بَلَى انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَكَّلَ عَبْدٌ غَيْرَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِهِ مِنْ سَيِّدِهِ: فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَمَنْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ: صَحَّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (الْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. فَلَوْ قَالَ " وَكَّلْتُك. وَكُلَّمَا عَزَلْتُك فَقَدْ وَكَّلْتُك " انْعَزَلَ بِقَوْلِهِ " عَزَلْتُك. وَكُلَّمَا وَكَّلْتُك فَقَدْ عَزَلْتُك ". وَتُسَمَّى الْوَكَالَةَ الدَّوْرِيَّةَ. وَهُوَ فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الْوَكَالَةِ الدَّوْرِيَّةِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ عِنْدَنَا. وَكَذَلِكَ فَسْخُهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَصِيرَ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ لَازِمَةً. وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ. وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُعَلَّقِ إيقَاعَ الْفَسْخِ. وَإِنَّمَا قَصْدُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ التَّوْكِيلِ، وَحَلُّهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ. وَالْعُقُودُ لَا تُفْسَخُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ) . تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ وُكِّلَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، أَوْ عَقَدَ عَقْدًا جَائِزًا غَيْرَهَا كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسِّتِّينَ. وَتَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي جُنُونِهِ وَقِيلَ: الْمُطْبِقِ وَجْهَانِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِسْقٌ مُنَافٍ لِلْوَكَالَةِ مُبْطِلِ ... كَذَا بِجُنُونٍ مُطْبِقٍ مُتَأَكَّدِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقَ الْجُنُونَ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ) يَعْنِي مِنْ الطَّرَفَيْنِ (كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ) . وَكَذَا الْجَعَالَةُ، وَالسَّبْقُ، وَالرَّمْيُ، وَنَحْوُهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ) . أَمَّا السُّكْرُ: فَحَيْثُ قُلْنَا يَفْسُقُ. فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ فِيمَا يُنَافِي الْفِسْقَ كَالْإِيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ: فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا تَبْطُلُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَالتَّعَدِّي) . يَعْنِي لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالتَّعَدِّي، كَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ اسْتِئْمَانٍ. فَإِنْ زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلْ الْآخَرُ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ. حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ

الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: أَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ الْقَوْلَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ. وَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ. وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ إنْ أُتْلِفَ بِتَعَدِّيهِ عَيْنَ مَا وَكَّلَهُ فِيهِ: بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنَ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَاقِيَةٌ: لَمْ تَبْطُلْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مُرَادُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنْ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوَكَالَةِ، لَا بُطْلَانَهَا. فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَعَدَّى زَالَتْ الْوَكَالَةُ وَصَارَ ضَامِنًا. فَإِذْ تَصَرَّفَ كَمَا قَالَ مُوَكِّلُهُ: بَرِئَ بِقَبْضِهِ الْعِوَضَ. فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ عَادَ الضَّمَانُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا فِيهِ التَّعَدِّي خَاصَّةً، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي عَيْنِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْ عَيْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّعَدِّي بِحَالٍ، إلَّا عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِالرِّدَّةِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَبْطُلُ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهَلْ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصْلُهُمَا: هَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: إنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ: بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ كَاتَبَهُ. انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ الْغَيْرُ. وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَأَعْتَقَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ: لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ وَكَّلَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا: لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا الْوَكَالَةَ، فَهَلْ تَبْطُلُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، فِيمَا إذَا جَحَدَ التَّوْكِيلَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْإِبَاقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقِيلَ: تَبْطُلُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ. فَوَطِئَهَا: بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي بُطْلَانِهَا بِقُبْلَةٍ. وَنَحْوِهَا: خِلَافٌ، بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا: لَوْ وَكَّلَهُ فِي عِتْقِ عَبْدٍ. فَكَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ: بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ صِحَّةَ عِتْقِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلُ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: يَنْعَزِلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: انْعَزَلَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَشْهَرُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَقِيَاسٌ لِقَوْلِنَا: إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْعَزِلُ. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي الْحَارِثِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ بِالْمَوْتِ لَا بِالْعَزْلِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ أَمَّا إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ بِعِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ: انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ بِذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَبَيْنَ إخْرَاجِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ بِعِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ، بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ جَزْمًا، بِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ قَدْ زَالَ، وَفِي مَوْتِ الْمُوَكِّلِ السِّلْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الِانْتِقَالَ بِالْمَوْتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ. فَإِنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْمُوَكِّلَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِهِ بِالْقَوْلِ. وَذَاكَ زَالَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ: وَتَضْمِينُهُ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: يَنْعَزِلُ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ. وَمِنْهَا: جَعَلَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ: مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي نَفْسِ انْفِسَاخِ عَقْدِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ. وَجَعَلَ الْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَجَمَاعَةٌ: مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي نُفُوذِ التَّصَرُّفِ، لَا فِي نَفْسِ الِانْفِسَاخِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا أَوْفَقُ لِلنُّصُوصِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.

وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ " إذَا ادَّعَى الْمُوَكِّلُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، هَلْ يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ أَمْ لَا؟ " وَمِنْهَا: لَا يَنْعَزِلُ مُودَعٌ قَبْلَ عِلْمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَمَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ. وَقَالَ: مِثْلُهُ الْمُضَارِبُ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: اشْتَرِ كَذَا بَيْنَنَا. فَقَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: نَعَمْ. فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ وَكَالَةِ الْأَوَّلِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَلِلثَّانِي. وَمِنْهَا: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ: لَا تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُضَارِبِ، حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ وَالشَّرِيكُ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى عَامَّةِ الْأَضْرَارِ. وَهُوَ تَعْطِيلُ الْمَالِ عَنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَرْبَاحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عُزِلَ الْوَكِيلُ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ. وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْأَمَانَاتِ كُلُّهَا كَالْوَدِيعَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَإِذَا انْتَهَتْ أَوْ انْفَسَخَتْ، وَالْهِبَةُ إذَا رَجَعَ فِيهَا الْأَبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ. وَأَنَّهَا تَبْقَى أَمَانَةً. وَقِيلَ: تَبْقَى مَضْمُونَةً إنْ لَمْ يُبَادِرْ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَالِكِ. كَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ. وَكَلَامُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ. فَلَا يَضْمَنُ فِي الرَّهْنِ، وَيَضْمَنُ فِي الْوَدِيعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ: لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا فِي الْخُصُومَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ وَكَّلَهُمَا فِي خُصُومَةٍ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لِلْعُرْفِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: حُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُوَكِّلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ قَرِيبُ وَكِيلٍ عَلَيْهِ. وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُوَكِّلِ. وَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَيَضْمَنُ الْعُهْدَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ اشْتَرَى وَكِيلٌ فِي شِرَاءٍ فِي الذِّمَّةِ: فَكَضَامِنٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ، أَوْ اسْتِئْجَارٍ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مُوَكِّلَهُ فِي الْعَقْدِ: فَضَامِنٌ. وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ. قَالَ: وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ فِي الِاقْتِرَاضِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ، إذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ. حَيْثُ جَازَ التَّوْكِيلُ. وَكَانَ هُوَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعَنْهُ لَهُ الْبَيْعُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ: يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ. وَقِيلَ: أَوْ وَكَّلَ بَائِعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَقِيلَ: هُمَا. انْتَهَى. وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ: إذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ رِوَايَةً. وَإِذَا وَكَّلَ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ هُوَ أَحَدُ الْمُشْتَرِينَ رِوَايَةٌ أُخْرَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَوَازِ: فَاخْتُلِفَ فِي حِكَايَةِ شُرُوطِهَا عَلَى طُرُقٍ: أَحَدُهَا: اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ الرَّغَبَاتُ فِي النِّدَاءِ، وَفِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَتَوَلَّى النِّدَاءَ غَيْرُهُ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ: التَّوْكِيلُ الْمُجَرَّدِ. كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ: أَحَدُ أَمْرَيْنِ، إمَّا أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَبِيعُهُ، عَلَى قَوْلِنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَإِمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالًا: أَنَّهُمَا لَا يُعْتَبَرَانِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ وَأَمَانَتَهُ تَحْمِلُهُ عَلَى عَمَلِ الْحَقِّ. وَرُبَّمَا زَادَ خَيْرًا. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، لَا أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ. ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَهَا أَبُو الْحَارِثِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ. وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِالْجَوَازِ فِيهَا وَيُوَكَّلُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ مِنْ الْأُخْرَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي شِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمُوَكِّلِ. وَكَذَا الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ وَالْوَصِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ وَالْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْوَصِيِّ سِوَى الْمَنْعِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: يَتَوَجَّهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ. فَإِنَّ الْحَاكِمَ وِلَايَتُهُ غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إلَى إذْنٍ. فَتَكُونُ عَامَّةً، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ صَحَّحْنَا ذَلِكَ: صَحَّ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ عَلَى الْأَقْيَسِ. وَقَبْلُ: لَا يَصِحُّ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَلَوْ وُكِّلَ فِي بَيْعِ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَوَكَّلَهُ آخَرُ فِي شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَا: وَمِثْلُهُ لَوْ وَكَّلَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ فِي الدَّعْوَى عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّعْوَى عَنْ أَحَدِهِمَا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْآخَرِ، وَإِقَامَةُ حُجَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي الدَّعْوَى مِنْ وَاحِدٍ لِلتَّضَادِّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ لِوَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. أَيْ لَا يَصِحُّ كَنَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ: الْوَجْهَانِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُنَاكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. أَيْ يَصِحُّ. وَإِنْ مَنَعْنَا الصِّحَّةَ فِي شِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا: إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَيْضًا. حَكَاهُ الْمَجْدُ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي غَيْرِ الْوَكِيلِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: جَوَازُ بَيْعِهِ لِإِخْوَتِهِ وَسَائِرِ أَقَارِبِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيهِمْ وَجْهَيْنِ. قُلْت: حَيْثُ حَصَلَتْ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ (أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) . وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ. وَمُرَادُهُ: إذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: وَهُوَ أَوْلَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ كَالْمُضَارِبِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي النِّهَايَةِ: أَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ حَالًّا بِنَقْدِ بَلَدِهِ وَبِغَيْرِهِ، لَا نَسَاءً وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّقْدُ أَوْ مَا نَقَصَ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ بَيْعِ الْمُضَارِبِ نَسَاءً؛ لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ هُنَا أَصْلًا لِلْجَوَازِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الشَّرِكَةِ. لَكِنْ أَطْلَقَ هُنَاكَ الْخِلَافَ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ، وَالْمُضَارَبَةُ مِثْلُهَا. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْوَكَالَةِ: عَدَمُ الْجَوَازِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ: الْجَوَازُ. وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ. وَهُوَ فِي النَّسَاءِ أَكْثَرُ. وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ ذَلِكَ. بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ الثَّمَنِ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ؛ وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ فِي الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ. فَيَعُودُ ضَرَرُ التَّأْخِيرِ فِي التَّقَاضِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ. فَيَعُودُ ضَرَرُ الطَّلَبِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. فَائِدَةٌ: إذَا أَطْلَقَ الْوَكَالَةَ: لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَبِيعَ بِمَنْفَعَةٍ، وَلَا بِعَرْضٍ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَفِي الْعَرْضِ احْتِمَالٌ بِالصِّحَّةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُوجَزِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا قَالَ لِلْوَكِيلِ: أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً؟ وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ: صَحَّ وَضَمِنَ النَّقْصَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْأَكْثَرُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ: إنَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَجَزَمَ بِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قِيلَ إنَّهُ كَفُضُولِيٍّ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَلِفَ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ رَجَعَ عَلَى مُشْتَرٍ لِتَلَفِهِ عِنْدَهُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لَوْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ". تَنْبِيهٌ: جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ وَأَطْلَقَ، وَبَيْنَ مَا إذَا قَدَّرَهُ. لَهُ. فَجَعَلَ الْحُكْمَ وَاحِدًا. وَهُوَ أَصَحُّ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَأَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَنْصُورٍ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ مَعَ مُخَالَفَةِ التَّسْمِيَةِ. وَلَا يَبْطُلُ مَعَ الْإِطْلَاقِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَة الْعِشْرِينَ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ) . مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ عَادَةً. فَأَمَّا مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، كَالدِّرْهَمِ فِي الْعَشَرَةِ: فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكِّلُ قَدْ قَدَّرَ الثَّمَنَ.

وَقَوْلُهُ (وَضَمِنَ النَّقْصَ) . فِي قَدْرِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي. أَحَدَاهُمَا: هُوَ مَا بَيْنَ مَا بَاعَ بِهِ وَثَمَنِ الْمِثْلِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَقْيَسُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ بَيْنَ مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ وَمَا لَا يَتَغَابَنُونَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَضْمَنُ عَبْدٌ لِسَيِّدِهِ وَلَا صَبِيٌّ لِنَفْسِهِ. وَيَصِحُّ الْبَيْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَايَى بِهَا فِي الصَّبِيِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ. فَزَادَهُ أَوْ نَقَصَهُ، وَلَا حَظَّ فِيهِ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أُمِرَ بِشِرَاءٍ بِكَذَا حَالًّا، أَوْ بِبَيْعٍ بِكَذَا نَسَاءً. فَخَالَفَ فِي حُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَضَرَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَهِيَ مَخْصُوصَةٌ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ، مِمَّنْ أَطْلَقَ. وَلَوْ بَاعَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ. فَزَادَ عَلَيْهِ آخَرُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْفَسْخُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهُ إنْ صَحَّ بَيْعُهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ وَجْهٌ: يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ: صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ: الصِّحَّةُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ: صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ. فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ: صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْكَافِي. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ: اشْتَرِهِ بِمِائَةٍ وَلَا تَشْتَرِهِ بِخَمْسِينَ: صَحَّ شِرَاؤُهُ بِمَا بَيْنَهُمَا. وَكَذَا بِدُونِ الْخَمْسِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْخَمْسِينَ كَالْخَمْسِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسَاءً، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةً: صَحَّ إنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ) .

صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْهَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَيَأْتِي عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ. فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ: لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ) . اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَ: هُوَ كَتَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. انْتَهَى. وَذَلِكَ: لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ الْبَيْعِ. فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْوَضْعَيْنِ الصِّحَّةُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَ هُنَاكَ الصِّحَّةَ، وَقَدَّمَ هُنَا عَدَمَهَا. فَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مُنَجَّى. الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَسِرٌ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ إنَّمَا قَدَّمَ تَبَعًا لِلْأَصْحَابِ. وَإِنْ كَانَ اخْتِيَارُهُ

مُخَالِفًا لَهُ. وَهَذَا يَقَعُ لَهُ كَثِيرًا. وَقَدَّمَ هُنَا نَظَرًا إلَى مَا اخْتَارَهُ، لَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَإِنَّ اخْتِيَارَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ. وَالْحُكْمُ عِنْدَهُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ طَرِيقَتَيْنِ: التَّسَاوِي. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالصِّحَّةُ هُنَاكَ. وَعَدَمُهَا هُنَا. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ رَزِينٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِيهِمَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (أَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، فَبَاعَ نِصْفَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْكُلِّ: لَمْ يَصِحَّ) . إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَ بَعْضَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَبِيعَ الْبَعْضَ بِثَمَنِ الْكُلِّ أَوْ لَا. فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ كُلِّهِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْبَاقِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ. وَإِنْ بَاعَ الْبَعْضَ بِدُونِ ثَمَنِ الْكُلِّ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَبِيعَ الْبَاقِيَ أَوْ لَا. فَإِنْ بَاعَ الْبَاقِيَ: صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فِيهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَبِعْ الْبَاقِيَ، دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ بِمَا بَقِيَ. وَقَوْلُهُمْ " إذَا لَمْ يَبِعْ الْبَاقِيَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا. وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبِيدٍ أَوْ صُبْرَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ كُلِّ عَبْدٍ مُنْفَرِدًا، وَبَيْعُ الْجَمِيعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَبَيْعُ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُنْفَرِدَةً، وَبَيْعُهَا كُلِّهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِبَيْعِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً. تَنْبِيهٌ: قَوْلِي عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " بِدُونِ ثَمَنِ الْكُلِّ " هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ. وَفِي بَعْضِهَا: بِإِسْقَاطِهَا، تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّى. لَكِنْ قَيَّدَهَا بِذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ مُؤَجَّلًا) . صَحَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إنْ حَصَلَ ضَرَرٌ، وَإِلَّا صَحَّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْأَوَّلُ ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي شَاةً بِدِينَارٍ. فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ تُسَاوِي إحْدَاهُمَا دِينَارًا، أَوْ اشْتَرَى شَاةً تُسَاوِي دِينَارًا بِأَقَلَّ مِنْهُ: صَحَّ) وَكَانَ لِلْمُوَكِّلِ (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ) . يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تُسَاوِ إحْدَاهُمَا دِينَارًا: لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ كَفُضُولِيٍّ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ سَاوَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِينَارٍ: صَحَّ لِلْمُوَكِّلِ لَا لِلْوَكِيلِ. وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَا تُسَاوِي نِصْفَ دِينَارٍ: فَرِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقِيلَ: الزَّائِدُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ الْمُقَدَّرَيْنِ لِلْوَكِيلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ بَاعَ إحْدَى الشَّاتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، فَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ الْبَاقِيَةُ تُسَاوِي دِينَارًا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ: لَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدُونِ إذْنِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ مَعِيبٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ فَعَلَ؛ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَيَأْتِي. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: لَزِمَ الْوَكِيلَ مَا لَمْ يَرْضَ الْمُوَكِّلُ. وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ رَدُّهُ. وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ: فَكَشِرَاءِ فُضُولِيٍّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ اشْتَرَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ. فَهَلْ يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ؟ لِأَنَّ الْعَيْبَ إنَّمَا يُخَافُ مِنْهُ نَقْصُ الْمَالِيَّةِ. فَإِذَا كَانَ مُسَاوِيًا لِلثَّمَنِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَرْضَى بِهِ. أَمْ لَا يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا. فَلَهُ الرَّدُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَمْ يَضْمَنْهُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ جَهِلَ عَيْبَهُ وَقَدْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ فَهَلْ يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ سَلِيمٍ بَدَلَهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ الْمُوَكِّلُ. عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَسْقَطَ الْوَكِيلُ خِيَارَهُ، فَحَضَرَ مُوَكِّلُهُ، فَرَضِيَ لَهُ: لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ رَدُّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَهُ رَدُّهُ عَلَى وَجْهٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ: لَزِمَ الْوَكِيلَ. وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ. وَلَهُ أَرْشُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ مِنْ الْبَائِعِ لَزِمَ الْوَكِيلَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: مُوَكِّلُك قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى حَلِفِ مُوَكِّلِهِ. وَلِلْحَاكِمِ إلْزَامُهُ حَتَّى يَحْضُرَ مُوَكِّلُهُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَوْلُ غَرِيمٍ لِوَكِيلٍ غَائِبٍ فِي قَبْضِ حَقِّهِ " أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك " أَوْ " قَبَضَهُ " وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ إنْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى الْغَرِيمُ: أَنَّ الْمُوَكِّلَ عَزَلَ الْوَكِيلَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ ادَّعَى مَوْتَ الْمُوَكِّلِ: حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ رَدَّهُ فَصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ الْبَائِعَ فِي الرِّضَى بِالْعَيْبِ، فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ الرَّدُّ. وَهُوَ بَاقٍ لِلْمُوَكِّلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُغْنِي. وَالثَّانِي: يَصِحُّ. فَيُجَدِّدُ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يَصِحُّ الرَّدُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: يَطَّرِدُ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ فِي اسْتِيفَاءِ حَدٍّ وَقَوَدٍ

وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ، مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَحُضُورِ وَكِيلِهِ. وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: رِضَى الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ بِالْمَعِيبِ عَزْلٌ لِوَكِيلِهِ عَنْ رَدِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ. فَاشْتَرَاهُ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا. فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ قَبْلَ إعْلَامِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الرَّدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هَذَا أَوْلَى. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَلَوْ عَلِمَ عَيْبَهُ قَبْلَ شِرَائِهِ، فَهَلْ لَهُ شِرَاؤُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا. فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ الرَّدَّ فِي الْأُولَى: فَلَيْسَ لَهُ هُنَا شِرَاؤُهُ: وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ هُنَاكَ، فَلَهُ الشِّرَاءُ هُنَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ مَلَكَهُ فَلَهُ شِرَاؤُهُ إنْ عَلِمَ عَيْبَهُ قَبْلَهُ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا: أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَأَخْذَ بَدَلِهِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ الْمُوَكِّلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي بِعَيْنِ هَذَا الثَّمَنِ. فَاشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ: لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: إنْ أَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَحَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ لَزِمَ الْوَكِيلَ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ كَذَا " وَلَمْ يَقُلْ " بِعَيْنِهَا " جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَبِعَيْنِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ لَهُ الْعَقْدُ مَعَ فَقِيرٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ، إلَّا بِأَمْرِهِ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِك وَانْقُدْ الثَّمَنَ. فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَالَا إلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ رَضِيَ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَ. وَهُوَ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ. ذَكَرُوهُ فِي الشَّرِكَةِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يُقْبَلُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَلَا يُرَدُّ عَلَى مُوَكِّلِهِ. وَإِنْ رُدَّ بِنُكُولِهِ فَفِي رَدِّهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فِي سُوقٍ بِثَمَنٍ. فَبَاعَهُ بِهِ فِي آخَرَ: صَحَّ) .

إنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، مَلَكَ تَسْلِيمَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ قَبْضَ ثَمَنِهِ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَالْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَمْلِكُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَفِي قَبْضِهِ ثَمَنَهُ بِلَا قَرِينَةٍ وَجْهَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَتْ قَرِينَةُ الْمَنْعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ شَيْءٌ كَمَا لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا. وَعَلَى الثَّالِثِ: لَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إلَّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ حُضُورِهِ. فَإِنْ سَلَّمَهُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ. ضَمِنَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَبْضِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ: ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ، هَلْ يَقْبِضُهَا أَمْ لَا؟ أَمْ يَقْبِضُهَا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ؟

وَإِنْ أَخَّرَ تَسْلِيمَ ثَمَنِهِ بِلَا عُذْرٍ: ضَمِنَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. الثَّانِيَةُ: هَلْ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فِعْلُ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ وَقِيلَ: مُطْلَقًا أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءٍ: لَمْ يُشْرَطْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. وَهَلْ لَهُ شَرْطُهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمُوَكِّلِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْبَيْعِ: صِحَّةُ ذَلِكَ. وَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ. فَإِذَا شُرِطَ الْخِيَارُ فَهُوَ لِمُوَكِّلِهِ. وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُمَا. وَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لَهُ وَحْدَهُ. وَيَخْتَصُّ الْوَكِيلُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ. وَيَخْتَصُّ بِهِ الْمُوَكِّلُ إنْ حَضَرَهُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فِي الْمَجْلِسِ، وَحُجِرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْخِيَارِ: رَجَعَتْ حَقِيقَةُ الْخِيَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَمَسَائِلَ أُخَرَ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ جَازَ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، أَوْ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ: لَمْ يَصِحَّ) . إذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ، فَبَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا: لَمْ يَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: لَمْ يَصِحَّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ. أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ كُلِّهَا. أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا، أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْت، أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْت: لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ، عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلَيْنِ، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ " مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك " إنَّهُ جَائِزٌ. وَأَعْجَبَهُ. وَقَالَ: هَذَا تَوْكِيلٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا أَطْلَقَ وَكَالَتَهُ: جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِ. وَجَازَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ وَابْتِيَاعُهُ لَهُ. وَكَانَ خَصْمًا فِيمَا يَدَّعِيهِ لِمُوَكِّلِهِ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ، بَعْدَ ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ مِنْهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَكْفِي ذِكْرُ النَّوْعِ فَقَطْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. نَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يَكْفِي ذِكْرُ النَّوْعِ، أَوْ قَدْرُ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ: لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ) وَلَا الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَطَعَ ابْنُ الْبَنَّا فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. وَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ، إنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ.

كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ، فِيمَا إذَا كَانَ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ ثَمَنِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ: كَانَ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ إنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَالِمًا بِجَحْدِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ. أَوْ مَطْلِهِ كَانَ تَوْكِيلًا فِي تَثْبِيتِهِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ، لِعِلْمِهِ بِتَوَقُّفِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَ مُوَكِّلِهِ فِي الْخُصُومَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَصِحُّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ ظُلْمَهُ. فَلَوْ ظَنَّ ظُلْمَهُ جَازَ. وَيَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ: وَمَعَ الشَّكِّ يَتَوَجَّهُ احْتِمَالَانِ. وَلَعَلَّ الْجَوَازَ أَوْلَى كَالظَّنِّ فِي عَدَمِ ظُلْمِهِ. فَإِنَّ الْجَوَازَ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ مَعَ الرِّيبَةِ فِي الْبَيِّنَةِ.

وَقَالَ الْقَاضِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ نَفْيِهِ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُنْكَرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي. فَلَا تَحِلُّ دَعْوَى مَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ. الثَّانِيَةُ: لَهُ إثْبَاتُ وَكَالَتِهِ مَعَ غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ مَا تَثْبُتُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَإِنْ قَالَ: " أَجِبْ عَنِّي خَصْمِي " احْتَمَلَ أَنَّهَا كَالْخُصُومَةِ، وَاحْتَمَلَ بُطْلَانَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَرَائِنِ. فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فَهُوَ إلَى الْخُصُومَةِ أَقْرَبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِيدَاعِ، فَأَوْدَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ: لَمْ يَضْمَنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ يَضْمَنُ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ ضَمِنَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ فَلَمْ يَفْعَلْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ضَمِنَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

وَالْخِرَقِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ كَذَّبَهُ. وَعَنْهُ لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ إنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَضْمَنُهُ إنْ كَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) . يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَضَاهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ: لَا يَضْمَنُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ: لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ، اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ السَّاكِتَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ قَوْلٌ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: إذَا أَشْهَدَ وَمَاتَ الشُّهُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الرَّهْنِ فِيمَا إذَا قَضَى الْعَدْلُ الْمُرْتَهِنَ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الرَّهْنِ: مَنْ طُلِبَ مِنْهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ قَوْلُهُ: هَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيَشْهَدَ أَمْ لَا؟ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ " وَالْأَصْحَابُ يَذْكُرُونَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ. لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ وَنَفْيِ التَّفْرِيطِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ.

قَالَ الْقَاضِي: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَلَفًا بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ، كَالْحَرِيقِ وَالنَّهْبِ وَنَحْوِهِمَا. فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ. ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي تَلَفِهَا بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ. وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ بِحَادِثٍ ظَاهِرٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَادِثِ: قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ. وَفِي الْيَمِينِ رِوَايَةٌ: إذَا أَثْبَتَ الْحَادِثَ الظَّاهِرَ، وَلَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِعَيْبِهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ: بِعْت الثَّوْبَ وَقَبَضْت الثَّمَنَ فَتَلِفَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قَبْلَ قَوْلِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قَبْلَ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِي الْأَشْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. فَائِدَةٌ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَاهُ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ. فَقَالَ " اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ " فَقَالَ الْمُوَكِّلُ " بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيَّنَ لَهُ الشِّرَاءَ بِمَا ادَّعَاهُ الْوَكِيلُ. فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ إلَى الْمُوَكِّلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. إنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.

وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْوَصِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَغَيْرُهُمْ وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ رَدِّ ثَمَنِهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْوَجْهَانِ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ. انْتَهَى. وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ وَالشَّرِيكُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالْمُودَعُ وَنَحْوُهُمْ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ، وَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُضَارَبَةِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ.

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُودَعِ فِي الرَّدِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ: قَبْلَ قَوْلِ الْوَكِيلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَوْ قَالَ " دَفَعْتهَا إلَى زَيْدٍ بِأَمْرِك " قَبْلَ قَوْلِهِ فِيهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ التَّمِيمِيُّ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. فَقِيلَ: لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ. فَلَوْ صَدَّقَهُ الْآمِرُ عَلَى الدَّفْعِ: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. وَقِيلَ: بَلْ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمِينًا لِلْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَيْهِ. كَالْأَجْنَبِيِّ. وَكُلٌّ مِنْ الْأَقْوَال الثَّلَاثَةِ قَدْ نُسِبَ إلَى الْخِرَقِيِّ. هَذَا كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِ رَبِّهِ وَإِطْلَاقِهِمْ، وَلَا فِي صَرْفِهِ فِي وُجُوهٍ عُيِّنَتْ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ لَزِمَتْهُ. وَذَكَرَهُ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ كُلِّ مَنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ فَأَنْكَرَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُضَارِبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صُدِّقَ الْوَكِيلُ فِي الْأَشْهَرِ إنْ حَلَفَ. وَقَدَّمَهُ

فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ. لَوْ قَالَ " أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ " أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْإِذْنِ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ بَرِئَ مِنْ الشِّرَاءِ. فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى جَارِيَةً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ الْمَالِ: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَتُرَدُّ الْجَارِيَةُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ، أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. فَلَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ عِلْمَهُ بِذَلِكَ، حَلَفَ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَالِ مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا حَلَفَ مَضَى الْبَيْعُ، وَعَلَى الْوَكِيلِ غَرَامَةُ الثَّمَنِ لِمُوَكِّلِهِ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ. وَتَبْقَى الْجَارِيَةُ فِي يَدِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ. فَإِنْ أَرَادَ اسْتِحْلَالَهَا اشْتَرَاهَا مِمَّنْ هِيَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِتَحِلَّ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَلَوْ قَالَ " بِعْتُكهَا إنْ كَانَتْ لِي " أَوْ " إنْ كُنْت أَذِنْت لَك فِي شِرَائِهَا بِكَذَا فَقَدْ بِعْتُكهَا " فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا وَاقِعٌ يَعْلَمَانِ وُجُودَهُ. فَلَا يَضُرُّ جَعْلُهُ شَرْطًا. كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الْأَمَةَ إنْ كَانَتْ أَمَةً.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. وَمَالَ إلَيْهِ هُوَ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ. وَكَذَا كُلُّ شَرْطٍ عَلِمَا وُجُودَهُ. فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ وُقُوفَ الْبَيْعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَكًّا أَصْلًا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: أَنَّ أَصْلَ هَذَا قَوْلُهُمْ فِي الصَّوْمِ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضَيْ، وَإِلَّا فَنَفْلٌ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ نَسَاءً. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مَنْ هِيَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ: رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ، لِيَرْفُقَ بِهِ لِيَبِيعَهُ إيَّاهَا، لِيَثْبُتَ لَهُ الْمِلْكُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ. وَلَهُ بَيْعُهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: وَلَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ، وَقِيلَ: يَبِيعُهُ وَيَأْخُذُ مَا غَرِمَهُ مِنْ ثَمَنِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ. وَهَلْ تُقِرُّ بِيَدِهِ، أَوْ يَأْخُذُهَا الْحَاكِمُ كَمَالٍ ضَائِعٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَإِنْ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ: فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ فِي الظَّاهِرِ. فَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ: فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ: فَالْجَارِيَةُ لَهُ. وَإِنْ كَانَ صَادِقًا: فَالْجَارِيَةُ لِمُوَكِّلِهِ. فَإِنْ أَرَادَ إحْلَالَهَا: تَوَصَّلَ إلَى شِرَائِهَا مِنْهُ. كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا. وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَتْ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْبَاطِنِ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا لِلْوَكِيلِ: فَقَدْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ، وَهِيَ لِلْمُوَكِّلِ. وَفِي ذِمَّتِهِ ثَمَنُهَا لِلْوَكِيلِ. فَأَقْرَبُ الْوُجُوهِ: أَنْ يَأْذَنَ الْحَاكِمُ فِي بَيْعِهَا. وَيُوفِيَهُ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا. فَإِنْ كَانَتْ لِلْوَكِيلِ فَقَدْ بِيعَتْ بِإِذْنِهِ. وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُوَكِّلِ: فَقَدْ بَاعَهَا الْحَاكِمُ فِي إيفَاءِ دَيْنٍ امْتَنَعَ الْمَدِينُ مِنْ وَفَائِهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَدْ قِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْحَاكِمِ بِمَا لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ: جَازَ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ يَبْتَاعُ بِمَالِ الْوَكَالَةِ، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ أَوْ كَذَّبَهُ. فَقِيلَ: يَبْطُلُ. كَمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا. وَكَقَوْلِهِ " قَبِلْت النِّكَاحَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ " فَيُنْكِرُ الْوَكَالَةَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. فَإِذَا حَلَفَ الْمُوَكِّلُ مَا أَذِنَ لَهُ: لَزِمَ الْوَكِيلَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَكَّلْتنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَك فُلَانَةَ فَفَعَلْت. وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ) . نَصَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُسْتَحْلَفُ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ. فَأَمَّا إنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحْلَفَ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الصَّدَاقَ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ بَعْدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَنَظْمِهَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَطْلِيقُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي النِّكَاحِ. فَقَالَ الْوَكِيلُ " تَزَوَّجْت لَك " وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ. لِاشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قَبْلَ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَقْيَسِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا كَأَصْلِ الْوَكَالَةِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ طَلَاقُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. كَالْأُولَى. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا بِشَرْطٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " وَكَّلْتنِي فِي بَيْعِ كَذَا " فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، وَصَدَّقَ الْبَائِعَ: لَزِمَ وَكِيلَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ كَمَهْرٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (فَلَوْ قَالَ: بِعْ ثَوْبِي بِعَشَرَةٍ، فَمَا زَادَ فَلَكَ: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ هَذَا إلَّا كَالْمُضَارَبَةِ؟ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ لَوْ بَاعَهُ نَسِيئَةً بِزِيَادَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ، اسْتَحَقَّ الزِّيَادَةَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. الْخَامِسَةُ: يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يُسْتَحَقُّ الْجُعْلُ قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ؟ يَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلَافٌ.

السَّادِسَةُ: يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِجُعْلٍ مَعْلُومٍ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، أَوْ يُعْطِيهِ مِنْ الْأَلْفِ شَيْئًا مَعْلُومًا، لَا مِنْ كُلِّ ثَوْبٍ كَذَا، لَمْ يَصِفْهُ، وَلَمْ يُقَدِّرْ ثَمَنَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَإِنْ عَيَّنَ الثِّيَابَ الْمُعَيَّنَةَ فِي بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ مِنْ مُعَيَّنٍ. فَفِي الصِّحَّةِ خِلَافٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ. السَّابِعَةُ: لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ. وَلَكِنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْإِذْنِ. وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِإِنْسَانٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِهِ، فَصَدَّقَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إلَيَّ. وَإِنْ كَذَّبَهُ: لَمْ يُسْتَحْلَفْ) . بِلَا نِزَاعٍ. كَدَعْوَى وَصِيَّةٍ. فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ. فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ: حَلَفَ، وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ وَدِيعَةً، فَوَجَدَهَا أَخَذَهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ، فَلَهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمَّنَهُ عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى أَنْكَرَ رَبُّ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ: حَلَفَ، وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ. وَإِنْ كَانَ دَيْنًا، وَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ، مَعَ بَقَائِهِ أَوْ تَعَدِّيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ مَعَ تَلَفِهِ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الدَّافِعِ. وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَخَذَهَا. وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمَّنَهُ عَلَى الْآخَرِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: مَتَى لَمْ يُصَدِّقْ الدَّافِعُ الْوَكِيلَ: رَجَعَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وِفَاقًا. وَقَالَ: مُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا. وَقَالَ: وَإِنْ صَدَّقَهُ ضَمِنَ أَيْضًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، بَلْ نَصُّهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ، فَقَدْ غَرَّهُ.

وَلَوْ أُخْبِرَ بِتَوْكِيلٍ، فَظَنَّ صِدْقَهُ: تَصَرَّفَ وَضَمِنَ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إذَا تَصَرَّفَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْخَبَرِ، فَهَلْ يَضْمَنُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ وَعَدَمِهَا، وَإِسْقَاطِ التُّهْمَةِ فِي شَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا: قَبُولُ الْهَدِيَّةِ إذَا ظُنَّ صِدْقُهُ، وَإِذْنُ الْغُلَامِ فِي دُخُولِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ. وَلَوْ شَهِدَ بِالْوَكَالَةِ اثْنَانِ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا " قَدْ عَزَلَهُ " لَمْ تَثْبُتْ الْوَكَالَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بَلَى. كَقَوْلِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّتِهَا. وَكَقَوْلِ وَاحِدٍ غَيْرِهِمَا. وَلَوْ أَقَامَا الشَّهَادَةَ حُسِبَ بِلَا دَعْوَى الْوَكِيلِ، فَشَهِدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ: أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ فِي كَذَا. فَإِنْ اعْتَرَفَ، أَوْ قَالَ " مَا عَلِمْت هَذَا، وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ " ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ. وَعَكْسُهُ " مَا أَعْلَمُ صِدْقَهُمَا " فَإِنْ أَطْلَقَ، قِيلَ: فَسَّرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ادَّعَى. أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَالَهُ بِهِ، فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ وَالْيَمِينِ مَعَ الْإِنْكَارِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَنَظْمِهَا، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَلَا الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ كَالْوَكَالَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَشْبَهُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَوَازِ مَنْعِ الْوَكِيلِ: كَوْنُ الدَّافِعِ لَا يَبْرَأُ. وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا. وَالْعِلَّةُ فِي وُجُودِ الدَّفْعِ إلَى الْوَارِثِ: كَوْنُهُ

مُسْتَحَقًّا، وَالدَّفْعُ إلَيْهِ يُبْرِئُ. وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ هُنَا. فَإِلْحَاقُهُ بِالْوَكِيلِ أَوْلَى. انْتَهَيَا. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: وَذَكَرَ ابْنُ مُصَنِّفِ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِوَالِدِهِ أَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الدَّفْعِ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ. وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَائِدَةٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ. فَلَا يُطَالِبُهُ. وَتُعَادُ لِغَائِبٍ مُحْتَالٍ بَعْدَ دَعْوَاهُ. فَيَقْضِي بِهَا لَهُ إذَنْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ، وَأَنَا وَارِثُهُ: لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، وَدِيعَةً أَوْ غَيْرَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَوَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كتاب الشركة

[كِتَابُ الشَّرِكَةِ] ِ فَوَائِدُ الْأُولَى " الشَّرِكَةُ " عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعٍ فِي اسْتِحْقَاقٍ، أَوْ تَصَرُّفٍ. فَالْأَوَّلُ: شَرِكَةُ مِلْكٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ. وَالثَّانِي: شَرِكَةُ عُقُودٍ. وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا. الثَّانِيَةُ: لَا تُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الْكِتَابِيِّ إذَا وَلِيَ الْمُسْلِمُ التَّصَرُّفَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَكَرِهَهَا الْأَزَجِيُّ. وَقِيلَ: تُكْرَهُ مُشَارَكَتُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ ذِمِّيٍّ. الثَّالِثَةُ: تُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الْمَجُوسِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَثَنِيُّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ. الرَّابِعَةُ: تُكْرَهُ مُشَارَكَةُ مَنْ فِي مَالِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تَحْرُمُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَجَعَلَهُ الْأَزَجِيُّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: إنْ غَلَبَ الْحَرَامُ: حَرُمَتْ مُعَامَلَتُهُ، وَإِلَّا كُرِهَتْ. وَقِيلَ: إنْ جَاوَزَ الْحَرَامُ الثُّلُثَ: حَرُمَتْ مُعَامَلَتُهُ، وَإِلَّا كُرِهَتْ. الْخَامِسَةُ: قِيلَ " الْعِنَانُ " مُشْتَقٌّ مِنْ عَنَّ إذَا عَرَضَ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَنَّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ صَاحِبَهُ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ الْمُعَارَضَةِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مُعَارِضٌ لِصَاحِبِهِ بِمَالِهِ وَفِعَالِهِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ، كَالْفَارِسَيْنِ إذَا سَوَّيَا بَيْنَ فَرَسَيْهِمَا، وَتَسَاوَيَا فِي السَّيْرِ. فَإِنَّ عِنَانَيْهِمَا يَكُونَانِ سَوَاءً. قَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ (وَهِيَ: أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ بِمَالَيْهِمَا) . يَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ. مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ: أَنْ يَكُونَ الْمَالَانِ مَعْلُومَيْنِ. وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُخْتَلَطٍ بَيْنَهُمَا شَائِعًا: صَحَّ. إنْ عَلِمَا قَدْرَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَيْضًا: حُضُورُ الْمَالَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ، وَتَحْقِيقِ الشَّرِكَةِ إذَنْ كَالْمُضَارَبَةِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: أَوْ حُضُورُ مَالِ أَحَدِهِمَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَحَمَلَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى شَرْطِ إحْضَارِهِ. وَقَوْلُهُ (لِيَعْمَلَا فِيهِ بِبَدَنَيْهِمَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَوْ يَعْمَلَ فِيهِ أَحَدُهُمَا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ: وَأَحَدُهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَوْ يَعْمَلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا فِي الْأَصَحِّ فِيهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَالَيْنِ: صَحَّ. وَيَكُونُ عِنَانًا وَمُضَارَبَةً. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا شَرِكَةٌ وَمُضَارَبَةٌ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الشَّرِكَةُ تَجْمَعُ شَرِكَةً وَمُضَارَبَةً. فَمِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجْمَعُ الْمَالَ: تُشْبِهُ شَرِكَةَ الْعِنَانِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ: هِيَ مُضَارَبَةٌ. انْتَهَى. وَهِيَ شَرِكَةُ عِنَانٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: مُضَارَبَةٌ. فَإِنْ شَرَطَ لَهُ رِبْحًا قَدْرَ مَالِهِ: فَهُوَ إبْضَاعٌ. وَإِنْ شَرَطَ لَهُ رِبْحًا أَقَلَّ مِنْ مَالِهِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى،

وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْعَارِيَّةِ فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ، وَالْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوجِ: وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجِيرٌ مَعَ صَاحِبِهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. فَإِنْ كَانَ أَجِيرًا مَعَ صَاحِبِهِ، فَمَا ادَّعَى تَلَفَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ: خَرَجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ: قَبْلَ قَوْلِهِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّ الْيَدِ: أَنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ. وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ: قَبْلَ قَوْلِ مُنْكِرِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْجَامِعِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ.

قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَعَنْهُ: تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ وَهِيَ أَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يُجْعَلُ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ بِقِيمَةِ مَالِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، كَمَا جَعَلْنَا نِصَابَهَا قِيمَتَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ. [وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: عِنْدَ الْعَقْدِ. كَمَا جَعَلْنَا نِصَابَهَا قِيمَتَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ غَيْرَ مِثْلِيَّةٍ] . وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: فِي الْأَظْهَرِ تَصِحُّ بِمِثْلِيٍّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ: تَصِحُّ بِكُلِّ عَرْضٍ مُتَقَوِّمٍ. وَقِيلَ: مِثْلِيٍّ. وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلَهُ وَقِيمَةُ غَيْرِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَصِحُّ بِالْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ تَصِحَّ بِالْعُرُوضِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. ذَكَرُوهُ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ فِي الْمَغْشُوشِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ: فِي الْفُلُوسِ. وَقَالَا: حُكْمُ الْمَغْشُوشِ حُكْمُ الْعُرُوضِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ إذَا كَانَتْ نَافِقَةً. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ عَلِمَ قَدْرَ الْغِشِّ وَجَازَتْ الْمُعَامَلَةُ: صَحَّتْ الشَّرِكَةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ قُلْنَا الْفُلُوسُ مَوْزُونَةٌ كَأَصْلِهَا، أَوْ أَثْمَانٍ: صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اشْتَرَطَ النِّفَاقَ فِي الْمَغْشُوشِ، كَالْفُلُوسِ. وَذَكَرَ وَجْهًا فِيهَا بِالصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَافِقَةً كَالْفُلُوسِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفُلُوسِ: أَنَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ نَافِقَةً أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ نَافِقَةً. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: فِي الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْفُلُوسُ كَاسِدَةً، فَرَأْسُ الْمَالِ قِيمَتُهَا كَالْعُرُوضِ. وَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً: كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلَهَا. وَكَذَلِكَ الْأَثْمَانُ الْمَغْشُوشَةُ إذَا كَانَتْ نَافِقَةً. وَقِيلَ: رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ كَنَقْدٍ: فَمِثْلُهَا. وَإِنْ قُلْنَا كَعَرْضٍ: فَقِيمَتُهَا. وَكَذَا النَّقْدُ الْمَغْشُوشُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ " النُّقْرَةِ " وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُضْرَبْ: حُكْمُ الْفُلُوسِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ فِي اخْتِصَاصِ النَّقْدَيْنِ بِهَا وَالْعُرُوضِ، وَالْمَغْشُوشِ، وَالْفُلُوسِ حُكْمُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّالِثَةُ: لَا أَثَرَ لِغِشٍّ يَسِيرٍ فِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إذَا كَانَ لِلْمَصْلَحَةِ، كَحَبَّةِ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا

فِي دِينَارٍ، فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا لِكُلِّ وَاحِدٍ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ مُشَاعًا مَعْلُومًا. فَإِنْ قَالَا: الرِّبْحُ بَيْنَنَا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا الرِّبْحَ، أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مَجْهُولًا، أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، أَوْ رِبْحَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ) . بَلْ يَكْفِي النِّيَّةُ إذَا عَيَّنَاهُمَا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. وَمَحَلُّهُ الْعَمَلُ. وَالْمَالُ تَابِعٌ، لَا الْعَكْسُ. وَالرِّبْحُ نَتِيجَةُ مَوْرِدِ الْعَقْدِ. فَائِدَةٌ لَفْظُ " الشَّرِكَةِ " يُغْنِي: عَنْ إذْنٍ صَرِيحٍ بِالتَّصَرُّفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُغْنِي لَفْظُ " الشَّرِكَةِ " عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ: فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا) . يَعْنِي إذَا تَلِفَ بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. وَشَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَا مُخْتَلِطَيْنِ. فَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِمَا. الثَّانِيَةُ: إذَا تَلِفَ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَعَنْهُ: مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ فَقَطْ. ذَكَرَهَا فِي التَّمَامِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ) . يَعْنِي وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ، وَلَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلَوْ بَعْدَ فَسْخِهَا. قَوْلُهُ (وَأَنْ يُقَايِلَ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ: وَيُقَايِلُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الْأَوْلَى: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بَيْعًا: فَهُوَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ. وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا: فَهُوَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ إذَا كَانَ فِيهِ حَظٌّ. فَإِنَّهُ يَشْتَرِي مَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ غُبِنَ فِيهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ، وَالشَّرِيكَ: يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ لِلْمَصْلَحَةِ. سَوَاءٌ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ، أَوْ فَسْخٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَهَا، إذَا قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ: مَلَكَهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ: لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهَا فَسْخٌ. فَلَا يَمْلِكُهَا. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ رَأَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ.

وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، عَلَى الْمُذْهَبِ: لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ: يَمْلِكُهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَوَائِدِ الْإِقَالَةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّقِيقَ، وَلَا يُعْتِقَهُ بِمَالٍ، وَلَا يُزَوِّجَهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. قُلْت: حَيْثُ كَانَ فِي عِتْقِهِ بِمَالٍ مَصْلَحَةٌ: جَازَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْرِضَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي. وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنَحْوُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ. [يَعْنِي: عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ. صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ] . قَوْلُهُ (وَلَا يُضَارِبَ بِالْمَالِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ جَوَازِ تَوْكِيلِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ الْآخَرَ " لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ.

فَائِدَةٌ حُكْمُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَالِ حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَأْخُذُ بِهِ سَفْتَجَةً) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. وَأَمَّا إعْطَاءُ السَّفْتَجَةِ: فَلَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَعْنَى قَوْلِهِ " يَأْخُذُ سَفْتَجَةً " أَنْ يَدْفَعَ إلَى إنْسَانٍ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَيَأْخُذَ مِنْهُ كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ " يُعْطِيهَا " أَنْ يَأْخُذَ مِنْ إنْسَانٍ بِضَاعَةً، وَيُعْطِيَهُ بِثَمَنِ ذَلِكَ كِتَابًا إلَى وَكِيلِهِ بِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ خَطَرًا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُؤَجِّرَ وَيَسْتَأْجِرَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يُودِعَ، أَوْ يَبِيعَ نَسَاءً، أَوْ يُبْضِعَ، أَوْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ، أَوْ يَرْهَنَ، أَوْ يَرْتَهِنَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَمَّا جَوَازُ الْإِيدَاعِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِيدَاعَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَأَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ نَسَاءً: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ فِي ضَمَانِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَمْلِكُ الْبَيْعَ نَسَاءً، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ نَسَاءً. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَاكَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ نَسَاءً لِلْمُضَارِبِ. وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَالْعُمْدَةِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالًّا. وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. انْتَهَى.

وَأَمَّا جَوَازُ الْإِبْضَاعِ وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلدَّافِعِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُبْضِعُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. وَأَمَّا جَوَازُ التَّوْكِيلِ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ إذَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُمَا التَّوْكِيلُ هُنَا. وَإِنْ مَنَعْنَا فِي الْوَكِيلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَرَجَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَذَلِكَ لِعُمُومِ تَصَرُّفِهِمَا وَكَثْرَتِهِ، وَطُولِ مُدَّتِهِ غَالِبًا. وَهَذِهِ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ. فَيَجُوزُ لِلشَّرِيكِ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّهُ عُلِّلَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ اسْتَفَادَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ مَا هُوَ

دُونَهُ، وَهُوَ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ وَالشَّرِكَةُ أَعَمُّ. فَكَانَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْأَخَصِّ. بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. فَإِنَّهُ اسْتَفَادَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ مِثْلَ الْعَقْدِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إلْحَاقِهِ الْمُضَارِبَ بِالْوَكِيلِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي الْمُضَارَبَةِ: هَلْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لِآخَرَ لِيُضَارِبَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا جَوَازُ رَهْنِهِ وَارْتِهَانِهِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا الْأَقْوَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ: وَيَفْعَلُ الْمَصْلَحَةَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مَعَ الْإِطْلَاقِ. جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ. وَعَنْهُ لَا يُسَوَّغُ لَهُ السَّفَرُ بِلَا إذْنٍ. نَصَرَهَا الْأَزَجِيُّ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ سَافَرَ وَالْغَالِبُ الْعَطَبُ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ

أَبُو الْفَرَجِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: وَفِيمَا لَيْسَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ: يَضْمَنُ أَيْضًا. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَافَرَ سَفَرًا ظَنَّهُ آمِنًا: لَمْ يَضْمَنْ. انْتَهَى. وَكَذَا حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ) . بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ فِي الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: إذَا اسْتَقْرَضَ شَيْئًا لَزِمَهُمَا وَرِبْحُهُ لَهُمَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ، غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بِفِضَّةٍ وَمَعَهُ ذَهَبٌ وَعَكْسُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ لَهُ " اعْمَلْ بِرَأْيِك " جَازَ لَهُ فِعْلُ كُلِّ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً. قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ، وَلَا يَأْخُذَ سَفْتَجَةً عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ. وَلَا يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَقَدَّمَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّلْخِيصِ

تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَخَّرَ حَقَّهُ مِنْ الدَّيْنِ: جَازَ) . أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ حَقِّ شَرِيكِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَقَاسَمَا الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ: لَمْ يَصِحَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الصَّحِيحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُقْسَمُ عَلَى الْأَشْهَرِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَا يَجُوزُ فِي الْأَظْهَرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فِي الذِّمَّةِ " الْجِنْسُ. فَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ فِي ذِمَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ: فَلَا تَصِحُّ الْمُقَاسَمَةُ فِيهَا، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. فَائِدَةٌ لَوْ تَكَافَأَتْ الذِّمَمُ، فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَى مَلِيءٍ: وُجُوبُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ مِنْ الدَّيْنِ: لَزِمَ فِي حَقِّهِ، دُونَ حَقِّ صَاحِبِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِمَالٍ) . يَعْنِي لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ. وَيَلْزَمُ فِي حَقِّهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ، أَوْ بِدَيْنٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَقَالَ: إنْ أَقَرَّ بِبَقِيَّةِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، أَوْ بِجَمِيعِهِ، أَوْ بِأَجْرِ الْمُنَادِي، أَوْ الْحَمَّالِ وَنَحْوِهِ وَأَشْبَاهِ هَذَا: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ إذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ كَإِرْثٍ، أَوْ إتْلَافٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَوْ ضَرِيبَةٍ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ فَلِشَرِيكِهِ الْأَخْذُ مِنْ الْغَرِيمِ. وَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْآخِذِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: لَهُ ذَلِكَ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَحَرْبٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ. كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ قَابِضِهِ. فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهِ. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَرِيمِ، لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ. وَإِنَّمَا شَارَكَهُ لِثُبُوتِهِ مُشْتَرَكًا. مَعَ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا لَوْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ بِرَهْنٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ: فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ: تَعَدِّيهِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَيَضْمَنُهُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ تَعَدِّيهِ: صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ. وَفِي التَّفْرِقَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ شَرِيكِهِ حَقَّهُ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ. فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ كَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، فِيمَا إذَا كَانَ بِعَقْدٍ. وَقَالَا فِيمَا إذَا أَجَّلَ حَقَّهُ: مَا قَبَضَهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ: فَلَا مُخَاصَمَةَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ فِي شَرِيكَيْنِ وَلِيَا عَقْدَ مُدَايَنَةٍ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ. وَفِي دَيْنٍ مِنْ ثَمَنٍ مَبِيعٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ غَيْرِهِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ كَالدَّيْنِ الَّذِي بِعَقْدٍ. بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِ. فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ: فَيُشَارِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ أَصْلُهُ. وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ: صَحَّ فِي نَصِيبِهِ. وَلَوْ صَالَحَ بِعَرْضٍ: أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْ دَيْنِهِ فَقَطْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَلِلْغَرِيمِ التَّخْصِيصُ، مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَلَكِنْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إكْرَاهُهُ عَلَى تَقْدِيمِهِ. تَنْبِيهٌ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ. وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ.

وَذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَوَالَةِ. وَلِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ قَوْلُهُ (وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَفْعَلُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِيمَا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ إلَّا بِعَمَلٍ فِيهِ كَنَقْلِ طَعَامٍ بِنَفْسِهِ، أَوْ غُلَامِهِ، أَوْ دَابَّتِهِ جَازَ كَدَارِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِعَدَمِ إيقَاعِ الْعَمَلِ فِيهِ. لِعَدَمِ تَمْيِيزِ نَصِيبِهِمَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَهُ لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ. فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ، لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ بِلَا شَرْطٍ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. قَوْلُهُ (وَالشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ. فَالْفَاسِدُ: مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، أَوْ ضَمَانِ الْمَالِ، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْوَضِيعَةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُ مِنْ السِّلَعِ، أَوْ يَرْتَفِقَ بِهَا، أَوْ لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةً بِعَيْنِهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ) . فَمَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ: يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُضَارِبُ جُزْءًا مِنْ

الرِّبْحِ مَجْهُولًا، أَوْ رِبْحَ أَحَدِ الْكِيسَيْنِ، أَوْ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ، أَوْ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ إحْدَى السُّفْرَتَيْنِ، أَوْ مَا يَرْبَحُ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَهَذَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ شَرَطَ تَوْقِيتَهَا، أَوْ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ: فَسَدَ الْعَقْدُ. وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَيَخْرُجُ فِي سَائِرِهَا رِوَايَتَانِ. وَشَمِلَ قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ لُزُومَ الْمُضَارَبَةِ، أَوْ لَا يَعْزِلُهُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا، أَوْ لَا يَبِيعُ إلَّا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَقَلَّ. أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِي، أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ السِّلَعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: كَاشْتِرَاطِ مَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ وَلَا مُقْتَضَاهُ. نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُضَارِبِ. الْمُضَارَبَةَ لَهُ فِي مَالٍ آخَرَ، أَوْ يَأْخُذَهُ بِضَاعَةً، أَوْ قَرْضًا، أَوْ أَنْ يَخْدُمَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَنْ يَرْتَفِقَ بِبَعْضِ السِّلَعِ، كَلُبْسِ الثَّوْبِ، وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُضَارِبِ ضَمَانَ الْمَالِ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ، أَوْ أَنَّهُ مَتَى بَاعَ السِّلْعَةَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. إحْدَاهُمَا: لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فَالْمَذْهَبُ: صِحَّةُ الْعَقْدِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُفْسِدُ الْعَقْدَ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ: تَخْرِيجًا مِنْ الْبَيْعِ وَالْمُزَارَعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ: قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ فَسَدَ بِغَيْرِ جَهَالَةِ الرِّبْحِ: وَجَبَ الْمُسَمَّى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَأَجْرَاهَا مَجْرَى الصَّحِيحَةِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَاسِدِ نَصِيبَ الْمِثْلِ. فَيَجِبُ مِنْ الرِّبْحِ جُزْءٌ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ. وَأَنَّهُ قِيَاسُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مُشَارَكَةٌ، لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . هُمَا رِوَايَتَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الرُّجُوعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَأَجْرَاهَا كَالصَّحِيحَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ تَعَدَّى الشَّرِيكُ مُطْلَقًا ضَمِنَ. وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ فَهُوَ كَفُضُولِيٍّ. وَنَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ لِرَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ نَقَدَهُ وَرَبِحَ، ثُمَّ أَجَازَهُ: فَلَهُ الْأُجْرَةُ فِي رِوَايَةٍ. وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ فَلَا. وَعَنْهُ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي تَعَدِّي الْمُضَارِبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَحُطَّ بِالرِّبْحِ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ، وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِرَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ هَذَا بَعْدُ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، أَوْ مَا شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ. وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَفِي بَعْضِ كَلَامِهِ: إنْ أَجَازَهُ بِقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ. انْتَهَى. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَإِنْ تَعَدَّى عَامِلٌ مَا أَمَرَا ... بِهِ الشَّرِيكَ ثُمَّ رِبْحٌ ظَهَرَا وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لَهُ ... لَا وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ نَصٌّ نُقِلَا بَلْ صَدِّقْهُ ذَا يَحْسُنُ ... لِأَنَّ ذَاكَ رِبْحُ مَا لَا يُضْمَنُ ذَكَرَهَا فِي الْمُضَارَبَةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ مَالٍ لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهُ فِي التِّجَارَةِ، قِيلَ: لِلْمَالِكِ. وَقِيلَ: لِلْعَامِلِ. وَقِيلَ: يَتَصَدَّقَانِ بِهِ. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ النَّفْعَيْنِ، بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، إلَّا أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعُدْوَانِ، مِثْلُ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَالُ نَفْسِهِ، فَيَبِينُ مَالَ غَيْرِهِ. فَهُنَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بِلَا رَيْبٍ.

وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ مَعَ الرِّبْحِ فِيهِ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ، فَهُنَا يَتَوَجَّهُ قَوْلُ مَنْ لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا. فَإِذَا تَابَ أُبِيحَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ. فَإِذَا لَمْ يَتُبْ فَفِي حِلِّهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ شَيْئًا كَفَرَسٍ وَكَسَبَ بِهِ مَالًا: يُجْعَلُ الْكَسْبُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمَا، بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ، ثُمَّ يُقْسَمَ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَسَبَ: فَالْوَاجِبُ أَنْ يُغَطِّيَ الْمَالِكُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ قِيمَةِ نَفْعِهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ " الْمُضَارَبَةُ " هِيَ دَفْعُ مَالِهِ إلَى آخَرَ يَتَّجِرُ بِهِ. وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَتُسَمَّى " قِرَاضًا " أَيْضًا. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ. وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ غَالِبًا. وَقِيلَ: مَنْ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ. وَ " الْقِرَاضُ " مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَطْعِ عَلَى الصَّحِيحِ. فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْعَامِلِ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ. وَقِيلَ: مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُوَازَنَةِ. فَمِنْ الْعَامِلِ: الْعَمَلُ، وَمِنْ الْآخَرِ: الْمَالُ. فَتَوَازَنَا. وَمَبْنَى " الْمُضَارَبَةِ " عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ. فَإِذَا ظَهَرَ رِبْحٌ صَارَ شَرِيكًا فِيهِ. فَإِنْ فَسَدَتْ: صَارَتْ إجَارَةً. وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. فَإِنْ خَالَفَ الْعَامِلُ صَارَ غَاصِبًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك، أَوْ لِي: لَمْ يَصِحَّ) . يَعْنِي إذَا قَالَ إحْدَاهُمَا، مَعَ قَوْلِهِ " مُضَارَبَةً " لَمْ يَصِحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ: هِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ يَسْتَحِقُّ فِيهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، لَكِنَّهُ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَرَضِيَ بِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّهُ إبْضَاعٌ صَحِيحٌ. فَرَاعَى الْحُكْمَ دُونَ اللَّفْظِ. وَعَلَى هَذَا: يَكُونُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَرْضًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ) . يَعْنِي: وَلَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الْعَامِلِ. (فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ لِلْعَامِلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَا: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّصْحِيحِ الْكَبِيرِ.

وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. فَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَتَى مَعَهُ بِرُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي وَنَحْوِهِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ. وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَك الثُّلُثُ وَلِي النِّصْفُ " صَحَّ. وَكَانَ السُّدُسُ الْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهَا. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ: حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ: حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ، وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ) . وَفِيمَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ وَالنُّقْرَةِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا وَهَكَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ. أَعْنِي: أَنَّهُمْ جَعَلُوا شَرِكَةَ الْعِنَانِ أَصْلًا، وَأَلْحَقُوا بِهَا الْمُضَارَبَةَ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: حُكْمُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ. فَجَعَلُوا الْمُضَارَبَةَ أَصْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا ذَكَرُوا. قَوْلُهُ (وَفِي الشُّرُوطِ: وَإِنْ فَسَدَتْ فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ) خَسِرَ أَوْ كَسَبَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ.

وَقَالَ: وَعَنْهُ يَتَصَدَّقَانِ بِالرِّبْحِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ مَا شَرَطَهُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ. وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرْطَاهُ. كَمَا قَالَ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْمُضَارِبُ شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ: اسْتَحَقَّ لِمَا صَرَفَهَا. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيتَ الْمُضَارَبَةِ. فَهَلْ تَفْسُدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَفْسُدُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَفْسُدُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ قَالَ: ضَارَبْتُك سَنَةً، أَوْ شَهْرًا: بَطَلَ الشَّرْطُ. وَعَنْهُ: وَالْعَقْدُ. قُلْت: وَإِنْ قَالَ: لَا تَبِعْ بَعْدَ سَنَةٍ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ قَالَ: لَا تُتْبَعُ بَعْدَهَا: صَحَّ. كَمَا لَوْ قَالَ: لَا تَتَصَرَّفُ بَعْدَهَا. وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ قَالَ: مَتَى مَضَى الْأَجَلُ فَهُوَ قَرْضٌ. فَمَضَى وَهُوَ مَتَاعٌ. فَلَا بَأْسَ إذَا بَاعَهُ أَنْ يَكُونَ قَرْضًا. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ.

وَيَصِحُّ قَوْلُهُ: إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ فَلَا تَشْتَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا يَصِحُّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَرْضَ وَضَارِبْ بِثَمَنِهِ صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ بِالْحَوَالَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ بَابِ السَّلَمِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَاحْتِمَالٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى شِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَبَنَاهُ فِي النِّهَايَةِ عَلَى قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِمُوَكِّلِهِ. وَفِيهِمَا رِوَايَتَانِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَالَ: إذَا قَبَضْت الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ، فَقَدْ ضَارَبْتُك بِهِ: لَمْ يَصِحَّ وَلَهُ أُجْرَةُ تَصَرُّفِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: يُحْتَمَلُ صِحَّةُ الْمُضَارَبَةِ. إذْ يَصِحُّ عِنْدَنَا تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ، فَقَالَ الْمَالِكُ: ضَارِبْ بِهَا: صَحَّ. وَيَزُولُ ضَمَانُ الْغَصْبِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَزُولُ ضَمَانُ الْغَصْبِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ: هُوَ قَرْضٌ عَلَيْك شَهْرًا، ثُمَّ هُوَ مُضَارَبَةٌ: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ الْفَائِقُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ فِيهِ هُوَ وَآخَرُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا: صَحَّ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَيَكُونُ مُضَارَبَةً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ.، وَالْمُحَرَّرِ، الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ يَصِحَّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْهَادِي. وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ عَمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ بَهِيمَةً عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَصِحُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُلَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: يُشْتَرَطُ عِلْمُ عَمَلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ النِّصْفِ. وَالْمَذْهَبُ لَا. فَائِدَةٌ وَكَذَا حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَا يَضُرُّ عَمَلُ الْمَالِكِ بِلَا شَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: اعْمَلْ فِي الْمَالِ، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَبَيْنَنَا: صَحَّ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمِنْهَا: مَا نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَوْصِلِ فَيُوَجَّهُ إلَيْهِ بِطَعَامٍ فَيَبِيعُهُ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ، وَيُوَجَّهُ إلَيْهِ إلَى الْمَوْصِلِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، إذَا كَانُوا تَرَاضَوْا عَلَى الرِّبْحِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " لِيَعْمَلَا فِيهِ لَوْ اشْتَرَكَا فِي مَالَيْنِ وَبَدَنِ أَحَدِهِمَا ". قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. فَإِنْ فَعَلَ: صَحَّ وَعَتَقَ وَضَمِنَ ثَمَنَهُ) . لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. فَإِنْ فَعَلَ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا صِحَّةَ الشِّرَاءِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ،

وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صِحَّةُ الشِّرَاءِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشِّرَاءُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْكَافِي. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ كَمَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ وَشِرَاءَهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُهُ. يَعْنِي كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ نَذَرَ رَبُّ الْمَالِ عِتْقَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُهُ. ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ الْحَجْرِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ هُنَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْعَاقِدِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صِحَّةُ الشِّرَاءِ. قَالَهُ الْقَاضِي انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَلِلْعَاقِدِ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَيْنِ، فَبَاطِلٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ مُطْلَقًا. أَعْنِي سَوَاءً عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ، سَوَاءً عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَقَالَ: لِأَنَّ الْأُصُولَ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ فِي بَابِ الضَّمَانِ كَالْمَعْذُورِ وَكَمَنْ رُمِيَ إلَى صَفِّ الْمُشْرِكِينَ. انْتَهَى.

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. وَلَوْ كَانَ عَالِمًا أَيْضًا. وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَنَ، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْقَوَاعِدِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَسْقُطُ عَنْ الْعَامِلِ قِسْطُهُ مِنْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَسْقُطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ) يَعْنِي امْرَأَةَ رَبِّ الْمَالِ (صَحَّ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ) . وَكَذَا لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ امْرَأَةً وَاشْتَرَى الْعَامِلُ زَوْجَهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ الشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بِالْعَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِيهِ أَيْضًا. قُلْت: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ: لَمْ يَعْتِقْ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقِيلَ: يَعْتِقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، فَهَلْ يُعْتَقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ لِلرِّبْحِ بَعْدَ الظُّهُورِ وَعَدَمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ، الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ: عَتَقَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ: لَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ: عَتَقَ عَلَيْهِ قَدْرُ حِصَّتِهِ، وَسَرَى إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَغَرِمَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ. لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ. وَأَطْلَقَ الْعِتْقَ وَعَدَمَهُ، إذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ ظَهَرَ رِبْحٌ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ وَقُلْنَا: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَلَمْ يَسْرِ. إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي ارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ. فَائِدَةٌ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا آخَرَ بِعَيْنِ

الْأَلْفِ. فَالشِّرَاءُ فَاسِدٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ " وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ ". تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ، إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ) . أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يُضَارِبَ لِآخَرَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ لِتَقْيِيدِهِمْ الْمَنْعَ بِالضَّرَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: مَتَى اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَقَدْ صَارَ أَجِيرًا لَهُ. فَلَا يُضَارِبُ لِغَيْرِهِ. قِيلَ: فَإِنْ كَانَتْ لَا تَشْغَلُهُ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي. لَا بُدَّ مِنْ شُغْلٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ لَمْ يَأْخُذْ لِغَيْرِهِ مُضَارَبَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ رَبُّ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى مِنْ رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ رَبَّ الْأُولَى لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ رِبْحِ الثَّانِيَةِ: لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُ فِيهِمَا وَلَا مَالَ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ دَفْعُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِآخَرَ مُضَارَبَةً مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا بِجَوَازِهِ. بِنَاءً عَلَى تَوَكُّلِ الْوَكِيلِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَحَكَى رِوَايَةً بِالْجَوَازِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا: وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّخْرِيجُ. انْتَهَى. وَلَا أُجْرَةَ لِلثَّانِي عَلَى رَبِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ بَلَى. وَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ: مَعَ جَهْلِهِ كَدَفْعِ الْغَاصِبِ مَالَ الْغَصْبِ مُضَارَبَةً، وَأَنَّ مَعَ الْعِلْمِ لَا شَيْءَ لَهُ. وَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إنْ كَانَ شِرَاءَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ. وَذَكَرُوا وَجْهًا: وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ: كَانَ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، فَعِنْدِي: أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بَيْنَ الْعَامِلِينَ نِصْفَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِمَالِ نَفْسِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ. فَيَدْخُلُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يَشْتَرِي الْمَالِكُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. صَحَّحَهَا الْأَزَجِيُّ. فَعَلَيْهِمَا: يَأْخُذُ بِشُفْعَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: إنْ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. صَحَّحَهَا الْأَزَجِيُّ كَمُكَاتَبِهِ. فَعَلَيْهَا: يَأْخُذُ بِشُفْعَةٍ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إذَا اسْتَغْرَقَتْهُ الدُّيُونُ. وَأَمَّا شِرَاءُ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ: فَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْحَجْرِ. فِي أَحْكَامِ الْعَبْدِ. فَائِدَةٌ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا ظَهَرَ رِبْحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ الشِّرَاءُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ: صَحَّ. وَإِنْ اشْتَرَى الْجَمِيعَ بَطَلَ: فِي نَصِيبِهِ. وَفِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَجْهَانِ) قَالَ الْأَصْحَابُ: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْجَمِيعِ) . بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ إلَّا بِشَرْطٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَيْسَ لَهُ نَفَقَةٌ. إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إعَادَةٍ فَيَعْمَلُ بِهَا. وَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْعَادَةَ مَقَامَ الشَّرْطِ. وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ وَأَطْلَقَ: فَلَهُ جَمِيعُ نَفَقَتِهِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ بِالْمَعْرُوفِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَفَقَةٌ إلَّا مِنْ الْمَأْكُولِ خَاصَّةً. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ: كِسْوَةٍ جَوَازُهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُنْفِقُ عَلَى مَعْنَى مَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ، غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَلَا مُضِرٍّ بِالْمَالِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: كَطَعَامِ الْكَفَّارَةِ. وَأَقَلُّ مَلْبُوسٍ مِثْلُهُ. وَقِيلَ: هَذَا التَّقْدِيرُ مَعَ التَّنَازُعِ. فَائِدَةٌ لَوْ لَقِيَهُ بِبَلَدٍ أَذِنَ فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ. وَقَدْ نَصَّ الْمَالُ. فَأَخَذَهُ رَبُّهُ: فَلِلْعَامِلِ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ فِي وَجْهٍ. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: لَا نَفَقَةَ لَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ فِي وَجْهٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا رَجَعَ فِي الْقُوتِ: إلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي الْمَلْبُوسِ: إلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا تَحَكُّمٌ. وَقِيلَ: لَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لِنَفْسِهِ يَبِيعُ فِيهِ وَيَشْتَرِي. أَوْ مُضَارَبَةٌ أُخْرَى، أَوْ بِضَاعَةٌ لِآخَرَ: فَالنَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ قَدْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ. مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي فَاشْتَرَى: جَارِيَةً مَلَكَهَا وَصَارَ ثَمَنُهَا قَرْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: فَإِنْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَتَسَرَّى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ الْمَالِ إذَا أُذِنَ لَهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ. فَأَجَازَ لَهُ ذَلِكَ. بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتِيَارِيٌّ: مَا نَقَلَهُ يَعْقُوبُ. فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسَرِّي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَاسْتَبَاحَ الْبُضْعَ بِغَيْرِ مِلْكِ يَمِينٍ وَلَا عَقْدِ نِكَاحٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ التَّسَرِّي بِإِذْنِهِ، فِي رِوَايَةٍ فِي الْفُصُولِ. وَالْمُذْهَبِ: أَنَّهُ يَمْلِكُهَا وَيَصِيرُ ثَمَنُهَا قَرْضًا. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ: اعْتِبَارَ تَسْمِيَةِ ثَمَنِهَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إذَا اشْتَرَطَ الْمُضَارِبُ التَّسَرِّيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَاشْتَرَى أَمَةً مِنْهُ مَلَكَهَا، وَيَكُونُ ثَمَنُهَا قَرْضًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِدُونِ الْمَالِكِ. وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى: يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْأَمَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ. فَلَوْ خَالَفَ وَوَطِئَ عُزِّرَ،

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ: وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يُحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ بِشَرْطِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ رَزِينٍ: إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ عُزِّرَ. وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَقِيمَتُهَا إنْ أَوْلَدَهَا، وَإِلَّا حُدَّ عَالِمٌ. وَنَصَّهُ: يُعَزَّرُ. كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ حُدَّ، وَمَلَكَ رَبُّ الْمَالِ وَلَدَهُ. وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ: فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَسَقَطَ مِنْ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ قَدْرُ حَقِّ الْعَامِلِ وَلَمْ يُحَدَّ. نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَطَأُ رَبُّ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الرِّبْحُ رَأْسًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ فَعَلَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ، فَرَبِحَ فِي إحْدَاهُمَا، وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَرَضٍ، أَوْ عَيْبٍ حَدَثَ أَوْ نُزُولِ سِعْرٍ، أَوْ فَقْدِ صِفَةٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ تَلِفَتْ، أَوْ بَعْضُهَا جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ الرِّبْحِ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا حَصَلَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ وَقَبْلَهُ: جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ. قَبْلَ قِسْمَتِهَا نَاضًّا، أَوْ تَنْضِيضِهِ مَعَ مُحَاسَبَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: جُبِرَ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ. وَقِيلَ: وَبَعْدَهَا، مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ. انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ الْبَاقِي خَاصَّةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْمُضَارَبَةِ: فَهِيَ لَهُ. وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُجْبِرَهُ رَبُّ الْمَالِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَغَيْرِهِمْ: هُوَ كَفُضُولِيٍّ. وَتَقَدَّمَ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ لِآخَرَ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَأَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ مَلَكَهُ " فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فَكَذَا هُنَا. وَعَنْهُ: يَكُونُ لِلْعَامِلِ لُزُومًا. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ ذَلِكَ مُضَارَبَةً، عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَ: وَعَنْهُ: أَنْ يُجِيزَهُ مَالِكٌ صَارَ مِلْكُهُ مُضَارَبَةً لَا غَيْرَهَا فِي الْمُجَرَّدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ: فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) . إذَا تَلِفَتْ بَعْدَ التَّصَرُّفِ، وَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ الثَّمَنِ دُونَ التَّالِفِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هَذَا الثَّمَنُ وَالتَّالِفُ أَيْضًا. وَكَذَا إنْ كَانَ التَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَحَكَاهُ فِي الْكُبْرَى قَوْلًا. فَعَلَيْهِ تَبْقَى الْمُضَارَبَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِلَا نِزَاعٍ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهَا، أَوْ تَلِفَ هُوَ وَالسِّلْعَةُ: فَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلِرَبِّ السِّلْعَةِ: مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالثَّمَنِ. وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَامِلِ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ: ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ظَهَرَ رِبْحٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكَانُ " قَبْلَ الْقِسْمَةِ ": بِالظُّهُورِ. إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ: يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْهُ بِظُهُورِهِ. كَالْمِلْكِ وَكَمُسَاقَاةٍ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِالْمَالِ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِيهِ، فَأَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ: عَتَقَا، وَلَمْ يَضْمَنْ لِلْعَامِلِ شَيْئًا. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَمْلِكُهَا بِالْمُحَاسَبَةِ وَالتَّنْضِيضِ وَالْفَسْخِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالْقَبْضِ. وَنَصَّ عَلَيْهَا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا بِالْمُقَاسَمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَلَا يَسْتَقِرُّ بِدُونِهَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَسْتَقِرُّ بِالْمُحَاسَبَةِ التَّامَّةِ. كَابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ. وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ صَرِيحًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: إتْلَافُ الْمَالِكِ كَالْقِسْمَةِ. فَيَغْرَمُ نَصِيبَهُ. وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ. تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَوَائِدِ قَوَاعِدِهِ، وَغَيْرِهَا. نَذْكُرُهَا هُنَا مُلَخَّصَةً. مِنْهَا: انْعِقَادُ الْحَوْلِ عَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ بِالظُّهُورِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَمِنْهَا: لَوْ وَطِئَ الْمُضَارِبُ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَتَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ شِقْصًا لِلْمُضَارَبَةِ وَلَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ. فَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ،

أَوْ كَانَ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَلَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ. فَكَذَا الْأَخْذُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ الْمُضَارِبِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مِلْكِهِ مِنْ الرِّبْحِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَابَعَهُ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ. وَاخْتَارَهُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَالثَّانِي: لَهُ الْأَخْذُ. وَخَرَّجَهُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حِصَّتِهِ. فَإِنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ شَرِيكًا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ. وَمَعَ تَصَرُّفِهِ لِنَفْسِهِ تَزُولُ التُّهْمَةُ، وَعَلَى هَذَا: فَالْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وَلَا بُدَّ. وَمِنْهَا: لَوْ أَسْقَطَ الْمُضَارِبُ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ بَعْدَ ظُهُورِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ: لَمْ يَسْقُطْ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ، فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَارَضَ الْمَرِيضُ، وَسَمَّى لِلْعَامِلِ فَوْقَ تَسْمِيَةِ الْمِثْلِ. فَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ: يَجُوزُ. وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْحَادِثِ. وَيَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُضَارِبِ، دُونَ الْمَالِكِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْقِسْمَةِ: احْتَمَلَ أَنْ يُحْتَسَبَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ حِينَئِذٍ عَنْ مِلْكِهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُحْتَسَبَ مِنْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. فَائِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ: الْمَهْرُ وَالثَّمَرُ وَالْأُجْرَةُ، وَالْأَرْشُ. وَكَذَا النِّتَاجُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ، فَأَبَى رَبُّ الْمَالِ: أُجْبِرَ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَإِلَّا فَلَا) .

يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى تَقْدِيرِ الْخَسَارَةِ يُتَّجَهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرْضًا، أَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ فَلَهُ ذَلِكَ) . إذَا انْفَسَخَ الْقِرَاضُ مُطْلَقًا، وَالْمَالُ عَرْضٌ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرْضًا. بِأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِذَا ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُطَالِبَ بِقِسْطِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ الْحِيلَةَ لِيَخْتَصَّ بِالرِّبْحِ، بِأَنْ كَانَ الْعَامِلُ اشْتَرَى خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ يَرْجُوَ دُخُولَ مَوْسِمٍ أَوْ قَفْلٍ: فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْقَى مِنْ الرِّبْحِ. قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ الْأَصْحَابَ يُخَالِفُونَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: أَصْلُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحِيَلَ لَا أَثَرَ لَهَا. انْتَهَى. وَإِذَا لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ عَرْضًا، وَطَلَبَ الْبَيْعَ، أَوْ طَلَبَهُ ابْتِدَاءً: فَلَهُ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُ الْمُضَارِبَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَأَسْقَطَ الْعَامِلُ حَقَّهُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ فِي الْجَمِيعِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: فِي اسْتِقْرَارِهِ بِالْفَسْخِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: الْأَوْلَى الِاسْتِقْرَارُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ الْمُضَارَبَةَ، وَالْمَالُ عَرْضٌ: انْفَسَخَتْ. وَلِلْمُضَارِبِ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِرِبْحِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، فِي بَابِ الشَّرِكَةِ: أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَنْعَزِلُ مَا دَامَ عَرْضًا. بَلْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ. وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ عَزْلُهُ، وَأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُضَارَبَةِ: أَنَّ الْمُضَارِبَ يَنْعَزِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ، دُونَ الْبَيْعِ. وَحَمَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مُطْلَقَ كَلَامِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ. وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ، مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَالِكِهِ. وَقَالَ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ: الْمُضَارَبَةُ كَالْجِعَالَةِ. لَا يَمْلِكُ رَبُّ الْمَالِ فَسْخَهَا بَعْدَ تَلَبُّسِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ. وَأَطْلَقَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ: إنَّمَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ الْفَسْخَ بَعْدَ أَنْ يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ، وَيَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَسْخَ. قَالَ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَذْهَبِنَا. وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَاتِ الْفَسْخُ مَعَ كَتْمِ شَرِيكِهِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ حَسَنٌ، جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فِي اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ وَسَدِّ الذَّرَائِعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ، فَصَارَ دَنَانِيرَ: أَوْ عَكْسُهُ: فَهُوَ كَالْعَرْضِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ قُلْنَا هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَلْزَمْ، وَلَا فَرْقَ. لِقِيَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَدُورُ الْكَلَامُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَوْ كَانَ صِحَاحًا فَنَضَّ قُرَاضَةً، أَوْ مُكَسَّرَةً: لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّهُ إلَى الصِّحَاحِ. فَلْيَبِعْهَا بِصِحَاحٍ، أَوْ بِعَرْضٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ) يَعْنِي كُلَّهُ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تَقَاضِيهِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لَا غَيْرُ. فَائِدَةٌ لَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ تَقَاضِي الدَّيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ عَلَى حَالِهِ إنْ فَسَخَ الْوَكَالَةَ بِلَا إذْنِهِ. وَكَذَا حُكْمُ الشَّرِيكِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَارَضَ فِي الْمَرَضِ، فَالرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي الْفَوَائِدِ قَرِيبًا. فَلْيُعَاوَدْ. وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. فَائِدَةٌ لَوْ سَاقَى، أَوْ زَارَعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: يُحْتَسَبُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْبُلْغَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ: أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُضَارَبَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي لِكَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْمُضَارِبُ (فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ) . لِصَاحِبِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ لَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ: فَكَأَنَّهُ غَاصِبٌ. فَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ. إلَّا إذَا مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ. وَقِيلَ: يَكُونُ كَالْوَدِيعَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ تَقْرِيرَ وَارِثِ الْمُضَارِبِ: جَازَ. وَيَكُونُ مُضَارَبَةً مُبْتَدَأَةً. يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْمُضَارَبَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَقَارِضَيْنِ، أَوْ جُنَّ، أَوْ وَسْوَسَ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ: انْفَسَخَ الْقِرَاضُ. وَيَقُومُ وَارِثُ رَبِّ الْمَالِ مَقَامَهُ. فَيُقَرَّرُ مَا لِلْمُضَارِبِ. وَيُقَدَّمُ عَلَى غَرِيمٍ. وَلَا يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ فِي بَيْعٍ وَاقْتَضَاهُ دَيْنٌ كَفَسْخِهَا وَالْمَالِكُ حَيٌّ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا أَرَادَ الْوَارِثُ تَقْرِيرَهُ، فَهِيَ مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هِيَ اسْتِدَامَةٌ. انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا، وَأَرَادَ إتْمَامَهُ: فَهِيَ مُضَارَبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْيَسُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ. كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا الْوَدِيعَةُ) . يَعْنِي: أَنَّهَا تَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هِيَ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا تَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هِيَ فِي تَرِكَتِهِ. إلَّا أَنْ يَمُوتَ فَجْأَةً. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ: أَوْ يُوصِي إلَى عَدْلٍ. وَيَذْكُرُ جِنْسَهَا. كَقَوْلِهِ " قَمِيصٌ " فَلَمْ يُوجَدْ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ مَاتَ وَصِيٌّ وَجُهِلَ بَقَاءُ مَالِ مُوَلِّيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ فِي تَرِكَتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ عَبْدَهُ أَوْ دَابَّتَهُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا بِجُزْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ ثَوْبًا يَخِيطُهُ، أَوْ غَزْلًا يَنْسِجُهُ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهُ: جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ: يَجُوزُ فِيهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: خَرَّجَ الْقَاضِي بُطْلَانَهُ.

وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ فِيمَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْجَمِيعِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ: وَمِثْلُهُ حَصَادُ زَرْعِهِ، وَطَحْنُ قَمْحِهِ، وَرَضَاعُ رَقِيقِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي الْإِجَارَةِ. قَالَ فِي الصُّغْرَى: وَفِي اسْتِئْجَارِهِ لِنَسْجِ غَزْلِهِ ثَوْبًا، أَوْ حَصَادِ زَرْعِهِ، أَوْ طَحْنِ قَفِيزِهِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ: رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَجِدُّ نَخْلَهُ، أَوْ يَحْصُدُ زَرْعَهُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ: جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَأَطْلَقَ فِي نَسْجِ الْغَزْلِ، وَطَحْنِ الْقَفِيزِ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي نَسْجِ الْغَزْلِ، وَحَصَادِ الزَّرْعِ، وَإِرْضَاعِ الرَّقِيقِ بِجُزْءٍ: الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ فِي الْإِجَازَةِ. وَكَذَا غَزْوُهُ بِدَابَّةٍ بِجُزْءٍ مِنْ السَّهْمِ وَنَحْوِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ، وَأَبُو دَاوُد: يَجُوزُ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، كَأَرْضٍ بِبَعْضِ الْخَرَاجِ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ قَفِيزِ الطَّحَّانِ. وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ، أَوْ خَشَبًا لِيَنْجُرَهُ: صَحَّ. إنْ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: مَسَائِلُ الدَّابَّةِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَرِكَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَرْبٍ، وَأَنَّ مِثْلَهُ الْفَرَسُ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ.

وَنَقَلَ مُهَنَّا فِي الْحَصَادِ: هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمُقَاطَعَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ: دَفْعُ الشَّبَكَةِ لِلصَّيَّادِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَالنَّحْلُ، وَالدَّجَاجُ، وَالْحَمَامُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْكُلُّ لِلصَّيَّادِ. وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلشَّبَكَةِ. وَعَنْهُ: وَلَهُ مَعَهُ جُعْلُ نَقْدٍ مَعْلُومٍ كَعَامِلٍ. وَعَنْهُ: لَهُ دَفْعُ دَابَّتِهِ أَوْ نَحْلِهِ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْمُذْهَبُ: لَا، لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، وَيَجُوزُ بِجُزْءٍ مِنْهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَنَمَاؤُهُ مِلْكٌ لَهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْإِجَارَةِ وَفِي الطَّحْنِ بِالنُّخَالَةِ، وَعَمَلُ السِّمْسِمِ شَيْرَجًا بِالْكَسْبِ، وَالسَّلْخِ بِالْجِلْدِ، وَالْحَلْجِ بِالْحَبِّ: وَجْهَانِ. وَكَذَا قَالَ فِي الصُّغْرَى فِي الطَّحْنِ، وَعَمَلُ السِّمْسِمِ، وَالْحَلْجِ. وَحَكَى فِي الطَّحْنِ بِالنُّخَالَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي الْإِجَارَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخَذَ مَاشِيَةً لِيَقُومَ عَلَيْهَا بِرَعْيٍ وَعَلَفٍ وَسَقْيٍ وَحَلْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِجُزْءٍ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ. وَلَهُ أُجْرَتُهُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْمُضَارَبَةِ.

وَقَالَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ رَاعِي غَنَمٍ مَعْلُومَةٍ يَرْعَاهَا بِثُلُثِ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا، وَصُوفِهَا، وَشَعْرِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَقِيلَ: فِي صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ رَاعِي الْغَنَمِ بِبَعْضِ نَمَائِهَا رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَالْأَوْكَدُ مَنْعُ إعْطَاءِ مَاشِيَةٍ لِمَنْ ... يَعُودُ بِثُلُثِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَسْنَدَ وَإِنْ يَرْعَهَا حَوْلًا كَامِلًا بِثُلُثِهَا ... لَهُ الثُّلُثُ بِالنَّامِي يَصِحُّ بِأَوْطَدَ وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَالْعَامِلُ أَمِينٌ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ) . حُكْمُ الْعَامِلِ فِي دَعْوَى التَّلَفِ: حُكْمُ الْوَكِيلِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رَدِّهِ إلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَجَدْت ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَيْضًا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً، فَجَاءَ بِأَلْفٍ. فَقَالَ: هَذَا رِبْحٌ، وَقَدْ دَفَعْت إلَيْك أَلْفًا رَأْسَ مَالِكَ قَالَ: هُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا قَالَ. قَالَ: وَوَجَدْت فِي مَسَائِلِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَحْوَ هَذَا أَيْضًا.

وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُهَنَّا فِي مُضَارِبٍ دَفَعَ إلَى رَبِّ الْمَالِ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَوْلُهُ (وَالْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَامِلِ) . يَعْنِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِيمَا شَرَطَ لِلْعَامِلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَسَنَدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ، إذَا ادَّعَى أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَإِنْ جَاوَزَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ: رَجَعَ إلَيْهَا. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا عُرْفًا. وَجَزَمَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. فَائِدَةٌ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ قَالَ: دَفَعْته مُضَارَبَةً. قَالَ: بَلْ قَرْضًا، وَلَهُمَا بَيِّنَتَانِ قَالَ: الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْأَزَجِيِّ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مِثْلِ هَذَا: فِيمَنْ ادَّعَى مَا فِي كِيسٍ، وَادَّعَى آخَرُ نِصْفَهُ: رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَالثَّانِيَةُ: لِأَحَدِهِمَا رُبُعُهُ، وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ.

قَوْلُهُ (وَفِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً أَوْ الشِّرَاءِ بِكَذَا) . يَعْنِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، أَوْ الشِّرَاءِ بِكَذَا وَكَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْمَالِكِ فِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ. وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ قَوْلًا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِق، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَلَمْ أَجِدْ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا رِوَايَةً، وَلَا وَجْهًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُسْتَوْعِبِ حَكَى بَعْدَ قَوْلِهِ " الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ " أَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. وَرُبَّمَا حَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ وَجْهًا. وَأَظُنُّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. أَوْ ظَنَّ قَوْلَ ابْنِ أَبِي مُوسَى يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَفِي الْجُمْلَةِ: لِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ وَجْهٌ مِنْ الدَّلِيلِ لَوْ وَافَقَ رِوَايَةً أَوْ وَجْهًا، وَذَكَرَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ: رَبِحْت أَلْفًا، ثُمَّ خَسِرْتهَا، أَوْ هَلَكَتْ: قُبِلَ قَوْلُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ قَالَ غَلِطْت: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) . وَكَذَا لَوْ قَالَ " نَسِيت " أَوْ " كَذَبْت " وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

نَقَلَ أَبُو دَاوُد وَمُهَنَّا: إذَا أَقَرَّ بِرِبْحٍ، ثُمَّ قَالَ " إنَّمَا كُنْت أَعْطَيْتُك مِنْ رَأْسِ مَالِكَ " يُصَدَّقُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَخَرَجَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ. فَائِدَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي أَنَّهُ رَبِحَ أَمْ لَا؟ وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الرِّبْحِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَنَقَلَ الْحَلْوَانِيُّ فِيهِ رِوَايَاتٍ كَعِوَضِ كِتَابَةٍ الْقَبُولُ، وَعَدَمُهُ. وَالثَّالِثَةُ: يَتَحَالَفَانِ. وَجَزَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. قُلْتُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ) أَيْ الشَّرِكَةُ بِالْوُجُوهِ. (وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِجَاهِهِمَا دَيْنًا) . أَيْ شَيْئًا إلَى أَجَلٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسَوَاءٌ عَيَّنَا جِنْسَ الَّذِي يَشْتَرُونَهُ أَوْ قَدْرَهُ أَوْ وَقْتَهُ، أَوْ لَا. فَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا: صَحَّ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا. فَقَالَ الْقَاضِي: مُرَادُ الْخِرَقِيِّ: أَنْ يَدْفَعَ وَاحِدٌ مَالَهُ إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً. فَيَكُونُ الْمُضَارِبَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الرِّبْحِ بِمَالِ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا أَخَذَا الْمَالَ بِجَاهِهِمَا لَمْ يَكُونَا مُشْتَرِكَيْنِ بِمَالِ غَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ. وَحَمَلَ غَيْرُ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى الْأَوَّلِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَا: وَاخْتَرْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ: لِأَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ جَامِعًا

لِأَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ. وَعَلَى تَفْسِيرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُخِلًّا بِنَوْعٍ مِنْهَا. وَهِيَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعَلَى هَذَا: يَكُونُ هَذَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُضَارَبَةِ. وَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ لِلْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ. قَوْلُهُ (وَالْمِلْكُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ) . فَهُمَا كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ، لَكِنْ هَلْ يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا، أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ؟ فِيهِ وَجْهًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي شَرِكَةِ عِنَانٍ مِثْلُهُ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالنِّيَّةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُمَا فِي كُلِّ التَّصَرُّفِ، وَمَا لَهُمَا وَمَا عَلَيْهِ: كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ. وَقَالَ فِي شَرِيكَيْ الْعِنَانِ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينُ الْآخَرِ وَوَكِيلُهُ. وَإِنْ قَالَ لِمَا بِيَدِهِ: هَذَا لِي، أَوْ لَنَا، أَوْ اشْتَرَيْته مِنْهَا لِي، أَوْ لَنَا: صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ خَسِرَ. انْتَهَى. فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهُمَا فِي كُلِّ التَّصَرُّفِ كَشَرِيكَيْ عِنَانٍ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) . وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. لِئَلَّا يَأْخُذَ رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ. وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَّتِهِمَا مِنْ عَمَلٍ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا. يُطَالَبَانِ بِهِ. وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي احْتِمَالًا: لَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصِّنَاعَةِ، فِي الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَجْوَدُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ فِي الِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ فِي الْأَصَحِّ

كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) . أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْأَصَحُّ: وَلَوْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ: فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَا لِيَحْمِلَا عَلَى دَابَّتَيْهِمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا: صَحَّ. فَإِنْ تَقَبَّلَا حَمْلَ شَيْءٍ، فَحَمَلَاهُ عَلَيْهِمَا: صَحَّتْ الشَّرِكَة. وَالْأُجْرَةُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بَلْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَمَا لَوْ أَطْلَقَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلِلشَّاهِدِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، إنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِعَيْنِهِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ. قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ إكْرَاهُهُمْ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ نَظَرًا فِي الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا.

وَقَالَ أَيْضًا: إنْ اشْتَرَكُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا حَصَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ إذَا كَتَبَ أَحَدُهُمْ، وَشَهِدَ: شَارَكَهُ الْآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ. فَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ. تَجُوزُ حَيْثُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ. وَأَمَّا حَيْثُ لَا تَجُوزُ: فَفِيهَا وَجْهَانِ. كَشَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ. الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الدَّلَّالِينَ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ وَكَالَةٍ، وَهِيَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ. كَأَجِّرْ دَابَّتَك، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الشَّرْعِيَّةَ: لَا تَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ وَالْوَكَالَةِ، وَلَا وَكَالَةَ هُنَا. فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمَا عَلَى بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ. وَلَا ضَمَانَ. فَإِنَّهُ لَا دَيْنَ يَصِيرُ بِذَلِكَ فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا تَقَبُّلَ عَمَلٍ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: تَصِحُّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِهَا. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْخُذُ الثَّوْبَ لِيَبِيعَهُ، فَيَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ لِيَبِيعَهُ وَيُنَاصِفَهُ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْكِرَاءِ؟ قَالَ: الْكِرَاءُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا أَصَابَا. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ جَوَازُهَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ: يَجُوزُ إنْ قِيلَ " لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ " وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ الثَّانِي قُلْت: هَذَا إذَا أَذِنَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو فِي النِّدَاءِ عَلَى شَيْءٍ، أَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " لَا يَفْعَلُهُ إلَّا أَنْتَ " فَفَعَلَهُ بَكْرٌ بِإِذْنِ عَمْرٍو. فَإِنْ صَحَّ: فَالْأُجْرَةُ لَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ: فَلِبَكْرٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عَلَى عَمْرٍو.

وَإِنْ اشْتَرَكَا ابْتِدَاءً فِي النِّدَاءِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى مَا يَأْخُذَانِهِ، أَوْ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ، أَوْ فِي بَيْعِهِ: صَحَّ. وَالْأُجْرَةُ لَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَإِلَّا اسْتَوَيَا فِيهَا، وَبِالْجُعْلِ جَعَالَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَسْلِيمُ الْأَمْوَالِ إلَيْهِمْ، مَعَ الْعِلْمِ بِالشَّرِكَةِ: إذْنٌ لَهُمْ. قَالَ: وَإِنْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخَذَ، وَلَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ، وَاشْتَرَكَا فِي الْكَسْبِ: جَازَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ كَالْمُبَاحِ، وَلِئَلَّا تَقَعَ مُنَازَعَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: نَقَلْت مِنْ خَطِّ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ مِمَّا عَلَّقَهُ عَلَى عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قَالَ: ذَهَبَ الْقَاضِي إلَى أَنَّ شَرِكَةَ الدَّلَّالِينَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ: تَصِحُّ الشَّرِكَةُ، عَلَى مَا قَالَهُ فِي مَنَافِعِ الْبَهَائِمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: إذَا قَالَ " أَنَا أَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ وَتَعْمَلُ أَنْتَ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَنَا " جَازَ، جَعْلًا لِضَمَانِ الْمُتَقَبِّلِ كَالْمَالِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَاوِيَةٌ. وَالثَّالِثُ يَعْمَلُ صَحَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الدَّابَّةِ يَدْفَعُهَا إلَى آخَرَ يَعْمَل عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ لَهُمَا الْأُجْرَةَ: عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ. وَهَذَا مِثْلُهُ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ: لِوَاحِدٍ دَابَّةٌ، وَلِآخَرَ رَحًا، وَلِثَالِثٍ دُكَّانٌ. وَالرَّابِعُ يَعْمَلُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ فِيهِمَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ فَاسِدَتَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ.

فَعَلَى الثَّانِي: لِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ. وَعَلَيْهِ لِرُفْقَتِهِ أُجْرَةُ آلَاتِهِمْ. وَقِيلَ: إنْ قَصَدَ السَّقَّاءُ أَخْذَ الْمَاءِ: فَلَهُمْ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: الْمَاءُ لِلْعَامِلِ بِغَرْفِهِ لَهُ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ لِلنَّاسِ. وَقِيلَ: الْمَاءُ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَتِهِمْ. وَقِيلَ: بَلْ أَثْلَاثًا. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ مَا ذُكِرَ: صَحَّ. وَهَلْ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ، أَوْ أَرْبَاعًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِمَهْرٍ وَاحِدٍ. أَوْ كَاتَبَ أَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوَاضِعِهِ. وَإِنْ تَقَبَّلَ الْأَرْبَعَةُ الطَّحْنَ فِي ذِمَّتِهِمْ: صَحَّ. وَالْأُجْرَةُ أَرْبَاعًا. وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى رُفْقَتِهِ، لِتَفَاوُتِ قَدْرِ الْعَمَلِ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَجْرِ الْمِثْلِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَ: أَجِّرْ عَبْدِي، وَأُجْرَتُهُ بَيْنَنَا: فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلسَّيِّدِ: وَلِلْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ. وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَا فِي الشَّرِكَةِ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ، كَوِجْدَانِ لُقَطَةٍ، أَوْ رِكَازٍ، أَوْ مَا يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ مِيرَاثٍ، وَمَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) . كَمَا يَحْصُلُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَتَفْرِيضٍ، وَتَعَدٍّ، وَبَيْعٍ فَاسِدٍ. (فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ) . اعْلَمْ أَنَّ شَرِكَةَ " الْمُفَاوَضَةِ " عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ الشِّرَاءَ أَوْ الْبَيْعَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَالتَّوْكِيلَ، وَالِابْتِيَاعَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ، وَالِارْتِهَانَ، وَضَمَانَ مَا يُرَى مِنْ الْأَعْمَالِ. فَهَذِهِ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، وَالْوُجُوهِ،

وَالْأَبْدَانِ. وَجَمِيعُهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا. وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يُدْخِلَا فِيهَا كَسْبًا نَادِرًا، أَوْ غَرَامَةً، كَلُقَطَةٍ وَضَمَانِ مَالٍ: صَحَّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: وَ " الْمُفَاوَضَةُ " أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ كُلَّ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ وَبَدَنِيٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ عَلَى مَا يُرَى. وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا. وَالْوَضِيعَةُ بِقَدْرِ الْمَالِ. فَتَكُونُ شَرِكَةَ عِنَانٍ. أَوْ وُجُوهٍ، أَوْ أَبْدَانٍ، وَمُضَارَبَةٍ. انْتَهَوْا. الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَا فِيهَا الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ وَنَحْوَهَا. فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ اشْتَرَكَا فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا أَوْ عَلَيْهِمَا: صَحَّ الْعَقْدُ، دُونَ الشَّرْطِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ: أَنْ يَقُولَ " أَنْتَ شَرِيكٌ لِي فِي كُلِّ مَا يَحْصُلُ لِي بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ " لَنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. الْمَنْصُورُ: لَا تَصِحُّ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ، وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَمَا يَسْتَفِيدُهُ لَهُ. وَيَخْتَصُّ بِضَمَانِ مَا غَصَبَهُ، أَوْ جَنَاهُ، أَوْ ضَمِنَهُ عَنْ الْغَيْرِ.

باب المساقاة

[بَابُ الْمُسَاقَاةِ] ِ فَائِدَةٌ " الْمُسَاقَاةُ " مُفَاعَلَةٌ مَنْ السَّقْيِ. وَهِيَ دَفْعُ شَجَرٍ إلَى مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. قَالَ السَّامِرِيُّ فِي مُسْتَوْعَبِهِ: هِيَ أَنْ يُسَلِّمَ نَخْلَهُ أَوْ كَرْمَهُ، أَوْ شَجَرًا لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لِيَغْرِسَهُ وَيَعْمَلَ عَلَيْهِ. وَلَا بِمَانِعٍ، لِدُخُولِ مَا لَهُ ثَمَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، كَالصَّنَوْبَرِ. قَوْلُهُ (تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَكُلِّ شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: تَصِحُّ عَلَى كُلِّ ثَمَرٍ مَقْصُودٍ. فَلَا تَصِحُّ فِي الصَّنَوْبَرِ. وَقَالَا: تَصِحُّ عَلَى مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ أَوْ زَهْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَنَحْوِهِ، كَوَرْدٍ، وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهِمَا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لَا غَيْرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ: وَلَا تَصِحُّ عَلَى شَجَرٍ بِثَمَرٍ بَعْدَ عِدَّةِ سِنِينَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ. فَإِنَّ النَّخْلَ وَبَعْضَ الْأَشْجَارِ لَا تُثْمِرُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ لَوْ سَاقَاهُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ كَالْقُطْنِ وَالْمَقَاثِي، وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِ لَمْ تَصِحَّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ: وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا لَا سَاقَ لَهُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّمَانِينَ: إنْ قِيلَ هِيَ كَالشَّجَرِ، صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَالزَّرْعِ، فَهِيَ مُزَارَعَةٌ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) نَحْوُ " فَالَحْتُك، أَوْ اعْمَلْ بُسْتَانِي هَذَا ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَبِقَوْلِهِ " تَعَهَّدْ نَخْلِي، أَوْ أَبِّرْهُ، أَوْ اسْقِهِ. وَلَك كَذَا " أَوْ " أَسْلَمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ بِكَذَا مِنْ ثَمَرِهِ " انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُمَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالُوا: هُوَ أَقْيَسُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: إنْ صَحَّتْ بِلَفْظِهَا كَانَتْ إجَارَةً. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فِيمَنْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) .

وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ هَذِهِ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهَذَا أَقْيَسُ، وَأَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا " لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ " كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَامِلِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمُزَارَعَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ تَجُوزُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَأْجُورَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا. وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ. وَقَالَ: هِيَ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ، وَتَصِحُّ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْإِجَارَةِ، مِنْ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ صَحَّ فِيمَا تَقَدَّمَ إجَارَةٌ أَوْ مُزَارَعَةٌ، فَلَمْ يَزْرَعْ: نُظِرَ إلَى مُعَدَّلِ الْمُغَلِّ

فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى فِيهِ. فَإِنْ فَسَدَتْ، وَسُمِّيَتْ إجَارَةً: فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: جَعَلَ مَنْ صَحَّحَهَا إجَارَةً الْعِوَضَ غَيْرَ مَضْمُونٍ. وَقِيلَ: قِسْطُ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: تَجُوزُ وَتَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ، عَلَى الصَّحِيحِ. نَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ، وَلَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَا تَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: تُكْرَهُ، وَتَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي الْجَوَازَ عَلَى الذِّمَّةِ، وَالْمَنْعَ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ: إجَارَتُهَا بِطَعَامٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْخَارِجِ تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَابٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: رُبَّمَا قَالَ " نَهَيْته ". قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ) يَعْنِي: إذَا لَمْ تَكْمُلْ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ.

إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: تَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: تَصِحُّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ زَارَعَهُ عَلَى زَرْعٍ نَابِتٍ يَنْمُو بِالْعَمَلِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَأَمَّا إنْ زَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُزَارَعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُعَامَلَةُ بَاطِلَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْغَرْسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ. فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْعَامِلِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ إذَا شُرِطَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازُ الْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الشَّجَرِ، أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ، كَالْمُزَارَعَةِ. وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ، وَالْمُنَاصَبَةُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ أَخِيرًا. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهُ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ: وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا، وَلَوْ كَانَ نَاظِرَ وَقْفٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ بَيْعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَأَنَّ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمَ بِلُزُومِهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ. انْتَهَى. وَهَذَا احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْغِرَاسِ وَالْأَرْضِ: فَسَدَتْ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَصَحَّحَ الْمَالِكِيُّونَ الْمُغَارَسَةَ فِي الْأَرْضِ الْمِلْكِ، لَا الْوَقْفِ. بِشَرْطِ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ مَعَ الْقِسْطِ مِنْ الشَّجَرِ. انْتَهَى الثَّالِثَةُ: لَوْ عَمَلَا فِي شَجَرٍ لَهُمَا، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ثَمَرِهِ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ كَمُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِنِصْفِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فِي أُجْرَتِهِ احْتِمَالَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْآخَرِ، قِيَاسًا عَلَى نَظَائِرِهَا. قَوْلُهُ (وَالْمُسَاقَاةُ: عَقْدٌ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْأَكَّارِ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهُ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ؟ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَا حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَاخْتَارَ فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ، بَلْ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ. مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِجَارَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ. وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ. وَيَصِحُّ تَوْقِيتُهَا. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا. فَمَتَى انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا. وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْعَمَلِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِهَا: فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ بِمَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ. وَتَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ لَفْظًا. وَيُشْتَرَطُ ضَرْبُ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ تَكْمُلُ فِي مِثْلِهَا الثَّمَرَةُ. فَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً لَا تَكْمُلُ فِيهَا: لَمْ تَصِحَّ. وَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي التَّصْحِيحِ: أَحَدُهُمَا: إنْ عَمِلَ فِيهَا وَظَهَرَتْ الثَّمَرَةُ: فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ: فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةٌ. وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ عَكَسَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْ الْكَاتِبِ حِينَ التَّبْيِيضِ، أَوْ سِبْقَةُ قَلَمٍ. فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ، أَوْ قَبْلَ الْبَذْرِ وَبَعْدَ الْحَرْثِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي هِيَ الْآبَارُ. وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ تَجِبُ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِبَدَنِهِ. وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ. وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ زَارَعَ رَجُلًا عَلَى مَزْرَعَةِ بُسْتَانٍ. ثُمَّ أَجَّرَهَا هَلْ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ؟ . فَقَالَ: إنْ زَارَعَهُ مُزَارَعَةً لَازِمَةً: لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِجَارَةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً أُعْطِيَ الْفَلَّاحُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا، وَكَانَتْ بُورًا وَحَرَثَهَا، فَهَلْ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَاحُهُ: إنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ فِلَاحَةٌ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا: فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا. فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ انْتَفَعَ بِهَا، أَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْهَا الْمُسْتَأْجِرُ: فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا: فَضَمَانُ الْفِلَاحَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا

مَفْلُوحَةً، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَفْلُوحَةً، فَمَا أَخَذَهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ وَقَدْ لَا تَكْمُلُ، فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا. فَائِدَةٌ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ جَعَلَاهَا إلَى الْجِدَادِ، أَوْ إلَى إدْرَاكِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ، وَإِنْ مَنَعْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ، فَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الْأُجْرَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ: تَمَّمَ الْوَارِثُ، فَإِنْ أَبَى اُسْتُؤْجِرَ عَلَى

الْعَمَلِ) يَعْنِي اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ (مِنْ تَرِكَتِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا) . يَعْنِي: إذَا مَاتَ الْعَامِلُ، وَأَبَى الْوَرَثَةُ الْعَمَلَ، وَتَعَذَّرَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَفَسَخَ رَبُّ الْمَالِ: فَإِنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ هُنَا: أَنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ خِلَافًا مُطْلَقًا. فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَفِي أُجْرَتِهِ لِمَيِّتٍ وَجْهَانِ. وَالْعُرْفُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ. لَا إذَا لَمْ يَصْلُحْ. فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَهُ) يَعْنِي قَبْلَ الظُّهُورِ (فَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الْأُجْرَةُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ إذَا فَسَخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، وَبَعْدَ مَوْتِ الْعَامِلِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ الْعَامِلِ جَازَ. وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَ نَصِيبِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْعَامِلِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَحْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ شِرَاؤُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ. فَإِنَّهُ إنْ بَاعَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ: لَا يَصِحُّ. وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ: صَحَّ. وَفِيمَا بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ رَبِّ الْأَرْضِ بَاطِلٌ. وَفِيهِ لَهُ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُصُولِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى عَدَمَ الصِّحَّةِ. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ الْخِلَافُ هُنَاكَ. وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْجَوَازُ. فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ هَرَبَ الْعَامِلُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهَا) يَعْنِي حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ مَاتَ. كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْهَارِبَ لَيْسَ لَهُ أَجْرُهُ قَبْلَ الظُّهُورِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ لَوْ ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا، فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عَلَى غَاصِبِهِ. وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، أَوْ إشْهَادٍ: رَجَعَ بِهِ. وَإِلَّا فَلَا) . إذَا عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: رَجَعَ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إذَا أَشْهَدَ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الرُّجُوعِ إذَا نَوَاهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمُ: الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيمَنْ قَضَى دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَالصَّحِيحُ: الرُّجُوعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ثُمَّ إنَّ الْأَكْثَرِينَ اعْتَبَرُوا هُنَا اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ. وَكَذَلِكَ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرُ: الْإِشْهَادَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَجْهٌ لَا يُعْتَبَرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا فَلَا " يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمَ، وَلَمْ يُشْهِدْ: لَا يَرْجِعُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْحَاكِمَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ عَجْزًا عَنْهُ، أَوْ لَا. فَإِنْ تَرَكَ اسْتِئْذَانَ الْحَاكِمِ عَجْزًا، فَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ: رَجَعَ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ: لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، وَنَوَى الرُّجُوعَ: فَفِي رُجُوعِهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِيمَنْ قَضَى دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ: الرُّجُوعُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَمْكَنَ إذْنُ الْعَامِلِ، أَوْ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ، أَوْ أَشْهَدَ مَعَ النِّيَّةِ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا: مِنْ السَّقْيِ وَالْحَرْثِ، وَالْإِبَارِ، وَالتَّلْقِيحِ، وَالتَّشْمِيسِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَمَوْضِعِ التَّشْمِيسِ وَنَحْوِهِ) . وَيَلْزَمُ أَيْضًا قَطْعُ حَشِيشٍ مُضِرٍّ، وَآلَةُ الْحِرَاثَةِ، وَبَقَرُ الْحَرْثِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: فِي بَقَرِ الْحَرْثِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْفَأْسُ النُّحَاسُ الَّتِي تَقْطَعُ الدَّغَلَ فَلَا يَنْبُتُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْتُ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ قَطْعُ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ. قَوْلُهُ (وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ: مِنْ سَدِّ الْحِيطَانِ وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ، وَالدُّولَابِ وَمَا يُدِيرُهُ) . وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا: شِرَاءُ الْمَاءِ. وَمَا يُلَقِّحُ بِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: بَقَرُ الدُّولَابِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْمُصَنِّفِ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ بَقَرُ الدُّولَابِ كَبَقَرِ الْحَرْثِ. وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ. وَمَا لَا فَلَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا أَصَحُّ، إلَّا مَا يُلَقِّحُ بِهِ. فَإِنَّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. وَإِنْ تَكَرَّرَ كُلَّ سَنَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي بَقَرِ الْحَرْثِ وَالسَّانِيَةِ وَهِيَ الْبَكَرَةُ وَمَا يُلَقِّحُ بِهِ: رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: السِّبَاخُ عَلَى الْمَالِكِ. وَكَذَلِكَ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزِّبْلِ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ. وَلَكِنْ تَفْرِيقُهُ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ. فَائِدَةٌ لَوْ شَرَطَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ. لَمْ يَجُزْ، وَفَسَدَ الشَّرْطُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا فِي الْجِدَادِ. عَلَى مَا يَأْتِي. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَفْسُدُ الشَّرْطُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَسَدَ الشَّرْطُ فِي الْأَقْيَسِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَفْسُدُ شَرْطُ خَرَاجٍ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى عَامِلٍ.

وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْجِدَادِ: إذَا شَرَطَهُ عَلَى الْعَامِلِ. وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ هُنَا، لَكِنْ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ يَصِلَ الْعَامِلُ أَكْثَرَ الْعَمَلِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: يَفْسُدُ الْعَقْدُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَفْسُدُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْعَامِلِ حُكْمُ الْمُضَارِبِ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَمَا يُرَدُّ) . وَمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَفِي الْجُزْءِ الْمَقْسُومِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارِبِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: إنْ اخْتَلَفَا فِيمَا شُرِطَ لَهُ: صُدِّقَ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُصَدَّقُ رَبُّ الْأَرْضِ فِي قَدْرِ مَا شَرَطَهُ لَهُ. وَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ. وَقِيلَ: بَلْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ. وَهُوَ أَصَحُّ. فَائِدَةٌ لَيْسَ لِلْمُسَاقِي أَنْ يُسَاقِيَ عَلَى الشَّجَرِ الَّذِي سَاقَى عَلَيْهِ. وَكَذَا الْمُزَارِعُ كَالْمُضَارِبِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ: ضُمَّ إلَيْهِ مَنْ يُشَارِفُهُ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ: اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ اُتُّهِمَ بِالْخِيَانَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يَحْلِفُ كَالْمُضَارِبِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لِلْمَالِكِ ضَمُّ أَمِينٍ بِأُجْرَةٍ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ. وَمُرَادُ غَيْرِهِ: فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ. فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خِيَانَتُهُ بِذَلِكَ فَمِنْ الْمَالِكِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ النَّفْعُ بِهِ، لِعَدَمِ بَطْشِهِ: أُقِيمَ مَقَامَهُ، أَوْ ضُمَّ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ إنْ سَقَى سَيْحًا: فَلَهُ الرُّبُعُ. وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ. فَلَهُ النِّصْفُ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا: فَلَهُ الرُّبُعُ. وَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً: فَلَهُ النِّصْفُ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْأُولَى، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ " إنْ خِطْتَهُ رُومِيًّا: فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا: فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ " فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَهَذَا مِثْلُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَك الْخُمُسَانِ إنْ لَزِمَتْك خَسَارَةٌ، وَلَك الرُّبْعُ إنْ لَمْ تَلْزَمْك

خَسَارَةٌ " لَمْ تَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ: هَذَا شَرْطَانِ. فِي شَرْطٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَخْرُجُ فِيهَا مِثْلُ مَا إذَا قَالَ " إذَا سَقَى سَيْحًا فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفِهِ فَلَهُ كَذَا ". الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " مَا زَرَعْت مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ " صَحَّ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ أَحَلُّ مِنْ الْإِجَارَةِ. لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ. ذَكَرَهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاقَاةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ فَزَارَعَهُ الْأَرْضَ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ: وَنَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ إذَا أَجَّرَهُ الْأَرْضَ، وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِيلَةً أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حِيلَةٍ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَجَمْعٍ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهَا هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا، فِي أَوَاخِرِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالشَّارِحُ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ حِيلَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَمْ تَصِحَّ الْمُسَاقَاةُ. وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ إنْ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إبْطَالِ الْحِيَلِ جَوَازَهُ. قُلْتُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي بِلَادِ الشَّامِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ فِي عَقْدٍ ثَانٍ، فَهَلْ تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ، أَوْ تَفْسُدُ هِيَ وَالْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَفْسُدَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: فَكَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَوَاءٌ صَحَّتْ أَوْ لَا. فَمَا ذَهَبَ مِنْ الشَّجَرِ ذَهَبَ مَا يُقَابَلُ مِنْ الْعِوَضِ. فَائِدَةٌ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرٍ لِحَمْلِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ إجْمَاعًا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اسْتَأْجَرَ شَجَرًا لَمْ يُثْمِرْ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، تَبَعًا لِلْأَرْضِ. وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَوَّزَ شَيْخُنَا إجَارَةَ الشَّجَرِ مُفْرَدًا. وَيَقُومُ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَإِجَارَةِ أَرْضٍ لِلزَّرْعِ، بِخِلَافِ بَيْعِ السِّنِينَ.

فَإِنْ تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ: فَلَا أُجْرَةَ. وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الْعَادَةِ: فَالْفَسْخُ أَوْ الْأَرْشُ. لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ. وَهِيَ كَجَائِحَةٍ. انْتَهَى. وَأَمَّا إجَارَتُهَا لِنَشْرِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ. فَتَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ وَنَظْمِهَا. قُلْتُ: وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا. (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُهُ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ الْبَذْرُ كُلُّهُ مِنْ الْعَامِلِ: فَالزَّرْعُ لَهُ. وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا، وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ. وَقِيلَ " الْمُخَابَرَةُ " أَنْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِمَا عَلَى جَدْوَلٍ أَوْ سَاقِيَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ: أَنَّهَا تُتَمَلَّكُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ زَرْعِ الْغَاصِبِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَا عَلَى خِلَافِهِ. فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ: الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ.

تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَرْضُ لَهُمَا، أَوْ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ الْعَامِلِ وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ شَرِكَةِ الْعِنَانِ. فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لَوْ رُدَّ عَلَى عَامِلٍ كَبَذْرِهِ: فَرِوَايَتَانِ فِي الْوَاضِحِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْتُ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِفَسَادِهَا حَيْثُ شَرَطَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ ثَالِثٍ، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ، أَوْ الْبَقَرُ مِنْ رَابِعٍ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: تَخْرِيجًا بِالصِّحَّةِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً. وَاخْتَارَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَالْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَسَائِرُ الْعَمَلِ مِنْ آخَرَ: جَازَ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَاءُ: فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَانِ، تَأْتِيَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ. ثُمَّ وَجَدْت الشَّارِحَ صَحَّحَهُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْأَرْضِ مِثْلَ بَذْرِهِ، وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِي: فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الْمُضَارَبَةِ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَخْذَ الْبَذْرِ أَوْ بَعْضَهُ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ. وَقَالَ: يَلْزَمُ مَنْ اعْتَبَرَ الْبَذْرَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ فَاسِدٌ. وَقَالَ أَيْضًا: تَجُوزُ كَالْمُضَارَبَةِ. وَكَاقْتِسَامِهِمَا مَا يَبْقَى بَعْدَ الْكُلْفِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيُتْبَعُ فِي الْكُلْفِ السُّلْطَانِيَّةِ الْعُرْفُ، مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَاشْتِرَاطُ عَمَلِ الْآخَرِ حَتَّى يُثْمِرَ بِبَعْضِهِ. قَالَ: وَمَا طُلِبَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ وَظَائِفَ سُلْطَانِيَّةٍ وَنَحْوِهَا: فَعَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ. وَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى الزَّرْعِ: فَعَلَى رَبِّهِ. أَوْ عَلَى الْعَقَارِ: فَعَلَى رَبِّهِ. مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ. وَإِنْ وُضِعَ مُطْلَقًا: رَجَعَ إلَى الْعَادَةِ. فَائِدَةٌ لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا اخْتِصَاصًا بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ زَرْعِ جَانِبٍ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ زِيَادَةِ أَرْطَالٍ مَعْلُومَةٍ: فَسَدَتْ. قَوْلُهُ (وَالْحَصَادُ عَلَى الْعَامِلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ ابْنِ رَزِينٍ، وَاحْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَتَخْرِيجٌ لِجَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: فِي الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ: وَالتَّذْرِيَةِ، وَحَفِظَهُ بِبَذْرِهِ: الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْجِدَادِ. فَائِدَةٌ اللِّقَاطُ كَالْحَصَادِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: هَلْ هُوَ كَحَصَادٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْتُ: وَاللِّقَاطُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْجِدَادُ) . يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ كَالْحَصَادِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَتَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَقِيَاسٌ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَعَنْهُ أَنَّ الْجِدَادَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِمَا، إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ عَلَى الْعَامِلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ يُكْرَهُ الْحَصَادُ وَالْجِدَادُ لَيْلًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي. وَتَسْقِيهَا بِمَائِك وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ فِي نَصِيبِهِ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِهِ. وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَا سَقَطَ مِنْ الْحَبِّ وَقْتَ الْحَصَادِ، إذَا نَبَتَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ: فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ وَجْهًا أَنَّهُ لَهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ، مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا. وَقِيلَ: لَهُ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ. وَقِيلَ: حُكْمُ الْغَصْبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ: إذَا حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ وَنَبَتَ. وَكَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ بَاعَ قَصِيلًا فَحَصَدَ، وَبَقِيَ يَسِيرًا. فَصَارَ سُنْبُلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ. لِيَجْعَلَ فِيهَا شَوْكًا أَوْ دَوَابَّ، فَتَنَاثَرَ فِيهَا حَبٌّ، أَوْ نَوًى: فَهُوَ لِلْمُسْتَعِيرِ. وَلِلْمُعِيرِ إجْبَارُهُ عَلَى قَلْعِهِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِنَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَجَّرَ أَرْضَهُ سَنَةً لِمَنْ يَزْرَعُهَا. فَزَرَعَهَا. فَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. ثُمَّ نَبَتَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى: فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا. وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الإجارة

[بَابُ الْإِجَارَةِ] ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي حَدِّهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْتُ: وَتَحْرِيرُهُ " بَذْلُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، فِي مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ " وَتَبِعَهُ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِمَانِعٍ، لِدُخُولِ الْمَمَرِّ وَعُلْوِ بَيْتٍ، وَالْمَنَافِعُ الْمُحَرَّمَةُ. انْتَهَى يَعْنِي: إذَا بِيعَ الْمَمَرُّ وَعُلْوُ بَيْتٍ. فَإِنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ. قُلْتُ: لَوْ زِيدَ فِيهِ " مُبَاحَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً " لَسَلِمَ. الثَّانِيَةُ: قِيلَ: الْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا. لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ الْعِلَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ مُخَالَفَةُ قِيَاسٍ صَحِيحٍ. وَمَنْ خَصَّصَهَا: فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ خِلَافَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ وَيَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنْهُ انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الرُّخَصِ: مَا هُوَ مُبَاحٌ كَالْعَرَايَا، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالشُّفْعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْعُقُودِ الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقِرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. هَكَذَا يَذْكُرُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا الثَّابِتَةِ الْمُسْتَقَرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَحْسَنِ تَقْرِيرٍ. وَبَيَّنَهُ بِأَحْسَنِ بَيَانٍ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا) . كَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا " إذَا أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ. وَكَذَا إذَا أَضَافَهُ إلَى النَّفْعِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْكِرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ آجَرَ عَيْنًا مَرْئِيَّةً أَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، قَالَ " أَجَرْتُكهَا، أَوْ أَكْرَيْتُكَهَا، أَوْ مَلَّكْتُك نَفْعَهَا سَنَةً بِكَذَا " وَإِنْ قَالَ " أَجَّرْتُك أَوْ أَكْرَيْتُكَ نَفْعَهَا " فَاحْتِمَالَانِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَفِي لَفْظِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ) . بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك نَفْعَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالطُّوفِيِّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ. وَالْفَائِقِ: وَأَمَّا لَفْظُ الْبَيْعِ: فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الدَّارِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْمَنْفَعَةِ فَوَجْهَانِ. انْتَهَيَا. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي قَاعِدَةٍ لَهُ فِي تَقْرِيرِ الْقِيَاسِ بَعْدَ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَرَفَا الْمَقْصُودَ انْعَقَدَتْ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي عَرَفَ بِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ مَقْصُودَهُمَا. وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ. فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا لِأَلْفَاظِ الْعُقُودِ، بَلْ ذَكَرَهَا مُطْلَقَةً. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي وَجْهٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ ذِكْرِ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، أَوْ شَبِيهَةٌ بِهِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (أَحَدُهَا: مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ، إمَّا بِالْعُرْفِ، كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى لَمْ يَعْمَلْ فِيمَا حِدَادَةً. وَلَا قِصَارَةً. وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهَا مَخْزَنًا لِلطَّعَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِيئُهُ زُوَّارٌ، عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: رُبَّمَا كَثُرُوا، وَأَرَى أَنْ يُخْبِرَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ يَجِيئُهُ الْفَرْدُ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ إسْكَانُ ضَيْفٍ وَزَائِرٍ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ يَجِبُ ذِكْرُ السُّكْنَى، وَصِفَتِهَا، وَعَدَدِ مَنْ يَسْكُنُهَا وَصِفَتُهُمْ إنْ اخْتَلَفَتْ الْأُجْرَةُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ سَنَةً) . فَتَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ تَكُونُ الْخِدْمَةُ عُرْفًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَالرِّعَايَةِ: يَخْدُمُ لَيْلًا وَنَهَارًا. انْتَهَيَا. وَأَمَّا إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ. فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لَيْلًا.

الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِمَّا بِالْوَصْفِ، كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ كِتَابٍ فَحَمَلَهُ، فَوَجَدَ الْمَحْمُولَ إلَيْهِ غَائِبًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ لِذَهَابِهِ وَرَدِّهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا: فَلَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ وَيَرُدُّهُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَمَا يَصْنَعُ بِالْكِتَابِ؟ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَكِيمٍ شَيْخِ السَّامِرِيِّ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْكِتَابِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ. لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ. فَوَجَبَ رَدُّهُ. انْتَهَى. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ لَفْظَةَ " لَا " فِي قَوْلِهِ " لَا يَلْزَمُهُ " زَائِدَةٌ. بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ نَقْلَ حَرْبٍ: إنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، أَوْ وَكِيلًا لِيَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَهَا لَمْ يَبْعَثْ وَكِيلُهُ بِمَا أَرَادَ، فَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ هُنَا إلَى ثَمَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا جَوَابٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَهُ الْأُجْرَةُ فِي ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. فَإِذَا جَاءَ وَالْوَقْتُ لَمْ يَبْلُغْهُ. فَالْأُجْرَةُ لَهُ، وَيَسْتَخْدِمُهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَبِنَاءُ حَائِطٍ، يَذْكُرُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ وَآلَتَهُ) فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِ بِئْرٍ طُولُهُ عَشَرَةٌ، وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ، وَعُمْقُهُ عَشَرَةٌ، فَحَفَرَ طُولَ خَمْسَةٍ فِي عَرْضِ خَمْسَةٍ فِي عُمْقِ خَمْسَةٍ. فَاضْرِبْ عَشَرَةً فِي عَشْرَةٍ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ أَلْفًا، وَاضْرِبْ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَمَا بَلَغَ فَاضْرِبْهُ فِي خَمْسَةٍ يَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَذَلِكَ ثَمَنُ الْأَلْفِ، فَلَهُ ثَمَنُ الْأُجْرَةِ، إنْ وَجَبَ لَهُ شَيْءٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَة. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَهُوَ مِنْ التَّمْرِينِ. .

قَوْلُهُ (وَإِجَارَةُ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ لِزَرْعِ كَذَا، أَوْ غَرْسِ كَذَا، أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ) . اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِصِحَّةِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ الْبِنَاءِ: مَعْرِفَةَ مَا يَزْرَعُهُ، أَوْ يَغْرِسُهُ، أَوْ يَبْنِيهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. فَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ لِزَرْعِ مَا شَاءَ أَوْ غَرْسِ مَا شَاءَ أَوْ لِزَرْعِ وَغَرْسِ مَا شَاءَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، عَنْ ذَلِكَ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. كَزَرْعِ مَا شِئْت، أَيْ كَقَوْلِهِ " أَجَّرْتُك لِتَزْرَعَ مَا شِئْت " بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ " لِلزَّرْعِ أَوْ لِلْغَرْسِ " وَسَكَتَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اكْتَرَى لِزَرْعٍ، وَأَطْلَقَ: زَرَعَ مَا شَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ سَنَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْفَعَةَ مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. مَعَ تَهَيُّئِهَا لِلْجَمِيعِ: لَمْ يَصِحَّ، لِلْجَهَالَةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، عَنْ ذَلِكَ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعُمُّ إنْ أَطْلَقَ. وَإِنْ قَالَ: انْتَفِعْ بِهَا بِمَا شِئْت: فَلَهُ زَرْعٌ وَغَرْسٌ وَبِنَاءٌ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَدُونَهَا ". فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ: ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ فَرَسًا، أَوْ بَعِيرًا أَوْ نَحْوَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ: وَيَذْكُرُ أَيْضًا: مَا يَرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ. وَيَذْكُرُ أَيْضًا كَيْفِيَّةَ سَيْرِهِ: مِنْ هِمْلَاجٍ وَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجِبُ ذِكْرُ سَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ أُنُوثَةِ الدَّابَّةِ، وَلَا ذُكُورَتِهَا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ نَوْعِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْمُوجَزِ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: قُلْتُ: بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فِي الْمَرْكُوبِ وَالْحَمْلِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: مَتَى كَانَ الْكِرَاءُ إلَى مَكَّةَ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ وَلَا النَّوْعِ. لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ الْجِمَالُ الْعِرَابُ دُونَ الْبَخَاتِيِّ. فَائِدَةٌ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّاكِبِ: إمَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْمَبِيعِ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الرُّؤْيَةُ. فَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ تَوَابِعِ الرَّاكِبِ الْعُرْفِيَّةِ: كَالزَّادِ، وَالْإِثَاثِ، مِنْ الْأَغْطِيَةِ، وَالْأَوْطِئَةِ: إمَّا بِرُؤْيَةٍ، أَوْ صِفَةٍ، أَوْ وَزْنٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ غِطَاءِ الْمَحْمَلِ. بَلْ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ. لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَحْمَلِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ وَصْفٍ. وَقِيلَ: أَوْ بِوَزْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْحَمْلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَمْلِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ تَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لَا تَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ: لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَرَكَةِ كَالزُّجَاجِ، وَالْخَزَفِ، وَالتُّفَّاحِ، وَنَحْوِهِ اُشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ مَا يُدِيرُ دُولَابًا وَرَحًى. وَاعْتَبَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَتَاعِ الْمَحْمُولِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ، وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ بِالْكَيْلِ، أَوْ بِالْوَزْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاكْتَفَى ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَغَيْرُهُمَا بِذِكْرِ وَزْنِ الْمَحْمُولِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَحْمَلِ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَرْضِ الْحَرْثِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَجِيرِ، وَالظِّئْرِ، وَنَحْوِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ. فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ: فَكَثَمَنٍ، وَالْمُعَيَّنَةُ: كَمَبِيعٍ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إجَارَةُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا. وَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَمَنْ اخْتَارَهَا بَعْدَ أَحْكَامِ الظِّئْرِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ صُبْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا: صَحَّتْ الْإِجَارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. كَمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ كَالْبَيْعِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي الْبَيْعِ. فَكَذَا هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ فِي الذِّمَّةِ ظَهْرًا يَرْكَبُهُ، أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهِ إلَى مَكَّةَ بِلَفْظِ " السَّلَمِ " اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْأَجْرِ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَأْجِيلُ السَّفَرِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ " الْإِجَارَةِ " جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْمُسَاقَاةِ: هَلْ تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ بِغَيْرِهِ؟ فَلْيُعَاوَدْ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا، فِي أَثْنَاءِ الْمُضَارَبَةِ: لَوْ أَخَذَ مَاشِيَةً لِيَقُومَ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا، وَبَعْضُ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَجَمَاعَةٍ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَصَحُّ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ فِيهِمَا حَتَّى يَصِفَ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ، وَيَصِحُّ فِي الظِّئْرِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَظُنُّهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ: الصِّحَّةَ فِي الظِّئْرِ. وَأَطْلَقَ فِي الْأَجِيرِ: الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ قُدِّرَ لِلظِّئْرِ حَالَةَ الْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْوَسَطُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ: رَجَعَ فِيهِمَا إلَى الْعُرْفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَكُونُ لَهَا طَعَامُ مِثْلِهَا أَوْ مِثْلُهُ، وَكِسْوَةُ مِثْلِهَا أَوْ مِثْلُهُ، كَالزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا. نَصّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِمِثْلِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْمُضَارِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: كَالْمِسْكِينِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ. وَقَدَّمَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَزَادَ: أَوْ يَرْجِعُ إلَى كِسْوَةِ الزَّوْجَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الْإِطْعَامِ إلَى إطْعَامِ الْمِسْكِينِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ

إلَى أَقَلِّ مَلْبُوسٍ مِثْلِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَهُ الْوَسَطُ مَعَ النِّزَاعِ. كَإِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي نَفَقَةِ الْمُضَارِبِ مَعَ التَّنَازُعِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً، إذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَعَلَّ هَذَا فِي الْمُتَبَرِّعَةِ بِالرَّضَاعِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَمَةً. اُسْتُحِبَّ إعْتَاقُهَا. وَمِنْهَا: لَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ مَعًا. فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلرَّضَاعِ، وَأَطْلَقَ: فَهَلْ تَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهَا سِوَى الرَّضَاعِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: الْحَضَانَةُ تَتْبَعُ الرَّضَاعَ، لِلْعُرْفِ.

قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. يَعْنِي: أَنَّ الرَّضَاعَ يَتْبَعُ الْحَضَانَةَ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إلَّا وَضْعُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ وَحَمْلُهُ، وَوَضْعُهُ فِي حِجْرِهَا. وَبَاقِي الْأَعْمَالِ فِي تَعَهُّدِهِ: عَلَى الْحَاضِنَةِ، وَدُخُولُ اللَّبَنِ تَبَعًا. كَنَقْعِ الْبِئْرِ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: عَنْ هَذَا الْقَوْلِ اللَّهُ يَعْلَمُ، وَالْعُقَلَاءُ قَاطِبَةً: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ وَضْعَ الطِّفْلِ فِي حِجْرِهَا لَيْسَ مَقْصُودًا أَصْلًا وَلَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، لَا عُرْفًا وَلَا حَقِيقَةً، وَلَا شَرْعًا. وَلَوْ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ وَهُوَ فِي حِجْرِ غَيْرِهَا أَوْ فِي مَهْدِهِ، لَاسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ. وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إلْقَامَ الثَّدْيِ الْمُجَرَّدِ لَاسْتُؤْجِرَ لَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا ثَدْيٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ. فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ حَقًّا وَالْفِقْهُ الْبَارِدُ. انْتَهَى. وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلْحَضَانَةِ، وَأَطْلَقَ: لَمْ يَلْزَمْهَا الرَّضَاعُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ يَلْزَمْهَا وَجْهًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْفَصْلِ الْأَرْبَعِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. وَمِنْهَا: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ: خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَحَمْلُهُ، وَوَضْعُ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا اللَّبَنُ: فَيَدْخُلُ تَبَعًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ، وَاللَّبَنُ تَبَعٌ، يَسْتَحِقُّ إبْلَاغَهُ بِالرَّضَاعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، الصَّحِيحُ: أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. وَيَكُونُ اللَّبَنُ تَبَعًا. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَهْلِكُ بِالِانْتِفَاعِ. لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ.

قُلْتُ: وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، حَيْثُ قَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى نَفْعٍ. فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَفْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا. وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى اللَّبَنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ اللَّبَنُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ لِمَنْ قَالَ: الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى وَضْعِهَا الطِّفْلَ فِي حِجْرِهَا وَإِلْقَامِهِ ثَدْيَهَا وَاللَّبَنُ يَدْخُلُ تَبَعًا. قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي الْأَجْوَدِ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ دَرُّهَا وَالْإِرْضَاعُ، لَا حَضْنٌ وَمَبْدَأُ مَقْصِدٍ وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَمِنْهَا: لَوْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعِ، وَانْقَطَعَ اللَّبَنُ: بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الرَّضَاعِ. وَفِي بُطْلَانِهِ فِي الْحَضَانَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْتُ: الْأَوْلَى: الْبُطْلَانُ. لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَبَعٌ. وَإِذَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْحَضَانَةُ. وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا: ثَبَتَ الْفَسْخُ. وَإِنْ قُلْنَا: تَلْزَمُهَا الْحَضَانَةُ، لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ. فَيَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ الْفَسْخُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَمِنْهَا: يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يَدِرُّ بِهِ لَبَنُهَا، وَيَصْلُحُ بِهِ. وَلِلْمُكْتَرِي مُطَالَبَتُهَا بِذَلِكَ.

وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنًا، أَوْ أَطْعَمَتْهُ: فَلَا أُجْرَةَ لَهَا. وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ خَادِمَهَا: فَكَذَلِكَ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَمِنْهَا: لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُرْتَضِعِ، بَلْ تَكْفِي صِفَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَمَكَانِهِ: هَلْ هُوَ عِنْدَ الْمُرْضِعَةِ، أَوْ عِنْدَ أَبَوَيْهِ؟ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي: هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا ". وَمِنْهَا: رَخَّصَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُسْلِمَةٍ تُرْضِعُ طِفْلًا لِنَصَارَى بِأُجْرَةٍ، لَا لِمَجُوسِيٍّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَسَوَّى أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تُسْتَأْجَرَ الدَّابَّةُ بِعَلَفِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: نَصُّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْكَحَّالِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ: فِي اسْتِئْجَارِ غَيْرِ الظِّئْرِ مِنْ الْأَجْرِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ كَالظِّئْرِ: انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ صَحَّ. وَلَهُمَا ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إجَارَةٍ. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ) .

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا، أَوْ شَاهِدًا وَنَحْوَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَكَالْمُكَارِي، وَالْحَجَّامِ، وَالدَّلَّالِ وَنَحْوِهِمْ. اشْتَرَطَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ كَتَعْرِيضِهِ بِهَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُبْهِجِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ دَخَلَ حَمَّامًا، أَوْ سَفِينَةً، أَوْ أَعْطَى ثَوْبَهُ قَصَّارًا أَوْ خَيَّاطًا بِلَا عَقْدٍ: صَحَّ بِأُجْرَةِ الْعَادَةِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهُ الْأُجْرَةُ، فَتَكُونُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدَ إجَارَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَيْسَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ ضَمَانُ الثِّيَابِ، إلَّا أَنْ يَسْتَحْفِظَهُ إيَّاهَا صَرِيحًا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَا يُعْطَاهُ الْحَمَّامِيُّ فَهُوَ أُجْرَةُ الْمَكَانِ وَالسَّطْلِ وَالْمِئْزَرِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ. فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ: وَإِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ، وَأَعْدَالٍ، وَغَزْلٍ فِي سُوقٍ أَوْ خَانٍ، وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِحَافِظٍ فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ: ضَمِنَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَضْمَنُ إنْ اسْتَحْفَظَهُ رَبُّهُ صَرِيحًا، كَمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْحُلِيِّ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ. وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ. قَالَ فِي النَّظْمِ، الْأَوْلَى: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ. وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ " إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِكَذَا، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِكَذَا ". أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَالْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ " إنْ فَتَحْت خَيَّاطًا فَبِكَذَا، وَإِنْ فَتَحْت حَدَّادًا فَبِكَذَا ". قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ قَالَ: مَا حَمَلْت مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَكُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ: لَمْ يَصِحَّ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: وَتَخْرُجُ الصِّحَّةُ مِنْ بَيْعِهِ مِنْهَا. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَبَقَ مِنْ النَّصِّ. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: إنْ زَرَعْتهَا قَمْحًا فَبِخَمْسَةٍ، وَإِنْ زَرَعْتهَا ذُرَةً فَبِعَشَرَةٍ: لَمْ يَصِحَّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي الصُّغْرَى، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، وَقَالَ: إنْ رَدَدْتهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ وَإِنْ رَدَدْتهَا غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ. فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ) .

قَالَ فِي الْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا ذَكَرْنَا فَسَادُ الْعَقْدِ، عَلَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَقِيَاسُ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالْأَنْصَارِيِّ صِحَّتُهُ. وَصَحَّحَ النَّاظِمُ فَسَادَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ هُوَ جَائِزٌ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْعَشَرَةِ وَحْدَهَا. وَتَأَوَّلَ نُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَا بَأْسَ. وَجَائِزٌ فِي الْأَوَّلِ، وَيَبْطُلُ فِي الثَّانِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالظَّاهِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي رَجَعَ إلَى مَا فِيهِ الْإِشْكَالُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعِنْدِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ مَا إذَا أَجَّرَهُ عَيْنًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا. انْتَهَى. وَهِيَ الْآتِيَةُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غُزَاتِهِ. وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا: فَجَائِزٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمَا: وَيَتَخَرَّجُ الْمَنْعُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ يَصِحُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ فِي الْأُولَى. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالْبُطْلَانِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ. لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْهُرِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ) . هَذَا تَفْرِيغٌ عَلَى الَّذِي قَدَّمَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ: يَلْزَمُ الْأَوَّلُ بِالْعَقْدِ، وَسَائِرُهَا بِالتَّلَبُّسِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْرٍ) . أَنَّ الْفَسْخَ يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ الشَّهْرِ الثَّانِي. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَصَاحِبِ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَرَّحَ بِهِ

ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَقَالَ: يَلْزَمُ بَقِيَّةَ الشُّهُورِ إذَا شَرَعَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ. انْتَهَى فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَرَادَ الْفَسْخَ يَقُولُ: فَسَخْت الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الشَّهْرِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ دُخُولِ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَقَبْلَهُ أَيْضًا. وَقَالَ أَيْضًا: تَرْكُ التَّلَبُّسِ بِهِ فَسْخٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى دَخَلَ الثَّانِي. فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْفَسْخُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فِي الْحَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَفْسَخُ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ: لَهُ الْفَسْخُ إلَى تَمَامِ يَوْمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إلَّا أَنْ يَفْسَخَهَا أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ. وَقِيلَ: أَوْ يَوْمَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْهُ. وَقِيلَ: عِنْدَ فَرَاغِ مَا قَبْلَهُ. وَقُلْتُ: أَوْ يَقُولُ: إذَا مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَقَدْ فَسَخْتهَا. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَكَثِيرُونَ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا. وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بَيْنَهُمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَهَا هَذَا الشَّهْرَ بِكَذَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ: صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ بِهِ.

قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا شَهْرًا مُعَيَّنًا بِدِرْهَمٍ، وَكُلَّ شَهْرٍ بَعْدَهُ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ: صَحَّ فِي الْأَوَّلِ. وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّاظِمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْتُ: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْخِرَقِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ. ثُمَّ وَجَدْته قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ. وَقَالَا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي عَنْهُ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. . قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. (وَعَنْهُ: يَصِحُّ) لَكِنْ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) . يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَقُولُ: يَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَطِيبُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَلْ يَأْكُلُ الْأُجْرَةَ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِحَمْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ هُنَا: الْحَمْلُ لِأَجْلِ أَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ، أَوْ شُرْبِهَا

فَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِأَجْلِ إلْقَائِهَا أَوْ إرَاقَتِهَا: فَيَجُوزُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ مُوهِمًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. حَكَاهُ النَّاظِمُ، فَقَالَ: وَجَوَّزَ عَلَى الْمَشْهُورِ حَمْلَ إرَاقَةٍ وَنَبْذٍ لِمَيْتَاتٍ، وَكَسْحَ الْأَذَى الرَّدِيء وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَهِيَ مُرَادُ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي النَّظْمِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَا يُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سَلْخِ الْبَهِيمَةِ بِجِلْدِهَا: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ جَوَّزُوهُ مِثْلَ تَجْوِيزِ بَيْعِهِ بَعِيرًا وَثَنِيًّا جِلْدَهُ لَمْ أُبْعِدْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى نَظَائِرِهِ فِي أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. الثَّالِثَةُ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَنَصّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي جَوَازِ إجَارَتِهِ لَهُ لِعَمَلٍ غَيْرِ الْخِدْمَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْمُصَرَّاةِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَأَمَّا إجَارَتُهُ لِخِدْمَتِهِ: فَلَا تَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ لِخِدْمَتِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرَةِ. وَكَذَا حُكْمُ إعَارَتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ إعَارَتِهِ حُكْمُ إجَارَتِهِ لِلْخِدْمَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: إجَارَةُ عَيْنٍ. فَتَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا، وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ إلَّا الْكَلْبَ) . لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْكَلْبِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إجَارَةُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ. وَيَجِيء عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ: صِحَّةُ إجَارَتِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: حَكَى الْحَلْوَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي الْجَوَازِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَحَيَوَانٌ لِيَصِيدَ " أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلصَّيْدِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. الثَّانِي: صِحَّةُ إجَارَةِ حَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. لَكِنْ جَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ بِصِحَّةِ إجَارَةِ هِرٍّ وَفَهْدٍ وَصَقْرٍ مُعَلَّمٍ لِلصَّيْدِ، وَحَكَى فِي بَيْعِهَا الْخِلَافَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْتُ: وَكَذَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَمَا فِي اخْتِصَاصِ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ بِهَذَا الْحُكْمِ مَزِيَّةٌ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: تَحْرُمُ إجَارَةُ فَحْلٍ لِلنُّزُوِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. بِنَاءً عَلَى إجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ، وَاحْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. زَادَ حَرْبٌ: جِدًّا. قِيلَ: فَاَلَّذِي يُعْطِي وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا.؟ فَكَرِهَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قِيلَ لَهُ: يَكُونُ مِثْلَ الْحَجَّامِ. يُعْطِي وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا بَلَغَنَا فِي الْحَجَّامِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ: هَذَا مُقْتَضَى النَّظَرِ، تَرَكَ فِي الْحَجَّامِ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الْوَرَعِ: لَا التَّحْرِيمِ. وَقَالَ: إنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَطْرُقُ لَهُ: جَازَ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ. وَلَيْسَ لِلْمُطْرِقِ أَخْذُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَإِنْ أَطْرَقَ بِغَيْرِ إجَارَةٍ وَلَا شَرْطٍ، فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ، أَوْ أُكْرِمَ بِكَرَامَةٍ: فَلَا بَأْسَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ فَنَقَصَ: ضَمِنَ نَقْصَهُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كِتَابٍ لِيَقْرَأَ فِيهِ، إلَّا الْمُصْحَفَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . فِي جَوَازِ إجَارَةِ الْمُصْحَفِ لِيَقْرَأَ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْكَرَاهَةُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالْإِبَاحَةُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَالْخِلَافُ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِهِ. أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِي: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ نَسْخُهُ بِأُجْرَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ: هَلْ يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ نَسْخُهُ؟ . فَائِدَةٌ: مَا حَرُمَ بَيْعُهُ حَرُمَ إجَارَتُهُ. إلَّا الْحُرَّ وَالْحُرَّةَ، وَيَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْ النَّظَرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَالْوَقْفُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَاسْتِئْجَارُ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ لَا غَيْرُ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَجُوزُ إجَارَةُ النَّقْدِ لِلْوَزْنِ وَنَحْوِهِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: وَيَجُوزُ إجَارَةُ نَقْدٍ لِلْوَزْنِ. وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنَعَ فِي الْمُغْنِي إجَارَةَ نَقْدٍ، أَوْ شَمْعٍ لِلتَّجَمُّلِ، وَثَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ نَعْشٍ، وَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَرَيَاحِينَ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَنَفَاحَةٌ لِلشَّمِّ. بَلْ عَنْبَرٌ وَشَبَهُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: جَوَازُ ذَلِكَ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّحَلِّي لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْوَزْنِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ. لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَنْ لَا يُتَحَلَّى بِهَا. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " لِلتَّجَمُّلِ " لَيْسَ الْمُرَادُ التَّحَلِّيَ بِهِ. لِأَنَّ التَّجَمُّلَ غَيْرُ التَّحَلِّي وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي إجَارَةِ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) يَعْنِي الْإِجَارَةَ (فِي النَّقْدِ. وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. (وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي ذَلِكَ) يَعْنِي: فِي التَّحَلِّي، وَالْوَزْنِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي يَكُونُ قَرْضًا أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ قَرْضًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا حُكْمُ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْفُلُوسِ.

قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، وَامْرَأَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ) . يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. قُلْتُ: وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ. وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ امْرَأَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّرْحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ. وَتَأَوَّلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ اسْتَأْجَرَهَا مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْعَهَا. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُجْرَةَ لَهَا مُطْلَقًا. وَيَأْتِي فِي بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا، وَوَجَدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ فَهِيَ أَحَقُّ ". فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي حِبَالِهِ أَوْ لَا. وَيَأْتِي قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ لِلْخِدْمَةِ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَ عَلَى نَفْعِ

الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا. فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الطَّعَامِ لِلْأَكْلِ وَلَا الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ) . لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا بِإِجَارَةٍ، بَلْ هُوَ إذْنٌ فِي الْإِتْلَافِ، وَهُوَ سَائِغٌ، كَقَوْلِهِ: مَنْ أَلْقَى مَتَاعَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: وَهُوَ مُشَابِهٌ لِبَيْعِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا. وَلَوْ أَذِنَ فِي الطَّعَامِ بِعِوَضٍ كَالشَّمْعِ فَمِثْلُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعَلَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي إجَارَةَ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ مِثْلَ: كُلِّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. فَمِثْلُهُ فِي الْأَعْيَانِ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنَافِعِ. وَمِثْلُهُ: كُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ. وَهُوَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ. وَاخْتَارَ جَوَازَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ. بَلْ جَائِزٌ كَجَعَالَةٍ، وَكَقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَمَنْ أَلْقَى كَذَا فَلَهُ كَذَا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُزَارَعَةِ: هَلْ يَجُوزُ إجَارَةُ الشَّجَرَةِ بِثَمَرِهَا؟ . قَوْلُهُ (وَلَا حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ، إلَّا فِي الظِّئْرِ. وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا " فَتَقَدَّمَ فِي الظِّئْرِ: هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اللَّبَنِ، وَدَخَلَتْ الْحَضَانَةُ تَبَعًا، أَوْ عَكْسُهُ؟ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَ إجَارَةِ قَنَاةِ مَاءٍ مُدَّةً وَمَاءِ فَائِضِ بِرْكَةٍ رَأَيَاهُ، وَإِجَارَةِ حَيَوَانٍ لِأَجْلِ لَبَنِهِ، قَامَ بِهِ هُوَ أَوْ رَبُّهُ. فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَعَلَفَهَا، فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ. وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا مُقَدَّرًا:

فَبَيْعٌ مَحْضٌ. وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا: فَبَيْعٌ أَيْضًا. وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ. وَلِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ. فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى. وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانٍ. وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ. وَكَذَا مُسْتَأْجِرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلَفِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا. فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَالْآفَاتُ وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ. قَالَ: وَكَظِئْرٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَنَقْعُ الْبِئْرِ يَدْخُلُ تَبَعًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ: مَاءُ بِئْرٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِحِيَازَتِهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ الْمَاءَ: لَمْ يَجُزْ مَجْهُولًا، وَإِلَّا جَازَ، وَيَكُونُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ غَارَ مَاءُ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا فَسْخَ. لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَمْلِكُ عَيْنًا. وَلَا يَسْتَحِقُّهَا بِإِجَارَةٍ إلَّا نَقْعَ الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ مُسْتَأْجَرٍ، وَلَبَنِ ظِئْرٍ يَدْخُلَانِ تَبَعًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " يَدْخُلُ تَبَعًا " يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى نَقْعِ الْبِئْرِ. لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُهُ. قَالَ: إلَّا فِي الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَبَعًا. انْتَهَى. قُلْت: مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَيْنٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: لَبَنِ الظِّئْرِ وَنَقْعِ الْبِئْرِ. فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ تَبَعًا. انْتَهَى وَكَذَا صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ وَاللَّبَنُ تَبَعٌ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَهُ بِالرَّضَاعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الظِّئْرِ. فَعَلَى الِاحْتِمَالِ: تَكُونُ الْإِجَارَةُ وَقَعَتْ عَلَى اللَّبَنِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَدْخُلُ اللَّبَنُ تَبَعًا وَهُمَا قَوْلَانِ تَقَدَّمَا. فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يَدْخُلُ تَبَعًا: حِبْرُ النَّاسِخِ، وَخُيُوطُ الْخَيَّاطِ، وَكُحْلُ الْكَحَّالِ، وَمَرْهَمُ الطَّبِيبِ، وَصِبْغُ الصَّبَّاغِ وَنَحْوُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْحِبْرِ، وَالْخُيُوطِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الصِّبْغِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ اكْتَرَى لِنَسْخٍ أَوْ خِيَاطَةٍ أَوْ كُحْلٍ وَنَحْوِهِ: لَزِمَهُ حِبْرٌ وَخُيُوطٌ وَكُحْلٌ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرَ. وَقِيلَ: يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْكُحْلِ مِنْ الطَّبِيبِ عَلَى الْأَصَحِّ لَا الدَّوَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ. وَقَطَعَ بِهَذَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمَا (وَفِي الْآخَرِ) يَجُوزُ (بِدُونِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَ الشَّرِيكَانِ مَعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَصِحُّ إجَارَةُ مُشَاعٍ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكٍ أَوْ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ إلَّا لِشَرِيكِهِ بِالْبَاقِي، أَوْ مَعَهُ لِثَالِثٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِنْ عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: أَنْ لَا يَصِحَّ رَهْنُهُ، وَكَذَا هِبَتُهُ. وَيَتَوَجَّهُ وَقْفُهُ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ هُنَا صِحَّةُ رَهْنِهِ وَإِجَارَتِهِ وَهِبَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا التَّخْرِيجُ خِلَافُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ سِنْدِي: يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَرَهْنُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّرَ. لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لِلْمَنَافِعِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: هَلْ إجَارَةُ حَيَوَانٍ وَدَارٍ لِاثْنَيْنِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ مِثْلُ إجَارَةِ الْمُشَاعِ، أَوْ يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا فِي الْمُشَاعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَجَعَلَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا الصِّحَّةَ فِي الْمُشَاعِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا أَرْضٍ لَا تُنْبِتُ لِلزَّرْعِ) . قَالَ فِي الْمُوجَزِ: وَلَا حَمَامٍ لِحَمْلِ الْكُتُبِ؛ لِتَعْذِيبِهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ يَصِحُّ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤَجِّرِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ. وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ وَغَيْرِهِ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ بِزِيَادَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَعَنْهُ: إنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً جَازَتْ لِلزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِهَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ: لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ

مِنْ آخَرَ إذَا قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: تَثْبُتُ صَحَّ. انْتَهَى. قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَايَى بِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَقَيَّدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهَا لِمُؤَجِّرِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ. فَإِنْ كَانَ حِيلَةٌ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ وَعَكْسِهَا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: جَوَازُ إجَارَتِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَهَا أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: تَجُوزُ إجَارَتُهَا لِلْمُؤَجِّرِ دُونَ غَيْرِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَصَحَّحُوا فِي غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، هَلْ يَصِحُّ مِنْ بَائِعِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ هُنَاكَ. فَكَذَا هُنَا. فَيَكُونُ مَا قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: عَدَمُ الْبِنَاءِ. وَالصَّوَابُ الْبِنَاءُ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَلَيْسَتْ شَبِيهَةً بِبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، بَلْ بِبَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ. . قَوْلُهُ (وَلِلْمُسْتَعِيرِ إجَارَتُهَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا) . يَعْنِي: أَذِنَ لَهُ فِي إجَارَتِهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَصِحُّ إيجَارُ مُعَارٍ. وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّهُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَانْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا لَوْ عُزِلَ الْوَلِيُّ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَنْفَسِخُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ تَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِمَنَافِعِهَا تَلَقِّيًا عَنْ الْوَاقِفِ بِانْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ قِيلَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ ذُو نَظَرٍ مِنْ الْمُحَبِّسِ ... لَمْ يُفْسَخْ فَقَطْ لَمْ أُبْعِدَ وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَكِنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مُقَسَّطَةً عَلَى

أَشْهُرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَعْوَامِهَا، فَهِيَ صَفَقَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَلَا تَبْطُلُ جَمِيعُهَا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَسَّطَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَيَطَّرِدُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَتَخْرُجُ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَوْقُوفَةً، لَا لَازِمَةً، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ. الثَّانِي: قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: اعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ نَظَرًا. لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، لِكَوْنِ النَّظَرِ لَهُ مَشْرُوطًا وَهَذَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ. أَعْنِي: إذَا أَجَّرَ بِمُقْتَضَى النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَلْحَقَهُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ. انْتَهَى. الثَّالِثُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ: إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرَ الْعَامَّ، وَمَنْ شَرَطَ لَهُ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: أَمَّا إذَا شَرَطَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِإِلْحَاقِهِ بِالْحَاكِمِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَدْخَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. الرَّابِعُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ وَغَيْرِهِ: إذَا أَجَّرَهُ

مُدَّةً يَعِيشُ فِيهَا غَالِبًا. فَأَمَّا إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا يَعِيشُ فِيهَا غَالِبًا: فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَةِ الْمُؤَجِّرِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَبْضُهَا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ الْقَابِضِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ قَبَضَهَا الْمُؤَجِّرُ رَجَعَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرِكَةٌ فَأَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ النَّاظِرَ فَمَاتَ فَلِلْبَطْنِ الثَّانِي فَسْخُ الْإِجَارَةِ، وَالرُّجُوعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَاَلَّذِي يُتَوَجَّهُ أَوَّلًا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَفُ الْأُجْرَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَلَا الْأُجْرَةَ عَلَيْهَا. فَالتَّسْلِيفُ لَهُمْ قَبْضُ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَهُ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ. وَعَلَى هَذَا: فَلِلْبَطْنِ الثَّانِي أَنْ يُطَالِبُوا بِالْأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسْلِيفُ، وَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا النَّاظِرَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُقْطِعِ إذَا أَجَّرَ إقْطَاعَهُ ثُمَّ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِإِقْطَاعٍ آخَرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ، أَوْ أَجَّرَ مَالَهُ، أَوْ السَّيِّدُ الْعَبْدَ. ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفَسِخَ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الصَّبِيِّ، وَتَخْرِيجٌ فِي الْعَبْدِ مِنْ الصَّبِيِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَنْفَسِخُ، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا فِي الْعِتْقِ. فَإِنَّ لَهُ اسْتِثْنَاءَ مَنَافِعِهِ بِالشُّرُوطِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ الْحُكْمِيُّ أَقْوَى، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَرَشَدَ. فَإِنَّ الْوَلِيَّ تَنْقَطِعُ وِلَايَتُهُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَرْجِعُ الْعَتِيقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِحَقِّ مَا بَقِيَ، كَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ ثُمَّ وَقَفَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بُلُوغَهُ عِنْدَ فَرَاغِهَا. فَأَمَّا إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَعْلَمُ بُلُوغَهُ فِيهَا، فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. قُلْت: وَيَلْحَقُ بِهِ الْعَبْدُ إذَا عَلِمَ عِتْقَهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْإِجَارَةُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعَلَّقَ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. لَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى صَرَّحَ بِذَلِكَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وُرِثَ الْمَأْجُورُ، أَوْ اُشْتُرِيَ أَوْ اُتُّهِبَ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِالْعَيْنِ، أَوْ أَخَذَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ الزَّوْجُ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ، أَوْ صُلْحًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ: فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، حَيْثُ قَالُوا: وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَالْوَقْفِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُؤَجَّرُ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ. قَالَ: وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ

الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ، حَتَّى حَدَثَ فِي زَمَانِنَا. فَابْتَدَعَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا إجَارَةُ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ الَّتِي مَوْرِدُهَا مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ رَقَبَتِهَا: فَلَا نَقْلَ فِيهَا نَعْلَمُهُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنَاطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَنَافِعِ لُزُومَ الْعَقْدِ. وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْطَاعِ. انْتَهَى. فَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْإِقْطَاعُ لِآخَرَ، فَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ ثَانٍ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَنْفَسِخُ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُدَّةِ مَعْلُومَةً) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ لَوْ عَلَّقَهَا عَلَى مَا يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى شَيْئَيْنِ كَالْعِيدِ، وَجُمَادَى، وَرَبِيعٍ فَهَلْ يَصِحُّ، وَيُصْرَفُ إلَى الْأَوَّلِ، أَوْ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيِّنَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الْأَوَّلُ: اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِي: اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا، وَإِنْ طَالَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا غَيْرُ. وَقِيلَ: ثَلَاثِينَ سَنَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ

وَقِيلَ: لَا تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِوَكِيلٍ مُطْلَقٍ إيجَارُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، بَلْ الْعُرْفُ، كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً ، وَتُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لَا يَمْنَعُ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْعَاقِدِ وَلَوْ مُدَّةً لَا يُظَنُّ فِنَاءُ الدُّنْيَا فِيهَا. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَمِ: الشَّرْعُ يُرَاعِي الظَّاهِرَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ أَجَلًا تَفِي بِهِ مُدَّتُهُ: صَحَّ، وَلَوْ اشْتَرَطَ مِائَتَيْنِ. أَوْ أَكْثَرَ: لَمْ يَصِحَّ؟ . الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَلِيَ الْعَقْدَ. فَلَوْ أَجَّرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ تَكُنْ) . وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ قَرِيبًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً. فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي بَيَانُهُ وَتَصْحِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا أَجَّرَهُ وَكَانَتْ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً صَحَّ إنْ ظَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صَحَّ إنْ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ أَوَّلَهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي أَثْنَاءِ بَحْثٍ لَهُمْ تُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مَشْغُولَةً أَوْ لَا كَالسَّلَمِ. فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، أَوْ الْفُنُونِ: لَا يَتَصَرَّفُ مَالِكُ الْعَقَارِ فِي الْمَنَافِعِ بِإِجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ، إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ. فَلَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُ الْمَالِكِ فِي مَحْبُوسٍ بِحَقٍّ. لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَمُرَادُ الْأَصْحَابِ مُتَّفَقٌ. وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُؤَجَّرِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ وَقْتَ وُجُوبِهِ. انْتَهَى الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ السَّابِقِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْعَيْنِ إذَا كَانَتْ مَشْغُولَةً. وَقَدْ قَالَ فِي الْفَائِقِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ وَغَرَسَهَا قَصَبًا. ثُمَّ انْتَقَلَ الْإِقْطَاعُ عَنْ الْجُنْدِيِّ: إنَّ الْجُنْدِيَّ الثَّانِيَ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ لَهُ فِيهَا الْقَصَبُ أَوْ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْبَعْلِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ صِحَّةُ إجَارَةِ الْمَشْغُولِ بِمِلْكٍ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ. فَإِنَّ عُمُومَ كَلَامِهِمْ يَشْمَلُ الْمَشْغُولَةَ وَقْتَ الْفَرَاغِ بِغِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمَشْغُولَةِ بِغِرَاسِ الْغَيْرِ أَوْ بِنَائِهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ صَاحِبِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ إجَارَةٌ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ. قَالَ: وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُ هَذَا. قَالَ: وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ " فِي هَذَا الزَّمَانِ " الَّذِي يَخْطِرُ بِبَالِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ تَصِحُّ كَذَا قَالَ. انْتَهَى.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. وَيَقُومُ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ. وَغَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَأَفْتَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا كَبَيْعِ الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَرْهُونَةً وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ: فَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدِ: صَحَّ إنْ أَمْكَنَ التَّسْلِيمُ فِي أَوَّلِهَا. ثُمَّ قَالَ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ مَا أَجَّرَهُ مَرْهُونًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَا وَقْتَ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْأُجْرَةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِهِ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى إيجَارِ الْمَرْهُونِ جَازَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا تَعَطَّلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى إجَارَتِهِ أَوْ إعَارَتِهِ جَازَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ إجَارَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي إعَارَتِهِ أَوْ إجَارَتِهِ جَازَ. وَالْأُجْرَةُ رَهْنٌ. وَإِنْ أَجَّرَهُ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا يَخْرُجُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ لَازِمًا. أَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ: فَيَصِحُّ إجَارَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَتَقَدَّمَ فِي [الرَّهْنِ هَلْ يَدُومُ لُزُومُهُ بِإِجَارَتِهِ أَمْ لَا؟] . .

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ سَنَةً اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ وَسَائِرَهَا بِالْأَهْلِيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ، كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَيْ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ) . وَكَذَا النَّذْرُ. وَكَذَا مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ) . يَعْنِي: ثَلَاثِينَ يَوْمًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَذْرٍ، وَصَوْمٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا يُعْتَبَرُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ تَمَامِهِ وَنُقْصَانِهِ فَإِنْ كَانَ تَامًّا كَمُلَ تَامًّا. وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كَمُلَ نَاقِصًا. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ إذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَيُكْمِلُ الشَّهْرَ الَّذِي حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ ". فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) هَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِيهِ عَقِبَ الْعَقْدِ. فَلَوْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِلَا عُذْرٍ فَتَلِفَ ضَمِنَ بِسَبَبِهِ. وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ. فَإِنْ مَرِضَ أَوْ هَرَبَ اكْتَرَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ. فَإِنْ شَرَطَ مُبَاشَرَتَهُ لَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا، وَلَا اسْتِنَابَةَ إذَنْ.

نَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ، فَقَطَعَهُ وَدَفَعَهُ إلَى خَيَّاطٍ آخَرَ قَالَ: لَا. إنْ فَعَلَ ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَصْدُ، كَنَسْخِ كِتَابٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْأَجِيرَ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ. وَلَوْ أَقَامَ مَقَامَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُكْتَرِيَ قَبُولُهُ. فَلَوْ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْأَجِيرِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَمَرِضَ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ. كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمُوهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ كَالْجِعَالَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَإِنْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَ الْعَمَلِ فِي أَقْصَى مُمْكِنٍ. فَلَهُ شَرْطُهُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الصِّحَّةِ: لَوْ أَتَمَّهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَهُ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) . يَعْنِي: بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا، وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ. كَالْحَجِّ، أَيْ النِّيَابَةِ فِيهِ، وَالْعُمْرَةِ، وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهِمَا. كَالْإِقَامَةِ، وَإِمَامَةِ صَلَاةٍ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْقَضَاءِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَأَخْذِهِ بِلَا شَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُبَيْلَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ ابْنُ شَاقِلَا الصِّحَّةَ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَجِيرٍ، بِخِلَافِ أَذَانٍ وَنَحْوِهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ الصِّحَّةَ عَنْهُ وَعَنْ الْخِرَقِيِّ. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَنَعَ الْإِمَامَةَ بِلَا شَرْطٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ لِلْحَاجَةِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ. وَقَالَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ. فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ؟ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ، لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ. فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَاءَ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ أَوْ رُؤْيَةَ الْمَشَاعِرِ يَأْخُذُ لِيَحُجَّ. وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ، يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ فَقَطْ، وَالدُّنْيَا وَسِيلَةٌ، وَعَكْسِهِ. فَالْأَشْبَهُ: أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. قَالَ: وَحَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفْضِلَ مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ. لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفِ. وَيَتَوَجَّهُ فِعْلُهُ لِحَاجَةٍ. قَالَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَحُجُّ، أَيَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: تَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مُلْحَقٌ بِمَا تَقَدَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ أُجْرَةٍ عَلَى الرُّقْيَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الْجِعَالَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: الْجُعْلُ فِي الْحَجِّ كَالْأُجْرَةِ. الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ وَجِعَالَةٍ عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ وَنَحْوِهِمَا. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحُجُّ بِهِ، إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَخَذَ لِيَحُجَّ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجِمَهُ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْحَلْوَانِيُّ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ [إلَّا إذَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا إجَارَةٍ] . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى سَيِّدِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ أَخْذُ مَا أَعْطَاهُ بِلَا شَرْطٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يُطْعِمُهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَجَوَّزَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِغَيْرِ حُرٍّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: لَوْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ: كَانَ لَهُ أَخْذُهُ. وَيَصْرِفُهُ فِي عَلَفِ دَوَابِّهِ، وَمُؤْنَةِ صِنَاعَتِهِ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ الْقَاضِي وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ أَكْلُهُ. فَعَلَى رِوَايَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ:

تَحْرِيمُهُ عَلَى كُلِّ الْأَحْرَارِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِمِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ: كَالْفَصْدِ، وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْصِيرِهِ، وَالْخِتَانِ، وَقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْت: لَوْ خَرَجَ فِي الْفَصْدِ مِنْ الْحِجَامَةِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا. وَكَذَلِكَ التَّشْرِيطُ كَالصَّوْمِ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ) . يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إعَارَةُ الْمَأْجُورِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ دَارٍ، وَحَانُوتٍ، وَمَرْكُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرَّاكِبُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَعْرِفَةُ بِالْمَرْكُوبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمَعْرِفَةُ بِالْمَرْكُوبِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُمَثِّلُهُ " جَوَازُ إعَارَةِ الْمَأْجُورِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ أَيْضًا وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمَأْجُورَةَ. فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ: لَمْ يَضْمَنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْأَصَحِّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يَضْمَنُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَيْهِ. فَأَرَادَ الْعُدُولَ إلَى مِثْلِهَا فِي الْمَسَافَةِ وَالْحُزُونَةِ وَالْأَمْنِ، أَوْ الَّتِي يَعْدِلُ إلَيْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: جَازَ فِي الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَجُوزُ. وَإِنْ سَلَكَ أَبْعَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَقَّ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الزَّائِدِ وَالشُّقَّةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ ضَرَرًا مِنْهُ وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا. فَإِذَا اكْتَرَى حِنْطَةً. فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ الدَّخَنِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَلَا الْبِنَاءَ) . فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ، وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ مَلَكَ الزَّرْعَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرُ. فَإِنْ فَعَلَ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَلَهُ الزَّرْعُ بِالْمُسَمَّى.

وَقِيلَ: لَا زَرْعَ لَهُ مَعَ الْبِنَاءِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَهَا أَوْ تَغْرِسَهَا: لَمْ يَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ مَا شِئْت، زَرَعَ أَوْ غَرَسَ مَا شَاءَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِلتَّرَدُّدِ. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت، وَتَغْرِسَهَا مَا شِئْت صَحَّ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَنَصَرَاهُ. وَقَالَا: لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا، وَأَنْ يَغْرِسَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَ، وَتَغْرِسَ مَا شِئْت، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا: لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا. انْتَهَى. وَإِنْ قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا مَا شِئْت. فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ إذَا قَالَ: إنْ زَرَعْتهَا كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ زَرَعْتهَا كَذَا فَبِكَذَا. عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِكَذَا، وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَبِكَذَا ". وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ الزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ، وَالْبِنَاءِ فِي الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِجَارَةُ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ: لِزَرْعِ كَذَا أَوْ غَرْسٍ، أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ " فَلْيُعَاوِدْ. فَإِنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُهُ هُنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) يَعْنِي: إذَا فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مِنْ زَرْعٍ، وَبِنَاءٍ، وَغَرْسٍ، وَرُكُوبٍ، وَحَمْلٍ، وَنَحْوُهُ. فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. يَعْنِي لِلْجَمِيعِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ قَالَهُ الْقَاضِي.

وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى، مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمَا. وَكَلَامُ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَجَّرَهَا لِلزَّرْعِ، فَغَرَسَ أَوْ بَنَى: لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ لَمْ يَمْلِكْ الْآخَرَ. فَإِنْ فَعَلَ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَجَّرَهَا لِزَرْعِ شَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ دَخَنًا. فَإِنْ فَعَلَ غَرِمَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْكُلِّ. وَقِيلَ: بَلْ الْمُسَمَّى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِزِيَادَةِ ضَرَرِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ كَغَاصِبٍ. كَذَا لَوْ أَجَّرَهَا لِزَرْعِ قَمْحٍ فَزَرَعَ ذُرَةً وَدَخَنًا. انْتَهَى. ذَكَرَهُ مُتَفَرِّقًا. وَاسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ: لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ حَدِيدٍ. فَحَمَلَ قُطْنًا، أَوْ عَكْسَهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ، فَجَاوَزَهُ. فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْعُمْدَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَعْنِي: إذَا أَكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ.

وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَنَقَلَهُ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ فَقَطْ. فَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ مِنْ وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا إذَا اكْتَرَى لِمَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ، وَلَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ مِنْ وُجُوبِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. فَإِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَوْضَحُ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ أَبِي بَكْرٍ أَخِيرًا. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهَا أَوَّلًا. فَحَصَلَ الْإِيهَامُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ: وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الْجَمِيعِ، وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا فَزَرَعَهَا حِنْطَةً فَقَالَ " عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا زَرَعَ أُخْرَى " قَالَا: فَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ وَمَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَا: يَنْقُلُ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. قَالَا: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا ظَاهِرًا. وَذَكَرَاهُ. انْتَهَيَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وُجُوبُ قِيمَتِهَا إذَا تَلِفَتْ بِهِ، سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إلَى الْمَسَافَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَ الْمُكْتَرِي أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمَّا قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ أَيْضًا ضَمَانُهَا، يَعْنِي: إذَا تَلِفَتْ فِي حِدَةِ الْمُجَاوَزَةِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا بَعْدَ تَجَاوُزِ الْمَسَافَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ تَلِفَتْ فِي حَالِ زِيَادَةِ الطَّرِيقِ، فَعَلَيْهِ كَمَالُ قِيمَتِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي نَزَلَ عَنْهَا، وَسَلَّمَهَا إلَى صَاحِبِهَا لِيُمْسِكَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا فَتَلِفَتْ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا: إذَا تَلِفَتْ فِي حَالِ التَّعَدِّي، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَ رَاكِبِهَا: فَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهَا بِكَمَالِ قِيمَتِهَا. وَكَذَا إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ الرَّاكِبِ، أَوْ تَحْتَ حَمْلِهِ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا. فَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا، بَعْدَ نُزُولِ الرَّاكِبِ عَنْهَا. فَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ تَعَبِهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّيْرِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ تَحْتَ الْحَمْلِ وَالرَّاكِبِ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ. فَلَا ضَمَانَ فِيهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: ضَمِنَهَا بِكَمَالِ الْقِيمَةِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدَّةِ. وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَدِّ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا. فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهَا كُلَّهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ،

وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَالْمَجْدِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فَقَطْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ تَلِفَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ: فَفِي تَكْمِيلِ الضَّمَانِ وَتَنْصِيفِهِ وَجْهَانِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إنْ زَادَ فِي الْحَمْلِ: ضَمِنَ نِصْفَهَا مُطْلَقًا. وَإِنْ زَادَ فِي الْمَسَافَةِ: ضَمِنَ الْكُلَّ إنْ تَلِفَتْ حَالَ الزِّيَادَةِ، وَإِلَّا هَدَرٌ. وَعَنْ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي نَزَلَ عَنْهَا، وَسَلَّمَهَا لِصَاحِبِهَا لِيُمْسِكَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا. فَتَلِفَتْ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ هَلَكَتْ، وَالْمُكْتَرِي رَاكِبُهَا، أَوْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا: ضَمِنَهَا. وَوَافَقَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا مَا إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا بِسَبَبِ تَعَبِهَا مِنْ الْحَمْلِ وَالسَّيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي التَّصْحِيحِ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ إذَا تَلِفَتْ بِسَبَبِ تَعَبِهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّيْرِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا زَادَ سَوْطًا عَلَى الْحَدِّ، وَمَسَائِلُ أُخْرَى هُنَاكَ. فَيُرَاجَعُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحُدُودِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (إذَا اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ) . لَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا وَحْدَهُ فَرَكِبَهَا مَعَهُ آخَرُ. فَتَلِفَتْ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ كُلُّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ النَّفْعِ، كَزِمَامِ الْجَمَلِ

وَرَحْلِهِ وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ وَالْمَحَامِلِ وَالرَّفْعِ وَالْحَطِّ) وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ النَّفْعُ عَلَيْهِ. كَتَوْطِئَةِ مَرْكُوبٍ عَادَةً، وَالْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَهَذَا كُلُّهُ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ الْمَحْمِلُ وَالْمِظَلَّةُ وَالْوِطَاءُ فَوْقَ الرَّحْلِ وَحَبْلُ قِرَانٍ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَدْلٌ لِقُمَاشٍ عَلَى مُكْرٍ لِمَنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنَّمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُ الْمُكْتَرِي. فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ الرَّاكِبُ الْبَهِيمَةَ لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ: فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. انْتَهَيَا. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. فَائِدَةٌ: أُجْرَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُكْتَرِي، عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ اكْتَرَى مِنْهُ بَهِيمَةً بِعَيْنِهَا فَأُجْرَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى حَمْلِهِ إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ. فَهِيَ عَلَى الْمُكْرِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يُوَصِّلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا. قُلْت: يَنْبَغِي [أَيْضًا] أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلُزُومُ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلَ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ) . أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِيَنْزِلَ لِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَيْضًا. لُزُومُ الْبَعِيرِ إذَا عَرَضَتْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَاجَةٌ

لِنُزُولِهِ وَتَبْرِيكِ الْبَعِيرِ لِلشَّيْخِ الضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ وَالسَّمِينِ، وَشَبَهِهِمْ لِرُكُوبِهِمْ وَنُزُولِهِمْ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَرَضٍ طَالَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُ الرَّاكِبَ الضَّعِيفَ وَالْمَرْأَةَ الْمَشْيُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ قُرْبِ الْمَنْزِلِ. وَهَلْ يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. لَكِنَّ الْمُرُوءَةَ تَقْتَضِي فِعْلَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالنُّزُولِ فِيهِ، وَالْمَشْيِ: لَزِمَ الرَّاكِبَ الْقَوِيَّ فِي الْأَقْيَسِ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اكْتَرَى جَمَلًا لِيَحُجَّ عَلَيْهِ. فَلَهُ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ إلَى مِنًى لَيَالِيَ مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقُدَمَاءُ. وَقَالَا الْأَوْلَى: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الرُّكُوبُ إلَى مِنًى. لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ. وَأَطْلَقَهَا فِي الرِّعَايَةِ وَأَمَّا إنْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ فَقَطْ. فَلَيْسَ لَهُ الرُّكُوبُ إلَى الْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: اشْتِرَاطُ ذِكْرِ الْمَرْكُوبِ، وَالرَّاكِبِ، وَالْمَحْمُولِ، وَأَحْكَامُ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَالْكَنِيفِ: فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) بِلَا نِزَاعٍ.

قُلْت: يُتَوَجَّهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. وَكَذَا تَفْرِيغُ الدَّارِ مِنْ الْقُمَامَةِ وَالزِّبْلِ وَنَحْوِهِمَا. وَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ تَسْلِيمُهَا مُنْطَقَةً، وَتَسْلِيمُ الْمِفْتَاحِ. وَهُوَ أَمَانَةٌ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ: الْبَكَرَةُ، وَالْحَبْلُ، وَالدَّلْوُ. قَوْلُهُ (وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا، وَإِنْ بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ، فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ) . الْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةَ، وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَنَافِعَ. فَإِذَا فَسَخَهَا الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ تَنْفَسِخْ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ التَّصَرُّفُ فِيهَا فِي حَالِ كَوْنِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا. فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْمَالِكُ الدَّارَ، أَوْ يُؤَجِّرَهَا لِغَيْرِهِ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا سَكَنَ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي الْعَقْدِ: لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ. وَإِنْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ لَزِمَتْ الْمَالِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ الْمَالِكُ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَأَمَّا إذَا تَصَرَّفَ الْمَالِكُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى. وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَبَى الْمُؤَجِّرُ تَسْلِيمَ مَا أَجَّرَهُ، أَوْ امْتَنَعَ مُسْتَأْجِرٌ الِانْتِفَاعَ بِهِ كُلَّ الْمُدَّةِ. فَلَهُ الْفَسْخُ مَجَّانًا. وَقِيلَ: بَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ مَجَّانًا.

وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مُعَيَّنَةً بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ مَجَّانًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَيَأْتِي إذَا غَصَبَهَا مَالِكُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا غُصِبَتْ الْعَيْنُ ". فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ امْتَنَعَ الْأَجِيرُ مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَالْحُكْمُ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فَامْتَنَعَ الْمُكْرِي مِنْ تَسْلِيمِهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ، أَوْ أَجَّرَهُ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِهَا، أَوْ أَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ. أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ إلَى مَكَان، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: كَالْحُكْمِ فِي الْعَقَارِ يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ. انْتَهَيَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ إنْ أَبَى الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْعَمَلَ أَوْ بَعْضَهُ، كَالْمُدَّةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ أَبَى مُسْتَأْجِرُ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْجِمَالِ الِانْتِفَاعَ بِهِمْ كَذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْأَجِيرِ وَالْمُؤَجِّرِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ مُدَّةً. فَحَفِظَهُ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ تَرَكَ: فَهَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَى: أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ. بَلْ يَزُولُ الِاسْتِئْمَانُ. وَيَصِيرُ ضَامِنًا. وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا مَعْلُومًا. فَجَاءَ إلَيْهِ فِي نِصْفِ ذَلِكَ الشَّهْرِ: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ الْعَقْدُ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِيمَنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً. بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَرَبَ الْأَجِيرُ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ) . إذَا هَرَبَ الْأَجِيرُ، أَوْ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ أَخَذَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ وَهَرَبَ بِهَا، أَوْ مَنَعَهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ هَرَبٍ: لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ. وَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ. فَإِنْ فَسَخَ فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ، وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ: انْفَسَخَتْ بِمُضِيِّهَا يَوْمًا فَيَوْمًا. فَإِنْ عَادَتْ الْعَيْنُ فِي أَثْنَائِهَا اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ، وَإِنْ انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ. كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ أَوْ حَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ: اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ. فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْعَمَلِ. وَإِنْ هَرَبَ قَبْلَ إكْمَالِ عَمَلِهِ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ وَالصَّبْرَ كَمَرَضِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُكْتَرَى عَلَيْهِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ فَسْخُهَا. وَإِنْ فَرَغَتْ مُدَّتُهُ فِي هَرَبِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ هِيَ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا. الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجِمَالِ، أَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ. فَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا الْحَاكِمُ وَوَفَّى الْمُنْفَقَ وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ) .

إذَا أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْجِمَالِ وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَنَوَى الرُّجُوعَ. فَفِيهِ الرَّوِيَّتَانِ اللَّتَانِ فِيمَنْ قَضَى دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمُقْتَضَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ إنَّ الْأَكْثَرِينَ اعْتَبَرُوا الْإِشْهَادَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَحُكْمُ مَوْتِ الْجَمَّالِ حُكْمُ هَرَبِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ. وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَلَا يُسْرِفَ فِي عَلَفِهَا وَلَا يُقَصِّرَ. وَيَرْجِعَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا) . سَوَاءٌ تَلِفَتْ ابْتِدَاءً أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ. فَإِذَا تَلِفَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ وَإِنْ تَلِفَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ أَيْضًا فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ أَيْضًا فِيمَا مَضَى. وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ. فَيَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَمَاتَ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ: فَهُوَ عُذْرٌ. يُعْطِيهِ بِحِسَابِ مَا رَكِبَ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى. وَقِيلَ: لَا فَسْخَ بِهَدْمِ دَارٍ. فَيُخَيَّرُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَتْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا. وَكَلَامُهُ هُنَا أَعَمُّ. وَعَنْهُ: لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ. وَيَجِبُ فِي مَالِهَا أُجْرَةُ مَنْ يُرْضِعُهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَأَمَّا مَوْتُ الْمُرْتَضِعِ فَتَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَوْلُهُ (وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا: الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ. وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ تَنْفَسِخْ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ وَفِيمَا مَضَى. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ، فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ. وَلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَمْ تَنْفَسِخْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ: فَإِنْ أَجَّرَهَا وَأَطْلَقَ. فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الصِّحَّةَ، إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَالِمًا بِحَالِهَا وَعَدَمِ مَائِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ ظَنَّ الْمُسْتَأْجِرُ إمْكَانَ تَحْصِيلِ الْمَاءِ، وَأَطْلَقَ الْإِجَارَةَ: لَمْ تَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَهُ بِالْأَمْطَارِ، أَوْ زِيَادَةِ الْأَنْهَارِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْعِلْمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ وَجْهَانِ. وَمَتَى زَرَعَ فَغَرِقَ؛ أَوْ تَلِفَ، أَوْ لَمْ يَنْبُتْ: فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِغَرَقِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ. وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ لِقِلَّةِ مَاءٍ قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ عَابَتْ بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ بَعْضُ الزَّرْعِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَوْ بَرْدٍ، أَوْ فَأْرٍ، أَوْ عُذْرٍ. قَالَ: فَإِنْ أَمْضَى الْعَقْدَ فَلَهُ الْأَرْشُ كَعَيْبِ الْأَعْيَانِ. وَإِنْ فَسَخَ. فَعَلَيْهِ الْقِسْطُ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى كَمَالِهِ. قَالَ: وَمَا لَمْ يَرْوِ مِنْ الْأَرْضِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ فِي الْإِجَارَةِ: مَقِيلًا وَمَرَاعِيَ، أَوْ أَطْلَقَ. لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى عَقْدٍ، كَأَرْضِ الْبَرِّيَّةِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَنْفَسِخُ) أَيْ الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ الْمُكْرِي، وَلَا الْمُكْتَرِي) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَعْدُ " لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا الْمُكْتَرِي "؟ قِيلَ: يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ " لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُكْتَرِي " عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ. وَهُنَاكَ صَرَّحَ بِأَنَّهَا تَنْفَسِخُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مُتَابَعَةً لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ ذَلِكَ لِأَجْلِ اخْتِيَارِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ: خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى) . إذَا غُصِبَتْ الْعَيْنُ فَلَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهَا لِعَمَلٍ أَوْ لِمُدَّةٍ. فَإِنْ كَانَتْ لِعَمَلٍ، فَلَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ تَكُونَ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَغُصِبَتْ: لَزِمَهُ بَدَلُهَا. فَإِنْ تَعَذَّرَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ. خُيِّرَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهَا.

وَإِنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ وَأَخْذِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا مِنْ غَاصِبِهَا إنْ ضُمِنَتْ مَنَافِعُ الْغَصْبِ. وَإِنْ لَمْ تُضْمَنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: تَنْفَسِخُ تِلْكَ الْمُدَّةُ. وَالْأُجْرَةُ لِلْمُؤَجِّرِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مِلْكِهِ. وَأَنَّ مِثْلَهُ وَطِئَ، مُزَوَّجَةً. وَيَكُونُ الْفَسْخُ مُتَرَاخِيًا. فَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ رُدَّتْ الْعَيْنُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فَسْخٌ: اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَيَكُونُ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مُخَيَّرًا، كَمَا ذَكَرْنَا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الْمُؤَجِّرَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ الْأَجْنَبِيِّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ ثَبَتَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَسْخِ، أَوْ الِانْفِسَاخِ، مَعَ تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ مَا أَتْلَفَ. وَمِثْلُهُ: جَبُّ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، تَضْمَنُ وَلَهَا الْفَسْخُ. انْتَهَى. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا إذَا حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَعْضِ صُوَرِ تِلْكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَدَثَ خَوْفٌ عَامٌّ يَمْنَعُ مِنْ سُكْنَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَوْ حُصِرَ الْبَلَدُ، فَامْتَنَعَ خُرُوجُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الْأَرْضِ: ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِذَا جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجِزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ.

فَكَلَامُهُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. لِأَنَّهُ شَمَلَ الْغَصْبَ وَغَيْرَهُ. فَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِالْمُسْتَأْجِرِ، كَمَنْ خَافَ وَحْدَهُ لِقُرْبِ أَعْدَائِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمَأْجُورِ، أَوْ حُلُولِهِمْ فِي طَرِيقِهِ: لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حُبِسَ أَوْ مَرِضَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ، فَمَرِضَ: أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمَرِيضِ) . مُرَادُهُ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةٍ وَبِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا. وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتَهُ. فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتَهُ. لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ فِي مُدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَمَرِضَ: لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلِهِ بِعَيْنِهِ. لَا عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِي الذِّمَّةِ وَاخْتَلَفَ الْقَصْدُ كَاسْتِئْجَارِهِ لِنَسْخِ كِتَابٍ لَمْ يُكَلَّفْ الْأَجِيرُ إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبُولُ ذَلِكَ إنْ بَذَلَهُ الْأَجِيرُ. لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَمَلُ الْأَجِيرِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ " الضَّرْبُ الثَّانِي عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ فَلَهُ الْفَسْخُ) . مُرَادُهُ وَمُرَادُ غَيْرِهِ: إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ. فَإِنْ زَالَ سَرِيعًا بِلَا ضَرَرٍ فَلَا فَسْخَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يَمْلِكُ الْإِمْسَاكَ مَعَ الْأَرْشِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ عَيْبِ الْمَبِيعِ: وَأَنَّهُ بِالْخِيرَةِ. كَذَاكَ مَأْجُورٌ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ... قَدْ قَالَهُ الشَّيْخَانِ فَافْهَمْ مَطْلَبِي فَهَذَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ نَقُلْ بِالْأَرْشِ. فَوُرُودُ ضَعْفِهِ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنٌ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ ". فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الْعَيْبُ هُنَا: مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الْأَرْشِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ دَلَّسَهُ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ احْتَاجَتْ الدَّارُ تَجْدِيدًا. فَإِنْ جَدَّدَ الْمُؤَجِّرُ وَإِلَّا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَلَوْ عَمَّرَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِدُونِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَلْقِ الدَّارِ إذَا عَمِلَهُ السَّاكِنُ. وَيَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ بِنَاءً عَلَى مِثْلِهِ فِي الرَّهْنِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى. وَحَكَى فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُجْبَرُ عَلَى التَّرْمِيمِ بِإِصْلَاحِ مُكَسَّرٍ، وَإِقَامَةِ مَائِلٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِالْعِمَارَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَكَانُ الْمَأْجُورُ. فَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَالْعِمَارَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. انْتَهَى.

وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ عَلَى التَّجْدِيدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: بَلَى. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا أَوْ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ مُدَّةِ التَّعْطِيلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْعِمَارَةَ، أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً: لَمْ يَصِحَّ. وَمَتَى أَنْفَقَ بِإِذْنٍ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ بِنَاءً رَجَعَ بِمَا قَالَ الْمُؤَجِّرُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: فِي الْإِذْنِ يَرْجِعُ بِمَا قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ فِي نَفَقَتِهِ عَلَى جِمَالٍ هَرَبَ مُؤَجِّرُهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَخَرَجَ مَنْعُ الْبَيْعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّهُ إذَا بَاعَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ: أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ. فَهِيَ مَسْأَلَةُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، ثُمَّ عَلِمَ: فَلَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَهُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِمْضَاءُ مَعَ الْأَرْشِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ عَيْبٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: قُلْت: فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِبِنَاءِ غَيْرِهِ أَوْ زَرْعِهِ وَغِرَاسِهِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَصِحُّ الْعَقْدُ حَالًّا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ لَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ الدَّارَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْمُعْتَدَّةُ لِلْوَفَاةِ سُكْنَاهَا، وَهِيَ حَامِلٌ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا. لِأَنَّ الْمُدَّةَ الْبَاقِيَةَ إلَى حِينِ وَضْعِ الْحَمْلِ مَجْهُولَةٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَنْفَسِخَ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ إحْدَاهَا: لَا تَنْفَسِخُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرُونَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَنْفَسِخُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: انْفَسَخَتْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِالشِّرَاءِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ أَخَذَهُ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ بِشَرْطٍ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَجَّرَهَا لِمُؤَجِّرِهَا صَحَّ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْأُولَى: تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَاقِيَةً عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَيَجْتَمِعَانِ لِلْبَائِعِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ.

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ مَا وَرِثَهُ الْمُسْتَأْجِرُ حُكْمُ مَا اشْتَرَاهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: تَنْفَسِخُ. لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ قَهْرِيٌّ. وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَأْجَرَةَ: هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ: فَلَا مَعْنَى لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكٍ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ. هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّ وَارِثٌ سِوَاهُ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ عَلَى نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ مَاتَ مُفْلِسًا بَعْدَ أَنْ أَسْلَفَهُ الْأُجْرَةَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ بِهِبَةٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ. صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي مُسْوَدَّتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وُهِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ لِلْمُسْتَعِيرِ بَطَلَتْ الْعَارِيَّةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ. لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. وَهُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ) . يَعْنِي: لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ مُبَاحٍ فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّهِ " هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ " هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ هُوَ الَّذِي يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهَا فِي جَمِيعِهَا، سَوَاءٌ سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ فِي

الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى رَأَى بَعْضَهُمْ ذَكَرَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ. فَظَنَّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ. وَالْعُذْرُ لِمَنْ قَالَ: هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ: أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْغَالِبِ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْغَالِبِ، لَا أَنَّ الَّذِي يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَمَّى أَجِيرًا خَاصًّا. فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي سُمِّيَ بِهِ يَشْمَلُهُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْثُرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيَّنَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ عِلَّةَ كُلِّ قَوْلٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ بِشَرْطِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ فِي الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. وَحَكَى فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِتَضْمِينِهِ مَا تَلِفَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَالَ فِيهِ: لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ " إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ ". وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ " إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ أَوْ يُفَرِّطَا ".

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيمَا يَعْمَلُهُ. وَلَهُ فِعْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي مُدَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ عَمِلَ وَأَضَرَّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا عَمِلَهُ لِغَيْرِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ) . الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ: هُوَ الَّذِي يَقَعُ الْعَقْدُ مَعَهُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ. فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهُ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ، وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَالسُّقُوطِ عَنْ دَابَّتِهِ. وَكَذَا الطَّبَّاخُ، وَالْخَبَّازُ، وَالْحَائِكُ، وَمَلَّاحُ السَّفِينَةِ، وَنَحْوُهُمْ. وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَمِلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ يَدُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَنَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ عَنْ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي تَضْمِينِهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الضَّمَانَ، وَعَدَمَهُ. وَالثَّالِثَةَ: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَطَاعٍ. كَزَلَقٍ وَنَحْوِهِ. قُلْت: وَهَذَا قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَتَعَدَّ. وَمَا قَالَهُ هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلٍ. وَلَوْ عَدِمَ مِنْ حِرْزِهِ فَلَا ضَمَانَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ: لَا يَضْمَنُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ كَانَ التَّلَفُ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ، وَاللُّصُوصِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كَالضَّيَاعِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: مَحَلُّ الرِّوَايَاتِ: إذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَالِ. أَمَّا إنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ: فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ. قَوْلُهُ (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ إلَّا مَا عَمِلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَهُ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ لَا غَيْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: لَهُ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ وَالْمَنْقُولُ إذَا عَمِلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: لَهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرُ مُشْتَرَكٍ أَجِيرًا خَاصًّا كَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا خَاصًّا فَيَسْتَقْبِلُ الْمُشْتَرَكُ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَخَرَقَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ الْخَاصُّ، وَيَضْمَنُهُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لِرَبِّهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ. لِأَجْلِ ضَمَانِهِ، لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ وَلَا خَتَّانٍ وَلَا بَزَّاعٍ وَهُوَ الْبَيْطَارُ وَلَا طَبِيبٍ إذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ. وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقُلْت: إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرَّاعِي. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ مَاتَتْ طِفْلَةٌ مِنْ الْخِتَانِ فَدِيَتُهَا عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنِهَا. قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لَا غَيْرُ. وَقَالَ:

لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَلْقِ رُءُوسٍ يَوْمًا فَجَنَى عَلَيْهَا بِجِرَاحِهِ، لَا يَضْمَنُ، كَجِنَايَتِهِ فِي قِصَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَنِجَارَةٍ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُ حُكْمُهُ. إنْ كَانَ خَاصًّا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَلَهُ حُكْمُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الرَّاعِي. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِي قَطْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهِ: إذْنُ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْوَلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الْهَدْيِ عَدَمَ الضَّمَانِ. قَالَ: لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَقَالَ: هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَبِيبًا، وَيُقَدِّرُ ذَلِكَ بِالْمُدَّةِ. لِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ. وَيُبَيِّنُ قَدْرَ مَا يَأْتِي لَهُ: هَلْ هُوَ مَرَّةٌ أَوْ أَكْثَرُ؟ وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ بِالْبُرْءِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَجَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ: لَكِنْ يَكُونُ جِعَالَةً لَا إجَارَةً. انْتَهَى. فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً يُكَحِّلُهُ أَوْ يُعَالِجُهُ فِيهَا، فَلَمْ يَبْرَأْ: اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ. وَإِنْ بَرِئَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ. فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَرَضِ اسْتَحَقَّ الطَّبِيبُ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. فَأَمَّا إنْ شَارَطَهُ عَلَى الْبُرْءِ، فَهِيَ جَعَالَةٌ. لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا حَتَّى يُوجَدَ الْبُرْءُ. وَلَهُ أَحْكَامُ الْجَعَالَةِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْكُحْلِ عَلَى الطَّبِيبِ. وَيَدْخُلُ تَبَعًا كَنَقْعِ الْبِئْرِ. قَوْلُهُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إذَا لَمْ يَتَعَدَّ) بِلَا نِزَاعٍ.

فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، مِثْلَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَغْفُلَ عَنْهَا، أَوْ يَتْرُكَهَا تَتَبَاعَدُ عَنْهُ، أَوْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ وَحِفْظِهِ، أَوْ يُسْرِفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ يَضْرِبَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ، أَوْ يَسْلُكُ بِهَا مَوْضِعًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لِلتَّلَفِ. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَحْضَرَ الْجِلْدَ وَنَحْوَهُ، مُدَّعِيًا لِلْمَوْتِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِمَوْتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا ادَّعَى مَوْتَ الْعَبْدِ الْمَأْجُورِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَرَضَهُ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَاشِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعَلَى جِنْسٍ فِي الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُعَيَّنَةٍ تَعَلَّقَتْ الْإِجَارَةُ بِأَعْيَانِهَا. فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهَا. وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا. وَالنَّمَاءُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ كَأَصْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ سِخَالِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ الْإِجَارَةُ بِأَعْيَانِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفِ الذِّمَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جِنْسِهِ، وَنَوْعِهِ، وَصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَعَدَدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا: صَحَّ. وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. كَالْمِائَةِ مِنْ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَوْ وَقَعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى رَعْيِ غَنْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. كَانَ عَلَيْهِ رَعْيُ سِخَالِهَا. لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى مَا يَجْرِي الْعُرْفُ بِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ: هَلْ يَجُوزُ رَعْيُهَا بِجُزْءٍ مِنْ صُوفِهَا وَغَيْرِهِ؟

قَوْلُهُ (وَإِذْ حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، فَتَلِفَ: ضَمِنَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ صَبَغَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَبْسُهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ، أَوْ قَصْرِهِ: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْمَنْثُورِ: إنْ خَاطَهُ، أَوْ قَصَرَهُ وَعَزَلَهُ. فَتَلِفَ بِسَرِقَةٍ، أَوْ نَارٍ: فَمِنْ مَالِكِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. لِأَنَّ الصَّنْعَةَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ. كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. وَإِنْ أَفْلَسَ مُسْتَأْجِرُهُ، ثُمَّ جَاءَ بَائِعُهُ يَطْلُبُهُ. فَلِلصَّانِعِ حَبْسُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَ الثَّوْبَ بَعْدَ عَمَلِهِ: خُيِّرَ مَالِكُهُ بَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ مَعْمُولًا. وَيَدْفَعُ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. وَيُقَدَّمُ قَوْلُ رَبِّهِ فِي صِفَتِهِ مَعْمُولًا. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَتَاعِ الْمَحْمُولِ. فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ. وَيُعْطِيهِ الْأَجْرَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَوْضِعَ تَلَفِهِ. وَلَهُ أُجْرَتُهُ إلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا: لَوْ عَمِلَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَزْلًا لِيَنْسِجَ لَهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، فَيَنْسِجُهُ زَائِدًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ الْمُسَمَّى إنْ زَادَ الطُّولُ وَحْدَهُ. وَلَمْ يَضُرَّ الْأَصْلُ وَإِنْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الْعَرْضِ وَحْدَهُ، أَوْ فِيهِمَا. فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَمَّا إذَا جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا. فَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ. وَقِيلَ: لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ إنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الْعَرْضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ فَلَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى. الثَّالِثَةُ: لَوْ دَفَعَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ خَطَأً ضَمِنَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ الْقَصَّارُ، وَلَا يَسَعُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ. وَيَرُدُّهُ إلَى الْقَصَّارِ. وَيُطَالِبُهُ بِثَوْبِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ حَتَّى قَطَعَهُ: غَرِمَ أَرْشَ الْقَطْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ: وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ حَمَلَ رِوَايَةَ ضَمَانِ الْقَصَّارِ: عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَرِوَايَةَ عَدَمِ ضَمَانِهِ: عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ. وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. وَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ ضَمِنَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُهُ. كَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ضَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ أَوْ كَبَحَهَا) أَيْ: جَذَبَهَا لِتَقِفَ (أَوْ الرَّائِضُ الدَّابَّةَ) وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُهَا السَّيْرَ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدِّيَاتِ " لَوْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوْ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوْ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ. فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ ". وَتَأْدِيبُ الصَّبِيِّ، وَالْمَرْأَةِ مَذْكُورٌ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَذِنْت لِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً. قَالَ: بَلْ قَمِيصًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ أَرَهُ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ لَا يَلْبَسُهُ الْمَالِكُ، أَوْ يَلْبَسُهُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقِيلَ: بِالتَّحَالُفِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ الثَّوْبُ يَكْفِينِي فَاقْطَعْهُ وَفَصِّلْهُ. فَقَالَ: يَكْفِيك فَفَصَّلَهُ. فَلَمْ يَكْفِهِ: ضَمِنَهُ.

وَلَوْ قَالَ: اُنْظُرْ. هَلْ يَكْفِينِي قَمِيصًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: اقْطَعْهُ. فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى مَرَضَ الْعَبْدِ، أَوْ إبَاقَهُ، أَوْ شُرُودَ الدَّابَّةِ، أَوْ مَوْتَهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ أَوْ فِيهَا أَوْ تَلِفَ الْمَحْمُولُ: قَبْلَ قَوْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي إبَاقِ الْعَبْدِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِيمَا إذَا ادَّعَى مَرَضَ الْعَبْدِ وَجَاءَ بِهِ صَحِيحًا وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَفِي التَّرْغِيبِ. فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ فِي الْمُدَّةِ: رِوَايَتَانِ مِنْ دَعْوَى رَاعٍ تَلَفَ الشَّاةِ وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى هَرَبِ الْعَبْدِ أَوَّلَ الْمُدَّةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: تُقْبَلُ، وَأَنَّ فِيهِ بَعْدَهَا رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا لَوْ أَحْضَرَ الْجِلْدَ مُدَّعِيًا الْمَوْتَ. الثَّالِثَةُ: يَسْتَحِقُّ فِي الْمَحْمُولِ أُجْرَةَ حَمْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، كَالْبَيْعِ. كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُك سَنَةً بِدِينَارٍ. وَقَالَ: بَلْ سَنَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحَالُفِ: إنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ الْمَنْفَعَةَ. وَفِي أَثْنَائِهَا بِالْقِسْطِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ رِوَايَةٌ. يَعْنِي: بِعَدَمِ الْجَوَازِ.

فَائِدَةٌ: تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، أَوْ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ الَّذِي بِيَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ بِبَذْلِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَعَنْهُ: تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ. وَمِثْلُهُ تَرْكُهُ تَتِمَّةَ عَمَلِهِ. وَفِيهِ فِي الِانْتِصَارِ كَقَوْلِ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَلَهُ الطَّلَبُ بِالتَّسْلِيمِ. وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ بَذَلَ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ، وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهَا: اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَصَحُّ عِنْدِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا) . يَجُوزُ تَأْجِيلُ الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْجِيلُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْعًا فِي الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ، بَلْ ثَابِتَةً فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهَا. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ: الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ، بَلْ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ فِي الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَقَدَّرَ لَهُ تَقْدِيرًا. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: خِلَافُ ذَلِكَ، كَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمْ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي ذَكَرَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلِمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. فَنَقُولُ: السَّبَبُ وُجِدَ. وَالْوُجُوبُ مَحَلُّهُ انْتِهَاءُ الْأَجَلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَجَّلَهَا فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ: لَمْ تَحِلَّ الْأُجْرَةُ. وَإِنْ قُلْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ حِلَّهَا مَعَ تَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ظُلْمٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَيْضًا: لَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ تَعْجِيلُهَا كُلِّهَا إلَّا لِحَاجَةٍ. وَلَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الْآنَ، كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إذَا بِيعَتْ وَوُرِثَتْ. فَإِنَّ الْحِكْرَ مِنْ الِانْتِقَالِ، يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَالْوَارِثَ. وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ. وَتَرْكُهُ فِي أَصَحِّ قَوْلِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ) . إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ مُلِكَتْ الْأُجْرَةُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا. لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَهَا إلَّا بِفَرَاغِ الْعَمَلِ وَتَسْلِيمُهُ لِمَالِكِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: يَجِبُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى الْأَجِيرِ إذَا شَرَعَ فِي الْعَمَلِ. لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ. فَهُوَ كَتَسْلِيمِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَلَعَلَّهُ يَخُصُّ ذَلِكَ بِالْأَجِيرِ الْخَاصِّ. لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تَتْلَفُ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَهُوَ شَبِيهٌ بِتَسْلِيمِ الْعَقَارِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ. فَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ. فَلَهُ أَجْرُ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ تَمَامِهِ. وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْعُرْفِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، كَاسْتِئْجَارِهِ كُلَّ

يَوْمٍ بِكَذَا. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ. فَتَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ فِيهِ. لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِالْعَمَلِ فِيمَا بَعْدَهُ. وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَنْتَهِي. فَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ إعْطَائِهِ إلَى تَمَامِهَا، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ إذَا عَيَّنَ لِكُلِّ يَوْمٍ فِيهَا قِسْطًا مِنْ الْأُجْرَةِ، فَهِيَ إجَارَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْعُرْفِ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: مَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، وَتَسْتَحِقُّ التَّسْلِيمَ. وَتَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. فَائِدَةٌ: إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَنْ الْمَأْجُورِ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ. عَلَى الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ لَمْ يَضْمَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ انْتَهَى دُونَ الْإِذْنِ فِي الْحِفْظِ. وَمُؤْنَتُهُ كَمُودَعٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِالطَّلَبِ، كَعَارِيَّةٍ، لَا مُؤْنَةِ الْعَيْنِ، وَقَالَ: أَوْمَأَ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِطَلَبِهِ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. وَيَضْمَنُهُ مَعَ إمْكَانِهِ. قَالَ: وَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّهِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِالشَّرْطِ. وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ مُؤْنَةُ الْبَهِيمَةِ عَادَةً مُدَّةَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ. وَيَأْتِي حُكْمُ مُؤْنَةِ رَدِّهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ، أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا: خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ الْقَلْعَ وَضَمَانَ النَّقْصِ، فَالْقَلْعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَخْذَهُ بِالْقِيمَةِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَزَادَ: كَمَا فِي عَارِيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا: لَمْ يَجُزْ التَّمَلُّكُ إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ رِضَى مُسْتَحِقِّ الرَّبْعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَفَ مَا بَنَاهُ أَوْ لَا. مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا اسْتِئْجَارَ دَارٍ يَجْعَلُهَا مَسْجِدًا. فَإِنْ لَمْ تُتْرَكْ بِالْأُجْرَةِ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ احْتَكَرَ أَرْضًا بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ بِنَاءً وَقَفَهُ عَلَيْهِ: مَتَى فَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ: زَالَ حُكْمُ الْوَقْفِ. وَأَخَذُوا أَرْضَهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهَا. وَمَا دَامَ الْبِنَاءُ قَائِمًا فِيهَا فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَوَقْفِ عُلْوِ رَبْعٍ أَوْ دَارٍ مَسْجِدًا. فَإِنْ وَقَفَ عُلْوَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مُلَّاكِ السُّفْلِ. كَذَا وَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مُلَّاكِ الْأَرْضِ. وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ مَعْنَاهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَقْلَعْهُ الْمَالِكُ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو الْخَطَّابِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: فَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْخِيَرَةَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ مَالِكِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. فَإِذَا اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا.

الثَّانِي: يَأْتِي فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: كَيْفَ يُقَوَّمُ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ إذَا أُخِذَ مِنْ رَبِّهِ. بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ ". فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ شَرَطَ فِي الْإِجَارَةِ بَقَاءَ الْغِرَاسِ. فَهُوَ كَإِطْلَاقِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: فَلَوْ حَكَمَ بِبَقَائِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَسْرًا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ: لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا. الثَّانِيَةُ: لَوْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى مُشْتَرٍ، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ: كَانَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الْأَخْذُ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعُ، وَضَمَانُ النَّقْصِ، وَتَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ، وَلَا أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَتَقَدَّمَ إذَا غَرَسَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، أَوْ بَنَى، ثُمَّ أُخِذَتْ الْأَرْضُ وَحُكْمُهُ فِي بَابِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا غَرَسَ فِيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بَنَى: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ إذَا غَرَسَ أَوْ بَنَى. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي الشُّرُوطِ فِي الرَّهْنِ، لِتَضَمُّنِهِ إذْنًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: لَا أُجْرَةَ.

وَيَأْتِي فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا غَرَسَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بَعْضَ أَحْكَامِ غَرْسِ الْغَاصِبِ. وَيَأْتِي أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً " مُسْتَوْفٍ فِي الْمَكَانَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَوْ غَارَسَهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَالْغِرَاسَ بَيْنَهُمَا. فَلَهُ أَيْضًا تَبْقِيَتُهُ بِالْأُجْرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْفَاسِدِ وَجْهٌ كَغَصْبٍ. لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِهِ فِي الضَّمَانِ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ قَلْعَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ غَرَامَةُ نَقْصِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ، وَلَا إصْلَاحُ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ: فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بِنَفَقَتِهِ (أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَقَلْعُهُ مَجَّانًا. انْتَهَى. فَهُوَ كَزَرْعِ الْغَاصِبِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قُلْهُ فِي الْقَوَاعِدِ. لَكِنْ لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ قَلْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ، وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ: فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ لَهُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَيْسَ بِجَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: لَزِمَهُ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ) .

يَعْنِي: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِمَا زَادَ. بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعٍ مُدَّةً لَا يَكْمُلُ فِيهَا، وَشَرَطَ قَلْعَهُ بَعْدَهَا: صَحَّ. وَإِنْ شَرَطَ بَقَاءَهُ لِيُدْرِكَ: فَسَدَتْ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَإِنْ سَكَتَ فَسَدَتْ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فِي زَرْعٍ، ضَرَرُهُ كَضَرَرِ الزَّرْعِ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ: صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهُوَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ زَرَعَ فِيمَا شُرِطَ بَقَاؤُهُ لِيُدْرِكَ: لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا سَكَتَ: لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَاقٍ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعٍ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَقِيلَ: إنْ سَكَتَ: صَحَّ الْعَقْدُ. فَإِذَا فَرَغَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ بَاقٍ، فَهُوَ كَمُفَرِّطٍ. وَقِيلَ: لَا. انْتَهَى. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعٍ بَقَاؤُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَيَجِبُ أَنْ نَقُولَ مِثْلَهُ فِي الْإِجَارَةِ. وَعَلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا الْعِوَضُ. فَاعْتِبَارُهَا فِي الْأَعْيَانِ أَوْلَى.

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ إذَا لَمْ يَتَسَلَّمْهَا وَلَوْ بَذَلَهَا لَهُ الْمَالِكُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اكْتَرَى بِدَرَاهِمَ، وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ: رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ.

باب السبق

[بَابُ السَّبَقِ] ِ قَوْلُهُ (يَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الدَّوَابِّ، وَالْأَقْدَامِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالسُّفُنِ، وَالْمَزَارِيقِ وَغَيْرِهَا) . يَعْنِي يَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَجُوزُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بِالْحَمَامِ. وَقِيلَ: لَا بِالْحَمَامِ وَالطَّيْرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَصِحُّ السَّبَقُ بِلَا عِوَضٍ عَلَى أَقْدَامٍ، وَبِغَالٍ، وَحَمِيرٍ. وَقِيلَ: وَبَقَرٍ، وَغَنَمٍ، وَطُيُورٍ، وَرِمَاحٍ، وَحِرَابٍ، وَمَزَارِيقَ، وَشُخُوتٍ، وَمَنَاجِيقٍ، وَرَمْيِ أَحْجَارٍ، وَسُفُنٍ، وَمَقَالِيعَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَفِي الطُّيُورِ وَجْهَانِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَ أَبُو بَكْرٍ الرَّمْيَ عَنْ قَوْسٍ فَارِسِيَّةٍ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي كَرَاهَةِ لَعِبٍ غَيْرِ مُعِينٍ عَلَى عَدُوٍّ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَصْدٌ حَسَنٌ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَكُلُّ مَا يُسَمَّى لَعِبًا مَكْرُوهٌ، إلَّا مَا كَانَ مُعِينًا عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: يُكْرَهُ الرَّقْصُ وَاللَّعِبُ كُلُّهُ، وَمَجَالِسُ الشَّعْرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ لَعِبُهُ بِأُرْجُوحَةٍ وَنَحْوِهَا.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ اللَّعِبِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: مَنْ وَثَبَ وَثْبَةً مَرِحًا وَلَعِبًا بِلَا نَفْعٍ، فَانْقَلَبَ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ: عَصَى. وَقَضَى الصَّلَاةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ مَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِلَا مَضَرَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ الْمَعْرُوفُ بِالطَّابِ وَالنَّقِيلَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: كُلُّ فِعْلٍ أَفْضَى إلَى مُحَرَّمٍ كَثِيرًا: حَرَّمَهُ الشَّارِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ. لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ وَالْفَسَادِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَا أَلْهَى وَشَغَلَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ: فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُحَرَّمْ جِنْسُهُ. كَبَيْعٍ وَتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ اللَّعِبُ بِآلَةِ الْحَرْبِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالثِّقَاف. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَعَلَّمَ بِسَيْفٍ حَدِيدٍ، بَلْ بِسَيْفٍ خَشَبٍ. وَلَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ: تَأْدِيبُ فَرَسِهِ، وَمُلَاعَبَةُ أَهْلِهِ، وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ. لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجُوزُ الصِّرَاعُ، وَرَفْعُ الْحِجَارَةِ، لِيُعْرَفَ الْأَشَدُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ إلَّا فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالسِّهَامِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا وَجْهًا: يَجُوزُ بِعِوَضٍ فِي الطَّيْرِ الْمُعَدَّةِ لِأَخْبَارِ الْأَعْدَاءِ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي النَّظْمِ وَجْهًا بَعِيدًا يَجُوزُ بِعِوَضٍ فِي الْفِيَلَةِ. وَقَدْ «صَارَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ عَلَى شَاةٍ. فَصَرَعَهُ ثُمَّ عَادَ مِرَارًا فَصَرَعَهُ. فَأَسْلَمَ. فَرَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا وَغَيْرُهُ مَعَ الْكُفَّارِ: مِنْ جِنْسِ جِهَادِهِمْ. فَهُوَ فِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنَّ جِنْسَهَا جِهَادٌ. وَهِيَ مَذْمُومَةٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالظُّلْمُ.

وَالصِّرَاعُ، وَالسَّبَقُ بِالْإِقْدَامِ وَنَحْوُهُمَا: طَاعَةٌ إذَا قُصِدَ بِهَا نَصْرُ الْإِسْلَامِ. وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ أَخْذٌ بِالْحَقِّ. فَالْمُغَالَبَةُ الْجَائِزَةُ تَحِلُّ بِالْعِوَضِ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الدِّينِ، كَمَا فِي مُرَاهَنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَاخْتَارَ هَذَا كُلَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْمُرَاهَنَةِ بِعِوَضٍ فِي بَابِ الْعِلْمِ، لِقِيَامِ الدِّينِ بِالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ. وَهَذَا ظَاهِرُ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: السَّبَقُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْحَافِرِ. فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي حَافِرٍ، وَالْخُفِّ. فَيَعُمُّ كُلَّ ذِي خُفٍّ. وَالنَّصْلِ. فَيَخْتَصُّ بِالنِّشَابِ وَالنَّبْلِ. وَلَا يَصِحُّ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِهَا مَعَ الْجُعْلِ وَعَدَمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَلِتَعْمِيمِهِ وَجْهٌ. وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ تَعْمِيمُ النَّصْلِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ فِي الشُّرُوطِ (أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ) يَعْنِي بِالرُّؤْيَةِ (وَالرُّمَاةِ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي عَدَدِ الرُّمَاةِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. فَلَا يَجُوزُ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ، بِنَاءً عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي السَّهْمِ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَتَسَاوِيهِمَا فِي النَّجَابَةِ وَالْبَطَالَةِ وَتَكَافُئِهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا بَيْنَ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ وَفَارِسِيٍّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ (وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ) وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَرِهَهُ أَبُو بَكْرٍ. كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. الثَّانِيَةُ: إذَا عَقَدَا النِّضَالَ، وَلَمْ يَذْكُرَا قَوْسًا: صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي. وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَذْكُرَا نَوْعَ الْقَوْسِ الَّذِي يَرْمِيَانِ عَنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ (وَمَدَى الرَّمْيِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يُعْرَفُ ذَلِكَ إمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالذِّرَاعِ، نَحْوُ مِائَةِ ذِرَاعٍ أَوْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ. وَمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَلَا يَصِحُّ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ مَا رَمَى فِي أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ، إلَّا عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ تُنَاضِلُهُمَا عَلَى أَنَّ السَّبَقَ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الرُّمَاةِ الْآنَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا مُبَاحًا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطِ سَبْقِهِ. فَلِهَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ: الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا: لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ. قَالَ: وَعَدَمُ الْمُحَلِّلِ أَوْلَى وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ مِنْ كَوْنِ السَّبَقِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ مَقْصُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا. وَهُوَ بَيَانُ عَجْزِ الْآخَرِ، وَأَنَّ الْمَيْسِرَ وَالْقِمَارَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِمُجَرَّدِ الْمُخَاطَرَةِ. بَلْ لِأَنَّهُ أَكْلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، أَوْ لِلْمُخَاطَرَةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لَهُ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا، أَوْ بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أَوْ رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا. فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا. وَإِنْ سَبَقَاهُ أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا. وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ شَيْئًا. وَإِنْ سَبَقَ أَحَدَهُمَا: أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ. وَإِنْ سَبَقَ مَعَهُ الْمُحَلِّلُ: فَسَبَقُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا " الِاكْتِفَاءُ بِالْمُحَلِّلِ الْوَاحِدِ. وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، لِدَفْعِ الْحَاجَةِ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ أَصْحَابَهُ، أَوْ غَيْرَهُمْ: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ شَرْطُ السَّبْقِ لِلْأُسْتَاذِ، وَلِشِرَاءِ قَوْسٍ. وَكِرَاءِ حَانُوتٍ، وَإِطْعَامِهِ لِلْجَمَاعَةِ. لِأَنَّهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الرَّمْيِ. قَوْلُهُ (وَفِي صِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَالْمُسَابَقَةُ جِعَالَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. فَهِيَ كَالْإِجَارَةِ لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ، وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

وَفِي التَّرْغِيبِ: احْتِمَالٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي حَقِّ الْمُحَلِّلِ وَحْدَهُ. لِأَنَّهُ مَغْبُوطٌ، كَمُرْتَهِنٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ دُونَ صَاحِبِهِ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَلَا يُؤْخَذُ رَهْنٌ، وَلَا كَفِيلٌ بِعِوَضِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَجُوزُ فَسْخُهُ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِوَضِ. زَادَ غَيْرُهُمْ: وَأَخْذُهُ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا. قَوْلُهُ (وَعَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِهَا: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهَا. لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ. وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الرَّاكِبَيْنِ وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ (وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) . هَذَا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا لَازِمَةٌ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا جَائِزَةٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَلَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ لِقَطْعِهِمْ بِفَسْخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَاوِي. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: وَارِثُهُ كَهُوَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْبُلْغَةِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ.

لَكِنْ جَعَلَ الْوَارِثَ بِالْخِيَرَةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ: وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ. وَلَوْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ. بَلْ يَبْدَأُ بِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ قَبْلَ الْعِوَضِ. قَوْلُهُ (وَالسَّبَقُ فِي الْخَيْلِ: بِالرَّأْسِ إذَا تَمَاثَلَتْ الْأَعْنَاقُ. وَفِي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ: بِالْكَتِفِ) . كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ؛ وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالسَّبَقُ بِالرَّأْسِ فِي مُتَمَاثِلِ عُنُقِهِ وَفِي مُخْتَلِفِهِ وَإِبِلٍ: بِكَتِفِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالسَّبَقُ فِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ: سَبَقُ الْكَتِفِ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَالسَّبَقُ فِي الْخَيْلِ بِالْعُنُقِ. وَقِيلَ: بِالرَّأْسِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: مَعَ تَسَاوِي الْأَعْنَاقِ. ثُمَّ قَالَ فِيهِمَا: وَفِي مُخْتَلِفَيْ الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ: بِالْكَتِفِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: أَوْ بِبَعْضِهِ. ثُمَّ قَالَ فِيهِمَا: وَقُلْت فِي الْكُلِّ: بِالْأَقْدَامِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ شَرَطَ السَّبَقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ، كَثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ: لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ. وَلَا يَصِيحُ بِهِ فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي: فِعْلَ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: يَكْرَهَانِ. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الْجَنْبَ: بِأَنْ يُجَنِّبَ فَرَسًا آخَرَ مَعَهُ. فَإِذَا قَصَّرَ الْمَرْكُوبُ رَكِبَ الْمَجْنُوبَ. قَوْلُهُ فِي الْمُنَاضَلَةِ (وَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ. فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ: بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلُهُ. وَلَهُمْ الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا) . فَظَاهِرُهُ: عَدَمُ بُطْلَانِ الْعَقْدِ. لِقَوْلِهِ " وَلَهُمْ الْفَسْخُ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَفِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقَدْ عَلِمْت قَبْلُ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي. عَلَى الصَّحِيحِ. فَكَذَا هُنَا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ عَقَدَ النِّضَالَ جَمَاعَةٌ لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ بِرِضَاهُمْ لَا بِقُرْعَةٍ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ. وَمَالَا إلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا: إذَا تَفَاصَلُوا عَقَدُوا النِّضَالَ بَعْدَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ. فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا. ثُمَّ يَخْتَارُ الْآخَرُ آخَرَ حَتَّى يَفْرُغَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْخِيرَةِ اقْتَرَعَا. وَلَا يَقْتَسِمَانِ بِقُرْعَةٍ. وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا. وَلَا الْخِيَرَةِ فِي تَمَيُّزِهِمَا إلَيْهِ، وَلَا السَّبَقِ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاحْتِمَالَانِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاحْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ إصَابَةٍ نَادِرَةٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ إصَابَةٌ مُمْكِنَةٌ فِي الْعَادَةِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ: هَلْ هُوَ مُنَاضَلَةً، أَوْ مُبَادَرَةً؟) . وَكَذَا: هَلْ هُوَ مُحَاطَّةٌ؟ وَهُوَ حَطُّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ بِإِصَابَةٍ مِنْ رَشْقٍ مَعْلُومٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّمَيَاتِ. فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَجِبُ بَيَانُ حُكْمِ الْإِصَابَةِ: هَلْ هِيَ مُنَاضَلَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: لَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ. لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّضَالِ: الْمُبَادَرَةُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا: وَيُسَنُّ أَنْ يَصِفَا الْإِصَابَةَ، فَيَقُولَانِ: خَوَاصِلُ، وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ: يَجِبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَا خَوَاسِقُ، وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ) . هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ: أَوْ مَرِقَ. وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ ثَقْبِهِ، أَوْ خَدْشِهِ، أَوْ نَقْبِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ. فَوَجْهَانِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ مُتَّهَمًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ مَوْضِعَهُ. فَإِنْ كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ: احْتَسَبَ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ كَانَ خَوَاسِقَ: لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: نَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَةُ الْهَدَفِ كَصَلَابَةِ الْغَرَضِ، فَثَبَتَ فِي الْهَدَفِ: احْتَسَبَ لَهُ بِهِ. وَإِلَّا فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ، أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَحْتَسِبْ عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ) . ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ إنْ أَصَابَ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ إنْ أَخْطَأَ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ، وَلَا لَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ عَرَضَ لِأَحَدِهِمَا كَسْرُ قَوْسٍ، أَوْ قَطْعُ وَتَرٍ، أَوْ رِيحٌ فِي يَدِهِ، أَوْ رَدَّتْ سَهْمَهُ عَرْضًا، فَأَصَابَ: حُسِبَ لَهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: بَلَى.

قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا، لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ فِي مَدْحِ الْمُصِيبِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي عَيْبِ غَيْرِهِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي شَيْخِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مَدْحُ الْمُصِيبِ مِنْ الطَّلَبَةِ. وَعَيْبُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ. انْتَهَى قُلْت: إنْ كَانَ مَدْحُهُ يُفْضِي إلَى تَعَاظُمِ الْمَمْدُوحِ، أَوْ كَسْرِ قَلْبِ غَيْرِهِ: قَوِيَ التَّحْرِيمُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَنَحْوِهِ: قَوِيَ الِاسْتِحْبَابُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كتاب العارية

[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] قَوْلُهُ (وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَدْخُلُ عَلَى الْأَوَّلِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ. وَلَيْسَ بِإِعَارَةٍ. وَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِي الشَّيْءِ. كَمَا يَسْتَفِيدُهُ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ. وَالْإِبَاحَةُ: رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ. فَالتَّنَاوُلُ: مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِبَاحَةِ. وَفِي الْأَوَّلِ: مُسْتَنِدٌ إلَى الْمِلْكِ. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الثَّانِي: فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَوْ مُلِكَتْ بِمُجَرَّدِ الْإِعَارَةِ لَاسْتَقَلَّ الْمُسْتَعِيرُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ. كَمَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ لِلْعَارِيَّةِ بِمَا قَالَ، تَوَسُّعٌ لَا يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ. إذْ " الْهِبَةُ " مَصْدَرٌ. وَالْمَصَادِرُ لَيْسَتْ أَعْيَانًا. وَ " الْعَارِيَّةُ " نَفْسُ الْعَيْنِ. وَلَيْسَتْ بِمَعْنَى الْفِعْلِ. قَالَ: وَالْأَوْلَى إيرَادُ التَّعْرِيفِ عَلَى لَفْظِ " الْإِعَارَةِ " فَيُقَالُ: الْإِعَارَةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: تَجِبُ إعَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَأَهْلِ الْفَتَاوَى، وَأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ. نَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ. قَوْلُهُ (تَجُوزُ فِي كُلِّ الْمَنَافِعِ إلَّا مَنَافِعَ الْبُضْعِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الْجُمْلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إعَارَةُ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَفَحْلِ الضِّرَابِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَنَسَبَهُ الْحَارِثِيُّ إلَى التَّذْكِرَةِ. وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إعَارَةُ أَمَةٍ شَابَّةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَامْرَأَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ الْعَارِيَّةُ مَعَ غِنَى الْمَالِكِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ إعَارَةُ مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ لِمُحَرَّمٍ. فَهَذَا التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ. الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِيهَا كَوْنُ الْعَيْنِ مُنْتَفَعًا بِهَا، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا. وَاسْتَثْنَى الْحَارِثِيُّ جَوَازَ إعَارَةِ الْعَنْزِ وَشَبَهِهَا لِأَخْذِ لَبَنِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. وَعَلَّلَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) . يَعْنِي لِلْخِدْمَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: لَا يَجُوزُ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِخِدْمَةِ ذِمِّيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا إعَارَتُهُ. وَقَالَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ: وَيَجُوزُ إعَارَةُ ذِي نَفْعٍ جَائِزٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ إلَّا الْبُضْعَ، وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَحْرَمٍ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: وَعَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ. وَيَتَوَجَّهُ. كَإِجَارَةٍ. وَقِيلَ فِيهِ: بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يُعَارُ كَافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا. وَقُلْت: إنْ جَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ: جَازَ إعَارَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَتَخَرَّجُ هُنَا مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ الْإِجَارَةِ. لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ. فَتَدْخُلُ فِي جِنْسِ الْبِيَاعَاتِ. وَهُنَا بِخِلَافِهِ. قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ إعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا مِنْ الْعُزَّابِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَأَنْ يَسْتَعِيرَ الْمُشْتَهَاةَ أَجْنَبِيٌّ إنْ تُخَفْ خَلْوَةٌ وَالْحَظْرُ لَهَا أَبْعَدُ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً، إنْ كَانَ يَخْلُو بِهَا أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ كَانَتْ بَرْزَةً جَازَ إعَارَتُهَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: تُكْرَهُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بَرْزَةً.

قَوْلُهُ (وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، مَا لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ الْمُعِيرُ فِي شَغْلِهِ (بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: إنْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ انْتِفَاعِهِ بِهَا، مَعَ الْإِطْلَاقِ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِيهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ قَالَ الْقَاضِي: الْقَبْضُ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: يَحْصُلُ بِهَا الْمِلْكُ مَعَ عَدَمِ قَبْضِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ الْمُتَعَيِّنِ بِالْعَقْدِ: الْمِلْكُ أَبْطَأُ حُصُولًا وَأَكْثَرُ شُرُوطًا مِنْ الضَّمَانِ، بِإِبَاحَةِ الطَّعَامِ بِتَقْدِيمِهِ إلَى مَالِكِهِ، وَضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ بِعَارِيَّةِ الْعَيْنِ، وَلَا مِلْكَ. فَإِذَا حَصَلَ بِالتَّعْيِينِ هَذَا الْإِبْطَاءُ. فَأَوْلَى حُصُولُ الْإِسْرَاعِ. وَهُوَ الضَّمَانُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ: لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ، حَتَّى بَعْدَ وَضْعِ الْخَشَبِ، وَقَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ جِدًّا. فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا يَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْإِعَارَةِ ابْتِدَاءً. فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ بَعْدُ؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى حَالَةِ ضَرَرِ الْمَالِكِ أَوْ حَاجَتِهِ إلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْت: بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا قَالَ. وَهُوَ: حَيْثُ لَمْ تَلْزَمْ الْإِعَارَةُ لِتَخَلُّفِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُمْلَكُ مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ. وَإِنْ سَلَّمَ. وَيَكُونُ قَرْضًا. فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ وَبِالْقَبْضِ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَفْظُ " الْعَارِيَّةِ " فِي الْأَثْمَانِ قَرْضٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَإِنْ اسْتَعَارَهُمَا لِلنَّفَقَةِ: فَقَرْضٌ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: مِنْحَةُ لَبَنٍ: هُوَ الْعَارِيَّةُ. وَمِنْحَةُ وَرِقٍ: هُوَ الْقَرْضُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ خِلَافًا فِي صِحَّةِ إعَارَةِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لِلتَّجَمُّلِ وَالزِّينَةِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا: يَصِحُّ إعَارَةُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِلْوَزْنِ وَالتَّزْيِينِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: لِتَزْيِينِ امْرَأَةٍ، أَوْ مَكَان. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ: لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْعِوَضَ. فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ الْقَرْضِ. فَيَمْلِكُ بِالْقَبْضِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، فِي مَوْضِعٍ: يَصِحُّ عِنْدَنَا شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْعَارِيَّةِ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَفْسُدُ بِذَلِكَ. وَجَعَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَذْهَبَ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ: لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَبْلَى الْمَيِّتُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: حَتَّى يَبْلَى وَيَصِيرَ رَمِيمًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُخْرِجُ عِظَامَهُ، وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ: لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالرُّجُوعِ، وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ أُعِيدَ الْحَائِطُ بِآلَتِهِ الْأُولَى، أَوْ بِغَيْرِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، فِي بَابِ الصُّلْحِ: لَهُ إعَادَتُهُ إلَى الْحَائِطِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ. لِأَنَّ الْبَيْتَ مُسْتَمِرٌّ. فَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مُسْتَمِرًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ: لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْحَصَادِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا. فَيَحْصُدُهُ فِي وَقْتِ قَصْلِهِ عُرْفًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْأُجْرَةِ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ، أَوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ: لَزِمَهُ الْقَلْعُ) بِلَا نِزَاعٍ مَجَّانًا. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ: لَزِمَهُ مَعَ الْقَلْعِ تَسْوِيَتُهَا. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ، وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْوِيَتُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. قَالَ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: إنْ شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَيْهِ قَلْعَهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ: لَمْ يَلْزَمْهُ، إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُعِيرُ النَّقْصَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ: لَا يَضْمَنُ النَّقْصَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) . يَعْنِي: إذَا قَلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ، وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ، فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ الْقَلْعَ، فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي. وَجَزَمَ بِهِ فِيهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا ذَكَرَ شَرْطَ الْقَلْعِ وَعَدَمَ شَرْطِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: لَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إلَّا مَعَ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ) . يَعْنِي إذَا أَبَى الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُجْبَرُ فِيهَا: فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَابْنِ مَنْصُورٍ. وَكَذَا نَقَلَ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ: يَتَمَسَّكُهُ بِالنَّفَقَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَى الْمُسْتَعِيرِ. لِأَنَّهُ بَيْعٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ يَعْنِي الْمُعِيرُ مِنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ، وَأَرْشِ النَّقْصِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْقَلْعِ، وَدَفْعِ الْأَجْرِ: بَيْعًا لَهُمَا. فَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَبَيَاهُ بَقِيَ فِيهَا مَجَّانًا فِي الْأَصَحِّ، حَتَّى يَتَّفِقَا. وَقُلْت: بَلْ يَبِيعُهُمَا الْحَاكِمُ. انْتَهَى. فَلَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا. فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ صَاحِبِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أُجْبِرَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْبَرُ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِهِ مُنْفَرِدًا لِمَنْ شَاءَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقِيلَ: لَا يَبِيعُ الْمُعِيرُ لِغَيْرِ الْمُسْتَعِيرِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ أُجْرَةً مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ) يَعْنِي: فِيمَا تَقَدَّمَ. مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ. (وَذَكَرُوا عَلَيْهِ أُجْرَةً فِي الزَّرْعِ، وَهَذَا مِثْلُهُ. فَيَخْرُجُ فِيهِمَا. وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَجْهَانِ) . ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فِي الزَّرْعِ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَشْهَدُ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَمَّا الْغِرَاسُ، وَالْبِنَاءُ وَالسَّفِينَةُ إذَا رَجَعَ وَهِيَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَالْأَرْضُ إذَا أَعَارَهَا لِلدَّفْنِ، وَرَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ، وَالْحَائِطُ إذَا أَعَارَهُ لِوَضْعِ أَطْرَافِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةً مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ وَخَرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي الزَّرْعِ وَجْهَيْنِ: وَجْهٌ بِعَدَمِ الْأُجْرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَمَالَ الْحَارِثِيُّ إلَى عَدَمِ التَّخْرِيجِ. وَأَبْدَى فَرْقًا. وَوَجْهٌ بِوُجُوبِهَا. قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ. وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْجَمِيعِ. أَعْنِي: وُجُوبَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ، وَالْحَائِطِ لِوَضْعِ الْخَشَبِ، وَالسَّفِينَةِ.

وَجَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ فِيمَا سِوَى الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضٍ، فَنَبَتَ فِيهَا. فَهُوَ لِصَاحِبِهِ مُبْقًى إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالْحَارِثِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرَ إنْسَانٍ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا. فَهَلْ يَلْحَقُ بِزَرْعِ الْغَاصِبِ، أَوْ بِزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ بَعْدِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ كَزَرْعِ الْمُسْتَعِيرِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى هَذَا: قَالَ الْقَاضِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأُجْرَةُ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: وَقِيلَ: هُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَذْرِ. وَزَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَقِيلَ: بَلْ بِقِيمَتِهِ إذَنْ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَزَرْعِ غَاصِبٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْقَوَاعِدِ.

وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمُسَاقَاةِ " إذَا نَبَتَ السَّاقِطُ مِنْ الْحَصَادِ فِي عَامٍ قَابِلٍ: أَنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ. فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ، أَوْ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: بَلْ كَغَرْسِ مُشْتَرِي شِقْصٍ لَهُ شُفْعَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْغَرْسِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ؟ " فِيهِ تَسَاهُلٌ. وَإِنَّمَا يُقَالُ: فَهَلْ هُوَ كَغَرْسِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ؟ وَلِهَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَابَعَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: وَكَذَا حُكْمُ النَّوَى، وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ: إذَا حَمَلَهُ السَّيْلُ فَنَبَتَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَرَكَ صَاحِبُ الزَّرْعِ أَوْ الشَّجَرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ: لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ. وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ أَرْضًا بِشَجَرِهَا. فَنَبَتَتْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى كَمَا كَانَتْ. فَهِيَ لِمَالِكِهَا، يُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ: حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ) . يَعْنِي أَنَّهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ. وَبِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَفِي اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا، وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ نَوْعِهَا، إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ وَلَا الْإِجَارَةَ، عَلَى مَا يَأْتِي. الثَّانِي: الْإِعَارَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَعْيِينُ نَوْعِ الِانْتِفَاعِ. فَلَوْ أَعَارَهُ مُطْلَقًا: مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُهَيَّأٌ لَهُ، كَالْأَرْضِ مَثَلًا. هَذَا الصَّحِيحُ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهَا كَالْإِجَارَةِ فِي هَذَا. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهَا كَثِيرٌ مُتَكَرِّرٌ جِدًّا مِنْ جَمَاعَاتٍ، وَقَفَ عَلَى رِوَايَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، وَذَكَرَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَاسَ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ. فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ مُخَرَّجَةٍ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ خِلَافًا لَا يَضْمَنُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ.

قَوْلُهُ (وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ " الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ " فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ) . فَهَذِهِ رِوَايَةٌ بِالضَّمَانِ إنْ لَمْ يَشْرُطْ نَفْيُهُ. وَجَزَمَ بِهَا فِي التَّبْصِرَةِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ إنْ شَرَطَهُ، وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَا يَضْمَنُ الْوَقْفَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ. كَكُتُبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَعَارَهُ بِرَهْنٍ ثُمَّ تَلِفَ: أَنَّ الرَّهْنَ يَرْجِعُ إلَى رَبِّهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، كَخُمْلِ الْمِنْشَفَةِ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . أَصْلُهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا بِالْمَعْرُوفِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَارِثِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُحَرَّرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ. وَكَلَامُهُ فِي الْوَجِيزِ مُحْتَمَلٌ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَلِفَتْ كُلُّهَا بِالِاسْتِعْمَالِ بِالْمَعْرُوفِ، فَحُكْمُهَا كَذَلِكَ. وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْمَذْهَبُ لَوْ تَلِفَ وَلَدُ الْعَارِيَّةِ أَوْ الزِّيَادَةُ. وَفِي ضَمَانِ وَلَدِ الْمُؤَجَّرَةِ الْوَدِيعَةِ الْوَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الضَّمَانِ فِي أَوَاخِرِ الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ حُكْمُ وَلَدِ الْجِنَايَةِ، وَالضَّامِنَةِ، وَالشَّاهِدَةِ، وَالْمُوصَى بِهَا. وَيَأْتِي حُكْمُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُدَبَّرَةِ فِي بَابَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّهُ مَا تَعَدَّى بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَضْمَنُ رَائِضٌ وَوَكِيلٌ. لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعِيرٍ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَنَصَرَهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: أَصْلُهُمَا هَلْ. هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، أَمْ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَصْلُ هَذَا: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْإِعَارَةَ إبَاحَةُ مَنْفَعَةٍ. وَقَالَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي: يَتَفَرَّعُ عَلَى رِوَايَةِ اللُّزُومِ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ. انْتَهَى. قُلْت: قَطَعَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ بِجَوَازِ إعَارَةِ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ إذَا قِيلَ بِلُزُومِهَا، وَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا. انْتَهَى. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا لَيْسَ مَبْنِيًّا. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَخَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. فَلَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: أَرَدْت مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا. فَأَعْطَاهُ: كَفَى. لِأَنَّهُ إبَاحَةُ عَقْدٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا إذَا وَقَّتَ لَهُ الْمُعِيرُ وَقْتًا، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْمُعِيرُ لَهُ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَعَارَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ فِي الْإِعَارَةِ الْمُؤَقَّتَةِ. وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّتِهَا، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَضْمَنُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

وَتَقَدَّمَ عَكْسُهَا فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِمِثْلِهِ " وَهُوَ لَوْ أَعَارَ الْمُسْتَأْجِرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ: هَلْ يَضْمَنُهَا؟ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ جَوَازُ رَهْنِ الْمُعَارِ وَأَحْكَامُهُ. فَلْيُعَاوَدْ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ سَهْمِ الْفَرَسِ الْمُسْتَعَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ قَالَ إنْسَانٌ: لَا أَرْكَبُ الدَّابَّةَ إلَّا بِأُجْرَةٍ. وَقَالَ رَبُّهَا: لَا آخُذُ لَهَا أُجْرَةً، وَلَا عَقْدَ بَيْنَهُمَا. فَرَكِبَهَا وَتَلِفَتْ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: قُلْت إنْ قُدِّرَ إجَارَتُهَا فَهِيَ إجَارَةٌ مُهْدَرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ: لَمْ يَضْمَنْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. وَمِنْهَا: لَوْ أَرْدَفَ الْمَالِكُ شَخْصًا، فَتَلِفَتْ: لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَى الْمَالِكِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إلَى إصْطَبْلِ الْمَالِكِ أَوْ غُلَامِهِ: لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَتَيْنِ اخْتَارَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِرَدِّهَا إلَى غُلَامِهِ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ كَالسَّائِسِ وَنَحْوِهِ) . كَزَوْجَتِهِ، وَالْخَازِنِ، وَالْوَكِيلِ الْعَامِّ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ لَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهَا إلَى السَّائِسِ. فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا إلَى رَبِّهَا، أَوْ وَكِيلِهِ فَقَطْ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَ شَرِيكٌ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ، فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ، بِأَنْ سَاقَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ وَنَحْوَهُ: لَمْ يَضْمَنْ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ كَعَارِيَّةٍ إنْ كَانَ عَارِيَّةً، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ. قُلْت: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فِيهِ. فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةً. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَبْضِ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَا. فَقَالَ: أَجَّرْتُك. قَالَ: بَلْ أَعَرْتنِي) إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ (عَقِيبَ الْعَقْدِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ) بِلَا نِزَاعٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَلَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ فِي

مَاضِيهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا عَقِبَ قَبْضِ الْعَيْنِ، وَقَبْلَ انْتِفَاعِ الْقَابِضِ. يَعْنِي: الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَعَلَّلَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْإِعَارَةِ. وَهَلْ يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ؟ قَالَ الْحَارِثِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ: التَّعَرُّضُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ الْإِجَارَةِ، وَلَا لِلْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ. وَقَطَعَ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَجِبُ أَقَلُّ الْأَجْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ الْمُدَّعَى إنْ زَادَ عَلَيْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي إنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ زَرْعِ الْأَرْضِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. وَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: بَلْ إجَارَةٌ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: وَكَذَا جَمِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ، إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتُك. قَالَ: بَلْ أَجَّرْتنِي، وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ: أَعَرْتنِي. قَالَ: بَلْ أَوْدَعْتُك. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. وَيَضْمَنُ مَا انْتَفَعَ مِنْهَا. وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتنِي، أَوْ أَجَّرْتنِي. قَالَ: بَلْ غَصَبْتنِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) . فِي أَنَّهُ مَا أَجَّرَ وَلَا أَعَارَ بِلَا نِزَاعٍ. ثُمَّ هُنَا صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُولَ: أَعَرْتنِي. فَيَقُولُ الْمَالِكُ: بَلْ غَصَبْتنِي. فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ: أَخَذَهَا الْمَالِكُ، وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ. وَكَذَا إنْ كَانَتْ تَالِفَةً. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْلِفُ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. لِأَنَّ الْقَوْلَ

قَوْلُ الْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحُوهُ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَجَّرْتنِي. قَالَ: بَلْ غَصَبْتنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَصَحَّحُوهُ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ التَّلَفِ. فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ. وَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. وَمَعَ عَدَمِ التَّلَفِ يَرْجِعُ بِالْعَيْنِ فِي الْحَالِ مَعَ الْيَمِينِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْآخَرُ هُنَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا الْأُجْرَةُ: فَمُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَفَاوَتَ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوَيَا، وَيَحْلِفُ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ أَكْثَرَ حَلَفَ وَلَا بُدَّ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِالْحَسَنِ. وَكَانَ الْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ: الْقَابِضُ أَوْ الرَّاكِبُ وَنَحْوُهُ. إذْ قَبُولُ الْقَوْلِ يُنَافِي كَوْنَهُ غَاصِبًا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: أَعَرْتُك. قَالَ: بَلْ أَوْدَعْتنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَيَسْتَحِقُّ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ تَالِفَةً. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: أَوْدَعْتُك. قَالَ: بَلْ أَعَرْتنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ أَيْضًا. وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مَا انْتَفَعَ بِهَا. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: غَصَبْتنِي. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.

كتاب الغصب

[كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ. لِعَدَمِ دُخُولِ غَصْبِ الْكَلْبِ، وَخَمْرِ الذِّمِّيِّ، وَالْمَنَافِعِ، وَالْحُقُوقِ، وَالِاخْتِصَاصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحُقُوقُ الْوِلَايَاتِ، كَمَنْصِبِ الْإِمَارَةِ، وَالْقَضَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الِاسْتِيلَاءُ يَسْتَدْعِي الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ. فَإِذَنْ قَوْلُهُ " قَهْرًا " زِيَادَةٌ فِي الْحَدِّ. وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ فِي الْمُغْنِي. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ " الِاسْتِيلَاءَ " يَشْمَلُ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ وَغَيْرَهُمَا. فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ الْمَسْرُوقُ، وَالْمُنْتَهَبُ، وَالْمُخْتَلَسُ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى غَصْبًا. وَيُقَالُ: اسْتَوْلَى عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: فَلَوْ قَالَ " الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ " لَصَحَّ لَفْظًا وَعَمَّ مَعْنًى. انْتَهَى وَقَوْلُهُ " لَصَحَّ لَفْظًا " لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى " غَيْرُ ". قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَدَمُ دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا. قُلْت: قَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: أَنَّهُمْ جَوَّزُوا دُخُولَهُمَا عَلَى " غَيْرُ ". وَمِمَّنْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى " غَيْرُ " مِنْ الْأَصْحَابِ: مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا ظُلْمًا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا ظُلْمًا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَسَدُّ الْحُدُودِ. قُلْت: فَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ وَأَمْنَعُ. فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى حَدِّ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ: لَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا قَهْرٍ: أَنَّهُ يُسَمَّى غَصْبًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ حَدِّ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ ظُلْمًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هُوَ اسْتِيلَاءُ غَيْرِ حَرْبِيٍّ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ قُلْت: هُوَ أَصَحُّ الْحُدُودِ وَأَسْلَمُهَا. وَيَرِدُ عَلَى حَدِّ غَيْرِهِ: اسْتِيلَاءُ الْحَرْبِيِّ. فَإِنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَيْسَ بِغَصْبٍ. عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا. وَتَابَعَهُ فِي الْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَمَعْنَاهُ فِي الْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ " عَلَى مَالِ الْغَيْرِ ظُلْمًا " يَدْخُلُ فِيهِ مَالُ الْمُسْلِمِ، وَالْمُعَاهَدِ. وَهُوَ الْمَالُ الْمَعْصُومُ. وَيَخْرُجُ مِنْهُ اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ بِظُلْمٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهُ. هَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا بِالتَّلَفِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ رَدِّ عَيْنِهِ إذَا قَدَرْنَا عَلَى أَخْذِهِ. وَأَمَّا أَمْوَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَأَهْلِ الْعَدْلِ: فَقَدْ لَا يَرِدُ. لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى عَيْنِهَا. وَمَتَى أَتْلَفَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى عَيْنِهَا ضُمِنَتْ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا بِالْإِتْلَافِ وَقْتَ الْحَرْبِ. وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا أَخَذَهُ الْمُلُوكُ وَالْقُطَّاعُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ الْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا. فَأَمَّا اسْتِيلَاءُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: فَيَدْخُلُ فِيهِ. وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ.

لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَتْلُ النُّفُوسِ، وَأَخْذُ الْأَمْوَالِ إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ. لَكِنْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ مُبَاحًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا لَمْ يَصِرْ ظُلْمًا فِي حَقِّنَا، وَلَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. فَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ، أَوْ أُتْلِفَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ: فَقَدْ أُقِرَّ قَرَارُهُ. لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا. لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَفَا عَنْهُ. فَهُوَ عَفْوٌ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَا بِشَرْطِ الْأَمَانِ. فَلَوْ تَحَاكَمَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنَانِ حَكَمْنَا بِالِاسْتِقْرَارِ. انْتَهَى. قُلْت: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْمَسْرُوقُ، وَالْمُخْتَلَسُ، وَنَحْوُهُمَا. قَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ وَأَكْثَرَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَحْصُلُ الْغَصْبُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَهْرًا ظُلْمًا، كَمَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي غَصْبِ مَا يُنْقَلُ نَقَلَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِيهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ. فَقَالَ: إلَّا فِي رُكُوبِهِ دَابَّةً، وَجُلُوسِهِ عَلَى فِرَاشٍ. فَإِنَّهُ غَاصِبٌ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ: وَمَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ سَرِيرِهِ قَهْرًا: فَهُوَ غَاصِبٌ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالتِّسْعِينَ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ صِحَّةَ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَهْرَهَا وَلَوْ حَبَسَهَا عَنْ النِّكَاحِ حَتَّى فَاتَ بِالْكِبَرِ.

وَخَالَفَ ابْنُ الْمُنَى. وَجَزَمَ فِي تَعْلِيقِهِ بِضَمَانِ مَهْرِ الْأَمَةِ بِتَفْوِيتِ النِّكَاحِ. وَذَكَرَ فِي الْحُرَّةِ تَرَدُّدًا، لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ، أَوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ: لَزِمَهُ رَدُّهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا تُرَدُّ الْخَمْرُ. وَتَلْزَمُ إرَاقَتُهَا إنْ حُدَّ، وَإِلَّا لَزِمَهُ تَرْكُهُ. وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ تَعْذِيرُ مُرِيقِهِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ ذِمِّيٍّ: انْبَنَى وُجُوبُ رَدِّهَا عَلَى مِلْكِهَا لَهُمْ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ وَغَيْرُهُ. إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُونَهَا. فَيَجِبُ الرَّدُّ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُونَهَا. فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الرَّدِّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَجِبُ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى إرَاقَتِهَا إذَا أَظْهَرَهَا. وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِضَمَانِ قِيمَتِهَا. إذَا قُلْنَا: إنَّهَا مَالٌ لَهُمْ. وَأَبَاهُ الْأَكْثَرُونَ. وَحُكِيَ لَنَا قَوْلٌ: يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ لِلذِّمِّيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: تُرَدُّ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَيُرَدُّ مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ إلَّا مَا أُرِيقَ فَجَمَعَهُ آخَرُ فَتَخَلَّلَ. لِزَوَالِ يَدِهِ هُنَا. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّ لَنَا خَمْرًا مُحْتَرَمَةً. وَهِيَ خَمْرَةُ الْخَلَّالِ. وَيَأْتِي فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ: هَلْ يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً. فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْتُورَةً فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا. قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ تَخَلَّلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ رَدُّهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَصْحَابُ. لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ. فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ. فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الزَّوَالَ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَبِكُلِّ حَالٍ لَوْ عَادَ خَلًّا عَادَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِحُقُوقِهِ مِنْ ثُبُوتِ الرَّهِينَةِ وَغَيْرِهَا. حَتَّى لَوْ خَلَّفَ خَمْرًا وَدَيْنًا فَتَخَلَّلَتْ: قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي الرَّهْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. عَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ. وَخَرَّجَ يَضْمَنُهَا الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: عَنْهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا. وَقِيلَ: ذِمِّيٌّ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يَضْمَنُ الْكَلْبَ.

وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا صَادَ بِالْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ: هَلْ يَرُدُّ الصَّيْدَ، وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا أَمْ لَا؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الضَّمَانِ " إذَا أَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ، أَوْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ. هَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ إذَا كَانَ خَمْرًا؟ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى طَهَارَتِهِ بِالدَّبْغِ وَعَدَمِهَا. فَإِنْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ: وَجَبَ رَدُّهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ: لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ. فَلَا يَجِبُ رَدُّهُ هُنَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ رَدُّهُ. وَلَوْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي رَدِّ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: وَلَوْ طَهُرَ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُ: أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَبَغَهُ، وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ. لَزِمَهُ رَدُّهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا بِفِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ الْمُتَخَلَّلَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي هَذَا الْفَرْقِ بَحْثٌ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي لُزُومِ رَدِّهِ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ دَبَغَهُ، فَفِي رَدِّهِ الْوَجْهَانِ الْمَبْنِيَّانِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَطْهُرُ لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ رَدُّهُ إذَا قُلْنَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ. وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدَّبْغِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَأَوْجُهٌ: الرَّدُّ، وَعَدَمُهُ. وَالثَّالِثُ: إنْ قُلْنَا: يَطْهُرُ بِدَبْغِهِ، أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي يَابِسٍ: رَدَّهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَهَدَرٌ. وَإِنْ دَبَغَهُ وَقُلْنَا: يَطْهُرُ رَدَّهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ: لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِغَصْبِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا عَلَى الْحُرِّ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ بِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ. وَبَنَى عَلَى هَذَا: هَلْ لِمُسْتَأْجِرِ الْحُرِّ إيجَارُهُ مِنْ آخَرَ؟ إنْ قِيلَ: بِعَدَمِ الثُّبُوتِ امْتَنَعَ الْإِيجَارُ. وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ غَصَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا مَالِكُهَا وَمَتَاعُهُ: لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ الْغَاصِبُ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا. فَفِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَارِثِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي النَّظْمِ: أَنَّ الصَّغِيرَ لَوْ لُدِغَ أَوْ صُعِقَ: وُجُوبُ الدِّيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَجِبُ كَمَا لَوْ مَرِضَ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحِلْيَتَهُ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهَا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ فِي أُجْرَتِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، وَإِيجَارُ الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ هُنَا بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْحَرَّ كَرْهًا فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَلَوْ مَنَعَهُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ، وَلَوْ عَبْدًا. لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بَلَى فِيهِمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ فِي الْعَبْدِ آكَدُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَلْزَمُهُ بِإِمْسَاكِهِ. لِأَنَّ الْحُرَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ. كَمَا لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَمْسَكَهُ. لِأَنَّ الْحُرَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَمَنَافِعُهُ تَلِفَتْ مَعَهُ. كَمَا لَا يَضْمَنُ نَفْسَهُ وَثَوْبَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. فَإِنَّ يَدَ الْغَاصِبِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْفَعَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهَا، وَفِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَعَلَيْهِ دَلَّ نَصُّهُ. وَتَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا مَا يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ: لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ إنْ أَمْكَنَ) : وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُ بَعْضِهِ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ فَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ، وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا) .

هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَجَنَحَ ابْنُ عَقِيلٍ إلَى مُسَاوَاةِ الْحُكْمَيْنِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي غَيْرِ الْفَائِقِ. وَرَدَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَوَهَمَ أَبُو حَفْصٍ نَاقِلُهَا عَلَى أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ رَجَّحَهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ نَبَتَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِ الْأَرْضِ ابْتِدَاءً. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: خِلَافُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ، عَنْهُ: يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْأَرْضِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ. وَمَنَعَ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ. وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ. عَلَى مَا نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الْكَبِيرِ، فِيمَا أَظُنُّ أَوْ أَجْزِمُ وَأَوْرَدَهُ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي كِتَابِ نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحَصَادِ وَبَعْدَهُ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ: هَلْ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْبَذْرِ، أَوْ صَاحِبِ الْأَرْضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْحُدُوثُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَلْ الْقِيَاسُ كَوْنُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ، أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ؟ الْمَنْصُوصُ: الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الثَّانِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا. يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الْمَدْفُوعِ. إنْ كَانَ النَّفَقَةُ: فَلِرَبِّ الْأَرْضِ مُطْلَقًا. وَالْمَنْصُوصُ: التَّفْرِقَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لِلْغَاصِبِ نَفَقَةُ الزَّرْعِ. وَأَمَّا مُؤْنَةُ الْحَصَادِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَدَهُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قِيلَ: أَوْ اُسْتُحْصِدَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْصُدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا، وَالزَّرْعُ قَائِمٌ: خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ، وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَوَاتَرَ النَّصُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَالِكِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَلَاهُمْ، وَالْمُصَنِّفِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قَالَ نَاظِمُهَا: بِالِاحْتِرَامِ اُحْكُمْ لِزَرْعِ الْغَاصِبِ ... وَلَيْسَ كَالْبَانِي أَوْ كَالنَّاصِبِ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكَ الزَّرْعِ ... بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهٌ مَرْعِي أَوْ مِلْكَهُ إنْ شَاءَ بِالْإِنْفَاقِ ... أَوْ قِيمَةً لِلزَّرْعِ بِالْوِفَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَبِي الْخَطَّابِ وَقِيلَ: لَهُ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: إنَّ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَالْوَلَدِ. فَإِنَّهُ لِسَيِّدِ الْأُمِّ، لَكِنْ الْمَنِيُّ، لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَذْرِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَامَّةِ نُصُوصِهِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى فِيمَا أَظُنُّ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى عَدَمُ التَّخْيِيرِ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَالَ: الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ: هُوَ الْمُتَوَاتِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَنْهُ تَخْيِيرًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَّلَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيمَنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَالْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا لَهُ نَصِيبٌ مَعْلُومٌ، وَلِرَبِّهَا نَصِيبٌ: قَسَمَ مَا زَرَعَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَذَلِكَ. قَالَ: وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ مَعَهُ أَوْ يُهَايِئَهُ فِيهَا فَأَبَى. فَلِلْأَوَّلِ الزَّرْعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ بِلَا أُجْرَةٍ، كَدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَيْتَانِ سَكَنَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَفِي نُسْخَةٍ رِوَايَتَانِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: حَكَاهُمَا مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَوْرَدَهُمَا هُنَا وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ هُوَ وَالشَّارِحُ: وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يَأْخُذُهُ بِنَفَقَتِهِ. وَهِيَ مَا أَنْفَقَ مِنْ الْبَذْرِ وَمُؤْنَةِ الزَّرْعِ، مِنْ الْحَرْثِ

وَالسَّقْيِ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الْأَصْحَابِ كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي كِتَابَيْ الْمُجَرَّدِ وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. لِصَرِيحِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهِ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ زَرْعًا الْآنَ. صَحَّحَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَصْلُهُمَا هَلْ يَضْمَنُ وَلَدَ الْمَغْرُورِ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ؟ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: يَأْخُذُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. نَقَلَهَا مُهَنَّا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ التَّمَامِ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ رِوَايَةً بِالتَّخْيِيرِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إيرَادِ الْقَاضِي يَعْقُوبَ فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَ نَصَّ مُهَنَّا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْخِيَرَةِ. فَكَأَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ. أَوْ أَنَّ لِأَبِي الْقَاسِمِ تَخْرِيجَ رِوَايَةٍ. ثُمَّ اطَّلَعَ، فَوَافَقَ التَّخْرِيجَ لَهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَاحْتِمَالِ أَبِي الْخَطَّابِ: لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَتُهَا إلَى حِينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَعْنِي إذَا أَوْجَبْنَا رَدَّ النَّفَقَةِ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَرُدُّ

مِثْلَ الْبَذْرِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. لِأَنَّ الْبَذْرَ مِثْلِيٌّ وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَجِبُ ثَمَنُ الْبَذْرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عَنْ عِوَضِ الزَّرْعِ. وَكَذَلِكَ عَبَّرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ. لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمُعَوَّضِ. وَدُخُولُ الزَّرْعِ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ بَاطِلٌ بِالنَّصِّ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَبَطَلَ كَوْنُهَا عِوَضًا عَنْهُ. الثَّانِي: الْأَصْلُ فِي الْمُعَاوَضَةِ: تَفَاوُتُهُمَا وَتَبَاعُدُهُمَا. فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا عِوَضُ الْبَذْرِ وَلَوَاحِقِهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ، إنْ أَخَذَهُ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَإِنْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ: فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قُلْت: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ، بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْغَاصِبِ. لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ أَخْذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى مُقْتَضَى النُّصُوصِ وَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: يُزَكِّيهِ رَبُّ الْأَرْضِ. لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا أَنَّ الزَّرْعَ مِنْ أَصْلِهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا: أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا) . وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ قَالَ: لَزِمَهُ الْقَلْعُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. عَنْهُ: لَا يُقْلَعُ، بَلْ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ.

وَعَلَيْهَا: لَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا كَغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ. كَذَلِكَ حَكَاهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ كَانَ الْغَارِسُ أَوْ الْبَانِي أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ. وَهُوَ كَذَلِكَ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْهُ، لَكِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا فِي أَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا؟ قَالَ: إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ. وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي الشُّفْعَةِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ زَرَعَ فِيهَا شَجَرًا بِنَوَاهُ. فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَهُ، كَمَا فِي الْغِرَاسِ. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ. لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ أَخْبَارِ الزَّرْعِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا: لَوْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَ الْغَاصِبُ، فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَنَوَادِرِ الْمُذْهَبِ: الثَّمَرُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَالزَّرْعِ. إنْ أَدْرَكَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّ النَّفَقَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ فِيمَنْ غَرَسَ أَرْضًا: الثَّمَرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ: لَوْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ الْغَاصِبُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ الْجَذَاذِ: فَلِلْغَاصِبِ. وَكَذَلِكَ قَبْلَهُ. عَنْهُ: لِمَالِكِ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. انْتَهَوْا. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ بِكُلِّ حَالٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ، اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّرْعِ ضَعِيفٌ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمِنْهَا: لَوْ جَصَّصَ الدَّارَ وَزَوَّقَهَا، فَحُكْمُهَا كَالْبِنَاءِ. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَلَوْ وَهَبَ ذَلِكَ لِمَالِكِهَا، فَفِي إجْبَارِهِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهَانِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ أَرْضًا، فَبَنَاهَا دَارًا بِتُرَابٍ مِنْهَا وَآلَاتٍ مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً. وَإِنْ كَانَتْ آلَاتُهَا مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ دُونَ بِنَائِهَا. لِأَنَّهُ إنَّمَا غَصَبَ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءُ لَهُ. فَلَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مَالِهِ. فَلَوْ أَجَّرَهَا فَالْأُجْرَةُ لَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ بَنَى فِيهَا وَيُؤَجِّرُهَا الْغَلَّةَ عَلَى النَّصِيبِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا: وَيَكُونُ شَرِيكًا بِزِيَادَةِ بِنَاءٍ. وَمِنْهَا: لَوْ طَلَبَ أَخْذَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ بِقِيمَتِهِ، وَأَبَى مَالِكُهُ إلَّا الْقَلْعَ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ. وَفِي الْبِنَاءِ تَخْرِيجٌ: إذَا بَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ. وَالْمَذْهَبِ: الْأَوَّلُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِيهِ: لَا يَلْزَمُهُ. وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ. وَرَوَى الْخَلَّالُ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا «لَهُ مَا نَقَصَ» . قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: هَذَا مَنَعَنَا مِنْ الْقِيَاسِ. وَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيهَا: لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ. وَزَادَ: وَتَرَكَهُ بِأُجْرَةٍ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ: فَالْوَاجِبُ قِيمَةُ الْغِرَاسِ مَقْلُوعًا. حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَإِنْ وَهَبَهُمَا الْغَاصِبُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ كُلْفَةَ الْقَلْعِ: فَقَبِلَهُ جَازَ.

وَإِنْ أَبَى إلَّا الْقَلْعَ وَكَانَ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْقَلْعِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، فَفِي إجْبَارِهِ عَلَى الْقَوْلِ: احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ وَهَبَهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ، إنْ أَرَادَ الْقَلْعَ، وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ. وَمِنْهَا: لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَغَرْسُهُ فِيهَا: فَالْكُلُّ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. فَإِنْ طَالَبَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِقَلْعِهِ وَلَهُ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ أُجْبِرَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَنَقْصُهَا وَنَقْصُ الْغِرَاسِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَهُ ابْتِدَاءً: فَلَهُ مَنْعُهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ مَبْنِيًّا، كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ غَرَسَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ: لِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا. وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْصِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ: الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا بِقَلْعٍ مَجَّانًا. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سِوَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا، وَبَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً ". الثَّانِيَةُ: الرَّطْبَةُ وَنَحْوُهَا: هَلْ هِيَ كَالزَّرْعِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَوْ كَالْغِرَاسِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالزَّرْعِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ زَرْعٌ لَيْسَ لَهُ فَرْعٌ قَوِيٌّ. فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَكَذَا غَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ كَالْغِرَاسِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَكَالْغَرْسِ فِي الْأَقْوَى: الْمُكَرَّرِ جَزُّهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا " لَوْ حَفَرَ فِي الْأَرْضِ بِئْرًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَهُ لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً: لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسِيَ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْ قَلْعِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُقْلَعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ، أَوْ مَالٌ لِلْغَيْرِ. جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمُطْلَقُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى يَقْتَضِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ اغْتَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ جَعَلَهَا فِي سَفِينَةٍ: قُلِعَتْ مِنْ الْحَائِطِ أَوْ السَّفِينَةِ. وَإِنْ اسْتُهْدِمَا بِالْقَلْعِ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: حَيْثُ يَتَأَخَّرُ الْقَلْعُ، فَلِلْمَالِكِ الْقِيمَةُ. ثُمَّ إذَا أَمْكَنَ الرَّدُّ أَخَذَهُ مَعَ

الْأَرْشِ إنْ نَقَصَ، وَاسْتَرَدَّ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْمَغْصُوبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي. حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبْقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ ". وَلَوْ قِيلَ: بِأَنَّهُ تَتَعَيَّنُ لَهُ الْأُجْرَةُ إلَى أَنْ يُقْلَعَ: لَكَانَ مُتَّجَهًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . إذَا غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْحَيَوَانِ بِقَلْعِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ بِقَلْعِهِ: قَلَعَ. وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَنَحْوِهَا فَلَهُ قَلْعُهُ مِنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ مُحْتَرَمًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ آدَمِيًّا: لَمْ يُقْلَعْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ. وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ إلَّا إذَا خِيفَ تَلَفُهُ. وَيُقْلَعُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ. فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ خَوْفِ التَّلَفِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ. ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالتَّلَفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْغَاصِبِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ: لَمْ يُقْلَعْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ.

وَإِنْ كَانَ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يُذْبَحُ. وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُذْبَحُ، وَتُرَدُّ قِيمَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إنْ كَانَ مُعَدًّا لِلْأَكْلِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالدَّجَاجِ، وَنَحْوِهِ ذُبِحَ وَرَدَّهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِمَوْتِ الْآدَمِيِّ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: الْحَيَوَانُ أَكْثَرُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ مَائِهِ مِنْهُ. وَلَوْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ: قُتِلَ، لَا عَنْ نَفْسِهِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَيْطِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ؛ وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً: ذُبِحَتْ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَوْهَرَةَ مَتَى كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ

الْحَيَوَانِ: ذَبَحَ الْحَيَوَانَ، وَرُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا. وَضَمَانُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا الثَّانِيَةُ: لَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ، وَتَوَقَّفَ الْإِخْرَاجُ عَلَى الذَّبْحِ: ذُبِحَتْ، بِقَيْدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ ضَرَرًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الْقَيْدِ. وَعَلَى مَالِكِ الْجَوْهَرَةِ ضَمَانُ نَقْصِ الذَّبْحِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ مَالِكُ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا. فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِتَفْرِيطِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَدْخَلَتْ الشَّاةُ رَأْسَهَا فِي قُمْقُمٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ. فَهُنَا حَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةً. فَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ إنْ كَانَ لَا بِتَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدٍ: كُسِرَ الْقِدْرُ، وَوَجَبَ الْأَرْشُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ. وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ مَالِكِهَا، بِأَنْ أَدْخَلَ رَأْسَهَا بِيَدِهِ، أَوْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَنَحْوُهُ: ذُبِحَتْ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ وَجْهًا بِعَدَمِ الذَّبْحِ. فَيَجِبُ الْكَسْرُ وَالضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَتْ بِتَفْرِيطِ مَالِكِ الْقِدْرِ، بِأَنْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ، أَوْ أَلْقَاهَا فِي الطَّرِيقِ: كُسِرَتْ وَلَا أَرْشَ. قَالَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ اعْتِبَارُ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ. إنْ كَانَ الْكَسْرُ هُوَ الْأَقَلَّ تَعَيَّنَ، وَإِلَّا ذُبِحَ، وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ. ثُمَّ التَّفْرِيطُ مِنْ أَيِّهِمَا حَصَلَ: كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَالضَّمَانُ عَلَى مَالِكِ الْبَهِيمَةِ. إنْ كُسِرَ الْقِدْرُ، وَإِنْ ذُبِحَتْ الْبَهِيمَةُ: فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْقِدْرِ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ. وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ: أَنَا أُتْلِفُ مَالِي وَلَا أَغْرَمُ شَيْئًا لِلْآخَرِ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، فَتُكْسَرُ الْقِدْرُ. وَلَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ بِحَالٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْقَتْلِ: لَمْ يُمَكَّنَا. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَأْكُولِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ مَالِكِهَا، أَوْ الْقَتْلُ أَقَلَّ ضَرَرًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ الْحَارِثِيِّ: الْإِطْلَاقُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَقَطَ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فِي مِحْبَرَةِ الْغَيْرِ، وَعَسِرَ إخْرَاجُهُ. فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ: كُسِرَتْ مَجَّانًا مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ مَالِكِ الدِّينَارِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ فِيهَا وَبَيْنَ كَسْرِهَا. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَعَلَى هَذَا: لَوْ بَذَلَ مَالِكُ الْمِحْبَرَةِ لِمَالِكِ الدِّينَارِ مِثْلَ دِينَارِهِ. فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي إجْبَارِ مَالِكِ الْمِحْبَرَةِ عَلَى الْكَسْرِ ابْتِدَاءً: وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبَرُ. قَالَا: وَعَلَيْهِ نَقْضُ الْمِحْبَرَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ بَذْلِ الدِّينَارِ. انْتَهَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْبَرُ. وَعَلَى مَالِكِ الدِّينَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ حَاصِلُ مَا قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّرْكِ وَالْكَسْرِ.

وَكَيْفَمَا كَانَ لَوْ بَادَرَ وَكَسَرَ عُدْوَانًا: لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا. وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ، بِأَنْ سَقَطَ مِنْ مَكَان، أَوْ أَلْقَاهُ طَائِرٌ، أَوْ هِرٌّ: وَجَبَ الْكَسْرُ. وَعَلَى رَبِّ الدِّينَارِ الْأَرْشُ. فَإِنْ كَانَتْ الْمِحْبَرَةُ ثَمِينَةً، وَامْتَنَعَ رَبُّ الدِّينَارِ مِنْ ضَمَانِهَا فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ: إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ فَاغْرَمْ، وَإِلَّا فَاتْرُكْ، وَلَا شَيْءَ لَك. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُقُوطُ حَقِّهِ مِنْ الْكَسْرِ هُنَا. وَيَصْطَلِحَانِ عَلَيْهِ. وَلَوْ غَصَبَ الدِّينَارَ وَأَلْقَاهُ فِي مِحْبَرَةِ آخَرَ، أَوْ سَقَطَ فِيهَا بِغَيْرِ فِعْلِهِ: فَالْكَسْرُ مُتَعَيِّنٌ. وَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُهَا، إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَى التَّبْقِيَةِ فَيَسْقُطَ. وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ الدِّينَارِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ. الْخَامِسَةُ: لَوْ حَصَلَ مُهْرٌ أَوْ فَصِيلٌ فِي دَارِهِ لِآخَرَ، وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ نَقْضِ الْبَابِ: وَجَبَ النَّقْضُ. ثُمَّ إنْ كَانَ عَنْ تَفْرِيطِ مَالِكِ الدَّارِ، بِأَنْ غَصَبَهُ وَأَدْخَلَهُ: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ كَانَ لَا عَنْ تَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدٍ: فَضَمَانُ النَّقْضِ عَلَى مَالِكِ الْحَيَوَانِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الضَّرَرَيْنِ. فَإِنْ كَانَ النَّقْضُ أَقَلَّ: فَكَمَا قُلْنَا. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ: ذُبِحَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مَأْكُولٍ: تَعَيَّنَ النَّقْضُ. وَإِنْ كَانَ عَنْ تَفْرِيطِ مَالِكِ الْحَيَوَانِ: لَمْ يُنْقَضْ وَذُبِحَ، وَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ. حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: وُجُوبَ النَّقْضِ وَغُرْمَ الْأَرْشِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ نَحْوُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَقَالَ: الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ. وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ خَشَبَةً، فَأَدْخَلَهَا الدَّارَ: فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ يُنْقَضُ الْبَابُ لِإِخْرَاجِهَا. السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ دَارًا وَفِيهَا مَا يَعْسُرُ إخْرَاجُهُ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ: يُنْقَضُ الْبَابُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْضِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُعْتَبَرُ أَقَلُّ الضَّرَرَيْنِ. إنْ زَادَ بَقَاؤُهُ فِي الدَّارِ، أَوْ تَفْكِيكُهُ إنْ كَانَ مُرَكَّبًا، أَوْ ذَبَحَهُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا عَلَى النَّقْضِ: نُقِضَ مَعَ الْأَرْشِ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ: فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. قَالَ: وَيَصْطَلِحَانِ إمَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشْتَرِي الدَّارِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا. فَصَادَ بِهِ. أَوْ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ شَيْئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ، أَوْ غَنِمَ: فَهُوَ لِمَالِكِهِ) إذَا غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ. فَالصَّيْدُ لِلْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَلِرَبِّهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الصَّيْدِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْغَاصِبِ. وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ فِي الْكَلْبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَوَجَّهُ فِيمَا إذَا غَصَبَ فَرَسًا، وَكَسَبَ عَلَيْهِ مَالًا أَنْ يَجْعَلَ الْكَسْبَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَمَالِكِ الدَّابَّةِ عَلَى قَدْرِ نَفْعِهِمَا بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الرَّاكِبِ وَمَنْفَعَةُ الْفَرَسِ. ثُمَّ يُقْسَمُ الصَّيْدُ بَيْنَهُمَا.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيَادِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلَا أُجْرَةَ لِرَبِّهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِي صَيْدِ الْعَبْدِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَأَمَّا سَهْمُ الْفَرَسِ الْمَغْصُوبَةِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، فَسَهْمُهُ لِمَالِكِهِ " وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَاكَ. فَأَمَّا إذَا غَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا فَصَادَ بِهِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لِمَالِكِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِلْغَاصِبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ صَيْدَ الْكَلْبِ، وَالْقَوْسِ وَقِيلَ: وَكَذَا أُحْبُولَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالُوا: عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: رِبْحُ الدَّرَاهِمِ لِمَالِكِهَا. فَائِدَةٌ: صَيْدُ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرُ أَكْسَابِهِ: لِلسَّيِّدِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَفِي لُزُومِ أُجْرَتِهِ مُدَّةَ اصْطِيَادِهِ وَعَمَلِهِ: الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الْجَارِحَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا تَدْخُلُ أُجْرَتُهُ تَحْتَهُ، إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً،

أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ إبَرًا أَوْ أَوَانِي. أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا: رَدَّ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشِ نَقْصِهِ. وَلَا شَيْءَ لَهُ) . وَكَذَا لَوْ غَصَبَ طِينًا، فَضَرَبَهُ لَبِنًا، أَوْ جَعَلَهُ فَخَّارًا، أَوْ حَبًّا فَطَحَنَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: مَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عَنْ صِفَتِهِ، وَيَنْقُلُهُ إلَى اسْمٍ آخَرَ، كَمَا مَثَّلَ وَنَحْوِهِ. فَفِي هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. عَنْهُ: يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ، فَالْغَاصِبُ شَرِيكُ الْمَالِكِ بِالزِّيَادَةِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ: رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُ فِي الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. وَقِيلَ: لِلْغَاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ فَقَطْ، إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِثْلَهَا فَصَاعِدًا. أَوْمَأَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي التَّلْخِيصِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ. فَعَلَى هَذَا: إنْ عَمِلَ وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ، فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَبْلَ تَغْيِيرِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ، وَالشَّارِحَ قَالَا: هُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ. فَإِنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت: مَوْتُهُ قَبْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى رُجُوعِهِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ نَحْوَهُ. فَقَالَ: وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ الْوَفَاةِ الرُّجُوعُ. إذْ مِنْ الْجَائِزِ تَقَدُّمُ سَمَاعِ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ. وَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَا قَالَ إلْغَاءُ مَا خَالَفَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ لِرِوَايَةِ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ. وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. عَنْهُ: يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. تَنْبِيهٌ: أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَغْصُوبَ عَنْ صِفَتِهِ: قَصْرَ الثَّوْبِ، وَذَبْحَ الشَّاةِ وَشَيَّهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ كَالنَّوْعِ الْأَوَّلِ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ أَدْرَجَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ قِصَارَةَ الثَّوْبِ. وَلَيْسَ بِالْمُخْتَارِ. لِانْتِفَاءِ سَلْبِ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى. تَنْبِيهٌ ثَانٍ: أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذَبْحَ الْغَاصِبِ لِلْحَيَوَانِ الْمَغْصُوبِ لَا يُحَرِّمُ أَكْلَهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ، وَفِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. فَائِدَةٌ: مَا صُورَةُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يَنْقَسِمُ إلَى مُمْكِنِ الرَّدِّ إلَى

الْحَالَةِ الْأُولَى كَالْحُلِيِّ، وَالْأَوَانِي، وَالدَّرَاهِمِ فَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِعَادَةِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَإِلَى غَيْرِ مُمْكِنٍ كَالْأَبْوَابِ، وَالْفَخَّارِ، وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ إفْسَادُهُ. وَلَا لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، فِيمَا عَدَا الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التُّرَابِ: لِلْمَالِكِ رَدُّهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ التُّرَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ مَالِكِهَا: لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . إذَا حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ شَقَّ نَهْرًا وَنَحْوَهُ فِي أَرْضٍ غَصَبَهَا. فَطَالَبَهُ الْمَالِكُ بِطَمِّهَا: لَزِمَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ أَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّهَا ابْتِدَاءً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِسْقَاطِ ضَمَانِ مَا يَقَعُ فِيهَا. أَوْ يَكُونُ قَدْ نَقَلَ تُرَابَهَا إلَى مِلْكِهِ، أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ إلَى طَرِيقٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيغِهِ فَلَهُ طَمُّهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ وَضَعَ التُّرَابَ فِي أَرْضِ مَالِكِهَا، أَوْ فِي مَوَاتٍ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ. فَهَلْ يَمْلِكُ طَمَّهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَمْلِكُ طَمَّهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مَالِكُهَا، فَأَرَادَ الْغَاصِبُ طَمَّ الْبِئْرِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ فِيهَا. انْتَهَيَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ: هَلْ الرِّضَى الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ لِلْحَفْرِ، أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَإِنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ نَحْوَهَا. فَلَهُ طَمُّهَا مُطْلَقًا. وَإِنْ سَخِطَ رَبُّهَا، فَأَوْجُهٌ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ. وَالثَّالِثُ: إنْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، وَصَحَّ فِي وَجْهٍ: فَلَا. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهًا رَابِعًا: وَهُوَ إنْ كَانَ غَرَضُهُ فِيهِ صَحِيحًا كَدَفْعِ ضَرَرٍ، وَخَطَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا. وَخَامِسًا: وَهُوَ إنْ تَرَكَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ غَيْرِ رَبِّهَا: فَلَا. وَقِيلَ: بَلَى، مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: فِي الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ: فَنَعَمْ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُجَرَّدِ: فَكَلَامُهُ فِيهِ مُوَافِقٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُ قَالَ وَذَكَرَ كَلَامَهُ.

قُلْت: النَّاقِلُ عَنْ الْقَاضِي تِلْمِيذُهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَلِلْقَاضِي فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ. وَكُتُبُهُ كَثِيرَةٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَبْرَأُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غِرَاسًا) . قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: أَوْ غُصْنًا فَصَارَ شَجَرَةً: رَدَّهُ. وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ. فَعَلَى هَذَا: يَتَخَرَّجُ لَنَا: أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. انْتَهَى وَذَلِكَ: لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَتَبَدُّلِ اسْمِهَا. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ فِي الْكَافِي مِنْ صُوَرِ الِاسْتِحَالَةِ: الزَّرْعُ يَصِيرُ حَبًّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الزَّرْعَ إنْ كَانَ قَدْ سَنْبَلَ حَالَةَ الْغَصْبِ: فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ يَصِيرَانِ تَمْرًا وَزَبِيبًا وَلَيْسَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَنْبَلَ: فَهُوَ فِي مَعْنَى إثْمَارِ الشَّجَرِ. فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَلِّدِ، لَا الْمُسْتَحِيلِ لِوُجُودِ الذَّاتِ عَيْنًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَ: لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ، رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ)

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيَةِ أَمْرَدَ، وَقَطْعِ ذَنَبِ حِمَارٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ وَقَالَ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (وَعَنْهُ: أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ) . فَيَجِبُ فِي يَدِهِ: نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ: نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ مِمَّا لَا يُقَدَّرُ فِيهِ، كَنَقْصِهِ لِلْكِبَرِ أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ شَجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ: فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مَعَ الرَّدِّ فَقَطْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْوَى. (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا) وَانْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا التَّخْرِيجِ هُنَا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. عَنْهُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ رُبُعُ قِيمَتِهَا. نَصَرَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَقَالَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: الْخِلَافُ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَصَّ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ. وَجَعَلَ فِي عَيْنِ غَيْرِهَا مَا نَقَصَ. وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا قَالَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى عَيْنِ الْفَرَسِ، دُونَ

الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ الْعُكْبَرِيِّ فِي آخَرِينَ. وَاخْتَارَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْلَ بِالْمُقَدَّرِ. . قَالَ: وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ. فَإِنَّ لَفْظَ " الدَّابَّةِ " يَشْمَلُ الْبَغْلَ، وَالْفَرَسَ، وَالْحِمَارَ. وَكَذَلِكَ صِيغَةُ الدَّلِيلِ الْمُتَمَسَّكِ بِهِ. فَالتَّخْصِيصُ خِلَافُ الْأَصْلِ، مَعَ أَنَّا نَجِدُ فِي الْفَرَسِ خَصَائِصَ تُنَاسِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِهِ، لَكِنْ مَا أَخَذْنَا فِيهِ غَيْرَ الْقِيَاسِ. وَلَا يُمْكِنُ إعْمَالُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَمِمَّنْ خَصَّ الرِّوَايَةَ بِعَيْنِ الْفَرَسِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فِي الْعَيْنَيْنِ: مَا نَقَصَ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: كَذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ. لَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: نِصْفُ الْقِيمَةِ، اعْتِبَارًا بِالرُّبُعِ فِي إحْدَاهُمَا. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي: إذَا شَقَّ ثَوْبًا، أَوْ أَتْلَفَ عَصًا، أَوْ قَصْعَةً، أَوْ كَسَرَ خَلْخَالًا وَنَحْوَهُ فِي ضَمَانِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَيَأْتِي وَقْتُ لُزُومِ قِيمَتِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ تَلِفَ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ " لَوْ جَنَى عَلَى حَيَوَانٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ أُمِّهِ بِالْجِنَايَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ ضَمَانُ جَنِينِ الْبَهَائِمِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْأَمَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ أَيْضًا. وَيَأْتِي فِي مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ.

قَالَ: وَلَوْ أَلْقَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ: فَفِيهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ حَيًّا لَا غَيْرُ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ. انْتَهَى. قُلْت: الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيْهِ: ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ مِنْ الْقِيمَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا جَنَى الْغَاصِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ جِنَايَةً مُقَدَّرَةً: الدِّيَةُ. فَعَلَى قَوْلِنَا ضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ: يَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ. كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. وَإِنْ قُلْنَا: ضَمَانُ الْغَصْبِ غَيْرُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ، أَوْ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ. وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ. عَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي الْغَاصِبَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وُجُوبُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ: مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ. لِاجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ. مِثَالُهُ: لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا، فَنَقَصَتْ بِالْقَطْعِ أَرْبَعَمِائَةٍ: فَالْوَاجِبُ خَمْسُمِائَةٍ. وَلَوْ نَقَصَ سِتَّمِائَةٍ: كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ.

وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَكَذَلِكَ فِي السِّتِّمِائَةِ. لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْمُوجَبِ. وَفِيمَا قَبْلَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ. لِأَنَّهُ مَا نَقَصَ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ. فَزَادَتْ الْقِيمَةُ إلَى أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ فَنَقَصَ أَلْفًا: فَيَجِبُ أَلْفٌ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ: فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا. أَمَّا بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَظَاهِرٌ. وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ: يَكُونُ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ. فَإِذَا اسْتَوَيَا كَانَ أَوْلَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ يَعْنِي: الْمُقَدَّرَ فَعَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَطْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا. لِإِفْضَائِهِ إلَى إلْغَاءِ أَثَرِ الْيَدِ مَعَ وُجُودِهَا. انْتَهَى وَإِنْ نَقَصَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: فَعَلَى رِوَايَةِ الْمُقَدَّرِ: عَلَيْهِ أَلْفٌ. وَعَلَى رِوَايَةِ مَا نَقَصَ: عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ فَقَطْ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى الْعَبْدِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْغَاصِبُ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي حَالِ غَصْبِهِ. وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْغَاصِبِ، فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ. وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّقْصِ) . هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي لِمُبَاشَرَتِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ) . وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ، أَوْ رِجْلَيْهِ، أَوْ لِسَانَهُ، أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنْ الْحُرِّ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فِيهِ مَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ الْخِلَافِ. غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. لِاسْتِغْرَاقِ الْقِيمَةِ فِي الْمُقَدَّرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْخِصَاءِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمُقَدَّرِ: يَرُدُّهُ وَمَعَهُ قِيمَتُهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَا نَقَصَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ) أَيْ: قِيمَةُ الْعَيْنِ (لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ: لَمْ يَضْمَنْ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً بِالضَّمَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ نَقْصَهُ مَعَ تَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ إذَا تَلِفَ. وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ التَّلَفُ بِالزِّيَادَةِ. فَإِنْ اتَّصَلَ، بِأَنْ غَصَبَ مَا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَارْتَفَعَ السِّعْرُ إلَى مِائَتَيْنِ، وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ: ضَمِنَ الْمِائَتَيْنِ. وَجْهًا وَاحِدًا. إذْ الضَّمَانُ مُعْتَبَرٌ بِيَوْمِ التَّلَفِ. وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا: فَالْوَاجِبُ الْمِثْلُ بِلَا خِلَافٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ غَصَبَ شَيْئًا يُسَاوِي خَمْسَةً، فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى دِرْهَمٍ، ثُمَّ تَلِفَ: لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الْغَصْبِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ. وَإِنَّمَا اسْتَرْسَلَ إلَيْهِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُخَالِفِينَ. وَلَوْ تَلِفَ نِصْفُ الْعَيْنِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى دِرْهَمٍ. فَرَجَعَ الْبَاقِي إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ: رَدَّ الْبَاقِيَ وَمَعَهُ قِيمَةُ التَّالِفِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَفِي التَّلْخِيصِ: يَرُدُّ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا. وَلَيْسَ بِالْمَذْهَبِ، كَمَا قُلْنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْته تَنْبِيهًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَنَصُّهُ يَضْمَنُ. وَحَكَى الْحَارِثِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ بِالضَّمَانِ. قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي قَوِيٌّ بَلْ أَقْوَى. وَرَدَّ أَدِلَّةَ الْأَصْحَابِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ النَّصِّ. فَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَهُ. وَرُبَّمَا كَانَ الْمَذْهَبَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ مَعِيبًا مَعَ الْأَرْشِ. ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ فِي يَدِ مَالِكِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجِبُ رَدُّ الْأَرْشِ. لِاسْتِقْرَارِهِ بِأَخْذِ الْعَيْنِ نَاقِصَةً. وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِ أَرْشٍ، ثُمَّ زَالَ فِي يَدِهِ: لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ كَذَلِكَ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا يُذْكَرُ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَالَ: وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ النَّقْصِ الْحَادِثِ فِي الْمُدَّةِ. وَيَجِبُ رَدُّ مَا زَادَ إنْ كَانَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مِثْلُ إنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً فَعَادَتْ الْقِيمَةُ: ضَمِنَ النَّقْصَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ، أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ نَقَصَتْ: ضَمِنَ الزِّيَادَةَ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. عَنْهُ: إذَا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ مِثْلَ الزِّيَادَةِ الْأُولَى مِنْ جِنْسِهَا) . مِثْلُ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً. فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ لِسِمَنٍ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ هَزَلَتْ فَعَادَتْ إلَى مِائَةٍ، ثُمَّ سَمِنَتْ فَزَادَتْ إلَى أَلْفٍ (لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ لِنَصِّهِ فِي الْخَلْخَالِ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُصْلِحُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَهُوَ أَحَدُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: ضَمِنَهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى: لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَقِيلَ: يَسْقُطُ الضَّمَانُ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ عِلْمًا أَوْ صِنَاعَةً، فَتَعَلَّمَ عِلْمًا آخَرَ أَوْ صِنَاعَةً أُخْرَى قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ كَعَوْدِ السِّمَنِ. يَجْرِي فِيهَا الْوَجْهَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا، وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالنَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقِيلَ: لَهُ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِبَدَلِهِ كَمَا فِي الْهَالِكِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ

وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَالشِّيرَازِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالشَّرِيفِ الزَّيْدِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَكْرُوسٍ. وَخَيَّرَهُ فِي التَّرْغِيبِ بَيْنَ أَخْذِهِ مَعَ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ أَخْذِ بَدَلِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ الْعَفَنُ. أَمَّا إنْ اسْتَقَرَّ: فَالْأَرْشُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ غَيْرِهِ) . إنْ جَنَى عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ: فَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي لَحِقَ الْعَبْدَ وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا: أَرْشُ الْجِنَايَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ. لِتَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى هَذَا حَالَةَ الِاقْتِصَاصِ لِوُجُودِ الْفَوَاتِ. أَمَّا حَالَةُ عَدَمِ الِاقْتِصَاصِ: فَلَا. لِأَنَّ الْفَوَاتَ مُنْتَفٍ. فَالضَّمَانُ مُنْتَفٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا " الْفَوَاتُ مُنْتَفٍ " لِأَنَّ الْغَايَةَ إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لِأَنَّ مِلْكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِيهَا حَاصِلٌ. فَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ. فَيَكُونُ حَالَةَ عَدَمِ الْقِصَاصِ هَدَرٌ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ، وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالرَّقَبَةِ. وَعَلَى الْغَاصِبِ تَخْلِيصُهَا بِالْفِدَاءِ وَبِمَا يَفْدِي.

قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَلَمْ يُورِدُوا هُنَا الْقَوْلَ بِالْأَرْشِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. كَمَا فِي فِدَاءِ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ هُوَ الْأَصَحُّ. لَا لِأَنَّ الْخِلَافَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَفِي كَوْنِ الْأَوَّلِ هُوَ الْأَصَحَّ بَحْثٌ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَيَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ كَالْأَصْلِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِذَا غَصَبَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ: فَالْوَلَدُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ إذَا وَلَدَتْ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا. فَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا، وَكَانَ قَدْ غَصَبَهَا حَامِلًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ. وَإِنْ كَانَ غَصَبَهَا حَائِلًا، فَحَمَلَتْ وَوَلَدَتْهُ مَيِّتًا: فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِيهِ أَبِي الْحُسَيْنِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْأَوْلَى: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا وَمَاتَ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي هَذَا الْبَابِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَخِيرِ مِنْهُ: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَةٌ لَا يَدَ عَلَيْهَا ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً. لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.

وَعَلَّلَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ. وَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا. وَلَا قَصْدَ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ، وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُهَا. وَقَالُوا: لِأَنَّ جِنَايَتَهُ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَضَمِنَهَا. لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي يَدِ الْمَغْصُوبِ. فَهَذَا التَّخْصِيصُ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فِي الْبَهِيمَةِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ: لَوْ نَقَبَ لِصٌّ، وَتَرَكَ النَّقْبَ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ بَهِيمَةٌ: ضَمِنَهَا. وَضَمِنَ مَا تَجْنِي بِإِفْلَاتِهَا وَتَخْلِيَتِهَا. وَقَدْ يَحْتَمِلُ، إنْ حَازَهَا وَتَرَكَهَا بِمَكَانٍ: ضَمِنَ. لِتَعَدِّيهِ بِتَرْكِهَا فِيهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهَا بِمَكَانِهَا وَقْتَ الْغَصْبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، فِي نَقْلِ التُّرَابِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ: إنْ أَرَادَهُ الْغَاصِبُ، وَأَبَى الْمَالِكُ: فَلِلْغَاصِبِ ذَلِكَ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ. مِثْلُ: إنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، فَيَنْقُلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِالْمَكَانِ، أَوْ كَانَ طَرَحَهُ فِي طَرِيقٍ. فَيَضْمَنُ مَا يَتَجَدَّدُ بِهِ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَى آدَمِيٍّ، أَوْ بَهِيمَةٍ. وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ. مِثْلُ: إنْ كَانَ نَقَلَهُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، أَوْ طَرَفِ الْأَرْضِ الَّتِي حَفَرَهَا. وَيُفَارِقُ طَمَّ الْبِئْرِ. لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ غَرَضٍ. لِأَنَّهُ يَسْقُطُ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْحَفْرِ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَعَلَّهُ مَعْنَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَوْ جِنَايَةُ الْغَيْرِ بِالتُّرَابِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَمَحَلُّ هَذِهِ الْفَائِدَةِ: عِنْدَ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ. لَكِنْ لَهَا هُنَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، مِثْلُ: إنْ خَلَطَ حِنْطَةً، أَوْ زَيْتًا بِمِثْلِهِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِيهِمَا. انْتَهَى (لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ فِيمَا إذَا خَلَطَ زَيْتَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْعُمْدَةِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَهُمَا شَرِيكَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَمَسُّ بِالْمَذْهَبِ. وَأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ، وَالْمُوجِزِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا. انْتَهَى وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. وَهُوَ الشَّرِكَةُ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، لَكِنْ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْحِصَّةِ. كَذَا أَطْلَقَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمْ. حَتَّى قَالُوا بِهِ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَظُنُّهُ قَوْلَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إجْرَاءُ هَذَا الْوَجْهِ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ: فَوَاهٍ جِدًّا. لِأَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ، وَقِسْمَتُهَا مُمْكِنَةٌ. فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْبَيْعِ؟ وَرَدَّ هَذَا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ. فَائِدَةٌ: هَلْ يَجُوزُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي قَدْرِ مَالِهِ فِيهِ، أَمْ لَا؟ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: قَدْ اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ. أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كُلِّهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِهِ.

وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَالَطَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: التَّحْرِيمَ. لِامْتِزَاجِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ فِيهِ، وَاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. وَعَلَى هَذَا: لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ. فَيَتَخَرَّجُ بِهِ قَدْرُ الْحَرَامِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) يَعْنِي: عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ (لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا) . قَالَ الْقَاضِي، فِي الْمُجَرَّدِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِثْلُهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارُ مَنْ سَمَّيْنَاهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: مَا تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَتَالِفٍ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. فَشَمَلَ كَلَامُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِالشَّيْرَجِ وَدُهْنَ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ، وَدَقِيقَ

الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، فَالْمَنْصُوصُ: الشَّرِكَةُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ خَلَطَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ، فَتَلِفَ اثْنَانِ، فَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، أَوْ نِصْفَيْنِ. يَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ نِصْفَ الْبَاقِي لَا غَيْرُ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ مَالَهُ كَامِلًا. فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لِهَذَا وَدِرْهَمًا لِهَذَا. فَيَخْتَصُّ صَاحِبُ الدِّرْهَمَيْنِ بِالْبَاقِي. فَتَسَاوَيَا. لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. غَايَتُهُ: أَنَّهُ أَبْهَمَ عَلَيْنَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا، أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: ضَمِنَ النَّقْصَ. وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا: فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَا لَهُمَا. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا: فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ) . هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَا خِلَافَ فِيهَا. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: الضَّمِيرُ فِي " نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا " عَائِدٌ عَلَى الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ، وَالسَّوِيقِ وَالزَّيْتِ. لِأَنَّهَا إحْدَى الْحَالَاتِ الْوَارِدَةِ فِي قِيمَةِ الْمَالَيْنِ، مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّسَاوِي. وَفِي عَوْدِهِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَالصَّبْغَ فِي صُورَةِ النَّقْصِ

مُنَاقَشَةٌ. فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَاصِبِ لَا يُتَصَوَّرُ. لِنُقْصَانِ الصَّبْغِ. إذْ هُوَ مَالُهُ. فَلَا يَجُوزُ إيرَادُهُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ: تَنْقُصُ قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا " لَيْسَ بِالْجَيِّدِ. فَإِنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِحَالَةِ النُّقْصَانِ فِي الصَّبْغِ، دُونَ الثَّوْبِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بِحَالٍ. وَالصَّوَابُ: حَذْفُهُ. غَيْرَ أَنَّ الضَّمَانَ إنْ فُسِّرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَاصِبِ: يَكُونُ النَّقْصُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا، وَبِاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَدْلُولِيهِ مَعًا. فَيَتَمَشَّى. انْتَهَى. فَإِذَا حَصَلَ النُّقْصَانُ، لِكَوْنِهِ مَصْبُوغًا، أَوْ لِسُوءِ الْعَمَلِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَمَانِيَةٌ فَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الثِّيَابِ: فَالنَّقْصُ عَلَى الْمَالِكِ. فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ الصَّبْغِ: فَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ. فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةٌ. وَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِهِمَا مَعًا عَلَى السَّوَاءِ: فَالنَّقْصُ عَلَيْهِمَا. لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ. هَذَا الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: يُحْمَلُ النَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ فِي كُلِّ حَالٍ. وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصَّبْغِ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: يُجْبَرُ وَيَضْمَنُ النَّقْصَ، سَوَاءٌ كَانَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْبَرَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ يَعْنِي: إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ صَبْغِهِ، وَامْتَنَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: أُجْبِرَ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ قَلْعِهِ، وَيَضْمَنُ النَّقْصَ. وَهَذَا قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ قَلْعَ الصِّبْغِ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ. وَيَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ إنْ نَقَصَ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ مَا يَهْلِكُ صِبْغُهُ بِالْقَلْعِ، وَبَيْنَ مَا لَا يَهْلِكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَا يَهْلِكُ بِالْقَلْعِ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَلْعَهُ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الثَّوْبُ. لِأَنَّهُ قَالَ: الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ. فَلَهُ أَخْذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ ضَرَرٌ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: إنْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ قَلْعَ الصِّبْغِ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَمْلِكُ إجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ: لَوْ نَقَصَ الثَّوْبُ بِالْقَلْعِ: ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ نَقَصَ الصِّبْغُ. فَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَالِكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَضْمَنُهُ الْمَالِكُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ، أَوْ وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الصَّدَاقِ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي التَّزْوِيقِ وَنَحْوِهِ: هَذَا أَقْرَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَ الصِّبْغِ بِالْقِيمَةِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَبُولِ. وَاخْتَارَاهُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِالْإِجْبَارِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ الْمَغْصُوبَ، أَوْ قَصَرَ الثَّوْبَ، أَوْ عَمِلَ الْحَدِيدَ إبَرًا، أَوْ سُيُوفًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَوَهَبَهُ لِمَالِكِهِ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ. وَلَوْ سَمَّرَ بِمَسَامِيرِهِ بَابًا مَغْصُوبًا، ثُمَّ وَهَبَ الْمَسَامِيرَ لِرَبِّ الْبَابِ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا. قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ صَبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا، أَوْ زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا: احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ) . يَعْنِي: يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِصِبْغٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ سِوَاهُ فِي صُورَةِ الصَّبْغِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي

التَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. لِأَنَّ الصِّبْغَ وَالزَّيْتَ صَارَا مُسْتَهْلَكَيْنِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ فِي الْكِتَابِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. بِمَعْنَى أَنَّهُ يُضَيِّعُ الصِّبْغَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مَجَّانًا. وَأَطْلَقَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوَعَةً. وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. عَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ لِلثَّيِّبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشِ الْبَكَارَةِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَدَمُ لُزُومِ مَهْرِ الثَّيِّبِ بَعِيدٌ. عَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ. لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَهْرِهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ وَاهٍ. وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ مَعَ الْمُطَاوَعَةِ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ جَيِّدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ: فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مَاتَ بِجِنَايَةٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَاصِبِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ أَوْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. بِلَا نِزَاعٍ. يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَالْقَرَارُ عَلَى الْجَانِي. وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ، فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَيَحْتَمِلُ الضَّمَانَ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْيَسُ. فَوَائِدُ: الْأَوْلَى: قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَوْ وَلَدَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَتَلَهَا الْغَاصِبُ بِوَطْئِهِ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ.

الرَّابِعَةُ: هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ عَالِمًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ: فَالْوَلَدُ حُرٌّ لِلْغَاصِبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا: فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ: فَغَيْرُ مَضْمُونٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ: فَعَلَى الْجَانِي الضَّمَانُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ الْغَاصِبِ فَغُرَّةٌ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ: لَا يَرِثُ الْغَاصِبُ مِنْهَا شَيْئًا. وَعَلَى السَّيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ: فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، يَرِثُهَا الْغَاصِبُ دُونَ أُمِّهِ. وَعَلَى الْغَاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِلْمَالِكِ لَوْ غَصَبَهَا. الْخَامِسَةُ: لَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا. فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ: ضَمِنَ نَقْصَ الْوِلَادَةِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ. فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: هَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمِ مَاتَ. أَوْ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا: فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ: وَجَبَ ضَمَانُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا، فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْمَرَضِ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ. فَوَطِئَهَا: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ: نَقْصُهَا وَمَهْرُهَا، وَأُجْرَتُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا إنْ تَلِفَ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ، فَضَمِنَهَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ) . اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْغَاصِبِ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ: يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَحَكَى فِيهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: يَصِحُّ الْبَيْعُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكَذَا الْهِبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِمَا مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسْعِينَ: مَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، فَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ. انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَوْلُهُ (فَضَمِنَهُمَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ) . يَعْنِي: إذَا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهِبُ نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا، وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَأَرْشَ الْبَكَارَةِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ فِي الْفِدَاءِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: عَلَى الْمَهْرِ. وَيَأْتِي التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَالْوَلَدُ حُرٌّ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيَفْدِيهِ بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا) . يَجِبُ فِدَاءُ الْوَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَيَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِدَاءُ أَوْلَادِهِ. وَلَيْسَ. لِلسَّيِّدِ بَدَلُهُمْ. لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا.

قَالَ الْخَلَّالُ: أَحْسَبُهُ قَوْلًا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلَ. وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ: أَنَّهُ يَفْدِيهِمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَلَمْ يُعَوِّلْ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ (بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا) . يَعْنِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا السِّنُّ، فَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ. وَفِدَاؤُهُ بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا: هُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْقَاضِيَيْنِ أَبِي يَعْلَى، وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ، وَالشَّرِيفِ أَبِي الْقَاسِمِ الزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ مُخْتَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ. قُلْت: قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَتَضْمِينُهُ الْمِثْلَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ. لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا مِثْلَ لَهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَعَنْهُ يُفْدَى كُلُّ وَصَيْفٍ بِوَصِيفَيْنِ. أَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي مَغْرُورِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَفْدِيهِ إمَّا بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ. فَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ وَضْعِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَكُونُ الْفِدَاءُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَعْفَرٍ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: حِكَايَةُ وَجْهٍ: الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْحُكُومَةِ. قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ) . يَعْنِي: بِمَا فَدَى بِهِ الْأَوْلَادَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَرْجِعُ بِفِدَاءِ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَلَا يَرْجِعُ بِهَا إنْ كَانَ مُشْتَرِيًا وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُتَّهِبُ) . إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْقِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ: وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَفِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الرَّهْنِ رِوَايَةٌ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا. وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي خِلَافِهِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَوَّاهُ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَسَائِلَ وَنَظَائِرَ.

فَعَلَى هَذَا: يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ ثَمَنَهَا. وَيَأْخُذُ أَيْضًا نَفَقَتَهُ وَعَمَلَهُ مِنْ الْبَائِعِ الْغَارِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: لَوْ بَاعَ عَقَارًا ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا. فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا: ضَمِنَ الْمَنْفَعَةَ. سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ: فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ الظَّالِمِ. وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، فَأُخِذَتْ مِنْهُ الْأُجْرَةُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَارِّ. انْتَهَى. وَفِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: احْتِمَالٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُنَى فِي خِلَافِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَا يُطَالِبُ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قُلْت: وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي لَا رُجُوعَ بِمَا زَادَ عَلَى الثَّمَنِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى أَيْتَامِ غَاصِبٍ وَصِيَّتَهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ: لَمْ يَرْجِعْ، وَإِلَّا رَجَعَ. لِأَنَّ الْمُوصِيَ غَرَّهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُتَّهِبِ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِرَبِّهَا. وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ مُتَّهِبٌ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. كَالْمُشْتَرِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي الْكَافِي رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا تَلِفَ. لِأَنَّهُ غَرِمَ مَا أَتْلَفَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَعَنْهُ أَنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ كَالْأُجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ لَا يَرْجِعُ بِهِ) .

هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمِنَهُمَا: رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ " لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ: رَجَعَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ: رَجَعَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. بِحَدِيثِ عَلِيٍّ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مَذْهَبًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَصْلًا وَفَرْعًا. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. قُلْت: إذَا رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ قَوْلٍ. فَهَلْ يُتْرَكُ، وَلَا يُذْكَرُ، لِرُجُوعِهِ عَنْهُ؟ أَوْ يُذْكَرُ وَيُثْبَتُ فِي التَّصَانِيفِ؟ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ، وَبَابِ التَّيَمُّمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ عَلَى الْغَاصِبِ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَقْسَامٍ. أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَرْجِعُ بِهِ. وَهُوَ قِيمَتُهَا إذَا تَلِفَتْ كُلُّهَا، أَوْ جُزْؤُهَا فِي يَدِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: فِيهِ خِلَافٌ. وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ: أَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَالْمَهْرُ، وَأُجْرَةُ نَفْعِهَا. فَأَمَّا أَرْشُ الْبَكَارَةِ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الرُّجُوعُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَأَمَّا الْمَهْرُ وَأُجْرَةُ النَّفْعِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْغَاصِبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَرُجُوعُهُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي حُصُولِ نَفْعٍ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قُلْت: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ: رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَهْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَهْرِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثُ: مَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قِيمَةُ الْوَلَدِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالرَّابِعُ: مَا يَرْجِعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ نَقْصُ وِلَادَةٍ، وَمَنْفَعَةٌ فَائِتَةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي فِي نَقْصِ الْوِلَادَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَدْخَلَهُ الْبَاقُونَ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ، كَمَا فِي الْمَتْنِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُتَّهِبِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي. وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٌ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى نَصِّهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: حُكْمُ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ الْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ: حُكْمُ الْمَنَافِعِ، إذَا ضَمِنَهَا: رَجَعَ بِبَدَلِهَا عَلَى الْغَاصِبِ. وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ) .

اعْلَمْ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَعْنِي الْغَاصِبَ وَمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ فَإِنْ ضَمَّنَ غَيْرَ الْغَاصِبِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَدَمِهِ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ. أَحَدُهَا: قِيمَةُ الْعَيْنِ. فَهَذَا إذَا رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. الثَّانِي: قِيمَةُ الْوَلَدِ. فَإِذَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ: لَمْ يَرْجِعْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ. فَتَأْتِي الرِّوَايَةُ هُنَا: أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. الثَّالِثُ: الْمَهْرُ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ وَالْأُجْرَةُ وَنَحْوُهُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُتَّهِبِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَهَا الْمَالِكُ هُنَاكَ: لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا إذَا ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ. وَعَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ: يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِمَا هُنَا. الرَّابِعُ: نَقْصُ الْوِلَادَةِ وَالْمَنْفَعَةُ الْفَائِتَةُ. فَإِنْ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ: لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلًا وَاحِدًا. عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ شَمَلَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ". فَحَيْثُ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ. فَمَاتَ الْوَلَدُ: ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِغَصْبِهَا، فَيُزَوِّجُهَا لِغَيْرِ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ. فَتَلِدُ مِنْهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ. فَيَضْمَنُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِقِيمَتِهِ إذَا تَلِفَ. وَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِ النَّفْعِ إذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ النَّفْعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَكَذَا هَذَا وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ: اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) . إذَا اسْتَعَارَهَا مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهَا. فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ، وَالْمُسْتَعِيرِ. فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ: رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ مُطْلَقًا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْغَصْبِ، فَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ ". وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إذَا تَلِفَتْ بِالِاسْتِيفَاءِ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِفَاعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْمَنْفَعَةَ ابْتِدَاءً. فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ الْقَابِضُ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ ابْتِدَاءً: رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ هُنَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَابِضِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةَ الشِّرَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْهِبَةِ، وَمَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: أَنَّ الْأَيْدِيَ الْقَابِضَةَ مِنْ الْغَاصِبِ، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ: مِنْهَا: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَلَكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ الْمُتَّهِبِ لِأَجْلِ نَظَائِرِهَا فِي الْيَدِ التَّاسِعَةِ. فَالْيَدُ الثَّالِثَةُ: الْغَاصِبَةُ مِنْ الْغَاصِبِ، وَحَقُّهَا: أَنْ تَكُونَ أُولَى. لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأَيْدِي. وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا. وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا مَعَ التَّلَفِ تَحْتَهَا. وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ عَلَى مُدَّتِهَا. الْيَدُ الرَّابِعَةُ: يَدٌ آخِذَةٌ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهَا. ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ عَلَى الْغَاصِبِ، لِتَغْرِيرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا، وَلِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَهِنِ، وَنَحْوِهِ. وَأَوْلَى. وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُودَعِ الْمُودِعِ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ. فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَحْدَهُ. كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَذَكَرَ: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ مَنَعَ ظُهُورَهُ.

الْيَدُ الْخَامِسَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَصْلَحَةِ الْغَاصِبِ كَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْوَكِيلِ بِجُعْلٍ، وَالْمُرْتَهِنِ فَالْمَشْهُورُ: جَوَازُ تَضْمِينِهَا أَيْضًا. وَتَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْ. لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ: احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: اسْتِقْرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْقَابِضِ. وَحَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ فِي الْمُضَارِبِ أَيْضًا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ. لِدُخُولِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْقَابِضِ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ. وَحَكَى الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ فِي الْمُضَارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الْأَمَانَاتِ يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ ضَمِنَ مِنْهُمَا. فَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ. الْيَدُ السَّادِسَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِغَيْرِ عَقْدِ الْبَيْعِ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَضِ الْخَلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَهُ، أَوْ كَانَ الْقَبْضُ وَفَاءً لِدَيْنٍ مُسْتَقَرٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَدَاقًا، وَقِيمَةَ مَا تَلِفَ وَنَحْوَهُ فَإِذَا تَلِفَتْ هَذِهِ الْأَعْيَانُ فِي يَدِ مَنْ قَبَضَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ: فَلِلْمُسْتَحِقِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بِبَدَلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ: أَنْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الصَّدَاقِ. وَالْبَاقِي مِثْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّضْمِينِ. فَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَ مِنْ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ، لِتَغْرِيرِهِ. إلَّا بِمَا انْتَفَعَ بِهِ. فَإِنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَمَّا قِيَمُ الْأَعْيَانِ، فَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَبْضُ وَفَاءً عَنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ: فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ. وَإِنْ كَانَ عِوَضًا مُتَعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ: لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ هُنَا بِاسْتِحْقَاقِهِ. وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ عَلَى الْمَغْصُوبِ لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْقَوْلَ بِانْتِفَاءِ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ الْعِلْمِ. ذَكَرَهُ

ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْمَنْصُوصِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَأَمَّا عِوَضُ الْخَلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِقِيمَةِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ قِيمَةُ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. بِخِلَافِ الْعِتْقِ. فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْبُيُوعِ مِنْ خِلَافِهِ. وَيُشْبِهُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ، فِيمَا إذَا جَعَلَ عِتْقَ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا وَقُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ عَلَيْهَا قِيمَةَ نَفْسِهَا لَا قِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُخَرَّجِ فِي الْبَيْعِ: أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ. فَهُنَا كَذَلِكَ. الْيَدُ السَّابِعَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ بِمُعَاوَضَةٍ. وَهِيَ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ: إذَا ضُمِّنَتْ الْمَنْفَعَةُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا. وَلَوْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ: فَفِيهِ مَا مَرَّ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَةِ الْعَيْنِ عَلَى الثَّمَنِ. وَإِذَا ضُمِّنَتْ قِيمَةُ الْعَيْنِ رَجَعَتْ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ. وَفِي تَعْلِيقَةِ الْمَجْدِ يَتَخَرَّجُ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِحَالٍ. لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: يَضْمَنُ الْعَيْنَ. وَهَلْ الْقَرَارُ عَلَيْهِ؟ لَنَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: عَلَى الْغَاصِبِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. انْتَهَى. الْيَدُ الثَّامِنَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ لِلشَّرِكَةِ. وَهِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ فِي الْمَالِ بِمَا يُنَمِّيهِ بِجُزْءٍ مِنْ

النَّمَاءِ كَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمَزَارِعِ، وَالْمُسَاقِي وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ لِعَمَلِهِمْ لَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ. فَأَمَّا الْمُضَارِبُ، وَالْمَزَارِعُ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَشَرِيكُ الْعَنَانِ: فَقَدْ دَخَلُوا عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ. فَإِذَا ضَمِنُوا عَلَى الْمَشْهُورِ رَجَعُوا بِمَا ضَمِنُوا، إلَّا حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ، فَلَا يَرْجِعُونَ بِضَمَانِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُسَاقِي. وَالْمَزَارِعِ نَظِيرَهُ. أَمَّا الْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ شَيْءٍ بِدُونِ الْقِسْمَةِ مُطْلَقًا. وَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي الْمُضَارِبِ لِلْمُضَارِبِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَهُ. بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ تَلِفَ الْمَالُ بِيَدِهِ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُمْ بِحَالٍ. وَإِنَّمَا أَعَادَ حُكْمَ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ لِذِكْرِ النَّمَاءِ. وَأَمَّا الْمُسَاقِي إذَا ظَهَرَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ: فَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَإِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ فَلَهُ حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَتْلَفَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلٍّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْعَامِلِ مَا قَبَضَهُ. وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكُلَّ لِلْغَاصِبِ. فَإِذَا ضَمَّنَهُ الْكُلَّ: رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَهَلْ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْعَامِلِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا قَبَضَهُ عَلَى الثَّمَرَةِ. عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِالْكُلِّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ. وَالثَّانِي: لَا. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتْلَفَ الثَّمَرُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: إمَّا عَلَى الشَّجَرِ، وَإِمَّا بَعْدَ جَذِّهِ. فَفِي التَّلْخِيصِ فِي مُطَالَبَةِ الْعَامِلِ بِالْجَمِيعِ: احْتِمَالَانِ. وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الشَّجَرِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ مُلْتَفِتٌ إلَى أَنَّ يَدَ الْعَامِلِ: هَلْ يَثْبُتُ عَلَى الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ أَمْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنْ لَا. لِأَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَنَا لَا يَنْتَقِلُ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَجَرِهِ بِالتَّخْلِيَةِ. وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً بِثَمَرِهَا. فَهَلْ تَدْخُلُ الثَّمَرَةُ فِي ضَمَانِهِ تَبَعًا لِلشَّجَرَةِ؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: لَا تَدْخُلُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالْمَذْهَبُ دُخُولُهَا تَبَعًا. الْيَدُ التَّاسِعَةُ: يَدٌ قَابِضَةٌ تَمَلُّكًا لَا بِعِوَضٍ: إمَّا لِلْعَيْنِ بِمَنَافِعِهَا كَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ أَوْ لِلْمَنْفَعَةِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَشْهُورُ. أَنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا مَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ نَفْعٌ. فَفِي رُجُوعِهَا بِضَمَانِهِ الرِّوَايَتَانِ وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ ابْتِدَاءً: مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ ضَمَانُهَا عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَتْهُ بِحَالٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرُّجُوعِ بِمَا انْتَفَعَتْ بِهِ عَلَى طُرُقٍ ثَلَاثٍ: إحْدَاهُنَّ: أَنَّ مَحَلَّهُمَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْغَاصِبُ: هَذَا مِلْكِي، أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ: فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْقَابِضَ ابْتِدَاءً، فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ الرِّوَايَتَانِ مُطْلَقًا. وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَلَكِيَّةِ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْقَابِضِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. الْيَدُ الْعَاشِرَةُ: يَدٌ مُتْلِفَةٌ لِلْمَالِ نِيَابَةً عَنْ الْغَاصِبِ كَالذَّابِحِ لِلْحَيَوَانِ، وَالطَّابِخِ لَهُ فَلَا قَرَارَ عَلَيْهَا بِحَالٍ. وَإِنَّمَا الْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَصْحَابُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْقَرَارِ عَلَيْهَا مِمَّا أَتْلَفَهُ كَالْمُودِعِ إذَا تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَأَوْلَى. لِمُبَاشَرَتِهَا لِلْإِتْلَافِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا بِحَالٍ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ حَفَرَ لِرَجُلٍ بِئْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ. فَقَالَ الْحَافِرُ: ظَنَنْت أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ، كَالْقَاتِلَةِ لِلْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْمُحْرِقَةِ لِلْمَالِ بِإِذْنِ الْغَاصِبِ فِيهِمَا. فَفِي التَّلْخِيصِ: يَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا الضَّمَانُ. لِأَنَّهَا عَالِمَةٌ بِالتَّحْرِيمِ. فَهِيَ كَالْعَالِمَةِ بِأَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ. وَرَجَّحَ الْحَارِثِيُّ دُخُولَهَا فِي قِسْمِ الْمَغْرُورِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ مُلَخَّصًا. وَلَقَدْ أَجَادَ. فَرَحِمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا. فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ: رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمَهُ) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْقِسْمَةِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقَلْعِ. وَأَفَادَنَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ، وَلَا الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ. وَعَنْهُ: لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ إنْ ضَمِنَ نَقْصَهُ. ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَقَعُ. بَلْ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَذَكَرَ النَّصَّ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ فِي غَرْسِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ عَنْهُ حَرْبٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. وَذَكَرَ النَّصَّ، وَقَالَ: وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْجُرْجَانِيُّ. وَقَالَ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَلَا يَثْبُتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ سِوَاهُ. وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، عِنْدَ غَرْسِ الْغَاصِبِ وَبِنَائِهِ. وَلَكِنَّ كَلَامَهُ هُنَا أَعَمُّ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ بَنَى فِيمَا يَظُنُّهُ مِلْكَهُ: جَازَ نَقْضُهُ لِتَفْرِيطِهِ. وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الشَّفِيعِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ: رَدَّ بَائِعُهُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ سَبَقَ الْمِلْكُ الشِّرَاءَ وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي الدَّعْوَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ: اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ) يَعْنِي: عَلَى الْآكِلِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي: اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمَا

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: هُوَ طَعَامِي، بَلْ قَالَ لَهُ: كُلْ (فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؟ وَجْهَانِ) . أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكُونَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْمُغْنِي رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْتَقِرُّ عَلَى الْآكِلِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: إنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ ضَمَّنَ الْآكِلَ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى رِوَايَتَيْ الْمَغْصُوبِ. لَكِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: هُوَ طَعَامِي فَكُلْهُ. وَغَيْرُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: لَمْ يَبْرَأْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأَوْصَلَهَا إلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ هَذَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ (يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ. عَالِمًا أَنَّهُ طَعَامُهُ: بَرِئَ غَاصِبُهُ. وَكَذَا لَوْ أَكَلَهُ بِلَا إذْنِهِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي: لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، بَلْ قَدَّمَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ: كُلْهُ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ وَذَكَرَهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَبْرَأَ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا أَطْعَمَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْآكِلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى تَخْرِيجًا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، أَوْ لِعَبْدِهِ: لَمْ يَبْرَأْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ التَّلْخِيصُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ أَطْعَمَهُ لِدَابَّتِهِ مَعَ عِلْمِهِ: بَرِئَ مِنْ الْغَصْبِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لِغَيْرِ عَالِمٍ بِغَصْبِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ لِدَابَّتِهِ، اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ جَهِلَ مَالِكُهُ. فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الثَّالِثُ: لَا يَبْرَأُ، إنْ قَالَ: هُوَ لِي، وَإِلَّا بَرِئَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِمَالِكِهِ، أَوْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ: بَرِئَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَسْلِيمًا تَامًّا. وَكَذَا إنْ بَاعَهُ أَيْضًا، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، أَوْ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسِّتِّينَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْهِبَةِ: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مِنَّتَهُ. وَرُبَّمَا كَافَأَهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَبْرَأُ. لِأَنَّ الْمَالِكَ تَسَلَّمَهُ تَسْلِيمًا تَامًّا. وَعَادَتْ سُلْطَتُهُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ أَخْذَهُ بِهِبَةٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ صَدَقَةٍ: أَنَّهُ كَإِطْعَامِهِ لِرَبِّهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ أَهْدَاهُ إلَيْهِ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَقَةً: لَمْ يَبْرَأْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الْبَرَاءَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِيَانِ أَبُو يَعْلَى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَجَّرَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ: لَمْ يَبْرَأْ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالنَّصُّ قَاضٍ بِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. وَقِيلَ: يَبْرَأُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَبْرَأُ فِي وَدِيعَةٍ، وَنَحْوِهَا. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَبْرَأُ. قُلْت: وَرَأَيْته فِي نُسْخَةٍ قُرِئَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَبْرَأُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لِلْغَاصِبِ، فَأَكَلَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ: ضَمِنَ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِيمَا إذَا حَلَفَ: لَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ. يَعْنِي: بِعَدَمِ الضَّمَانِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الطَّعَامِ كَهُوَ فِي ذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ، فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ: يَبْقَى الضَّمَانُ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَدَّمَ لَهُ شَوْكَهُ الَّذِي غَصَبَهُ مِنْهُ فَسَجَرَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ. انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِالطَّعَامِ، بَلْ قَالَ: كُلُّ تَصَرُّفٍ تَصَرَّفَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ فِي حَالِ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ مَالِكُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. انْتَهَى. وَلَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قُلْت: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ بَعِيدٌ جِدًّا وَالصَّوَابُ: الْجَزْمُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ فِيمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَتَبَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ. فَإِنَّهُ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَلَا غَيْرَهُ. وَكَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ غَرَبَتْ. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ إيَّاهُ: بَرِئَ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَبْرَأْ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمُقْتَضَى النَّصِّ: الضَّمَانُ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ. يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَلَمْ يُعَارِضْهُ الْمُغْنِي، وَالْمُقْنِعُ. فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِمَا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ: فَإِنَّهُ تَابَعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُغْنِي، وَلَوْ أَعَادَ النَّظَرَ. فَحَكَى الْخِلَافَ، كَمَا حَكَاهُ غَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَقْرَضَهُ، فَقَبَضَهُ جَاهِلًا: لَمْ يَبْرَأْ، عَلَى الْمَنْصُوصِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَبْرَأُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ. فَادَّعَى رَجُلٌ: أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ) . وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ (إذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ) . يَعْنِي: إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ. وَيَعُودُ الْعَبْدُ إلَى الْمُدَّعِي. تَنْبِيهٌ: الضَّمَانُ هُنَا هُوَ ثَمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قِيلَ: بَلْ قِيمَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَقُلْنَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ فَلَهُ الثَّمَنُ. وَإِنْ رَدَّهُ: فَلَهُ الْقِيمَةُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَخَلَّفَ مَالًا: فَهُوَ لِلْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ وَارِثًا فَيَأْخُذَهُ. وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ: لَزِمَهُ مِثْلُهُ، إنْ كَانَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا) . كَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، سَوَاءٌ تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ كَالْأَثْمَانِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْأَدْهَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ إجْمَاعًا فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِهِ التَّمَامِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَذَكَرَ أَيْضًا أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي نُقْرَةٍ وَسَبِيكَةٍ لِلْأَثْمَانِ، وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ وَكُمَّثْرَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ النُّقْرَةَ بِقِيمَتِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ. فَأَمَّا مُبَاحُ الصِّنَاعَةِ كَمَعْمُولِ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ الْمَغْزُولِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ. لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ. يَعْنِي يَوْمَ قَبْضِ الْبَدَلِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ. وَقِيلَ: أَكْثَرُهُمَا يَعْنِي: أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَدَلِ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ.

وَعَنْهُ: يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ: قِيمَتُهُ يَوْمَ الْإِعْوَازِ، وَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: إنْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ: وَجَبَ رَدُّ الْمِثْلِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، ثُمَّ عَدِمَهُ. أَمَّا إنْ عَدِمَهُ ابْتِدَاءً: فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُخْرَج فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْمِثْلِ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَخْذِهَا: أَجْزَأَتْ. وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، وَأَخْذُ الْمِثْلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ الْمِثْلَ. الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ هُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ. كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ، وَحَرْبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي السَّبِيكَةِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: الْحَطَبُ، وَالْخَشَبُ، وَالْحَدِيدُ، وَالنُّحَاسُ، وَالرَّصَاصُ لَيْسَ مِثْلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعُمُومُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ. انْتَهَى.

ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ كَالرِّبَوِيَّاتِ، وَالْأَشْرِبَةِ، وَالْغَالِيَةِ غَيْرُ مِثْلِيٍّ. لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْمُرَكَّبَاتِ وَالتَّرْكِيبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّوَابُ إدْرَاجُهُ فِي الْمَنْصُوصِ. لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا: وَلَعَمْرِي، إنَّ اعْتِبَارَ الْمِثْلِيِّ بِكُلِّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَسَنٌ. وَالتَّشَابُهُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُمْكِنٌ. فَلَا مَانِعَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ مَا انْقَسَمَ بِالْأَجْزَاءِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ، مُضَافًا إلَى هَذَا النَّوْعِ. لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ وَانْتِفَاءِ التَّخَالُفِ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ: مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا. وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا: ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ، فِي الْأَمَةِ: مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَحَنْبَلٍ، وَمُوسَى بْنِ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْكَحَّالِ. وَفِي الدَّابَّةِ: مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَفِي الثِّيَابِ: مِنْ رِوَايَةِ الْكَحَّالِ أَيْضًا، وَابْنِ مُشَيْشٍ وَمُهَنَّا. وَعَنْهُ: فِي الثَّوْبِ وَالْقَصْعَةِ وَالْعِصِيِّ وَنَحْوِهَا: يَضْمَنُهَا بِالْمِثْلِ، مُرَاعِيًا لِلْقِيمَةِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ: الْمِثْلُ فِي الْعِصِيِّ وَالْقَصْعَةِ إذَا كُسِرَ، وَفِي الثَّوْبِ. وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَقَّ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ مِثْلَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ: يَلْزَمُهُ الْمِثْلُ فِي الْعِصِيِّ، وَالْقَصْعَةِ وَالثَّوْبِ.

قُلْت: فَلَوْ كَانَ الشَّقُّ قَلِيلًا؟ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ. وَذَكَرَ لَفْظَهُ فِي الْإِرْشَادِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِمِثْلِهِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُوجَزِ: أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ: لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ كَسَرَ خَلْخَالًا: أَنَّهُ يُصْلِحُهُ. قَوْلُهُ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ نَقْدِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ هَذَا التَّخْرِيجَ مِنْ قَوْلِ

الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي حَوَائِجِ الْبَقَّالِ يُعْطِيهِ عَلَى سِعْرِ يَوْمِ أَخَذَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَوَائِجَ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ بِأَخْذِهَا. بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: بِأَكْثَرِهِمَا يَعْنِي أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ قِيمَةُ يَوْمِ تَلَفِهِ وَيَوْمِ غَصْبِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً بِوُجُوبِ أَقْصَى الْقِيَمِ: مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ. وَنُسِبَ إلَى الْخِرَقِيِّ مِنْ قَوْلِهِ " وَلَوْ غَصَبَهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ. أَخَذَهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا أَكْثَرُ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ " وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: وَمَا وُجِدَتْ رِوَايَةٌ بِمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ مَنَافٍ لِلْأَوَّلِ. فَإِنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ تَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ تَرْبِيَتِهِ. فَتَكُونُ يَوْمَ مَوْتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ. وَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا قَالَ. لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَمَا عَدَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ مِنْ نَصِّهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ: حُكْمُ الْمَغْصُوبِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ التَّلَفِ. وَكَذَا الْمُتْلَفِ بِلَا غَصْبٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَتْ الْإِحَالَةُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الْبَيْعِ. وَقَوْلُهُ " فِي بَلَدِهِ " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَيْ فِي بَلَدِ غَصْبِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ الَّذِي تَلِفَ فِيهِ. لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَمَانِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ، عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: كَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ. فَاخْتُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ. فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى اعْتِبَارِ الضَّمَانِ بِيَوْمِ الْغَصْبِ. لِأَنَّهُ إذَنْ مَحَلُّ الضَّمَانِ.

أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهِ بِيَوْمِ التَّلَفِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَالِاعْتِبَارُ إذَنْ إنَّمَا هُوَ بِمَحَلِّ التَّلَفِ. لِأَنَّهُ مَحَلُّ الضَّمَانِ، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ فِيهِ. فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهِ. وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ إلَى مَا قُلْنَا. فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ غُصِبَ فِي بَلَدٍ، وَتَلِفَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَقِيَهُ فِي ثَالِثٍ: كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ وَالتَّلَفِ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَيُطَالِبُ بِالْقِيمَةِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ كِتَابِهِ. فَقَالَ: وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ أَخَذَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ أَخَذَ مِنْ غَالِبِهَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَغْصُوبِ. مِثْلَ الْمَصُوغِ وَنَحْوِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ نَسَجَ غَزْلًا، أَوْ عَجَنَ دَقِيقًا. فَقِيلَ: حُكْمُهُ كَذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَقِيلَ: حُكْمُهُ كَذَلِكَ، أَوْ الْقِيمَةُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ أَوْلَى عِنْدِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا قِصَاصَ فِي الْمَالِ. مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ، وَمُوسَى بْنُ سَعِيدٍ، وَالشَّالَنْجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا ". وَيَأْتِي " هَلْ يُقْتَصُّ مِنْ اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا؟ " فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا. فَرَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَهْمَ وَاحِدٍ إلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ

لَهُ، حَتَّى يُعْطِيَ شُرَكَاءَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَشَاعِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ زَكَّاهُ رَبُّهُ: رَجَعَ بِهَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: لَا يَرْجِعُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ كَمَنْفَعَةٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا، أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَ: قَالَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ تَقْوِيمُهُ بِجِنْسِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا اسْتَهْلَكَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا مَضْرُوبَيْنِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَا مَضْرُوبَيْنِ: فَمِثْلِيَّانِ. وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَصُوغَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ بِمِثْلِيَّتِهِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَضْمَنَانِ بِالْمِثْلِ. وَإِنْ قِيلَ: بِتَقْوِيمِهِ وَهُوَ الْوَارِدُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَاسْتَوَيَا زِنَةً وَقِيمَةً: فَمَضْمُونٌ بِالزِّنَةِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: فَمَضْمُونٌ بِغَيْرِ الْجِنْسِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا.

وَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا لِجِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، بِأَنْ كَانَ الْمُتْلَفُ ذَهَبًا، وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمَ، أَوْ بِالْعَكْسِ: ضَمِنَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بِالْمِثْلِيَّةِ فِي مِثْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَبَ الْمِثْلُ زِنَةً وَصُورَةً. وَإِنْ قِيلَ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ اتَّحَدَا قِيمَةً وَوَزْنًا لِسُوءِ الصِّنَاعَةِ: ضَمِنَ بِزِنَتِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ. وَإِنْ اخْتَلَفَا: وَجَبَتْ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ مِنْ الْجِنْسِ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ. فَأَمَّا مُحَرَّمُ الصِّنَاعَةِ كَالْأَوَانِي، وَحُلِيِّ الرِّجَالِ الْمُحَرَّمِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ ضَمَانُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى فَقَالَ: وَقِيلَ إنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ: ضَمِنَ. كَالْمُبَاحِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا: قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ عَرْضًا) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. وَهُوَ الْعَرْضُ مُقَوَّمًا بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَعَلَّلَهُ. وَقَالَ: هَذَا عَلَى أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافَقَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أَمَّا عَلَى أَصْلِ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ: فَجَائِزٌ تَضْمِينُهُ بِالْجِنْسِ عَلَى مَا مَرَّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ، فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْبَاقِي، وَقِيمَةُ التَّالِفِ، وَأَرْشُ النَّقْصِ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْوَجْهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلِوَهَائِهِ أَعْرَضَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى إيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ رَدِّهِ: أَخَذَ الْقِيمَةَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالُوا: يَرُدُّ الْقِيمَةَ لِلْغَاصِبِ بِعَيْنِهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً. وَيَرُدُّ زَوَائِدَهَا الْمُتَّصِلَةَ، مِنْ سَمْنٍ وَنَحْوِهِ. وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً: فَمِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً. وَهَلْ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ؟ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا: هَلْ يَحْبِسُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ، بَلْ يَدْفَعَانِ إلَى عَدْلٍ، لِيُسَلِّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَالَهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: إذَا أَخَذَ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ مِنْ الْغَاصِبِ مَلَكَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا حَصَلَ بِهَا الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ. فَمَا اجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِإِزَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ.

قَالَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ، فِي تَعْلِيقِهِ: لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ الِانْتِفَاعُ بِهَا عِوَضًا عَمَّا فَوَّتَهُ الْغَاصِبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَجِبُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ التَّعَذُّرِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا. وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا. وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. فَتَوَقَّفَ عَلَى خِيرَتِهِ. فَائِدَةٌ: لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَلَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ. وَيَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ. وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى حِينِ دَفْعِ الْبَدَلِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ. فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) . رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ " فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ " وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِالْجَيِّدِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. لِأَنَّ لَهُ مِثْلًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ. وَرَأَيْت فِي نُسَخٍ " فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ " وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالتَّلْخِيصِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْقَلَبَ خَلًّا: رَدَّهُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيَمِهِ الْعَصِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَصِيرِ لِأَنَّ الْخَلَّ عَيْنَهُ كَحَمَلٍ صَارَ كَبْشًا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ. وَهُوَ الْأَقْوَى. وَنَصَرَهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَلَى الْعَصِيرُ، فَنَقَصَ: غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِهِ. وَكَذَا يَغْرَمُ نَقْصَهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. لِأَنَّهُ مَاءٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ: فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدِهِ) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ تَصِحُّ إجَارَتُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ. وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِعِشْرِينَ سَنَةً. قُلْت: مَوْتُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ غَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الِاسْتِدْلَال عَلَى الرُّجُوعِ بِتَقَدُّمِ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: لَا يَصِحُّ. فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ سَمِعَ قَبْلَ سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. لَا سِيَّمَا أَبُو طَالِبٍ. فَإِنَّهُ قَدِيمُ الصُّحْبَةِ لِأَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ: وَأَحْسَنُ مِنْهُ: التَّأَنُّسُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَنْصُورٍ بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي عَلَّقَهَا. فَجَمَعَهَا فِي جِرَابٍ وَحَمَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ. وَخَرَجَ إلَى بَغْدَادَ، وَعَرَضَ خُطُوطَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ. فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثَانِيًا. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَقَبْلَ وَفَاةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِيَسِيرٍ، وَابْنُ مَنْصُورٍ مِمَّنْ رَوَى الضَّمَانَ. فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا: وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا، يَعْنِي سَوَاءٌ انْتَفَعَ. بِهِ أَوْ لَا. وَظَاهِرُ الْمُبْهِجِ: التَّفْرِقَةُ. يَعْنِي إنْ انْتَفَعَ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرَ مَا نُقِلَ عَنْهُ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ زَرَعَ بِلَا إذْنِهِ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا اسْتَعْمَلَهَا إلَى رَدِّهِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ رَدِّ قِيمَتِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ ذَا صَنَائِعَ: لَزِمَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا فَقَطْ. الثَّانِيَةُ: مَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ. تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ " أَبُو بَكْرٍ " الْمُبْهَمُ فِي الْكِتَابِ. هُوَ الْخَلَّالُ. وَإِطْلَاقُ " أَبِي بَكْرٍ " فِي عُرْفِ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، لَا الْخَلَّالُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ. كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُ أَدْخَلَ فِي جَامِعِ الْخَلَّالِ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ. فَرُبَّمَا اشْتَبَهَ بِكَلَامِ الْخَلَّالِ. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: إنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ الْخَلَّالِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا، فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَأَدَّى قِيمَتَهُ: فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ. وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ) . إنْ كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَدَائِهَا: فَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِهَا الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَالْمَنْفَعَةِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ إلَى رَدِّهِ مَعَ بَقَائِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ وَنَحْوَهُ، خِلَافًا لِلِانْتِصَارِ، لَا نَقْدًا لِتِجَارَةٍ. قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ يُقْطَعَ بِالضَّمَانِ فِي ذَهَابِ رَائِحَةِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالْعُقُودِ. كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَظْهَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، فِي بَابِ الْبَيْعِ: وَإِنْ كَثُرَتْ تَصَرُّفَاتُهُ فِي أَعْيَانِ الْمَغْصُوبَاتِ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْكُلِّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي الشَّرْطِ السَّابِعِ.

وَالْأُخْرَى: صَحِيحَةٌ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ، وَقِيلَ: الصِّحَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ مِنْ الْعُقُودِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً: أَنَّهَا صَحِيحَةٌ. وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ: وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ فِي الْعُقُودِ بِمَا إذَا لَمْ يُبْطِلْهُ الْمَالِكُ. فَأَمَّا إنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ إبْطَالَهُ، فَأَخَذَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ. فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ، فَوَجْهُ التَّصْحِيحِ فِيهِ: أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ. فَفِي الْقَضَاءِ بُطْلَانُهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ. وَرُبَّمَا عَادَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَالِكِ. انْتَهَى. وَقَالَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَةَ مَرَّةً كَمَا هُنَا، وَمَرَّةً قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ. كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ أَرَ مَنْ تَقَدَّمَ الْمُصَنِّفَ وَأَبَا الْخَطَّابَ فِي إيرَادِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: وَأَمَّا الصِّحَّةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ: فَلَا أَعْلَمُ بِهِ أَيْضًا، سِوَى نَصِّهِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ. كَرِبْحِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبْحِ. وَقَالَ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَقْيِيدِ الرِّوَايَةِ: أَمَّا طُولُ مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَكَثْرَةُ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ: فَلَا يَطَّرِدُ. بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمَغْصُوبِ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِعَقْدٍ أَصْلًا، وَبِتَقْدِيرِ الِاطِّرَادِ غَالِبًا.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: بَنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَجَمَاعَةٌ: تَصَرُّفَ الْغَاصِبِ، عَلَى تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. فَأَثْبَتَ فِيهِ مَا فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، مِنْ رِوَايَةِ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: مَنْ جَعَلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ نَفْسِ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْفُضُولِيِّ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ. الثَّانِي: هَذَا الْخِلَافُ الْمَحْكِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَقَدْ قَسَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قِسْمَيْنِ: عِبَادَاتٌ، وَعُقُودٌ. فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ: فَفِيهَا مَسَائِلُ. مِنْهَا: الْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَالْوُضُوءُ مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، وَالصَّلَاةُ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَالْآنِيَةِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ. وَمِنْهَا: الْحَجُّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: بَاطِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ: بَاطِلٌ عَلَى الْأَظْهَرِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يَبْطُلُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ عَنْهُ: يُجْزِئُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَيَجِبُ بَدَلُ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. وَمِنْهَا: الْهَدْيُ الْمَغْصُوبُ: لَا يُجْزِئُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. وَعَنْهُ: الصِّحَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ: فَلَا يُجْزِئُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهَا لِنَفْسِهِ: فَيُجْزِئُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ. وَسَوَّى كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بَيْنَهُمَا فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ. قَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ: وَلَا يَصِحُّ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَغْصُوبًا: لَمْ يُجْزِئْهُ أَيْضًا. اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ إذَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَمِنْهَا: لَوْ أَوْقَعَ الطَّوَافَ أَوْ السَّعْيَ أَوْ الْوُقُوفَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ. فَفِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَا الصَّلَاةِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَغْصُوبَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى صِحَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَمِنْهَا: أَدَاءُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُجْزِئٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ. وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا انْتَظَمَهُ عُمُومُ إيرَادِ الْكِتَابِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَدَاءِ الْمَغْصُوبِ عَنْ الْغَاصِبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَلْبَتَّةَ. لَمَا فِيهِ مِنْ النَّصِّ. فَلَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَدَاءُ عَنْ الْمَالِكِ، بِأَنْ أَخْرَجَ عَنْهُ مِنْ النِّصَابِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لِلْعِبَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْغَاصِبِ نَفْسِهِ. فَلَا

يَقْبَلُ أَيْضًا. خِلَافًا لِاتِّفَاقِنَا عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْمَالِكِ، إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَدَاءِ. فَيَقْهَرَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ. فَيُجْزِئُ فِي الظَّاهِرِ. وَلَيْسَ هَذَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. فَلَا يُجْزِئُ بِوَجْهٍ. وَمِنْهَا: كُلُّ صَدَقَةٍ مِنْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا كَالزَّكَاةِ سَوَاءٌ. وَمِنْهَا: عِتْقُ الْمَغْصُوبِ. لَا يَنْفُذُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا: الْوَقْفُ. لَا يَنْفُذُ فِي الْمَغْصُوبِ قَوْلًا وَاحِدًا. لَكِنْ لَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمُعْتَقِ أَوْ الْمَوْقُوفِ مَغْصُوبًا. فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الْمَالِ: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ نَقَدَهُ. فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ إفَادَةِ الْمَالِكِ: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ قِيلَ بِالْإِفَادَةِ: نَفَذَ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا الْعُقُودُ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا: فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ حِكَايَةُ الرِّوَايَةِ بِالصِّحَّةِ. وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالرِّوَايَةُ بِالْوَقْفِ عَلَى الْإِجَازَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ) . أَيْ الَّتِي يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِصِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ. احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْحُكْمِيَّةِ. كَإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ. كَأَكْلِهِ الطَّعَامَ، أَوْ إشْعَالِهِ الشَّمْعَ، وَنَحْوِهِمَا. وَكَلُبْسِهِ الثَّوْبَ وَنَحْوِهِ. فَإِنَّ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ صَحِيحٌ وَلَا فَاسِدٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْوَجِيزِ: وَقَوْلُهُ " الْحُكْمِيَّةُ " احْتِرَازٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الصُّورِيَّةِ. فَالْحُكْمِيَّةُ: مَا لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ، كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، وَنَحْوِهِ. وَالصُّورِيَّةُ: كَطَحْنِ الْحَبِّ، وَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَنَجْرِ الْخَشَبِ، نَحْوِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا) . يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ بِثَمَنِ الْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ: فَالْمَالُ وَرِبْحُهُ لِمَالِكِهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ: إنَّمَا جَازَ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ جَوَّزَهُ لَهُ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْفُنُونِ، وَالتَّرْغِيبِ: الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إنْ صَحَّ الشِّرَاءُ. وَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ: رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلرِّبْحِ. وَهُوَ الْأَقْوَى. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقُ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِعَيْنِهِ. إنْ قُلْنَا: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بَاعَ سَلَمًا، ثُمَّ أَقْبَضَ الْمَغْصُوبَ وَرَبِحَ: فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ. بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَرِّئٍ. وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ وَجْهًا: يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. إنْ أَجَازَهُ صَحَّ، وَإِلَّا بَطَلَ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ مَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ. قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ. إذْ كَيْفَ يَقِفُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ عَلَى إجَازَةِ غَيْرِهِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا الرِّبْحُ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لِلْمَالِكِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ: إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا: فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى فَعَلَيْهَا: يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ. وَنَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَعَلَى هَذَا: إنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ شُبْهَةٍ بِيَدِهِ: اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَهَا. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَوَائِدُ: الْأُولَى لَوْ اتَّجَرَ الْوَدِيعَةِ: فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ وَفْقُ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فِي تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ. وَهُوَ أَقْوَى. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَارَضَ بِالْمَغْصُوبِ، أَوْ الْوَدِيعَةِ: فَالرِّبْحُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ. وَإِنْ عَلِمَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَيْضًا. وَإِلَّا فَلَهُ عَلَيْهِ. أُجْرَةُ الْمِثْلِ.

الثَّالِثَةُ: إجَارَةُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ. وَهُوَ كَالْبَيْعِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالْأُجْرَةُ لِلْمَالِكِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمُسَمَّى هُوَ الْوَاجِبُ لِلْمَالِكِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: إنَّ الْوَاجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَنْكَحَ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ، فَفِي الْبُطْلَانِ وَالصِّحَّةِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَالتَّصْحِيحُ: لَا أَصْلَ لَهُ. فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِنَفْيِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ. وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ قَدْ يَقْرَبُ إجْرَاؤُهُ مَجْرَى الْفُضُولِيِّ. فَتَأْتِي رِوَايَةُ الِانْعِقَادِ مَعَ الْإِجَازَةِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ: فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْبُطْلَانُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. السَّادِسَةُ: تَذْكِيَةُ الْغَاصِبِ الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ، وَفِي إفَادَتِهَا لِحِلِّ الْأَكْلِ: رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ مَيْتَةٌ. لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ وَشَوَاهَا. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي ذَبْحِ السَّارِقِ الْحَيَوَانَ الْمَسْرُوقَ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ: التَّذْكِيَةُ بِالْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ. وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ. وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافٌ يَأْتِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِ الْمَغْصُوبِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي تَلَفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِبَدَلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ، أَوْ عَيْبٍ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَوْ شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا وَاخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ: هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَةً: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ. كَذَلِكَ هَذَا إذْ الْأَصْلُ السَّلَامَةُ، وَتَأَخُّرُ الْحُدُوثِ عَنْ وَقْتِ الْغَصْبِ. انْتَهَى.

قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَاكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخِيَارِ فِي الْعَيْبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا: تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ، بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ) . إذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا، فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ: بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا، بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُمْ بِشَرْطِ ضَمَانِهَا. وَيَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الْغَصْبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا فِيهِ خِلَافًا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهَا. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَنَقَلَ أَيْضًا: عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إنْ عَرَفَهُ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: أَوْ بِقِيمَتِهِ. وَلَهُ شِرَاءُ عَرْضٍ بِنَقْدٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَلَا تَجُوزُ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَظَاهِرُ نَقْلِ حَرْبٍ فِي الثَّانِيَةِ: الْكَرَاهَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا الرُّهُونُ، وَالْوَدَائِعُ، وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ.

كَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَذَكَرَ نُصُوصًا فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَرْهُونِ فِي آخِرِ الرَّهْنِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، عِنْدَ حُكْمِ الْهَدِيَّةِ، وَالرِّشْوَةِ. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ فِي بَابِهَا. وَهَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي يَدِهِ وَقُلْنَا: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي: جَوَازَ الْأَكْلِ مِنْهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِرَاءِ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَاصِبِ إذَا تَابَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا " أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهَا إلَّا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ أَرْبَابِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا إذَا عَلِمَ رَبَّهَا وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَهُوَ يَسِيرٌ، كَحَبَّةٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ، فَقَالَ: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ عَنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا عَلِمَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ: فَهُنَا حَالَتَانِ. إحْدَاهُمَا: انْقِطَاعُ خَبَرِهِ لِغَيْبَةٍ: إمَّا ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ، وَالسِّيَاحَةِ. وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ، وَلَا وَارِثَ لَهُ: تَصَدَّقَ بِهَا كَمَا لَوْ جَهِلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِمَّا ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالْمَفْقُودِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَهْلَكَةٍ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَنَحْوِهِ. وَكَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَا وَارِثَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ: سَلَّمَ إلَيْهِ. وَأَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ: الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ سِنِينَ، وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِلْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي ذَلِكَ.

قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: هَلْ يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تُبَاحُ زَوْجَتُهُ فِيهَا، أَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَقَطْ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ: فَفِي الْمَالِ الْمُحَرَّمِ يَتَعَيَّنُ التَّسْلِيمُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ. وَأَمَّا مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَالرَّهْنِ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ. فَإِنْ كَانَ غَائِبًا: سَلَّمَ إلَى وَكِيلِهِ، وَإِلَّا فَإِلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ. وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ: فَإِلَى وَرَثَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ: تَصَدَّقَ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهِ شَيْءٌ. وَيَأْتِي: إذَا كَسَبَ مَالًا حَرَامًا بِرِضَى الدَّافِعِ وَنَحْوَهُ، فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْهَدِيَّةِ لِلْحَاكِمِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " كَاللُّقَطَةِ " قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَلْيَقُ فِيهِ التَّشْبِيهُ بِأَصْلِ الضَّمَانِ. لَا فِي مَضْمُونِ الصَّدَقَةِ وَالضَّمَانِ. فَإِنَّ الْمَذْهَبَ فِي " اللُّقَطَةِ " التَّمَلُّكُ لَا التَّصَدُّقُ. انْتَهَى. قُلْت: بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِاللُّقَطَةِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي اللُّقَطَةِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَا: وَعَنْهُ فِي اللُّقَطَةِ لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهَا. فَيَتَخَرَّجُ هُنَا مِثْلُهُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ سِوَى الصَّدَقَةِ بِهَا. وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ بِهَا، أَوْ يَشْتَرِي بِهَا كُرَاعًا، أَوْ سِلَاحًا يُوقَفُ. هُوَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ عَنْ ذَلِكَ: يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَةِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ مَاتَ، وَكَانَ يَدْخُلُ فِي أُمُورٍ تُكْرَهُ، فَيُرِيدُ بَعْضُ وَلَدِهِ التَّنَزُّهَ؟ فَقَالَ: إذَا دَفَعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَيُّ شَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَاسْتَحْسَنَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَيَتَوَجَّهُ عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ: قَالَهُ الْعُلَمَاءُ. وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَهَذَا مُرَادُ أَصْحَابِنَا. لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عُرِفَ رَدُّ الْمُعَاوَضَةِ، لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا شَرْعًا لِلْحَاجَةِ. كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ، وَلَا حَاكِمَ. مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقْفُ الْعَقْدِ لِلْحَاجَةِ لِفَقْدِ الْمَالِكِ، وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى مَالَ مُسْلِمٍ مِنْ التَّتَارِ لَمَّا دَخَلُوا الشَّامَ: إنْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ صُرِفَ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَعْطَى مُشْتَرِيَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهَا إلَّا بِنَفَقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ. كَمَا رَجَّحَهُ فِيمَنْ اتَّجَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ وَرَبِحَ. وَنَصَّ فِي وَدِيعَةٍ: تُنْتَظَرُ، كَمَالِ مَفْقُودٍ. وَأَنَّ جَائِزَةَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ عَيْنَهُ مَغْصُوبٌ: فَلَهُ قَبُولُهُ. وَسَوَّى ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بَيْنَ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ. ذَكَرَهُمَا الْحَلْوَانِيُّ كَرَهْنٍ. الثَّانِيَةُ: إذَا تَصَدَّقَ بِالْمَالِ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ: خُيِّرَ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ. فَإِنْ اخْتَارَ الْأَجْرَ: فَذَاكَ. وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَالْأَجْرُ لِلْغَارِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ. فَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: يَأْكُلُ عَادَتَهُ. لَا مَا لَهُ عَنْهُ غَنِيَّةٌ. كَحَلْوَاءَ وَفَاكِهَةٍ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ: ضَمِنَهُ) . سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ لَا يَضْمَنُهُ، كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَالصَّائِلِ، وَالْعَبْدِ فِي حَالِ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا ضَمِنَهُ " الْحَرْبِيُّ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْمُسْلِمِ. فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَلَوْ أَتْلَفَ لِغَيْرِهِ وَثِيقَةً بِمَالٍ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْمَالُ إلَّا بِهَا فَفِي إلْزَامِهِ مَا تَضَمَّنْته احْتِمَالَانِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ. كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ: وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَمَعًا عَشْرَةٌ: ضَمِنَ ثَمَانِيَةً قِيمَةَ الْمُتْلَفِ خَمْسَةٌ وَنَقْصَ التَّفْرِقَةِ ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ: دِرْهَمَيْنِ. وَلَا قَطْعَ. قَالَ: وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ: يَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ يَخْرُجُ الضَّمَانُ لِلْوَثِيقَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ. فَإِنَّهَا تَقْتَضِي إحْضَارَ الْمَكْفُولِ، أَوْ ضَمَانَ مَا عَلَيْهِ. وَهُنَا: إمَّا أَنْ يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ، أَوْ يَضْمَنَ مَا فِيهَا إنْ تَعَذَّرَتْ. وَمِنْهَا: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ " الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ " وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ

وَقِيلَ: هُوَ كَمُضْطَرٍّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِهِ ضَمِنَهُ. يَعْنِي الْمُبَاشِرَ. وَقَطَعَ بِهِ. انْتَهَى. فَإِذَا ضَمِنَ الْمُبَاشِرُ. إنْ كَانَ جَاهِلًا: رَجَعَ عَلَى مُكْرِهِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: لَمْ يَرْجِعْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ. لِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ. بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ وَلَمْ يَخْتَرْهُ، بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ. وَهَلْ لِمَالِكِهِ مُطَالَبَةُ مُكْرَهِهِ إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَالِمًا، وَقُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَهُ مُطَالَبَتُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ مُطَالَبَتُهُ وَطَالَبَهُ. رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ، إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي إتْلَافِهِ، فَأَتْلَفَهُ: لَمْ يَضْمَنْ الْمُتْلِفُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ عَيَّنَ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ، فَقَتَلَهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلَّهِ وَأَثِمَ. وَلَوْ أَذِنَ فِي إتْلَافِ مَالِهِ: سَقَطَ الضَّمَانُ وَالْمَأْثَمُ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يُمْنَعُ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَبِّ وَالْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ السَّبِخَةِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْأَشْهَرِ دَفْنُ شَيْءٍ مَعَ الْكَفَنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ، أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ، أَوْ رِبَاطَ فَرَسٍ: ضَمِنَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذَلِكَ فِعْلُهُ، أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ كَانَ الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا: لَمْ يَضْمَنْهُ. وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْآدَمِيِّ. وَبَيْنَ مَا لَا يُحَالُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ. فَإِذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا ذَهَبُوا عَقِبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهُ، سَوَاءٌ ذَهَبَ عَقِبَ فِعْلِهِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ. وَسَوَاءٌ هَيَّجَ الطَّائِرَ وَالدَّابَّةَ حَتَّى ذَهَبَا أَوْ لَمْ يُهَيِّجْهُمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ بَقِيَ الطَّيْرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا، حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ: ضَمِنَهُمَا الْمُنَفِّرُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ مِبْرَدًا إلَى عَبْدٍ فَبَرَدَ بِهِ قَيْدَهُ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا؟ حَكَى فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ: فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقُوهُمَا. قُلْت: الصَّوَابُ الضَّمَانُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَلَوْ دَفَعَ مِفْتَاحًا إلَى لِصٍّ: لَمْ يَضْمَنْ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَّ قَيْدَ أَسِيرٍ: ضَمِنَ. كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ. وَكَذَا لَوْ فَتَحَ الْإِصْطَبْلَ فَضَاعَتْ الدَّابَّةُ. وَكَذَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ الْعُصُوفَ. الرَّابِعَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيْهِ، عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ: رَجَعَ عَلَى الْكَاذِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ الْمَحْمُولَةُ عَقُورًا وَجَنَتْ: ضَمِنَ جِنَايَتَهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. كَمَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، أَوْ سَاجُورَ كَلْبٍ: فَعَقَرَ. وَإِنْ أَفْسَدَتْ زَرْعَ إنْسَانٍ فَكَإِفْسَادِ دَابَّةِ نَفْسِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي. السَّادِسَةُ: لَوْ وَثَبَتَ هِرَّةٌ عَلَى الطَّائِرِ بَعْدَ الْفَتْحِ: ضَمِنَهُ. وَقَدْ تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَكَذَا لَوْ كَسَرَ الطَّائِرُ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً: ضَمِنَهَا. قَوْلُهُ (أَوْ حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ، فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا، فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ، فَانْدَفَقَ: ضَمِنَهُ) . إذَا حَلَّ وِكَاءَ زِقٍّ مَائِعٍ فَانْدَفَقَ: ضَمِنَهُ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ كَانَ مُنْتَصِبًا فَسَقَطَ بِرِيحٍ، أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ طَائِرٍ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَنَصَرَهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَإِنْ ذَابَ بِالشَّمْسِ وَانْدَفَقَ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ، فَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرِّ الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ. فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الضَّمَانُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَوْ يَجِبَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ هُنَا أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ حَلَّ وِعَاءً فِيهِ دُهْنٌ جَامِدٌ، فَذَهَبَ بِرِيحٍ أَلْقَتْهُ، أَوْ شَمْسٍ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ فَأَتْلَفَتْ) . ضَمِنَ. شَمَلَ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا، فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَلَوْ كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ بِنَفْحِ رِجْلِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَمَنْ ضَرَبَهَا فَرَفَسَتْهُ فَمَاتَ: ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ وَاسِعَةً. فَظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ، مُطْلَقًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، لِإِطْلَاقِهِمْ الضَّمَانَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَذَكَرَ النُّصُوصَ فِي ذَلِكَ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ وَاقِفًا لِحَاجَةٍ، وَالطَّرِيقُ وَاسِعٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى نَظَرًا. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ طِينًا فِي طَرِيقٍ، فَزَلِقَ فِيهِ إنْسَانٌ، أَوْ خَشَبَةً، أَوْ عَمُودًا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ. نَصَّ عَلَيْهِ، أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ: ضَمِنَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ: إذَا صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ، أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّةٌ، أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ. فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (أَوْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) . إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بِإِذْنِهِ فَعَقَرَهُ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْبَيْتِ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: يَضْمَنُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. إذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ. وَقَالَ: إذَا دَخَلَ بِإِذْنِهِ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُنَبِّهْهُ عَلَى الْكَلْبِ، وَعَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُوثَقٍ. أَمَّا إنَّ نَبَّهَ: فَلَا ضَمَانَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ عَقَرَ خَارِجَ الدَّارِ: ضَمِنَ، إنْ لَمْ يَكْفِهِ رَبُّهُ، أَوْ يُحَذِّرْ مِنْهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ.

وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ: لَمْ يَضْمَنُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا كَانَ الْكَلْبُ مُوثَقًا: لَمْ يَضْمَنْ مَا عَقَرَ. قَوْلُهُ (وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ رِوَايَتَانِ فِي الْجُمْلَةِ) يَعْنِي: رِوَايَتَيْنِ مُطَلَّقَتَيْنِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنٍ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ، أَوْ خَارِجًا عَنْهُ. ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الضَّمَانِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنٍ: رِوَايَتَيْنِ. وَهُوَ مَا حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْقَاضِي. وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَرَى عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ فِي كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ. وَاخْتَلَفُوا. فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ الضَّمَانَ، وَهُوَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّرِيفِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ بَكْرُوسٍ. وَقَالَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ ". قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي شَرْحِهِ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهِ، أَوْ خَارِجًا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَوْ لَا. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ وَارِدٌ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ. وَالْإِجْمَالُ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ. وَكَذَلِكَ أَوْرَدَ السَّامِرِيُّ فِي كِتَابِهِ. فَقَالَ: إنْ اقْتَنَى فِي مَنْزِلِهِ كَلْبًا عَقُورًا، فَعَقَرَ فِيهِ إنْسَانًا، إنْ كَانَ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قَالَ: وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ: الضَّمَانُ، وَعَدَمُهُ. فَإِنْ عَقَرَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ: ضَمِنَ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَخَصَّصَ الْخِلَافَ بِحَالَةِ الْعَقْرِ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ دُونَ خَارِجِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَهَذَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: إفْسَادُ الْكَلْبِ بِمَا عَدَا الْعَقْرِ كَبَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْعَقُورِ لَيْلًا وَنَهَارًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، لِتَقْيِيدِهِمْ الْكَلْبَ بِالْعَقُورِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ. وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ كَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَقُورِ فِي مَنْعِ الِاقْتِنَاءِ وَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ. وَكَذَلِكَ مَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ. فَيَحْصُلُ الْعُدْوَانُ بِإِمْسَاكِهِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ اقْتَنَى أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ: فَكَالْكَلْبِ الْعَقُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ. لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَأَوْلَى. لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اقْتَنَى هِرَّةً تَأْكُلُ الطُّيُورَ، وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ فِي الْعَادَةِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تُتْلِفُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْكَلْبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَقَالُوا إلَّا صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهَا ذَلِكَ: فَلَا ضَمَانَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ، أَوْ سِنَّوْرٌ ضَارٌّ مِنْ غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ، وَأَفْسَدَ: لَمْ يَضْمَنْ

الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَهُ قَتْلُهَا حِينَ أَكْلِهَا فَقَطْ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَنَصَرَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَهُ قَتْلُهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ: ضَمِنَهُ إذَا كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِيهِ، أَوْ فَرَّطَ، وَإِلَّا فَلَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُرَادُ: لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ. وَلِهَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ أَجَّجَهَا عَلَى سَطْحِ دَارٍ. فَهَبَّتْ الرِّيحُ، فَأَطَارَتْ الشَّرَرَ: لَمْ يَضْمَنْ. لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ. وَهُبُوبُ الرِّيحِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقٍ فَبَالَتْ، أَوْ رَمَى فِيهَا قِشْرَ بِطِّيخٍ. لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. فَهُوَ مُفَرِّطٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَغْصُوبًا: ضَمِنَ مُطْلَقًا، يَعْنِي: سَوَاءٌ فَرَّطَ وَأَسْرَفَ أَوْ لَا. إنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ، وَالرِّيحُ هَابَّةٌ، أَوْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيُفِيضُ: ضَمِنَ. وَقِيلَ: مَنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكٍ بِيَدِهِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إعَارَةٍ، وَأَسْرَفَ: ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَذَى جَارِهِ: ضَمِنَ. وَإِنْ لَمْ يُسْرِفْ. انْتَهَى فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ " أَسْرَفَ فِيهِ أَوْ فَرَّطَ " يُغْنِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ " التَّفْرِيطِ " لِدُخُولِ " الْإِسْرَافِ " فِيهِ انْتَهَى. قُلْت، الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْآخَرِ. لِأَنَّ " الْإِسْرَافَ " مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ عَمْدًا عُدْوَانًا. وَأَمَّا " التَّفْرِيطُ " فَهُوَ التَّقْصِيرُ فِي الْمَأْمُورِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: فَرَّطَ أَوْ أَفْرَطَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ حَفْرَ بِئْرٍ لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَقَلْته مِنْ خَطِّهِ فِي مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي زَمَنِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّصَرُّفُ فِي فِنَائِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ حَفْرٍ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ مِنْ الضَّرَرِ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَفَرَ الْحَرُّ بِئْرًا بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا، وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ضَمِنَ الْحَافِرُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَنَصُّهُ هُمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى إيرَادِ ابْنِ أَبِي مُوسَى يَعْنِي: أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ وَإِنْ جَهِلَ ضَمِنَ الْآمِرُ. وَقِيلَ: الْحَافِرُ. وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَا الشَّرْطِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ: إنْ كَانَتْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً. وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ، كَمَا يَأْتِي. جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ

الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا، وَالنَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي غَيْرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ صَحَّحَا غَيْرَهُ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالسَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ فِيمَا إذَا حَفَرَهَا فِي مَوْضِعٍ مَائِلٍ عَنْ الْقَارِعَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ حَاجِزًا يُعْلَمُ بِهِ لِيُتَوَفَّى. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً. فَإِنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً: ضَمِنَ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ حَفَرَ فِي سَابِلَةٍ ضَيِّقَةٍ: وَجَبَ الضَّمَانُ. لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يُرَادُ يَشْمَلُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: لَمَّا حَفَرَ فِي غَيْرِ مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ. فَأَمَّا إنْ حَفَرَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ فِي مَكَان مِنْهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ نَفْسُهُ ضَيِّقًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، أَوْ خَاصَّةٍ، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَهُوَ كَذَلِكَ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ، أَوْ الِارْتِفَاقِ بِهَا، أَوْ الِانْتِفَاعِ الْعَامِ. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. ذَكَرَاهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. الثَّانِي: حُكْمُ مَا لَوْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ نَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ إمَامٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ: تُهْدَمُ. وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ؟ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ، أَيُصَلَّى فِيهِ؟ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا: إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ جَازَ. وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ، لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى الْحَفْرِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا، وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا. فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ لِيَمْلَأَهَا، وَتَسْقِيفِ سَاقِيَّةٍ فِيهَا، وَوَضْعِ حَجَرٍ فِي طِينٍ فِيهَا لِيَطَأَ النَّاسُ عَلَيْهِ. فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ. لَا يُضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

قَالَا: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إذْنُ الْإِمَامِ فِيهَا. لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ لَا تَعُمُّ. انْتَهَى كَلَامُهُمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حُكْمُ مَا بُنِيَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ: كَانَ كَفِعْلِ نَفْسِهِ، أَعْتَقَهُ أَوْ لَا؟ . قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ الْحَالَ: فَلَا إشْكَالَ فِيمَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ: فَفِيهِ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ بِأَمْرِ السَّيِّدِ، إنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ. وَفِيهَا رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الْقَوَدُ عَلَى السَّيِّدِ فَقَطْ، وَالْأُخْرَى: عَلَى الْعَبْدِ. فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ هُنَا بِرَقَبَتِهِ. كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْ السَّيِّدُ. وَإِنْ حَفَرَ بِغَيْرِ أَمْرِ السَّيِّدِ: تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ. ثُمَّ إنْ أَعْتَقَهُ. فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَمَا دُونَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِفِعْلِ ذَلِكَ: ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا: لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَا حَكَى الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالسَّامِرِيُّ فِي آخَرِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهِيَ حَفْرُ الْبِئْرِ. وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْحَفْرَ عُدْوَانٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الْمُرُورِ. كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِلَّا فَعَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْبِئْرِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، مَعَ أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَوَارِي الْمَسْجِدِ لَا ضَمَانَ عَلَى فَاعِلِهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ. لِأَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَصْلَحَتِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا، أَوْ عُمُدًا، أَوْ سَقَفَهُ، أَوْ جَعَلَ فِيهِ رَفًّا لِيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ، أَوْ بَنَى جِدَارًا، أَوْ أَوْقَدَ مِصْبَاحًا: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا فِي بَوَارِي الْمَسْجِدِ: لَا ضَمَانَ عَلَى فَاعِلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا. سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ، فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، لَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ: لَا يَضْمَنُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ فِيمَا إذَا جَلَسَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ: لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي الْجَالِسِ فِي الطَّرِيقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَتْنِ، أَخْذًا مِنْ إيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُمَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا مَرَّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رَبْطِ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ. وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَكُنْ الْجُلُوسُ مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، أَوْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا مَا هُوَ مَطْلُوبٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَالْجُلُوسِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ فِيهِ بِوَجْهٍ. وَكَذَا مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهِ، وَفِي جَوَانِبِ الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ كَبَيْعِ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ لِامْتِنَاعِ الْخِلَافِ فِيهِ. لِأَنَّهُ جَلَسَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالِاخْتِصَاصِ. فَهُوَ كَالْجُلُوسِ فِي مِلْكِهِ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي الْجَزْمَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ حَكَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي كُتُبِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَلَا بُدَّ مِنْهُ. لَكِنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِالْمَسْجِدِ دُونَ الطَّرِيقِ. لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ: إمَّا مُبَاحٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ بِحَالٍ. وَإِمَّا غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْجُلُوسِ وَسَطَ الْجَادَّةِ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الِاضْطِجَاعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ: حُكْمُ الْجُلُوسِ فِيهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْقِيَامُ: فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ. لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِ الطُّرُقِ كَالْمُرُورِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقَةٍ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَهُوَ كَذَلِكَ

وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَّلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ، فِي مَسْأَلَةِ الِاصْطِدَامِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا، أَوْ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ (فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ: ضَمِنَ) . وَهَذَا قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُحَرَّرًا فِي بَابِ الصُّلْحِ. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا أَنْ يُشْرِعَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ بَعْدَ بَيْعٍ وَقَدْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ. انْتَهَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ: وَلَا يَضْمَنُ بِمَا تَلِفَ بِمَا يُبَاحُ، مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَمِيزَابٍ. فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ: إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي إخْرَاجِ الْجَنَاحِ فِي غَيْرِ الدَّرْبِ النَّافِذِ بِإِذْنِ أَهْلِهِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَبْنَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّ الْإِخْرَاجَ هَلْ يُبَاحُ أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا: لَمْ يَضْمَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الضَّمَانِ. قَالَ: وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ طُولِبَ بِنَقْضِهِ أَوْ لَمْ يُطَالَبْ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ: أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِنَقْضِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ. وَهَذَا الْإِيمَاءُ ذَكَرَهُ ابْنُ بُخْتَانَ، وَابْنُ هَانِئٍ. وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَلَمْ يُورِدْ ابْنُ أَبِي مُوسَى سِوَاهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ إنْ طَالَبَهُ مُسْتَحِقٌّ بِنَقْضِهِ، فَأَبَى مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَهُ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْجَوَابِ فِيهَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَضْمَنُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ. الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَجْهًا. قَالَ الشَّارِحُ: ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا. انْتَهَى. وَهَذَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الصُّلْحِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا عَلِمَ بِمَيَلَانِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْغِيبِ الْعِلْمَ بِمَيَلَانِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَمَاعَةٍ.

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: كَيْفِيَّةُ الْإِشْهَادِ " اشْهَدُوا أَنِّي طَالَبْته بِنَقْضِهِ، أَوْ تَقَدَّمْت إلَيْهِ بِنَقْضِهِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي بَعْضَهُ. كَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ أَدَّى إلَيْهِ. ثُمَّ الْمَيْلُ إلَى السَّابِلَةِ يَسْتَقِلُّ بِهَا الْإِمَامُ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَكَذَا الْوَاحِدُ مِنْ الرَّعِيَّةِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. وَإِنْ كَانَ إلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ: فَكَذَلِكَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ إلَى دَارِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ: اسْتَقَلَّ بِهِ. وَإِنْ كَانَ سَاكِنُهَا الْغَيْرَ: فَكَالْمَالِكِ. وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ جَمَاعَةً: اسْتَقَلَّ بِهِ أَحَدُهُمْ. وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا: لَمْ يَمْلِكْهُ، وَمَا تَلِفَ لَهُ: فَغَيْرُ مَضْمُونٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ مِنْ غَيْرِ مَيَلَانٍ: لَمْ يَضْمَنْ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، أَوْ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالَ إلَيْهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: ضَمِنَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ: بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ. الثَّالِثَةُ: لَا أَثَرَ لِمُطَالَبَةِ مُسْتَأْجِرِ الدَّارِ، وَمُسْتَعِيرِهَا، وَمُسْتَوْدِعِهَا، وَمُرْتَهِنِهَا. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. فَلَوْ طُولِبَ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِرْجَاعُهَا، أَوْ نَقْضُ الْحَائِطِ: فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ كَالْمُعِيرِ، وَالْمُودِعِ، وَالرَّاهِنِ إذَا أَمْكَنَهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ وَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَإِنْ حُجِرَ عَلَى الْمَالِكِ لِسَفَهٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ جُنُونٍ فَطُولِبَ: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ طُولِبَ وَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، فَلَمْ يَنْقُضْهُ: ضَمِنَ الْمَالِكُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ. بَلْ مُوَلِّيهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. لِوُجُودِ التَّفْرِيطِ. وَهُوَ التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَانَ الْمَيَلَانُ إلَى مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ إمَّا وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فَأَمْهَلَهُ الْمَالِكُ، أَوْ أَبْرَأَهُ: جَازَ. وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ أَمْهَلَهُ سَاكِنُ الْمِلْكِ، أَوْ أَبْرَأَهُ: فَكَذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَسْقُطُ، وَلَا يَتَأَجَّلُ، إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا. أَعْنِي: السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ " أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ " فَلَيْسَ كَمَا قَالَ. لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا مَلَكَ إسْقَاطُهُ. وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَبْرَأْ، فَنَعَمْ. وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لَا يَقْبَلُ خِلَافًا. وَإِنْ كَانَ الْمَيَلَانُ إلَى دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ، أَوْ إلَى سَابِلَةٍ. فَأَبْرَأَهُ الْبَعْضَ. أَوْ أَمْهَلَهُ: بَرِئَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْرِئِ، أَوْ الْمُمْهِلِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا، فَطُولِبَ أَحَدُهُمْ بِنَقْضِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. السَّادِسَةُ: لَوْ بَاعَ الْجِدَارَ مَائِلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالسَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْهَدْمِ حَالَةَ السُّقُوطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي. لِانْتِفَاءِ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ. وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ. وَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِ الْهِبَةِ: زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بَاعَهُ فِرَارًا: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. لِأَنَّ الْمَيْلَ لَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ بَعْدَ وُجُوبِهَا. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَخًّا أَوْ شَبَكَةً مَنْصُوبَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ فِي الْحَرَمِ، أَوْ مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إذَا اسْتَدَامَهُ، أَمْ لَا؟ الْأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، كَمَنْ اشْتَرَى حَائِطًا مَائِلًا. فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِيهِ. فَإِذَا طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ عَلَى رِوَايَةٍ. انْتَهَى. السَّابِعَةُ: إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا: لَمْ يُوجِبْ نَقْضَهُ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَإِنْ تَشَقَّقَ عَرْضًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَائِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (وَمَا أَتْلَفَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ كَانَ التَّالِفُ صَيْدَ حَرَمٍ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ إلَّا الضَّارِيَةَ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا: ضَمِنَهُ، إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: مَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا، أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا، أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ، وَخَلَّاهُ فِي طَرِيقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ، فَأَتْلَفَ مَالًا، أَوْ نَفْسًا: ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ: يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ: يَجِبُ عَلَى مَالِكِهَا قَتْلُهَا. وَعَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ: إذَا صَالَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ: لَمْ يَضْمَنْ، كَمُرْتَدٍّ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَتْ الْبَهِيمَةُ مَغْصُوبَةً وَأَتْلَفَتْ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ ". قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ إنْسَانٍ، كَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِقِ، وَالْقَائِدِ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا. فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهَا أَوْ فَمُهَا. دُونَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَخِلَافُهُ الصَّغِيرُ،

وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ السَّائِقُ جِنَايَةَ رِجْلِهَا. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. لِتَمَكُّنِ السَّائِقِ مِنْ مُرَاعَاةِ الرِّجْلِ، بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا أَوْ رَاكِبًا. ذَكَرَهَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْرَدَ فِي الْمُغْنِي هَذَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا فِي الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ. وَالصَّوَابُ: مَا حَكَاهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالسَّائِقِ. فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَاضِي. وَالْقَاضِي إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي السَّائِقِ فَقَطْ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِطْلَاقِ. لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ حَكَوْا الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ. وَالنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَضْمَنُ إذَا كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ مَا جَنَتْ بِيَدِهَا وَفَمِهَا وَوَطْءِ رِجْلِهَا، دُونَ نَفْحِهَا ابْتِدَاءً. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: إنْ نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا وَهُوَ يَسِيرُ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ سَائِقًا: ضَمِنَ مَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ، أَوْ ضَرَبَهَا فِي الْوَجْهِ: ضَمِنَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا أَيْضًا، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَطْئًا وَنَفْحًا. وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ فِي الْوَطْءِ: لَا يَضْمَنُ.

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ بِرِجْلِهَا، أَوْ نَفَحَتْ بِهَا. لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْ بِذَنَبِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَرِجْلِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا ضَمَانَ بِذَنَبِهَا فِي الْأَصَحِّ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. مَعَ ذِكْرِهِمْ الْخِلَافَ فِي الرِّجْلِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالذَّنَبُ كَالرِّجْلِ، يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي السَّائِقِ. وَلَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ، كَمَا لَا يَضْمَنُ بِالرِّجْلِ وَجْهًا وَاحِدًا. كَذَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِنْ غَيْرِ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ، مِثْلَ إنْ نَخَسَهَا أَوْ نَفَّرَهَا غَيْرُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهَا: لَوْ جَنَى وَلَدُ الدَّابَّةِ: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيُّ، وَقَطَعَا بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ، نَحْوَ أَنْ يَعْرِفَهُ شَمُوسًا، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ اثْنَانِ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُمَا، وَكَانَ الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَهَا. فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الدَّابَّةِ سَائِقٌ وَقَائِدٌ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَحْدَهُ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ: اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَطْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْقَائِدُ فَقَطْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: الْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقَطَّرَةِ كَالْبَهِيمَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ شَارَكَهُ فِي ضَمَانِ الْأَخِيرِ مِنْهَا، دُونَ مَا قَبْلَهُ. هَذَا إذَا كَانَ فِي آخِرِهَا. فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهَا: شَارَكَ فِي الْكُلِّ. وَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلِ: شَارَكَ فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ. دُونَ مَا قَبْلَهُ. وَشَارَكَ فِيمَا بَعْدَهُ. وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ، وَكَانَ عَلَى أَوَّلِهِ: ضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الْمَرْكُوبِ: يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَائِدِ لَهُ. فَأَمَّا الْمَقْطُورُ عَلَى الْجَمَلِ الثَّانِي: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ جِنَايَتَهُ. لِأَنَّ الرَّاكِبَ الْأَوَّلَ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. فَإِنَّ مَا بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ، وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ. فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ. فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ عَلَى مَا تَحْتَهُ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَأَفْسَدَتْ: فَلَا ضَمَانَ. نَصَّ عَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا. فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الضَّمَانُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا: لَا فَرْقَ فِي الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بَيْنَ الْمَالِكِ، وَالْأَجِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُوصِي إلَيْهِ بِالْمَنْفَعَةِ. وَعُمُومُ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَقْتَضِيهِ. قَوْلُهُ (وَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا) يَعْنِي (يَضْمَنُهُ رَبُّهَا)

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الضَّمَانُ، سَوَاءٌ انْفَلَتَتْ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ هَانِئٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُفَرِّطْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَكَلَامُهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِهِ. لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى ضَمَانِ مَا جَنَتْ يَدُهَا أَوْ فَمُهَا، بَعْدَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي يَدِ إنْسَانٍ مَوْصُوفٍ بِمَا ذَكَرَ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَالَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُهُ الْحُسَيْنُ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالسَّامِرِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَسَرَتْ الْبَابَ أَوْ فَتَحَتْهُ: فَهَدَرٌ. وَلَوْ فَتَحَهُ آدَمِيٌّ: ضَمِنَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلًا يَضْمَنُهُ رَبُّهَا " خَصَّصَ الضَّمَانَ بِالْأَمْرَيْنِ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَعَلَّهُ. أَرَادَ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ سِوَى الزَّرْعِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَتْلَفَتْ غَيْرَ الزَّرْعِ: لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهَا، نَهَارًا كَانَ إتْلَافُهَا أَوْ لَيْلًا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا: وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ. انْتَهَيَا. قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَافَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّعْمِيمِ لِكُلِّ مَالٍ. بَلْ مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْحُكْمَ بِالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ لَيْلًا مِنْ سَائِرِ الْمَالِ، بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ وَاضِعُهُ إلَى تَفْرِيطٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ: أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ لَيْلًا، وَوُجِدَ فِي الزَّرْعِ أَثَرُ غَنَمٍ: قُضِيَ بِالضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَذَا مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ. وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ: لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ. قُلْت: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَنَمٌ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا) . ظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ مَا تُفْسِدُهُ عَادَةً أَوْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُرْسِلَهَا بِقُرْبِ مَا تُتْلِفُهُ عَادَةً، فَيَضْمَنَ. وَذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَبِإِرْسَالِهَا وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ. فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي التَّخْصِيصِ. الثَّانِيَةُ: إرْسَالُ الْغَاصِبِ وَنَحْوُهُ: مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلًا. وَإِرْسَالُ الْمُودِعِ: كَإِرْسَالِ الْمَالِكِ فِي انْتِفَاءِ الضَّمَانِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا. وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِحِفْظِ دَوَابِّهِ، فَأَرْسَلَهَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْكَفَّ عَنْ الزَّرْعِ، فَيَضْمَنَ. فَهُوَ كَاشْتِرَاطِ الْمَالِكِ عَلَى الْمُودِعِ ضَبْطَهَا نَهَارًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ: لَمْ يَضْمَنْ مَا جَنَتْ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ، فَيَضْمَنَ. وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ: صَبَرَ، لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا، وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا: فَهَدَرٌ. الرَّابِعَةُ: الْحَطَبُ الَّذِي عَلَى الدَّابَّةِ. إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ، يَجِدُ مُنْحَرِفًا: فَهُوَ هَدَرٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا، وَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا لَهُ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ فِيهِمَا. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَرْسَلَ طَائِرًا فَأَفْسَدَهُ، أَوْ لَقَطَ حَبًّا: فَلَا ضَمَانَ. قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَارِثِيُّ.

وَقِيلَ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ. وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ. وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ. وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ، أَوْ غَيْرُهُ. فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ دَفَعَ صَائِلًا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ: لَمْ يَضْمَنْهُ. وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ: ضَمِنَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَفِي الْفَتَاوَى الرُّحْبَيَاتِ، عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: رِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ قِتَالِ اللُّصُوصِ فِي الْفِتْنَةِ. فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ. لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذَنْ. وَهَذَا لَا عَمَلَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا وُرُودُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: فَمُسَلَّمٌ. وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ: فَفِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ: قَوْلًا بِالضَّمَانِ بِقَتْلِ الْبَهِيمِ الصَّائِلِ. بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّيْدِ الصَّائِلِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي آخِرِ بَابِ الْمُحَارَبِينَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَمَسَائِلُ أُخَرُ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: لَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. قُلْت: قَدْ يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ انْفَرَشَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِ الْمُحْرِمِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ: هَلْ يَضْمَنُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي آخِرِ بَابِ الدِّيَاتِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ، فَغَرِقَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) . هَكَذَا أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: مَحَلُّهُ إذَا فَرَّطَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا. وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ، وَمَنْ عَدَاهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَحْوِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. مَعَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ لَا يَقْتَضِيهِ. غَيْرَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ التَّفْرِيطِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته بَيْنَهُمْ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتْلَفَ الْآخَرِ وَفِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَا. وَقَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالضَّمَانِ، فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الضَّمَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السَّبَبِ. فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ. فَكَانَ مُهْدَرًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، مَضْمُونًا فِي حَقِّ الْآخَرِ. كَمَا فِي التَّلَفِ مِنْ جِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَجِرَاحَةِ غَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً: فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: لَا تُضْمَنُ مُنْحَدِرَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: السَّفِينَةُ كَدَابَّةٍ، وَالْمَلَّاحُ: كَرَاكِبٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: سَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ، بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولَ بِسَفِينَتِهِ، وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٌ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ. لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخِذُ بِتَفْرِيطِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَلَّاحِ: إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَلَبَةِ رِيحٍ. وَلَوْ تَعَمَّدَ الصَّدْمَ: فَشَرِيكَانِ فِي إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَنْ فِيهِمَا. فَإِنْ قُتِلَ فِي الْغَالِبِ: فَالْقَوَدُ، وَإِلَّا شِبْهَ عَمْدٍ. وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الْمُصَادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ. وَلَوْ حَرَقَهَا عَمْدًا أَوْ شَبَهَهُ، أَوْ خَطَأً: عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ عَمَدَ مَا لَا يُهْلِكُ غَالِبًا: فَشِبْهُ عَمْدٍ. وَكَذَا مَا لَوْ قَصَدَ إصْلَاحَهَا، فَقَطَعَ لَوْحًا. أَوْ أَصْلَحَ مِسْمَارًا، فَخَرَقَ مَوْضِعًا. حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحِ أَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ. لِأَنَّهُ قَصَدَ فِعْلًا مُبَاحًا. وَهَلْ يَضْمَنُ مَنْ أَلْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بِسَفِينَةٍ فَغَرَّقَهَا وَمَا فِيهَا، أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ بِحِصَّتِهِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا.

قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ بِالدَّابَّةِ مَكَانَ الْإِجَارَةِ. أَوْ حَمَّلَهَا زِيَادَةً عَلَى الْمَأْجُورِ، فَتَلِفَتْ. أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا. فَقَتَلَهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَاكَ: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ جَمِيعَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. فَكَذَلِكَ هُنَا. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا فِيهَا. ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِجَارَةِ. وَجَعَلَهُ أَصْلًا لَمَا إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: جَعَلَهَا أَصْلًا فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الدَّابَّةِ كَامِلَةً، إذَا جَاوَزَ بِهَا مَكَانَ الْإِجَارَةِ، أَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ: فَعَلَى الرُّكْبَانِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ حَسَبَ الْحَاجَةِ. وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الدَّوَابِّ، حَيْثُ أَمْكَنَ التَّخْفِيفُ بِالْأَمْتِعَةِ. وَإِنْ أَلْجَأَتْ ضَرُورَةٌ إلَى إلْقَائِهَا: جَازَ. صَوْنًا لِلْآدَمِيِّينَ. وَالْعَبِيدُ: كَالْأَحْرَارِ. وَإِنْ تَقَاعَدُوا عَنْ الْإِلْقَاءِ مَعَ الْإِمْكَانِ: أَثِمُوا. وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَدَمَهُ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ، وَمَتَاعَ غَيْرِهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ: فَلِلْغَيْرِ إلْقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. لَكِنْ يَضْمَنُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَضْمَنُ. اعْتِبَارًا بِدَفْعِ الصَّائِلِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ. بِنَاءً عَلَى انْتِفَاءِ الضَّمَانِ بِمَا لَوْ أَرْسَلَ صَيْدًا مِنْ يَدِ مُحْرِمٍ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الضَّمَانِ بَعْضُ ذَلِكَ. وَمَسَائِلُ أُخَرُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا. فَلْيُعَاوَدْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا وَاقِفَةً، وَالْأُخْرَى سَائِرَةً: فَعَلَى قَيِّمِ السَّائِرَةِ ضَمَانُ الْوَاقِفَةِ، إنْ فَرَّطَ، وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ " إذَا اصْطَدَمَ نَفْسَانِ، أَوْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ فَاصْطَدَمَا، وَنَحْوَهُمَا ". قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا، أَوْ طُنْبُورًا، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ إنَاءَ خَمْرٍ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . وَكَذَا الْعُودُ، وَالطَّبْلُ، وَالنَّرْدُ، وَآلَةُ السِّحْرِ، وَالتَّعْزِيمِ، وَالتَّنْجِيمِ، وَصُوَرُ خَيَالٍ، وَالْأَوْثَانُ وَالْأَصْنَامُ، وَكُتُبُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُضِلَّةُ، وَكُتُبُ الْكُفْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. وَقَدَّمُوهُ فِي الْبَاقِي مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَصَحَّحُوهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، فِي الْجَمِيعِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: لَا ضَمَانَ فِي الْمَشْهُورِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ غَيْرَ الصَّلِيبِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي ضَمَانِ كَسْرِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَمْرِ: رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّلْخِيصِ فِي ضَمَانِ كَسْرِ أَوَانِي الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهِ: رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: حَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: بِأَنَّهُ يَضْمَنُ. إذَا كَسَرَ أَوَانِيَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِهِمْ. فَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَّلَهُ بِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا، وَالْقَطْعُ بِسَرِقَتِهَا فَمُسَلَّمٌ. وَلَكِنْ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَإِنْ أُرِيدَ ضَمَانُ الْأَرْشِ وَهُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. وَذَكَرَ مَأْخَذَهُمْ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَرَدَّهُ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ، إنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ غَيْرَ آلَةِ اللَّهْوِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الدُّفِّ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي ضَمَانِ دُفِّ الصُّنُوجِ: رِوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ دُفَّ الْعُرْسِ أَعْنِي: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صُنُوجٌ ذَكَرَهَا الْحَارِثِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: رِوَايَةً بِجَوَازِ إتْلَافِهِ فِي اللَّعِبِ بِمَا عَدَا النِّكَاحِ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ آلَةَ اللَّهْوِ، إذَا كَانَ يُرْغَبُ فِي مَادَّتِهَا. كَعُودٍ، وَدَاقُورَةٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي آنِيَةِ الْخَمْرِ: إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِإِرَاقَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آنِيَةِ الْخَمْرِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِ تَلَفِ الْإِنَاءِ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَغَيْرُهُ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إرَاقَتِهَا إلَّا بِتَلَفِهَا: لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا ضَمِنَ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَا يَضْمَنُ مَخْزَنَ الْخَمْرِ إذَا أَحْرَقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَضْمَنُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَحْرِيقُ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا. كَمَا «حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَسْجِدَ الضِّرَارِ، وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ» . وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ حَرَقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَجَعَلَهُ كَآلَةِ لَهْوٍ. ثُمَّ سَلَّمَهُ، عَلَى نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي سَتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ. وَنَصَّ عَلَى تَخْرِيقِ الثِّيَابِ السُّودِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا: لَا يَضْمَنُ حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، وَلَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. مِنْهَا: قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ. قُلْت: بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا. وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ.

كتاب الشفعة

[كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْخُلَاصَةِ. وَزَادَ: قَهْرًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ. لِخُرُوجِ الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: مِنْهُ. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ: بَيْعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَى مَا يَأْتِي. فَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُشْتَرٍ. وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ يُسَمِّي فِيهِ بَائِعًا وَمُشْتَرِيًا. لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا فِيهِمَا: هُوَ بَيْعٌ. فَهُوَ إذَنْ جَامِعٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هِيَ اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الْمُنْتَقِلَةِ عَنْهُ مِنْ يَدِ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ. لِدُخُولِ مَا انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْأَرْشِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ مَالِيٍّ. عَلَى الْمَشْهُورِ. كَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: فَالْأَجْوَدُ إذَنْ أَنْ يُقَالَ: مِنْ يَدِ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، أَوْ مُطْلَقًا انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَلَا خَفَاءَ بِالْقُيُودِ فِي حَدِّ الْمُصَنِّفِ. فَقَيْدُ " الشَّرِكَةِ " مُخْرِجٌ لِلْجِوَارِ، وَالْخُلْطَةِ بِالطَّرِيقِ. وَقَيْدُ " الشِّرَاءِ " مُخْرِجٌ لِلْمَوْهُوبِ، وَالْمُوصَى بِهِ، وَالْمَوْرُوثِ، وَالْمَمْهُورِ، وَالْعِوَضِ فِي الْخَلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَفِي بَعْضِهِ خِلَافٌ.

قَالَ: وَأَوْرَدَ عَلَى قَيْدِ " الشَّرِكَةِ " أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ لَمَا حَسُنَ أَنْ يُقَالَ: هَلْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ، أَمْ لَا؟ انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِيَالُ لِإِسْقَاطِهَا) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَا تَسْقُطُ بِالتَّحَيُّلِ أَيْضًا) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ لِلْحِيلَةِ فِي إسْقَاطِهَا صُوَرًا. الْأُولَى: أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً، وَلِلْمُشْتَرِي عَرْضٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ. فَيَبِيعُهُ الْعَرْضَ بِمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَشْتَرِي الشِّقْصَ مِنْهُ بِمِائَتَيْنِ، وَيَتَقَاصَّانِ، أَوْ يَتَوَاطَآنِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَنْ الْمِائَتَيْنِ. وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ الْمِائَتَيْنِ. فَلَا يُقْدِمُ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ. لِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ عَنْ الْمِائَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: إظْهَارُ كَوْنِ الثَّمَنِ مِائَةً، وَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ عِشْرِينَ فَقَطْ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَيُبَرِّئُهُ مِنْ ثَمَانِينَ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ، وَيَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الثَّمَنَ. الْخَامِسَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ بِصُبْرَةِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِالْمُشَاهَدَةِ، مَجْهُولَةِ الْمِقْدَارِ، أَوْ بِجَوْهَرَةٍ وَنَحْوِهَا. فَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. فَيَدْفَعُ فِي الْأُولَى: قِيمَةَ الْعَرْضِ مِائَةً، أَوْ مِثْلَ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ. وَفِي الثَّانِيَةِ: عِشْرِينَ. وَفِي الثَّالِثَةِ: كَذَلِكَ. لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حِيلَةٌ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَأْخُذُ الْجُزْءَ الْمَبِيعَ مِنْ الشِّقْصِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كُلَّهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَجَزَمَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَفِي الرَّابِعَةِ: يَرْجِعُ فِي الثَّمَنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَفِي الْخَامِسَةِ: يَدْفَعُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْمَجْهُولِ، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا. وَلَوْ تَعَذَّرَ بِتَلَفٍ أَوْ مَوْتٍ: دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الشِّقْصِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَصْحَابُ. نَقَلَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ، بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ حِيلَةً، وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَمِنْ صُوَرِ التَّحَيُّلِ: أَنْ يَقِفَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَهَبَهُ حِيلَةً، لِإِسْقَاطِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَيَغْلَطُ مَنْ يَحْكُمُ بِهَذَا مِمَّنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِدُونِ حُكْمٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: هَذَا الْأَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ الْمَالِ، كَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخَلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَظَاهِرُ الشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. أَحَدُهُمَا: لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا أَوْلَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ: بِانْتِفَاءِ الشُّفْعَةِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ فِي الْمَتْنِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ

وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِيهِ الشُّفْعَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ مِنْ مَهْرٍ وَدِيَةٍ. حَكَاهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا أُخِذَ أُجْرَةً، أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ، أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْكَافِي وَمِثْلُهُ: مَا اشْتَرَاهُ الذِّمِّيُّ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَطَرَدَ أَصْحَابُنَا الْوَجْهَيْنِ فِي الشِّقْصِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ. وَلَكِنْ نَقُولُ: الْإِجَارَةُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ. فَيَبْعُدُ طَرْدُ الْخِلَافِ إذَنْ. فَالصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِنَا: جَرَيَانُ الشُّفْعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ كَانَ الشِّقْصُ جُعْلًا فِي جِعَالَةٍ: فَكَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. وَطَرَدَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ أَيْضًا فِي الشِّقْصِ الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِنَفْيِ الشُّفْعَةِ فِيهِ. وَهُوَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ. لَا أَعْلَمُ لِذَلِكَ وَجْهًا. وَحَكَى بَعْضُ شُيُوخِنَا فِيمَا قَرَأْت عَلَيْهِ طَرْدَ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا فِي الْمَجْعُولِ رَأْسَ مَالٍ فِي السَّلَمِ. وَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ. فَإِنَّ السَّلَمَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ

ثُمَّ قَالَ: إذَا تَقَرَّرَ مَا قُلْنَا فِي الْمَأْخُوذِ عِوَضًا عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، فَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الدَّفْعِ وَرَقَّ: هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ إذَنْ؟ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. وَالثَّانِي: لَا. وَهُوَ أَوْلَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي شَهْرًا فَلَكَ هَذَا الشِّقْصُ. فَخَدَمَتْهُمْ اسْتَحَقَّتْهُ وَهَلْ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي: لَا. لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: إذَا قِيلَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْمَمْهُورِ. فَطَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ: فَالشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ فِي النِّصْفِ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. وَمَا بَقِيَ: إنْ عَفَا عَنْهُ الزَّوْجُ فَهِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا شُفْعَةَ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَسْتَحِقُّهُ الشَّفِيعُ. وَإِنْ لَمْ يَعْفُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ. لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ قَبْلَ الْأَخْذِ. قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ احْتِمَالَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَخْذُ هُنَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى أُصُولِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَالشُّفْعَةُ مَاضِيَةٌ. وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ: يَوْمَ إصْدَاقِهَا، وَيَوْمَ إقْبَاضِهَا.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شِقْصًا مُشَاعًا مِنْ عَقَارٍ يَنْقَسِمُ) . يَعْنِي: قِسْمَةَ إجْبَارٍ. فَأَمَّا الْمَقْسُومُ الْمَحْدُودُ: فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَصْحَابِ رِوَايَةً. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ فِيمَا أَظُنُّ. وَأَخَذَ الرِّوَايَةَ مِنْ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَمُثَنًّى: لَا يَحْلِفُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَثْبُتُ بِهَذَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ مَأْخَذٌ ضَعِيفٌ. وَقِيلَ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي مَصَالِحِ عَقَارٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الشُّفْعَةِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا شُرَكَاءَ: لَمْ يَقْتَسِمُوا. فَإِذَا صُرِفَتْ الطُّرُقُ، وَعُرِفَتْ الْحُدُودُ: فَلَا شُفْعَةَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. لَا كَمَا ظَنَّهُ الزَّرْكَشِيُّ، مِنْ أَنَّهُ اخْتَارَ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ مُطْلَقًا. فَإِنَّ الْحَارِثِيَّ قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ، لَكِنْ بِقَيْدِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ. وَذَكَرَ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمُتَقَدِّمِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّتَهُ، وَقَالَ: فِي هَذَا الْمَذْهَبُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ، دُونَ غَيْرِهِ. فَيَكُونُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: شَرِيكُ الْمَبِيعِ أَوْلَى مِنْ شَرِيكِ الطَّرِيقِ. عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَخْذِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا: عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الطَّرِيقِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بِمِلْكٍ، أَوْ بِاخْتِصَاصٍ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمُعْتَبَرُ شَرِكَةُ الْمِلْكِ، لَا شَرِكَةُ الِاخْتِصَاصِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَمِنْهَا: لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي طَرِيقٍ لَهَا دَرْبٌ فِي طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ. فَالْأَشْهَرُ: تَجِبُ، إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إلَى شَارِعٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِيهِ فَقَطْ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: بَلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي فَوْقَ حَاجَتِهِ. فَفِي الزَّائِدِ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِي الزَّائِدِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ لَا شُفْعَةَ. وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا دِهْلِيزُ الْجَارِ وَصَحْنُ دَارِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَمِنْهَا: لَا شُفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي الشُّرْبِ مُطْلَقًا. وَهُوَ النَّهْرُ، أَوْ الْبِئْرُ، يَسْقِي أَرْضَ هَذَا وَأَرْضَ هَذَا. فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا أَرْضَهُ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ مِنْ الشُّرْبِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالْبِئْرِ، وَالطُّرُقِ، وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ، وَلَا مَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَالشَّجَرِ، وَالْحَيَوَانِ،

وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ، وَكَالْجَوْهَرَةِ، وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. إحْدَاهُمَا: لَا شُفْعَةَ فِيهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَظْهَرُهُمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَا شُفْعَةَ فِيهِ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهِ الشُّفْعَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَعَنْهُ تَجِبُ فِي كُلِّ مَالٍ. حَاشَا مَنْقُولًا لَا يَنْقَسِمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: تَجِبُ فِي زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُفْرَدٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُؤْخَذُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ. كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا خِلَافَ فِيهِمَا عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: مِمَّا يَدْخُلُ تَبَعًا: النَّهْرُ وَالْبِئْرُ، وَالْقَنَاةُ، وَالرَّحَى وَالدُّولَابُ. فَائِدَةٌ: الْمُرَادُ بِمَا يَنْقَسِمُ: مَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ إجْبَارًا. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَقْسُومًا مَنْفَعَتُهُ الَّتِي كَانَتْ، وَلَوْ عَلَى تَضَايُقٍ. كَجَعْلِ الْبَيْتِ بَيْتَيْنِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَيَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا يَقْتَضِي التَّعْوِيلَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، دُونَ مَا عَدَاهَا. لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِالْحَمَّامِ وَالْبِئْرِ الصَّغِيرَيْنِ، وَالطُّرُقِ وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ. وَكَذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَشْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَصَحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَيَّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ، وَلَوْ كَانَتْ بِالسُّكْنَى. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: مَا ذَكَرْنَا، أَوْ أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ بِالْقِسْمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَاعْتِبَارُ النَّقْصِ: هُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ بِأَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ مُحَرَّرًا. قَوْلُهُ (وَلَا تُؤْخَذُ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ تَبَعًا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفِ أَبُو جَعْفَرٍ فِي آخَرِينَ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُؤْخَذُ تَبَعًا. كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُؤْخَذُ الثِّمَارُ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الزَّرْعُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي قَدِيمًا فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ.

وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْإِطْلَاقُ. وَأَكْثَرُهُمْ إنَّمَا حَكَى الِاحْتِمَالَ أَوْ الْوَجْهَ فِي الثَّمَرِ. وَخَرَجَ مِنْهُ إلَى الزَّرْعِ. وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الثَّمَرَةَ بِالظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ غَيْرَ الظَّاهِرَةِ تَدْخُلُ تَبَعًا، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ اشْتَرَاهُ وَفِيهِ طَلْعٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَبَّرَهُ: لَمْ يَأْخُذْ الثَّمَرَةَ. وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِحِصَّتِهِ، كَمَا فِي شِقْصٍ وَسَيْفٍ. وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ: إذَا لَمْ يَدْخُلْ. فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْأَصْلَ بِحِصَّتِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِشَخْصٍ وَالْعُلْوُ مُشْتَرَكًا، وَالسَّقْفُ مُخْتَصًّا بِصَاحِبِ السُّفْلِ، أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْعُلْوِ: فَلَا شُفْعَةَ فِي السَّقْفِ. لِأَنَّهُ لَا أَرْضَ لَهُ. فَهُوَ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُفْرَدَةِ. وَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لِأَصْحَابِ الْعُلْوِ: فَفِيهِ الشُّفْعَةُ. لِأَنَّ قَرَارَهُ كَالْأَرْضِ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلسُّفْلِ. وَإِنَّمَا لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ. فَأَشْبَهَ مُسْتَأْجِرَ الْأَرْضِ. خَرَّجَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ: فَاوَضْت فِيهَا بَعْضَ أَصْحَابِنَا. وَتَقَرَّرَ حُكْمُهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَلَى مَا بَيَّنْت. وَهَذَا الْوَجْهُ: قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. فَقَالَ: وَإِنْ بِيعَتْ حِصَّةٌ مِنْ عُلْوِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ نُظِرَتْ. فَإِنْ كَانَ السَّقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ. فَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُلْوِ. لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُنْفَرِدٌ. وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ كَذَلِكَ. لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُنْفَرِدٌ، لِكَوْنِهِ لَا أَرْضَ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ السَّقْفُ لَهُ. وَيَحْتَمِلُ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ. لِأَنَّ لَهُ قَرَارًا. فَهُوَ كَالسُّفْلِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ عُلْوٍ مُشْتَرَكٍ عَلَى سَقْفٍ لِمَالِكِ السُّفْلِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ: لَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِ الْعُلْوِ. لِانْفِرَادِ الْبِنَاءِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ.

وَإِنْ كَانَ السَّقْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْعُلْوِ. فَكَذَلِكَ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا وَالْعُلْوُ خَالِصًا لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَبَاعَ الْعُلْوَ وَنَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ: فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ، لَا فِي الْعُلْوِ. لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. بَلْ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَرْضَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ وَعَدَّهُمْ رِوَايَةً بِثُبُوتِهَا عَلَى التَّرَاخِي. لَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى أَوْ دَلِيلِهِ. كَالْمُطَالَبَةِ بِقِسْمَةٍ أَوْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، نَحْوَ: بِعْنِيهِ، أَوْ هَبْهُ لِي، أَوْ قَاسِمْنِي، أَوْ بِعْهُ لِفُلَانٍ، أَوْ هَبْهُ لَهُ. انْتَهَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (سَاعَةَ يَعْلَمُ) . نَصَّ عَلَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى الْفَوْرِ سَاعَةَ يَعْلَمُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا حِينَ يَسْمَعُ حَتَّى يَعْلَمَ طَلَبَهُ. ثُمَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَلَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ طَلَبُهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ طَالَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَاخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْقَاضِي، مِنْهُمْ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْعُكْبَرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا يَتَخَرَّجُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مِثْلِهِ فِي خِيَارِ الْمُجْبَرَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَهَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ، كَمَا فِي التَّمَامِ، وَفِي الْمُغْنِي. لِأَنَّ الْمَجْلِسَ كُلَّهُ فِي مَعْنَى حَالَةِ الْعَقْدِ. بِدَلِيلِ التَّقَابُضِ فِيهِ لَمَّا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبْضُ. يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حَالَةِ الْعَقْدِ. وَلَكِنَّ إيرَادَهُ هُنَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِهِ قَسِيمًا لِلْفَوْرِيَّةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ الْخِرَقِيِّ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ: وُجُوبُ الْمُطَالَبَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ بِالشُّفْعَةِ فِي وَقْتِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. تَنْبِيهَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي جَعْلِ هَذَا شَرْطًا إشْكَالٌ. وَهُوَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْحَقِّ فَرْعُ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ. وَرُتْبَةُ ذَلِكَ الشَّرْطِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ. فَكَيْفَ يُقَالُ بِتَقَدُّمِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى مَا هُوَ أَصْلٌ لَهُ؟ هَذَا خَلَفٌ. أَوْ نَقُولُ: اشْتِرَاطُ الْمُطَالَبَةِ يُوجِبُ تَوَقُّفَ الثُّبُوتِ عَلَيْهَا. وَلَا شَكَّ فِي تَوَقُّفِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الثُّبُوتِ. فَيَكُونُ دَوْرًا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ شَرْطٌ لِاسْتِدَامَةِ الشُّفْعَةِ، لَا لِأَصْلِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ. وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنْ أَخْبَرَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. انْتَهَى. الثَّانِي: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ مِثْلَ: أَنْ لَا يَعْلَمَ، أَوْ عَلِمَ لَيْلًا فَأَخَّرَهُ إلَى الصُّبْحِ، أَوْ أَخَّرَهُ لِشِدَّةِ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ حَتَّى أَكَلَ أَوْ شَرِبَ. أَوْ أَخَّرَهُ لِطَهَارَةٍ أَوْ إغْلَاقِ بَابٍ، أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ الْحَمَّامِ، أَوْ

لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، أَوْ لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ. وَيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ وَسُنَّتِهَا، أَوْ لِيَشْهَدَهَا فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَفِي التَّلْخِيصِ: احْتِمَالٌ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ فَرْضًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَلَا تَسْقُطُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ. فَمُطَالَبَتُهُ مُمْكِنَةٌ، مَا عَدَا الصَّلَاةِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْفِيفُهَا، وَلَا الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ. ثُمَّ إنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ، حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ. فَالْأَوْلَى: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ، وَيُبَادِرَ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلِهِ. فَإِنْ بَادَرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ. صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ فِي آخَرِينَ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَيَأْتِي: هَلْ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ أَمْ لَا؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ". وَأَمَّا إنْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ: سَقَطَ، بِلَا نِزَاعٍ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّلَبِ مُجَرَّدًا عَنْ مُوَاجِهَةِ الْمُشْتَرِي، قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ. وَنَقَلْته مِنْ خَطِّهِ. فَقَالَ: الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ: أَنَّ ذَلِكَ يُغْنِي عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِمَحْضَرِ الْخَصْمِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْمُطَالَبَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ، وَالْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ.

وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ بِقَيْدِ الْإِشْهَادِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَثْرَمِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَاجَهَةُ. وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عَنْهُمَا كَالْمَرِيضِ، وَالْمَحْبُوسِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا لَا يَعْجِزَانِ عَنْ مُنَاطَقَةِ أَنْفُسِهِمَا بِالطَّلَبِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَقَالَ: إنْ أَخَّرَهَا يَعْنِي: الْمُطَالَبَةَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْهَا لِغَيْبَةٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ. فَيَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَّرَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) . يَعْنِي: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةٌ: بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَيَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا. ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إمْكَانِهِ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، لَكِنَّهُ سَارَ فِي طَلَبِهَا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . شَمَلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ حِينَ يَعْلَمُ، وَيُؤَخِّرُ الطَّلَبَ بَعْدَهُ، مَعَ إمْكَانِهِ. فَأَطْلَقَ فِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: لَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ،

وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَسْقُطُ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: حَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ الْقَاضِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَحْكِهِ أَحَدٌ عَنْ الْقَاضِي سِوَاهُ. وَاَلَّذِي عَرَفْت مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي خِلَافَهُ. وَنَقَلَ كَلَامَهُ مِنْ كُتُبِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي عَنْهُ: إنَّمَا قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ عَلَى الطَّلَبِ. وَلَيْسَ بِالْمَسْأَلَةِ. نَبَّهْت عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِنَقْلِ الْوَجْهِ الَّذِي أَوْرَدَهُ. انْتَهَى. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي الْمُغْنِي " وَإِنْ أَخَّرَ الْقُدُومَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ " بَدَلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ " وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ. لِأَنَّ الطَّلَبَ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ. بِخِلَافِ الْقُدُومِ، فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ. وَتَأْخِيرُ مَا يُمْكِنُ لِإِسْقَاطِهِ الشُّفْعَةَ وَجْهٌ. بِخِلَافِ تَأْخِيرِ مَا لَا يُمْكِنُ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ الْحَارِثِيُّ مِثْلُ بِمَا لَوْ تَرَاخَى السَّيْرُ. انْتَهَى. فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: إذَا وُجِدَ عُذْرٌ، مِثْلَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُشْهِدُهُ، أَوْ وُجِدَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْمَرْأَةِ، وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ وُجِدَ مَنْ لَا يُقْدِمُ مَعَهُ إلَى مَوْضِعِ الْمُطَالَبَةِ: لَمْ تَسْقُطْ الشُّفْعَةُ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَسْتُورِي الْحَالِ فَلَمْ يَشْهَدْهُمَا. فَهَلْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ.

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ شَهَادَةَ مَسْتُورِي الْحَالِ لَا تُقْبَلُ. فَهُمَا كَالْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا. فَإِنْ أَشْهَدَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَأَشْهَدَهُ أَوْ تَرَكَ إشْهَادَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ وَجَدَ عَدْلًا وَاحِدًا. فَفِي الْمُغْنِي: إشْهَادُهُ وَتَرْكُ إشْهَادِهِ سَوَاءٌ، قَالَ: وَهُوَ سَهْوٌ. فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَعْمُولٌ بِهَا مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ. فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُهَا. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يُوَكِّلْ، فَهَلْ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَبْطُلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: لَفْظُ الطَّالِبِ " أَنَا طَالِبٌ أَوْ مُطَالِبٌ، أَوْ آخُذُ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ قَائِمٌ عَلَى الشُّفْعَةِ " وَنَحْوَهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ. لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ غَائِبًا فَسَارَ حِينَ عَلِمَ فِي طَلَبِهَا، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي سُقُوطِهَا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَسْقُطُ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ.

قَالَ الْقَاضِي: إنْ سَارَ عَقِبَ عِلْمِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ: احْتَمَلَ أَنْ لَا تَبْطُلَ شُفْعَتُهُ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يُبَادِرُ إلَيْهَا بِالْمُضِيِّ الْمُعْتَادِ، بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ حَمَّامٍ، وَطَعَامٍ وَنَافِلَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَإِنَّمَا هُمَا رِوَايَتَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي كَلَامِهِمَا احْتِمَالَانِ. أَوْرَدَهُمَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَالِاحْتِمَالَانِ إنَّمَا أَوْرَدَهُمَا فِي الْإِشْهَادِ عَلَى السَّيْرِ لِلطَّلَبِ. وَذَلِكَ مُغَايِرٌ لِلْإِشْهَادِ عَلَى الطَّلَبِ حِينَ الْعِلْمِ. وَلِهَذَا قَالَ: ثُمَّ إنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ، وَعِنْدَ إمْكَانِهِ أَبَى السَّيْرَ لِلطَّلَبِ مُوَاجِهَةً. فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُ الْخِلَافِ فِي الطَّلَبِ الْأَوَّلِ، مُتَلَقًّى، عَنْ الْخِلَافِ فِي الطَّلَبِ الثَّانِي. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْمُحَرَّرِ إشْهَادًا فِيمَا عَدَا هَذَا. وَالْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ عِنْدَهُ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ. وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ الْأَصْحَابُ. وَأَيْضًا فَالْإِشْهَادُ عَلَى مَا قَالَ لَيْسَ إشْهَادًا عَلَى الطَّلَبِ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ هُوَ إشْهَادٌ عَلَى فِعْلٍ يَتَعَقَّبُهُ الطَّلَبُ. الثَّانِي: اسْتَفَدْنَا مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذْ عَلِمَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ، وَسَارَ فِي طَلَبِهَا عِنْدَ إمْكَانِهِ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَسَارَ وَكِيلُهُ. وَكَذَا لَوْ تَرَاخَى السَّيْرُ لِعُذْرٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالطَّلَبِ. فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ السَّلَامِ " بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَتِك " ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَكَذَا لَوْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهِ. وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ تَسْقُطُ بِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: الْحَاضِرُ الْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ كَالْغَائِبِ فِي اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ. فَإِنْ تَرَكَ فَفِي السُّقُوطِ مِنْ الْخِلَافِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَسِيَ الْمُطَالَبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ جَهِلَهَا. فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا تَرَكَ الطَّلَبَ نِسْيَانًا لَهُ، أَوْ لِلْبَيْعِ، أَوْ تَرَكَهُ جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَاسَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ: يَحْسُنُ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ، إذَا مَكَّنْته مِنْ الْوَطْءِ جَهْلًا بِمِلْكِهَا لِلْفَسْخِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ أَخَّرَهُ جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ. فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَجْهَلُهُ: سَقَطَتْ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ يَجْهَلُهُ. فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَسْقُطُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوْبُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَسْقُطُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ ". وَلَوْ قَالَ " لَهُ بِكَمْ اشْتَرَيْت؟ " أَوْ " اشْتَرَيْت رَخِيصًا " فَهَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.

قُلْت: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي سُقُوطَهَا مَعَ عِلْمِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ: فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالرِّسَالَةِ: هَلْ يُقْبَلُ مِنْهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ؟ . قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اثْنَيْنِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّانِ عَلَيْهِمَا. لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا غَيْرُ الصَّحِيحِ هُنَاكَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُمَا كَالْفَاسِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِلْحَاقُ الْعَبْدِ بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ غَلَطٌ. لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَإِنْ أَخْبَرَ مَسْتُورُ الْحَالِ سَقَطَتْ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ صَبِيٌّ: لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَإِذَا تَرَكَ تَكْذِيبًا لِلْعَدْلِ أَوْ الْعَدْلَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ: بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَيَتَّجِهُ التَّقْيِيدُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْعَدَالَةُ مَعْلُومَةً أَوْ ظَاهِرَةً لَا تَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ. أَمَّا إنْ جَهِلَ، أَوْ كَانَتْ بِمَحَلِّ الْخَفَاءِ أَوْ التَّرَدُّدِ: فَالشُّفْعَةُ بَاقِيَةٌ لِقِيَامِ الْعُذْرِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْخَبَرُ حَدَّ التَّوَاتُرِ. أَمَّا إنْ بَلَغَ: فَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِالتَّرْكِ وَلَا بُدَّ. وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً، عَلَى مَا لَا يَخْفَى. انْتَهَى. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ: إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ. أَمَّا إنْ صَدَّقَهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ بِهَا: فَإِنَّهَا تَسْقُطُ. سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ يُقْبَلُ. لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَحْصُلُ بِخَبَرِ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ لِقَرَائِنَ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت، أَوْ صَالِحْنِي: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) . إذَا قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت، أَوْ هَبْهُ لِي، أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ: سَقَطَتْ

شُفْعَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: يَقْوَى عِنْدِي انْتِفَاءُ السُّقُوطِ، كَقَوْلِ أَشْهَبَ صَاحِبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَإِنْ قَالَ: صَالِحْنِي عَلَيْهِ، سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ الصُّلْحِ. وَكَذَا جَزَمَ بِهِ هُنَاكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ هُنَاكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الصُّلْحِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ. أَمَّا الصُّلْحُ عَنْهَا بِعِوَضٍ: فَلَا يَصِحُّ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الصُّلْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ: بِعْهُ مِمَّنْ شِئْت، أَوْ وَلِّهِ إيَّاهُ، أَوْ هَبْهُ لَهُ، وَنَحْوَ هَذَا: بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَكْرِنِي، أَوْ سَاقِنِي، أَوْ اكْتَرَى مِنْهُ أَوْ سَاقَاهُ. وَإِنْ قَالَ: إنْ بَاعَنِي، وَإِلَّا فَلِي الشُّفْعَةُ. فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِعْتُك، أَوْ وَلَّيْتُك. فَقَبِلَ: سَقَطَتْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ دَلَّ فِي الْبَيْعِ أَوْ تَوَكَّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ. فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْبَيْعِ أَيْ: صَارَ دَلَّالًا. وَهُوَ السَّفِيرُ فِي الْبَيْعِ. فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَوَكَّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَسْقُطُ بِتَوْكِيلِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ إذَا كَانَ وَكِيلًا لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ إذَا كَانَ وَكِيلًا لِلْمُشْتَرِي. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحِكَايَةُ الْقَاضِي يَعْقُوبَ: عَدَمُ السُّقُوطِ. وَكَذَا هُوَ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ غَرِيبٌ مِنْ الْحَارِثِيِّ. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي نَقَلَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ: تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ. فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ثِقَةٌ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِ. وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ أَمَاكِنِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ: يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ. إنْ قُلْنَا: لَا. فَلَا شُفْعَةَ. وَإِنْ قُلْنَا نَعَمْ. فَنَعَمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ تَسْقُطْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فِيهَا حَظٌّ: لَمْ تَسْقُطْ. وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إذَا كَبِرَ. وَإِنْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهَا: سَقَطَتْ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَتَبِعَهُ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ مُطْلَقًا. وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ الْأَخْذُ إذَا كَبِرَ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ. وَكَانَ يُفْتِي بِهِ. نَقَلَ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا. وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إذَا كَبِرَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِذَا عَفَا وَلِيُّ الصَّبِيِّ عَنْ شُفْعَتِهِ: لَمْ تَسْقُطْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدِي، وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ. لِنَصِّهِ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ، عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ لَا تَسْقُطُ. وَقِيلَ: بَلَى. وَقِيلَ: مَعَ عَدَمِ الْحَظِّ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شِرْكَةِ حَمْلٍ. فَالْأَخْذُ لَهُ مُتَعَذِّرٌ، إذْ لَا يَدْخُلُ فِي

مِلْكِهِ بِذَلِكَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَدَّمَهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَمِنْهَا الْأَخْذُ لِلْحَمْلِ بِالشُّفْعَةِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُؤْخَذُ لَهُ. ثُمَّ مِنْهُمْ: مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ. وَمِنْهُمْ: مَنْ عَلَّلَ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بِالْأَخْذِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَمِلْكًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إذَا وُلِدَ وَكَبِرَ: فَلَهُ الْأَخْذُ، إذَا لَمْ يَأْخُذْ لَهُ الْوَلِيُّ كَالصَّبِيِّ. وَمِنْهَا: لَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ بِالشُّفْعَةِ، وَلَا حَظَّ فِيهَا: لَمْ يَصِحَّ الْأَخْذُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَإِلَّا اسْتَقَرَّ أَخْذُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْأَخْذُ أَحَظَّ لِلْوَلَدِ: لَزِمَ وَلِيَّهُ الْأَخْذُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ: لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْحَجْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْتَقِرُّ أَخْذُهُ. وَيَلْزَمُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ. وَلَوْ تَرَكَهَا الْوَلِيُّ مَصْلَحَةً: إمَّا لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَحْتَاجُ إلَى إنْفَاقِهِ أَوْ صَرْفِهِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ، أَوْ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يُرْغَبُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ لِأَنَّ أَخْذَهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَا إبْقَاؤُهُ أَوْلَى، أَوْ إلَى اسْتِقْرَاضِ ثَمَنِهِ وَرَهْنِ مَالِهِ، أَوْ إلَى ضَرَرٍ وَفِتْنَةٍ. وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَالتَّرْكُ مُتَعَيَّنٌ. وَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ الْأَخْذُ عِنْدَ الْبُلُوغِ؟ وَهُوَ مَقْصُودُ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: نَعَمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ السُّقُوطِ، وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: يُحْكَمُ لِلصَّغِيرِ بِالشُّفْعَةِ إذَا بَلَغَ. وَنَحْوُهُ عِبَارَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي فِيهَا حَظٌّ لَهُ. ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهَا: فَلَهُ ذَلِكَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِلشَّارِحِ. قُلْت: فَقَدْ يُعَايَى بِهَا. وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ: لَمْ يَمْلِكْهُ. لِاسْتِمْرَارِ الْمَانِعِ. وَإِنْ تَجَدَّدَ الْحَظُّ، فَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ السُّقُوطِ: أَخَذَ. لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَإِنْ قِيلَ بِالسُّقُوطِ: لَمْ يَأْخُذْ بِحَالٍ. لِانْقِطَاعِ الْحَقِّ بِالتَّرْكِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: حُكْمُ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْمُطْبَقِ، وَالسَّفِيهِ: حُكْمُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ تَنْبِيهٌ: الْمُطْبَقُ: هُوَ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ. حَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ، وَبِأُصُولِ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ شُيُوخَنَا الْأَوَائِلَ قَالُوا فِي الْمَغْصُوبِ الَّذِي يُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ: هُوَ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ. وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ تَحْدِيدَ الْمُطْبَقِ بِالْحَوْلِ فَمَا زَادَ، قِيَاسًا عَلَى تَرَبُّصِ الْعُنَّةِ. وَعَنْ قَوْمٍ التَّحْدِيدُ بِالشَّهْرِ. وَمَا نَقَصَ مُلْحَقٌ بِالْإِغْمَاءِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. وَمِنْهَا: حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَجْنُونِ غَيْرِ الْمُطْبَقِ: حُكْمُ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ يَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُمَا.

وَمِنْهَا: لِلْمُفْلِسِ لِلْأَخْذِ بِهَا، وَلِلْعَفْوِ عَنْهَا. وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ إجْبَارُهُ عَلَى الْأَخْذِ بِهَا، وَكَانَ فِيهَا حَظٌّ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ إجْبَارِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ: إجْبَارُهُ عَلَى الْأَخْذِ إذَا كَانَ أَحَظَّ لِلْغُرَمَاءِ. انْتَهَى. وَلَيْسَ لَهُمْ الْأَخْذُ بِهَا. وَمِنْهَا: لِلْمُكَاتَبِ الْأَخْذُ وَالتَّرْكُ. وَلِلْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ: الْأَخْذُ دُونَ التَّرْكِ. وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ: سَقَطَتْ. وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ: هَلْ يَأْخُذُ السَّيِّدُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ) . قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الشَّرْطُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ. فَإِنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ. وَالنَّظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ: فَرْعُ اسْتِقْرَارِهِ. فَيَسْتَحِيلُ جَعْلُهُ شَرْطًا لِثُبُوتِ أَصْلِهِ. قَالَ: وَالصَّوَابُ، أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا لِلِاسْتِدَامَةِ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ. فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ جَمِيعًا: تَفَاوُتُ الشُّفْعَةِ بِتَفَاوُتِ الْحِصَصِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: الشُّفْعَةُ بِقَدْرِ الْحَقِّ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَعَنْهُ: الشُّفْعَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ. حَكَاهُ الْحَارِثِيُّ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ: لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَكَذَا لَوْ حَضَرَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ وَغَابَ الْبَاقُونَ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذَ الْكُلِّ، أَوْ التَّرْكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِطْلَاقُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْتَظِرُ بِالْغَالِبِ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى حِصَّتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْوَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَى حُضُورِ الْغَائِبِينَ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَاهُمَا. أَحَدُهُمَا: لَا يُؤَخِّرُ شَيْئًا. فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ. وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ. وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ اثْنَيْنِ، وَأَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ، ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُهُمَا: أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ الْحَاضِرِ أَوْ الْعَفْوَ. فَإِنْ أَخَذَ ثُمَّ قَدِمَ الْآخَرُ: فَلَهُ مُقَاسَمَتُهُمَا. يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ. هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: الْقَادِمُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ مِنْ الْحَاضِرِ، وَبَيْنَ نَقْضِ

شُفْعَتِهِ فِي قَدْرِ حَقِّهِ. فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا نَقَضَ الْحَاكِمُ كَمَا قُلْنَا. وَلَمْ يُجْبَرْ الْحَاضِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَى الْقَادِمِ. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا. حَكَاهُ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ. ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا: فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَلَامُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: يَقْتَضِي أَنَّ عُهْدَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَسَلَّمَ مِنْهُ. وَإِذَا أَخَذَ الْحَاضِرُ الْكُلَّ. ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُهُمَا، وَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى حِصَّتِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ أَخْذِ النِّصْفِ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ ذَلِكَ. فَإِذَا أَخَذَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ الثَّانِي. فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْحَاضِرِ سَهْمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَادِمِ الْأَوَّلِ: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ تَعَرَّضَ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثُلُثَيْ سَهْمٍ. وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: يَأْخُذُ الثَّانِي مِنْ الْحَاضِرِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. وَهُوَ الثُّلُثُ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا: فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ) . مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ. فَيَشْتَرِي أَحَدُهُمْ نَصِيبَ شَرِيكِهِ. فَالشِّقْصُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَشَرِيكِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَبَّرَ فِي الْمَتْنِ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ " فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ " كَذَا عَبَّرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَفِيهِ تَجَوُّزٌ. فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشُّفْعَةِ انْتِزَاعُ الشِّقْصِ مِنْ يَدِ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ. وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ دَارًا بَيْنَ اثْنَيْنِ. فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَتَيْنِ. ثُمَّ عَلِمَ شَرِيكُهُ: فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا) .

قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَهِيَ تَعَدُّدُ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّانِي شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. وَهُوَ: إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ الْأَوَّلِ: شَارَكَهُ فِي الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِي شُفْعَةِ الْأَوَّلِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِي شُفْعَةِ الثَّانِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُشَارِكُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشَارِكُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا) إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ. بِأَنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ أَوْ جَمَاعَةٌ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْمَبْسُوطِ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ شِرَاءَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْوَاحِدِ عَقْدَانِ وَصَفْقَتَانِ. فَلِلشَّفِيعِ إذَنْ أَخْذُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَتَرْكُ الْبَاقِي، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ،

وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ. فَلَا يَأْخُذُ إلَّا الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَى الْوَاحِدُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوِكَالَةِ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ. وَكَذَا مَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا لِاثْنَيْنِ وَاشْتَرَى لَهُمَا. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِوَكِيلِ الْمُشْتَرِي. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَمِنْ الْبَعْضِ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْبَعْضِ: فَلَيْسَ لِمَنْ عَدَاهُ الشَّرِكَةُ فِي الشُّفْعَةِ. وَإِنْ بَاعَ كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ. فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْكُلِّ، وَمِنْ الْبَعْضِ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ: فَلَا شَرِكَةَ لِلْآخَرِينَ. وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الثَّانِي: فَلَا شَرِكَةَ لِلثَّالِثِ. وَلِلْأَوَّلِ: الشَّرِكَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الثَّالِثِ. فَفِي شَرِكَةِ الْأَوَّلَيْنِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْكُلِّ. فَفِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ: وَجْهَانِ. فَإِنْ قِيلَ: بِالشَّرِكَةِ وَالْمَبِيعُ مُتَسَاوٍ. فَالسُّدُسُ الْأَوَّلُ لِلشَّفِيعِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّانِي وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثَّالِثِ. وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ رُبُعُ السُّدُسِ الثَّانِي، وَخُمُسُ الثَّالِثِ. وَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي الْخُمُسُ الْبَاقِي مِنْ الثَّالِثِ. وَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ. لِلشَّفِيعِ: مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ. وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ: تِسْعَةٌ. وَالثَّانِي: أَرْبَعَةٌ.

وَإِنْ قِيلَ: بِالرُّءُوسِ. فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ: نِصْفُ السُّدُسِ الثَّانِي، وَثُلُثُ الثَّالِثِ. وَلِلثَّانِي: الثُّلُثُ الْبَاقِي مِنْ الثَّالِثِ. فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ. لِلشَّفِيعِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَلِلثَّانِي: خَمْسَةٌ. وَلِلثَّالِثِ: اثْنَانِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ، أَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَالشَّرِيكُ وَاحِدٌ. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: تَعَدُّدُ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ. بِأَنْ بَاعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ حَتَّى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ لِتَوَقُّفِ نَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعَيْنِ عَلَى عَقْدٍ. فَمَلَكَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَا مُتَعَاقِبَيْنِ، أَوْ الْمُشْتَرِي اثْنَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ حَفِيدِهِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ، أَوْ التَّرْكُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا هُنَا دُونَ الَّتِي بَعْدَهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُنُونِ. وَقَاسَهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي بِكَلَامٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَهِيَ تَعَدُّدُ الْبَائِعِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: التَّعَدُّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَبِيعِ، بِأَنْ بَاعَ شِقْصَيْنِ مِنْ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً

مِنْ وَاحِدٍ. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُمَا جَمِيعًا. وَإِنْ أَخَذَ أَحَدَهُمَا: فَلَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَحَفِيدُهُ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهِيَ تَعَدُّدُ الْمَبِيعِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا. لِتَرْكِ الْبَعْضِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِ الْكُلِّ وَكَمَا لَوْ كَانَ شِقْصًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا اتَّحَدَ الشَّفِيعُ. فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَفِيعٌ: فَلَهُمَا أَخْذُ الْجَمِيعِ، وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ. وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْجَمِيعِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. نَعَمْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَافَقَهُ الْآخَرُ بِالْأَخْذِ أَوْ خَالَفَهُ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: انْتِفَاءَ الشُّفْعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ مَسْأَلَةِ الشِّقْصِ، وَالسَّيْفِ. فَائِدَةٌ: بَقِيَ مَعَنَا لِلتَّعَدُّدِ صُورَةٌ. وَهِيَ: أَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَالتَّعَدُّدُ وَاقِعٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ بِمَثَابَةِ أَرْبَعِ صَفَقَاتٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: هِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ. إذْ عَقْدُ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ عَقْدَانِ. فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ

الْكُلِّ، أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُمَا. وَذَلِكَ خَمْسَةٌ أَخِيرَةٌ: أَخْذُ الْكُلِّ، أَخْذُ نِصْفِهِ وَرُبُعِهِ مِنْهُمَا. أَخْذُ نِصْفِهِ مِنْهُمَا. أَخْذُ نِصْفِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا. أَخْذُ رُبُعِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: ذَلِكَ عَقْدَانِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ وَالْمَبِيعُ، وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ شِقْصًا، وَسَيْفًا، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ) . وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُ. بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَائِدَةٌ: أَخْذُ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ لَا يُثْبِتُ خِيَارَ التَّفْرِيقِ لِلْمُشْتَرِي. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَلَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ ابْنَ حَامِدٍ اخْتَارَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُنْقِصَةِ لِلثَّمَنِ، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ، أَوْ التَّرْكِ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَهُ الْأَخْذُ بِالْحِصَّةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَظُنُّ أَوْ أَجْزِمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ

قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ. فَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّبْقَ، فَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. فَإِنْ قِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقُرْعَةِ: فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَقَضَى لَهُ. وَإِنْ قِيلَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقِسْمَةِ: فَلَا أَثَرَ لَهَا هَاهُنَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ بَيْنَهُمَا مُنْقَسِمَةٌ إلَّا أَنْ تَتَفَاوَتَ الشَّرِكَةُ، فَيُفِيدَ التَّنْصِيفُ، وَلَا يَمِينَ إذًا، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . إذَا بِيعَ طِلْقٌ فِي شَرِكَةِ وَقْفٍ: فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ نَقُولَ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ أَوْ لَا؟ . فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا يَأْتِي فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ هُنَا: أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَابْنُهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. فِي آخَرِينَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ الشُّفْعَةُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وُجُوبُ الشُّفْعَةِ عَلَى قَوْلِنَا بِالْمِلْكِ: هُوَ الْحَقُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ: فَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ لَهُ: الشُّفْعَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ إنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ، وَجَبَتْ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. اخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ إنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ وَجَبَتْ هِيَ وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى هَذَا الْأَصَحِّ: يُؤْخَذُ بِهَا مَوْقُوفٌ جَازَ بَيْعُهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمَ وَيَتَخَرَّجُ عِنْدِي وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ فِي الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يُقَسَّمُ الْوَقْفُ، وَالطِّلْقُ أَمْ لَا؟ . فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ: قُسِّمَ، وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ. وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَلَا قِسْمَةَ وَلَا شُفْعَةَ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الطَّرِيقَتَيْنِ هَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الطِّلْقِ. أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ الْقَسْمِ: فَلَا شُفْعَةَ. إذَا لَا شُفْعَةَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعَقَارِ. وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْقِسْمَةِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ: إنْ قُلْنَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْوَقْفَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، أَوْ لَا يَمْلِكُ فَلَا شُفْعَةَ هِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٍ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ قُلْنَا: يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ أَمْ لَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا شُفْعَةَ. وَإِنْ قِيلَ بِالْمِلْكِ: فَوَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ. لَكِنْ بَنَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ. وَكَذَا بِصَدَقَةٍ: سَقَطَتْ، كَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ) . نَصَّ عَلَيْهِ، وَقُلْنَا: فِيهِ الشُّفْعَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ تَصَرَّفَ بِالْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَقْفِ: بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَقْفَ، وَالْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَالْقَاضِي قَالَ النَّصُّ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَلَوْ بَنَى حِصَّتَهُ مَسْجِدًا كَانَ الْبِنَاءُ بَاطِلًا. لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ تَامٍّ لَهُ. هَذَا لَفْظُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْقِيَاسُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا. وَقَالَ: حَكَى الْقَاضِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى مَا تَصَرَّفَ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ التَّصَرُّفَ. فَإِنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى قَوْمٍ فَسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا نَقَضَهُ، اعْتِبَارًا بِهِ لَوْ تَصَرَّفَ بِالْبَيْعِ. قَالَ: وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ. وَمِنْ ضَرُورَتِهِ: عَدَمُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْهُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ هَذَا فِي التَّنْبِيهِ. إنَّمَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، مِنْ بُطْلَانِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَى. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَصَّ الْقَاضِي النَّصَّ بِالْوَقْفِ، وَلَمْ يَجْعَلْ غَيْرَهُ مُسْقِطًا. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَعَنْهُ لَا تَسْقُطُ. لِأَنَّهُ شَفِيعٌ. وَضَعَّفَهُ بِوَقْفِ غَصْبٍ أَوْ مَرِيضٍ مَسْجِدًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: صَرَّحَ الْقَاضِي بِجَوَازِ الْوَقْفِ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَيُّلِ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ: تَحْرِيمُهُ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَسْقُطُ رَهْنُهُ الشُّفْعَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ سَقَطَتْ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: الرَّهْنُ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الرَّهْنَ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّهُ أَبْطَلَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْيَدِ وَالْمِلْكِ. وَالرَّهْنُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْمِلْكِ. فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَخَصَّ الْقَاضِي النَّصَّ بِالْوَقْفِ. وَلَمْ يَجْعَلْ غَيْرَهُ مُسْقِطًا. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَلَامُ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَكُلَّ عَقْدٍ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلْوَقْفِ. قَالَ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ: وَلَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ: انْبَنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ سُقُوطَهَا بِإِجَارَةٍ وَصَدَقَةٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْصَى بِالشِّقْصِ. فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْقَبُولِ: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَإِنْ طَلَبَ وَلَمْ يَأْخُذْ بَعْدُ: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا، وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ. لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْمُوصِي لَهُ قَبِلَ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَوْ طَلَبِهِ: فَكَمَا مَرَّ فِي الْهِبَةِ. تَنْقَطِعُ الشُّفْعَةُ بِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَلَى الْمَحْكِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَنْهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى. وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَتَيْنِ شَاءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَأْخُذُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ، كَيْفَ يُسَلِّمُ؟ . وَقِيلَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الشَّفِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ فَلِلشَّفِيعِ: أَخْذُهُ إذَا تَقَايَلَا الشِّقْصَ. ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي، إنْ قُلْنَا: الْإِقَالَةُ بَيْعٌ. فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمُشْتَرِي نَقَضَ الْإِقَالَةَ لِيَعُودَ الشِّقْصُ إلَيْهِ. فَيَأْخُذَ مِنْهُ. وَإِنْ قُلْنَا فَسْخٌ: فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي آخَرِينَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ: أَنَّهُ يَفْسَخُ الْإِقَالَةَ، لِيَرْجِعَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذَ مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ مَعَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لِلشَّفِيعِ انْتِزَاعُهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. لِأَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ الِانْتِزَاعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مَعَهَا ". وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ عَلَى بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ عَفَا وَلَمْ يُطَالِبْ. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَمَتَى تَقَايَلَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ: لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ. كَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَزَادَ: فَيَكُونُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْبُطْلَانُ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ عَفْوِ الشَّفِيعِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةُ: فَفِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ إنْ قِيلَ: الْإِقَالَةُ فَسْخٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ بَيْعٌ، تَجَدَّدَتْ الشُّفْعَةُ. وَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ. فَهُوَ كَالْعَوْدِ إلَيْهِ بِالْبَيْعِ الصَّرِيحِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ وَطَالَبَ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَيْبِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: لَهُ الشُّفْعَةُ. كَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي آخَرِينَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إذَا فُسِخَ بِعَيْبٍ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، أَخْذًا مِنْ نَصِّهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ فِي الْمُقَايَلَةِ. وَأَكْثَرُهُمْ حَكَاهُ قَوْلًا، وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ بَاعَ شِقْصًا بِعَبْدٍ، ثُمَّ وَجَدَ الْعَبْدَ مَعِيبًا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ وَغَيْرِهِمْ: لَهُ رَدُّ الْعَبْدِ وَاسْتِرْجَاعُ الشِّقْصِ. وَلَا شَيْءَ لِلشَّفِيعِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ: ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الْعَيْبَ: لَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْدَادَ الشِّقْصِ. لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَنْهُ بُطْلَانُ عَقْدٍ آخَرَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ. وَالْمُشْتَرِي قَدْ أَخَذَ مِنْ الشَّفِيعِ قِيمَةَ الْعَبْدِ. فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَذَاكَ. وَإِنْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. فَفِي رُجُوعِ بَاذِلِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ عَلَى صَاحِبِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ. وَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ دَفْعِ قِيمَتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَفِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا لِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ. انْتَهَيَا. وَإِنْ أَخَذَ الْبَائِعُ الْأَرْشَ وَلَمْ يُرِدْ. فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا، فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا، فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِمَا أَدَّى مِنْ الْأَرْشِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ عَفَا الْبَائِعُ مَجَّانًا وَبِالْقِيمَةِ صَحِيحًا. فَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَا يَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَرْشِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا بِعَبْدٍ أَوْ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَظَهَرَ مُسْتَحَقًّا: فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلَا شُفْعَةَ. وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الشِّقْصِ إنْ أَخَذَهُ. وَإِنْ ظَهَرَ الْبَعْضُ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِ. وَفِي الْبَاقِي رِوَايَتَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَنَقَدَهُ، فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا: لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ، وَالشُّفْعَةُ بِحَالِهَا. وَيَرُدُّ الثَّمَنَ إلَى مَالِكِهِ. وَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ حَقُّ الشَّفِيعِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَانْتَفَتْ الشُّفْعَةُ. فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتِرْدَادُهُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَمِنْهَا: لَوْ ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي، وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ. فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَهُ الشَّارِحُ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (أَوْ تَحَالَفَا) . يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ وَتَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ انْتِفَاءُ الشُّفْعَةِ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَحْكِيَّةِ وَأَوْلَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ. لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَمُقِرٌّ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ وُجِدَ التَّفَاسُخُ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَقَرَّ بِيَدِ الشَّفِيعِ، وَكَانَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَجَّرَهُ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ. وَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ) .

أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ، وَيَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الْأُجْرَةَ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ إشْكَالٌ. الْوَجْهُ الثَّانِي: تَنْفَسِخُ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْإِجَارَةِ فِي الْكَافِي: الْخِلَافُ فِي هِبَةٍ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَتَرْكِهَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ إعَارَةِ الْعَارِيَّةِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي نَقُولُ: تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى إجَازَةِ الْبَطْنِ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ، إجَازَةُ الشَّفِيعِ هُنَا. إنْ أَجَازَهُ: صَحَّ. وَإِلَّا بَطَلَ فِي حَقِّهِ بِالْأَوْلَى. قَالَ: وَهَذَا أَقْوَى. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ فِي الْقَوَاعِدِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَ الثَّالِثَ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ فَالْغَلَّةُ لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. إنْ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَفِيهِ زَرْعٌ، أَوْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ: فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، مُبْقَاةٌ إلَى الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ. يَعْنِي بِلَا أُجْرَةٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقِيلَ: تَجِبُ فِي الزَّرْعِ الْأُجْرَةُ، مِنْ حِينِ أَخَذَ الشَّفِيعُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ تَخْرِيجٌ فِي الثَّمَرَةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ لَمَّا عَلَّلَ بِكَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِلشَّفِيعِ فِي الْمُؤَجَّرِ مُشْكِلٌ جِدًّا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ هُنَا مِنْ وُجُوبِهَا هُنَاكَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ) . أَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ يَكُونُ مِلْكًا لِلشَّفِيعِ. وَذَلِكَ كَالشَّجَرِ إذَا كَبِرَ، وَالطَّلْعِ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ، وَنَحْوِهِمَا. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَأَبَّرَ الطَّلْعُ الْمَشْمُولُ بِالْبَيْعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي: كَانَتْ التَّمْرَةُ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَفِيهِ وَجْهٌ: هِيَ لِلشَّفِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ، أَوْ قَاسَمَ الشَّفِيعَ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَغَرَسَ، أَوْ بَنَى: فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَيُمَلِّكَهُ، أَوْ يَقْلَعَهُ، وَيَضْمَنَ النَّقْصَ) . إذَا أَبَى الْمُشْتَرِي أَخْذَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ: كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَلَهُ الْقَلْعُ، وَضَمَانُ النَّقْصِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: أَوْ أَقَرَّهُ بِأُجْرَةٍ. فَإِنْ أَبَى فَلَا شُفْعَةَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا لَمْ يَقْلَعْ الْمُشْتَرِي: فَفِي الْكِتَابِ تَخْيِيرُ الشَّفِيعِ بَيْنَ أَخْذِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَبَيْنَ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ. وَهَذَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُهُ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ التَّخْيِيرُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ. وَالْأُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ: إيجَابُ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. زَادَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَلَا يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِقَلْعِ بِنَائِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: لَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ، وَلَا يَقْلَعُهُ. وَنَقَلَ سِنْدِيٌّ: أَلَهُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ، أَمْ قِيمَةُ النَّقْصِ؟ قَالَ: لَا، قِيمَةُ الْبِنَاءِ. فَائِدَةٌ: إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: يُعْتَبَرُ بَذْلُ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ بِمَا يُسَاوِيهِ حِينَ التَّقْوِيمِ، لَا بِمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي، زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَا يُمْكِنُ إيجَابُ قِيمَتِهِ بَاقِيًا. لِأَنَّ الْبَقَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ. وَلَا قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمَلَكَ الْقَلْعَ مَجَّانًا. وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَا قِيمَةَ لَهُ إذَا قَلَعَ. قَالَا: وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا كَيْفِيَّةَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْأَرْضَ تُقَوَّمُ مَغْرُوسَةً وَمَبْنِيَّةً، ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً. فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا قِيمَةُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. وَجَزَمَ بِهَذَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَوَّمَ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ مُسْتَحَقًّا لِلتَّرْكِ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ لِأَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، إذَا امْتَنَعَا مِنْ قَلْعِهِ. انْتَهَيَا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ صَاحِبُهُ قَلْعَهُ: فَلَهُ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْقَلْعَ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ الضَّرَرَ وَعَدَمَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. بَلْ الَّذِي جَزَمُوا بِهِ: لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ، أَوْ لَمْ يَضُرَّ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَوْرَدَهُ مَنْ أَوْرَدَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا: لَيْسَ بِالْجَيِّدِ. بَلْ يَتَعَيَّنُ تَنْزِيلُهُ: إمَّا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. وَإِمَّا عَلَى مَا قَبْلَ الْأَخْذِ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا غَيْرُ. وَحَيْثُ قِيلَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الضَّرَرِ. فَفِيمَا بَعْدَ الْأَخْذِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا أَوْرَدَهُ فِي التَّذْكِرَةِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَلَعَهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ صَاحِبُهُ: لَمْ يَضْمَنْ نَقْصَ الْأَرْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَضْمَنُ نَقْصَ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَعَلَّلَهُ بِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ، مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ بِخِلَافِهِ.

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: وَالْكَلَامُ فِي تَسْوِيَةِ الْحَفْرِ: كَالْكَلَامِ فِي ضَمَانِ أَرْشِ النَّقْصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الشِّقْصِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْجُمْلَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ: لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لِأَنَّهُ عَمَّرَ. وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكًا، وَلَيْسَ كَمَا إذَا زَرَعَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا هَذَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّمْيِيزِ، لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ فِي خَالِصِ. مِلْكِهِ. أَمَّا قَبْلَ الْقِسْمَةِ: فَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ. وَلِلشَّفِيعِ إذَا قَلَعَ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ مَجَّانًا لِلشَّرِكَةِ، لَا لِلشُّفْعَةِ. فَإِنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا انْفَرَدَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ كَانَ لِلْآخَرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ غَرَسَ نَخْلًا فِي أَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ مُشَاعًا؟ قَالَ: إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ قَلَعَ نَخْلَهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ: لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالثَّانِي: تَسْقُطُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْبَائِعِ الثَّانِي وَهُوَ الشَّفِيعُ أَخْذُ الشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. فَإِنْ عَفَا عَنْهُ: فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَخْذُ الشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي. فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ: فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَخْذُ مِنْ الثَّانِي؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا شُفْعَةَ لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي فِي مَبِيعِ الشَّفِيعِ. لِسَبْقِ شَرِكَتِهِ عَلَى الْمَبِيعِ، وَاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ بَاعَ مِلْكَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ: أَنَّ شُفْعَتَهُ تَسْقُطُ. وَهُوَ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ بَاعَ بَعْضَهُ عَالِمًا. فَفِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ. وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ. لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ مِلْكِهِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ لَوْ انْفَرَدَ. فَكَذَلِكَ إذَا بَقِيَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى. وَهُوَ الشَّرِكَةُ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَفِي الثَّانِيَةِ: إذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ شُفْعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَسْقُطُ شُفْعَةُ الْبَائِعِ. فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

أَحَدُهُمَا: لَهُ الشُّفْعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا شُفْعَةَ لَهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ. وَلِلْبَائِعِ الثَّانِي إذَا بَاعَ بَعْضَ الشِّقْصِ الْأَخْذُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَ بَعْضَ الْحِصَّةِ جَاهِلًا. فَإِنْ قِيلَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَوْ بَاعَ الْكُلَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ. فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِهَا فِيهِ: فَهُنَا وَجْهَانِ. أَوْرَدَهُمَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجْهُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُ الشُّفْعَةِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ: بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ) . إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ طَلَبِهَا أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ طَلَبِهَا: لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا تُورَثُ مُطَالَبَةُ الشُّفْعَةِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةِ رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ: فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ مُطَالَبَتِهِ. وَلَوْ عُلِمَتْ رَغْبَتُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَتِهِ لَكَفَى فِي الْإِرْثِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ بِتَرْكِهِ وَإِعْرَاضِهِ، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لِلْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا مَاتَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ، فَلِوَلَدِهِ أَنْ يَطْلُبُوا الشُّفْعَةَ لِمُوَرِّثِهِمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِكُلِّ حَالٍ. انْتَهَى. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ طَالَبَ بِهَا: اسْتَحَقَّهَا الْوَرَثَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: وَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلِ خِيَارِ الشَّرْطِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يُعَلِّلُ بِإِفَادَةِ الطَّلَبِ لِلْمِلْكِ. فَيَكُونُ الْحَقُّ مَوْرُوثًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى إفَادَةِ الْمِلْكِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّلُ بِأَنَّ الطَّلَبَ مُقَرِّرٌ لِلْحَقِّ. وَلِهَذَا لَمْ تَسْقُطْ بِتَأْخِيرِ الْأَخْذِ بِعِدَّةٍ وَتَسْقُطُ قَبْلَهُ. وَإِذَا تَقَرَّرَ الْحَقُّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. فَلَا بُدَّ لِلتَّمَلُّكِ مِنْ أَخْذِ الشِّقْصِ، أَوْ يَأْتِي بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ. بِأَنْ يَقُولَ " قَدْ أَخَذْته بِالثَّمَنِ " أَوْ " تَمَلَّكْته بِالثَّمَنِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَنَصَرَهُ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ إذَا كَانَ مَلِيئًا بِالثَّمَنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ.

فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِيهِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمُطَالَبَتِهِ وَقَبْضِهِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْصُلُ الْمِلْكُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَيْضًا. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي نَوَادِرِهِ. وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِدَفْعِ ثَمَنِهِ، مَا لَمْ يَصِرْ مُشْتَرِيهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا لَمْ يُحْضِرْ الْمَالَ مُدَّةً طَوِيلَةً. بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَمَلُّكِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: لِلْمُشْتَرِي حَبْسُهُ عَلَى ثَمَنِهِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ كَالْمِيرَاثِ، وَالْبَيْعِ عَنْ رِضًى. وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. وَكَذَا خِيَارُ مَجْلِسٍ مِنْ جِهَةِ شَفِيعٍ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ. لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ بِإِرْثٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ) . قَالَ الْحَارِثِيُّ: فِيهِ مُضْمَرٌ حُذِفَ اخْتِصَارًا. وَتَقْدِيرُهُ: مِثْلَ الثَّمَنِ، أَوْ قَدْرَهُ. لِأَنَّ الْأَخْذَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ الْمَأْخُوذِ بِهِ لِلْمُشْتَرِي غَيْرُ مُمْكِنٍ. فَتَعَيَّنَ الْإِضْمَارُ. وَإِذَنْ فَالظَّاهِرُ إرَادَةُ الثَّانِي، وَهُوَ الْقَدْرُ. لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِوَصْفِ التَّأْجِيلِ، وَالْمِثْلِيَّةِ، وَالتَّقْوِيمِ فِيمَا بَعْدُ. فَلَوْ كَانَ الْمِثْلُ مُرَادًا: لَكَانَ تَكْرِيرًا. لِشُمُولِ " الْمِثْلِ " لِلصِّفَةِ وَالذَّاتِ. انْتَهَى. فَوَائِدُ: مِنْهَا: تَنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ رَجَبٍ، وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنْهَا: لَا فَرْقَ فِي الْوَارِثِ بَيْنَ ذَوِي الرَّحِمِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَبَيْتِ الْمَالِ. فَأَخَذَ الْإِمَامُ بِهَا. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَمِنْهَا: إشْهَادُ الشَّفِيعِ عَلَى الطَّلَبِ حَالَةَ الْعُذْرِ يَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبِ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: شَفِيعَانِ فِي شِقْصٍ. عَفَا أَحَدُهُمَا، وَطَالَبَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ. فَوَرِثَهُ الْعَافِي: لَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: كَذَا لَوْ قَذَفَ رَجُلٌ أُمَّهُمَا الْمَيِّتَةَ. فَعَفَا أَحَدُهُمَا، وَطَالَبَ الْآخَرُ ثُمَّ مَاتَ. فَوَرِثَهُ الْعَافِي: كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَخِيهِ، إذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَذْفِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ) . وَلَوْ أَتَى بِرَهْنٍ أَوْ ضَامِنٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي. وَلَكِنْ يُنْظَرُ ثَلَاثًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَعَنْهُ: لَا يُنْظَرُ إلَّا يَوْمَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ: يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ فِي وَقْتِنَا هَذَا. فَإِذَا مَضَى الْأَجَلُ: فَسَخَ الْمُشْتَرِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَنْصُوصُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَمَّالِ: بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ مَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيْعٍ. لِأَنَّهُ دَفْعُ مَالٍ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ. وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْعِلْمُ بِالشِّقْصِ وَبِالثَّمَنِ. فَلَا يَصِحُّ مَعَ جَهَالَتِهِمَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ قَالَ: وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ الْجَهَالَةِ. ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ. وَذَكَرَ احْتِمَالًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ مَعَ جَهَالَةِ الشِّقْصِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: إذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَسَلَّمَ الشِّقْصَ وَالثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ، فَأَفْلَسَ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالضَّرْبِ مَعَ الْغُرَبَاءِ بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي. الرَّابِعَةُ: فِي رُجُوعِ شَفِيعٍ بِأَرْشٍ عَلَى مُشْتَرٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الرُّجُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ وَجَدْته فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَارِثِيِّ. قَطَعُوا بِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا: أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إنْ كَانَ مَلِيئًا، وَإِلَّا أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيئًا وَأَخَذَ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ شَرَطَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِ، وَوَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ: وَصْفَ " الثِّقَةِ " مَعَ " الْمَلَاءَةِ " فَلَا يَسْتَحِقُّ بِدُونِهِمَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ النَّصِّ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا: يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ حَلَّ الثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ بِالْأَجَلِ إنْ كَانَ مَلِيئًا " يُفِيدُ مَا لَوْ لَمْ يَتَّفِقْ طَلَبُ الشَّفِيعِ إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ، أَنْ يَثْبُتَ لَهُ اسْتِئْنَافُ الْأَجَلِ. وَقَطَعَ بِهِ وَنَصَرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا: أَعْطَاهُ مِثْلَهُ، إنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ، وَإِلَّا قِيمَتَهُ) . اعْلَمْ أَنَّ الثَّمَنَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا، أَوْ مُتَقَوِّمًا. فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا: انْقَسَمَ إلَى نَقْدٍ وَعَرَضٍ. وَأَيَّا مَا كَانَ فَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ تَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ. أَحَدُهُمَا: الْجِنْسُ. فَيَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ الْجِنْسِ: كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّيْتِ، وَنَحْوِهِ. وَإِنْ انْقَطَعَ الْمِثْلُ حَالَةَ الْأَخْذِ: انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ. كَمَا فِي الْغَصْبِ. حَكَاهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةٌ: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، تَعَذَّرَ الْمِثْلُ أَوْ لَا وَأَمَّا الْمَذْرُوعُ كَالثِّيَابِ فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي شُرُوطِهِ: الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى السَّلَمِ فِيهِ. فَحَيْثُ صَحَّحْنَا السَّلَمَ فِيهِ: أَخَذَ مِثْلَهَا، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ فِي أَنَّهَا مَضْمُونَةُ الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ، وَالْأَوْلَى: الْقِيمَةُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْقِيمَةُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَأَمَّا الْمَعْدُودُ كَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِ فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يَنْبَنِي عَلَى السَّلَمِ فِيهِ. إنْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ: فَفِيهِ مَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ. وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ. الثَّانِي: الْمِقْدَارُ، فَيَجِبُ مِثْلُ الثَّمَنِ قَدْرًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ. فَإِنْ وَقَعَ

الْعَقْدُ عَلَى مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَلْفِ رَطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يُكَالُ وَيُدْفَعُ إلَيْهِ مِثْلُ مَكِيلِهِ، لِأَنَّ الرِّبَوِيَّاتِ تَمَاثُلُهَا بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ. وَكَذَلِكَ إقْرَاضُ الْحِنْطَةِ بِالْوَزْنِ. قَالَ: يَكْفِي عِنْدِي الْوَزْنُ هُنَا. إذْ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَةِ الشِّقْصِ وَقَدْرِ الثَّمَنِ: مِعْيَارُهُ لَا عِوَضُهُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي الْحِيَلِ: إذَا جَهِلَ الثَّمَنَ مَا يَأْخُذُ. الثَّالِثُ: الصِّفَةُ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمُكَسَّرَةِ، وَالسُّودِ، وَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْحُلُولِ، وَضِدِّهَا. فَيَجِبُ مِثْلُهُ صِفَةً. وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا كَالْعَبْدِ، وَالدَّارِ، وَنَحْوِهِمَا فَالْوَاجِبُ اعْتِبَارُهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْبَيْعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِيٍّ أَوْ قِيمَةِ غَيْرِهِ وَقْتَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَقِيلَ: بَلْ وَقْتَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ تَبَايَعَ ذِمِّيَّانِ بِخَمْرِ، إنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ مَالًا لَهُمْ. فَلَا شُفْعَةَ بِحَالٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ مَالٌ لَهُمْ. فَأَطْلَقَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ: وُجُوبَ الشُّفْعَةِ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ خَمْرًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

لَكِنْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِثَمَنِهِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ هُنَا بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: تَتَعَارَضَانِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: بِاسْتِعْمَالِهِمَا بِالْقُرْعَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَوَجَّهَ الْحَارِثِيُّ قَوْلًا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُ قَالَ: قَوْلُ الْأَصْحَابِ هُنَا مُخَالِفٌ لَمَا قَالُوهُ فِي بَيِّنَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، حَيْثُ قَدَّمُوا بَيِّنَةَ الْبَائِعِ. لِأَنَّهُ مُدَّعٍ بِزِيَادَةٍ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَرِي هُنَا. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. انْتَهَى. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ. لِأَنَّ ذَلِكَ وَفْقُ الْجَوَابِ. وَإِذَنْ لَا شُفْعَةَ. لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِدُونِ الْبَدَلِ، وَإِيجَابُ الْبَدَلِ مُتَعَذِّرٌ لِلْجَهَالَةِ. لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي جَهْلَ قِيمَةِ الْعَرَضِ: فَكَدَعْوَى جَهْلِ الثَّمَنِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحِيَلِ أَوَّلَ الْبَابِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: الثَّمَنُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَلْفَانِ. وَقَالَ الشَّفِيعُ: أَلْفٌ، وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ. فَالْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِدَعْوَى الزِّيَادَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا وَاخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَتِهِ. فَإِنْ وُجِدَ

قُوِّمَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِقِيمَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالْأَظْهَرُ التَّعَارُضُ. وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً: أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالْأَلْفِ) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْت) أَوْ نَسِيت، أَوْ كَذَبْت (فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ، ثُمَّ قَالَ: غَلِطْت، بَلْ هُنَا أَوْلَى. لِأَنَّهُ قَدْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِكَذِبِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْأَقْوَى. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَمَّا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمُخْبِرِ فِي الْمُرَابَحَةِ. إذَا قَالَ " غَلِطْت ". وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَبِلُوا قَوْلَهُ فِي ادِّعَائِهِ غَلَطًا فِي الْمُرَابَحَةِ. وَصَحَّحَهُ هُنَا فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْمُرَابَحَةِ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ: قَبْلَ قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَيُخْرِجُ مِثْلَهُ هُنَا. وَقَالَ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَبَى الْإِلْحَاقَ بِمَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: عِنْدِي أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الذَّرَائِعَ مَحْسُومَةٌ وَهَذَا فَتْحٌ لِبَابِ الِاسْتِدْرَاكِ لِكُلِّ قَوْلٍ يُوجِبُ حَقًّا. ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ كَانَ فِيهَا أَمِينًا، حَيْثُ رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْإِخْبَارِ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ الْمُشْتَرِي أَمِينًا لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَصْمُهُ. فَافْتَرَقَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَأْخُذُهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ لَا الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَنَّك اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ. فَقَالَ: بَلْ اتَّهَبْته. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ: فَلَهُ أَخْذُهُ. وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دَعْوَى مُحَرَّرَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ، وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ، وَقَالَ: إنَّمَا اتَّهَبْته، أَوْ وَرِثْته. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلشَّفِيعِ بِالشِّرَاءِ: فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ: لَا أَسْتَحِقُّهُ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، أَنْ يُقَالَ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ كَالْمُكَاتَبِ إذَا جَاءَ بِالنَّجْمِ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَقِيلَ: يَبْقَى فِي يَدِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمُشْتَرِي فَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ بِحِفْظِهِ لِصَاحِبِهِ، إلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ. فَمَتَى ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي دَفَعَ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: حَيْثُ أَصَرَّ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ الْإِرْثِ. وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالشِّرَاءِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي فَقَطَعَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ أَوْ تُبَرِّئَ. فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ، فَيَأْتِيَ الْخِلَافُ. وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ عِنْدَ الشَّفِيعِ أَوْ الْحَاكِمِ؟ فَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ: أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الشَّفِيعِ. وَقَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: أَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ يَحْفَظُهُ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) . فَقَالَ الْقَاضِي: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: الْأَخْذُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ. اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ. حَكَاهُ عَنْهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ غَيْرَ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ ذَلِكَ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ هُنَاكَ. وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: فَلَا يَأْتِي الْخِلَافُ. فَائِدَةٌ: تَقْوِيمُ الشِّقْصِ، أَوْ تَقْوِيمُ مُقَابِلِهِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: مُعْتَبَرٌ فِي الْمَهْرِ بِيَوْمِ النِّكَاحِ. وَفِي الْخُلْعِ بِيَوْمِ الْبَيْنُونَةِ. وَإِنْ كَانَ مُتْعَةً فِي طَلَاقٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَأْخُذُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ كَمَا فِي الْخُلْعِ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ بِمُتْعَةِ مِثْلِهَا. قَالَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ: وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فَلَا تَثْبُتُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَسْتَقِرَّ. وَعَلَّلَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ. وَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ فِي مُدَّتِهِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ: ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ مُطْلَقًا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. يَعْنِي إذَا قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ. وَقِيلَ: تَجِبُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. كَمَا قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ عَنْهُ.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ ". فَائِدَةٌ: حُكْمُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ: حُكْمُ خِيَارِ الشَّرْطِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي. فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: تَجِبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ شُيُوخُنَا الْأَوَائِلُ. قَالَ: وَلِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ. تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ، وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ. فَأَثْبَتُوا بِهِ الشُّفْعَةَ مَعَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ. اخْتَارَهُ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقْبِضُ الشَّفِيعُ مِنْ الْبَائِعِ. وَأَمَّا الثَّمَنُ: فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِهِ. فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ إلَى الْبَائِعِ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ. وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ

الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَلَقِّيَ الْمِلْكِ عَنْهُ. وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُشْكِلٌ. لِاعْتِرَافِهِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ لِلشَّفِيعِ وَلَا لِلْبَائِعِ مُحَاكَمَةُ الْمُشْتَرِي، لِيَثْبُتَ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِ وَتَجِبُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ: الثَّمَنُ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ الشَّفِيعِ. وَمَقْصُودُ الشَّفِيعِ: أَخْذُ الشِّقْصِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ. وَقَدْ حَصَلَا مِنْ الْبَائِعِ. فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمُحَاكَمَةِ. انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى نَائِبٍ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ. لِأَنَّ إقَامَةَ نَائِبٍ عَنْ مُنْكِرٍ: بَعِيدٌ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى الشَّفِيعِ. لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ: فَفِيهِ ثَلَاثُهُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ إذَا قَالَ السَّيِّدُ: هِيَ غَصْبٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ. وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا حُكْمًا وَخِلَافًا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ، مَتَى ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي دَفَعَ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَبَحْثٌ. وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا، وَأَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْقَبْضَ: فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَإِنَّ الْعُهْدَةَ عَلَى الْبَائِعِ. لِحُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَ " الْعُهْدَةُ " فُعْلَةٌ مِنْ الْعَهْدِ. وَهِيَ فِي الْأَصْلِ كِتَابُ الشِّرَاءِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ضَمَانِ الْعُهْدَةِ، وَعَلَى مَعْنَاهَا فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَالْمُرَادُ هُنَا: رُجُوعُ مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ عَنْهُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْأَرْشِ، عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الشِّقْصِ أَوْ عَيْبِهِ. فَيَكُونُ وَثِيقَةً لِلْبَيْعِ لَازِمَةً لِلْمُتَلَقَّى عَنْهُ. فَيَكُونُ عُهْدَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. فَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْأَخْذِ: فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي. وَلِلشَّفِيعِ الرَّدُّ وَالْأَخْذُ بِالْأَرْشِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا بِانْتِفَاءِ الْأَرْشِ. وَإِنْ عَلِمَهُ الشَّفِيعُ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي: فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا أَرْشَ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَفِي الشَّرْحِ وَجْهٌ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ الْأَرْشَ. وَهُوَ مَا قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالسَّامِرِيُّ. فَعَلَيْهِ: إنْ أَخَذَهُ سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ، تَحْقِيقًا لِمُمَاثَلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَلِمَاهُ فَلَا رَدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَا أَرْشَ. وَفِي صُورَةِ عَدَمِ عِلْمِهِمَا: إنْ لَمْ يَرُدَّ الشَّفِيعُ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ أَرْشَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي: أَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ: فَفِي أَخْذِ الْمُشْتَرِي الْوَجْهَانِ.

وَعَلَى الْوَجْهِ بِالْأَخْذِ: إنْ لَمْ يُسْقِطْهُ الشَّفِيعُ عَنْ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ تَوَفَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ: أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. لِأَنَّ الْأَصَحَّ، أَوْ الْمَشْهُورَ: لُزُومُ الْعَقْدِ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالدُّخُولُ فِي ضَمَانِهِ بِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهُ الشُّفْعَةُ. ذَكَرَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا شُفْعَةَ لَهُ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُسْلِمًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ.

وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: ثُبُوتُهَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ. وَهُوَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: لَوْ تَبَايَعَ كَافِرَانِ بِخَمْرٍ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ: لَمْ يَنْقُضْ مَا فَعَلُوهُ. وَإِنْ جَرَى التَّقَابُضُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ دُونَ الشَّفِيعِ، وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا: فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بِخِنْزِيرٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَبَايَعُوا بِخَمْرٍ وَقُلْنَا هِيَ مَالٌ لَهُمْ حَكَمْنَا لَهُمْ بِالشُّفْعَةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ". قَوْلُهُ (وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَمْ لَا؟ مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ شِقْصٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا مِنْ شَرِكَةِ الْمُضَارِبِ. فَهَلْ تَجِبُ لِلْمُضَارِبِ شُفْعَةٌ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا تَخْرِيجًا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأَصْحَابِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُمَا جَارِيَانِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ رِبْحٌ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ أَمْ لَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لَهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ. خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ تَخْرِيجِ أَبِي الْخَطَّابِ فَالْمَسْأَلَةُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ ظُهُورِ الرِّبْحِ وَلَا بُدَّ. انْتَهَى. الطَّرِيقُ الثَّانِي وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالنَّاظِمِ، إنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ فِي الْمَالِ، أَوْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ. فَكَذَا الْأَخْذُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالظُّهُورِ فَفِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ الْعَامِلِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ مِلْكِهِ مِنْ الرِّبْحِ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا ". وَصَحَّحَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ عَدَمَ الْأَخْذِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ. الْمُضَارَبَةِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ، فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ مِثَالُهُ: أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا فِي شَرِكَةِ رَبِّ الْمَالِ. فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي نِهَايَتِهِ، وَخُلَاصَتِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَبَنَى الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ مِنْ شَرِكَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. فَلِلْعَامِلِ الْأَخْذُ بِهَا إذَا كَانَ الْحَظُّ فِيهَا. فَإِنْ تَرَكَهَا: فَلِرَبِّ الْمَالِ الْأَخْذُ. لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ. وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ الْعَامِلِ. وَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ لِثَلَاثَةٍ، فَقَارَضَ أَحَدُهُمْ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ بِأَلْفٍ، فَاشْتَرَى بِهِ نِصْفَ نَصِيبِ الثَّالِثِ. فَلَا شُفْعَةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَالِكُ الْمَالِ. وَالْآخَرَ عَامِلٌ فِيهِ. فَهُمَا كَشَرِيكَيْنِ فِي مُشَاعٍ، لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ شُفْعَةً. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: فِيهِ الشُّفْعَةُ. قَالُوا: وَلَوْ بَاعَ الثَّالِثُ بَقِيَّةَ نَصِيبِهِ لِأَجْنَبِيٍّ: ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا. لِلْمَالِكِ خُمُسَاهَا. وَلِلْعَامِلِ مِثْلُهُ. وَلِمَالِ الْمُضَارَبَةِ خُمُسُهَا بِالسُّدُسِ الَّذِي لَهُ، جُعِلَا لِمَالِ الضَّارِبَةِ كَشَرِيكٍ آخَرَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا فِي شَرِكَةِ نَفْسِهِ: لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ مِنْ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَا يُزَكِّيهِ. وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَلَا شُفْعَةَ بِحَالٍ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ

باب الوديعة

كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَالشُّفْعَةُ عَلَيْهِ تَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ مِنْهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَتَقَدَّمَ أَخْذُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا ". [بَابُ الْوَدِيعَةِ] ِ فَائِدَةٌ الْوَدِيعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَكُّلٍ لِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ تَبَرُّعًا بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهِيَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ بِلَا تَصَرُّفٍ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَالْإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ، أَوْ اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ مَالِ زَيْدٍ تَبَرُّعًا، وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ. وَيُعْتَبَرُ لَهَا أَرْكَانُ الْوِكَالَةِ. وَتَبْطُلُ بِمُبْطِلَاتِهَا. وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فَهِيَ بَعْدَهُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ. حُكْمُهَا فِي يَدِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ إذَا أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ، يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ، فِي مَسْأَلَةِ الْوِكَالَةِ: الْوَدِيعَةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ. وَإِنَّمَا تَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا، أَوْ بِأَنْ يَتَعَدَّى الْمُودِعُ فِيهَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيقًا بَيْنَ فَسْخِ الْمُودِعِ وَالْمُودَعِ. أَوْ يَكُونَ مِنْهُ اخْتِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَالْأَوَّلُ: أَشْبَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ بَطَلَ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ: بَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً. فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ: فَهَدَرٌ. وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَكْفِي الْقَبْضُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: لَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ: لَمْ يَضْمَنْ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) .

يَعْنِي: إذَا لَمْ يَتَعَدَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِينَ: أَنَّهُ أَصَحُّ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ. نَصَّ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الرِّوَايَةِ: إذَا ادَّعَى التَّلَفَ. أَمَّا إنْ ثَبَتَ التَّلَفُ: فَإِنَّهُ يَنْبَغِي انْتِفَاءُ الضَّمَانِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ تَلِفَتْ مَعَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّصُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذَلِكَ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ. وَتَفْرِيطِهِ: ضَمِنَ بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) . يَعْنِي: عُرْفًا. كَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ صَاحِبُهَا حِرْزًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا، فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ: ضَمِنَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. أَعْنِي: سَوَاءً رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا الَّذِي لَهُ أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ رَدَّهَا إلَى حِرْزِهَا الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ، فَتَلِفَتْ: لَمْ يَضْمَنْ. حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ عَيَّنَ رَبُّهَا حِرْزًا. فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ: ضَمِنَ. قُلْت: وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَى حِرْزِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ، أَوْ فَوْقَهُ: لَمْ يَضْمَنُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ فِيهِمَا، إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَبُو حَكِيمٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ إنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ. وَلَا يَضْمَنُ إنْ أَحْرَزَهَا بِأَعْلَى مِنْهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ بَيْنَ الْجُعْلِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَلَفِهَا بِسَبَبِ النَّقْلِ، وَبَيْنَ تَلَفِهَا بِغَيْرِهِ. وَعِنْدِي: إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ: ضَمِنَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا، فَأَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ فِيهِ التَّوَى: لَمْ يَضْمَنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

لَكِنْ إذَا أَخْرَجَهَا فَلَا يُحْرِزُهَا إلَّا فِي حِرْزٍ مِثْلِهَا أَوْ فَوْقَهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَنَقَلَ إلَى أَدْنَى فَلَا ضَمَانَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. لِأَنَّهُ إذَنْ أَحْفَظُ. وَلَيْسَ فِي الْوُسْعِ سِوَاهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ: ضَمِنَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا. وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ تَعَذَّرَ الْأَمْثَلُ وَالْمُمَاثِلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَا ضَمَانَ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ: ضَمِنَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ إخْرَاجُهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا، وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا. فَأَخْرَجَهَا عِنْدَ الْخَوْفِ، أَوْ تَرَكَهَا: لَمْ يَضْمَنْ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ ضَمِنَ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً، فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ: ضَمِنَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: لَكِنْ يَحْرُمُ تَرْكُ عَلَفِهَا، وَيَأْثَمُ حَتَّى وَلَوْ قَالَ لَهُ: لَا تَعْلِفْهَا، عَلَى مَا يَأْتِي. فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ أَمَرَهُ بِعَلَفِهَا: لَزِمَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَعَ قَبُولِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: لَوْ نَهَاهُ عَنْ عَلَفِهَا: انْتَفَى وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَظِّ الْمَالِكِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرْمَةِ: فَلَا أَثَرَ لِنَهْيِهِ. وَالْوُجُوبُ بَاقٍ بِحَالِهِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَمِنْهَا: إنْ كَانَ إنْفَاقُهُ عَلَيْهَا بِإِذْنِ رَبِّهَا: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ، فَأَنْفَقَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: رَجَعَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ تَعَذُّرِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى الْإِنْفَاقِ: فَلَهُ الرُّجُوعُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. حَكَاهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ كَانَ مَعَ إمْكَانِ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، بَلْ نَوَى الرُّجُوعَ فَقَطْ: لَمْ يَرْجِعْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ فِي بَابِ الرَّهْنِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: إذَا أَنْفَقَ الْمُودِعُ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمُسْتَوْدَعِ نَاوِيًا لِلرُّجُوعِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُ مَالِكِهِ: رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ: فَطَرِيقَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى. لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَحْيَانًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، مُتَابَعَةً لِأَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ: هِيَ الْمَذْهَبُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرَّهْنِ أَيْضًا. مِنْهَا: لَوْ خِيفَ عَلَى الثَّوْبِ الْعُثُّ: وَجَبَ عَلَيْهِ نَشْرُهُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَلِفَ ضَمِنَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك، فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ: لَمْ يَضْمَنْ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ بِالضَّمَانِ بِالْإِحْرَازِ فِيمَا فَوْقَ الْعَيْنِ: وُجُوبُ الضَّمَانِ هُنَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَضْمَنُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَفِي التَّلْخِيصِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إنْ تَلِفَتْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ: لَمْ يَضْمَنْ. لِأَنَّ الْيَدَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَحْرَزُ. وَإِنْ تَلِفَتْ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ: ضَمِنَ. لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْكُمِّ مَرْبُوطَةً لَمَا ذَهَبَتْ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ، وَالْخِلَافُ لَوْ قَالَ: اُتْرُكْهَا فِي يَدِك. فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَدُ أَحْرَزُ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ. وَالْكُمُّ أَحْرَزُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَالَبَةِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ أَمَرَهُ بِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ، فَشَدَّهَا فِي كُمِّهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُغَالَبَةِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ: ضَمِنَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَاءَهُ إلَى السُّوقِ وَأَمَرَهُ بِحِفْظِهَا فِي بَيْتِهِ، فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ إلَى مُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ: ضَمِنَ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَضْمَنُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا، فَتَرَكَهَا بِجَيْبِهِ أَوْ بِيَدِهِ، أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ، أَوْ تَرَكَ فِي كُمِّهِ ثِقَلًا بِلَا شَدٍّ، أَوْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَشَدَّ عَلَيْهَا سَرَاوِيلَهُ: لَمْ يَضْمَنْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. كَذَا لَوْ شَدَّهَا عَلَى عَضُدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ شَدَّهَا عَلَى عَضُدِهِ مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ: لَمْ يَضْمَنْهَا. وَإِنْ شَدَّهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ: ضَمِنَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، فِي الْفُصُولِ: إنْ تَرَكَهَا فِي جَيْبٍ أَوْ كُمٍّ: ضَمِنَ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ الطَّرَّارَ لَا يُقْطَعُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ تَرَكَهُ فِي رَأْسِهِ، أَوْ غَرَزَهُ فِي عِمَامَتِهِ، أَوْ تَحْتَ قَلَنْسُوَتِهِ: احْتَمَلَ أَنَّهُ حِرْزٌ مِثْلُهُ. الرَّابِعَةُ: إذَا اسْتَوْدَعَهُ خَاتَمًا، وَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي الْخِنْصَرِ. فَلَبِسَهُ فِي الْبِنْصِرِ: فَلَا ضَمَانَ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. لِأَنَّهَا أَغْلَظُ، فَهِيَ أَحْرَزُ. وَفِيهِ الْوَجْهُ الْمُخَرَّجُ الْمُتَقَدِّمُ. لَكِنْ إنْ انْكَسَرَ لِغِلَظِهَا ضَمِنَ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ. فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ: ضَمِنَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا.

وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى، وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ فِي جَمِيعِهَا: لَمْ يَضْمَنْ. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي جَمِيعِهَا. فَجَعَلَهُ فِي بَعْضِهَا: ضَمِنَ. لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَلَا تُدْخِلْهُ أَحَدًا. فَخَالَفَ وَتَلِفَتْ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ سَرِقَةٍ، غَيْرَ الدَّاخِلِ. فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ، كَزَوْجَتِهِ، وَعَبْدِهِ: لَمْ يَضْمَنْ) . وَكَذَا خَادِمُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَنَصَرَهُ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَوْرَدَهُ السَّامِرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَجْهًا. وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْإِرْشَادِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ: الْوَلَدَ وَنَحْوَهُ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ. قُلْت: إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُ مَالَهُ: فَلَا إشْكَالَ فِي إدْخَالِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْجَمِيعِ. حَتَّى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ وَالْخَادِمِ. فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِلْحَاقِ. كَذَلِكَ قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَقَوْلُهُ " إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ، كَزَوْجَتِهِ، وَعَبْدِهِ " اعْتِبَارٌ لِوُجُودِ وَصْفِ الْحِفْظِ لِمَالِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ: ضَمِنَ، إذَا دَفَعَ إلَيْهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَوْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَحْفَظَ مَالَ الْمُودِعِ بِكَسْرِ الدَّالِ كَزَوْجَتِهِ، وَأَمَتِهِ، وَعَبْدِهِ، فَتَلِفَتْ: لَمْ يَضْمَنْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. حَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَجْهًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ. وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَهَا إلَى الشَّرِيكِ: ضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ الْمَحْضِ. وَمِنْهَا: لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجَانِبِ فِي الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ. وَسَقْيِ الدَّابَّةِ وَعَلَفِهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ، أَوْ حَاكِمٍ: ضَمِنَ. وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ) . إذَا أَوْدَعَ الْمُودَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْوَدِيعَةَ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ حَاكِمٍ. فَلَا يَخْلُو: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ: جَازَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ مِنْ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ: لَهُ الْإِيدَاعُ بِلَا عُذْرٍ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ: لَمْ يَجُزْ. وَيَضْمَنُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إيدَاعُهَا لِلْحَاكِمِ، مَعَ الْإِقَامَةِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ. وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْفُرُوعِ. فَهُوَ أَعَمُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ الثَّانِي عَالِمًا بِالْحَالِ: اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ، بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا: لَمْ يَلْزَمْهُ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ، أَيْ تَضْمِينُهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَا: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ، عَلَى

الْمَنْصُوصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ الْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. يَعْنِي مُطَالَبَتُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ الثَّانِي أَيْضًا. لَكِنْ يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَوْدَعَهَا بِلَا عُذْرٍ: ضَمِنَا. وَقَرَارُهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ الثَّانِي إنْ جَهِلَ. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا كَمُرْتَهِنٍ فِي وَجْهٍ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا، أَوْ خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ: رَدَّهَا إلَى مَالِكِهَا) كَذَا إلَى وَكِيلِهِ فِي قَبْضِهَا، إنْ كَانَ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ: حَمَلَهَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ حَمْلِهَا مَعَهُ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا. وَكَانَ مَالِكُهَا غَائِبًا وَوَكِيلُهُ. فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا. إنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ حَمْلِهَا. وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهَا. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا بِإِذْنٍ. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ بِهَا مَعَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى مَالِكِهَا أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ: أَنَّهُ مُفَرِّطٌ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ السَّفَرُ بِهَا إنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَمَلَهَا مَعَهُ إنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا " أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِشَرْطِهِ، وَلَا يَضْمَنُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ " وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: إذَا سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ: أَنَّهُ لَا يَحْمِلُهَا مَعَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَظَاهِرُ النَّصِّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا يُسَافِرُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ حَمْلُهَا. وَأَطْلَقَهَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: جَوَازُ السَّفَرِ بِهَا مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ حَمْلِهَا مَعَهُ. فَإِنْ نَهَاهُ امْتَنَعَ. وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بِهَا لِعُذْرٍ، كَجَلَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَهُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ حَرَقٍ أَوْ غَرَقٍ: فَلَا ضَمَانَ.

وَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ بِالتَّرْكِ؟ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا تَرَكَ فِعْلَ الْأَصْلَحِ. وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَوْدَعَ مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا وَتَلِفَتْ فِي السَّفَرِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَوْ هَجَمَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ. فَأَلْقَى الْمَتَاعَ إخْفَاءً لَهُ وَضَاعَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَنَظَائِرِهِ. وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ. وَفِي مُؤْنَةِ رَدِّ مَنْ بَعُدَ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ) . يَعْنِي إذَا خَافَ عَلَيْهَا بِحَمْلِهَا، وَلَمْ يَجِدْ مَالِكَهَا وَلَا وَكِيلَهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ثِقَةٍ. حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ رِوَايَةً. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ خَافَ عَلَيْهَا: أَوْدَعَهَا حَاكِمًا أَوْ أَمِينًا. وَقِيلَ: لَا تُودَعُ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ هُنَا أَنْ يُرَاعَى الْأَصْلَحُ فِي دَفْعِهَا إلَى الْحَاكِمِ، أَوْ الثِّقَةِ. فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرُ فَالْحَاكِمُ فَائِدَةٌ: الْوَدَائِعُ الَّتِي جُهِلَ مُلَّاكُهَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِدُونِ حَاكِمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ كَذَا إنْ فُقِدَ وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَى خَبَرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَرَثَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَاكِمًا.

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إذْنُ الْحَاكِمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ، وَآخِرِ الرَّهْنِ. وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ قَبُولُ الْوَدَائِعِ، وَالْغُصُوبِ، وَدَيْنِ الْغَائِبِ، وَالْمَالِ الضَّائِعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْأَصَحُّ اللُّزُومُ فِي قَبُولِ الْوَدِيعَةِ، وَالْغُصُوبِ، وَالدَّيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ) يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ (أَوْدَعَهَا ثِقَةً) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ: دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ. فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا تُودَعُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ. وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى غَيْرِ الْحَاكِمِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ. ثُمَّ أَوَّلًا ذَلِكَ عَلَى الدَّفْعِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَاكِمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ النَّصُّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ. وَقِيلَ: لَا تُودَعُ مُطْلَقًا. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ نَصًّا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَنَصُّهُ مَنْعُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِيدَاعَ عِنْدَ غَيْرِهِ لِخَوْفِهِ عَلَيْهَا. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْمُقِيمِ لَا الْمُسَافِرِ.

فَائِدَةٌ: حُكْمُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ حُكْمُ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحْكَامِهِ إلَّا فِي أَخْذِهَا مَعَهُ. قَوْلُهُ (أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ) . يَعْنِي إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهَا إلَى الْحَاكِمِ: فَهُوَ بِالْخِيرَةِ بَيْنَ دَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ، وَبَيْنَ دَفْنِهَا وَإِعْلَامِ ثِقَةٍ يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ بِهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ دَفَنَهَا بِمَكَانٍ وَأَعْلَمَ بِهَا سَاكِنَهُ فَكَإِيدَاعِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَلَوْ دَفَنَهَا بِمَكَانٍ وَأَعْلَمَ السَّاكِنَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: إعْلَامُهُ كَإِيدَاعِهِ. انْتَهَوْا. وَأَطْلَقَ فِي ضَمَانِهَا إذَا دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً: وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا تَبَرَّمَ الْوَدِيعَةِ. فَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ إلَى غَيْرِ الْمُودِعِ أَوْ وَكِيلِهِ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إيدَاعِ الْغَيْرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ دَفَعَ إلَى الْحَاكِمِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا، فَرَكِبَ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ نَفْعِهَا، وَلَبِسَ الثَّوْبَ وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا) أَوْ لِشَهْوَةِ رُؤْيَتِهَا (ثُمَّ رَدَّهَا أَوْ جَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا) . وَكَذَا لَوْ حَلَّهُ: ضَمِنَهَا. إذَا تَعَدَّى فِيهَا. فَفَعَلَ مَا ذَكَرَ غَيْرَ جُحُودِهَا. ثُمَّ إقْرَارُهُ بِهَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ

الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ إذَا أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا، أَوْ لِشَهْوَةِ رُؤْيَتِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إذَا كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا، أَوْ حَلَّهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَعُودُ عَقْدُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ. وَأَمَّا إذَا جَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ. قَوْلُهُ (أَوْ خَلَطَهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ: ضَمِنَهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ: يَضْمَنُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ نَقْلِ الْبَغَوِيّ: لَا يَضْمَنُ. وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ فِي النَّوَادِرِ. وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: لِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي الْوَكِيلِ. كَوَدِيعَتِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَضْمَنُ بِخَلْطِ النُّقُودِ. وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْبَغَوِيّ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمُخْتَلَطِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ. جَعَلَ التَّلَفَ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ، وَجَعَلَ الْبَاقِيَ مِنْ الْوَدِيعَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، ثُمَّ ضَاعَ الْبَعْضُ: جَعَلَ مِنْ مَالِ الْمُودِعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ لَمْ يَضْمَنْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَقْصِهَا بِالْخَلْطِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ، فَضَاعَ الْكُلُّ: ضَمِنَهُ وَحْدَهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ التَّعْلِيقِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ الشَّارِحِ. إذْ الْكِتَابُ الْمَشْرُوحُ حَكَى الْخِلَافَ. لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُغْنِيَ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ، إنْ لَمْ يَفْتَحْ الْوَدِيعَةَ. وَقُلْ: لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا رَدَّ الْمَأْخُوذَ بِعَيْنِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. كَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَذِنَ صَاحِبُهَا لَهُ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا، فَأَخَذَ ثُمَّ رَدَّ بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ: ضَمِنَ الْجَمِيعَ) .

هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ غَيْرَهُ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَحَكَى عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَنَّهُ أَنْكَرَ الْقَوْلَ بِتَضْمِينِ الْجَمِيعِ، وَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ قَوْلُ سُوءٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا ضَاعَ: ضَمِنَ. نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الدِّرْهَمُ أَوْ بَدَلُهُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ، وَتَلِفَ نِصْفُ الْمَالِ. فَقِيلَ: يَضْمَنُ نِصْفَ دِرْهَمٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ. لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ الدِّرْهَمِ أَوْ بَدَلِهِ. وَلَا يَجِبُ مَعَ الشَّكِّ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا رَدَّ بَدَلَ مَا أَخَذَ. فَلِلْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِقْدَارُ مَا أَخَذَ. سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ. وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَأَنْكَرَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِتَضْمِينِ الْجَمِيعِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: إنْ تَمَيَّزَ الْبَدَلُ ضَمِنَ قَدْرَ مَا أَخَذَ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ:

فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِيهَا. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ. وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ: إنْ تَمَيَّزَ الْبَدَلُ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ: ضَمِنَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَيَقْرَبُ مِنْهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُقْنِعِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي. وَبِالْجُمْلَةِ: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً: لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِنُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. الثَّانِي: شَرَطَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ: أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ وَنَحْوُهَا غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، وَلَا مَشْدُودَةٍ. فَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ. فَحَلَّ الشَّدَّ، أَوْ فَكَّ الْخَتْمَ: ضَمِنَ الْجَمِيعَ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، مِمَّا إذَا فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ، فَطَارَ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقِيَاسُ. لِأَنَّ الْفَتْحَ عَنْ الطَّائِرِ إضَاعَةٌ لَهُ. فَهُوَ كَحَلِّ الزِّقِّ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا أَخَذَ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَرَوَى الْبَغَوِيّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: لَوْ خَرَقَ الْكِيسَ. فَإِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِ الشَّدِّ: لَمْ يَضْمَنْ إلَّا الْخَرْقَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ الشَّدِّ: ضَمِنَ الْجَمِيعَ، عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثُ: قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّعَدِّي. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ الْقَاضِي، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَضْمَنُ بِالنِّيَّةِ. لِاقْتِرَانِهَا بِالْإِمْسَاكِ. وَهُوَ فِعْلٌ كَمُلْتَقِطٍ نَوَى التَّمَلُّكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي التَّرْغِيبِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَى الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: وَجْهًا بِالضَّمَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. عَلَى أَنَّ الَّذِي لَا يُؤَاخِذُ بِهِ هُوَ الْهَمُّ. أَمَّا الْعَزْمُ: فَيُؤَاخَذُ بِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. انْتَهَى. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ اللُّقَطَةِ فِي بَابِهَا. عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً: ضَمِنَهَا، وَلَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى وَلِيِّهِ) . إنْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مُمَيِّزٍ: فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَكَذَا إنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ. وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ: صَحَّ إيدَاعُهُ فِيمَا أُذِنَ لَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الصَّبِيِّ تَخْلِيصًا لَهَا مِنْ الْهَلَاكِ، عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ. فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَضْمَنَ كَالْمِلْكِ الضَّائِعِ إذَا حَفِظَهُ لِصَاحِبِهِ. وَهُوَ الْأَصَحُّ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَ. لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَكَذَا يَخْرُجُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْغَاصِبِ تَخْلِيصًا، لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ الْحَارِثِيُّ عَلَى حِكَايَةِ كَلَامِهِ. وَقَدَّمَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الرِّعَايَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ أُودِعَ الصَّبِيُّ وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ) .

وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا: لَمْ يَضْمَنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَضْمَنُ. انْتَهَوْا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَإِلَيْهِ صَارَ الْقَاضِي آخِرًا وَذَكَرَهُ وَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ سِوَاهُ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَلَمْ يُورِدْ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْمَوَاهِبِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَدَّادُ: سِوَاهُ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ. كَذَا السَّفِيهُ، عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَجَمَاعَةٍ. فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَقِيلَ: إتْلَافُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ كَالرَّشِيدِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِلْحَاقُهُ بِالرَّشِيدِ أَقْرَبُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً، فَأَتْلَفَهَا: ضَمِنَهَا فِي رَقَبَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَلَنَا وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا، تَخْرِيجًا مِنْ مِثْلِهِ فِي الصَّبِيِّ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. تَنْبِيهٌ: قِيلَ إنَّ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْعَبْدِ: مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الصَّبِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْفَائِقِ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَيَضْمَنُ. وَيَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ. سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ. انْتَهَى. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ: كَالْقِنِّ. فِيمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ . قَوْلُهُ (وَالْمُودَعُ أَمِينٌ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ وَتَلَفٍ)

يَعْنِي: مَعَ يَمِينِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: إنْ دَفَعَهَا الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ إلَى الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ بِبَيِّنَةٍ: لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا. فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ مَعَ دَعْوَى التَّلَفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ لَا يَحْلِفُ مُدَّعِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، إذَا لَمْ يُتَّهَمْ. وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ. فَإِنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ: فَإِنْ أَبْدَى سَبَبًا خَفِيًّا مِنْ سَرِقَةٍ، أَوْ ضَيَاعٍ وَنَحْوِهِ قُبِلَ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ أَبْدَى سَبَبًا ظَاهِرًا مِنْ حَرِيقِ مَنْزِلٍ أَوْ غَرَقِهِ، أَوْ هُجُومِ غَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِوُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُشْعِرُ بِهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ: وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ السَّبَبِ الِاسْتِفَاضَةُ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوِكَالَةِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ مَنَعَ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ مِنْهَا، أَوْ مَطَلَهُ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ الْأَمَانَةِ. قَوْلُهُ (وَأَذِنَ فِي دَفْعِهَا إلَى إنْسَانٍ) . يَعْنِي إذَا قَالَ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلْمُودِعِ: أَذِنْت لِي فِي دَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ فَدَفَعْتهَا. فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقِيلَ: ذَلِكَ كَوِكَالَةٍ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ، مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْقَبْضِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إنْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَسُولِ مُوَكِّلٍ وَمُودِعٍ. فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ: ضَمِنَ. لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ. وَيَحْتَمِلُ لَا. وَإِنْ أَقَرَّ، وَقَالَ: قَصَّرْت لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَقَضَاهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَتَرَكَ الْإِشْهَادَ: ضَمِنَ. لِأَنَّ مَبْنَى الدَّيْنِ عَلَى الضَّمَانِ. وَيَحْتَمِلُ إنْ أَمْكَنَهُ الْإِشْهَادُ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ إلَى وَارِثٍ لِمَالِكٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَكَذَا دَعْوَى الْأَدَاءِ إلَى الْحَاكِمِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ عَلَى يَدِ عَبْدِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ خَازِنِهِ: فَكَدَعْوَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ تَفْرِيطٍ) يَعْنِي: الْقَوْلَ قَوْلُهُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: هَلْ يَحْلِفُ مُدَّعِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَالْإِذْنُ فِي الدَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ، وَمُنْكِرِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَكَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْوَكِيلِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وُجُوبَ التَّخَلُّفِ. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصًّا وَلَا إيمَاءً. انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَمْ يُودِعْنِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ. فَادَّعَى الرَّدَّ، أَوْ التَّلَفَ: لَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً) . نَصَّ عَلَيْهِ. مُرَادُهُ: إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ قَبْلَ جُحُودِهِ، بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُنْكِرَهَا. ثُمَّ يُقِرَّ، أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَا، فَيُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا تَلِفَتْ، أَوْ رَدَّهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ، أَوْ قَبْلَهُ مَثَلًا. فَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَالَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَمَّا إنْ ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ بَعْدَ جُحُودِهِ بِهَا، بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُنْكِرَ، ثُمَّ يُقِرَّ وَتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِهِ. فَيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ بِتَلَفِهَا أَوْ رَدِّهَا يَوْمَ السَّبْتِ، أَوْ بَعْدَهُ مَثَلًا. فَهَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ بِالرَّدِّ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَتُقْبَلُ فِي التَّلَفِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ وَتُسْمَعُ بِتَلَفٍ. وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَجَمَاعَةٍ. لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاقْتَصَرَ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا ادَّعَى رَدًّا مُتَأَخِّرًا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى تَلَفًا مُتَأَخِّرًا: لَا يُقْبَلُ. كَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُنَوِّرِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ أَوْ الرَّدِّ، وَلَمْ تُعَيِّنْ: هَلْ ذَلِكَ قَبْلَ جُحُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ السُّقُوطُ. لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: لَك وَدِيعَةٌ. ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ بَقَائِهَا، ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَهَا. أَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا فَأَنْكَرَهُ وَرَثَتُهُ. فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا قَالَ: عِنْدِي عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةٌ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ إذَا قَالَ: لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ دَفَعْتهَا إلَيْك: صُدِّقَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الرَّدَّ إلَى رَبِّهَا، وَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا. ثُمَّ وَجَدْته فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ: قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ وَقَعَ التَّلَفُ بَعْدَ الْجُحُودِ وَجَبَ الضَّمَانُ. لِاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ بِالْجُحُودِ. فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ. ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: وَالْإِطْلَاقُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْلِ الْجُحُودِ وَبَعْدَهُ، عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْجُحُودِ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. وَإِنْ شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ قَبْلَهُ: فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمُودَعُ فَادَّعَى وَارِثُهُ الرَّدَّ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا حُكْمُ دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ، وَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا: الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُ دَعْوَاهُ فِي حَالَةٍ لَا يَضْمَنُ فِيهَا بِالتَّلَفِ. لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا. إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ يَتَخَرَّجُ لَنَا قَوْلٌ بِالْقَبُولِ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فِيمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فِي حَيَاتِهِ لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا، وَلَا يَعْلَمُ بَقَاءَهَا. لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُصُولِ فِي يَدِ الْوَارِثِ. كَذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى التَّلَفَ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْرِيجِ إذَنْ. لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْتَفٍ، سَوَاءٌ ادَّعَى الْوَارِثُ الرَّدَّ أَوْ التَّلَفَ، أَوْ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْوَارِثِ قَبْلَ إمْكَانِ رَدِّهَا: لَمْ يَضْمَنْهَا) بِلَا نِزَاعٍ (وَبَعْدَهُ يَضْمَنُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَالْمَشْهُورُ الضَّمَانُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ أَكْبَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ إلَّا الْمُصَنِّفَ. قُلْت: قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا صَاحِبُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ بِدُونِ رِضَى صَاحِبِهَا: وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى رَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِصَاحِبِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ. وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ اللُّقَطَةُ. وَكَذَا الْوَدِيعَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالرَّهْنُ، وَنَحْوُهَا: إذَا مَاتَ الْمُؤْتَمَنُ وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ. كَذَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ لِغَيْرِهِ. ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا هُنَا: الْوَاجِبُ الرَّدُّ. وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: إمَّا الرَّدُّ، أَوْ الْإِعْلَامُ. كَمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ إنَّ الثَّوْبَ: هَلْ يَحْصُلُ فِي يَدِهِ، لِسُقُوطِهِ فِي دَارِهِ مِنْ غَيْرِ إمْسَاكٍ أَوْ لَا؟ . قَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْصُلُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ. وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَالْخِلَافُ هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا حَصَلَ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ: هَلْ يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَانَاتِ إذَا فَسَخَهَا الْمَالِكُ. كَالْوَدِيعَةِ، وَالْوِكَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ: يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ الْأَمِينِ، أَوْ غَيْبَتِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ. وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ: الرَّهْنُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ: لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِعْلُ الرَّدِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ كَذَلِكَ. ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمُودَعُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْوَدِيعَةَ، وَلَمْ تُعْلَمْ: فَهِيَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ. تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي أَوَاخِرِ الْمُضَارَبَةِ.

فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ: تَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ، أَوْ وَرَثَتِهِ، أَوْ بَيِّنَتِهِ. وَإِنْ وُجِدَ خَطُّ مَوْرُوثِهِ " لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ " وَعَلَى كِيسٍ " هَذَا لِفُلَانٍ " عُمِلَ بِهِ وُجُوبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْمَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي الْوَصِيَّةِ. وَنَصَرَهُ، وَرَّدَ غَيْرُهُ. وَقَالَ: قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. وَقِيلَ: لَا يُعْمَلُ بِهِ. وَيَكُونُ تَرِكَةً. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَنَصَرَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَإِنْ وُجِدَ خَطُّهُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى فُلَانٍ: حَلَفَ الْوَارِثُ، وَدَفَعَ إلَيْهِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَإِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَإِنْ وُجِدَ خَطُّهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ. فَقِيلَ: لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَيَكُونُ تَرِكَةً مَقْسُومَةً. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُعْمَلُ بِهِ، وَيَدْفَعُ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ. أَوْمَأَ إلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: هُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَارِثِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْكِتَابَةُ بِالدُّيُونِ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا. حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. مِنْهُمْ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ، فَأَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا: فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ كَمَالَ الِاسْتِحْقَاقِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْيَمِينِ. وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ الِاسْتِحْقَاقَ حَالَ رَدِّهَا عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ، أَوْ حَالَ تَعَذُّرِ كَمَالِ الْبَيِّنَةِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. لَا يُقَالُ: الْمُودِعُ شَاهِدٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاعْتُبِرَتْ لَهُ الْعَدَالَةُ، وَصِيغَةُ الشَّهَادَةِ. وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ عَلَى حَلِفِهِ لِلْمُدَّعِي. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَحْلِفُ الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْضًا لِلْمُدَّعِي الْآخَرِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ هُنَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: حَلَفَ فِي الْأَصَحِّ ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الدَّعَاوَى. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ نَكَلَ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلثَّانِي. بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَبَيَّنَ لِلْمُقِرِّ بَعْدَ الِاقْتِرَاعِ: أَنَّهَا لِلْمَقْرُوعِ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ مَضَى الْحُكْمُ. أَيْ لَا تُنْزَعُ مِنْ الْقَارِعِ. وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْمَقْرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ صَاحِبُهَا. ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ: ضَمِنَهَا لِتَفْرِيطِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا فَهِيَ لَهُمَا. وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. فَإِنْ نَكَلَ فَعَلَيْهِ بَذْلُ نِصْفِهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَلِفُ لِصَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ. وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبُهَا: حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ) يَعْنِي يَمِينًا وَاحِدَةً. إذَا أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُصَدِّقَاهُ أَوْ لَا. فَإِنْ صَدَّقَاهُ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. إذْ لَا اخْتِلَافَ. وَعَلَيْهِ التَّسْلِيمُ لِأَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ مَعَ يَمِينِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ، وَنُصُوصُ أَحْمَدَ تَقْتَضِيهِ. وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقَاهُ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُكَذِّبَاهُ، أَوْ يَسْكُتَا. فَإِنْ لَمْ يُكَذِّبَاهُ: قَبْلَ قَوْلِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَذَكَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا آخَرَ. وَعَلَّلَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ حَقٌّ، إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ صَرِيحِ الدَّعْوَى لِوُجُوبِ الْيَمِينِ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، وَأُعْطِيَ. وَإِنْ كَذَّبَاهُ: حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يَمِينَ عَلَى مُدَّعِي التَّلَفِ وَمُنْكِرِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ وَنَحْوِهِ،

إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا. وَهَذَا كَذَلِكَ. فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ. نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَالِكَ ائْتَمَنَهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْحَلِفِ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. لِتَغَايُرِ الْحَقَّيْنِ. كَمَا فِي إنْكَارِ أَصْلِ الْإِيدَاعِ. قَالَ: وَهَذَا قَوِيٌّ. انْتَهَى. وَإِذَا تَحَرَّرَ هَذَا، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُودَعُ عَنْ الْيَمِينِ. فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. فَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِالْإِقْرَارِ لِأَحَدِهِمَا. فَإِنْ أَبَى، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ غُرْمًا. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَقْوَى عِنْدِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَايَا لِنُكُولِ غُرْمِ الْقِيمَةِ. فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَعَلَى هَذَا: يُؤْخَذُ بِالْقِيمَةِ مَعَ الْعَيْنِ. فَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا أَوْ يَتَّفِقَانِ. هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٍ. وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: فِي كَلَامِ الْمُحَرَّرِ مَا يَقْتَضِي الِاقْتِرَاعَ عَلَى الْعَيْنِ. فَمَنْ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ لِلْآخَرِ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ مَا يَدَّعِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، أَوْ بَدَلَهُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ. وَالتَّعَذُّرُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَخْذِ. فَتَعَيَّنَ الِاقْتِرَاعُ. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: كَذَلِكَ إذَا قَالَ " أَعْلَمُ الْمُسْتَحَقَّ، وَلَا أَحْلِفُ " وَيَأْتِي الْكَلَامُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ. فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَائِدَةٌ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْعَيْنِ لِأَخْذِ الْقِيمَةِ: سُلِّمَتْ إلَيْهِ. وَرُدَّتْ الْقِيمَةُ إلَى الْمُودِعِ، وَلَا شَيْءَ لِلْقَارِعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا. فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ: سَلَّمَهُ إلَيْهِ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَ يَنْقَسِمُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ " لَا يَنْقُصُ بِتَفْرِقَةٍ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ الْحَاكِمِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالنَّاظِمُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ حَاضِرًا، وَامْتَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِنَصِيبِهِ وَالْإِذْنُ فِي التَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غُصِبَتْ الْوَدِيعَةُ: فَهَلْ لِلْمُودِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْمُضَارِبِ، وَالْمُرْتَهَنِ، وَالْمُسْتَأْجَرِ فِي الْمُطَالَبَةِ إذَا غُصِبَ مِنْهُمْ مَا بِأَيْدِيهِمْ حُكْمُ الْمُودَعِ. قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ

الْمُطَالَبَةُ فِي الْوَدِيعَةِ. وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي الْمُرْتَهَنِ، وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُضَارِبِ: لَا يَلْزَمُهُ الْمُطَالَبَةُ مَعَ حُضُورِ رَبِّ الْمَالِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِ رَبِّهَا: لَمْ يَضْمَنْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الْمَذْهَبُ لَا يَضْمَنُ، انْتَهَى. وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ. وَابْنِ عَقِيلٍ: الضَّمَانُ مُطْلَقًا. لِأَنَّهُ افْتَدَى بِهِ ضَرَرَهُ. وَعَنْ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّسَلُّمِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ: فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا إثْمَ. وَإِنْ نَالَهُ الْعَذَابُ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَإِنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ: لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: يَضْمَنُ إنْ فَرَّطَ. وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا: لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَعِنْدَ أَبِي الْوَفَاءِ: إنْ ظَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ كَانَ دَالًّا، وَيَضْمَنُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَضْمَنُ الْمَالَ بِالدَّلَالَةِ. وَهُوَ الْمُودَعُ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: مَنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ، وَنَادَى بِتَهْدِيدِ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلَمْ يَحْمِلْهَا، إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، أَوْ عَيَّنَهُ وَتَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ: أَثِمَ وَضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَإِذَا قِيلَ: التَّوَعُّدُ لَيْسَ إكْرَاهًا. فَتَوَعَّدَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى سَلَّمَ.

فَجَوَابُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ: وُجُوبُ الضَّمَانِ، وَلَا إثْمَ. وَفِيهِ بَحْثٌ. وَإِذَا قِيلَ: إنَّهُ إكْرَاهٌ. فَنَادَى السُّلْطَانُ: مَنْ لَمْ يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا. فَحَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ: أَثِمَ وَضَمِنَ. وَبِهِ أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فَتَاوِيهِمَا. وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْيَمِينِ وَلَا بُدَّ: حَلَفَ مُتَأَوِّلًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَهُ جَحْدُهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ مِنْهُ: وَجَبَ الضَّمَانُ، لِلتَّفْرِيطِ. وَإِنْ. حَلَفَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ. وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْفَتَاوَى. قُلْت: وَالصَّوَابُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ. ثُمَّ وَجَدْت فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ، قَالَ: وَيُكَفِّرُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. فَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ بَحْثٌ. وَحَاصِلُهُ: إنْ كَانَ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ بِالتَّغْرِيمِ كَثِيرًا يُوَازِي الضَّرَرَ فِي صُوَرِ الْإِكْرَاهِ: فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ، وَإِلَّا وَقَعَ الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَسْقُطُ لِخَوْفِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ غَيْرِهِ. فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا. وَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا. وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخَّرَ رَدَّ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا، بِلَا عُذْرٍ: ضَمِنَ، وَبِعُذْرٍ: لَا يَضْمَنُ. كَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ، وَالْعَجْزِ عَنْ الْحَمْلِ، وَعَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا، لِسَيْلٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ: إتْمَامُ الْمَكْتُوبَةِ، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ، وَمُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ يَخَافُ فَوْتَهُ. وَيُمْهَلُ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ، وَالْمَطَرِ الْكَثِيرِ، وَالْوَحْلِ الْغَزِيرِ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِي حَمَّامٍ، حَتَّى يَخْرُجَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: إنْ قَالَ أَمْهِلُونِي حَتَّى آكُلَ فَإِنِّي جَائِعٌ، أَوْ أَنَامَ فَإِنِّي نَاعِسٌ، أَوْ يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ عَنِّي فَإِنِّي مُمْتَلِئٌ: أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ: مَنْعُ التَّأْخِيرِ اعْتِبَارًا بِإِمْكَانِ الدَّفْعِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ: إنْ أُخِّرَ لِكَوْنِهِ فِي حَمَّامٍ، أَوْ عَلَى طَعَامٍ إلَى قَضَاءِ غَرَضِهِ: ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ عَلَى وَجْهٍ. وَاخْتَارَهُ الْأَزَجِيُّ فَقَالَ: يَجِبُ الرَّدُّ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرٍ وَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ. فَلَمْ أَرَ نَصًّا. وَيَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جَازَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ، وَأَبَى: ضَمِنَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا طَلَبَهَا وَكِيلُهُ، وَأَبَى الرَّدَّ. وَإِذَا دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يُشْهِدْ، ثُمَّ جَحَدَ الْوَكِيلُ: لَمْ يَضْمَنْ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ. بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ. لِأَنَّ شَأْنَ الْوَدِيعَةِ الْإِخْفَاءُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.

وَتَقَدَّمَ إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي دَفْعِهَا إلَى إنْسَانٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُنَاكَ. مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا. الْخَامِسَةُ، لَوْ أَخَّرَ دَفْعَ مَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ بِلَا عُذْرٍ: ضَمِنَ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْوَدِيعَةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِ الْوُجُوبِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ. قُلْت: الْأَمْرُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْقَرِينَةِ: هَلْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَمْ لَا؟ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا لِلْعُلَمَاءِ. مِنْ جُمْلَتِهَا: أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوُجُوبِ دُونَ غَيْرِهِ. كَمَا اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ مُطْلَقًا. ذَكَرَ الْأَقْوَالَ وَمَنْ قَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا وَدِيعَةً الْيَوْمَ لَا غَدًا، وَبَعْدَهُ يَعُودُ وَدِيعَةً. فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَدِيعَةُ مِنْ أَصْلِهَا. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي بَعْدِ الْغَدِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: هِيَ وَدِيعَةٌ عَلَى الدَّوَامِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ فِي غَدٍ، وَبَعْدَهُ تَعُودُ وَدِيعَةً: تَعَيَّنَ رَدُّهُ. السَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ لَهُ: كُلَّمَا خُنْت ثُمَّ عُدْت إلَى الْأَمَانَةِ، فَأَنْتَ أَمِينٌ: صَحَّ. لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ كَالْوِكَالَةِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ.

باب إحياء الموات

[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ) . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ " الْمَوَاتُ مِنْ الْأَرْضِ هِيَ الَّتِي لَمْ تُسْتَخْرَجْ وَلَمْ تُعْمَرْ ". قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ: تَعْرِيفُ " الْمَوَاتِ " بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ: الِانْدِرَاسُ، وَانْتِفَاءُ الْعِلْمِ، تَحْصِيلًا لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّهُ الَّذِي لَمْ يُسْتَخْرَجْ، وَلَمْ يُعْمَرْ. وَعَلَيْهِ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ. قَالَ: وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالُوا لَكَانَ أَوْلَى وَأَبْيَنَ. فَإِنَّ الدُّثُورَ يَقْتَضِي حُدُوثَ الْعُطَلِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ قَالُوا: قَدِمَ وَدَرَسَ. وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ عِمَارَةٍ. وَهُوَ مَنَافٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالدَّائِرَةِ: الَّتِي لَمْ تُسْتَخْرَجْ وَلَمْ تُعْمَرْ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ إيرَادِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ " فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ ". فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَصْفُ " انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمِلْكِ " تَعْرِيفًا لِمَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مِنْ الْمَوَاتِ، لَا لِمَاهِيَّةِ الْمَوَاتِ. وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ. ثُمَّ مَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ، لَا يَكْفِي فِيهِ مَا قَالَ. فَإِنَّ حَرِيمَ الْعَامِرِ، وَمَا كَانَ حِمًى أَوْ مُصَلًّى: لَا يَمْلِكُ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَيَرِدُ أَيْضًا عَلَى مَا قَالَ: مَا عُلِمَ مِلْكُهُ لِغَيْرِ مَعْصُومٍ. فَإِنَّهُ جَائِزُ الْإِحْيَاءِ. قَالَ: وَالْأَضْبَطُ فِي هَذَا: مَا قِيلَ " الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ، وَمِلْكُ الْمَعْصُومِ " فَيَدْخُلُ كُلُّ مَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَيَخْرُجُ كُلُّ مَا لَا يُمْلَكُ بِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ وَلَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) إنْ كَانَ الْمَوَاتُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. وَإِنْ عُلِمَ لَهُ مَالِكٌ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ، وَالْمَالِكُ مَوْجُودٌ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ:

لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ. حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا: فَهَذَا أَيْضًا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَذَلِكَ، إذَا كَانَ لِمَعْصُومٍ. وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، فَإِذَا أَحْيَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَانْدَرَسَ: كَانَ كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ. يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ نُصُوصِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالِكٌ. فَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا أَثَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ غَيْرُ جَاهِلِيٍّ، كَالْقُرَى الْخَرِبَةِ، الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا، وَدُرِسَتْ آثَارُهَا. وَقَدْ شَمَلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. فَفِي مِلْكِهَا بِالْإِحْيَاءِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. إحْدَاهُمَا: لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقُوا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ. كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا تَنْبِيهٌ: لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْخِلَافِ فِي الْمُنْدَرِسِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَبِدَارِ الْحَرْبِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ، فَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. بِخِلَافِ دَارِ الْحَرْبِ. فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهِ الْجَوَازُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ سِوَاهُ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَتُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ قَرْيَةٌ خَرَابٌ، لَمْ يَمْلِكْهَا مَعْصُومٌ. وَإِذَا قِيلَ بِالْمَنْعِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: كَانَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ: الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا أَثَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ جَاهِلِيٌّ قَدِيمٌ كَدِيَارِ عَادٍ، وَمَسَاكِنِ ثَمُودَ، وَآثَارِ الرُّومِ وَقَدْ شَمَلَهَا أَيْضًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ خِلَافًا فِي جَوَازِ إحْيَائِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ. وَهُوَ نَصٌّ مِنْهُ فِي خُصُوصِ النَّوْعِ. وَصَحَّحَ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ: صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا أَثَرَ فِيهِ جَاهِلِيٌّ قَرِيبٌ. وَقَدْ شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُمْلَكُ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا تَرَدَّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالُوا: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْجَوَازِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ مَلَكَهَا مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ، أَوْ مَنْ يُشَكُّ فِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ: لَمْ يَمْلِكْ بِالْإِحْيَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّهَا فَيْءٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: مُلِكَتْ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ تُمْلَكُ مَعَ الشَّكِّ فِي سَابِقِ الْعِصْمَةِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عُلِمَ مَالِكُهَا، وَلَكِنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يُعْقِبْ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَنْهُ تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا لِمَنْ شَاءَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً: فَهِيَ لَهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا، إلَّا مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ فِي أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا. وَمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ: لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ. فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ.

الثَّانِيَةُ: مَا أَحْيَاهُ الْكُفَّارُ، وَهُمْ صِنْفَانِ: صِنْفٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ، فَيَمْلِكُونَ مَا أَحْيَوْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. لَكِنْ حَمَلَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ ذَلِكَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُمْ: ابْنُ حَامِدٍ أَخْذًا مِنْ امْتِنَاعِ شُفْعَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَرُدَّ. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يَمْلِكُهُ الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الشِّرْكِ. وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ: إنْ أَحْيَا عَنْوَةً: لَزِمَهُ عَنْهُ الْخَرَاجُ. وَإِنْ أَحْيَا غَيْرُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ. عَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي: أَهْلُ حَرْبٍ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ جَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ. لِأَنَّ الْأَحْكَامَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ. لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ: كَوْنُ الْمَسْأَلَةِ ذَاتُ خِلَافٍ. فَيَكُونُ الظَّاهِرُ مُوَافِقًا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَيَرِدُ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْكِ فِي كُتُبِهِ خِلَافًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْكَافِرُ عَلَى إطْلَاقِهِ صَحِيحٌ فِي أَرَاضِيِ الْكُفَّارِ. لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ الْإِحْيَاءُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: مَلَكَهُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُبْهِجِ، وَرِوَايَةٌ فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْوَاضِحِ. الرَّابِعَةُ: مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرْضِ الْكُفَّارِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ فَهَذِهِ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ كَغَيْرِهَا. الْخَامِسَةُ: مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ، وَمَسِيلِ مَائِهِ، وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ، وَمُلْقَى تُرَابِهِ وَآلَاتِهِ، وَمَرْعَاهُ، وَمُحْتَطِبِهِ، وَحَرِيمِهِ وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ، وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ، وَمَدْفِنِ الْأَمْوَاتِ، وَمُنَاخِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا. فَهَذَا لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَلَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ. لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ. وَقِيلَ: لِمِلْكِهِ لَهُ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا " أَنَّ مَوَاتَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ كَغَيْرِهِ. هُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَقْوَى. وَعَنْهُ: لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ لَكِنْ تُقَرُّ بِيَدِهِ بِخَرَاجِهَا كَمَا لَوْ أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: وَبِهِ أَقُولُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: إنْ أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَعَنْهُ: عَلَى ذِمِّيٍّ أَحْيَا غَيْرَ عَنْوَةٍ: عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ. وَقِيلَ: لَا مَوَاتَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى عَامِرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ لَا مَوَاتَ فِي عَامِرِ السَّوَادِ. وَقِيلَ: وَلَا غَامِرِهِ. فَائِدَةٌ: هَلْ يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ مَوَاتَ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ بِإِحْيَائِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالْإِحْيَاءِ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ: هَذَا الْحَقُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُهُ بِإِحْيَائِهِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْعَامِرِ دُونَ غَيْرِهِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ إقْطَاعِ ذَلِكَ حُكْمُ إحْيَائِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ: جُعِلَتْ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. لِلْخَبَرِ. وَلَا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِهَا. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي أَرْبَابِ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ حَاجَتِهِمْ. قُلْت: قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لَا بَأْسَ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ " عَنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الضَّرَرِ بِالطَّرِيقِ: مَا وَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السَّبْعِ الْأَذْرُعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ إذَا فَضَلَ مِنْ الطَّرِيقِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» فِي أَرْضٍ مَمْلُوكٍ لِقَوْمٍ أَرَادُوا الْبِنَاءَ، وَتَشَاحُّوا فِي مِقْدَارِ مَا يَتْرُكُونَهُ مِنْهَا لِلطَّرِيقِ. وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْأَصْحَابُ. وَأَنْكَرُوا جَوَازَ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ إلَى أَنْ يَبْقَى سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ: فَلَهَا حُكْمُ الْمَوَاتِ. لِكُلِّ أَحَدٍ إحْيَاؤُهَا، بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: مَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْلَاكِ وَاسْتَبْحَرَ: بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهِ. لَهُمْ أَخْذُهُ إذَا نَضَبَ عَنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُمْلَكُ مَا نَضَبَ مَاؤُهُ وَفِيهِ رِوَايَةٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ) . كَالْمِلْحِ وَالْقَارِ: وَالنِّفْطِ وَالْكُحْلِ، وَالْجَصِّ، كَذَلِكَ الْمَاءُ وَالْكِبْرِيتُ، وَالْمُومْيَا، وَالْبِرَامُ، وَالْيَاقُوتُ، وَمَقَاطِعُ الطِّينِ وَنَحْوُهُ: أَنَّ الْمَعَادِنَ الْبَاطِنَةَ تُمْلَكُ. وَهُوَ وَجْهٌ وَاحْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. فَلَا تُمْلَكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُمْلَكُ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً: حُكْمُ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ الْأَصْلِ. التَّنْبِيهُ الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ عَنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ " وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ " أَنَّ لِلْإِمَامِ إقْطَاعَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ أَدِلَّةَ ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذَا قَاطِعٌ فِي الْجَوَازِ. فَالْقَوْلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ هَدَاهُمْ اللَّهُ إلَى الصَّوَابِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُ مَالًا يُمْلَكُ مِنْ الْمَعَادِنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ: يَجُوزُ. فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ إدْخَالُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي اخْتِيَارِ الشَّيْخِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ، كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ: بِالْمِلْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَإِنَّ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَحَفْرٍ. وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِنِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْمَائِيَّ مِنْهُ مِنْ الظَّاهِرِ. كَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْجَبَلِ، وَمَا احْتَاجَ إلَى كَشْفٍ يَسِيرٍ. وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ وَالْحَفْرِ: فَمِنْ قَبِيلِ الْبَاطِنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ الْمُحْيِي مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ كَمَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) . إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكهَا بِمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ الْمَعَادِنِ، ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا لَا تَفِي بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي مَوْضِعِ الْجَامِدِ

عَلَى لَفْظِ " الْبَاطِنِ " وَهِيَ عِبَارَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَفِي الْإِيرَادِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِيهِ، وَهُوَ جَعْلُ الْجَارِي قَسِيمًا لِلْبَاطِنِ. وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ مِمَّا هُوَ جَامِدٌ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ مَعْدِنٌ جَارٍ، أَوْ كَلَأٌ، أَوْ شَجَرٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إذَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. هَذِهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَصَحُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِذَا ظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ جَارٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَلْ يَمْلِكُ بِذَلِكَ؟ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَأْخُوذَتَانِ مِنْ رِوَايَتَيْ مِلْكِ الْمَاءِ. وَلِهَذَا صَحَّحُوا عَدَمَ الْمِلْكِ هُنَا لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ هُنَاكَ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي عَدَمَ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَصَحَّحَهُ مَنْ صَحَّحَهُ فِي عَدَمِ الْمِلْكِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَمْلِكُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْمَنْصُوصُ. فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ. وَإِنْ ظَهَرَ كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِهِ الْكَبِيرِ. وَلَمْ يُورِدْ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ سِوَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ: لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ) هَذَا الصَّحِيحُ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَجِدَ الْبَهَائِمُ مَاءً مُبَاحًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِذَلِكَ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَجَمَاعَةٌ: اتِّصَالَهُ بِالْمَرْعَى. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَبِذَلِكَ مَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ لُزُومًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ بِالدُّخُولِ، أَوْ لَهُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ، فَيَخَافُ عَطَشًا. فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ مَاءٍ يَمْنَعُ بِهِ الْكَلَأَ. لِلْخَبَرِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ مَنْعُهُ فَضْلَ مَائِهِ لِيَسْقِ بِهِ. لِلْخَبَرِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ: جَازَ لَهُ بَيْعُهُ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ. وَيَحْرُمُ بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ. خِلَافًا لِمَالِكٍ: وَيَحْرُمُ أَيْضًا بَيْعُهُ مُقَدَّرًا بِالرَّيِّ، أَوْ جُزَافًا. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنْ بَاعَ آصُعًا مَعْلُومَةً مِنْ سَائِحٍ: جَازَ كَمَاءِ عَيْنٍ. لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، إنْ بَاعَ كُلَّ الْمَاءِ: لَمْ يَجُزْ. لِاخْتِلَاطِهِ بِغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ، فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي مَائِهَا، وَالْحَافِرُ كَأَحَدِهِمْ فِي السَّقْيِ، وَالزَّرْعِ، وَالشُّرْبِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَمَعَ الضِّيقِ يُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ.

ثُمَّ الْحَيَوَانُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. ثُمَّ زَادَ فِي الْفَائِقِ: ثُمَّ الزَّرْعُ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَعَ الضِّيقِ لِلْحَيَوَانِ، وَمَعَ الضِّيقِ لِلْآدَمِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَفَرَهَا ارْتِفَاقًا كَحَفْرِ السُّفَارَةِ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ، وَكَالْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ يَنْتَجِعُونَ أَرْضًا فَيَحْتَفِرُونَ لِشُرْبِهِمْ، وَشُرْبِ دَوَابِّهِمْ فَالْبِئْرُ مِلْكٌ لَهُمْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ: لَا يَمْلِكُونَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُمْ أَحَقُّ بِمَائِهَا مَا أَقَامُوا. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَعَلَيْهِمْ بَذْلُ الْفَاضِلِ لِشَارِبِهِ فَقَطْ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ تَكُونُ سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ عَادَ الْمُرْتَفِقُونَ إلَيْهَا، فَهَلْ يَخْتَصُّونَ بِهَا، أَمْ هُمْ كَغَيْرِهِمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: هُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ قَالَ السَّامِرِيُّ: رَأَيْت بِخَطِّ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، قَالَ: مَحْفُوظٌ يَعْنِي: نَفْسَهُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُمْ إذَا عَادُوا كَانُوا أَحَقَّ بِهِ. لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ بِالْإِحْيَاءِ. وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَرْحَلُوا فِي كُلِّ سَنَةٍ، ثُمَّ يَعُودُونَ. فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِالرَّحِيلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَهُوَ أَوْلَى بِهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَفَرَ تَمَلُّكًا، أَوْ بِمِلْكِهِ الْحَيَّ: فَنَفْسُ الْبِئْرِ مِلْكٌ لَهُ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَلَكَهَا فِي الْأَقْيَسِ. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ احْتَاجَتْ طَيًّا: مَلَكَهَا بَعْدَهُ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ هُوَ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَإِنْ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ تَمَلَّكَهَا: فَمَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ، فَهُوَ كَالشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ. وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ بِطَيِّهَا. انْتَهَيَا وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَمْلِكُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا أَمْ لَا؟ . قَوْلُهُ (وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ: أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ، أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا) . مُرَادُهُ بِالْحَائِطِ: أَنْ يَكُونَ مَنِيعًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِلْبِنَاءِ، أَوْ لِلزَّرْعِ، أَوْ حَظِيرَةٍ لِلْغَنَمِ وَالْخَشَبِ، وَنَحْوِهِمَا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إحْيَاءُ الْأَرْضِ: مَا عُدَّ إحْيَاءً. وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ إجْرَاءِ مَاءٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرُهُمْ. وَعَلَى هَذَا قَالُوا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ غَرَضِ الْمُحْيِي مِنْ مَسْكَنٍ وَحَظِيرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا: اُعْتُبِرَ بِنَاءُ حَائِطٍ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ، وَأَنْ يُسَقِّفَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعَهَا وَيَسْقِيَهَا، وَلَا أَنْ

يُفَصِّلَهَا تَفْصِيلَ الزَّرْعِ، وَيَحُوطَهَا مِنْ التُّرَابِ بِحَاجِزٍ، وَلَا أَنْ يُقَسِّمَ الْبُيُوتَ إذَا كَانَتْ لِلسُّكْنَى، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَشْهَرِهِمَا. وَالْأُخْرَى: يُشْتَرَطُ جَمِيعُ ذَلِكَ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِصَالِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْقِيفِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَا يُعْتَبَرُ فِي إحْيَاءِ الْأَرْضِ لِلسُّكْنَى نَصْبُ الْأَبْوَابِ عَلَى الْبُيُوتِ. وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إحْيَاءٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يُورِدْ فِي الْمُغْنِي خِلَافَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَوْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً " يَعْنِي إحْيَاءَ الْأَرْضِ: أَنْ يُجْرِيَ لَهَا مَاءً، إنْ كَانَتْ لَا تُزْرَعُ إلَّا بِالْمَاءِ. وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ أَيْضًا بِالْغِرَاسِ وَيَمْلِكُهَا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَمْلِكُهُ بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. فَائِدَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إلَّا بِحَبْسِ الْمَاءِ عَنْهَا كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ وَنَحْوِهَا فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّ الْمَاءِ عَنْهَا، وَجَعْلِهَا بِحَالٍ يُمْكِنُ زَرْعُهَا. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ. وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ، وَالزَّرْعِ. وَقِيلَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ كَرَبَ حَوْلَهَا؟ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ حَتَّى يُحِيطَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَةً: مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادِيَةً، فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا) .

يَعْنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِيهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُهَا: بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوَاتٍ يَمْلِكُ ... حَرِيمَهَا مَعَهَا بِذَرْعٍ يَسْلُكُ فَخَمْسَةٌ تُمْلَكُ وَالْعِشْرُونَ ... وَإِنْ تَكُنْ عَادِيَةً خَمْسُونَ وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ فِي التَّقْدِيرِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ. قَالَ. وَلَوْ تَأَمَّلُوا النَّصَّ بِكَمَالِهِ مِنْ مَسَائِلِ حَرْبٍ، وَالْخَلَّالِ: لَمَا قَالُوا ذَلِكَ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: حَرِيمُهَا قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَذَكَرَ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْقَاضِي هُنَا مَا حَكَيْنَاهُ فِي الْمُجَرَّدِ الْآتِي الْمُوَافِقِ لِاخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: قَدْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا.

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ هَذَا الذَّرْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ، بَلْ حَرِيمُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ: مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ تَرْقِيَةِ مَائِهَا مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ بِدُولَابٍ: فَقَدْرُ مَدَارِ الثَّوْرِ، أَوْ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ بِسَاقِيَةٍ: فَقَدْرُ طُولِ الْبِئْرِ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِي مِنْهَا بِيَدِهِ: فَقَدْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُوَافِقُ عِنْدَهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَدْرُ الْحَاجَةِ أَكْثَرَ: فَهُوَ حَرِيمُهَا. وَإِنْ كَانَ التَّحْدِيدُ الْمَذْكُورُ أَكْثَرَ: فَهُوَ حَرِيمُهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَكْرُوسٍ. وَعِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ: إنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ: فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً: فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا. فَائِدَةٌ: الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْقَدِيمَةُ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. مَنْسُوبَةً إلَى عَادٍ. وَلَمْ يَرِدْ " عَادًا " بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ " عَادٌ " فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آبَارٌ فِي الْأَرْضِ: نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الْعَادِيَّةُ: هِيَ الَّتِي أُعِيدَتْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ، وَغَيْرُهُ: الْعَادِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تَزَلْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُهُ. لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: قَدْرُ الْحَاجَةِ، وَلَوْ كَانَ أَلْفَ ذِرَاعٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَمِنْهَا: حَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ: مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ، وَطَرِيقِ شَاوِيهِ، وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ: ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً. وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ، وَنَحْوِهِ، وَمَوْضِعُ غَرْسٍ، وَزَرْعٍ، وَنَحْوُهُمَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَمَنْ حَفَرَ عَيْنًا: مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَقِيلَ: بَلْ قَدْرُ الْحَاجَةِ. قُلْت: وَكَذَا النَّهْرُ. وَقِيلَ: بَلْ مَا يَحْتَاجُهُ لِتَنْظِيفِهِ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: حَرِيمُ الْقَنَاةِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ، خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ: وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بِحَرِيمِ النَّهْرِ. وَمِنْهَا: حَرِيمُ الشَّجَرِ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: حَرِيمُ الْأَرْضِ الَّتِي لِلزَّرْعِ: مَا يَحْتَاجُهُ فِي سَقْيِهَا، وَرَبْطِ دَوَابِّهَا، وَطَرْحِ سَبْخِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَحَرِيمُ الدَّارِ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا: مَطْرَحُ التُّرَابِ، وَالْكُنَاسَةِ وَالثَّلْجِ، وَمَاءِ الْمِيزَابِ، وَالْمَمَرِّ إلَى الْبَابِ. وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِ الْغَيْرِ. وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ، عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ عُرْفًا. فَإِنْ تَعَدَّى: مُنِعَ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: إنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ، وَالْخَرُّوبِ فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ. فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ. فَإِنْ طَعِمَهُ: مَلَكَهُ. وَحَرِيمُهُ: تَهَيُّؤُهُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي عَمَلِهِ فِي مَعْدِنِهِ، وَالْخَارِجُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ: صَحَّ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " بِعْهُ بِكَذَا. فَمَا زَادَ فَلَكَ ". وَقَالَ الْمَجْدُ: فِيهِ نَظَرٌ. لِكَوْنِهِ هِبَةَ مَجْهُولٍ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَلْفًا مِمَّا لَقِيَ، أَوْ مُنَاصَفَةً، فَالْبَقِيَّةُ لَهُ؟ فَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ لَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يُورِدْ سِوَاهُ. وَذُكِرَ فِيهِ نَصٌّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ: صِفْ لِي هَذَا الزَّرْعَ، عَلَى أَنَّ لَك ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا لَمْ يَمْلِكْهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَدَمُ الِاسْتِقْلَالِ. انْتَهَى. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةُ: أَنَّهُ مَا أَفَادَهُ الْمِلْكُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَوَارِثُهُ بَعْدَهُ وَمَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ) . هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُرَادُ بِهِ: إفَادَةُ التَّحَجُّرِ لِلْمِلْكِ. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ: الْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ، وَإِيرَادِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ. قَالَ: وَالتَّجْوِيزُ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ جِدًّا. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَائِدَةٌ: تَحَجُّرُ الْمَوَاتِ: هُوَ الشُّرُوعُ فِي إحْيَائِهِ، مِثْلَ أَنْ يُدِيرَ حَوْلَ الْأَرْضِ تُرَابًا أَوْ أَحْجَارًا، أَوْ يُحِيطَهَا بِجِدَارٍ صَغِيرٍ، أَوْ يَحْفِرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ إلَى مَائِهَا. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. أَوْ يَسْقِيَ شَجَرًا مُبَاحًا، وَيُصْلِحَهُ وَلَمْ يُرَكِّبْهُ. فَإِنْ رَكَّبَهُ مَلَكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَلَكَ حَرِيمَهُ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مَوَاتًا لَمْ يَمْلِكْهُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إحْيَاءَهُ) . يَعْنِي وَطَالَتْ الْمُدَّةُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمْ. فَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ. فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ: أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَيُمْهَلُ شَهْرَيْنِ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةً.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٌ: أُمْهِلَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُمْهَلُ مُدَّةً قَرِيبَةً بِسُؤَالِهِ. انْتَهَى. قُلْت: فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ قَالَ: وَتَقْدِيرُ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، مِنْ الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، بِحَسَبِ الْحَالِ. قَالَ: وَالثَّلَاثَةُ انْفَرَدَ بِهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. كَأَنَّهُ مَا رَاجَعَ الْمُسْتَوْعِبَ وَالشَّرْحَ. تَنْبِيهٌ: فَائِدَةُ الْإِمْهَالِ: انْقِطَاعُ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَى التَّرْكِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ، قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَك. فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِمْهَالِ مَخْصُوصٌ بِحَالَةِ الْعُذْرِ، أَوْ الِاعْتِذَارِ. أَمَّا إنْ عُلِمَ انْتِفَاءُ الْعُذْرِ فَلَا مُهْلَةَ. قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْحَالِ بِوُجُودِ مُتَشَوِّفٍ إلَى الْإِحْيَاءِ. أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ: فَلَا اعْتِرَاضَ، سِوَى تَرْكٍ لِعُذْرٍ أَوْ لَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ. فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي لَوْ بَادَرَ غَيْرُهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْهَالِ، وَأَحْيَاهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ بَعِيدٌ فَائِدَتَانِ: الْأُولَى: لَوْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ قَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ: لَمْ يَمْلِكْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: حُكْمُ الْإِحْيَاءِ قَبْلَ ضَرْبِ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ حُكْمُ الْإِحْيَاءِ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا إذَا أَحْيَاهُ الْغَيْرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُهْلَةِ: فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي نُزُولِهِ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِزَيْدٍ. هَلْ يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ فِيهَا؟ . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ نُزِلَ لَهُ عَنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ. وَيُوَلِّي مَنْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ شَرْعًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: لَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمَنْزُولِ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ الْحَاكِمُ، وَإِلَّا فَالْوَظِيفَةُ بَاقِيَةٌ لِلنَّازِلِ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَرِيبٌ مِنْهُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْبِقَهُ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْجَالِسِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَكَانِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا. ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ. لِأَنَّ الْقَائِمَ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْقِيَامِ. فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. فَكَانَ السَّابِقُ إلَيْهِ أَحَقَّ بِهِ. كَمَنْ وَسَّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَيُفَارِقُ التَّوْسِعَةَ فِي الطَّرِيقِ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا كَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَكَان فِيهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ حَتَّى يُؤْثِرَ بِهِ، وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ. وَلِذَلِكَ

لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ إذَا انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ. وَهَذَا إنَّمَا انْتَقَلَ مُؤْثِرًا لِغَيْرِهِ. فَأَشْبَهَ النَّائِبَ الَّذِي بَعَثَهُ إنْسَانٌ لِيَجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا إذَا كَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا، وَيُوجَدُ غَيْرُ أَهْلٍ. فَإِنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ أَحَقُّ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. قَوْلُهُ (وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ، بَلْ يَكُونُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الْإِقْطَاعِ. يَبِيعُ، وَيَهَبُ، وَيَتَصَرَّفُ، وَيُورَثُ عَنْهُ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. إعْمَالًا لِحَقِيقَةِ الْإِقْطَاعِ. وَهُوَ التَّمْلِيكُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا، لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. الثَّانِيَةُ: قَسَّمَ الْأَصْحَابُ الْإِقْطَاعَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ، وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ. وَقَسَمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ: إلَى مَوَاتٍ، وَعَامِرٍ، وَمَعَادِنَ. وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُشْرٌ، وَخَرَاجٌ. وَإِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ: يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ. فَيَحْرُمُ، وَلَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا، مَا لَمْ يَعُدْ فِيهِ الْإِمَامُ) .

تَنْبِيهٌ: تَجْوِيزُ الْمُصَنِّفِ إقْطَاعَ الْجُلُوسِ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ: اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مَسْجِدًا، لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ. وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا؟ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُقْطِعْهَا، فَلِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا. وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي: أَنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ، وَأَنَّ لَهُ الْجُلُوسَ فِيهَا مَا بَقِيَ قُمَاشُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعَ عَدَمِ إقْطَاعٍ: لِلسَّابِقِ الْجُلُوسُ. عَلَى الْأَصَحِّ، مِمَّا بَقِيَ قُمَاشُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَقَلَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: رِوَايَةً بِالْمَنْعِ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ. لِلتَّعَامُلِ فِيهَا، فَلَا تَكُونُ مِنْ الْمَرَافِقِ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِي الْجُلُوسِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يُفْتَقَرُ إلَى إذْنٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَجْلَسَ غُلَامَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، لِيَجْلِسَ هُوَ إذَا عَادَ إلَيْهِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ فِيهِ. لِاسْتِمْرَارِ يَدِهِ بِمَنْ هُوَ فِي جِهَتِهِ. وَلَوْ آثَرَ بِهِ رَجُلًا، فَهَلْ لِلْغَيْرِ السَّبْقُ إلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي: نَعَمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا ذَكَرْنَا فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ " لَوْ آثَرَ بِمَكَانِهِ شَخْصًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يُظْلِلَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، مِنْ بَارِيَةٍ وَكِسَاءٍ وَنَحْوِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ دَكَّةً وَلَا غَيْرَهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا، فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُزَالُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اللَّائِقُ بِأُصُولِ الْأَصْحَابِ. حَيْثُ قَالُوا بِالْإِقْطَاعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُزَالُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَظْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: مُنِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. (وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا) . وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي فَمَنْ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اسْتَبَقَا إلَى مَوْضِعٍ فِي رِبَاطِ مُسْبَلٍ أَوْ خَانٍ، أَوْ اسْتَبَقَ فَقِيهَانِ إلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيَّانِ إلَى خَانِقَاهُ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: هَذَا يُتَوَجَّهُ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِوَصْفٍ مُعَيَّنٍ. لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا عَلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ. فَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَ إلَّا تَرْجِيحُهُ لَهُ بِنَوْعٍ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ مَعَ التَّسَاوِي. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَعْدِنٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ مُنِعَ مِنْهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهِ، بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ: مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُمْنَعُ إذَا طَالَ مَقَامُهُ؟) يَعْنِي الْآخِذَ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، أَحَدُهُمَا: لَا يُمْنَعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ آخِذًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَصَحُّهُمَا لَا يُمْنَعُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُمْنَعُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يُمْنَعُ مَعَ ضِيقِ الْمَكَانِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى مَعْدِنٍ مُبَاحٍ. فَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ أَخْذِهِمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ مَعًا، وَضَاقَ بِهِمَا: اقْتَرَعَا وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: بِالْقِسْمَةِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا رَابِعًا. وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يُنَصِّبُ مَنْ يَأْخُذُ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ، هَايَأَهُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِالْيَوْمِ أَوْ السَّاعَةِ بِحَسْبِ مَا يَرَى. لِأَنَّهُ يَطُولُ. وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ. فَاحْتِمَالَاتٌ، أَحَدُهَا: الْقُرْعَةُ. وَالثَّانِي: يُنَصِّبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا ثُمَّ يَقْسِمُ. وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَوْلَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا قُدِّمَ. فَإِنْ أَخَذَ فَوْقَ حَاجَتِهِ: مُنِعَ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ أَخَذَهُ لِلتِّجَارَةِ هَايَأَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ أَخَذَهُ لِحَاجَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الْمُهَايَأَةُ، وَالْقُرْعَةُ، وَتَقْدِيمُ مَنْ يَرَى الْإِمَامُ وَأَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ الْقَاضِي.

قَوْلُهُ (وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَسَمَكٍ، وَلُؤْلُؤٍ، وَمِرْجَانٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْتَبِذُهُ النَّاسُ) رَغْبَةً عَنْهُ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) . وَكَذَا لَوْ سَبَقَ إلَى مَا ضَاعَ مِنْ النَّاسِ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَكَذَا اللَّقِيطُ، وَمَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّلْجِ وَالْمَنِّ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ: قُسِمَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: فَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْمُبَاحِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَقْتَرِعَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَيَّهُمَا شَاءَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ إنَّ أَبَا الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ قَيَّدَ اقْتِسَامَهُمَا بِمَا إذَا كَانَ الْأَخْذُ لِلتِّجَارَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لِلْحَاجَةِ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا عِنْدِي غَلَطٌ. فَإِنَّ الْمُبَاحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْآخِذُ: اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ، وَلَا بُدَّ. لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُفِيدِ لَهُ، مَعَ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تَرِدْ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْهُ. وَكَيْفَ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ نَعَمْ: قَدْ يَجْرِي مَا قَالَ فِيمَا إذَا ازْدَحَمَا عَلَيْهِ لِيَأْخُذَاهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، مِنْ الِاقْتِسَامِ مَعَ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التِّجَارَةِ، وَالْحَاجَةِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا فِي الْمُنْضَبِطِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْيَدِ، كَالصَّيْدِ، وَالسَّمَكِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْمَرْجَانِ، وَالْمَنْبُوذِ. أَمَّا مَا لَا يَنْضَبِطُ كَالشَّعْرِ أَوْ ثَمَرِ الْجَبَلِ: فَالْمِلْكُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي السَّبْقِ إلَى الطَّرِيقِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: بِالْقِسْمَةِ هُنَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلَاةٍ، أَوْ مَهْلَكَةٍ، لِيَأْسِهِ مِنْهَا، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا: مَلَكَهَا آخِذُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا. وَهُوَ وَجْهٌ، خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَالرَّقِيقِ، وَتُرَّ الْمَتَاعُ عَجْزًا، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَأُجْرَةِ حَمْلِ الْمَتَاعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي. أَخْذًا مِنْ انْتِفَاءِ الْأَخْذِ فِي اللُّقَطَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْعَبْدِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ فِي الْبَحْرِ خَوْفَ الْغَرَقِ. فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمَتَاعِ يَقْتَضِي: أَنَّ مَا يُلْقِيهِ رُكَّابُ السَّفِينَةِ مَخَافَةَ الْغَرَقِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ. انْتَهَى. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ آخِذُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ فِي

النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُ فِي آخِرِ اللُّقَطَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لِآخِذِهِ الْأُجْرَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا أُجْرَةَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ. فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ، حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إلَى مَنْ يَلِيهِ) . الْمَاءُ إذَا كَانَ جَارِيًا، وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهْرًا عَظِيمًا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ، وَدِجْلَةَ، وَمَا أَشْبَهَهَا أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ نَهْرًا عَظِيمًا: فَهَذَا لَا تَرَاحُمَ فِيهِ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ مَتَى شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ. وَإِنْ كَانَ نَهْرًا صَغِيرًا، يَزْدَحِمُ النَّاسُ فِيهِ، وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ، أَوْ سَيْلًا يَتَشَاحُّ فِيهِ أَهْلُ الْأَرْضِينَ الشَّارِبَةِ مِنْهُ: فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ فَيَسْقِي. وَيَحْبِسُ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُرْسِلُ إلَى مَنْ يَلِيهِ كَذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا. فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ، أَوْ عَنْ الثَّانِي، أَوْ مَنْ يَلِيهِمْ: فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِينَ. فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ صَاحِبِ الْأَعْلَى مُخْتَلِفَةً. مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَعْلٍ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَفْلٌ: سَقَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهَا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْعُلْيَا مُسْتَفِلَةً: سَدَّهَا إذَا سَقَى، حَتَّى يَصْعَدَ إلَى الثَّانِي فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ: اقْتَسَمَا الْمَاءَ بَيْنَهُمَا، إنْ أَمْكَنَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَيُقَدَّمُ مَنْ قُرِعَ.

فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا: سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ، لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ. وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ، بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فِي الْفَاضِلِ عَنْ الْأَعْلَى. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. إنْ كَانَتْ أَرْضُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْضِ الْآخَرِ: قُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى الشُّرْبِ ثَانِيًا، قَبْلَ انْتِهَاءِ سَقْيِ الْأَرَاضِي: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَنَصَرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ، بِسَقْيِهَا مِنْهُ: جَازَ. مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) . إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، أَوْ سَيْلٍ. فَجَاءَ إنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعُمُومُهَا: يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ السَّبْقِ إلَى أَعْلَى النَّهْرِ مُطْلَقًا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهَلْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوَاتِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُمْ مَنْعُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إيرَادِ الْكِتَابِ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ سَبَقَ إلَى مَسِيلِ مَاءٍ أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. فَأَحْيَا فِي أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ أَحْيَا آخَرُ فَوْقَهُ، ثُمَّ أَحْيَا ثَالِثٌ فَوْقَ الثَّانِي: كَانَ لِلَّذِي أَحْيَا السُّفْلَ أَوَّلًا. ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ. فَيُقَدَّمُ السَّبْقُ إلَى الْإِحْيَاءِ عَلَى السَّبْقِ إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ. وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ يَنْعَكِسُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ بِنَهْرٍ مَمْلُوكٍ، كَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا صَغِيرًا سَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ. فَمَا حَصَلَ فِيهِ مِلْكُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِنَا " إنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ " أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَاءِ فِي هَذَا النَّهْرِ: حُكْمُهُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي نَهْرِهِ: كَدُخُولِهِ فِي قِرْبَتِهِ، وَرَاوِيَتِهِ، وَمَصْنَعِهِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ: أَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ، كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَّا أَنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ، عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ. فَإِنْ كَفَى جَمِيعَهُمْ: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ، أَوْ غَيْرِهَا: جَازَ. فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي قِسْمَتِهِ: قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ. فَيَأْخُذُ خَشَبَةً صُلْبَةً، أَوْ حَجَرًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ. فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي مَصِّ دَمِ الْمَاءِ. فِيهِ حُزُوزٌ، أَوْ ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ. يَخْرُجُ مِنْ حَزٍّ أَوْ ثَقْبٍ إلَى سَاقِيَّةٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَإِذَا حَصَلَ فِي سَاقِيَّتِهِ: فَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ يَسْقِي بِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ.

وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ سَقْيُ أَرْضٍ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ مِنْ هَذَا الْمَاءِ. انْتَهَى. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَاقِيَّتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ: مِنْ عَمَلِ رَحًى عَلَيْهَا، أَوْ دُولَابٍ، أَوْ عَبَّارَةٍ وَهِيَ خَشَبَةٌ تُمَدُّ عَلَى طَرِيقِ النَّهْرِ أَوْ قَنْطَرَةٌ يُعْبَرُ الْمَاءُ فِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ. فَأَمَّا النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ: فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ لَهُ أَنْ يُنَصِّبَ عَبَّارَةً يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. نُصَّ عَلَيْهِمَا فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْقِيَ زَرْعَهُ، وَكَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ، هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. كَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَمَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ. لَكِنْ لَوْ زَالَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَقِيلَ: يَجُوزُ نَقْضُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ نَقْضُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ الْخِلَافُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزٌ. وَأَنْكَرَ شَدِيدًا قَوْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِ الْأُمَرَاءِ. وَقَالَ: يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَطَائِعِهِمْ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: قَطَائِعُ الشَّامِ، وَالْجَزِيرَةِ مِنْ الْمَكْرُوهَةِ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ. فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد: مَا أَدْرِي، مَا هَذِهِ الْقَطَائِعُ؟ يُخْرِجُونَهَا مِمَّنْ شَاءُوا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مَنْ أَقْطَعَهَا. فَكَيْفَ تَخْرُجُ مِنْهُ؟

باب الجعالة

[بَابُ الْجَعَالَةِ] ِ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي، أَوْ لُقَطَتِي، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ. فَلَهُ كَذَا) . قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ زَيْدٌ شَيْئًا مَعْلُومًا لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا مُدَّةً مَجْهُولَةً. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: جَعْلُ الشَّيْءِ مِنْ الْمَالِ لِمَنْ يَفْعَلُ أَمْرَ كَذَا. قَالَ: وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَالَ الْمُصَنِّفُ. لِتَنَاوُلِهِ الْفَاعِلَ الْمُبْهَمَ وَالْمُعَيَّنَ، وَمَا قَالَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعَيَّنَ. انْتَهَى. قُلْت: لَكِنَّهُ يَدْخُلُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " مَنْ رَدَّ عَبْدِي " يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ فِي رَدِّ الْآبِقِ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: أَنَّ لِرَدِّ الْآبِقِ جُعْلًا مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ. فَالْمُسْتَفَادُ إذَنْ بِالْعَقْدِ: مَا زَادَ عَلَى الْمُقَدَّرِ الْمَشْرُوعِ. فَوُجُودُ الْجَعَالَةِ يُوجِبُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّرِ وَالْمَشْرُوطِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا شَرَطَهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: الْجَعَالَةُ نَوْعُ إجَارَةٍ لِوُقُوعِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا تُمَيَّزُ بِكَوْنِ الْفَاعِلِ لَا يَلْتَزِمُ الْفِعْلَ، وَبِكَوْنِ الْعَقْدِ قَدْ يَقَعُ مُبْهَمًا لَا مَعَ مُعَيَّنٍ. وَيَجُوزُ فِي الْجَعَالَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا كَالْإِجَارَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعَلُ: اسْتَحَقَّهُ) بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَإِنْ بَلَغَهُ فِي أَثْنَائِهِ: اسْتَحَقَّ بِالْقِسْطِ. فَإِنْ تَلِفَ الْجُعْلُ: كَانَ لَهُ مِثْلُهُ، إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا قِيمَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إذَا عَيَّنَ عِوَضًا مَلَكَهُ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ. فَلَوْ تَلِفَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ الْمُعَيَّنَةِ، أَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ، فَرَدَّ أَحَدَهُمَا: فَلَهُ نِصْفُ الْجُعْلِ. وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ ثُلُثِ الطَّرِيقِ: اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ. وَمِنْ ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ: اسْتَحَقَّ الثُّلُثَيْنِ. فَيَسْتَحِقُّ إذَا رَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ بِالْقِسْطِ. وَإِنْ رَدَّهُ مِنْ مَسَافَةٍ أَبْعَدَ مِنْ الْمُعَيَّنَةِ. فَلَهُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ. إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا) . يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَالْأُجْرَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ، إذَا كَانَ الْجَهْلُ لَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ. نَحْوَ أَنْ يَقُولَ " مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ. فَلَهُ نِصْفُهُ، وَمَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا ". قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قَالَ الْأَمِيرُ فِي الْغَزْوِ " مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ " جَازَ.

وَقَالُوا: إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى قَلْعَةٍ أَوْ طَرِيقٍ سَهْلٍ، وَكَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ، كَجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا: جَازَ. فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجُعْلِ مَعْلُومًا. فَإِنْ شَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا فَسَدَ الْعَقْدُ. وَإِنْ قَالَ: فَلَكَ ثُلُثُ الضَّالَّةِ، أَوْ رُبُعُهَا: صَحَّ، عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الثَّوْبِ يُنْسَجُ بِثُلُثِهِ، وَالزَّرْعِ يُحْصَدُ، وَالنَّخْلِ يُصْرَمُ بِسُدُسِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْغَزْوِ: مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ، فَلَهُ رَأْسٌ: جَازَ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: لَا يَصِحُّ. وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهًا بِجَوَازِ الْجَهَالَةِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ. وَنَظَرَ بِمَسْأَلَةِ الثُّلُثِ. وَاسْتَشْهَدَ بِنَصِّهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي الْغَزْوِ، وَبِمَا إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى قَلْعَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ سَهْلٍ، وَكَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ: جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، كَجَارِيَةٍ يُعَيِّنُهَا لِلْعَامِلِ. قَالَ: فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. انْتَهَى. وَقَدْ قُطِعَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، مَعَ اشْتِرَاطِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ جُعْلَ جُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ الضَّالَّةِ: لَيْسَ بِمَجْهُولٍ. فَائِدَةٌ: إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ: لَمْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مُطْلَقًا. كَذَا إنْ كَانَتْ لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " مَنْ دَاوَى لِي هَذَا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ رَمَدِهِ. فَلَهُ كَذَا " لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: تَصِحُّ جَعَالَةٌ اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْإِجَارَةِ.

وَقِيلَ: تَصِحُّ إجَارَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ أَوْ قَدْرِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي قَدْرِهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ قِيَاسًا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَجِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ. وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الرِّعَايَةِ. فَعَلَيْهِ. يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ " تَجُوزُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَاعِلٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجَعَالَةِ. انْتَهَى. قُلْت: إنَّمَا حُكِمَ بِكَوْنِهِ جَاعِلًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ. أَمَّا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي قَدْرِ الْجُعْلِ: فَهُوَ جَاعِلٌ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلِ الْجُعْلِ: فَلَيْسَ بِجَاعِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَعْمِ غَرِيمِهِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ. وَهُوَ كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ: فَلَا شَيْءَ لَهُ) وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ تَخْلِيصَ مَتَاعِ غَيْرِهِ مِنْ فَلَاةٍ، وَلَوْ كَانَ هَلَاكًا فِيهِ مُحَقَّقًا، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ كَالْبَحْرِ، وَفَمِ السَّبُعِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَلَهُ احْتِمَالٌ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُجَرَّدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ. بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَكَذَلِكَ لَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ. فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ مِنْ الْبَحْرِ. فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَلْحَقَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ بِذَلِكَ: الْعَبْدَ إذَا خَلَّصَهُ مِنْ فَلَاةٍ مُهْلِكَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ. وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ هُنَاكَ. وَحَكَى الْقَاضِي احْتِمَالًا فِي الْعَبْدِ: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَاللُّقَطَةِ. وَأُورِدَ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ خَلَّصَ مِنْ فَمِ السَّبُعِ شَاةً، أَوْ خَرُوفًا، أَوْ غَيْرَهُمْ أَنَّهُ لِمَالِكِهِ الْأَوَّلِ. وَلَا شَيْءَ لِلْمُخَلِّصِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي مُسَوَّدَتِهِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ظَاهِرِهِ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَخْلِيصِ الْمَتَاعِ مِنْ الْمَهَالِكِ، دُونَ الْآدَمِيِّ. لِأَنَّ الْآدَمِيَّ أَهْلٌ فِي الْجُمْلَةِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَقَدْ يَكُونُ صَغِيرًا أَوْ عَاجِزًا، وَتَخْلِيصُهُ أَهَمُّ وَأَوْلَى مِنْ الْمَتَاعِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَفْرِقَةٌ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَلِفَ مَا خَلَّصَهُ مِنْ هَلَكَةٍ: لَمْ يَضْمَنْهُ مُنْقِذُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. حَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَفِيهِ بَعْدُ. الثَّانِيَةُ: مَتَى كَانَ الْعَمَلُ فِي مَالِ الْغَيْرِ إنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ: كَانَ جَائِزًا. كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ إذَا خِيفَ مَوْتُهُ. صُرِّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ،

وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَقَالَ: وَيُفِيدُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَ بِذَبْحِهِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: بِقَوْلِهِمْ " وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ " غَيْرَ الْمُعَدِّ لِأَخْذِ الْأُجْرَةِ. فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِأَخْذِهَا: فَلَهُ الْأُجْرَةُ قَطْعًا. كَالْمَلَّاحِ، وَالْمُكَارِي، وَالْحَجَّامِ، وَالْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ، وَالدَّلَّالِ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ. فَإِذَا عَمِلَ: اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (إلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ لِرَادِّهِ مِنْ غَيْرِ جَعَالَةٍ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَنَازَعَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ هَذَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ دِينَارًا، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمَا: وَسَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِيهِمَا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ ذَا رَحِمٍ، فِي عِيَالِ الْمَالِكِ أَوْ لَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ: فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَالْفَائِقُ: اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ: مِنْ الْمِصْرِ: عَشَرَةٌ. قَالَ الْخَلَّالُ: اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ.

قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَقَالَ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ: دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ رَدَّ الْآبِقَ: فَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَعَنْهُ: اثْنَيْ عَشَرَ. وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الْمُغْنِي إذَا رَدَّهُ مِنْ الْمِصْرِ دِينَارٌ، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَفِي الْكَافِي دِينَارٌ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: دِينَارٌ. وَفِي خِلَافَيْ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ: دِينَارٌ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي رِوَايَةٍ. وَفِي أُخْرَى: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي، وَابْنِ الْبَنَّا، وَالْحَلْوَانِيِّ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا رَدَّهُ مِنْ دَاخِلِ الْمِصْرِ: فَلَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَوْلًا وَاحِدًا نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ نَصًّا بِخِلَافِهِ. وَفِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ لِلْقَاضِي: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ: أَنَّهُ إذَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْمِصْرِ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ. وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، وَالتَّنْبِيهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَلَمْ يُورِدُوا سِوَاهُ. قَالَ: فَأَمَّا فِي الْمُقْنِعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ، وَالْأَعْلَامِ لِابْنِ بَكْرُوسٍ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ: مِنْ التَّقْدِيرِ بِالدِّينَارِ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ. وَفِي دَاخِلِ الْمِصْرِ: كَمَا فِي خَارِجِهِ، فَلَا يَثْبُتُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ: قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " مَنْ رَدَّ آبِقًا: اسْتَحَقَّ دِينَارًا، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. سَوَاءٌ جَاءَ بِهِ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِ الْمِصْرِ فِي إحْدَى.

الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى: إنْ جَاءَ بِهِ مِنْ الْمِصْرِ: اسْتَحَقَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَإِنْ جَاءَ بِهِ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ: اسْتَحَقَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ". فَمِنْهُمْ: مَنْ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ. وَمِنْهُمْ: مَنْ اخْتَصَّ الْعَشَرَةَ فِي الْمِصْرِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَعْنَى الدِّينَارِ، وَأَنَّ الدِّينَارَ قَدْ يُقَوَّمُ بِالْعَشَرَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ. فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي مِنْ اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ، أَوْ الِاثْنَيْ عَشَرَ فِي الْمِصْرِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَلْبَتَّةَ. وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ نَاقِلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ الْقَاضِي. وَهُوَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ فِي النَّقْلِ بَلْ هُوَ نَاقِلُ غَالِبِ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اطِّلَاعِ الْحَارِثِيِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ لَا تَكُونَ نُقِلَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، خُصُوصًا وَأَنَّهُ قَدْ تَابَعَهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ الْمُحَقِّقُونَ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ رَدَّهُ الْإِمَامُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: إنْ رَدَّهُ الْإِمَامُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَالَ: وَذَلِكَ لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ. وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ. كَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَقَطَعَ بِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ (وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي قُوتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: بِاسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ أَمْ لَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا: بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ.

وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَاشْتَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: الْعَجْزَ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْمَالِكِ. وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَا يَتَوَقَّفُ الرُّجُوعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، بَلْ لَوْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ: فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: عَلَفُ الدَّابَّةِ كَالنَّفَقَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَرَادَ اسْتِخْدَامَهُ بَدَلَ النَّفَقَةِ، فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْكِفَايَةِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ. وَذَكَرَهُمَا فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ. فَكَذَا هُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ جَوَازَ أَخْذِ الْآبِقِ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَرْتَدَّ، أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ فِي الْبِلَادِ. بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إذَا أَخَذَهُ. إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَجَدَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، إذَا اعْتَرَفَ الْعَبْدُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ، أَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيِّدَهُ دَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. فَيَحْفَظُهُ لِصَاحِبِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ. وَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ بَيْعُهُ، وَلَا تَمَلُّكُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ. لِأَنَّهُ يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ. فَهُوَ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَوْلُهُمَا " يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الْكَبِيرَ. لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَنْحَفِظُ بِنَفْسِهِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ اللُّقَطَةِ.

فَإِنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا، فَجَاءَ سَيِّدُهُ، فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ. ذَكَرَهُ فِي اللُّقَطَةِ. الثَّالِثَةُ: الْعَبْدُ وَغَيْرُهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى. نُصَّ عَلَيْهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الرَّابِعَةُ: أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ فِيمَا تَقَدَّمَ. إذَا جَاءَ بِهِمَا إلَى السَّيِّدِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَيْهِ: فَلَا جُعْلَ. لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِالْمَوْتِ. فَالْعَمَلُ لَمْ يَتِمَّ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ حَالَ الْحَيَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَلْخِيصِ مَتَاعِ غَيْرِهِ مِنْ مَهْلَكَةٍ.

باب اللقطة

[بَابُ اللُّقَطَةِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ) . هُوَ تَعْرِيفٌ لِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَلَى هَذَا سُؤَالَانِ. أَحَدُهُمَا: قَدْ يَكُونُ الْمُلْتَقَطُ غَيْرَ ضَائِعٍ. كَالْمَتْرُوكِ قَصْدًا لِأَمْرٍ يَقْتَضِيهِ. وَمِنْهُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَالشَّيْءُ الَّذِي يُتْرَكُ ثِقَةً بِهِ، كَأَحْجَارِ الطَّحْنِ، وَالْخَشَبِ الْكِبَارِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْتِقَاطِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْتِقَاطِهِ: يَكُونُ خَارِجًا عَمَّا ذُكِرَ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا يُلْتَقَطُ: إنَّمَا قَالَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بِنَابِهِ. لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيُعْصَمُ مِنْ السُّؤَالِ: أَنْ يُضَافَ إلَى الْحَدِّ " مَا جَرَى مَجْرَى الْمَالِ ". قَوْلُهُ (وَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ) . يَعْنِي: هِمَّةَ أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَلَوْ كَثُرَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَمَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ (بِالسَّوْطِ وَالشِّسْعِ وَالرَّغِيفِ) . وَمَثَّلَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَجَمَاعَةٍ: بِالتَّمْرَةِ وَالْكِسْرَةِ، وَشِسْعِ النَّعْلِ. وَمَا أَشْبَهَهُ. وَمَثَّلَهُ فِي الْمُغْنِي " بِالْعَصَا وَالْحَبْلِ " وَمَا قِيمَتُهُ كَقِيمَةِ ذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ " مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ " نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَنْبَلٍ: أَنَّهُ مَا كَانَ مِثْلَ التَّمْرَةِ، وَالْكِسْرَةِ، وَالْخِرْقَةِ، وَمَا لَا خَطَرَ لَهُ. فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الَّذِي يُعَرَّفُ مِنْ اللُّقَطَةِ: كُلُّ شَيْءٍ، إلَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ

وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: الرَّجُلُ يُصِيبُ الشِّسْعَ فِي الطَّرِيقِ: أَيَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إذَا كَانَ جَيِّدًا مِمَّا لَا يُطْرَحُ مِثْلُهُ. فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَهُ. وَإِنْ كَانَ رَدِيئًا قَدْ طَرَحَهُ صَاحِبُهُ: فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُوَافِقُ مَا قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَبْلَ، وَالسَّوْطَ، وَالرَّغِيفَ: يَزِيدُ عَلَى التَّمْرَةِ، وَالْكِسْرَةِ. قَالَ: وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ، عَلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ الْمُصَنِّفَ، إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ فِي الشِّسْعِ فَقَطْ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَا قَلَّ، كَتَمْرَةٍ وَخِرْقَةٍ، وَشِسْعِ نَعْلٍ، وَكِسْرَةٍ. وَقِيلَ: وَرَغِيفٍ. انْتَهَى. فَحُكِيَ فِي الرَّغِيفِ: الْخِلَافُ. وَقِيلَ: هُوَ مَا دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ تَعْرِيفُ مَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ. وَقِيلَ: هُوَ مَا دُونَ قِيرَاطٍ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرَقٍ. اخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الدَّانِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى دَانِقًا مِنْ ذَهَبٍ. كَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: بَلْ مَا فَوْقَ دَانِقٍ ذَهَبٍ. وَقَالَ أَيْضًا: وَعَنْهُ يُعَرَّفُ الدِّرْهَمُ فَأَكْثَرُ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ كَنَّاسٌ أَوْ نَخَّالٌ، أَوْ مُقَلِّشٌ قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً: مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ، وَإِنْ كَثُرَتْ. قَوْلُهُ (فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ مُدَّةً يُظَنُّ طَلَبُ رَبِّهِ لَهُ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ: إنَّ الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ أَوْلَى. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ بَدَلِهِ إذَا وَجَدَ رَبَّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: تَقْتَضِيهِ لِقَوْلِهِ " فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُهُمْ فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي التَّمْرَةِ يَجِدُهَا، أَوْ يُلْقِيهَا عُصْفُورٌ، أَيَأْكُلُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَيُطْعِمُهَا صَبِيًّا، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا؟ قَالَ: لَا يَعْرِضُ لَهَا. نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقِ. وَمِنْهَا: لَا يُعَرِّفُ الْكَلْبَ إذَا وَجَدَهُ، بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ إذَا كَانَ مُبَاحًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعَرِّفُ سَنَةً. وَيَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: الضَّوَالُّ، الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالظِّبَاءِ، وَالطَّيْرِ، وَالْفُهُودِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا) بِلَا نِزَاعٍ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحُمُرَ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي آخَرِينَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ الْحُمُرَ بِالشَّاةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى. وَمِنْهَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ. اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ. فَأَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَمْتَنِعُ الْتِقَاطُهُ، كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ هُنَا. وَصَرِيحُ لَفْظِهِ فِي الْمُغْنِي. اعْتِبَارًا بِمَنَعَتِهِ بِنَابِهِ. وَجَوَّزَ الْتِقَاطَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ أَصَحُّ. لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ. وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ. وَفِي أَخْذِهِ حِفْظُهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ. أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ وَأَوْلَى، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا. فَيَكُونُ أَخَفَّ. وَعَلَى هَذَا: هَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِيهِمَا طَرِيقَانِ. إحْدَاهُمَا: بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَمَلُّكِ الشَّاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَالْأُخْرَى: بِنَاءُ الِانْتِفَاعِ عَلَى التَّمَلُّكِ لِمَا يُتَمَلَّكُ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَبِنَاءُ مَنْعِ الِانْتِفَاعِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِمَا ضَاعَ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ لَوْ تَلِفَ. لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مَالًا، فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ: أَخْذُ مَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَحِفْظُهُ لِرَبِّهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالصِّفَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِحِفْظِهِ لِرَبِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يَجُوزُ أَخْذُهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي

أَرْضِ مَسْبَعَةٍ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي بَرِيَّةٍ لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا مَرْعَى. وَلَا ضَمَانَ عَلَى آخِذِهَا، لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ الْهَلَاكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ أَخْذِهَا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. وَمِنْهَا: قَطْعُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ: بِجَوَازِ الْتِقَاطِ الصَّيُودِ الْمُتَوَحِّشَةِ، الَّتِي إذَا تُرِكَتْ: رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ. بِشَرْطِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. لَكِنَّهُ إنَّمَا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُ: فِي طَيْرٍ مُتَوَحِّشَةٍ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: أَحْجَارُ الطَّوَاحِينِ، وَالْقُدُورُ الضَّخْمَةُ، وَالْأَخْشَابُ الْكَبِيرَةُ، وَنَحْوُهَا: مُلْحَقَةٌ بِالْإِبِلِ فِي مَنْعِ الِالْتِقَاطِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: بَلْ أَوْلَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ الِالْتِقَاطِ. وَكَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا) . يَعْنِي: إذَا تَلِفَتْ. وَيَضْمَنُ نَقْصَهَا إذَا تَعَيَّبَتْ. لَكِنَّ إتْلَافَهَا، لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ كَتَمَهَا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مَا كَتَمَهَا وَتَلِفَتْ: ضَمِنَهَا كَغَاصِبٍ. وَإِنْ كَانَ كَتَمَهَا حَتَّى تَلِفَتْ: ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا مَرَّتَيْنِ. عَلَى الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَضْمَنُهُ كَغَاصِبٍ، وَنَصُّهُ وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ يَضْمَنُ ضَالَّةً مَكْتُومَةً بِالْقِيمَةِ مَرَّتَيْنِ، لِلْخَبَرِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى نَائِبِ الْإِمَامِ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ لِنَائِبِ الْإِمَامِ أَخْذَهَا ابْتِدَاءً لِلْحِفْظِ. وَهُوَ شَيْءٌ قَالَهُ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ الْمَذْهَبِ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالسَّامِرِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِرَدِّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَرَدَّهَا: بَرِئَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ مِنْهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْرِيفُهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: سَائِرُ الْأَمْوَالِ، كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَالْغَنَمِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ، وَالْأَفْلَاءِ) . يَعْنِي: يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَكَذَا مَرِيضٌ لَا يَنْبَعِثُ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا. وَعَنْهُ فِي شَاةٍ، وَفَصِيلٍ، وَعِجْلٍ، وَفَلْوٍ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْهُ لَا يَلْتَقِطُ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا إلَّا الْإِمَامُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْعَرْضِ رِوَايَةً لَا يَلْتَقِطُهُ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: الْعَبْدَ الصَّغِيرَ، وَالْجَارِيَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَالشَّاةِ. وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَصِغَارُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ بِالتَّعْرِيفِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نَظَرٌ. فَإِنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ: لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ. لِأَنَّ الطِّفْلَ لَا قَوْلَ لَهُ. وَلَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لَاعْتُبِرَ فِي تَعْرِيفِهِ سَيِّدَهُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا. فَلَهُ أَخْذُهَا. وَالْأَفْضَلُ: تَرْكُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ. فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: وُجُوبَ أَخْذِهَا. وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا " أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ التَّعْرِيفِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا.

وَهُوَ صَحِيحٌ. وَكَذَا الْحَكَمُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ نَفْسَهُ عَلَيْهَا. وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ وَجْهٌ يَمْلِكُهَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ طَرَأَ قَصْدُ الْخِيَانَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ لَوْ كَانَ أَوْدَعَهُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي التَّضْمِينِ بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادِ الْكِتْمَانِ. وَيُخَالِفُ الْمُودَعَ. فَإِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، أَوْ فَرَّطَ فِيهَا: ضَمِنَهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا الْتَقَطَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ: ضَمِنَهَا، إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ إذَا رَدَّهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا: لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَزُولُ عَنْهُ الضَّمَانُ لَوْ أَخَذَهَا وَدَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ: فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَ مِنْ نَائِمٍ شَيْئًا: لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ بَعْدَ انْتِبَاهِهِ. وَكَذَلِكَ السَّاهِي. قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ. أَحَدُهَا: حَيَوَانٌ. فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَكْلِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ. وَبَيْنَ حِفْظِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا لَهُ تَعْرِيفًا، وَمُرَادُهُ: إذَا اسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَحَظَّ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لِمَالِكِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ: أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ. إنْ رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ بَيْعَهَا وَحِفْظَ ثَمَنِهَا، أَوْ بَيْعَ الْبَعْضِ فِي مُؤْنَةِ مَا بَقِيَ، أَوْ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ يُؤَجِّرَ فِي الْمُؤْنَةِ: فَعَلَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَبِيعُ بَعْضَ الْحَيَوَانِ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَكْلِهِ بِمَضْيَعَةٍ، بِشَرْطِ ضَمَانِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ ذَبْحِهِ. لِأَنَّهُ يُطْلَبُ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ: لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الْحَوْلِ فِي شَاةٍ وَنَحْوِهَا بِأَكْلٍ وَلَا غَيْرِهِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: وَضَالَّةُ الْغَنَمِ إذَا أَخَذَهَا يُعَرِّفُهَا سَنَةً. وَهُوَ الْوَاجِبُ. فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا: كَانَتْ لَهُ مِثْلَ مَا الْتَقَطَ مِنْ غَيْرِهَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَدْ قَالَ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ لَا تُمْلَكُ الشَّاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَا حَكَى السَّامِرِيُّ، قَالَ: إنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ حَيَوَانًا يَجُوزُ أَخْذُهُ كَالْغَنَمِ. وَمَا حُكْمُهُ حُكْمُهَا: لَمْ يَمْلِكْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْحَيَوَانَ يُعَرَّفُ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَام صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا يَنْفِي اخْتِيَارَ الْأَكْلِ. لِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ عَاجِلٌ. وَهَذَا أَعْنِي الْحِفْظَ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ هُوَ الصَّحِيحُ. فَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْلَى الْأُمُورِ: الْحِفْظُ مَعَ الْإِنْفَاقِ. ثُمَّ الْبَيْعُ وَحِفْظُ ثَمَنِهِ. ثُمَّ الْأَكْلُ وَغُرْمُ الْقِيمَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَالشَّاةُ فِي الْحَالِ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ إنْ لَمْ يُبْرِي قَوْلُهُ (وَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ إذَا نَوَى الرُّجُوعَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ. وَالرُّجُوعُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْآبِقِ. وَالْآبِقُ مِنْ نَحْوِ الضَّالَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِرْشَادِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَرْجِعُ مَعَ تَرْكِ التَّعَدِّي. فَإِنْ تَعَدَّى مَا يُحْسَبُ لَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: إنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ.

يَعْنِي: اللَّتَيْنِ فِيمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَنَوَى الرُّجُوعَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الرُّجُوعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. فَكَذَا هُنَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ هُنَا عَدَمَ الرُّجُوعِ. لِأَنَّ حِفْظَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، بَلْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْفَقَ غَيْرَ مُتَطَوِّعٍ بِالنَّفَقَةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا. وَإِنْ كَانَ مُحْتَسِبًا، فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ كَانَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، فَلَهُ الرُّجُوعُ. وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِالرُّجُوعِ: فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. وَإِنْ أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ. فَهَلْ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ) . يَعْنِي: إذَا اسْتَوَيَا. وَإِلَّا فَعَلَ الْأَحَظَّ. كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ أَكْلُ الْحَيَوَانِ وَمَا يَخْشَى فَسَادَهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَقْتَضِي قَوْلُ أَصْحَابِنَا " إنَّ الْعُرُوضَ لَا تُمْلَكُ " أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ. وَذَكَرَ نَصًّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَا لَا يَبْقَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ. كَذَا أَوْرَدُوا مُطْلَقًا. وَقَيَّدَ أَبُو الْخَطَّابِ بِمَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ. فَإِنَّهُ قَالَ: عَرَّفَهُ بِقَدْرِ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ. قَالَ: وَقَوْلُهُ " بِقَدْرِ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ " وَهْمٌ. وَإِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا لَا يَخَافُ. قُلْت: وَتَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَجَمَاعَةٍ. وَمَشَى عَلَى الصَّوَابِ فِي الْخُلَاصَةِ. فَقَالَ: عَرَّفَهُ مَا لَمْ يُخْشَ فَسَادُهُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْإِبْقَاءُ، مَا لَمْ يَفْسُدْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ، عَلَى مَا مَرَّ نَصُّهُ فِي الشَّاةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِذَا دَنَا الْفَسَادُ فَرِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ وَحِفْظُ الثَّمَنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ. انْتَهَى. وَمَعَ تَعَذُّرِ الْبَيْعِ أَوْ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ. وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُبَاعُ. فَإِنَّ الْبَائِعَ الْمُلْتَقِطُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، تَعَذَّرَ الْحَاكِمُ أَوْ لَا. وَعَنْهُ: يَبِيعُ الْيَسِيرَ، وَيَرْفَعُ الْكَثِيرَ إلَى الْحَاكِمِ. وَعَنْهُ: يَبِيعُهُ كُلَّهُ إنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ، وَإِلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ كَالْعِنَبِ فَيَفْعَلَ مَا يَرَى فِيهِ الْحَظَّ لِمَالِكِهِ) . أَيْ مِنْ التَّجْفِيفِ وَالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالسَّامِرِيُّ: الْأَكْلَ. لِأَنَّهُ يَمْلِكُ قَبْلَ انْقِضَاءِ التَّعْرِيفِ فِيمَا يَبْقَى. وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَاقْتَصَرُوا عَلَى الْأَحَظِّ مِنْ التَّجْفِيفِ وَالْبَيْعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَإِسْحَاقَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا النَّوْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ: فَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ) يَعْنِي: وُجُوبًا (بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَالْأَسْوَاقِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ حَوْلًا كَامِلًا: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَوَقْتُ التَّعْرِيفِ: النَّهَارُ. وَيَكُونُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ: فِي كُلِّ يَوْمٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مِنْ شَهْرٍ. ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ. وَقِيلَ: عَلَى الْعَادَةِ بِالنِّدَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ. وَقِيلَ: يُعَرِّفُهَا بِقُرْبِ الصَّحْرَاءِ إذَا وَجَدَهَا فِيهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت فِي أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ " الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبَا الْحُسَيْنِ، وَابْنَ عَقِيلٍ، وَابْنَ بَكْرُوسٍ، وَالشَّرِيفَيْنِ، وَغَيْرَهُمْ. قَالُوا: لَا يَتَصَرَّفُ فِي شَاةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: تَعَرُّفَ الشَّاةِ. وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَذْكُرُوا لِلْحَيَوَانِ تَعْرِيفًا. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا: أَنَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ يُعَرَّفُ بِمِقْدَارِ مَا لَا يُخَافُ فَسَادُهُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَالسَّامِرِيِّ، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُعَرَّفُ حَوْلًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ " أَنَّهُ لَا يُعَرِّفُهَا فِي نَفْسِ الْمَسَاجِدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. بَلْ يُكْرَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْرُمُ. وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ فِي إنْشَادِهَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَّرَ التَّعْرِيفَ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، مَعَ إمْكَانِهِ: أَثِمَ. وَسَقَطَ التَّعْرِيفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ عَدَمُ السُّقُوطِ مِنْ نَصِّهِ عَلَى تَعْرِيفِ مَا يُوجَدُ مِنْ دَفْنِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَيَأْتِي بِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، أَوْ يُكْمِلُهُ إنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ فِيمَا عَدَا الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. وَكَذَا لَوْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَهُ. وَفِي الصَّدَقَةِ بِهِ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْعُرُوضِ. أَمَّا إنْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ، أَوْ لِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ ضَاعَتْ فَعَرَّفَهَا الثَّانِي فِي الْحَوْلِ الثَّانِي. فَقِيلَ: يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ، وَلَا يَمْلِكُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهَا، وَلَا يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ الْمُنَادِي عَلَيْهِ) . يَعْنِي عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ: يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَيْهِ) . قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ " مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ " يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ. وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. وَقِيلَ: عَلَى رَبِّهَا مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْحَلْوَانِيِّ، وَابْنِهِ: الْأُجْرَةُ مِنْ نَفْسِ اللُّقَطَةِ. كَمَا لَوْ جَفَّفَ الْعِنَبَ وَنَحْوَهُ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخَذَهَا الْحَاكِمُ مِنْ رَبِّهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تُعَرَّفْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّ الْمِلْكَ قَهْرِيٌّ. يَثْبُتُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ كَالْإِرْثِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَخْتَارَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَى، كَالشِّرَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لُقَطَةَ الْحَرَمِ كَغَيْرِهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَدَمُ الْفَرْقِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحْرِزِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

وَعَنْهُ لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّقَطَةَ لَا تُمْلَكُ مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت وَهُوَ غَرِيبٌ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ، وَلَا عَمَلَ. وَعَنْهُ يَتَمَلَّكُهَا فَقِيرٌ غَيْرُ ذَوِي الْقُرْبَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُ، لَكِنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ مَعَ فَقْرِهِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَأَنْكَرَهُ الْخَلَّالُ. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ غَيْرَ الْأَثْمَانِ كَالْأَثْمَانِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. (وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَثْمَانَ. وَهِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَشْهَرُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَتُمْلَكُ الْأَثْمَانُ. وَلَا تُمْلَكُ الْعُرُوض، عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَيَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَقَالَ: مُلْتَقِطُ الْأَثْمَانِ مُذْ عَرَّفَهَا حَوْلًا فَقَهَرَ ذَا الْغِنَى يَمْلِكُهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْهُ، وَهِيَ الْمَشْهُورُ فِي النَّقْلِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الشَّاةَ وَنَحْوَهَا تُمْلَكُ دُونَ الْعُرُوضِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْأَثْمَانِ. وَعَلَى هَذَا، قَالَ الْأَصْحَابُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَى الْحَاكِمِ وَبَرِئَ. وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ وَعَرَّفَهَا أَبَدًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ. وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ هُنَا. إحْدَاهُمَا: لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْخَلَّالُ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى عَنْهُ: أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً وَيَتَصَدَّقُ بِهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ الْمَنْصُوصُ أَخِيرًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. بَلْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا. نَقَلَهُ عَنْهُ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ، فِي الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ. انْتَهَى. لَكِنْ قَالَ الْخَلَّالُ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ رَوَى عَنْهُ: أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا بَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا: رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ. وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَظَائِرُهَا فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ". تَنْبِيهٌ: تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اللُّقَطَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ، حَيْثُ قُلْنَا " تُمْلَكُ " وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهَا. وَأَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَالُوا: لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْأَثْمَانِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لَكِنْ عَلَى الْمُصْطَلَحِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ: يَكُونُ الْمَذْهَبُ الْمِلْكَ فِي الْكُلِّ قَهْرًا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ اللَّتَانِ فِي الصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ: أَنْ يَأْتِيَا فِيمَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ اللُّصُوصِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ، وَعَرَّفَا: مَلَكَاهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاخْتِيَارِ: لَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ: مَلَكَ النِّصْفَ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى اللُّقَطَةَ اثْنَانِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: هَاتِهَا. فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ. فَهِيَ لِلْآخِذِ. وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْآمِرِ، فَهِيَ لَهُ أَعْنِي لِلْآمِرِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ فِي الِاصْطِيَادِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا وَقَدْرَهَا، وَجِنْسَهَا، وَصِفَتَهَا. وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُجْدَانِهَا) . الْأَوْلَى: مَعْرِفَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا. وَإِنْ أَخَّرَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ إلَى مَجِيءِ صَاحِبِهَا جَازَ. فَإِنْ لَمْ يَجِئْ وَأَرَادَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْرِفَ صِفَتَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ خَلْطَهَا بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَمَيَّزُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: تَجِبُ حَالَةَ الْأَخْذِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَحَالَةَ إرَادَةِ التَّصَرُّفِ وُجُوبًا مُضَيَّقًا. فَائِدَةٌ: " الْوِعَاءُ " هُوَ ظَرْفُهَا، " وَالْوِكَاءُ " هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ. " وَالْعِفَاصُ " قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ الشَّدُّ، وَالْعَقْدُ. وَقِيلَ: هُوَ صِمَامُ الْقَارُورَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: أَنَّهُ الصُّرَّةُ. وَهُوَ ظَرْفُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ، مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " الْوِكَاءُ " مَا يُشَدُّ بِهِ. " وَالْعِفَاصُ " هُوَ صِفَةُ شَدِّهِ وَعَقْدِهِ. وَقِيلَ: بَلْ سِدَادَةُ الْقَارُورَةِ. وَقِيلَ: بَلْ الْوِعَاءُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ " الْعِفَاصُ " مَقُولٌ عَلَى الْوِعَاءِ. وَوَرَدَ «احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا» " وَالْعِفَاصُ " فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: صِمَامُ الْقَارُورَةِ، أَيْ الْجِلْدُ الْمَجْعُولُ عَلَى رَأْسِهَا يُقَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا. فَيَتَعَرَّفُ الْوِعَاءَ: كِيسًا هُوَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَهَلْ هُوَ مِنْ خِرَقٍ أَوْ جُلُودٍ أَوْ وَرَقٍ؟ .

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَيَتَعَرَّفُ: هَلْ هُوَ إبْرَيْسَمٌ، أَوْ كَتَّانٌ؟ وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا: تَعَرَّفَ لَفَائِفَهَا. أَوْ مَائِعًا تَعَرَّفَ ظَرْفَهُ: خِرَقٌ، أَوْ خَشَبٌ أَوْ جِلْدٌ. وَيَتَعَرَّفُ " الْوِكَاءَ " وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ: سَيْرٌ، أَمْ خَيْطٌ، أَمْ شِرَابَةٌ؟ قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: وَيَتَعَرَّفُ الرَّبْطَ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ. وَأُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا؟ . قَوْلُهُ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا) . يَعْنِي يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا. وَيَكُونَانِ عَدْلَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْإِشْهَادُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. تَنْبِيهٌ: يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا، لَا عَلَى صِفَتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَكُونُ عَلَيْهَا وَعَلَى صِفَتِهَا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا فَوَصَفَهَا: لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ) . يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ أَوْ لَا؟ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ إذَا وَصَفَهَا إلَّا مَعَ ظَنِّ صِدْقِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالتَّبْصِرَةِ: جَازَ الدَّفْعُ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى: لَا بَأْسَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَصَفَهَا فَقَطْ. أَمَّا إذَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ: لَزِمَهُ دَفْعُهَا. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّفْعِ إذَا وَصَفَهَا. فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَدَّادِ فِي كُتُبِهِمْ الْخِلَافِيَّةِ إذَا وَصَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ: لَزِمَ الدَّفْعُ. وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: إذَا جَاءَ بِالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ: جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَزِيَادَتُهَا الْمُنْفَصِلَةُ لِمَالِكِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلِوَاجِدِهَا بَعْدَهُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَيْضًا. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْأَبِ إذَا اسْتَرْجَعَ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ أَيْضًا، عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي: بِنَاءً عَلَى الْمُفْلِسِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُرْتَجَعِ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَالْمَوْهُوبِ الْمُرْتَجَعِ مِنْ الْوَلَدِ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا رَجَعَ فِيهَا الْأَبُ: فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فِي الْمَبِيعِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُفْلِسِ: فَالْخِلَافُ فِيهَا قَوِيٌّ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا لِلْمُفْلِسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ: فَهِيَ لِمَالِكِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ: لَمْ يَضْمَنْهَا) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِيهَا. لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: ضَمِنَهَا) وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَرُوهُ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ. حَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَوَّحَ فِي مَوْضِعٍ: إذَا أَنْفَقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَالتَّعْرِيفِ: لَمْ يَضْمَنْهَا. لِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ: لَا يَرُدُّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا قُلْنَا يَمْلِكُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا. إذَا لَمْ يُفَرِّطْ، بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَالَ مَالِكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّلَفِ لِلْمُلْتَقِطِ: أَخَذْتَهَا لِتَذْهَبَ بِهَا. وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ: بَلْ لِأُعَرِّفهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَارِثِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ. الثَّانِيَةُ: إذَا تَصَرَّفَ فِي اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً: ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً: ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ عَرَفَ رَبَّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ مَلَكَهَا. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ غَرِمَ بَدَلَهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مَبِيعَةً، أَوْ مَوْهُوبَةً. فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْبَدَلُ كَمَا فِي التَّلَفِ، وَلَوْ أَدْرَكَهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهَا: وُجُوبُ الْفَسْخِ، وَالرَّدِّ إلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي زَمَنَ الْخِيَارِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَوْ كَانَ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَخَذَهُ الْمَالِكُ. قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ.

وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَرْهُونًا: مَلَكَ انْتِزَاعَهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ، وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ فِي الرَّهْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الِانْتِزَاعِ. لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ. وَالرَّابِعَةُ: تَدْخُلُ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِظُهُورِ الْمَالِكِ، كَمَا يَتَجَدَّدُ بِهِ زَوَالُ الْمَالِكِ عَنْ الْعَيْنِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَنَصَرَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَمْلِكُ بِعِوَضٍ كَالْقَرْضِ. ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا يَمْلِكُ الْقِيمَةَ بِحُضُورِ الْمَالِكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَقَالَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ: قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْمُذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ. (وَفِي الْأُخْرَى يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ: حَلَفَ وَأَخَذَهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْقُرْعَةُ، وَدَفْعُهَا إلَى الْقَارِعِ مَعَ يَمِينِهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ. وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. كَمَا فِي تَدَاعِي الْوَدِيعَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِنَا فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَقْيَسُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا وَصَفَاهَا مَعًا، أَوْ وَصَفَهَا الثَّانِي قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى الْأَوَّلِ. أَمَّا إذَا وَصَفَهَا وَاحِدٌ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ، ثُمَّ وَصَفَهَا آخَرُ: فَإِنَّ الثَّانِيَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: إنْ زَادَ فِي وَصْفِهَا: اُحْتُمِلَ تَخْرِيجُهُ عَلَى بَيِّنَةِ النِّتَاجِ وَالنَّسَّاجِ. فَإِنْ رَجَّحْنَا بِهِ هُنَاكَ رَجَّحْنَا بِهِ هُنَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ: حَلَفَ وَأَخَذَهَا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِثْلُهُ وَصْفُهُ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا. ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دَفْنِ الدَّارِ فَمَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ. وَقِيلَ: لَا. كَوَدِيعَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، وَرَهْنٍ، وَغَيْرِهِ. لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ. وَلَا تَتَعَذَّرُ الْبَيِّنَةُ. الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُ مُدَّعِيَ اللُّقَطَةِ، مَعَ صِفَتِهَا: أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْتِقَاطِ الْعَبْدِ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ لَا يَصِحُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً: أَنَّهَا لَهُ. أَخَذَهَا مِنْ الْوَاصِفِ. فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ الْوَاصِفِ أَوْ الدَّافِعِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ (إلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) .

إنْ دَفَعَهَا إلَى الْوَاصِفِ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ. فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَاصِفِ وَالدَّافِعِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ شَيْءٌ، إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ. كَمَا لَوْ كَانَ بِقَضَاءِ قَاضٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَتَى ضَمِنَ الدَّافِعُ: رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِالْمِلْكِ. فَأَمَّا إنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْمِلْكِ: فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. قَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا. يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ كَانَ الْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى تَعْرِيفِهَا: ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَنَّا، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ أَوْ السُّلْطَانُ بِهَا: أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ، وَضَمَّ إلَيْهِ مُشْرِفًا يُشْرِفُ عَلَيْهِ. وَيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الذِّمِّيِّ عَدْلٌ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ عَلِمَ بِهَا الْحَاكِمُ أَقَرَّهَا فِي يَدِهِ. وَضَمَّ إلَيْهِ مُشْرِفًا عَدْلًا يُشْرِفُ عَلَيْهِ، وَيُعَرِّفُهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ مُشْرِفٍ يُشْرِفُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُنْزَعُ لُقَطَةُ الذِّمِّيِّ مِنْ يَدِهِ، وَتُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ، أَوْ سَفِيهٌ: قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا. فَإِذَا عَرَّفَهَا فَهِيَ لِوَاجِدِهَا) . وَكَذَا الْمَجْنُونُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالتَّبْصِرَةِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْأَصْحَابُ: يَضْمَنُ الْوَلِيُّ إنْ أَبْقَاهَا بِيَدِ الصَّبِيِّ بَعْدَ عِلْمِهِ. وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ: ضَمِنَهَا فِي مَالِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي صَبِيٍّ كَإِتْلَافِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَضْمَنُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا فَعَرَّفَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ. لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ. فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ. وَاقْتُصِرَ عَلَى كَلَامِهِمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ وَتَرْكُهَا مَعَهُ. وَيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إذَا كَانَ عَدْلًا) . لِلْعَبْدِ أَنْ يَلْتَقِطَ، وَأَنْ يُعَرِّفَهَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ: يَتَوَقَّفُ الْتِقَاطُهُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ. ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ " إذَا الْتَقَطَ الْعَبْدُ فَضَاعَتْ مِنْهُ أَوْ أَتْلَفَهَا: ضَمِنَهَا " قَالَ: فَسَوَّى بَيْنَ الْإِتْلَافِ وَالضَّيَاعِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ. فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ بِدُونِ إذْنٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي اسْتِنْبَاطِ السَّامِرِيِّ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ: فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَهُ: فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: إذَا أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ. فَفِي ذِمَّتِهِ. عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيَأْتِي كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقِيلَ: إنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا: فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا: فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا يَأْتِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ: هَلْ يَحْصُلُ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْفَوَائِدِ الَّتِي ذُكِرَتْ هُنَاكَ. فَمَتَى أَتْلَفَهَا، أَوْ فَرَّطَ حَتَّى تَلِفَتْ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ: فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَى السَّيِّدِ الْفِدَاءُ أَوْ التَّسْلِيمُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ. فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهَا: فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا: فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ. لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَلَّكْ اسْتِنَادًا إلَى تَوَقُّفِ الْمِلْكِ عَلَى التَّمَلُّكِ. وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ أَيْضًا: وَيَصْلُحُ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ: هَلْ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ لِشِبْهِ الْغُرْمِ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ بِأَدَاءِ الْمُقْتَرَضِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ الْعَبْدُ قَوْلَانِ، أَيْ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: فِي رَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ. وَالْأُخْرَى: فِي ذِمَّتِهِ. وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. قَالَ السَّامِرِيُّ: وَلَمْ يُفَرَّقْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُتَّجَهُ الْفَرْقُ فِي التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَمَنْ تَابَعَهُ: كَلَامُهُمْ مُتَوَجَّهٌ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ. وَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ: فَالْجِنَايَةُ عَلَى مَالِ السَّيِّدِ. فَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَلَا بِرَقَبَتِهِ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ تَتَعَلَّقَ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَلَا السَّيِّدَ: تَعَيَّنَ التَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ كَجِنَايَتِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ أَتْلَفَهَا الْعَبْدُ، فَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: جِنَايَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ. وَإِنْ خَرَقَ ثَوْبَ رَجُلٍ: فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ) بِلَا نِزَاعٍ. وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ: كَالْعَبْدِ بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ. فَهَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ، بَلْ تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِير. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ. فَإِذَا وَجَدَهَا فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا: فَهِيَ لَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحَكَمُ فِي النَّادِرِ: مِنْ كَسْبِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، كَالْهِبَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَنَحْوِهَا. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي دُخُولِ نَوَادِرِ الْأَكْسَابِ. كَالْوَصِيَّةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَنَحْوِهِمَا، وَالرِّكَازِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ

فَوَائِدُ: مِنْهَا: لَوْ وَجَدَ لُقَطَةً فِي غَيْرِ طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ: فَهِيَ لُقَطَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَالرِّكَازِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ: تَوْجِيهًا لَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ أَخَذَ مَتَاعَهُ، أَوْ ثَوْبَهُ، وَتَرَكَ لَهُ بَدَلَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لُقَطَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ بُخْتَانَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَعْرِفُهُ مَعَ قَرِينَةِ سَرِقَةٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا حَسَنٌ. وَقَالَ: قَدْ يُقَالُ فِيهِ بِمَعْنَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْعُ الْأَخْذِ فِيهَا. فَعَلَيْهَا: هَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ؟ إنْ قُلْنَا: يُعَرِّفُهُ، أَوْ يَأْخُذُ حَقَّهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: فِيهِ أَوْجُهٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ: الْقَوْلُ بِأَخْذِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا قَوِيٌّ عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ. أَمَّا عَلَى التَّوَقُّفِ: فَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ فِي جَوْفِ حَيَوَانٍ دُرَّةً، أَوْ نَقْدًا: فَهُوَ لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ. عَلَى

الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَصَحَّحَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: تَكُونُ لُقَطَةً لِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي: أَنَّهُ أَكَلَهُ عِنْدَهُ. فَهُوَ لَهُ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فِي السَّمَكَةِ: فَهِيَ لِلصَّيَّادِ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعْدِنِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ فِي الْجَيْشِ: عَرَّفَهَا. ثُمَّ وَضَعَهَا فِي الْمَغْنَمِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا، ثُمَّ هِيَ لَهُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَيْشٍ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا عَرَّفَهَا، ثُمَّ هِيَ كَالْغَنِيمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَكَيْفَ يُعَرِّفُ ذَلِكَ؟ وَمِنْهَا: مُؤْنَةُ رَدِّ اللُّقَطَةِ: عَلَى رَبِّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، لِتَبَرُّعِهِ. وَمَعْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمَجْدِ: فِي عَدَمِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ بِتَلَفِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَمِنْهَا: ضَمَانُهَا بِمَوْتِهِ كَالْوَدِيعَةِ. وَقِيلَ: بِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَوَارِثُهُ كَهُوَ. مِنْهَا: الِالْتِقَاطُ: يَشْتَمِلُ عَلَى أَمَانَةٍ وَاكْتِسَابٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكَسْبُ. وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَمَانَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى أَهْلِهِ. وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ الْحِفْظُ وَالتَّعْرِيفُ أَوَّلًا، وَالْمِلْكُ آخِرًا، عِنْدَ ضَعْفِ التَّرَجِّي لِلْمَالِكِ

وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ دَرَاهِمَ، لَا يَعْلَمُ مَنْ صَرَّهَا: فَهِيَ لَهُ. وَلَا تَعْرِيفَ. وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَصٌّ يُوجِبُ التَّعْرِيفَ، وَيَنْفِي الْمِلْكَ. وَمِنْهَا: لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبَ إنْسَانٍ. فَإِنْ جَهِلَ الْمَالِكَ: فَلُقَطَةٌ. فَإِنْ عَلِمَهُ: دَفَعَهُ إلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ: ضَمِنَ بِحَبْسِ مَالِ الْغَيْرِ، مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا تَعْرِيفٍ. وَمِنْهَا: لَوْ سَقَطَ طَائِرٌ فِي دَارِهِ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ، وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ. لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ. أَمَّا إنْ انْقَطَعَ: وَجَبَ حِفْظُهُ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ ضَائِعٌ عَنْهُ.

باب اللقيط

[بَابُ اللَّقِيطِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ) . قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَعْرِيفُ " اللَّقِيطِ " بِالْمَنْبُوذِ، يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ، لِتَضَادِّ مَا بَيْنَ اللَّقْطِ وَالنَّبْذِ، كَمَا بُيِّنَ. وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ جَامِعًا، لِأَنَّ الطِّفْلَ قَدْ يَكُونُ ضَائِعًا. لَا مَنْبُوذًا. وَمِنْهُمْ: مَنْ عَرَّفَ بِأَنَّهُ الضَّائِعُ، وَفِيهِ مَا فِيهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ: هُوَ كُلُّ طِفْلٍ نُبِذَ، أَوْ ضَلَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ الطِّفْلُ) . يَعْنِي: فِي الْوَاقِعِ فِي الْغَالِبِ. وَإِلَّا فَهُوَ لَقِيطٌ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: وَالْمُمَيِّزُ أَيْضًا إلَى الْبُلُوغِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَكُونُ لَقِيطًا. لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا الْتَقَطَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَعًا مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُخَيَّرْ، بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ حُرٌّ) . يَعْنِي فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إلَّا فِي الْقَوَدِ. وَمِثْلُهُ دَعْوَى قَاذِفِهِ رِقَّهُ عَلَى مَا يَأْتِي.

فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُلْتَقِطِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا مَعَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي اللُّقَطَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ: اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. فَإِنْ تَعَذَّرَ: فَعَلَى مَنْ عَلِمَ الْإِنْفَاقُ. فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْتِقَاطِهِ. وَهَذَا الْإِنْفَاقُ يَجِبُ مَجَّانًا عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَالَ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْعِوَضِ لِلْمُنْفِقِ إنْ اقْتَرَنَ بِالْإِنْفَاقِ قَصْدُ الرُّجُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. كَمَنْ أَدَّى حَقًّا وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: نَفَقَةُ اللَّقِيطِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ أَدَّى وَاجِبًا عَنْ غَيْرِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَرْجِعُ هُنَا. قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي. لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى اللَّقِيطِ. وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّاظِمُ: إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ: رَجَعَ عَلَى الطِّفْلِ بَعْدَ الرُّشْدِ، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَنَاقَضَ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. فَقَالَا: بَعْدَ تَعَذُّرِ

الِاقْتِرَاضِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَامْتِنَاعِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ إنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ رَجَعَ عَلَى اللَّقِيطِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى: لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ. زَادَ فِي التَّلْخِيصِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْوُجُوبُ مَجَّانًا وَاسْتِحْقَاقُ الْعِوَضِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا إذَا كَانَ لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ إنْفَاقُهُ لِمَانِعٍ، أَوْ يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْفٍ، أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ، وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ. فَيَكُونُ كَافِرًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: الْحُكْمُ بِكُفْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا. لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إيمَانَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَجْهًا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ. اعْتِبَارًا بِفَقْدِ أَبَوَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدٌ كُلُّ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، وَوُجِدَ فِيهَا لَقِيطٌ: حُكِمَ بِكُفْرِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا فِيهِمَا، عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ كُلُّ أَهْلِهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .

يَعْنِي: إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ مُسْلِمٌ وَلَوْ وَاحِدًا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. جُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَثَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا بِالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَاعْتَبَرُوا إقَامَتَهُ زَمَنًا مَا، حَتَّى صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُرُورُهُ مُسَافِرًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ سَاكِنٌ: فَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَوْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ: فَلَقِيطُهَا مُسْلِمٌ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمْ وَمَثَّلَ مَسْأَلَةَ الْخِلَافِ فِي الرِّعَايَةِ بِالْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ (وَمَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ، أَوْ حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِبَابِهِ: فَهُوَ لَهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ: كَذَا لَوْ كَانَ مَدْفُونًا فِي دَارٍ، أَوْ خَيْمَةٍ تَكُونُ لَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ، وَجَمَاعَةٍ: خِلَافُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ) يَعْنِي: إذَا كَانَ الدَّفْنُ طَرِيًّا (أَوْ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ، وَالدِّفْنُ طَرِيًّا. فَأَطْلَقَ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ لَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى الْمُصْطَلَحِ فِي الْخُطْبَةِ. وَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الدَّفْنُ طَرِيًّا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ. فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لَهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ لَهُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ. وَلَنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقَى قَرِيبًا مِنْهُ وَبَيْنَ الْمَدْفُونِ

تَحْتَهُ. فَيَكُونُ الْمُلْقَى الْقَرِيبُ: لَهُ دُونَ الْمَدْفُونِ تَحْتَهُ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَطَعَ بِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَقْتَضِيهِ إيرَادُهُ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: قَدَّمَ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَدْفُونَ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُلْقَى الْقَرِيبِ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِمَّا وُجِدَ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَرَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَالْمُصَنِّفِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حِفْظِ مَالِهِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ إذْنِ الْحَاكِمِ فِيهِ. وَمِنْهَا: قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لِلْمُلْتَقِطِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: أَنَّهُ لِلْحَاكِمِ. قُلْت: كَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، أَوْ رَقِيقًا، أَوْ كَافِرًا، وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ، أَوْ بَدْوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ: لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ) . يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ: أَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ: وَاجِدُهُ إنْ كَانَ أَمِينًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ: الْمَذْهَبُ عَلَى ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِ الْأَمَانَةِ فِي الْمُلْتَقِطِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِيَدِ فَاسِقٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ الْفَاسِقِ إذَا كَانَ أَمِينًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ وَجَدَ اللَّقِيطَ أَمِينًا: مُنِعَ مِنْ السَّفَرِ بِهِ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بِهِ: كَانَ أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. وَأَجْرَاهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ عَلَى قَوْلِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ. وَيُشِيعُ أَمْرَهُ، لِيُؤْمَنَ مِنْ التَّفْرِيطِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ " أَنَّ مَسْتُورَ الْحَالِ يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ: فَهَلْ يُقَرُّ بِيَدِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقَرُّ بِيَدِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

وَالثَّانِي: يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ: فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَلْتَقِطُهُ فَيَجِبُ الْتِقَاطُهُ. لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْهَلَكَةِ. أَمَّا مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ: فَقَطَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِمَنْعِهِ مِنْ الْأَخْذِ. مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ أَخْذَ اللَّقِيطِ قُرْبَةٌ. فَلَا يَخْتَصُّ بِحُرٍّ. وَعَدَمُ الْإِقْرَارِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ: فَهُوَ نَائِبُهُ. وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: الْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ: كَالْقِنِّ لِقِيَامِ الرِّقِّ. وَالْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ الْمُسْلِمِ، وَلَا يُقَرُّ بِيَدِهِ. وَمُرَادُهُ بِالْكَافِرِ هُنَا: الذِّمِّيُّ، وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْكَافِرَ إذَا الْتَقَطَ مَنْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ: أَنَّهُ يُقَرُّ بِيَدِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ لَوْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: الْمُسْلِمُ أَحَقُّ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا تَرَدُّدٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا. فَلَا يُقَرُّ بِيَدِ صَبِيٍّ، وَلَا مَجْنُونٍ. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ الرُّشْدُ. فَلَا يُقَرُّ بِيَدِ السَّفِيهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. ثُمَّ قَالَ، قُلْت: وَالسَّفِيهُ كَالْفَاسِقِ. انْتَهَى. لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَلِيًّا عَلَى غَيْرِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ يُقَرُّ بِيَدِهِ. لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْأَمَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا إذَا الْتَقَطَهُ الْبَدْوِيُّ الَّذِي يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَقْوَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَرُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالتَّلْخِيصِ: مَتَى وَجَدَهُ فِي فَضَاءٍ خَالٍ، فَلَهُ نَقْلُهُ حَيْثُ شَاءَ. وَأَمَّا إذَا الْتَقَطَهُ مَنْ فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَتَهُ إلَى الْبَادِيَةِ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ

لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقَرُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النُّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَرُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى قَرْيَةٍ، فِيهِ الْوَجْهَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَقَلَهُ مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: لَوْ كَانَ الْبَلَدُ وَبِيئًا كَغَوْرِ بَيْسَانَ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ إلَى الْبَادِيَةِ، لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي النَّقْلِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

الثَّالِثَةُ: حَيْثُ يُقَالُ بِانْتِزَاعِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَوْلَى بِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ فَإِقْرَارُهُ: بِيَدِهِ أَوْلَى كَيْفَ كَانَ. لِرُجْحَانِهِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ، قُدِّمَ الْمُوسِرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَلَدِيَّ وَضِدَّهُ، وَالْكَرِيمَ وَضِدَّهُ. وَظَاهِرَ الْعَدَالَةِ وَضِدَّهُ، فِي ذَلِكَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ: يُقَدَّمُ الْبَلَدِيُّ عَلَى ضِدِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَبِعَهُ: وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ فِي تَقْدِيمِ الْمُوسِرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَّادُ عَلَى الْبَخِيلِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عَلَى ضِدِّهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ الْحَارِثِيُّ. فَائِدَةٌ: الشَّرِكَةُ فِي الِالْتِقَاطِ: أَنْ يَأْخُذَاهُ جَمِيعًا، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْقِيَامِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حَقِيقَةُ الْأَخْذِ. فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ، إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ الْغَيْرُ بِأَمْرِهِ. فَالْمُلْتَقِطُ هُوَ الْآمِرُ. لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ نَائِبٌ عَنْهُ. فَهُوَ كَاسْتِنَابَتِهِ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: الْمُسْلِمُ أَوْلَى. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحَّا: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ

الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَقِيلَ: يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ: أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا تَهَايَأَ: فِي حَضَانَتِهِ سَيِّدُهُ وَنَسِيبُهُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا، قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا، أَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى: تَعَارَضَتَا. وَهَلْ يَسْقُطَانِ أَوْ يُسْتَعْمَلَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَسْقُطَانِ. فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَجُزِمَ بِهِ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي: يُسْتَعْمَلَانِ وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْيَدِ أَوْ عَدَمِهَا: سَقَطَتَا، وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَقُدِّمَ بِهَا أَحَدُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَمَحَلُّهُمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي بَيِّنَةِ الْمَالِ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْمُؤَرَّخَةِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَوْلَى: تَقْدِيمُ الْمُؤَرَّخَةِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مُحَرَّرًا. فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي دَعْوَى الْمَالِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ رَبُّ الْيَدِ مَعَ بَيِّنَةٍ. وَفِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ: قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ سُلِّمَ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا: وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا تُشْرَعُ الْيَمِينُ هُنَا. وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْقُرْعَةِ لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ يَمِينَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ إحْلَافُهُ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَحْلِفُ كَطَلَاقٍ اُدُّعِيَ عَلَى الزَّوْجِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ، فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا) . يَعْنِي: بِعَلَامَةٍ مَسْتُورَةٍ فِي جَسَدِهِ: قُدِّمَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوع، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْوَسِيلَةِ: أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ وَاصِفُهُ. وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْحَارِثِيِّ. فَإِنَّهُ نَظَرَ عَلَى تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَفَاهُ جَمِيعًا: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَلَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَلَا لِأَحَدِهِمَا، وَلَا وَصَفَاهُ، وَلَا أَحَدُهُمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا: يُسَلِّمُهُ الْقَاضِي إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ: لَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ، وَيُعْطِيهِ الْحَاكِمُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. انْتَهَى وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا. فَائِدَةٌ: مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ: سَقَطَ. قَوْلُهُ (وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَكَى رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَرِثُهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَصَرَهُ. وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ. إنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ حَقُّ الِاقْتِصَاصِ. وَأَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ خَرَّجَهُ. قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ. فَالْمُسْتَحِقُّ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ. وَفِيهِمْ. صِبْيَانٌ وَمَجَانِينُ. فَكَيْفَ يُسْتَوْفَى؟ قَالَ: وَهَذَا يَجْرِي فِي قَتْلِ كُلِّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ عَمْدًا: اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ) . يَعْنِي: مَعَ رُشْدِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يُنْتَظَرُ رُشْدُهُ إذَا قُطِعَ طَرَفُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا مَجْنُونًا فَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى النَّفَقَةِ يَعْنِي الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونَ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَعَلَى هَذَا: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ ذَلِكَ. لِأَنَّ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ. وَالتَّعْجِيلُ هُنَا: هُوَ الْأَصْلَحُ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ " اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا عَاقِلًا، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ هُنَا، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي هُنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِلْإِمَامِ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْقَوَدِ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْقَتْلِ " هَذَا أَصَحُّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي، فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. وَحَكَاهُ الْمَجْدُ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ هُنَا " إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا " بِأَوْ، لَا بِالْوَاوِ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى النَّفَقَةِ يَعْنِي الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عَنْ الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ. وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَدَخَلَ أَيْضًا فِي عُمُومِ كَلَامِهِ: لَوْ كَانَ مَجْنُونًا غَنِيًّا. فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، بَلْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقُطِعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ وَجْهًا: لِلْإِمَامِ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ أَوْ الْعَقْلُ. فَإِنَّ الْجَانِيَ يُحْبَسُ إلَى أَوَانِ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّعْجِيلِ وَأَخْذِ الْمَالِ: لَوْ طَلَبَ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ الْقِصَاصَ. وَرَدُّ الْمَالِ: لَمْ يَجِبْ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عَلَيْهِ، أَوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ، فَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي قَتْلِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى رِقَّهُ وَجْهًا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. وَعَنْ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْخِصَالِ: أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ. لِأَنَّ الرِّقَّ مُحْتَمَلٌ. وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي قَذْفِ مَنْ لَا يُعْرَفُ إذَا ادَّعَى رِقَّهُ رِوَايَةً بِقَبُولِ قَوْلِهِ. لِأَنَّ احْتِمَالَ الرِّقِّ شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ مُمَيِّزًا، يَطَأُ مِثْلُهُ: وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ وَجْهٌ بِانْتِفَاءِ الْوُجُوبِ. وَقِيلَ: هُوَ رِوَايَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهِ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُطَالَبَةُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْقَذْفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ: لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ: أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) . إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ، أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ هُوَ صُدِّقَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: وُجُوبُ يَمِينِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ. فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ تُزِيلُ أَثَرَ ذَلِكَ. ثُمَّ إذَا بَلَغَ، وَقَالَ " أَنَا حُرٌّ " لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَشْهَدَ بِيَدِهِ أَوْ بِمِلْكِهِ، أَوْ بِسَبَبِ مِلْكِهِ. فَإِنْ شَهِدَتْ بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْمِلْكِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي أَيْضًا. لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ زَادَ الْقَاضِي: وَأَنَّهُ ضَلَّ عَنْهُ، أَوْ ذَهَبَ، أَوْ غُصِبَ. وَإِنْ شَهِدَتْ: أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، فَعِنْدَ الْأَصْحَابِ: هُوَ لَهُ.

وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَلَمْ تَقُلْ " فِي مِلْكِهِ " فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ فِي مِلْكِهِ. بَلْ يَكْفِي الشَّهَادَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ مَمْلُوكُهُ، أَوْ عَبْدُهُ، أَوْ رَقِيقُهُ: ثَبَتَ مِلْكُهُ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قُطِعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. لِاحْتِمَالِ التَّعْوِيلِ عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَتُسْمَعُ مِنْ غَيْرِهِ. لِاحْتِمَالِ تَعْوِيلِهَا عَلَى يَدِ الْمُلْتَقِطِ. وَيَدُهُ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ، أَوْ بِالْيَدِ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْوَلَاءِ: قُبِلَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ. لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ. وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ: لَمْ يُقْبَلْ) . إذَا أَقَرَّ اللَّقِيطُ بِالرِّقِّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ تَصَرُّفٌ، أَوْ إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إقْرَارَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ، بَلْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ جَوَابًا أَوْ ابْتِدَاءً وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَجْهًا. وَقَطَعَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَإِنْ تَقَدَّمَ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ تَصَرُّفٌ بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ إصْدَاقٍ وَنَحْوِهِ: فَهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ، وَالسَّامِرِيُّ عَنْ الْقَاضِي: اخْتِصَاصُ الرِّوَايَتَيْنِ بِمَا تَضَمَّنَ حَقًّا لَهُ. أَمَّا مَا تَضَمَّنَ حَقًّا عَلَيْهِ: فَيُقْبَلُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ: وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُطْلَقًا عَنْهُ. وَإِنْ تَقَدَّمَ إقْرَارُهُ بِالْحُرِّيَّةِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ: بَطَلَ إقْرَارُهُ. ثُمَّ إنْ أَقَرَّ لِعَمْرٍو وَقُلْنَا: بِقَبُولِ الْإِقْرَارِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي قَبُولِهِ لَهُ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ، وَالْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.

وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنِّي كَافِرٌ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) إذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ سِنًّا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ فِيهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الرِّدَّةِ فَنَطَقَ بِالْإِسْلَامِ: فَهُوَ مُسْلِمٌ. ثُمَّ إنْ قَالَ: إنِّي كَافِرٌ. فَهُوَ مُرْتَدٌّ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ، تَبَعًا لِلدَّارِ وَبَلَغَ. وَقَالَ: إنِّي كَافِرٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يُقْبَلْ. قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَرُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا: إنْ وَصَفَ كُفْرًا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ: عُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ. وَأَقَرَّ فِي الدَّارِ. وَإِنْ لَمْ يُبْدِلْهَا، أَوْ كَانَ كُفْرًا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ: أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ إنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ: أُلْحِقَ بِهِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، حَيًّا كَانَ اللَّقِيطُ أَوْ مَيِّتًا) . إذَا أَقَرَّ بِهِ حُرٌّ مُسْلِمٌ، يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ: لَحِقَ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ذِمِّيٌّ: أُلْحِقَ بِهِ نَسَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: لَا يُلْحَقُ بِهِ أَيْضًا فِي النَّسَبِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَلَا يَلْحَقُهُ فِي الدِّينِ بِلَا نِزَاعٍ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهِ فِي النَّفَقَاتِ. قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: وَإِذَا بَلَغَ، فَوَصَفَ الْإِسْلَامَ: حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا. وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ، فَهَلْ يُقَرُّ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً: أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَلْحَقُهُ فِي الدِّينِ، إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ: أَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ حَيَّيْنِ. لِأَنَّ الطِّفْلَ يُحْكَمُ إسْلَامُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ. أَوْ مَوْتِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ أَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً بِوِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ: لَحِقَهُ فِي الدِّينِ أَيْضًا. لِثُبُوتِ أَنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ. فَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِاسْتِمْرَارِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْكُفْرِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي. لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ لَحُكِمَ بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ. فَلَا بُدَّ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. (وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ أُلْحِقَ بِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَعَلَى هَذَا، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَسْرِي اللِّحَاقُ إلَى الزَّوْجِ، بِدُونِ تَصْدِيقِهِ، أَوْ قِيَامِ بَيِّنَةٍ بِوِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ مِنْ وَجْهٍ.

لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ إخْوَةٌ. وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَةٍ بِحَالٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ أَقَرَّ بِهِ عَبْدٌ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اسْتِلْحَاقُ الْعَبْدِ كَاسْتِلْحَاقِ الْحُرِّ فِي لِحَاقِ النَّسَبِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ انْتَهَى. وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ. لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ. وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ آخَرُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " أَوْ امْرَأَةً " لَوْ أَقَرَّتْ أَمَةٌ بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّهِ بِدُونِ بَيِّنَةٍ. حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ. وَنُصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: الْمَجْنُونُ كَالطِّفْلِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَكَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ الثَّانِيَةُ: كُلُّ مَنْ ثَبَتَ لِحَاقُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ، لَوْ بَلَغَ وَأَنْكَرَ: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْإِرْثِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ، وَكِتَابِ الْإِقْرَارِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ نَسَبَهُ: ثَبَتَ، مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً. فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ. وَإِنْ كَانَ رَجُلًا عَرَبِيًّا فَرِوَايَتَانِ. وَفِي مُمَيِّزٍ: وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ إسْلَامِهِ. وَاقْتُصِرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ: قُدِّمَ بِهَا. فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي بَيِّنَةٍ، أَوْ عَدَمِهَا: عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ، أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا وَإِنْ مَاتَا) : سَمَاعُ دَعْوَى الْكَافِرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْإِرْشَادِ وَجْهٌ: لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْكَافِرِ بِلَا بَيِّنَةٍ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ غَيْرُ يَدِ الِالْتِقَاطِ وَكَانَ قَدْ سَبَقَ اسْتِلْحَاقُهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مُسْتَلْحِقِهِ مِنْ بَعْدُ. وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا عِنْدَ دَعْوَى الثَّانِي: فَفِي تَقْدِيمِهِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ احْتِمَالَانِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ فِي يَدِ امْرَأَةٍ: قُدِّمَتْ عَلَى امْرَأَةٍ ادَّعَتْهُ بِلَا بَيِّنَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " عُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَافَةِ أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا إنْ مَاتَا ". وَذَلِكَ: مِثْلُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَوْلَادِهِمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا: لَحِقَ بِهِ) : أَنَّهَا لَوْ تَوَقَّفَتْ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا، وَنَفَتْهُ عَنْ الْآخَرِ: أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِاَلَّذِي

تَوَقَّفَتْ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَلْحَقُ بِهِ. وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأُلْحِقَ بِهِمْ: لَحِقَ بِهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَنَصَرُوهُ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ نَاظِمُهَا. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. لَكِنْ عِنْدَهُ: لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. وَعَنْهُ يَلْحَقُ بِثَلَاثَةٍ فَقَطْ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَجْهًا: أَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ. لِظُهُورِ خَطَئِهِمْ. فَائِدَةٌ: يَرِثُ كُلُّ مَنْ لَحِقَ بِهِ مِيرَاثُ وَلَدٍ كَامِلٍ، وَيَرِثُونَهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ. وَلِهَذَا لَوْ أُوصِيَ لَهُ: قَبِلُوا لَهُ جَمِيعًا. لِيَحْصُلَ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ وَخَلَفَ أَحَدَهُمْ فَلَهُ مِيرَاثُ أَبٍ كَامِلٍ. لِأَنَّ نَسَبَهُ كَامِلٌ مِنْ الْمَيِّتِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَلِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ لَحِقَ بِهِمَا مَعَ أُمِّ أُمٍّ: نِصْفُ السُّدُسِ، وَلِأُمِّ الْأُمِّ نِصْفُهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

فَائِدَةٌ أُخْرَى: امْرَأَةٌ وَلَدَتْ ذَكَرًا، وَأُخْرَى أُنْثَى، وَادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَنَّ الذَّكَرَ وَلَدُهَا دُونَ الْأُنْثَى. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعَرْضُ عَلَى الْقَافَةِ مَعَ الْوَلَدَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ نَصِّهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَرْضُ لَبَنِهَا عَلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ. فَإِنَّ لَبَنَ الذَّكَرِ يُخَالِفُ لَبَنَ الْأُنْثَى فِي طَبْعِهِ وَزِنَتِهِ. وَقِيلَ: لَبَنُ الذَّكَرِ ثَقِيلٌ، وَلَبَنُ الْأُنْثَى خَفِيفٌ. فَيُعْتَبَرَانِ بِطَبْعِهِمَا وَزِنَتِهِمَا، وَمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الِاعْتِبَارُ إنْ كَانَ مُطَّرِدًا فِي الْعَادَةِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ: فَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَظْهَرُ مِنْ الْأَوَّلِ. فَإِنَّ أُصُولَ السُّنَّةِ قَدْ تَخْفَى عَلَى الْقَائِفِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ: اُعْتُبِرَ بِاللَّبَنِ خَاصَّةً. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدَانِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ، وَادَّعَتَا أَحَدَهُمَا: تَعَيَّنَ الْعَرْضُ عَلَى الْقَافَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ) أَوْ اخْتَلَفَ قَائِفَانِ (ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَقْرَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْآخَرِ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ، فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُمَيِّزٍ أَيْضًا. تَفْرِيعًا عَلَى وَصِيَّتِهِ وَطَلَاقِهِ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ. عَلَى رِوَايَةٍ. وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ لِمَنْ يَمِيلُ بِطَبْعِهِ إلَيْهِ. لِأَنَّ الْفَرْعَ يَمِيلُ إلَى الْأَصْلِ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ إحْسَانٌ. وَقِيلَ: يَلْحَقُ بِهِمَا. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ قَافَةً. وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَيُلْحَقُ نَسَبُهُ بِالْقُرْعَةِ. وَذَكَرَهَا فِي الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ: لَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بَعْدَ انْتِسَابِهِ بِغَيْرِ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ: بَطَلَ انْتِسَابُهُ. وَمِنْهَا: لَيْسَ لَهُ الِانْتِسَابُ بِالتَّشَهِّي. بَلْ بِالْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ الَّذِي تُثِيرُهُ الْوِلَادَةُ. وَمِنْهَا: يَسْتَقِرُّ نَسَبُهُ بِالِانْتِسَابِ. فَلَوْ انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الِانْتِسَابُ إلَى الثَّانِي، أَوْ الِانْتِفَاءُ مِنْ الْأَوَّلِ: لَمْ يُقْبَلْ. وَمِنْهَا: لَوْ انْتَسَبَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا لِمَيْلِهِ: لَحِقَ بِهِمَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ بَلَغَ وَلَمْ يَنْتَسِبْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِعَدَمِ مَيْلِهِ: ضَاعَ نَسَبُهُ. لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَلَوْ انْتَسَبَ إلَى مَنْ عَدَاهُمَا، وَادَّعَاهُ ذَلِكَ الْمُنْتَسَبُ إلَيْهِ: لَحِقَهُ. وَمِنْهَا: وُجُوبُ النَّفَقَةِ. مُدَّةَ الِانْتِظَارِ عَلَيْهِمَا، لِإِقْرَارِهِ بِمُوجِبِهَا، وَهُوَ الْوِلَادَةُ. وَكَذَلِكَ فِي مُدَّةِ انْتِظَارِ الْبَيِّنَةِ، أَوْ الْقَافَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ) حَقِيقَةُ الْعَدَمِ: الْعَدَمُ الْكُلِّيُّ. فَلَوْ وُجِدَتْ بَعِيدَةً. ذَهَبُوا إلَيْهَا. وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَيَاهُ، قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ

مِنْهُمَا. وَلَوْ رَجَعَا، لِعَدَمِ قَبُولِهِ. وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا: انْتَفَى عَنْهُ. وَهُوَ كَشَرِيكِ الْأَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ: إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ. فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ: أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَسَوَاءٌ ادَّعَيَاهُ أَوْ جَحَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَشَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي وَطْءِ الزَّوْجَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الشُّبْهَةِ. فَعَلَى قَوْلِهِ: إنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ: اخْتَصَّ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: رِوَايَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ غُصِبَتْ، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ. ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى زَوْجِهَا كَيْفَ يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ فِي مِثْلِ هَذَا؟ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ إذَا ادَّعَاهُ. وَهَذَا لَا يَدَّعِيهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: إنْ عُدِمَتْ الْقَافَةُ: فَهُوَ لِرَبِّ الْفِرَاشِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ اللِّعَانِ: هَلْ لِلزَّوْجِ، أَوْ لِلسَّيِّدِ نَفْيُهُ، إذَا أُلْحِقَ بِهِ، أَوْ بِهِمَا؟ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا عَدْلًا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) . يُشْتَرَطُ فِي الْقَائِفِ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ عَدْلًا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ بِأَنْ يُتْرَكَ الصَّبِيُّ بَيْنَ عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ غَيْرِ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَيُرِيَهُمْ إيَّاهُ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ

مِنْهُمْ: سَقَطَ قَوْلُهُ لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ. وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ فِيهِمْ مُدَّعِيهِ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ: لَحِقَهُ. وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ. فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ: عُرِفَتْ إصَابَتُهُ. وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ: جَازَ. وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَافَةِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ. وَلَوْ لَمْ نُجَرِّبْهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ، وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ: جَازَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّةُ الْقَائِفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِيمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ. فَتُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ. وَجُزِمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ اثْنَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد الْمِصِّيصِيِّ، وَالْأَثْرَمِ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِقَائِفٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْعَدَمِ مِنْ نَصِّهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ، إذَا لَمْ يُوجَدْ سِوَاهُ، وَأَوْلَى. فَإِنَّ الْقَائِفَ أَعَزُّ وُجُودًا مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ: هَلْ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ حَاكِمٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ شَاهِدٌ: اعْتَبَرْنَا الْعَدَدَ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَاكِمٌ: فَلَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَيْسَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ. بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْقَائِفُ حَاكِمٌ أَوْ شَاهِدٌ. لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: هُوَ حَاكِمٌ. فَلَا يَمْتَنِعُ التَّعَدُّدُ فِي الْحُكْمِ، كَمَا يُعْتَبَرُ حَاكِمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَإِنْ قُلْنَا: شَاهِدٌ. فَلَا تَمْتَنِعُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ. حَيْثُ قَبِلْنَا شَهَادَتَهَا وَشَهَادَةَ الطَّبِيبِ، وَالْبَيْطَارِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شَاهِدٌ، أَوْ مُخْبِرٌ. فَإِنْ جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا: اعْتَبَرْنَا التَّعَدُّدَ. وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُخْبِرًا: لَمْ نَعْتَبِرْ التَّعَدُّدَ كَالْخَبَرِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. الثَّانِي: الْقَائِفُ كَالْحَاكِمِ. عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: هُوَ كَالشَّاهِدِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَكْثَرُ مَسَائِلِ الْقَائِفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.

الثَّالِثَةُ: هَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " مِنْ الْقَائِفِ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الِاثْنَيْنِ: وَيُعْتَبَرُ مِنْهُمَا لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " نُصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. إذْ مِنْ أَصْلِنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي مَوَاضِعَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ. انْتَهَى. قُلْت: فِي تَنْظِيرِهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ إنَّمَا نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ، حَتَّى يَجْتَمِعَ اثْنَانِ. فَيَكُونَا شَاهِدَيْنِ. وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْقَافَةِ، أَنَّهُ لِهَذَا: فَهُوَ لَهُ. وَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد الْمِصِّيصِيِّ. فَاَلَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ قَالَ: يُعْتَبَرُ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " فِي الْوَاحِدِ. وَلَا عَدَمُهُ. غَايَتُهُ: أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ. فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْمُقَوِّمِينَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ عَارَضَ قَوْلُ اثْنَيْنِ قَوْلَ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ. أَوْ تَعَارَضَ اثْنَانِ: سَقَطَ الْكُلُّ. وَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ، وَخَالَفَ ثَالِثٌ: أُخِذَ بِقَوْلِ الِاثْنَيْنِ. نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَا. فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا: لَحِقَ بِالْآخَرِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَمِثْلُهُ بَيْطَارَانِ، وَطَبِيبَانِ، فِي عَيْبٍ. الْخَامِسَةُ: يُعْمَلُ بِالْقَافَةِ فِي غَيْرِ بُنُوَّةٍ، كَأُخُوَّةٍ وَعُمُومَةٍ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يُعْمَلُ بِهَا فِي غَيْرِ الْبُنُوَّةِ. كَإِخْبَارِ رَاعٍ بِشَبَهٍ.

وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْفَصِيلِ: لِأَنَّا وَقَفْنَا عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَلِتَأَكُّدِ النَّسَبِ، لِثُبُوتِهِ مَعَ السُّكُوتِ. السَّادِسَةُ: نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ عَلَى الْوَاطِئِينَ. فَإِذَا لَحِقَ بِأَحَدِهِمَا: رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِنَفَقَتِهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ: أَرَى الْقُرْعَةَ وَالْحُكْمَ بِهَا. يُرْوَى عَنْهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ " أَنَّهُ أَقْرَعَ فِي خَمْسِ مَوَاضِعَ. فَذُكِرَ مِنْهَا: إقْرَاعُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ وَقَعُوا عَلَى الْأَمَةِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ " وَلَمْ يُرَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. لِاضْطِرَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي الْهَدْيِ: الْقُرْعَةُ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ فِقْدَانِ مُرَجِّحٍ سِوَاهَا: مِنْ بَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ، أَوْ قَافَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ تَعْيِينُ الْمُسْتَحِقِّ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْقُرْعَةِ. لِأَنَّهَا غَايَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ تَرْجِيحِ الدَّعْوَى. وَلَهَا دُخُولٌ فِي دَعْوَى الْأَمْلَاكِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ بِقَرِينَةٍ، وَلَا أَمَارَةٍ. فَدُخُولُهَا فِي النَّسَبِ الَّذِي يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْخَفِيِّ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِ قَائِفٍ: أَوْلَى.

كتاب الوقف

[كِتَابُ الْوَقْفِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَرَادَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا الْحَدِّ مَعَ شُرُوطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَأَدْخَلَ غَيْرُهُمْ الشُّرُوطَ فِي الْحَدِّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَحَدُّ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ الْوَقْفِ وَحَدَّهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: تَحْبِيسُ مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ تَصَرُّفِ الْوَاقِفِ فِي رَقَبَتِهِ، يَصْرِفُ رِيعَهُ إلَى جِهَةِ بِرٍّ، تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ فِي الْوَقْفِ: أَنَّهُ كُلُّ عَيْنٍ تَجُوزُ عَارِيَّتُهَا. فَأَدْخَلَ فِي حَدِّهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، لَا يَجُوزُ وَقْفُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابِ. يَأْتِي حُكْمُهَا. قَوْلُهُ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ) . كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: انْعِقَادُ الْوَقْفِ بِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِلْقَاضِي، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ

لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ، كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَمَنَعَ الْمُصَنِّفُ دَلَالَتَهَا. وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَكَذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: السِّقَايَةُ بِكَسْرِ السِّينِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ، وَغَيْرِهَا. عَنْ ابْنِ عَبَّادٍ. قَالَ: وَالْمُرَادُ هُنَا بِالسِّقَايَةِ: الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ. إلَّا بِمَعْنَى مَوْضِعِ الشَّرَابِ، وَبِمَعْنَى الصُّوَاعِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَرَادَ بِالسِّقَايَةِ: مَوْضِعَ التَّطَهُّرِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، بِقَيْدِ وُجُودِ الْمَاءِ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ فِي كُتُبِ اللُّغَوِيِّينَ. وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُمْ مَقُولَةٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْإِنَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ، وَعَلَى مَوْضِعِ السَّقْيِ. أَيْ الْمَكَانِ الْمُتَّخَذِ بِهِ الْمَاءُ. غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُقَرِّبُ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " وَشَرَعَهَا " أَيْ فَتَحَ بَابَهَا. وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ مَعْنَى الْوُرُودِ. انْتَهَى. قُلْت: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَعَمَّ مِمَّا قَالَا. فَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ: لَوْ وَقَفَ خَابِيَةً لِلْمَاءِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ. وَبَنَى عَلَيْهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ تَسْبِيلًا لَهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَقَفَ سِقَايَةً: مِلْكَ الشُّرْبِ مِنْهَا. لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ ". تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا) أَيْ: يَبْنِيَ بُنْيَانًا عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ. (وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ) .

أَيْ إذْنًا عَامًّا. لِأَنَّ الْإِذْنَ الْخَاصَّ: قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ. فَلَا يُفِيدُ دَلَالَةَ الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ (وَصَرِيحُهُ: وَقَفْت، وَحَبَسْت، وَسَبَّلْت) . وَقَفْت، وَحَبَسْت: صَرِيحٌ فِي الْوَقْفِ، بِلَا نِزَاعٍ. وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ، عَلَى مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ فِي الرَّقَبَةِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ. وَأَمَّا " سَبَّلْت " فَصَرِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " حَبَسَ الْأَصْلَ، وَسَبَّلَ الثَّمَرَةَ ". غَايَرَ بَيْنَ مَعْنَى " التَّحْبِيسِ " وَ " التَّسْبِيلِ " فَامْتَنَعَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا فِي الْآخَرِ. وَقَدْ عُلِمَ كَوْنُ الْوَقْفِ: هُوَ الْإِمْسَاكَ فِي الرَّقَبَةِ عَنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكَاتِ. وَالتَّسْبِيلُ: إطْلَاقُ التَّمْلِيكِ. فَكَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ؟ انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْت، وَحَرَّمْت، وَأَبَّدْت) . أَمَّا " تَصَدَّقْت، وَحَرَّمْت " فَكِنَايَةٌ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا " أَبَّدْت " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ " أَبَّدْت " صَرِيحٌ فِيهِ. قَوْلُهُ (فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. (أَوْ يَقْرِنَ بِهَا أَحَدَ الْأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ) . يَعْنِي: الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ. أَوْ حُكْمُ الْوَقْفِ، فَيَقُولُ: تَصَدَّقْت صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحْبَسَةً،

أَوْ مُسَبَّلَةً، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّ قَوْلَهُ " صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا يُبَاعُ " كِنَايَةً. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إضَافَةُ: التَّسْبِيلِ " بِمُجَرَّدِهِ إلَى " الصَّدَقَةِ " لَا يُفِيدُ زَوَالَ الِاشْتِرَاكِ. فَإِنَّ " التَّسْبِيلَ " إنَّمَا يُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ الصَّدَقَةُ، أَوْ بَعْضُهُ. فَلَا يُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا. وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إضَافَةِ " التَّأْبِيدِ " إلَى " التَّحْرِيمِ " لَا يُفِيدُ الْوَقْفَ، لِأَنَّ التَّأْبِيدَ قَدْ يُرِيدُ بِهِ دَوَامَ التَّحْرِيمِ. فَلَا يَخْلُصُ اللَّفْظُ عَنْ الِاشْتِرَاكِ. قَالَ: وَهَذَا الصَّحِيحُ. انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَوْ جَعَلَ عُلُوَّ بَيْتِهِ أَوْ سُفْلَهُ مَسْجِدًا صَحَّ. وَكَذَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِطْرَاقَ: صَحَّ كَالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظٍ يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ. وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى أَصْلِنَا. فَيَصِحُّ " جَعَلْت هَذَا لِلْمَسْجِدِ " أَوْ " فِي الْمَسْجِدِ " وَنَحْوُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ. وَصَحَّحَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ: وَقْفَ مَنْ قَالَ " قَرْيَتِي الَّتِي بِالثَّغْرِ لِمَوَالِيَّ الَّذِينَ بِهِ، وَلِأَوْلَادِهِمْ " قَالَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ: إذَا قَالَ وَاحِدٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ " جَعَلْنَا هَذَا الْمَكَانَ مَسْجِدًا، أَوْ وَقْفًا " صَارَ مَسْجِدًا، وَوَقْفًا بِذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يُكْمِلُوا عِمَارَتَهُ. وَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ " جَعَلْت مِلْكِي لِلْمَسْجِدِ " أَوْ " فِي الْمَسْجِدِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ. صَارَ بِذَلِكَ حَقًّا لِلْمَسْجِدِ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قَالَ " تَصَدَّقْت بِأَرْضِي عَلَى فُلَانٍ وَذَكَرَ مُعَيَّنًا، أَوْ مُعَيَّنَيْنِ وَالنَّظَرُ لِي أَيَّامَ حَيَاتِي. أَوْ لِفُلَانٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ " كَانَ مُفِيدًا لِلْوَقْفِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ " تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى فُلَانٍ. ثُمَّ مَنْ بَعْدِهِ: عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ عَلَى فُلَانٍ " أَوْ " تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى قَبِيلَةِ كَذَا " أَوْ " طَائِفَةِ كَذَا " كَانَ مُفِيدًا لِلْوَقْفِ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَاهُ. فَالشَّرِكَةُ مُنْتَفِيَةٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " تَصَدَّقْت بِدَارِي عَلَى فُلَانٍ " ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " أَرَدْت الْوَقْفَ " وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فُلَانٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ فِي الْحُكْمِ. لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ. قُلْت: فَيُعَايَا بِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا) . يَعْنِي فِي الْعُرْفِ. كَالْإِجَارَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاعْتَبَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بَقَاءَ مُتَطَاوِلًا. أَدْنَاهُ: عُمْرُ الْحَيَوَانِ. قَوْلُهُ (كَالْعَقَارِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْأَثَاثِ، وَالسِّلَاحِ) . أَمَّا وَقْفُ غَيْرِ الْمَنْقُولِ: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا وَقْفُ الْمَنْقُولِ كَالْحَيَوَانِ، وَالْأَثَاثِ، وَالسِّلَاحِ، وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ وَقْفِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ الْعَقَارِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَحَنْبَلٍ. وَمَنَعَ الْحَارِثِيُّ دَلَالَةَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَجُوزُ. وَقْفُ السِّلَاحِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَا يَصِحُّ وَقْفُ الثِّيَابِ.

قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ الْمُشَاعَ لَوْ وَقَفَهُ مَسْجِدًا ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَالِ، فَيُمْنَعُ مِنْ الْجُنُبِ. ثُمَّ الْقِسْمَةُ مُتَعَيِّنَةٌ هُنَا، لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ. انْتَهَى. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحُلِيِّ لِلُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، فِي آخَرِينَ وَنَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي الْمَنْعِ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَطْلَقَ وَقْفَ الْحُلِيِّ: لَمْ يَصِحَّ. قَطَعَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ، وَيُصْرَفُ إلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ: لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَلَهُ نَظَائِرُ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَأَحَدِ هَذَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ كَالْعِتْقِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا وَلَمْ يَحُدَّهَا قَالَ: يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهَا. إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَعَلَى الصِّحَّةِ: يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَلْبِ) أَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: فَلَعَلَّ مُرَادَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ: إذَا قِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا. أَوْ أَنَّهُ يَصِحُّ مَا دَامَ سَيِّدُهَا حَيًّا. وَعَلَى قَوْلٍ يَأْتِي. ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَالَ: وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَجْهَانِ. قُلْت: إنْ صَحَّ بَيْعَهَا صَحَّ وَقْفُهَا. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَصِحَّ وَقْفُهَا قَوْلًا وَاحِدًا. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنَافِعِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي حَيَاتِهِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمُكَاتَبُ إنْ قِيلَ بِمَنْعِ بَيْعِهِ فَكَأُمِّ الْوَلَدِ. وَإِنْ قِيلَ بِالْجَوَازِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ: صِحَّةُ وَقْفِهِ. وَلَكِنْ إذَا أَدَّى: هَلْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ؟ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ وَقْفِ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ بَيْعِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

وَأَمَّا " الْكَلْبُ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ تَخْرُجُ الصِّحَّةُ مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كَمَا خَرَجَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ. لِحُصُولِ نَقْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ. بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ» وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ. فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ. لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ. وَفِي مَعْنَاهُ جَوَارِحُ الطَّيْرِ، وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ الصَّيَّادَةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيَّادَةِ. وَمَرَّ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَةٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا أَعْنِي الصَّيَّادَةَ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُهَا، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا، كَالْأَثْمَانِ) . إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقِفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ وَقَفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ وَقَفَهَا لِلزِّينَةِ بِهَا. فَقِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ: إنَّهُ يَصِحُّ. فَعَلَى هَذَا: إنْ وَقَفَهَا وَأَطْلَقَ: بَطَلَ الْوَقْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ وَقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَقْفُ الدَّرَاهِمِ. فَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ. اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَوْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ: لَمْ يَكُنْ جَوَازُ هَذَا بَعِيدًا. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ قِنْدِيلَ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ عَلَى مَسْجِدٍ: لَمْ يَصِحَّ. وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ فَيُزَكِّيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ وَقَفَ قِنْدِيلَ نَقْدٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صُرِفَ لِجِيرَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيمَتُهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: النَّذْرُ لِلْقُبُورِ هُوَ لِلْمَصَالِحِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهُ، وَفِي الْكَفَّارَةِ الْخِلَافُ. وَإِنَّ مِنْ الْحَسَنِ صَرْفَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ. وَلَوْ وَقَفَ فَرَسًا بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ مُفَضَّضٍ: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ تَبَعًا. وَعَنْهُ: تُبَاعُ الْفِضَّةُ وَتُصْرَفُ فِي وَقْفٍ مِثْلِهِ. وَعَنْهُ: يُنْفَقُ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْجَامِعِ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَاءِ. قَالَ الْفَضْلُ: سَأَلْته عَنْ وَقْفِ الْمَاءِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ شَيْئًا اسْتَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ جَازَ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى وَقْفِ مَكَانِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ الْوَقْفِ لِنَفْسِ الْمَاءِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ دِمَشْقَ. يَقِفُ أَحَدُهُمْ حِصَّةً أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ. وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ الْوَقْفِ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ. فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَحَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا. الثَّانِي: ذَهَابُ الْعَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ. وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بَقَاءُ مَادَّةِ الْحُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَأَثُّرٍ بِالِانْتِفَاعِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَيْنِ مَعَ الِانْتِفَاعِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا: صِحَّةُ وَقْفِ الْبِئْرِ. فَإِنَّ الْوَقْفَ وَارِدٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَالْحَفِيرَةِ. فَالْمَاءُ أَصْلٌ فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبِئْرِ. ثُمَّ لَا أَثَرَ لِذَهَابِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ، لِتَجَدُّدِ بَدَلِهِ. فَهُنَا كَذَلِكَ. فَيَجُوزُ وَقْفُ الْمَاءِ كَذَلِكَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْمَطْعُومُ وَالرَّيَاحِينُ) . يَعْنِي: لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ عَلَى مَسْجِدٍ لِيُوقَدَ فِيهِ: جَازَ. وَهُوَ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ. وَتَسْمِيَتُهُ وَقْفًا بِمَعْنَى أَنَّهُ وُقِفَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهَا لَا تَأْبَاهُ اللُّغَةُ. وَهُوَ جَارٍ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَصِحُّ وَقْفُ الرِّيحَانِ لِيَشُمَّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ. قَالَ: وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كِسْوَتِهَا. فَعُلِمَ أَنَّ التَّطْيِيبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ. لَكِنْ قَدْ تَطُولُ مُدَّةُ التَّطَيُّبِ وَقَدْ تَقْصُرُ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا يَبْقَى أَثَرُهُ مِنْ الطِّيبِ كَالنِّدِّ وَالصَّنْدَلِ، وَقِطَعِ الْكَافُورِ لِشَمِّ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ: فَيَصِحُّ وَقْفُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِبَقَائِهِ مَعَ الِانْتِفَاعِ. وَقَدْ صَحَّتْ إجَارَتُهُ لِذَلِكَ فَصَحَّ وَقْفُهُ. انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ دَاخِلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِوُجُودِ شُرُوطِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ) .

وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْأَقَارِبِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مُبَاحٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ عَلَى مُبَاحٍ وَمَكْرُوهٍ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقِيلَ: الْمُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ قُرْبَةً وَثَوَابًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ الْعُزُوبَةِ بَاطِلٌ. لِأَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ قُرْبَةً، وَلِتَمْيِيزِ الْغِنَى عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا: هَلْ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَعُمُّ، أَوْ يَلْغُو الْوَقْفُ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَقِفَ وَيَشْتَرِطَ، أَوْ يَذْكُرَ الْوَصْفَ ابْتِدَاءً. فَيُلْغَى فِي الِاشْتِرَاطِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ؟ . يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَبْطَلَ ابْنُ عَقِيلٍ وَقْفَ السُّتُورِ لِغَيْرِ الْكَعْبَةِ. لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. فَيُصْرَفُ لِمَصْلَحَةٍ. نَقَلَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْهُمَا. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: الْمَعْصِيَةُ لَا تَنْعَقِدُ. وَأَفْتَى أَبُو الْخَطَّابِ بِصِحَّتِهِ، وَيُنْفَقُ ثَمَنُهَا عَلَى عِمَارَتِهِ وَلَا يَسْتُرُ. لِأَنَّ الْكَعْبَةَ خُصَّتْ بِذَلِكَ. كَالطَّوَافِ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ وَقْفُ عَبْدِهِ عَلَى حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِخْرَاجِ تُرَابِهَا وَإِشْعَالِ قَنَادِيلِهَا وَإِصْلَاحِهَا، لَا لِإِشْعَالِهَا وَحْدَهُ، وَتَعْلِيقِ سُتُورِهَا الْحَرِيرِ، وَالتَّعْلِيقُ وَكَنْسِ الْحَائِطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

قَوْلُهُ (مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) . يَعْنِي: إذَا وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: صَحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَدْ يُقَالُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى ذِمِّيٍّ، غَيْرِ قَرَابَتِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْوَاقِفِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِنْ أَقَارِبِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، مِنْ مُعَيَّنٍ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْجِهَةِ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَصِحُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَ فِي الْوَاضِحِ صِحَّةَ الْوَقْفِ مِنْ ذِمِّيٍّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. الثَّانِي: قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَنْزِلُ الْكَنَائِسَ، وَالْبِيَعَ مِنْ الْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ: صَحَّ قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ، لَا عَلَى الْبُقْعَةِ. وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ وَصَالِحَةٌ لِلْقُرْبَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ خَصَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ، فَوَقَفَ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ: لَمْ يَصِحَّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْمُنْتَخَبِ، وَالرِّعَايَةِ: يَصِحُّ عَلَى الْمَارَّةِ بِهَا مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي فِي بِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُ مِنْهُمْ. وَلَمْ أَرَ مَا قَالَ عَنْهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيهِمَا فِي مَظِنَّتِهِ، بَلْ قَالَ: وَيَصِحُّ مِنْهَا عَلَى ذِمِّيٍّ بِهِمَا أَوْ يَنْزِلُهُمَا، أَوْ يُجْتَازُ، رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ وَبُيُوتِ النَّارِ) . وَكَذَا الْبِيَعُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ. وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ. عَلَى الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ كَمَارٍّ بِهِمَا. فَوَائِدُ. الْأُولَى: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ النَّارِ، وَنَحْوِهَا، وَلَا عَلَى مَصَالِحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَصَحَّحَ فِي الْوَاضِحِ وَقْفَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي وَقْفِ الذِّمِّيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ. الثَّانِيَةُ: الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مِنْ كَافِرٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ عَلَى ذِمَّتِهِ لَزِمَهُ. وَذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ: يَصِحُّ لِلْكُلِّ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ رِوَايَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي صِحَّتَهَا بِحَصِيرٍ وَقَنَادِيلَ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ وَصَّى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ كَكَنِيسَةٍ أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ يَصِحُّ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ، وَشَرَطَ اسْتِحْقَاقَهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، فَأَسْلَمَ: اسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلُغِيَ الشَّرْطُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ هَذَا الشَّرْطَ. وَقَالَ: لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لَهُمْ حَالَ الْكُفْرِ. فَأَيُّ فَرْقٍ. قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ، أَوْ مُرْتَدٍّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ ": هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا: إذَا أَوْصَى مُسْلِمٌ لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ: لَمْ يَتَنَاوَلْ كَافِرَهُمْ إلَّا بِتَسْمِيَتِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَصَحَّحَهُ عَلَى الْكَافِرِ الْقَرِيبِ وَالْمُعَيَّنِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُقَاتِلًا، وَلَا مُخْرِجًا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَلَا مُظَاهِرًا لِلْأَعْدَاءِ عَلَى الْإِخْرَاجِ. انْتَهَى. وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَقْيَسُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَصِحُّ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَأَبُو طَالِبٍ: مَا سَمِعْت بِهَذَا. وَلَا أَعْرِفُ الْوَقْفَ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ: يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: يَجُوزُ عَلَى الْمَنْصُورِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ أَصَحُّ. قُلْت: الَّذِي رَأَيْته فِي الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ: مَا ذَكَرْته آنِفًا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّذْكِرَةِ. فَلَعَلَّهُمَا اخْتَارَاهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنَّ عِبَارَتَهُ فِي الْفُصُولِ مُوهِمَةٌ.

قُلْت: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا وَقَبْلَهُ، عِنْدَ حُكَّامِنَا مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ. وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ. وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْبُلْغَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَصِحُّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْوَقْفِ الْمُعَلَّقِ. فَائِدَةٌ: إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ: فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَنْفُذُ الْحَكَمُ ظَاهِرًا. وَفِيهِ فِي الْبَاطِنِ الْخِلَافُ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: إذَا حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ، وَأَنْفَذَهُ شَافِعِيٌّ: لِلْوَاقِفِ نَقْضُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَة، وَإِلَّا جَازَ نَقْضُهُ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ. بِخِلَافِ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ حَيَاتَهُ، لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَالْفَائِدَةِ فِيهِ، ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى الْأَكْلَ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ: صَحَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً. وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ وَالِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ، أَوْ يُطْعِمُ صَدِيقَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ شَرْطُ غَلَّتِهِ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ سُكْنَى الْوَقْفِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ جَازَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ لِأَهْلِهِ، أَوْ شَرَطَ السُّكْنَى لِأَوْلَادِهِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ. كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ السُّكْنَى مُدَّةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَجُوزُ إيجَارُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلِغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ افْتَقَرَ: أُبِيحَ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: شَمِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْفِقْهِيَّةِ: يَدْخُلُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ ذَلِكَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي دُخُولِهِ: إذَا افْتَقَرَ، عَلَى قَوْلِنَا. فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ يَصِحُّ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ: فَلَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ إذَا افْتَقَرَ جَزْمًا. لِأَنَّهُ لَا يُتَنَاوَلُ بِالْخُصُوصِ. فَلَا يُتَنَاوَلُ بِالْعُمُومِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ دَارِهِ مَسْجِدًا، أَوْ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، أَوْ بِئْرَهُ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا الْمُسْلِمُونَ،

أَوْ بَنَى مَدْرَسَةً لِعُمُومِ الْفُقَهَاءِ أَوْ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، أَوْ رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَعُمُّ: فَلَهُ الِانْتِفَاعُ كَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. . قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ. وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ مُبْهَمًا، كَأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ احْتِمَالًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ قُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْوَقْفُ إلَى قَبُولٍ، مُخْرَجٌ مِنْ وَقْفِ إحْدَى الدَّارَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّلْخِيصِ. فَعَلَى الصِّحَّةِ: يَخْرُجُ الْمُبْهَمُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا وَقَفَ أَحَدَ هَذَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ) . لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ. عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِضَعْفِ مِلْكِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. حَيْثُ اشْتَرَطَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ: عَدَمَ الْمِلْكِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ، أَوْ لَا. وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: الصِّحَّةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا، عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ يَكُونَ الرِّيعُ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ: صَحَّ. فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ صَحَّحْنَا الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ: صَحَّ. لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ. وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ. وَيَتَوَجَّهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَمْلِكُ بِحَالٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُخَرَّجُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ. فَإِنَّ هَذَا نَوْعَ تَمْلِيكٍ لِأُمِّ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْقِنِّ. فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ. وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ: فَقَدْ تُخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رِقِّهَا وَعِتْقِهَا. فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ: خَرَجَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَقْفَ الْمُنْقَطِعَ الِابْتِدَاءِ يَصِحُّ. فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ: فَهَذَا كَذَلِكَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَحْتَمِلُهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ " أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ ". وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، قَوْلُهُ (وَالْحَمْلُ) . يَعْنِي: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: ابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ عَلَى حَمْلٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ إذًا، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. وَفِيهِمَا نِزَاعٌ. تَنْبِيهٌ: إيرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ: يَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ أَصْلًا فِي الْوَقْفِ. أَمَّا إذَا كَانَ تَبَعًا بِإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ، وَفِيهِمْ حَمْلٌ: فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يُشَارِكُهُمْ قَبْلَ وِلَادَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَثْبُتُ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَمْلًا، حَتَّى صَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْلِ مِنْ الْوَقْفِ أَيْضًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " وَقَفْت عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي " أَوْ " مَنْ سَيُولَدُ لِفُلَانٍ " لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صِحَّتُهُ. وَرَدَّهُ ابْنُ رَجَبٍ. قَوْلُهُ (وَالْبَهِيمَةُ) . يَعْنِي لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: الصِّحَّةَ. وَقَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي. كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَنْطَرَةِ، وَالسِّقَايَةِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا. فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: الصِّحَّةُ أَظْهَرُ. وَنَصَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ قِيلَ: الْمِلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى: صَحَّ التَّعْلِيقُ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي) . فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ أَصَحُّ. لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالْوَصَايَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: لَا تَصِحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْقَاضِي. وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: قِفُوا بَعْدَ مَوْتِي. فَيَكُونُ وَصِيَّةً بِالْوَقْفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. فَوَائِدُ. مِنْهَا: قَالَ الْحَارِثِيُّ: كَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْمَوْتِ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ: لَا يَقَعُ لَازِمًا قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. لِأَنَّ مَا هُوَ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْوَصِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ فِي مَعْنَاهَا. فَيَثْبُتُ فِيهِ مِثْلُ حُكْمِهَا فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُعَلَّقِ عَلَى الْمَوْتِ: هُوَ اللُّزُومُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ فِي كِتَابِهِ: سَأَلْته عَنْ الرَّجُلِ يُوقِفُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَهُ. فَاحْتَاجَ إلَيْهَا، أَيَبِيعُ عَلَى قِصَّةِ الْمُدَبَّرِ؟ فَابْتَدَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِالْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ. فَقَالَ: الْوُقُوفُ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا يَبِيعُوا وَلَا يَهَبُوا. قُلْت: فَمَنْ شَبَّهَهُ وَتَأَوَّلَ الْمُدَبَّرَ عَلَيْهِ. وَالْمُدَبَّرُ قَدْ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ حُرًّا، وَالْمَوْقُوفُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَقَفَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. قَالَ لِي: إذَا كَانَ يَتَأَوَّلُ. قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: وَإِنَّمَا نَاظَرْته بِهَذَا، لِأَنَّهُ قَالَ: الْمُدَبَّرُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِلْكُ السَّاعَةِ. وَهَذَا شَيْءٌ وَقَفَهُ عَلَى قَوْمٍ مَسَاكِينَ. فَكَيْفَ يُحْدِثُ بِهِ شَيْئًا؟ فَقُلْت: هَكَذَا الْوُقُوفُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ، السَّاعَةَ هُوَ مِلْكٌ. وَإِنَّمَا

اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَمَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ السَّاعَةَ لَيْسَ بِحُرٍّ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ حُرًّا. انْتَهَى. فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْفَرْقُ عَسِرٌ جِدًّا. وَتَابَعَ فِي التَّلْخِيصِ الْمَنْصُوصَ، فَقَالَ: أَحْكَامُ الْوَقْفِ خَمْسَةٌ. مِنْهَا: لُزُومُهُ فِي الْحَالِ. أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ لَمْ يُخْرِجْهُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ: يَنْقَطِعُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. وَشَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ لَمَّا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَدَّ كَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَتَأَوَّلَهُ. اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا مَنْقُولٌ مَعَ أَنَّهُ وَافَقَ الْحَارِثِيَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: لَا يَقَعُ الْوَقْفُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَازِمًا. قُلْت: كَلَامُهُ فِي الْقَوَاعِدِ يُشْعِرُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا: هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَمْ لَا؟ . قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ فِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ. وَمِنْهَا: الْمُعَلَّقُ وَقْفُهَا بِالْمَوْتِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ " إنْ قُلْنَا: هُوَ لَازِمٌ " يُشْعِرُ بِالْخِلَافِ. وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ: بَطَلَ الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ فِي أَحَدِ الْأَوْجُهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَ الْوَقْفِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ فِي الْكُلِّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ فَسَدَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَخَرَجَ فَسَادُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ مِنْ الْبَيْعِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ شَرَطَ الْبَيْعَ عِنْدَ خَرَابِهِ، وَصَرْفَ الثَّمَنِ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شَرَطَهُ لِلْمُتَوَلِّي بَعْدَهُ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ: يَبْطُلُ الْوَقْفُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَرْطُ بَيْعِهِ إذَا خَرِبَ فَاسِدٌ فِي الْمَنْصُوصِ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى تَعْلِيلِهِ: لَوْ شُرِطَ عَدَمُهُ عِنْدَ تَعْطِيلِهِ. وَقِيلَ: الشَّرْطُ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ) . إذَا وَقَفَ وَقْفًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ النَّاظِمُ احْتِمَالًا: أَنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ يَقْبَلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَقْوَى. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَخْذُ الرِّيعِ قَبُولٌ. تَنْبِيهٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَشْبَهُ: أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ: هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ . فَإِنْ قِيلَ بِالِانْتِقَالِ، قِيلَ: بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبَنَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: إنْ قُلْنَا " هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى " لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَبُولُ، وَإِنْ قُلْنَا " هُوَ لِلْمُعَيَّنِ وَالْجَمْعِ الْمَحْصُورِ " اُعْتُبِرَ فِيهِ الْقَبُولُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْقَبُولَ إنْ أُنِيطَ بِالتَّمْلِيكِ فَالْوَقْفُ لَا يَخْلُو مِنْ تَمْلِيكٍ، سَوَاءٌ قِيلَ بِالِامْتِنَاعِ أَوْ عَدَمِهِ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْقَوْلِ بِالِانْتِقَالِ. إذْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُخْتَارِ هُنَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ. فَرَدُّهُ وَقَبُولُهُ وَعَدَمُهُمَا وَاحِدٌ كَالْعِتْقِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْوَكِيلِ إذَا رَدَّ الْوَكَالَةَ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهَا الْقَبُولَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. فَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ: بَطَلَ كَمَا يَبْطُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. وَعَلَّلَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا عُلِمَ هَذَا، فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. وَمِنْ بَعْدِ تَرَاخِي اسْتِحْقَاقِهِمْ عَنْ الْإِيجَابِ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهَذَا يُشْكِلُ بِقَبُولِ الْوَصِيَّةِ مُتَرَاخِيًا عَنْ الْإِيجَابِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ عَلَى الْمُعَيَّنِ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْمَجْلِسُ. بَلْ يَلْحَقُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ. فَيَصِحُّ مُعَجَّلًا وَمُؤَجَّلًا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. فَأَخْذُ رِيعِهِ: قَبُولٌ. وَقَطْعٌ، وَاخْتَارَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ أَوْ رَدَّهُ: بَطَلَ فِي حَقِّهِ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ. فَيَأْتِي فِيهِ وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. أَعْنِي: كَوْنَهُ كَالْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَصَحُّ كَتَعَذُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَوْتِ وَصْفٍ فِيهِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ هُنَا. قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ كَالْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، بَلْ الْوَقْفُ هُنَا صَحِيحٌ. قَوْلًا وَاحِدًا قَوْلُهُ (وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ. ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) . هَذَا الْوَقْفُ الْمُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ، عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَأَجْرَى وَجْهًا بِالْبُطْلَانِ. قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ صُرِفَ إلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. يَعْنِي الْمُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ. عَلَى مَا يَأْتِي. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ. ثُمَّ يُصْرَفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ) انْصَرَفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ (الْوَقْفُ عَلَيْهِ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَيْهَا: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي: فَلِلْبِنْتِ مَعَ الِابْنِ الثُّلُثُ. وَلَهُ الْبَاقِي. وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ. وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ: قَاسَمَهُ. وَإِنْ كَانَ أَخٌ وَعَمٌّ: انْفَرَدَ بِهِ الْأَخُ. وَإِنْ كَانَ عَمٌّ وَابْنُ عَمٍّ: انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِمَنْ يَرِثُ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. وَتَفْضِيلٌ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ. وَهُوَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ، لَمَا قَالُوا فِيهِ بِهَذَا التَّخْصِيصِ، وَالتَّفْضِيلِ. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ. لَا يُفَضَّلُ فِيهِ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى. وَقَدْ قَالُوا هُنَا: إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ وَقْفًا. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ مَالَ إلَى عَدَمِ الْمُفَاضَلَةِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ: فِي أَقَارِبِهِ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ تُصْرَفُ إلَى عَصَبَتِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَقْرَبَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَعَلَيْهِمَا: يَكُونُ وَقْفًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا حَذَفَ ذِكْرَ الْوَقْفِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي رِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فِي الْوَرَثَةِ " يَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ. عَلَى أَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ: لَا يَكُونُ وَقْفًا. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. فَقَالَ: مِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَلَى الْعَوْدِ مِلْكًا. قَالَ: لِأَنَّهُ قَيَّدَ رِوَايَةَ الْعَوْدِ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْوَقْفِ، وَأَطْلَقَ هُنَا. وَأَثْبَتَ بِذَلِكَ وَجْهًا. قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْأَقْرَبِ مِلْكًا إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِرْثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِرْثَ لَا يَخْتَصُّ بِأَقْرَبِ الْعَصَبَةِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ حَكَى خِلَافًا فِي اخْتِصَاصِ الْعَوْدِ بِالْفُقَرَاءِ بِهِمْ. وَلَوْ كَانَ إرْثًا لَمَا اخْتَصَّ بِالْفُقَرَاءِ. مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَرَّحَ بِالْوَقْفِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابَيْهِ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلَ مِنْ كُتُبِهِمْ، كَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يَكُونُ مِلْكًا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقِيلَ يَكُونُ مِلْكًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ رَجَعَ إلَى الْوَرَثَةِ كَانَ مِلْكًا، بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا (هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: مَتَى قُلْنَا بِرُجُوعِهِ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ، وَكَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا، فَفِي رُجُوعِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عَصَبَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ رِوَايَةً. إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنْسَالِهِمْ، عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ. فَتُوُفِّيَ أُحُدُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ، فَهَلْ يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ، أَمْ لَا؟ تُخَرَّجُ عَلَى مَا قَبْلَهَا. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَالْمَسْأَلَةُ مُلْتَفِتَةٌ إلَى دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ أَقَارِبُ: رَجَعَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُبَاعُ. وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي الْمَسَاكِينِ. وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِهَا.

وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي فِيهِ: هُوَ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ النَّاظِمُ: هِيَ أَوْلَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ كَانَ فِي أَقَارِبِ الْوَاقِفِ فُقَرَاءُ: فَهُمْ أَوْلَى بِهِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ: وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَصُّ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ: يَكُونُ وَقْفًا أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ الْحَيِّ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّهُ قَبْلَ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إنْ وَقَفَ عَلَى عَبِيدِهِ لَمْ يَسْتَقِمْ. قُلْت: فَيُعْتِقُهُمْ؟ قَالَ: جَائِزٌ. فَإِنْ مَاتُوا وَلَهُمْ أَوْلَادٌ فَهُوَ لَهُمْ، وَإِلَّا فَلِلْعَصَبَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ بِيعَ وَفُرِّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ. فَائِدَةٌ: لِلْوَقْفِ صِفَاتٌ.

إحْدَاهَا: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالْوَسَطِ وَالِانْتِهَاءِ. الثَّانِيَةُ: مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ مُتَّصِلُ الِانْتِهَاءِ. الثَّالِثَةُ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ، مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ. الرَّابِعَةُ: مُتَّصِلُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ. الْخَامِسَةُ: عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ. مُنْقَطِعُ الطَّرَفَيْنِ، صَحِيحُ الْوَسَطِ. وَأَمْثِلَتُهَا وَاضِحَةٌ. وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ وَجْهٌ بِالْبُطْلَانِ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَرِوَايَةٌ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي مُنْقَطِعِ الْآخَرِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. السَّادِسَةُ: مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ، مِثْلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَيَسْكُتُ، أَوْ يَذْكُرُ مَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَيْضًا. فَهَذَا بَاطِلٌ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَالصِّفَةُ الْأُولَى: هِيَ الْأَصْلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، حَيْثُ قَالَ " وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ ". وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا، حَيْثُ قَالَ " وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا، أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ. ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ ". وَالرَّابِعَةُ، وَالْخَامِسَةُ: لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ. . قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ: وَقَفْت. وَسَكَتَ) . يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ " وَقَفْت " وَيَسْكُتُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ. فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا. انْتَهَى.

فَظَاهِرُهُ: أَنَّ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ فِي مَصْرِفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، الْوَجْهُ الثَّانِي: يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، وَالْعُكْبَرِيُّ فِي آخَرِينَ. وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ " وَكَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ". وَفِي بَعْضِهَا " صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ " وَالْمَعْنَى: مُتَّحِدٌ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي قَوْلِهِ " تَصَدَّقْت " تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَقَفْته سَنَةً: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيُصْرَفَ بَعْدَهَا مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ يَعْنِي مُنْقَطِعَ الِانْتِهَاءِ وَهُوَ وَجْهٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَلْغُو تَوْقِيتُهُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ سَنَةً، ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً، ثُمَّ عَلَى عَمْرٍو سَنَةً، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: صَحَّ. لِاتِّصَالِهِ ابْتِدَاءً، وَانْتِهَاءً. وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى وَلَدِي مُدَّةَ حَيَاتِي، ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ: صَحَّ. قَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْمَنْصُورُ عِنْدَهُمْ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ الْمَعْمُولُ بِهِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ يَدِهِ. قَطَعَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي كِتَابَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ: وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ: أَنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ: فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّسْلِيمُ إلَى نَاظِرٍ يَقُومُ بِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ. فَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالْآبَارُ وَنَحْوُهُمَا يَكْفِي التَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

قَالَ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ إلَى الْمُعَيَّنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا قِيلَ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ. وَإِلَّا فَإِلَى النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ. انْتَهَى. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ أَيْضًا: لَوْ شَرَطَ نَظَرَهُ لِنَفْسِهِ: سَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَأَمَّا التَّسْلِيمُ إلَى مَنْ يُنَصِّبُهُ هُوَ، فَالْمَنْصُوبُ: إمَّا غَيْرُ نَاظِرٍ. فَوَكِيلٌ مَحْضٌ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَإِمَّا نَاظِرٌ. فَالنَّظَرُ لَا يَجِبُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ. فَالتَّسْلِيمُ إلَى الْغَيْرِ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: إذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ. فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، أَوْ لِلُزُومِهِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ، لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ: فَقَالَ: وَلَيْسَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، بَلْ شَرْطٌ لِلُّزُومِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. فَعَلَى هَذَا: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: إنْ مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَحِيَازَتِهِ: بَطَلَ. وَكَانَ مِيرَاثًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْأَوْلَى هُنَا: اللُّزُومُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. فَقَالُوا: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عَنْ يَدِ الْوَاقِفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ إخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ.

قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُهُ، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. " وَعَنْهُ لَا يَمْلِكُهُ " بَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ ابْنِ أَبِي مُوسَى قِيَاسًا عَلَى الْعِتْقِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِهِ أَقُولُ. وَعَنْهُ مُلْكُ لِلْوَاقِفِ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يُوَافِقْهُمَا عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَا مُتَأَخِّرِيهِمْ. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. كَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: وَعَلَى رِوَايَةِ " أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ " فَهَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلَّهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَمِنْهَا: لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَّجِهُ أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى الْمِلْكِ إنْ جَعَلْنَاهُ لَهُ: فَلَا حَدَّ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ: وَفِي الْمُغْنِي وَجْهٌ بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْءِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْمَنْفَعَةَ. فَلَزِمَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَيَطَّرِدُ الْحَدُّ هُنَا، عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ) . يَعْنِي تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ قُلْنَا: هِيَ مِلْكٌ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. وَهِيَ وَقْفٌ بِحَالِهَا. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) . يَعْنِي قِيمَةَ الْوَلَدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ إذَا أَوْلَدَهَا. وَعَزَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ إلَى اخْتِيَارِ أَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا تَكُونُ وَقْفًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: تُصْرَفُ قِيمَتُهَا لِلْبَطْنِ الثَّانِي، إنْ تَلَقَّى الْوَقْفَ مِنْ وَاقِفِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: فَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: الْبَطْنُ الثَّانِي يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ وَاقِفِهِ، لَا مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ. وَصَحَّحَهُ الطُّوفِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ. فَلَهُمْ الْيَمِينُ مَعَ شَاهِدِهِمْ. لِثُبُوتِ الْوَقْفِ، مَعَ امْتِنَاعِ بَعْضِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ يَتَلَقَّى الْبَطْنُ الثَّانِي الْوَقْفَ مِنْ الْبَطْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَوْ مِنْ الْوَقْفِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ: فَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ

الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا) . يَعْنِي يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ أُمِّهِ إذَا تَلِفَتْ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِمَا مِثْلَهُمَا إنْ بَلَغَ، أَوْ شِقْصًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ قِيمَةَ الْوَلَدِ هَاهُنَا ". يَعْنِي يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ هُنَا، عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَتْلَفَهَا إنْسَانٌ: لَزِمَهُ قِيمَتُهَا، يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا. وَإِنْ حَصَلَ الْإِتْلَافُ فِي جُزْءٍ بِهَا كَقَطْعِ طَرَفٍ مَثَلًا فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَشْتَرِي بِأَرْشِهَا شِقْصًا يَكُونُ وَقْفًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إتْلَافٍ: فَالْأَرْشُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ قَتَلَ الْمَوْقُوفَ عَبْدٌ مُكَافِئٌ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ. لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ قَاتِلُهُ. كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَتَحْرِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُلَّاكِ وَمِنْ شَرْطِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ: مُطَالَبَةُ كُلِّ الشُّرَكَاءِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَكَرَهُ وَمَالَ إلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: وَقْفِيَّةُ الْبَدَلِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، لِاسْتِدْعَاءِ

الْبَدَلِيَّةِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا الْبَدَلِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ الْوَقْفِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ، وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَا نَصَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَبِهَذَا أَقُولُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَيْعِ الْوَقْفِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَلَهُ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ ". يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: يُزَوِّجُهَا الْوَاقِفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَالْحَارِثِيُّ لَكِنْ إذَا زَوَّجَ الْحَاكِمُ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَاقِفُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ. قُلْت: هُوَ مُرَادُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ قَطْعًا. وَقَدْ طَرَدَهُ الْحَارِثِيُّ فِي الْوَاقِفِ وَالنَّاظِرِ، إذَا قِيلَ بِوِلَايَتِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ، إلَّا إذَا طَلَبَتْهُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْتَمِلُ مَنْعَ تَزْوِيجِهَا، إنْ لَمْ تَطْلُبْهُ. قَوْلُهُ (وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا) . هَذَا الْمُذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. وَنَسَبَ الْأَوَّلَ إلَى الْأَصْحَابِ.

وَيَأْتِي: هَلْ يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ؟ فِي الْفَوَائِدِ قَرِيبًا. وَمِنْ الْفَوَائِدِ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ خَطَأً: فَالْأَرْشُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: تَكُونُ جِنَايَتُهُ فِي كَسْبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْوَاقِفِ. " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ فِي كَسْبِهِ " قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى الْوَاقِفِ. قَالَ: وَفِيهِ بَحْثٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا. أَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ فِي كَسْبِهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ، يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ. وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهَا بِرَقَبَتِهِ، فَتَتَعَيَّنُ فِي كَسْبِهِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْفِدَاءَ، فَهُوَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ، أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، اعْتِبَارًا بِأُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ.

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ مَاشِيَةً: لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا، عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. لِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَتَجِبُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتِيَارِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَكِنْ لِيَخْرُجَ مَنْ سِوَاهَا وَيُمْدَدْ قُلْت: فَيُعَايَا بِهَا. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ مُطْلَقًا لِضَعْفِ الْمِلْكِ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. فَأَمَّا الشَّجَرُ الْمَوْقُوفُ: فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَمَرِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ رِوَايَةً. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا زَكَاةَ فِي السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُرَاجَعْ. وَمِنْهَا: النَّظَرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ: مِلْكَ النَّظَرِ عَلَيْهِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَيَنْظُرُ فِيهِ هُوَ مُطْلَقًا، أَوْ وَلِيُّهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ النَّظَرُ لِلْحَاكِمِ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: لِلْوَاقِفِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ عِنْدِهِ. وَمِنْهَا: هَلْ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُهُ اسْتَحَقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ، وَإِلَّا فَلَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: يَمْلِكُهُ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَهَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمُذْهَبِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الطَّلْقِ.

أَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ بِمَنْعِ الْقِسْمَةِ: فَلَا شُفْعَةَ. وَكَذَلِكَ بَنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ الْوَجْهَيْنِ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْقِسْمَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ ". وَمِنْهَا: نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ الْمَوْقُوفِ. فَتَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ، وَمَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ تَجِبُ فِي كَسْبِهِ، وَمَعَ عَدَمِهِ تَجِبُ عَلَى مَنْ الْمِلْكُ لَهُ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مِنْ عِنْدِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ وَجْهٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. وَقَدْ يُقَالُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ، كَمَا نَقُولُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهٍ، انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى. وَيَجُوزُ عَلَى الثَّانِيَةِ. قُلْت: وَعَلَى الثَّالِثَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْبِنَاءُ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. وَلِهَذَا يَكُونُ الْمَهْرُ لَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ، فَعَلَى الْأُولَى: لَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. لِوُجُودِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا: لَوْ سَرَقَ الْوَقْفَ أَوْ نَمَاءَهُ. فَعَلَى الْأُولَى: يُقْطَعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ: لَمْ يُقْطَعْ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ يُقْطَعُ.

وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ. وَمِنْهَا: وُجُوبُ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْأُولَى. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا اُشْتُرِيَ عَبْدٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِخِدْمَةِ الْوَقْفِ. فَإِنَّ الْفُطْرَةَ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا. لِتَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَيُعَايَى بِمَمْلُوكٍ لَا مَالِكَ لَهُ. وَهُوَ عَبْدٌ وُقِفَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ. وَمِنْهَا: لَوْ زَرَعَ الْغَاصِبُ أَرْضَ الْوَقْفِ. فَعَلَى الْأُولَى: لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ التَّمَلُّكُ بِالنَّفَقَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ. فِيهِ تَرَدُّدٌ. ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ عَلَى الْآخَرَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ رَدَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الصَّرْفُ مُدَّةَ بَقَاءِ الْآخَرَيْنِ مَصْرِفُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. لِسُكُوتِهِ عَنْ الْمَصْرِفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الِانْتِقَالُ إلَى الْمَسَاكِينِ. لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لَهُ. فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ: الصَّرْفُ إلَى الْمَسَاكِينِ بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ عَيَّنَ. فَصَرْفُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ عِنْدَ انْقِرَاضِهِ إلَى الْمَسَاكِينِ: دَاخِلٌ تَحْتَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَرَجَّحَهُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَآلًا. فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَحُكْمُ نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ. كَمَا لَوْ مَاتُوا جَمِيعًا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

وَقَالَ: عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ يُصْرَفُ إلَى مَنْ بَقِيَ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ رَدَّ بَعْضُهُمْ. قَالَهُ فِيهَا أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا. لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ. فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ. وَقِيلَ: تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ. فَيَسْتَحِقُّ الْوَلَدُ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ. فَهُوَ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ بَيْنَ كُلِّ شَخْصٍ وَأَبِيهِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، عِنْدَ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالْهِلَالِ: إذَا قُوبِلَ جَمْعٌ بِجَمْعٍ: اقْتَضَى مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْهُ بِالْفَرْدِ لُغَةً. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَعَلَى هَذَا: الْأَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُوهُ. وَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا وَعَقِبِهِمَا بَعْدَهُمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْإِرْثِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ أَخَذَ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ هُوَ: فَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. وَلِهَذَا: لَوْ انْتَفَتْ الشُّرُوطُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى، أَوْ بَعْضِهِمْ: لَمْ تَحْرُمْ الثَّانِيَةُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ إجْمَاعًا، وَلَا فَرْقَ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ " مَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " يَعُمُّ مَا اسْتَحَقَّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ صِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّهُ أَوْ لَا، تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِصِدْقِ الْإِضَافَةِ

بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وَلِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْعَامَّةِ الشَّارِطِينَ، وَيَقْصِدُونَهُ. لِأَنَّهُ يَتِيمٌ لَمْ يَرِثْ هُوَ وَأَبُوهُ مِنْ الْجَدِّ. وَلِأَنَّ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ يَنْتَقِلُ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ إلَى وَلَدِهِ، لَكِنْ هُنَا: هَلْ يُعْتَبَرُ مَوْتُ الْوَالِدِ؟ يَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا مَا اسْتَحَقَّهُ فَمَفْهُومٌ. خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا: إنْ قَالَ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ " وَنَحْوَهُ: فَتَرْتِيبُ جُمْلَةٍ، مَعَ أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ. فَإِنْ زَادَ الْوَاقِفُ " عَلَى أَنَّهُ إنْ تُوُفِّيَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَلَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْ أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ، وَعَنْ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ. فَلَهُ مَعَهُمْ مَا لِأَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ " وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ. وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ إلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، وَلَا مُشَارَكَةَ انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنِينَ. فَقَالَ " وَقَفْت عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِي " كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادِهِمَا وَأَوْلَادِ الثَّالِثِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّالِثِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارًا لَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَوَّاهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَدْخُلُ الِابْنُ الثَّالِثُ. وَنَقَلَهُ حَرْبٌ، وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. فَقَالَ: فَالْمَنْصُوصُ دُخُولُ الْجَمِيعِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَيَخْرُجُ وَجْهٌ بِالِاخْتِصَاصِ بِوَلَدِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ، اعْتِبَارًا بِآبَائِهِمْ. وَكَذَا الْحَكَمُ وَالْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ لَوْ قَالَ " وَقَفْت عَلَى وَلَدَيَّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ " هَلْ يَشْمَلُ وَلَدَ وَلَدِهِ أَمْ لَا؟ .

وَقِيلَ: يَشْمَلُهُ هُنَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا مِنْ عِنْدِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُ فَعَلَى الْمَسَاكِينِ: كَانَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ لِأَوْلَادِهِ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْمَسَاكِينِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ، حَتَّى يَنْقَرِضَ أَوْلَادُهُ. ثُمَّ يُصْرَفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ: اشْتَرَكُوا حَالًا. وَلَوْ قَالَ فِيهِ " عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِذَوِي طَبَقَتِهِ " كَانَ لِلِاشْتِرَاكِ أَيْضًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقَدْ زَعَمَ الْمَجْدُ: أَنَّ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَأَوْلَادِهِمْ. ثُمَّ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَلَدٍ نَصِيبُ وَالِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَهُ وَتَأَمَّلَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ كُلِّ وَلَدٍ وَأَبِيهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَلَوْ رَتَّبَ بِقَوْلِهِ " الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، أَوْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، أَوْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الثَّانِي " فَهَذَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى مِثْلِهَا. لَا يَسْتَحِقُّ الْبَطْنُ الثَّانِي شَيْئًا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَكَذَا قَوْلُهُ " قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ ". وَلَوْ قَالَ بَعْدَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ " ثُمَّ عَلَى أَنْسَالِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ " فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْعَقِبِ مُرَتَّبًا، أَوْ مُشْتَرَكًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

قُلْت: الصَّوَابُ التَّرْتِيبُ. وَلَوْ رَتَّبَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ بِ " ثُمَّ " ثُمَّ قَالَ " وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ بَعْدَ أَبِيهِ نَصِيبَهُ. وَلَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي، عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ " اسْتَحَقَّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ أَبِيهِ بَعْدَهُ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَهُمَا يَنْزِعَانِ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِيهَا. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ. وَقَدْ وَافَقَ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ. وَجَعَلُوهُ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَصَنَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا حَافِلًا خَمْسَ كَرَارِيسَ. وَلَوْ قَالَ " وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَشْمَلُ النَّصِيبَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَائِدَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثُ إخْوَةٍ. فَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ. وَيَمُوتُ الثَّانِي عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ الثَّالِثِ. فَإِذَا مَاتَ الثَّالِثُ عَنْ وَلَدٍ: اسْتَحَقَّ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي يَدِ أَبِيهِ مِنْ الْأَصْلِيِّ وَالْعَائِدِ إلَيْهِ مِنْ أَخِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَشْمَلُ النَّصِيبَ الْأَصْلِيَّ، وَيَشْتَرِكُ وَلَدُ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَوَلَدُ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ فِي النَّصِيبِ الْعَائِدِ إلَى أَخِيهِ. لِأَنَّ وَالِدَيْهِمَا لَوْ كَانَا حَيَّيْنِ لَاشْتَرَكَا فِي الْعَائِدِ. فَكَذَا وَلَدُهُمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَوْ قَالَ " مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ " وَكَانَ الْوَقْفُ مُرَتَّبًا بِالْبُطُونِ، كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: لِأَهْلِ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ.

وَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَهْلِ الْبُطُونِ: عَادَ إلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَوُجُودُ هَذَا الشَّرْطِ كَعَدَمِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ مِنْهُ. فَيَسْتَوِي فِيهِ إخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ وَبَنُو بَنِي عَمِّ أَبِيهِ. لِأَنَّهُمْ فِي الْقُرْبِ سَوَاءٌ. قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي دَرَجَتِهِ أَحَدٌ: فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يُذْكَرْ الشَّرْطُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، فَقِيلَ: يَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى أَهْلِ الْوَقْفِ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَانُوا بُطُونًا. وَحَكَمَ بِهِ التَّقِيُّ سُلَيْمَانُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَالًا أَوْ قُوَّةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ثَلَاثَةً. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي عَنْ ابْنَيْنِ. فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ أَخَاهُ وَابْنَ عَمِّهِ، وَعَمَّهُ وَابْنًا لِعَمِّهِ الْحَيِّ. فَيَكُونُ نَصِيبُهُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الْمَيِّتِ وَابْنِ عَمِّهِ الْحَيِّ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ أَهْلُ بَطْنِهِ فِي أَهْلِ الْوَقْفِ الْمُتَنَاوِلِينَ لَهُ فِي الْحَالِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ لِأَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ. وَلَا شَيْءَ لِعَمِّهِ الْحَيِّ وَلَا لِوَلَدِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَوُو طَبَقَتِهِ: إخْوَتُهُ، وَبَنُو عَمِّهِ، وَنَحْوُهُمْ. وَمَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ: عُمُومَتُهُ، وَنَحْوُهُمْ. وَمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ: وَلَدُهُ، وَوَلَدُ إخْوَتِهِ وَطَبَقَتُهُمْ. وَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِحَالٍ. كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ بَنِينَ.

وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَتَرَكَ الرَّابِعَ. فَمَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ: لَمْ يَكُنْ لِلرَّابِعِ فِيهِ شَيْءٌ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِذَا شَرَطَهُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِهِ: اسْتَحَقَّهُ أَهْلُ الدَّرَجَةِ حَالَةَ وَفَاتِهِ. وَكَذَا مَنْ سَيُوجَدُ مِنْهُمْ فِي أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا أَقْوَى الِاحْتِمَالَيْنِ. قَالَ: وَرَأَيْت الْمُشَارَكَةَ بِخَطِّ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ يَعْنِي الشَّارِحَ وَالنَّوَوِيَّ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: يَخْرُجُ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ: وَالدُّخُولُ هُنَا أَوْلَى. وَبِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا، لَوْ حَدَثَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْمَوْجُودِينَ، وَكَانَ فِي الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى: فَإِنَّهُ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَقَطْ. ثُمَّ نَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ. عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَتَرَكَ وَلَدًا وَإِنْ سَفُلَ: فَنَصِيبُهُ لَهُ. فَمَاتَ أَحَدُ الطَّبَقَةِ الْأُوَلِ، وَتَرَكَ بِنْتًا، فَمَاتَتْ وَلَهَا أَوْلَادٌ ". فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا اسْتَحَقَّتْهُ قَبْلَ مَوْتِهَا: فَهُوَ لَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ: لَا. انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ " وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ: فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ. ثُمَّ نَسْلِهِمْ، وَعَقِبِهِمْ " عَمَّ مَنْ لَمْ يُعْقِبْ وَمَنْ أَعْقَبَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ غَيْرُهُ. وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ. فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَطْعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ نُفُوذُ حُكْمِهِ بِخِلَافِهِ. السَّابِعَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ صِفَتَانِ أَوْ صِفَاتٌ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ كَاجْتِمَاعِ شَخْصَيْنِ أَوْ أَشْخَاصٍ. عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا، كَالْأَعْيَانِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ.

وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْوَصَايَا، وَالْفَرَائِضِ، وَالزَّكَاةِ، فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ. وَأَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ أَيْضًا. وَرَدَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَتَعَدَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ بِذَلِكَ. وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا. الثَّامِنَةُ: إذَا تَعَقَّبَ الشَّرْطُ جُمَلًا: عَادَ إلَى الْكُلِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجْهَيْنِ، فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ حَرَامٌ. وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " انْتَهَى. وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالشَّرْطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: وَالْجُمَلُ مِنْ جِنْسٍ كَالشَّرْطِ. وَكَذَا مُخَصَّصٌ: مِنْ صِفَةٍ، وَعَطْفِ بَيَانٍ، وَتَوْكِيدٍ، وَبَدَلٍ، وَنَحْوِهِ، وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، نَحْوِ " عَلَى أَنَّهُ " أَوْ " بِشَرْطِ أَنَّهُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ. لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلٍ، لَا بِاسْمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ وَفَاءٍ وَثُمَّ. وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. التَّاسِعَةُ: لَوْ وَجَدَ فِي كِتَابِ وَقْفٍ " أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى بَنِي بَنِيهِ. وَاشْتَبَهَ: هَلْ الْمُرَادُ بِبَنِي بَنِيهِ، جَمْعُ ابْنٍ، أَوْ بَنِي بِنْتِهِ، وَاحِدَةُ الْبَنَاتِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا. لِتُسَاوِيهِمَا، كَمَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرَدُّدِ الْبَيِّنَةِ الْوَاحِدَةِ. وَلَوْ كَانَ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ. فَالْقِسْمَةُ عِنْدَ التَّعَارُضِ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ. وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ: إمَّا التَّسَاقُطُ وَإِمَّا الْقُرْعَةُ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ هُنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَجَّحَ بَنُو الْبَنِينَ. لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ بِنْتَيْهِ لَا يَخُصُّ مِنْهُمَا الذُّكُورَ، بَلْ يَعُمُّ أَوْلَادَهُمَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ الذُّكُورِ. فَإِنَّهُ

يَخُصُّ ذُكُورَهُمْ كَثِيرًا، كَآبَائِهِمْ. وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ وَلَدَ الْبِنْتِ لَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا، أَوْ لَشَرَّكَ بَيْنَ وَلَدِهَا وَوَلَدِ سَائِرِ بَنَاتِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَأَفْتَى أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ وَجُهِلَ اسْمُهُ: أَنَّهُ يُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ. قَوْلُهُ (وَيُرْجَعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْجَمْعِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالتَّسْوِيَةِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ. وَفِي النَّاظِرِ فِيهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ) . وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَدَمَ إيجَارِهِ، أَوْ قَدْرَ مُدَّةٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ بَعْضِهِمْ: جَوَازُ زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا شَرَطَهُ النَّاظِرُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. قَالَ: وَهُوَ يَحْتَاجُ عِنْدِي إلَى شَيْءٍ مِنْ تَفْصِيلٍ. فَقَوْلُهُ " يُرْجَعُ فِي قَسْمِهِ " أَيْ فِي تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَ " التَّقْدِيمُ " الْبُدَاءَةُ بِبَعْضِ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ. كَوَقْفٍ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ. وَيَبْدَأُ بِالدَّفْعِ إلَى زَيْدٍ، أَوْ وَقَفْت عَلَى طَائِفَةِ كَذَا. يَبْدَأُ بِالْأَصْلَحِ، أَوْ الْأَفْقَهِ. وَ " التَّأْخِيرُ " عَكْسُ ذَلِكَ. وَإِذَا أُضِيفَ تَقْدِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ: كَانَ لِلْمُؤَخَّرِ مَا فَضَلَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَ. وَ " الْجَمْعُ " جَمْعُ الِاسْتِحْقَاقِ مُشْتَرَكًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَ " التَّرْتِيبُ " جَعْلُ اسْتِحْقَاقِ بَطْنٍ مُرَتَّبًا عَلَى آخَرَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَ " التَّرْتِيبُ " مَعَ " التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ " مُتَّحِدٌ مَعْنًى، لَكِنَّ الْمُرَادَ فِي صُورَةِ

التَّقْدِيمِ بَقَاءُ أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُؤَخَّرِ، عَلَى صِفَةِ أَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ وَإِلَّا سَقَطَ. وَفِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ: عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَخَّرِ مَعَ وُجُودِ الْمُقَدَّمِ. وَ " التَّسْوِيَةُ " جَعْلُ الرِّيعِ بَيْنَ أَهْلِ الْوَقْفِ مُتَسَاوِيًا. وَ " التَّفْضِيلُ " جَعْلُهُ مُتَفَاوِتًا. وَمَعْنَى " الْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ " وَ " الْإِدْخَالِ بِصِفَةٍ " جَعْلُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْحِرْمَانِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ مُشْتَرَطٍ. فَتَرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ: كَالْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ أَوْ صُلَحَاءَ. وَتَرَتُّبُ الْحِرْمَانِ أَنْ يَقُولَ: وَمَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ، أَوْ اسْتَغْنَى فَلَا شَيْءَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الشَّرْطَ الْمُبَاحَ الَّذِي لَا يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ مِنْهُ: يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: الْوُجُوبُ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْرُجُ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ قُرْبَةً: اشْتِرَاطُ الْقُرْبَةِ فِي الْأَصْلِ يَلْزَمُ الشُّرُوطَ الْمُبَاحَةَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ لُزُومَ الْعَمَلِ بِشَرْطٍ مُسْتَحَبٍّ خَاصَّةً. وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ. لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَيُعْذَرُ عَلَيْهِ، فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ سَفَهٌ، وَلَا يَجُوزُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ يَعْنِي الْمُبَاحَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَلَّلَهُ. قَالَ: وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ، عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبَةِ فِي أَصْلِ الْجِهَةِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَإِيَّاهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ " فِيمَا أَرَى.

وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَذَكَرَ النَّصَّ فِي الْوَصِيَّةِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ " الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَانَ فِي زَمَنِهِ. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: مَنْ قَدَّرَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا. فَلَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ إنْ اسْتَحَقَّهُ بِمُوجِبِ الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا. فَائِدَةٌ: لَوْ خَصَّصَ الْمَدْرَسَةَ بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةٍ: تَخَصَّصَتْ. وَكَذَلِكَ الرِّبَاطُ وَالْخَانْقَاهْ وَالْمَقْبَرَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي كِتَابِهِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ: فَإِنْ عَيَّنَ لِإِمَامَتِهِ شَخْصًا: تَعَيَّنَ. وَإِنْ خَصَّصَ الْإِمَامَةَ بِمَذْهَبٍ: تَخَصَّصَتْ بِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ السُّنَّةِ أَوْ ظَاهِرِهَا، سَوَاءٌ كَانَ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ، أَوْ لِتَأْوِيلٍ ضَعِيفٍ. وَإِنْ خَصَّصَ الْمُصَلِّينَ فِيهِ بِمَذْهَبٍ، فَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَخْتَصُّ بِهِمْ عَلَى الْأَشْبَهِ. لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَقَوَّى الْحَارِثِيُّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: وَاخْتَارَ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَسْجِدِ بِمَذْهَبٍ فِي الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا تَتَعَيَّنُ طَائِفَةٌ وُقِفَ عَلَيْهَا مَسْجِدٌ أَوْ مَقْبَرَةٌ. كَالصَّلَاةِ فِيهِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ إنْ عَيَّنَ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَوْ تَدْرِيسِ الْعِلْمِ: اُخْتُصَّ. وَإِنْ سَلِمَ، فَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّزَاحُمُ بِإِشَاعَتِهِ، وَلَوْ وَقَعَ: فَهُوَ أَفْضَلُ. لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُرَادُ لَهُ. وَقِيلَ: تُمْنَعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ فُقَهَاءَ، كَمُسَابِقَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ " نُصُوصُ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ " يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ، لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ: أَنَّ لَفْظَهُ، وَلَفْظَ الْمُوصِي، وَالْحَالِفِ، وَالنَّاذِرِ، وَكُلِّ عَاقِدٍ: يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ، وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا، وَافَقَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَوْ لُغَةَ الشَّارِعِ. أَمْ لَا. قَالَ: وَالشُّرُوطُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا. إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ. وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهَا. قَالَ: وَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ: أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ: فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ. كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ، وَالنَّاظِرُ مُنْفِذٌ لِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ. انْتَهَى. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْزِلَ فَاسِقٌ، وَلَا شِرِّيرٌ، وَلَا مُتَجَوِّهٌ، وَنَحْوُهُ: عُمِلَ بِهِ. وَإِلَّا تَوَجَّهَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي فُقَهَاءَ وَنَحْوِهِمْ. وَفِي إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ الْخِلَافُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا فِي مَوْضِعٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ فَاسِقٌ فِي جِهَةٍ دِينِيَّةٍ، كَمَدْرَسَةٍ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا. لِأَنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَعُقُوبَتُهُ. فَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ وَقَالَ أَيْضًا: إنْ نُزِّلَ مُسْتَحِقٌّ تَنْزِيلًا شَرْعِيًّا: لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَحْضَرٍ كَوَقْفٍ فِيهِ شُرُوطٌ ثُمَّ ظَهَرَ كِتَابُ الْوَقْفِ غَيْرَ ثَابِتٍ: وَجَبَ ثُبُوتُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ.

فوائد مصرف الوقف إلى الجهة المعينة له

وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي هَذَا الْوَقْفِ إلَّا مِقْدَارًا مَعْلُومًا. ثُمَّ ظَهَرَ شَرْطُ الْوَاقِفِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ: حُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ. وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْمُتَقَدِّمُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِخْرَاجُ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ، وَإِدْخَالُهُ بِصِفَةٍ) . أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ لِلنَّاظِرِ إخْرَاجَ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِدْخَالَ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ مِنْهُمْ: جَازَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْفِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِصِفَةٍ. فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إذَا اتَّصَفَ بِإِرَادَةِ النَّاظِرِ لِيُعْطِيَهُ، وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ حَقًّا إذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ. وَإِنْ شَرَطَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ: لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. فَأَفْسَدَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ. قَالَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، قَالَ: وَالْفَرْقُ لَا يَتَّجِهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مُتَصَرِّفٍ بِوِلَايَةٍ إذَا قِيلَ لَهُ " يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ " فَإِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ، حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِفِعْلِ مَا يَهْوَاهُ، وَمَا يَرَاهُ مُطْلَقًا: فَشَرْطٌ بَاطِلٌ. لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ. وَغَايَتُهُ: أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مُبَاحًا. وَهُوَ بَاطِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، حَتَّى لَوْ تَسَاوَى فِعْلَانِ عُمِلَ بِالْقُرْعَةِ. وَإِذَا قِيلَ هُنَا بِالتَّخْيِيرِ: فَلَهُ وَجْهٌ. [فَوَائِدُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ] فَوَائِدُ. الْأُولَى: يَتَعَيَّنُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ تَغْيِيرُ شَرْطِ الْوَاقِفِ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ

مِنْهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ. حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ، وَالصُّوفِيَّةِ وَاحْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْجِهَادِ: صُرِفَ إلَى الْجُنْدِ. وَقِيلَ: إنْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَشُرْبُ مَاءٍ مَوْقُوفٍ لِلْوُضُوءِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ، وَأَوْلَى. وَقَالَ: الْأَحْرَى فِي الْفَرَسِ الْحَبِيسِ: لَا يُعِيرُهُ إلَّا الْفَرَسَ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْكَبَهُ فِي حَاجَةٍ إلَّا لِتَأْدِيبِهِ وَجَمَالِ الْمُسْلِمِينَ وَرَفْعِهِ لَهُمْ، أَوْ غَيْظٍ لِلْعَدُوِّ. وَتَقَدَّمَ وَجْهٌ بِتَحْرِيمِ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَاضِحٌ. وَقِيلَ: لِمُخَالَفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ: أَنَّهُ لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ، فِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَتَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ إخْرَاجُ بُسُطِ الْمَسْجِدِ وَحُصْرِهِ لِمَنْ يَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ. وَأَمَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا: فَيَجُوزُ. نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ. وَجَزَمَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَاظِرِهِ أُجْرَةً: فَكُلْفَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْقَى أُجْرَةُ مِثْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: كُلْفَتُهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ. قِيلَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَهُ الْعَادَةُ بِلَا شَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحِجْرِ: إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً، هَلْ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا أَسْنَدَ النَّظَرَ إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَتَصَرَّفْ أَحَدُهُمَا بِدُونِ شَرْطٍ. وَكَذَا إنْ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ أَوْ النَّاظِرُ إلَيْهِمَا.

وَأَمَّا إذَا شَرَطَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ: اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ نَاظِرًا إمَّا بِالشَّرْطِ، وَإِمَّا لِانْتِفَاءِ نَاظِرٍ مَشْرُوطٍ وَكَانَ وَاحِدًا: اسْتَقَلَّ بِهِ. وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً: فَالنَّظَرُ لِلْجَمِيعِ. كُلُّ إنْسَانٍ فِي حِصَّتِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الشَّرْطِ لَا يَسْتَقِلُّ بِحِصَّتِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ مُسْنَدٌ إلَى الْجَمِيعِ. فَوَجَبَ الشَّرِكَةُ فِي مُطْلَقِ النَّظَرِ. فَمَا مِنْ نَظَرٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى عَدْلَيْنِ مِنْ وَلَدِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ: أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ آخَرَ. لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِوَاحِدٍ. وَإِنْ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا: لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ آخَرَ. لِأَنَّ الْبَدَلَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلُ مِنْ وَلَدِهِ، وَأَبَى الْأَفْضَلُ الْقَبُولَ: فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ مُدَّةَ بَقَائِهِ، أَوْ إلَى مَنْ يَلِيهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيمَا إذَا رَدَّ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِمَّا إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبَ: هَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ إلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ. وَإِنْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمْ لِفَضْلِهِ، ثُمَّ صَارَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ: انْتَقَلَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ تَنَازَعَ نَاظِرَانِ فِي نَصْبِ إمَامَةٍ نَصَبَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا وَالْآخَرُ عَمْرًا إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّا: لَمْ تَنْعَقِدْ الْوِلَايَةُ. لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا. وَإِنْ اسْتَقَلَّا وَتَعَاقَبَا: انْعَقَدَتْ لِلْأَسْبَقِ. وَإِنْ اتَّحَدَا وَاسْتَوَى الْمَنْصُوبَانِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ

الْخَامِسَةُ: يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ جَمَّةٍ مِنْ أَحْكَامِ النَّاظِرِ. إذَا عَزَلَ الْوَاقِفُ مَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لَهُ: لَمْ يَنْعَزِلْ، إلَّا أَنْ يَشْرُطَ لِنَفْسِهِ وِلَايَةَ الْعَزْلِ. قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَلَوْ مَاتَ هَذَا النَّاظِرُ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ: لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ نَصْبَ نَاظِرٍ بِدُونِ شَرْطٍ. وَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ: فَكَذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ فَوَّضَهُ إلَيْهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ: فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ عَزْلُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَإِنْ قَالَ " وَقَفْت كَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ زَيْدٌ " أَوْ " عَلَى أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ " أَوْ قَالَ عَقِبَهُ " جَعَلْته نَاظِرًا فِيهِ " أَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لَهُ: صَحَّ، وَلَمْ يَمْلِكْ عَزْلَهُ. وَإِنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَعَلَهُ لِزَيْدٍ، أَوْ قَالَ " جَعَلْت نَظَرِي لَهُ " أَوْ " فَوَّضْت إلَيْهِ مَا أَمْلِكُهُ مِنْ النَّظَرِ " أَوْ " أَسْنَدْته إلَيْهِ " فَلَهُ عَزْلُهُ. وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْوَاقِفِ. وَبِهِ قَالَ: هِلَالُ الرَّأْيِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى. فَعَلَيْهِ: لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ. يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ. لِأَصَالَةِ وِلَايَتِهِ. فَكَانَ مَنْصُوبُهُ نَائِبًا عَنْهُ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.

وَلَهُ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ إذَا قِيلَ: بِنَظَرِهِ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ وَيَعْزِلَ أَيْضًا كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ. وَهُوَ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي الرِّعَايَةِ. وَلِلنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ أَنْ يَعْزِلَ وَيَنْصِبَ أَيْضًا بِشَرْطِهِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّاظِرِ بِالْأَصَالَةِ: وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ الْحَاكِمِ. قَالَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. وَأَمَّا النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ: فَلَيْسَ لَهُ نَصْبُ نَاظِرٍ. لِأَنَّ نَظَرَهُ مُسْتَفَادٌ بِالشَّرْطِ. وَلَمْ يَشْرِطْ النَّصْبَ لَهُ. وَإِنْ قِيلَ: بِرِوَايَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ: كَانَ لَهُ بِالْأَوْلَى. لِتَأَكُّدِ وِلَايَتِهِ مِنْ جِهَةِ انْتِفَاءِ عَزْلِهِ بِالْعَزْلِ. وَلَيْسَ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ بِالشَّرْطِ. وَلَمْ يَشْرُطْ الْإِيصَاءَ لَهُ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَمَنْ شَرَطَ لِغَيْرِهِ النَّظَرَ إنْ مَاتَ، فَعَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ، فَهُوَ كَمَوْتِهِ. لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ لِلْغَالِبِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا. وَقَالَ: وَلَوْ قَالَ " النَّظَرُ بَعْدَهُ لَهُ " فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ، أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ نَظَرِهِ؟ يَتَوَجَّهُ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَلِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظَائِفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْرُوطُ لَهُ نَظَرُ الْمَسْجِدِ: لَهُ نَصْبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ مِنْ إمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَقَيِّمٍ، وَغَيْرِهِمْ كَمَا أَنَّ لِنَاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ. مِنْ جَابٍ وَنَحْوِهِ.

وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ نَاظِرٌ: لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ، وَابْنُ بُخْتَانَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ النَّصْبِ. لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا كَالْجَوَامِعِ، وَمَا عَظُمَ وَكَثُرَ أَهْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا إلَّا مِنْ نَدَبَهُ السُّلْطَانُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ: فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ. وَالْإِمَامَةُ فِيهَا لِمَنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَى بِهِ عَزْلُهُ عَنْ إمَامَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَنْصِبُ مَنْ لَا يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ. وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ لَا يَنْصِبُ مَنْ لَا يَرْضَوْنَهُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا: وَهَلْ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِي مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ؟ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. هَذَا إذَا وُجِدَ نَائِبٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ كَمَا فِي الْقُرَى الصِّغَارِ أَوْ الْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ أَوْ وُجِدَ، وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ نَصْبُ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا: فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ لَهُمْ النَّصْبَ، تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ. وَكَذَا مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَوْقَافِ. لِأَهْلِ ذَلِكَ الْوَقْفِ، أَوْ الْجِهَةِ: نَصْبُ نَاظِرٍ فِيهِ كَذَلِكَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ النَّصْبُ مِنْ جِهَةِ هَؤُلَاءِ فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ أَوْ الْمَكَانِ النَّظَرُ وَالتَّصَرُّفُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مِثْلِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّ الْإِمَامَ يُقَرِّرُ فِي الْجَوَامِعِ الْكِبَارِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِهِ إلَّا بِشَرْطٍ. وَلَا نَظَرَ لِغَيْرِ النَّاظِرِ مَعَهُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَتَوَجَّهُ مَعَ حُضُورِهِ. فَيُقَرِّرُ حَاكِمٌ فِي وَظِيفَةٍ خَلَتْ فِي غَيْبَتِهِ. لِمَا فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِلَفْظِ الْوَاقِفِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَدَوَامِ نَفْعِهِ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُرِيدُهُ. وَلَا حُجَّةَ فِي تَوْلِيَةِ الْأَئِمَّةِ مَعَ الْبُعْدِ. لِمَنْعِهِمْ غَيْرَهُمْ التَّوْلِيَةَ. فَنَظِيرُهُ: مَنْعُ الْوَاقِفِ التَّوْلِيَةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ. وَلَوْ سَبَقَ تَوْلِيَةُ نَاظِرٍ غَائِبٍ قُدِّمَتْ. وَلِلْحَاكِمِ النَّظَرُ الْعَامُّ. فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ. وَلَهُ ضَمُّ أَمِينٍ مَعَ تَفْرِيطِهِ أَوْ تُهْمَتِهِ، يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ، أَوْ أَصَرَّ مُتَصَرِّفًا بِخِلَافِ الشَّرْطِ. الصَّحِيحِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ: قُدِحَ فِيهِ. فَإِمَّا أَنْ يَنْعَزِلَ، أَوْ يُعْزَلَ، أَوْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ، عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ. ثُمَّ إنْ صَارَ هُوَ أَوْ الْوَصِيُّ أَهْلًا: عَادَ. كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَكَالْمَوْصُوفِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَتَى فَرَّطَ: سَقَطَ مِمَّا لَهُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ. لَوْ عُزِلَ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِلْفِسْقِ مَثَلًا ثُمَّ تَابَ، وَأَظْهَرَ الْعَدَالَةَ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ فِيهَا مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَوْلَى. لِأَنَّ تُهْمَةَ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمَصْلَحَتِهِ أَبْلَغُ مِنْهَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُ بِالْخِلَافِ الْمَشْهُورِ: مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا فَسَقَ: يَنْعَزِلُ أَوْ يُضَمُّ أَمِينٌ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا قَرِيبًا فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَسْتَحِقُّ مَالُهُ إنْ كَانَ مَعْلُومًا. فَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ. وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ مِنْهُ: اسْتَحَقَّهُ. وَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ.

وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ. فَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الدِّيوَانِ وَعَمِلَ بِهِ جَمَاعَةٌ. فَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ، فَلَهُ جَارِي مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَهُ الْأَجْرُ مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أَطْلَقَ النَّظَرَ لِحَاكِمٍ: شَمِلَ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ، سَوَاءٌ كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ حَاكِمِ الْبَلَدِ زَمَنَ الْوَقْفِ أَوْ لَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ إذَا انْفَرَدَ، وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا. وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ نَصْرُ اللَّهِ الْحَنْبَلِيُّ، وَالشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي وَقْفٍ شَرَطَ وَاقِفُهُ " أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ كَائِنًا مَنْ كَانَ " بِأَنَّ الْحُكَّامَ إذَا تَعَدَّدُوا يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِلسُّلْطَانِ. يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَأَهِّلِينَ لِذَلِكَ. وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْبُلْقِينِيِّ، وَشِهَابُ الدِّينِ الْبَاعُونِيُّ، وَابْنُ الْهَائِمِ، وَالتَّفَهْنِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَالْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَجِّيٍّ نَقْلًا، وَمُوَافَقَةً لِلْمُتَأَخِّرِينَ إنْ كَانَ صَادِرًا مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ حُدُوثِ الْقُضَاةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْمُرَادُ: الشَّافِعِيُّ. وَإِلَّا فَهُوَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى الرَّاجِحِ. وَلَوْ فَوَّضَهُ حَاكِمٌ لَمْ يَجُزْ لِآخَرَ نَقْضُهُ. وَلَوْ وَلَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَخْصًا قَدَّمَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَحَقَّهُمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لِوَاقِفٍ شَرْطُ النَّظَرِ لِذِي مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ، فَلِلنَّاظِرِ، ثُمَّ الْحَاكِمِ: تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ. فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ. وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيمِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ. لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يَعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ، وَلَا بِمَا

يُشْبِهُهُ، وَلَوْ نَفَّذَهُ حُكَّامٌ. وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ وَالْعُرْفِ أَيْضًا. وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ. بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِلْمَصْلَحَةِ. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ: كَانَ بَاطِلًا. لِأَنَّهُ لَهُمْ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، وَلَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ، كَالْإِمَامِ وَالْجَيْشِ فِي الْمَغْنَمِ. لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْصِيلِ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ. وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ يُمْكِنُ حَصْرُهُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعْلُ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ كَالْقَيِّمِ، بِخِلَافِ الْمُدَرِّسِ، وَالْمُعِيدِ، وَالْفُقَهَاءِ. فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَمُتَفَقِّهَةٍ، وَإِمَامٍ وَقَيِّمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا عَامِلِ زَكَاةٍ الثَّمَنُ، أَوْ الْأُجْرَةُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ وَإِمَامٍ: فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي لَفْظِ الْمَنَافِعِ. قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: قُلْت: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَخْذًا مِنْ رِوَايَتَيْ مَدْفُوعِ الْعَامِلِ: هَلْ هُوَ الثَّمَنُ؟ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ، أَوْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِالنِّسْبَةِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ وَقْفَ مَسْجِدٍ سَنَةً: تَقَسَّطَتْ الْأُجْرَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى السَّنَةِ الْأُخْرَى، لِتَقُومَ الْوَظِيفَةُ فِيهِمَا. لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ. وَلَا يُنْقَصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ أَدْخَلَ مُغَلَّ سَنَةٍ فِي سُنَّةٍ.

وَقَدْ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا فِي زَمَنِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ: أَنَّهُ يُتَمِّمُ مِمَّا بَعْدَهُ. وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ. وَقَالَ: وَرَأَيْت غَيْرَ وَاحِدٍ لَا يَرَاهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِوَظِيفَتِهِ عَزَلَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ بِمَنْ يَقُومُ بِهَا، إذَا لَمْ يَتُبْ الْأَوَّلُ وَيَلْتَزِمْ بِالْوَاجِبِ. وَيَجِبُ أَنْ يُوَلِّيَ فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقَّ شَرْعًا، وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ وَاجِبٍ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وِلَايَةُ الْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى، لَا الْوُجُوبُ بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ. لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي لَهُمْ: صَحَّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ الْجَوَامِعُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ، لِئَلَّا يَفْتَاتَ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ رَضُوا بِغَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ: كُرِهَ، وَصَحَّ فِي الْمُذْهَبِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ. السَّادِسَةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ نَاظِرًا، وَمُدَرِّسًا، وَمُعِيدًا، وَإِمَامًا. فَهَلْ يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَقُومَ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا وَتَنْحَصِرُ فِيهِ؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْفَيْءِ، بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَمَوَّلُ الرَّجُلُ مِنْ السَّوَادِ. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ: فَعَلَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لِابْنِ رَجَبٍ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ قَرِيبًا. السَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْخِبْرَةُ بِهِ، وَالْقُوَّةُ عَلَيْهِ. وَيُضَمُّ إلَى الضَّعِيفِ قَوِيٌّ أَمِينٌ.

ثُمَّ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْحَاكِمِ، أَوْ النَّاظِرِ: فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْته. وَإِنْ كَانَتْ تَوْلِيَتُهُ مِنْ الْوَاقِفِ وَهُوَ فَاسِقٌ، أَوْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: يَصِحُّ. وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ. وَيَنْعَزِلُ إذَا فَسَقَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ: مَنْ قَالَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِسْقِ الطَّارِئِ، دُونَ الْمُقَارِنِ لِلْوِلَايَةِ. وَالْعَكْسُ أَنْسَبُ. فَإِنَّ فِي حَالِ الْمُقَارَنَةِ مُسَامَحَةً لِمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ، بِخِلَافِ حَالَةِ الطَّرَيَانِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ نَاظِرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا. لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا الْعَدَالَةُ: فَلَا تُشْتَرَطُ، وَلَكِنْ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ، وَحِفْظِ الْوَقْفِ انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَانَ غَيْرَ أَهْلٍ: لِصِغَرٍ، أَوْ سَفَهٍ، أَوْ جُنُونٍ. فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ إنْ قُلْنَا: الْوَقْفُ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَإِلَّا الْحَاكِمُ. الثَّامِنَةُ: وَظِيفَةُ النَّاظِرِ: حِفْظُ الْوَقْفِ وَالْعِمَارَةِ، وَالْإِيجَارِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَالْمُخَاصَمَةُ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ تَأْجِيرِهِ، أَوْ زَرْعِهِ، أَوْ ثَمَرِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ، وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَصْلِ. وَلَكِنْ إذَا شَرَطَ التَّصَرُّفَ لَهُ، وَالْيَدَ لِغَيْرِهِ. أَوْ عِمَارَتَهُ إلَى وَاحِدٍ، وَتَحْصِيلَ رِيعِهِ إلَى آخَرَ: فَعَلَى مَا شَرَطَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَصَبَ الْمُسْتَوْفِي الْجَامِعَ لِلْعُمَّالِ الْمُتَفَرِّقِينَ: وَهُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ. فَإِنْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةُ قَبْضِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ إلَّا بِهِ: وَجَبَ. وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِقِلَّةِ الْعُمَّالِ. قَالَ: وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامِ الْمُحَاسِبَةَ بِنَفْسِهِ كَنَصْبِ الْإِمَامِ الْحَاكِمَ. وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ فِي الْمَدِينَةِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ. انْتَهَى. التَّاسِعَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ أَمِينًا. وَلَهُمْ مَسْأَلَتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إلَى عَمَلِهِ مِنْ أَمْرِ وَقْفِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُهُ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ إذَا كَانَ مُتَّهَمًا. انْتَهَى. وَلَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِانْتِسَاخِ كِتَابِ الْوَقْفِ. لِيَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَثِيقَةً لَهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَسْجِيلُ كِتَابِ الْوَقْفِ كَالْعَادَةِ. الْعَاشِرَةُ: مَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ: هَلْ هُوَ كَإِجَارَةٍ أَوْ جِعَالَةٍ، وَاسْتُحِقَّ بِبَعْضِ الْعَمَلِ؟ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَقْدَ عُرْفًا. وَهُوَ كَالرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَ الْأَخِيرَ. فَقَالَ: وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً: بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَالْمُوصَى بِهِ. أَوْ الْمَنْذُورُ لَهُ، لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ. وَانْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةً عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: أَوَّلًا. لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ. وَهَذَا مُوَافِقٌ لَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: مِمَّنْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ: قَوَّمَ لَهُمْ رَوَاتِبَ أَضْعَافَ حَاجَتِهِمْ، وَقُوَّمَ لَهُمْ جِهَاتٍ مَعْلُومُهَا كَثِيرٌ يَأْخُذُونَهُ وَيَسْتَنِيبُونَ بِيَسِيرٍ وَقَالَ أَيْضًا: النِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ: جَائِزَةٌ. وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ، كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَاظِرًا. فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لِلْحَاكِمِ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَى هَذَا الْوَجْهَ عَلَى الْقَوْلِ بِانْفِكَاكِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْآدَمِيِّ. وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ. إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ مَنْ يَأْتِي بَعْدُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ: هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى اللَّهِ؟ . فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَالنَّظَرُ فِيهِ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ هُنَاكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ هُنَا: إذَا قُلْنَا: النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِهِ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ. انْتَهَى. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ. فَوَافَقَ احْتِمَالُهُ مَا قَالُوهُ، أَوْ تَكُونُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي الْمُسَلَّمِ. وَهُوَ أَقْرَبُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى

مَسْجِدٍ، أَوْ مَدْرَسَةٍ، أَوْ قَنْطَرَةٍ، أَوْ رِبَاطٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: فَالنَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ: عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. إنْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ فَقَامَ بِأَمْرِهَا، وَتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ النَّظَرَ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَقْوَى. قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَهُ نَصِيبُ نَاظِرٍ مِنْ جِهَتِهِ. وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ، يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَتَى شَاءَ. وَلَهُ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ، لِأَصَالَةِ الْوِلَايَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ النَّفَقَةَ مِنْ غَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مِنْ غَيْرِهِ: فَهُوَ مِنْ غَلَّتِهِ. وَإِنْ عَيَّنَهُ مِنْ غَيْرِهِ: فَهُوَ مِنْهُ، بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالُوا: لَوْ شَرَطَ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمَوْقُوفِ: لَمْ يَجُزْ. وَوَجَبَتْ فِي الْغَلَّةِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: يُرَدُّ لِلْوَقْفِ مَا لَمْ يُقْبَضْ. لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْعِوَضِ. فَنَافَى مَوْضُوعَ الصَّدَقَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى. انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا: هُوَ مِنْ غَلَّتِهِ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَوْحٌ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ فِيهِ رَوْحٌ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنَيْنِ، أَوْ غَيْرِهِمْ.

فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: وَجْهًا بِوُجُوبِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى انْتِفَاءِ مِلْكِ الْآدَمِيِّ لِلْمَوْقُوفِ. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِيعَ وَصُرِفَ الثَّمَنُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا لِمَحِلِّ الضَّرُورَةِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْغَلَّةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغَلَّ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُهُ، وَالْفَرَسِ يَغْزُو عَلَيْهِ، أَوْ يَرْكَبُهُ أَوْ جَرَّ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ الَّذِي لَهُ رَوْحٌ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ، وَالْغُزَاةِ، وَنَحْوِهِمْ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَتَّجِهُ إيجَارُهُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ، مَا لَمْ يَتَعَطَّلْ النَّفْعُ الْمَوْقُوفُ لِأَجْلِهِ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ: فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: بِيعَ وَلَا بُدَّ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا. وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ: فَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي نَفَقَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا رَوْحَ فِيهِ كَالْعَقَارِ، وَنَحْوِهِ: لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ عَلَى أَحَدٍ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ

فوائد احتاج الخان المسبل أو الدار الموقوفة لسكنى الحاج

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ كَالطَّلْقِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إلَّا مَنْ يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ، فَيُعَمِّرُهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ بِحَسَبِ الْبُطُونِ. [فَوَائِدُ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ] فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ احْتَاجَ الْخَانُ الْمُسَبَّلُ، أَوْ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ لِسُكْنَى الْحَاجِّ، أَوْ الْغُزَاةِ، إلَى مَرَمَّةٍ: أُوجِرَ جُزْءٌ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ أَوْلَى. بَلْ قَدْ يَجِبُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: عِمَارَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يُشْرَطَ الْبُدَاءَةُ بِهَا، كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ. فَلَا إشْكَالَ فِي تَقْدِيمِهَا. الثَّانِي: اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْجِهَةِ عَلَيْهَا. فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ، مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّعْطِيلِ. فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ: قُدِّمَتْ الْعِمَارَةُ. فَيَكُونُ عَقْدُ الْوَقْفِ مُخَصَّصًا لِلشَّرْطِ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ تَأْقِيتِ الْوَقْفِ. أَمَّا عَلَى صِحَّتِهِ: فَتُقَدَّمُ الْجِهَةُ كَيْفَ كَانَ. الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ الصَّرْفِ إلَى الْجِهَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، فَهُوَ فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ. فَيَتَرَتَّبُ مَا قُلْنَا فِي الثَّانِي. الرَّابِعُ: إيقَاعُ الْوَقْفِ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ جِهَةِ كَذَا وَبَيَّضَ لَهُ انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ، كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً، أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ. قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِي قَرْضِهِ مَالًا: كَوَلِيٍّ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ أَجَّرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ. ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ، فَلَا فَسْخَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ، ثُمَّ طَلَبَ بِزِيَادَةٍ أَيْضًا، فَلَا فَسْخَ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُفْسَخَ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. الْخَامِسَةُ: إذَا أَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: صَحَّ. وَضَمِنَ النَّقْصَ كَبَيْعِ الْوَكِيلِ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. السَّادِسَةُ: يَجُوزُ صَرْفُ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ كَبِنَاءِ مَنَارَتِهِ، وَإِصْلَاحِهَا وَكَذَا بِنَاءُ مِنْبَرِهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سُلَّمًا لِلسَّطْحِ، وَأَنْ يَبْنِيَ مِنْهُ ظُلَّتَهُ. وَلَا يَجُوزُ فِي بِنَاءِ مِرْحَاضٍ، وَلَا فِي زَخْرَفَةِ الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي شِرَاءِ مَكَانِسَ وَمُجَازِفَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَمَّا إذَا وُقِفَ عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَجَائِزٌ صَرْفُهُ فِي نَوْعِ الْعِمَارَةِ، وَفِي مَكَانِسَ، وَمُجَازِفَ، وَمَسَاحِيَّ، وَقَنَادِيلَ، وَفُرُشٍ، وَوَقُودٍ، وَرِزْقِ إمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَقَيِّمٍ. وَفِي نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ، لِابْنِ الصَّيْرَفِيِّ: مَنْعُ الصَّرْفِ مِنْهُ فِي إمَامٍ، أَوْ بَوَارِي. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُصَلِّينَ. لَا لِلْمَسْجِدِ. وَرَدَّهُ الْحَارِثِيُّ. السَّابِعَةُ: قَالَ فِي نَوَادِرِ الْمُذْهَبِ: لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى مَسْجِدٍ، وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِيهِ: كَانَ لِلْإِمَامِ نِصْفُ الرِّيعِ. كَمَا لَوْ وَقَفَهَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو. قَالَ: وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى مَسَاجِدِ الْقَرْيَةِ، وَعَلَى إمَامٍ يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ مِنْهَا: كَانَ الرِّيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الْمَسَاجِدِ نِصْفَيْنِ. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ الْحَارِثِيُّ.

قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ. وَلَهُ نَظَائِرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ. فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. لَكِنْ لَوْ حَدَثَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ بَعْدَ وَقْفِهِ: فَفِي دُخُولِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ مَعَهُمْ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُونَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِذَا قِيلَ بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ: هَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ؟ . جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُنَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ، مَعَ إيرَادِهِمْ الْخِلَافَ فِيهِ فِيمَا إذَا قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ " كَمَا فِي الْكِتَابِ.

قَالَ: وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. فَيَطَّرِدُ فِي هَذِهِ مَا فِي الْأُخْرَى، لِتَنَاوُلِ الْوَلَدِ وَالْأَوْلَادِ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ، فَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ أَوْ لَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ دُخُولُهُمْ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَالْقَاضِي فِيمَا عَلَّقَهُ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ خِلَافِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَصَايَا وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَدْخُلُونَ بِدُونِ قَرِينَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَعَنْهُ: يَدْخُلُونَ إنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَلَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ: لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ: دَخَلَ. وَاسْتَشْهَدَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ.

وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْمَوْجُودِينَ حَالَةَ الْوَقْفِ. وَقَدَّمَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِينَ. وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا اصْطَلَحْنَا عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ: قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: إنْ قَالَ " عَلَى وَلَدِي، وَوَلَدِ وَلَدِي. ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ " دَخَلَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَلَمْ يَدْخُلْ الْبَطْنُ الثَّالِثُ. وَإِنْ قَالَ " عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي " دَخَلَ ثَلَاثُ بُطُونٍ، دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ وَفْقُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: حَيْثُ قُلْنَا بِدُخُولِهِمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بَعْدَ آبَائِهِمْ مُرَتَّبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِقَوْلِهِ " بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، أَوْ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ". قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ مُرَتَّبًا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَفِي " التَّرْتِيبِ " فَهَلْ هُوَ تَرْتِيبُ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ شَيْئًا، مَعَ وُجُودِ فَرْدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ. أَوْ تَرْتِيبُ فَرْدٍ عَلَى فَرْدٍ. فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ وَلَدٍ نَصِيبَ وَالِدِهِ بَعْدَ فَقْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. الثَّانِي: حُكْمُ مَا إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ فِي دُخُولِ وَلَدِ بَنِيهِ: حُكْمَ الْوَقْفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَحَكَاهُ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى دُخُولِهِمْ. وَالْمَعْرُوفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ. وَأَشَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى دُخُولِهِمْ فِي الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ. لِأَنَّ الْوَقْفَ يَتَأَبَّدُ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ لِلْمَوْجُودِينَ. فَيَخْتَصُّ بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا الْمَوْجُودَةِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ " أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ " فَلَا تَرْتِيبَ. وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلِوَلَدِهِ؟ قَالَ: هُوَ لَهُ حَيَاتَهُ. فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِهِ. وَإِذَا قَالَ " عَلَى وَلَدِي. فَإِذَا انْقَرَضُوا. فَلِلْفُقَرَاءِ " شَمِلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ: دَخَلُوا بِلَا خِلَافٍ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي وَهُمْ قَبِيلَةٌ " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي أَبَدًا مَا تَعَاقَبُوا وَتَنَاسَلُوا " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي " وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ. أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي: الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى " أَوْ " تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى " وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. وَإِنْ اقْتَضَى عَدَمَ الدُّخُولِ: لَمْ يَدْخُلُوا بِلَا خِلَافٍ. " كَعَلَى وَلَدِي لِصُلْبِي " أَوْ " الَّذِينَ يَلُونَنِي " وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ " وَلَدِي لِصُلْبِي ". الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي: فَعَلَى الْمَسَاكِينِ ". فَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْكَافِي: يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. لِأَنَّ اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلُ إرَادَتِهِمْ بِالْوَقْفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَفِي الْكَافِي وَجْهٌ: بِعَدَمِ الدُّخُولِ. لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ. فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ. يُصْرَفُ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ مَصْرِفَ الْمُنْقَطِعِ. فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُمْ: صُرِفَ إلَى الْمَسَاكِينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إذَا جُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَتَعَذَّرَ الْعُثُورُ عَلَيْهِ: قُسِمَ عَلَى أَرْبَابِهِ بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفُوا: جُعِلَ كَوَقْفٍ مُطْلَقٍ لَمْ يُذْكَرْ مَصْرِفُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فِيهِ: رُجِعَ إلَى الْوَاقِفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ: تَسَاوَوْا فِيهِ، لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَبَتَتْ. وَلَمْ يَثْبُتْ التَّفْضِيلُ. فَوَجَبَتْ التَّسْوِيَةُ كَمَا لَوْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ بِلَفْظِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، أَمْكَنَ التَّأَنُّسُ بِتَصَرُّفِ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ: رُجِعَ إلَيْهِ. لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا عَدَاهُ. وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ، وَوُقُوعِهِ عَلَى الْوَفْقِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى عِمَارَةٍ أَوْ إصْلَاحٍ صُرِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى قَوْمٍ، وَثَمَّ عُرْفٌ فِي مَقَادِيرِ الصَّرْفِ كَفُقَهَاءِ الْمَدَارِسِ رُجِعَ إلَى الْعُرْفِ. لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الشَّرْطِ عَلَى وَفْقِهِ. وَأَيْضًا: فَالْأَصْلُ عَدَمُ تَقْيِيدِ الْوَاقِفِ. فَيَكُونُ مُطْلَقًا. وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْعُرْفِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ سُوِّيَ بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ التَّشْرِيكَ ثَابِتٌ، وَالتَّفْضِيلَ لَمْ يَثْبُتْ. انْتَهَى. وَقَالَ: وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَحْوَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا ضَاعَ كِتَابُ الْوَقْفِ وَشَرْطُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ وَعَدَمِهِ: احْتَمَلَ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْصِيلِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يُفَضَّلَ بَيْنَهُمْ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ يَجْعَلُهُ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ مِنْهُ. وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ: قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسْوِيَةَ وَيُنْكِرُ التَّفَاوُتَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي فِي بَابِ الْهِبَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَلْ تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ، أَمْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ ذُرِّيَّتِهِ: دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ) بِلَا نِزَاعٍ فِي " عَقِبِهِ " أَوْ " ذُرِّيَّتِهِ ". وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ: فَهَلْ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَهَلُمَّ جَرًّا؟ . تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَذْكُورِينَ. وَقَوْلُهُ (وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ) . إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَإِنْ سَفُلُوا ". فَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لَا يَدْخُلُونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَلَدِهِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَشْمَلْ وَلَدَ بَنَاتِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخَانِ يَعْنِي بِهِمَا: الْمُصَنِّفَ، وَالشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: يَدْخُلُونَ. وَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَهَذَا مِثْلُهُ. قُلْت: بَلْ هِيَ هُنَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمَالَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ: أَصَحُّ وَأَقْوَى دَلِيلًا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْوَصِيَّةِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي " فَلَا يَدْخُلُونَ. وَهِيَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ قَالَ " لِصُلْبِي " لَمْ يَدْخُلُوا وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ: فَإِنْ قَيَّدَ فَقَالَ " لِصُلْبِي " أَوْ قَالَ " مَنْ يُنْتَسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ " فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ: إذَا قَالَ " وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي " أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ. لِأَنَّ بِنْتَ صُلْبِهِ: وَلَدُهُ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ وَلَدِ وَلَدِهَا.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لِصُلْبِهِ " قَدْ يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبَنِينَ، كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. فَلَا يَدْخُلُونَ، جَعْلًا لِوَلَدِ الْبَنِينَ. وَلَدَ الظَّهْرِ، وَوَلَدِ الْبَنَاتِ وَلَدَ الْبَطْنِ. فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ وَلَدَ الْبِنْتِ الَّتِي تَلِيهِ. فَيَكُونُ نَصًّا. وَهُوَ الظَّاهِرُ. انْتَهَى. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ: بِدُخُولِ وَلَدِ بَنَاتِهِ لِصُلْبِهِ، دُونَ وَلَدِ وَلَدِهِنَّ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ: إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي ". وَكَذَا الْحَكَمُ، وَالْخِلَافُ، وَالْمُذْهَبُ إذَا وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ الدُّخُولِ هُنَا: أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. وَابْنُ بَكْرُوسٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ بِالدُّخُولِ فِي " الذُّرِّيَّةِ " دُونَ " الْعَقِبِ " وَبِهِ أَقُولُ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمُجَرَّدِ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّرِيفَانِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ. قَالُوا: بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي " الْعَقِبِ " انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وَلَدَ وَلَدِهِ وَعَقِبَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَعَنْهُ: يَشْمَلُهُمْ غَيْرَ وَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَشْمَلُ الذُّرِّيَّةَ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي ". وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ.

وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَابْنَ حَامِدٍ: اخْتَارَا دُخُولَهُمْ مُطْلَقًا، كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: اخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يَدْخُلُونَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا فِي الْمُغْنِي الْقَدِيمِ فِيمَا أَظُنُّ. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. أَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ: فَلَا دُخُولَ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَيَّ " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا إنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ. فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ. بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. كَقَوْلِهِ " عَلَى أَوْلَادِي، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، عَلَى أَنَّ لِوَلَدِ الْإِنَاثِ: سَهْمًا، وَلِوَلَدِ الذُّكُورِ سَهْمَيْنِ " أَوْ " عَلَى أَوْلَادِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَفُلَانَةَ، وَأَوْلَادِهِمْ. وَإِذَا خَلَتْ الْأَرْضُ مِمَّنْ يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَيَّ مِنْ قِبَلِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ: فَلِلْمَسَاكِينِ " أَوْ " عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ " عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ أَوْلَادِي، ثُمَّ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّالِثِ، وَأَوْلَادِهِمْ " وَالْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَنَاتٌ: فَكَذَلِكَ يَدْخُلُونَ. بِلَا خِلَافٍ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَفْظُ " النَّسْلِ " كَلَفْظِ " الْعَقِبِ، وَالذُّرِّيَّةِ " فِي إفَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ. قَرِيبِهِمْ وَبَعِيدِهِمْ. وَكَذَا دُخُولُ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَعَدَمُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ. كَمَا قَالَ فِي " الْعَقِبِ " وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّامِرِيِّ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ خِلَافَهُ. أَوْرَدَهُ فِي الْوَصَايَا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَى بَنِي بَنِيَّ " أَوْ " بَنِي بَنِي فُلَانٍ " " فَكَأَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ فُلَانٍ ". وَأَمَّا وَلَدُ الْبَنَاتِ: فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَا: أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ مُطْلَقًا. الثَّالِثَةُ: " الْحَفِيدُ " يَقَعُ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ، وَكَذَلِكَ " السِّبْطُ " وَلَدُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ الْهَاشِمِيُّ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْهَاشِمِيِّينَ " لَمْ يَدْخُلْ مِنْ أَوْلَادِ بِنْتِهِ مَنْ لَيْسَ هَاشِمِيًّا. وَالْهَاشِمِيُّ مِنْهُمْ فِي دُخُولِهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْلَاهُمَا الدُّخُولُ، مُعَلِّلًا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ: وَصْفِ كَوْنِهِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَوَصْفِ كَوْنِهِ هَاشِمِيًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَدَمُ الدُّخُولِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَوْ قَالَ " عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى قَبِيلَتِي " فَكَذَلِكَ. الْخَامِسَةُ: تَجَدُّدُ حَقِّ الْحَمْلِ: بِوَضْعِهِ مِنْ ثَمَرٍ، وَزَرْعٍ كَمُشْتَرٍ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأَوْلَادِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: يَسْتَحِقُّ مِنْ زَرَعَ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَصَادَ، وَمِنْ نَخْلٍ لَمْ يُؤَبَّرْ. فَإِنْ بَلَغَ الزَّرْعُ الْحَصَادَ، أَوْ أُبِّرَ النَّخْلُ: لَمْ يُسْتَحَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ وَالْقَوَاعِدِ. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ صَرَّحُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ هُنَا. مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى،

وَالْقَاضِي. وَأَصْحَابُهُ. مُعَلِّلِينَ بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ فِي الْعَقْدِ. فَكَذَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَسْتَحِقُّ قَبْلَ حَصَادِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الثَّمَرَةُ لِلْمَوْجُودِ عِنْدَ التَّأْبِيرِ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُشْبِهُ الْحَمْلَ: إنْ قَدِمَ إلَى ثَغْرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ فِيهِ. نَقَلَهُ يَعْقُوبُ. وَقِيَاسُهُ: مَنْ نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ كَذَلِكَ. لِأَنَّ وَاقِفَ الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا جَعَلَ رِيعَ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ. كَالْجُعْلِ عَلَى اشْتِغَالِ مَنْ هُوَ فِي الْمَدْرَسَةِ عَامًا. فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنْ السَّنَةِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ فِي السَّنَةِ. لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْإِنْسَانُ شَهْرًا مَثَلًا فَيَأْخُذُ مُغَلَّ جَمِيعِ الْوَقْفِ. وَيَحْضُرَ غَيْرُهُ بَاقِي السَّنَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَشَرَةِ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَهَذَا يَأْبَاهُ مُقْتَضَى الْوُقُوفِ وَمَقَاصِدُهَا انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مُغَلِّهِ. وَقَالَ: مَنْ جَعَلَهُ كَالْوَلَدِ فَقَدْ أَخْطَأَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ. فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً. فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ) . إذَا لَمْ يَكُونُوا قَبِيلَةً، وَقَالَ ذَلِكَ: اُخْتُصَّ بِهِ الذُّكُورُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانُوا قَبِيلَةً. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ دُخُولِ أَوْلَادِ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: بِدُخُولِهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ. فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ، وَجَدِّ أَبِيهِ) . يَعْنِي بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ كَبِيرِهِمْ وَصَغِيرِهِمْ، وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَغَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ. بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفَيْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَالزَّيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِوَلَدِهِ وَقَرَابَةِ أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُعْطَى مَنْ يُعْرَفُ بِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى. انْتَهَى. وَمِثَالُهُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ مِقْدَامِ بْنِ نَصْرٍ، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَالْمُسْتَحَقُّونَ: هُمْ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى قُدَامَةَ. لِأَنَّهُ الْأَبُ الَّذِي اُشْتُهِرَ انْتِسَابُ الْمُصَنِّفِ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ الْمَهْدِيِّ. فَيُعْطَى كُلُّ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْمَهْدِيِّ. وَمَثَّلَ فِي الْمُذْهَبِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْمُتَوَكِّلِ. وَمَثَّلَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ. وَعَنْهُ يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ آبَاءَ فَقَطْ. فَعَلَيْهَا: لَا يُعْطَى الْوَلَدُ شَيْئًا.

قَالَ الْقَاضِي: أَوْلَادُ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْهُ يَخْتَصُّ مِنْهُمْ مَنْ يَصِلُهُ. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: إنْ وَصَلَ أَغْنِيَاءَهُمْ أُعْطُوا، وَإِلَّا فَالْفُقَرَاءُ أَوْلَى. وَأَخَذَ مِنْهُ الْحَارِثِيُّ عَدَمَ دُخُولِهِمْ فِي كُلِّ لَفْظٍ عَامٍّ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ الْقَرَابَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقَرَابَةِ أَبِيهِ، إلَى أَرْبَعَةِ آبَاءَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي وَجِيزِهِ بِأَنْ أَعْطَى أَرْبَعَةَ آبَاءِ الْوَاقِفِ. فَأَدْخَلَ جَدَّ الْجَدِّ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَدْفَعُ إلَى الْوَلَدِ. قَالَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ. انْتَهَى. قُلْت: نَقَلَ صَالِحٌ: الْقَرَابَةُ يُعْطَى أَرْبَعَةُ آبَاءٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ وَصَّى لِأَقَارِبِهِ، دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَأَبُو الْجَدِّ، وَجَدُّ الْجَدِّ، وَأَوْلَادُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ: شَمِلَ أَوْلَادَهُ وَأَوْلَادَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ. وَجَدَّ أَبِيهِ. وَعَنْهُ: وَجَدَّ جَدِّهِ. فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ شَيْءٌ. وَهُوَ أَنَّهُ شَذَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. وَقَدْ نَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحَكَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ بِأَنْ لَا يُدْفَعَ إلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَهُوَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: قَرَابَتُهُ كَآلِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَعَنْهُ: إنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ فِي حَيَاتِهِ: صُرِفَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذِهِ عَنْهُ أَشْهَرُ.

وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَا: هِيَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ يَصِلُهُمْ أَوْ لَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَجِيزِ يَقْتَضِي: أَنَّهُ رِوَايَةٌ. فَعَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يَدْخُلُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَأَوْلَادُهُمْ، وَأَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَوْلَادُهُمْ. وَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ أَيْضًا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَفِي الْكَافِي: احْتِمَالٌ بِدُخُولِ كُلِّ مَنْ عُرِفَ بِقَرَابَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَرْبَعَةِ آبَاءٍ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: مِنْ يُوصِي لِلْقَرِيبِ قُلْ لَا يَدْخُلُ ... مِنْهُمْ سِوَى مَنْ فِي الْحَيَاةِ يَصِلُ فَإِنْ تَكُنْ صِلَاتُهُ مُنْقَطِعَهْ ... قَرَابَةُ الْأُمِّ إذَنْ مُمْتَنِعَهْ وَعُمِّمَ الْبَاقِي مِنْ الْأَقَارِبِ ... مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ لَا تُوَارِبْ وَفِي الْقَرِيبِ كَافِرٌ لَا يَدْخُلُ ... وَعَنْ أُهَيْلِ قَرْيَةٍ يَنْعَزِلُ تَنْبِيهٌ: الْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ " إذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ، وَالْوَقْفُ كَذَلِكَ " فَانْقُلْ مَا يَأْتِي هُنَاكَ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ (وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.

وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّهُ يُعْطَى مَنْ كَانَ يَصِلُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ. وَقِيلَ: أَهْلُ بَيْتِهِ كَذَوِي رَحِمِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَعَنْهُ: أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: فِي دُخُولِهِنَّ فِي " آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ " رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: دُخُولُهُنَّ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْوَسِيلَةِ: أَنَّ لَفْظَ " الْأَهْلِ " كَالْقَرَابَةِ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ: أَنَّهُمْ نُسَبَاؤُهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ لَا يَدْخُلُونَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. فَائِدَةٌ: " آلُهُ " كَأَهْلِ بَيْتِهِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ فِي " الْآلِ " فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. فَلْيُعَاوَدْ. وَ " أَهْلُهُ " مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى " الْبَيْتِ " وَكَإِضَافَتِهِ إلَيْهِ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَذَكَرَ عَنْ الْقَاضِي فِي دُخُولِ الزَّوْجَاتِ هُنَا وَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ الدُّخُولَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالسُّنَّةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَقَوْمُهُ وَنُسَبَاؤُهُ كَقَرَابَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمَا كَذَوِي رَحِمِهِ.

وَقِيلَ: قَوْمُهُ كَقَرَابَتِهِ. وَنُسَبَاؤُهُ كَذَوِي رَحِمِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَ " نُسَبَاؤُهُ " كَأَهْلِ بَيْتِهِ وَقَوْمِهِ. وَقَدَّمَا: أَنَّ " قَوْمَهُ " كَقَرَابَتِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمَا كَأَهْلِ بَيْتِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " لِأَهْلِ بَيْتِي " أَوْ " قَوْمِي " فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَإِنْ قَالَ " أَنْسِبَائِي " فَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ. انْتَهَى. وَيَأْتِي كَلَامُ الْقَاضِي فِي " الْأَنْسِبَاءِ " عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى ذَوِي الرَّحِمِ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ " قَوْمَهُ " كَقَرَابَةِ أَبَوَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: " الْقَوْمُ " لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] . قَوْلُهُ (وَالْعِتْرَةُ: هُمْ الْعَشِيرَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ " الْعِتْرَةُ " الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَوْنَ فِي عُرْفِ النَّاسِ، وَوَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَإِنْ سَفُلُوا. وَصَحَّحَاهُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: " الْعِتْرَةُ " تَخْتَصُّ الْعَشِيرَةُ، وَالْوَلَدُ. وَقِيلَ: " الْعِتْرَةُ " الذُّرِّيَّةُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَقِيلَ: هِيَ الْعَشِيرَةُ الْأَدْنَوْنَ. وَقِيلَ: وَلَدُهُ. وَقِيلَ: وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ. وَقِيلَ: ذَوُو قَرَابَتِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا أَوْصَى لِعِتْرَتِهِ. فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ عَشِيرَتُهُ وَأَوْلَادُهُ. وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَخْتَصَّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ. فَائِدَةٌ: " الْعَشِيرَةُ " هِيَ الْقَبِيلَةُ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هِيَ أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ. وَهُمْ بَنُو أَبِيهِ. قَوْلُهُ (وَذَوُو رَحِمِهِ: كُلُّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُمْ قَرَابَتُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هُمْ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ، أَوْ وَلَدِهِ، بِزِيَادَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لِرَحِمِي " أَوْ " لِأَرْحَامِي " أَوْ " لِنُسَبَائِي " أَوْ " لِمُنَاسِبِيَّ " صُرِفَ إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَيَتَعَدَّى وَلَدَ الْأَبِ الْخَامِسَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَعَلَى هَذَا: يُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، أَوْ بِالرَّحِمِ، فِي حَالٍ مَنْ الْأَحْوَالِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُهُ مِنْ أَهْلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ جَاوَزَ أَرْبَعَةَ آبَاءٍ. قَوْلُهُ (وَالْأَيَامَى وَالْعُزَّابُ مِنْ الْأَزْوَاجِ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ وَالْعُزَّابُ بِالرِّجَالِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي.

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ " الْأَيَامَى ": النِّسَاءُ الْبِلَاغُ قَالَ الْقَاضِي، فِي التَّعْلِيقِ: الصَّغِيرُ لَا يُسَمَّى أَيِّمًا عُرْفًا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْبَالِغِ. قَوْلُهُ فَأَمَّا الْأَرَامِلُ: فَمِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي اللُّغَةِ: رَجُلٌ أَرْمَلُ، وَامْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: الصَّغِيرَةُ لَا تُسَمَّى أَرْمَلَةً عُرْفًا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْبَالِغِ. كَمَا قَالَ فِي الْأَيِّمِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: " الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ، وَالْعَانِسُ " يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَكَذَا " إخْوَتُهُ وَعُمُومَتُهُ " يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: وَتَنَاوُلُهُ لِبَعِيدٍ، كَوَلَدِ وَلَدٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: رَجُلٌ أَيِّمٌ، وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ، وَرَجُلٌ بِكْرٌ، وَامْرَأَةٌ بِكْرٌ، إذَا لَمْ يَتَزَوَّجَا. وَرَجُلٌ ثَيِّبٌ، وَامْرَأَةٌ ثِيبَةٌ: إذَا كَانَا قَدْ تَزَوَّجَا. انْتَهَى وَأَمَّا " الثُّيُوبَةُ " فَزَوَالُ الْبَكَارَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَأَطْلَقَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِزَوْجِيَّةٍ، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. الثَّانِيَةُ: " الرَّهْطُ " مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً، لُغَةً. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ " الرَّهْطَ " مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَالْعَشَرَةِ. وَكَذَا قَالَ فِي " النَّفَرِ " إنَّهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْعَشَرَةِ.

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ " النَّفَرِ " فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ، فِيمَا إذَا وَقَفَ نَفَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ) وَكَذَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) . وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى إخْوَتِهِ وَنَحْوِهِمْ: لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا، وَلَا عَكْسَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ قَوْلِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ. فَإِنْ وُجِدَتْ دَخَلُوا، مِثْلَ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا مُسْلِمُونَ. أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا إلَّا كَافِرٌ وَاحِدٌ، وَبَاقِي أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَقَارِبِهِ كُفَّارًا: اُخْتُصَّ الْمُسْلِمُونَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ وَقَفَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ، أَوْ أَوْصَى لَهُمْ وَفِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ: لَمْ يَتَنَاوَلْ الْكُفَّارَ حَتَّى يُصَرِّحَ بِدُخُولِهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَأَبِي طَالِبٍ. وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي كُفَّارٌ: فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الدُّخُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّانِي: شَمِلَ قَوْلُهُ " لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ " لَوْ كَانَ فَهُمْ كَافِرٌ عَلَى

غَيْرِ دِينِ الْوَاقِفِ الْكَافِرِ: فَلَا يَدْخُلُ. وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَلَوْ قُلْنَا: بِدُخُولِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ، بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ دِينِهِمْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ: مَحَلَّ وِفَاقٍ. عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرِثُ بَعْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ، وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ: تَنَاوَلَ جَمْعَهُمْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُخْتَصُّ الْمَوَالِي مِنْ فَوْقُ. وَهُمْ مُعْتِقُوهُ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: أَنَّهُ لِلْعَتِيقِ. قَالَ: لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِحْسَانِ الْمُعْتِقِينَ إلَى الْعُتَقَاءِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ عُدِمَ الْمَوَالِي: كَانَ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَكُونُ لِمَوَالِي أَبِيهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَقِيلَ: لِعَصَبَةِ مَوَالِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لِوَارِثِهِ بِوَلَاءٍ. وَقِيلَ: كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ.

قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمَوَالِي. وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا شَيْءَ لِمَوَالِي عَصَبَتِهِ، إلَّا مَعَ عَدَمِ مَوَالِيهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَ لَهُ مَوَالِي أَبٍ حِينَ الْوَقْفِ، ثُمَّ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ: لَمْ يَكُنْ لِمَوَالِي الْأَبِ شَيْءٌ. فَوَائِدُ الْأُولَى: " الْعُلَمَاءُ " هُمْ حَمَلَةُ الشَّرْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ، وَفِقْهٍ. وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ. لَكِنْ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَصِلُهُ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ قَرَابَتِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: أَهْلُ الْحَدِيثِ: مَنْ عَرَّفَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّ الْفُقَهَاءَ، وَالْمُتَفَقِّهَةَ، كَالْعُلَمَاءِ. وَلَوْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ. فَأَهْلُ الْقُرْآنِ الْآنَ: حُفَّاظُهُ. وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ: هُمْ الْفُقَهَاءُ. الثَّالِثَةُ: " الصَّبِيُّ وَالْغُلَامُ " مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَكَذَا " الْيَتِيمُ " مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَهُوَ بِلَا أَبٍ. وَلَوْ جُهِلَ بَقَاءُ أَبِيهِ، فَالْأَصْلُ: بَقَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعْطَى مَنْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَلَا يُعْطَى كَافِرٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ وَقْفٍ عَامٍّ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: وَلَيْسَ وَلَدُ الزِّنَا يَتِيمًا. لِأَنَّ الْيُتْمَ انْكِسَارٌ يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ بَلَغَ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْيَتِيمِ. الرَّابِعَةُ: " الشَّابُّ، وَالْفَتَى " هُمَا مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ. وَ " الْكَهْلُ " مِنْ حَدِّ الشَّابِّ إلَى خَمْسِينَ. وَ " الشَّيْخُ " مِنْهَا إلَى السَّبْعِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إلَى آخِرِ الْعُمُرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ثُمَّ الشَّيْخُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَزَالُ كَهْلًا حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ سَنَةً. ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ حَتَّى يَمُوتَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ " الْهَرَمُ " مِنْهَا إلَى الْمَوْتِ. الْخَامِسَةُ: " أَبْوَابُ الْبِرِّ " وَهِيَ الْقُرَبُ كُلُّهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَفْضَلُهَا الْغَزْوُ. وَيَبْدَأُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: يَبْدَأُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ " إذَا أَوْصَى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى.

السَّادِسَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ: اسْتَحَقَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: يَعُمُّ. فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَارِمُ لِلْإِصْلَاحِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: وَيَجُوزُ لِغَنِيٍّ قَرِيبٍ. السَّابِعَةُ: " جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ " وَضَمِيرُهُ " يَشْمَلُ الْأُنْثَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَنَصَرُوا: أَنَّ النِّسَاءَ يَدْخُلْنَ تَبَعًا. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهَا كَعَكْسِهِ لَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ. الثَّامِنَةُ " الْأَشْرَافُ " وَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا لَا يُسَمُّونَ شَرِيفًا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَغَيْرِهِمْ: لَا يُسَمُّونَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَوِيًّا. قَالَ: وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِيُتَلَقَّى حَدُّهُ مِنْ جِهَتِهِ. وَ " الشَّرِيفُ " فِي اللُّغَةِ: خِلَافُ الْوَضِيعِ وَالضَّعِيفِ. وَهُوَ الرِّيَاسَةُ، وَالسُّلْطَانُ وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحَقَّ الْبُيُوتِ بِالتَّشْرِيفِ، صَارَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ شَرِيفًا. التَّاسِعَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ وَصَّى لَهُمْ: لَمْ يَدْخُلْ مَوَالِيهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَحَنْبَلٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الْمُوصِي، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْنَى. وَلِهَذَا: لَوْ حَلَفَ " لَا أَكَلْت سُكَّرًا لِأَنَّهُ حُلْوٌ " لَمْ يَعُمَّ غَيْرَهُ مِنْ الْحَلَاوَاتِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ " عَبْدِي حُرٌّ لِأَنَّهُ أَسْوَدُ " لَمْ يَعْتِقْ غَيْرُهُ مِنْ الْعَبِيدِ. وَلَوْ قَالَ اللَّهُ " حَرَّمْت الْمُسْكِرَ. لِأَنَّهُ حُلْوٌ " عَمَّ جَمِيعَ الْحَلَاوَاتِ. وَكَذَا إذَا قَالَ " اعْتِقْ عَبْدَك لِأَنَّهُ أَسْوَدُ " عَمَّ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْعِلَّةَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ: وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمُفَاضَلَةِ فِيمَا يُقْصَدُ فِيهِ تَمْيِيزٌ. كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ. قُلْت: هَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. وَعَنْهُ: إنْ وَصَّى فِي سَكَنِهِ، وَهُمْ أَهْلُ دُرْبَةٍ: جَازَ التَّفْضِيلُ لِحَاجَةٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَوْلَى جَوَازُ التَّفْضِيلِ لِلْحَاجَةِ، فِيمَا قُصِدَ بِهِ سَدُّ الْخَلَّةِ. كَالْمَوْقُوفِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ. وَعَنْهُ: فِيمَنْ أَوْصَى فِي فُقَرَاءِ مَكَّةَ يُنْظَرُ أَحْوَجُهُمْ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا وَقَفَ عَلَى مَدَارِسَ وَفُقَهَاءَ: هَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، أَوْ يَتَفَاضَلُونَ؟ فِي أَحْكَامِ النَّاظِرِ. تَنْبِيهٌ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا: إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ قَرِينَةٌ: جَازَ التَّفَاضُلُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَهَا نَظَائِرُ. تَقَدَّمَ حُكْمُهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي ابْتِدَائِهِ عَلَى مَنْ يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ، فَصَارَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ كَوَقْفِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

قَوْلُهُ (وَإِلَّا جَازَ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ. كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. (وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِيَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ) . وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا فِي الزَّكَاةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: فِي إجْزَاءِ الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ: جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَا فِي الثَّانِيَةِ: لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: يَجِبُ الْجَمْعُ. وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ، بِنَاءً عَلَى الزَّكَاةِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ الثُّمُنُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَقَطْ: جَازَ إعْطَاءُ الصِّنْفِ الْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ. وَلَوْ افْتَقَرَ الْوَاقِفُ: اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: شَمِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَقِيلَ: لَا يَشْمَلُهُ. فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ ". قَوْلُهُ (وَلَا يُدْفَعُ إلَى وَاحِدٍ أَكْثَرُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: زِيَادَةَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ عَلَى خَمْسِينَ دِرْهَمًا. وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ) . هَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَقْفِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَقْرَبِ قَرَابَتِهِ اسْتِوَاءَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَذَكَرَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ دُخُولَ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْوَقْفِ دُونَ الْوَصِيَّةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ نَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ: إذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ. قَوْلُهُ (وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ. لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا وَقَفَ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. فَهَلْ يُبَاعُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ؟ . فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ، وَمَنْعُهُ قَوِيٌّ. قَالَ جَامِعُ اخْتِيَارَاتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَادِثًا بَعْدَ الْمَوْتِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ هَذَا بِأَبْلَغَ مِنْ التَّدْبِيرِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ. وَتَقَدَّمَ " إذَا وَقَفَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَصَحَّحْنَاهُ: هَلْ يَقَعُ لَازِمًا. فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، أَوْ لَا يَقَعُ لَازِمًا. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ؟ " فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْحَارِثِيُّ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ. فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ، إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ

وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ الْمَسَاجِدُ. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنَافِعُهُ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَلَا الْمُنَاقَلَةُ بِهِ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ: لَا يَسْتَبْدِلُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ. وَلَا يُبَاعُ، إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْهَدْيِ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَ صَالِحٌ: يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ. وَحَكَمَ بِهِ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ الْمُسْلَاتِيِّ. فَعَارَضَهُ الْقَاضِي جَمَالُ الْمِرْدَاوِيُّ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَقَالَ: حُكْمُهُ بَاطِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى الْحَاكِمِ. سَمَّاهُ " الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ فِي نَقْضِ حُكْمِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيِّ " وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ عَلَى ذَلِكَ. وَصَنَّفَ صَاحِبُ الْفَائِقِ مُصَنَّفًا فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ. سَمَّاهُ " الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ " وَأَجَادَ فِيهِ. وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِهَا الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ بْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ. وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ (رَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ فِي مَنْعِ الْمُنَاقَلَةِ) . وَوَافَقَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ فِي عَصْرِهِ. وَكُلُّهُمْ تَبَعٌ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ. وَأَطْلَقَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الْوَقْفِ مَعَ عِمَارَتِهِ: رِوَايَتَيْنِ.

فَائِدَةٌ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِ تَجْدِيدِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ لِمَصْلَحَتِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِرِضَى جِيرَانِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ شِرَاءُ دُورِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ هُنَا مِثْلُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَّزَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَغْيِيرَ صُورَتِهِ لِمَصْلَحَةٍ، كَجَعْلِ الدُّورِ حَوَانِيتَ، وَالْحُكُورَةُ الْمَشْهُورَةُ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءٍ بِبِنَاءٍ وَعَرْصَةٍ بِعَرْصَةٍ. هَذَا صَرِيحُ لَفْظِهِ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ وَقَفَ كُرُومًا عَلَى الْفُقَرَاءِ يَحْصُلُ عَلَى جِيرَانِهَا بِهِ ضَرَرٌ يُعَوَّضُ عَنْهُ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْجِيرَانِ. وَيَعُودُ الْأَوَّلُ مِلْكًا، وَالثَّانِي وَقْفًا. انْتَهَى وَيَجُوزُ نَقْصُ مَنَارَتِهِ، وَجَعْلُهَا فِي حَائِطِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسْجِدٍ فِيهِ خَشَبَتَانِ، لَهُمَا ثَمَنٌ، تَشَعَّثَ، وَخَافُوا سُقُوطَهُ أَيُبَاعَانِ وَيُنْفَقَانِ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَيُبْدَلُ مَكَانَهُمَا جِذْعَيْنِ؟ قَالَ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُبَاعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُوسَى. وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ وَلَا غَيْرُهَا. لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا. نَقَلَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ جَعَلَ خَانًا لِلسَّبِيلِ، وَبَنَى بِجَانِبِهِ مَسْجِدًا. فَضَاقَ الْمَسْجِدُ أَيُزَادُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: لَا. قِيلَ: فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَيْسَ يَنْزِلُ فِيهِ أَحَدٌ، قَدْ عُطِّلَ؟ قَالَ: يُتْرَكُ عَلَى مَا صُيِّرَ لَهُ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى فِي التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ مُطْلَقًا. وَهُوَ غَرِيبٌ، لَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِهِ، انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَحَكَاهُ عَنْهُ قَبْلُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ تِلْمِيذُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِتَابِهِ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: عَدَمُ الْجَوَازِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إذَا خَرِبَ، أَوْ كَانَ فَرَسًا فَعَطِبَ: جَازَ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. انْتَهَى. وَكَلَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: صَرِيحٌ بِالصِّحَّةِ. وَاخْتَارَ أَيْضًا هَذِهِ الرِّوَايَةَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَنَّفَ فِيهَا جُزْءًا. حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ وَاخْتَارَ أَيْضًا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهِيَ عَدَمُ الْبَيْعِ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْمُرَادُ بِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ: الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ، بِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِضِيقِ الْمَسْجِدِ عَنْ أَهْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ بِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ لَا يُنْتَفَعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، بِحَيْثُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: كُلُّ وَقْفٍ خَرِبَ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا بِيعَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَمَنْ تَابَعَهُ: لَا يُبَاعُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ رِيعُهُ، فَلَا يُعَدُّ نَفْعًا. وَقِيلَ: أَوْ يَتَعَطَّلَ أَكْثَرُ نَفْعِهِ. نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي فَرَسٍ كَبِرَ وَضَعُفَ، أَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ. فَقُلْت لَهُ: دَارٌ، أَوْ ضَيْعَةٌ ضَعُفَ أَهْلُهَا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِمَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا.

وَقِيلَ: أَوْ خِيفَ تَعَطُّلُ نَفْعِهِ قَرِيبًا. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَوْ خِيفَ تَعَطُّلُ أَكْثَرِ نَفْعِهِ قَرِيبًا. سَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ: يُبَاعُ إذَا عَطِبَ أَوْ فَسَدَ؟ قَالَ: إي وَاَللَّهِ، يُبَاعُ. إذَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ وَالْفَسَادُ وَالنَّقْصُ، بَاعُوهُ وَرَدُّوهُ فِي مِثْلِهِ. وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ: إنْ أَخَذَ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا. فَعَتَقَ فِي يَدِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ؟ قَالَ: يُحَوَّلُ إلَى مِثْلِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَوْ أَشْرَفَ عَلَى كَسْرٍ أَوْ هَدْمٍ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِّرَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ: بِيعَ. قُلْت: وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُهُمْ (بِيعَ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنَّمَا قَالُوهُ: الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ. لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْمَصْلَحَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ. لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ. وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ. لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَبَيْعُهُ حَالَةَ تَعَطُّلِهِ أَمْرٌ جَائِزٌ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: وُجُوبُهُ. وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَابَعَهُ: لَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِيُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ: بِيعَ، وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْ مَا قَالَهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ.

قَالَ: وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَاقِفِ، كَالْجِهَةِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ عَيْنَيْنِ كَدَارَيْنِ فَظَاهِرٌ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ عَيْنًا وَاحِدَةً، وَلَمْ تُنْتَقَصْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ. فَإِنْ نَقَصَتْ تَوَجَّهَ الْبَيْعُ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ، أَوْ حَاجَةٍ صَغِيرٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ. لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَبَيْعُهُ عَلَى قَوْلٍ. انْتَهَى. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ (وَالْمُرَادُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَقْفِ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِمَارَةُ وَقْفٍ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ آخَرَ، وَلَوْ اتَّحَدَتَا الْجِهَةُ. وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ عُبَادَةُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عِمَارَةِ وَقْفٍ مِنْ وَقْفٍ آخَرَ عَلَى جِهَتِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ، بَلْ عَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: إنَّ كَلَامَهُ فِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ: يُبَاعُ بَعْضُهُ لِإِصْلَاحِ مَا بَقِيَ. وَقَالَ: يَجُوزُ اخْتِصَارُ الْآنِيَةِ إلَى أَصْغَرَ مِنْهَا إذَا تَعَطَّلَتْ، وَإِنْفَاقُ الْفَضْلِ عَلَى الْإِصْلَاحِ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاخْتِصَارُ احْتَمَلَ جَعْلَهَا نَوْعًا آخَرَ مِمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْأَوَّلِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُبَاعَ، وَيُصْرَفَ فِي آنِيَةٍ مِثْلِهَا. وَهُوَ الْأَقْرَبُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ جَوَّزْنَا بَيْعَ الْوَقْفِ، فَمَنْ يَلِي بَيْعَهُ؟ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ كَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ، وَالْمَدَارِسِ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الَّذِي يَلِي الْبَيْعَ الْحَاكِمُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، عَلَيْهِ إنْ كَانَ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ الْحَاكِمُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَطَّلَ الْوَقْفُ. فَإِنَّ النَّاظِرَ فِيهِ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَوَلَّى الْبَيْعَ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ. وَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، فَقَالَ: يَبِيعُهُ النَّاظِرُ فِيهِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَكُونُ الْبَائِعُ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. فَقَالَ: وَنَاظِرُهُ شَرْعًا يَلِي عَقْدَ بَيْعِهِ وَقِيلَ: إنْ يُعَيِّنْ مَالِكُ النَّفْعِ يُعْقَدْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ. وَمَعَ عَدَمِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. قُلْت: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: بَلْ يَفْعَلُهُ مُطْلَقًا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. كَالْوَقْفِ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. الْقَوْلُ الثَّانِي: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. فَقَالَ: فَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ. فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي عُقُودِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي

الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَبُو الْمَعَالِي بْنُ مُنَجَّا فِي الْخُلَاصَةِ، وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فَقَالَ: وَمَا بَطَلَ نَفْعُهُ فَلِمَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ. قُلْت: إنْ مَلَكَهُ. وَقِيلَ: بَلْ لِنَاظِرِهِ بَيْعُهُ بِشَرْطِهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ فَقَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، أَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَمَا حَوْلَهُ، وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ: فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقَوَّاهُ بِأَدِلَّةٍ وَأَقْيِسَةٍ. وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ الْمُصْطَلَحَ الْمُتَقَدِّمَ. فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَوْ عُدِمَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، فَقِيلَ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْعِدَدِ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَحَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَكَذَا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ.

تَنْبِيهٌ: تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِيمَنْ يَلِي الْبَيْعَ طُرُقٌ. لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ: فَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَلِيهِ النَّاظِرُ إنْ كَانَ، ثُمَّ الْحَاكِمُ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ فَفِيهِ طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ. أَحَدُهَا: يَلِيهِ النَّاظِرُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَعَزَاهُ إلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي الْمَجْدِ. كَمَا تَقَدَّمَ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: يَلِيهِ الْحَاكِمُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْحَلْوَانِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ. الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ النَّاظِمِ. الطَّرِيقُ السَّادِسُ: طَرِيقَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهِيَ: هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ وَاخْتَارَهُ أَوْ النَّاظِرُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. هِيَ:

الطَّرِيقُ السَّابِعُ: هَلْ يَلِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ النَّاظِرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. الطَّرِيقُ الثَّامِنُ: طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهِيَ: هَلْ يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ هُوَ الْمُقَدَّمَ، أَوْ الْحَاكِمُ؟ حَكَاهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. فِيهِ قَوْلَانِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ. وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ؟ وَذَكَرَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، وَاخْتَارَهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. الطَّرِيقُ التَّاسِعُ: هَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُقَدَّمُ أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. الطَّرِيقُ الْعَاشِرُ: يَلِيهِ النَّاظِرُ الْخَاصُّ، إنْ كَانَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. فَهَلْ يَلِيهِ الْحَاكِمُ، أَوْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ طَرِيقَةً. ثِنْتَانِ فِيمَا هُوَ عَلَى سُبُلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهِ. وَعَشْرَةٌ فِي غَيْرِهِ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا بِيعَ الْوَقْفُ وَاشْتُرِيَ بَدَلُهُ. فَهَلْ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ وَقْفِيَّةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ، فِيمَا إذَا أَتْلَفَ الْوَقْفَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ. فَاشْتُرِيَ بِهَا بَدَلُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا. أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ " إذَا أَوْلَدَهَا، فَعَلَيْهِ. الْقِيمَةُ يُشْتَرَى بِهَا مِثْلُهَا: يَكُونُ وَقْفًا " ظَاهِرُهُ: أَنَّ الْبَدَلَ يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. انْتَهَى.

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا. لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى بَيْعِهِ وَشِرَاءِ بَدَلِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ. وَيَصِيرُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَقَالَ: فَلِنَاظِرِهِ الْخَاصِّ بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْفِ فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ، وَلَا مَهْرَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي أُمِّ وَلَدِهِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ. يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ. يَكُونُ بِالشِّرَاءِ وَقْفًا مَكَانَهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ بِلَا شَكَّ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي كِفَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: وَإِذَا تَخَرَّبَ الْوَقْفُ، وَانْعَدَمَتْ مَنْفَعَتُهُ: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ. كَانَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَكُونُ وَقْفًا. قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ الْبَعْلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الشِّرَاءُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ: أَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا. لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْوَكِيلُ يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْمُوَكِّلِ. فَكَذَا هَذَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِلْجِهَةِ الْمُشْتَرَى لَهَا. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا وَقْفًا. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْوَقْفِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا: بِيعَ وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ مَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ وَجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُجَرَّدِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ: بِيعَتْ وَصُرِفَ ثَمَنُهَا إلَى شِرَاءِ دَارٍ. وَتُجْعَلُ وَقْفًا مَكَانَهَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَبِهِ أَقُولُ. لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِفَادَةِ الْوَقْفِ. فَلَا بُدَّ لِلْوَقْفِ مِنْ سَبَبٍ يُفِيدُهُ. انْتَهَى.

وَأَمَّا الزَّرْكَشِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَافِ النَّاظِرِ لَهُ. وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا. وَقِيلَ: إنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ جِنْسِ الْوَقْفِ الَّذِي بِيعَ، بَلْ أَيَّ شَيْءٍ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ مِمَّا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ: جَازَ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. فَقَالَ: وَيَصْرِفُهُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ بَعْضِ مِثْلِهِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ، كَجِهَتِهِ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ، وَمَنْ غَدَاهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي الْحَبِيسِ: يُشْتَرَى مِثْلُهُ، أَوْ يُنْفَقُ ثَمَنُهُ عَلَى الدَّوَابِّ الْحَبِيسِ. الْخَامِسَةُ: إذَا بِيعَ الْمَسْجِدُ وَاشْتُرِيَ بِهِ مَكَانًا يُجْعَلُ مَسْجِدًا. فَالْحُكْمُ لِلْمَسْجِدِ الثَّانِي. وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْأَوَّلِ. السَّادِسَةُ: لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَسْجِدِ مَعَ إمْكَانِ عِمَارَتِهِ دُونَ الْعِمَارَةِ الْأُولَى. قَالَهُ فِي الْفُنُونِ. وَقَالَ: أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَغَلَّطَهُمْ. السَّابِعَةُ: يَجُوزُ رَفْعُ الْمَسْجِدِ إذَا أَرَادَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ ذَلِكَ، وَجَعْلُ تَحْتَ أَسْفَلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ. فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَخَذَ بِهِ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَرَادَ أَهْلُ مَسْجِدٍ رَفْعَهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَجَعْلَ سُفْلِهِ سِقَايَةً وَحَوَانِيتَ: رُوعِيَ أَكْثَرُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هَذَا فِي مَسْجِدٍ أَرَادَ أَهْلُهُ إنْشَاءَهُ كَذَلِكَ. وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى.

وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ حَامِدٍ. وَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَرَدَّ هَذَا التَّأْوِيلَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصْرِهِ وَزَيْتِهِ عَنْ حَاجَتِهِ: جَازَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي مِثْلِهِ دُونَ الصَّدَقَةِ بِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ، وَبِنَاءِ مَسَاكِنَ لِمُسْتَحِقِّ رِيعِهِ الْقَائِمِ بِمَصْلَحَتِهِ. قَالَ: وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ رِيعَهُ يَفْضُلُ عَنْهُ دَائِمًا: وَجَبَ صَرْفُهُ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّاظِرِ صَرْفُ الْفَاضِلِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصُرِ الْمَسْجِدِ أَوْ زَيْتِهِ: سَاغَ صَرْفُهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى جِيرَانِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي صَرْفِهِ وَمَنْعِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَكَذَا الْفَاضِلُ مِنْ جَمِيعِ رِيعِهِ وَيُصْرَفُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَارِثِيُّ: فَضْلَةُ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ: يَتَعَيَّنُ إرْصَادُهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ الصَّرْفُ مُقَدَّرًا. وَهُوَ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: إنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ: قُلِعَتْ إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْرُمُ غَرْسُهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ ضَيَّقَتْ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُقْلَعُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ غُرِسَتْ بَعْدَ وَقْفِهِ قُلِعَتْ. وَقِيلَ: إنْ ضَيَّقَتْ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَكُونُ ثَمَرُهَا لِمَسَاكِينِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ: وَالْأَقْرَبُ حِلُّهُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَيْضًا. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ الْمَغْرُوسِ بِهَا غَصْبًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً فِيهِ: جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَغْرُوسَةً قَبْلَ بِنَائِهِ، أَوْ وَقْفُهَا مَعَهُ. فَإِذَا وَقَفَهَا مَعَهُ وَعَيَّنَ مَصْرِفَهَا: عُمِلَ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَصْرِفَهَا: كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا. وَهَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْمَنْصُوصَ وَعِنْدِي: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْجِيرَانَ يَعْمُرُونَهُ وَيَكْسُونَهُ. وَقَطَعَ بِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفَائِقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا: يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ. وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَلِجَارِهِ أَكْلُ ثَمَرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا الْمَسْجِدُ فَلِجَارِهِ، وَلِغَيْرِهِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلْجَارِ الْفَقِيرِ. وَقِيلَ. يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَقَالَ: وَثَمَرُهَا لِفُقَرَاءِ الدَّرْبِ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ: هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ يَحْرُمُ؟ وَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ . فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ حَفْرُ بِئْرٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ فُعِلَ طُمَّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَمْ يَكْرَهْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَفْرَهَا فِيهِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: بَلَى، إنْ كُرِهَ الْوُضُوءُ فِيهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا. لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. إذْ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ. فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ.

وَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي السَّابِلَةِ. لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. فَالْحَفْرُ فِي إحْدَاهُمَا كَالْحَفْرِ فِي الْأُخْرَى. فَتَجْرِي فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ نَاظِرٌ فِي وَقْفٍ: تَوَجَّهَ أَنَّهُ لَهُ إنْ أَشْهَدَ وَإِلَّا لِلْوَقْفِ. وَيَتَوَجَّهُ فِي أَجْنَبِيٍّ بَنَى أَوْ غَرَسَ: أَنَّهُ لِلْوَقْفِ بِنِيَّتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَدُ الْوَاقِفِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ، مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَهَا، كَمَعْرِفَةِ كَوْنِ الْغَارِسِ غَرَسَهُ بِمَا لَهُ بِحُكْمِ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ. وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ. فَلَيْسَ لَهُ دَعْوَى الْبِنَاءِ بِلَا حُجَّةٍ. وَيَدُ أَهْلِ الْعَرْصَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا فِيهَا بِحُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ بِاخْتِصَاصِهِ بِبِنَاءٍ وَنَحْوِهِ.

باب الهبة والعطية

[بَابُ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: الْهِبَةُ تَقْتَضِي عِوَضًا. وَقِيلَ: مَا عُرِفَ. فَلَوْ أَعْطَاهُ لِيُعَاوِضَهُ، أَوْ لِيَقْضِيَ لَهُ بِهِ حَاجَةً، فَلَمْ يَفِ: فَكَالشَّرْطِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا: صَارَتْ بَيْعًا) . حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَنْهُ، وَلَا عَنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: هِيَ بَيْعٌ مَعَ التَّقَابُضِ. (وَعَنْهُ يُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ) . ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ مَتِينٌ جِدًّا. وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: هُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَتْ بَيْعًا. وَإِنَّمَا الْهِبَةُ تَارَةً تَكُونُ تَبَرُّعًا، وَتَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. وَلَا يَخْرُجَانِ عَنْ مَوْضُوعِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ شَرَطَهُ، كَانَ مَعْلُومًا: صَحَّتْ كَالْعَارِيَّةِ. وَقِيلَ: بِقِيمَتِهَا بَيْعًا. وَعَنْهُ: هِبَةٌ. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ شَرْطِ الْعِوَضِ فِيهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا مَجْهُولًا: لَمْ تَصِحَّ) يَعْنِي الْهِبَةَ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ فَيَصِحُّ. وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَقَالَ: فَإِنْ شَرَطَهُ مَجْهُولًا: صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُرْضِيهِ. فَإِنْ لَمْ يَرْضَ: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا. فَيَرُدُّهَا بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. (فَإِنْ تَلِفَتْ) فَقِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ. وَهَذَا الْبِنَاءُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يُرْضِيهِ بِقِيمَةِ مَا وَهَبَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا بِالْبِنَاءِ. وَهُوَ مَا يُعَدُّ ثَوَابًا لِمِثْلِهِ عَادَةً.

فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى شَرْطَ الْعِوَضِ، فَأَنْكَرَ الْمُتَّهَبُ، أَوْ قَالَ: وَهَبْتنِي هَذَا. قَالَ: بَلْ بِعْتُكَهُ. فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: حَكَاهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَتَحْصُلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً، مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُمَا. حَتَّى إنَّ ابْنَ عَقِيلٍ، وَغَيْرَهُ: صَحَّحُوا الْهِبَةَ بِالْمُعَاطَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا الْخِلَافَ الَّذِي فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهَلْ يَقُومُ الْفِعْلُ مَقَامَ اللَّفْظِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَتَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي فِي الصَّدَاقِ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَ " الْعَفْوِ " وَ " التَّمْلِيكِ " وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي " الْعَفْوِ " وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَأَلْفَاظُهَا " وَهَبْت، وَأَعْطَيْت، وَمَلَّكْت ". وَالْقَبُولُ " قَبِلْت " أَوْ " تَمَلَّكْت " أَوْ " اتَّهَبْت ".

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيجَابٌ، وَلَا قَبُولٌ، بَلْ إعْطَاءٌ، وَأَخْذٌ: كَانَتْ هَدِيَّةً، أَوْ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ عَلَى مِقْدَارِ الْعُرْفِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي غِذَاءِ الْمَسَاكِينِ فِي الظِّهَارِ: أَطْعَمْتُكَهُ كَوَهَبْتُكَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ. سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ: صَحَّ، مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَتَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عُرْفًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ: فَفِي صِحَّةِ الْهِبَةِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. قُلْت: هِيَ مُشَابِهَةٌ لِلْبَيْعِ. فَيَأْتِي هُنَا مَا فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ أَنْ يَهَبَهُ شَيْئًا، وَيَسْتَثْنِيَ نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَبِذَلِكَ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَوْلُهُ (وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ) . يَعْنِي: وَلَا تَلْزَمُ قَبْلَهُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْقَاضِي.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: تَلْزَمُ الْهِبَةُ وَتُمْلَكُ بِالْقَبْضِ إنْ اُعْتُبِرَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ: الْمَعْدُودُ وَالْمَذْرُوعُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ تَلْزَمُ فِي مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَفْتَقِرُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فِي الْقَبْضِ تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الْهِبَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَطَائِفَةٍ: أَنَّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَقْبُوضًا. قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، إلَّا بِقَبْضِهِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي الْبَيْعِ بِالصِّفَةِ: الْقَبْضُ رُكْنٌ فِي غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ، لَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ قَرِيبًا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا تَلْزَمُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ) مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ.

قَالَ الشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ: وَخَصَّهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ فِيهِ. كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَةٍ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَرَجَّحْنَا الْعُمُومَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُ فِي مُتَمَيِّزٍ بِالْعَقْدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِبَةُ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، وَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: تُمْلَكُ الْهِبَةُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَنَقَلَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا بِقَبْضِهِ. وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ: إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَالْعَبْدُ مَوْهُوبٌ: لَمْ يُقْبَضْ. ثُمَّ قَبَضَ وَقُلْنَا: يُعْتَبَرُ فِي هِبَتِهِ الْقَبْضُ فَفُطْرَتُهُ عَلَى الْوَاهِبِ. وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ. كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ. وَقِيلَ: يَقَعُ الْمِلْكُ مُرَاعًى. فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ: تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَبُولِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْوَاهِبِ.

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْفِطْرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الِانْتِصَارِ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ النَّمَاءُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ: وَفِي صِحَّةِ قَبْضِهِ بِدُونِ إذْنِهِ رِوَايَتَانِ وَالْإِذْنُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ. بَلْ الْمُنَاوَلَةُ وَالتَّخْلِيَةُ إذْنٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: اعْتِبَارُ اللَّفْظِ فِيهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْهُ يَصِحُّ الْقَبْضُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (إلَّا مَا كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ. فَيَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالسَّامِرِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: مَا كَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. كَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ أَيْضًا. وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ اتَّهَبَ شَيْئًا فِي يَدِهِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فَقَبِلَهُ: اُعْتُبِرَ إذْنُ الْوَاهِبِ فِيهِ عَلَى الْأَشْهَرِ. ثُمَّ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهِ لِيَمْلِكَهُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مُضِيُّ الزَّمَنِ دُونَ إذْنِهِ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ فِي الْكَافِي. تَنْبِيهٌ: الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مِنْ قَوْلِهِ " وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ " لَا مِنْ قَوْلِهِ " وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ ". فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: صِفَةُ الْقَبْضِ هُنَا: كَقَبْضِ الْمَبِيعِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهَا. فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا: فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ نَقْلِهِ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا: فَبِمُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكْتِيَالُهُ وَاتِّزَانُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ: فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا: لَمْ يَصِرْ مَقْبُوضًا حَتَّى يُوَافِيَهُ، هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ. ثُمَّ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهَا. ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، فِي بَابِ الرَّهْنِ. وَكَذَا حُكْمُ قَبْضِ الرَّهْنِ. الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نَفْسِ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِمَا . قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ)

فائدة وهب الغائب هبة وأنفذها مع رسول الموهوب له

هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يَبْطُلُ عَقْدُ الْهِبَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْهِبَةِ فِي الصِّحَّةِ. وَأَمَّا فِي الْمَرَضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ إقْبَاضِهَا فَجَعَلَا الْوَرَثَةَ بِالْخِيَارِ لِشَبَهِهَا بِالْوَصِيَّةِ. انْتَهَى. [فَائِدَةٌ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ] فَائِدَةٌ: لَوْ وَهَبَ الْغَائِبُ هِبَةً، وَأَنْفَذَهَا مَعَ رَسُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ وَكِيلِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ وُصُولِهَا: لَزِمَ حُكْمُهَا. وَكَانَتْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. لِأَنَّ قَبْضَ الرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ كَقَبْضِهِ. وَإِنْ أَنْفَذَهَا الْوَاهِبُ مَعَ رَسُولِ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ مَاتَ الْمُوهَبُ لَهُ: بَطَلَتْ. وَكَانَتْ لِلْوَاهِبِ وَلِوَرَثَتِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ. وَكَذَلِكَ الْحَكَمُ فِي الْهَدِيَّةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ " قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ " أَنَّ إذْنَ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِمَوْتِ الْمُتَّهَبِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ مَاتَ الْمُتَّهَبُ قَبْلَ قَبُولِهِ: بَطَلَ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ.

الثَّانِيَةُ: يَقْبِضُ الْأَبُ لِلطِّفْلِ مِنْ نَفْسِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ مِنْ نَفْسِهِ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ " وَهَبْته. وَقَبَضْته لَهُ " وَقَالَ الْقَاضِي: لَا بُدَّ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ أَنْ يَقُولَ " قَبِلْته ". وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَالْمُذْهَبُ خِلَافُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُكْتَفَى بِأَحَدِ لَفْظَيْنِ، إمَّا أَنْ يَقُولَ " قَدْ قَبِلْتُهُ " أَوْ " قَبَضْتُهُ ". وَإِنْ وَهَبَ وَلِيُّ غَيْرِ الْأَبِ، فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَاهِبُ مَنْ يَقْبَلُ لِلصَّبِيِّ وَيَقْبِضُ لَهُ. لِيَكُونَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَلِيِّ، وَالْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. بِخِلَافِ الْأَبِ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ وَيَقْبَلَ وَيَقْبِضَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّ الْأَبَ وَغَيْرَهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي قَبْضِ وَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ: رِوَايَتَا شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ قَبْضُ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا قَبُولُهُ. وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَوَصِيُّهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحَاكِمُ الْأَمِينُ، أَوْ مَنْ يُقِيمُوهُ مَقَامَهُمْ. وَلَا يَقُومُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَهُمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ. الرَّابِعَةُ: لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ قَبْضُ الْهِبَةِ وَلَا قَبُولُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ تَبَعًا لِلْحَارِثِيِّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ قَبْضُهُ وَقَبُولُهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْحَارِثِيُّ.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقِفَ صِحَّةُ قَبْضِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَ الْقَبُولِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ: هَلْ تَصِحُّ هِبَتُهُ؟ وَالسَّفِيهُ كَالْمُمَيِّزِ فِي ذَلِكَ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ. وَالْوَصِيَّةُ كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ. الْخَامِسَةُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يُعْتَبَرُ لِقَبْضِ الْمُشَاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فِيهِ. فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، وَنِصْفُ الشَّرِيكِ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ: يَكُونُ نِصْفُ الشَّرِيكِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: يَكُونُ قَبْضُ نِصْفِ الشَّرِيكِ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً. انْتَهَى. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَتَصَرَّفَ: كَانَ عَارِيَّةً. وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ: فَوَدِيعَةً لَكَانَ مُتَّجِهًا. ثُمَّ وَجَدْته فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حَكَى كَلَامَهُ فِي الْفُنُونِ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: هُوَ عَارِيَّةٌ، حَيْثُ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بِلَا عِوَضٍ. قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ مَجَّانًا. أَمَّا إنْ طَلَبَ مِنْهُ أُجْرَةً: فَهِيَ إجَارَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الِانْتِفَاعِ بَلْ فِي الْحِفْظِ: فَوَدِيعَةٌ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ: أَنْتَ حَبِيسٌ عَلَى آخِرِنَا مَوْتًا: لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا. وَيَكُونُ فِي يَدِ الثَّانِي عَارِيَّةً. فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ) . وَكَذَا إنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ لَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَفَا عَنْهُ: بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ (وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَكَانَ الْمُبَرِّئُ وَالْمُبَرَّأُ يَعْلَمَانِ الدَّيْنَ صَحَّ ذَلِكَ، وَبَرِئَ وَإِنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْمُغْنِي: فِي إبْرَائِهَا لَهُ مِنْ الْمَهْرِ: هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ؟ فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ احْتِمَالٌ: لَا يَصِحُّ بِهِ. وَإِنْ صَحَّ اُعْتُبِرَ قَبُولُهُ وَفِي الْمُوجَزِ، وَالْإِيضَاحِ: لَا تَصِحُّ هِبَةٌ فِي عَيْنٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ، فَأَبْرَأَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: تَصِحُّ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَ " الْعَطِيَّةِ " مَعَ اقْتِضَائِهِمَا وُجُودَ مُعَيَّنٍ. وَهُوَ مُنْتَفٍ. لِإِفَادَتِهِمَا لِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ هُنَا. قَالَ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقَةً: لَمْ يَصِحَّ. لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ. وَمِنْ هُنَا: امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ، لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَبْرَأَ مَرِيضٌ مِنْ دَيْنِهِ وَهُوَ كُلُّ مَالِهِ فَفِي بَرَاءَتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ، قَبْلَ دَفْعِ ثُلُثَيْهِ: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. انْتَهَى. وَأَمَّا إنْ عَلِمَهُ الْمُبَرَّأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ جَهِلَهُ. وَكَانَ الْمُبَرِّئُ بِكَسْرِهَا يَجْهَلُهُ: صَحَّ، سَوَاءٌ جُهِلَ قَدْرُهُ، أَوْ وَصْفُهُ، أَوْ هُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

فوائد صور البراءة من المجهول

جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْمُبَرَّأِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ عِلْمِهِ. وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا عَرَفَهُ الْمَدْيُونُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ، فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ جَهِلَاهُ، إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا إذَا عَرَفَهُ الْمُبَرَّأُ، وَظَنَّ الْمُبَرِّئُ جَهْلَهُ بِهِ: فَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ، كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ. كَمَا لَوْ كَتَمَهُ الْمُبَرَّأُ خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ الْمُبَرِّئُ: لَمْ يُبَرِّئْهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَأَمَّا إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يَعْلَمُهُ وَيَكْتُمُهُ الْمُسْتَحِقُّ، خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ لَمْ يَسْمَحْ بِإِبْرَائِهِ مِنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ فِيهِ. لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِالْمُبَرِّئِ وَقَدْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. انْتَهَيَا. وَتَابَعَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. قَالَ: وَهَذَا أَقْرَبُ. [فَوَائِدُ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ] فَوَائِدُ الْأُولَى: مِنْ صُوَرِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ: لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا. قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَا: يَصِحُّ، وَيُؤْخَذُ بِالْبَيَانِ كَطَلَاقِهِ إحْدَاهُمَا وَعِتْقِهِ أَحَدَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَعْنِي ثُمَّ يُقْرِعُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مِائَةٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَفِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَجْهَانِ.

صَحَّحَ النَّاظِمُ: أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَصْلُهُمَا: لَوْ بَاعَ مَالًا لِمَوْرُوثِهِ، يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَيٌّ وَكَانَ قَدْ مَاتَ وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَيْهِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، بَعْدَ تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ. فَكَذَا هُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: مَنْ وَاجَهَ امْرَأَةً بِالطَّلَاقِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، فَبَانَتْ امْرَأَتَهُ، أَوْ وَاجَهَ بِالْعِتْقِ مَنْ يَعْتَقِدُهَا حَرَّةً فَبَانَتْ أَمَتَهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ. الثَّالِثَةُ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كَالْأَعْيَانِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فَذَكَرَهُ إنْ اتَّصَلَ الْقَبْضُ بِهِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ هِبَةِ دَيْنِ السَّلَمِ فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا. فَلْيُعَاوَدْ. الرَّابِعَةُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ بِشَرْطٍ. نَصَّ عَلَيْهِ، فِيمَنْ قَالَ " إنْ مِتَّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ. فَقَالَ " إنَّ مِتُّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ " فَهُوَ وَصِيَّةٌ. وَجَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلًا فِي حِلٍّ مِنْ غَيْبَتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَالَ: مَا أَحْسَنَ الشَّرْطَ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَأَخَذَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ مِنْ شَرْطِهِ " أَنْ لَا يَعُودَ " رِوَايَةً فِي صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: صِحَّةَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ. وَاحْتَجَّ بِنَصِّهِ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ.

وَأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، وَالْقَاضِيَ، قَالَا: لَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ مَوْتِ الْمُبَرِّئِ. وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ. لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ. وَقَدَّمَ الْحَارِثِيُّ مَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ. الْخَامِسَةُ: لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. نَقَلَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْهُ. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ: بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ. وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِسْقَاطِ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ: فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ سَقَطَ. وَمَنَعَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ: فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَالًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: الْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ تَمْلِيكٌ أَيْضًا. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ أَبَا الْيَسْرِ الصَّحَابِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِغَرِيمِهِ: إذَا وَجَدْت قَضَاءً فَاقْضِ. وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ ". وَأَعْلَمَ بِهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَابْنَهُ، وَهُمَا تَابِعِيَّانِ. فَلَمْ يُنْكِرَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. السَّادِسَةُ: لَوْ تَبَارَآ. وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مَكْتُوبٌ. فَادَّعَى اسْتِثْنَاءَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يُبَرِّئْهُ مِنْهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَلِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ فِي مُخَالَفَةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ بِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ. السَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ: عِنْدَنَا صَحِيحٌ. لَكِنْ هَلْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، أَوْ خَاصٌّ بِالْأَمْوَالِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ عَامٌّ.

قُلْت: صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْقَذْفِ. وَقَدَّمَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ مُحَرَّرًا هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَاطِبَةً. وَفِي طَرِيقِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِنْ عَدَمِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَا هِبَتُهُ. وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) . يَعْنِي: تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَةُ مَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ. جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. وَتَصِحُّ هِبَةُ الْكَلْبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُغْنِي خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ. لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ، كَالْوَصِيَّةِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. انْتَهَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أَهْدَى إلَى رَجُلٍ كَلْبَ صَيْدٍ تَرَى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: هَذَا خِلَافُ الثَّمَنِ. هَذَا عِوَضٌ مِنْ شَيْءٍ. فَأَمَّا الثَّمَنُ: فَلَا. وَأَطْلَقَ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقِيلَ: وَتَصِحُّ أَيْضًا هِبَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَظْهَرُ لِي صِحَّةُ هِبَةِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ قَوْلًا وَاحِدًا.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ هِبَةُ أُمِّ الْوَلَدِ. إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا، مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ. بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا، إلَى أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ، فَتَعْتِقَ. وَتَخْرُجَ مِنْ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ الْمَجْهُولَ: تَارَةً يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. وَتَارَةً لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصُّلْحِ عَلَى الْمَجْهُولِ الْمُتَعَذِّرِ عِلْمُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ الصِّحَّةُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. لِإِطْلَاقِهِمْ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَحَرْبٍ الْآتِيَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَيْضًا: إذَا قَالَ " شَاةً مِنْ غَنَمِي " يَعْنِي وَهَبْتهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كَانَ مِنْ الْوَاهِبِ: مَنَعَ الصِّحَّةَ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ: لَمْ يَمْنَعْهَا.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ. كَقَوْلِهِ " مَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ لَك " أَوْ " مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي: فَهُوَ لَهُ ". وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ: صِحَّةَ هِبَةِ الْمَجْهُولِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " خُذْ مِنْ هَذَا الْكِيسِ مَا شِئْت " كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا فِيهِ جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ " خُذْ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مَا شِئْت " لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَهَا كُلَّهَا. إذْ الْكِيسُ ظَرْفًا. فَإِذَا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ: حَسُنَ أَنْ " يَقُولَ أَخَذْت مِنْ الْكِيسِ مَا فِيهِ " وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ " أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلَّهَا " نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ. قَوْلُهُ (وَلَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) . يَعْنِي لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَتُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: جَوَازُ هِبَةِ الْمَعْدُومِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صِحَّةَ هِبَةِ الْمَعْدُومِ. كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ بِالسَّنَةِ. قَالَ: وَاشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ هُنَا: فِيهِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ جَوَازَ تَعْلِيقِهَا عَلَى شَرْطٍ. قُلْت: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، نَحْوَ: أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلَا يَهَبَهَا) . هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ بِلَا نِزَاعٍ.

لَكِنْ هَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَوْقِيتُهَا. كَقَوْلِهِ. وَهَبْتُك هَذَا سَنَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ الْجَوَازَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْعُمْرَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا، أَوْ جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك، أَوْ حَيَاتَك) . وَكَذَا قَوْلُهُ (أَعْطَيْتُكَهَا) أَوْ " جَعَلْتهَا لَك عُمْرَى، أَوْ رُقْبَى أَوْ مَا بَقِيت " فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) . هَذِهِ " الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى " وَهِيَ صَحِيحَةٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: " الْعُمْرَى " الْمَشْرُوعَةُ، أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك لَا غَيْرُ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ، وَابْنُ هَانِئٍ: مَنْ يُعْمَرُ الْجَارِيَةَ، هَلْ يَطَؤُهَا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْوَرَعِ. لِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ رُجُوعَهَا إلَى الْمُعَمِّرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ قَالَ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا) (صَحَّ الشَّرْطُ) .

هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ. وَتَكُونُ لِلْمُعَمَّرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ عَنْ الثَّانِيَةِ لَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِصِحَّةِ الشَّرْطِ تَنْبِيهٌ: مِنْ لَازِمِ صِحَّةِ الشَّرْطِ: صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَلَا عَكْسَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَقْدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْضًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: وَجْهًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ. لِبُطْلَانِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ. وَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ إعْمَارُهُ الْمَنْفَعَةَ، وَلَا إرْقَابُهَا. فَلَوْ قَالَ " سُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ لَك عُمُرَك " أَوْ " غَلَّةُ هَذَا الْبُسْتَانِ " أَوْ " خِدْمَةُ

هَذَا الْعَبْدِ لَك عُمُرَك " أَوْ " مَنَحْتُكَهُ عُمُرَك " أَوْ " هُوَ لَك عُمُرَك " فَذَلِكَ عَارِيَّةٌ. لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا قَالَ " هُوَ وَقْفٌ عَلَى فُلَانٍ. فَإِذَا مَاتَ فَلِوَلَدِي، أَوْ لِفُلَانٍ " فَكَمَا لَوْ قَالَ " إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَلَدِهِ، أَوْ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ الْوَاقِفُ " لَيْسَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا. إنَّمَا هُوَ لِمَنْ وَقَفَهُ. يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ. مِثْلُ السُّكْنَى، وَالسُّكْنَى مَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الرُّقْبَى وَالْوَقْفِ إذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، بِخِلَافِ السُّكْنَى. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى وَالْوَقْفُ مَعْنًى وَاحِدٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ: لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعَمِّرِ. وَإِنْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ لَهُ حَيَاتَهُ: رَجَعَ. وَإِنْ جَعَلَهُ لَهُ حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ: لِوَرَثَةِ الَّذِي أَعْمَرَهُ، وَإِلَّا رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَقَّتِ. قَوْلُهُ (وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ: الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَحَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَالْكَوْسَجِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٍّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْمَشْرُوعُ أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كَمَا فِي النَّفَقَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخٍ وَأُخْتٍ.

قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَلَا غَيْرِهِ. كَأَنْ يُقَالَ " يَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْقُبَلِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ " فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ " دُخُولَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. يُقَوِّيهِ قَوْلُهُ " الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ " فَقَدْ يَكُونُ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ مَنْ يَرِثُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِأَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ: لَا وَلَدُ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. الثَّانِي: قُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تُعْطِي أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْوَاضِحِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ. وَلَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ " أَنَّ الْأَقَارِبَ الْوَارِثِينَ غَيْرُ الْأَوْلَادِ: لَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ.

قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ: يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ، كَالْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ حُكْمَ الْأَقَارِبِ الْوُرَّاثِ فِي الْعَطِيَّةِ كَالْأَوْلَادِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ: فَلَا يَدْخُلَانِ فِي لَفْظِ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ. بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَهُمْ خَارِجُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَاقِينَ. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْوِيَةِ فِي الْإِعْطَاءِ. سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَرَاءَ أَوْ بَعْضُهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ التَّافِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يُعْفَى عَنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا فِيهِ، إذَا تَسَاوَوْا فِي الْفَقْرِ أَوْ الْغِنَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ، أَوْ فَضَّلَهُ: فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ، أَوْ إعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إيرَادِ الْكِتَابِ، وَنَصَرَهُ. وَتَحْرِيمُ فِعْلِ ذَلِكَ فِي الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: إنْ أَعْطَاهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ، أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَمًى، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ، أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ. أَوْ مَنَعَ بَعْضَ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ، أَوْ بِدْعَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ وَنَحْوِهِ جَازَ التَّخْصِيصُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَقَطَعَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قُلْت: قَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ: لَا بَأْسَ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ. وَأَكْرَهُهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ، وَالْعَطِيَّةُ، فِي مَعْنَى الْوَقْفِ. قُلْت: وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا. قَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إعْطَاءِ الْآخَرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّ التَّسْوِيَةَ: إمَّا بِالرُّجُوعِ، وَإِمَّا بِالْإِعْطَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ إلَّا " الرُّجُوعَ " فَقَطْ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ حَالَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ إعْطَاءُ الْآخَرِ " وَلَوْ كَانَ إعْطَاؤُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُعْطَى فِي مَرَضِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى، وَالْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. وَنَقَل الْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْفُذُ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ: يُؤْمَرُ بِرَدِّهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِإِذْنِ الْبَاقِي. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ بِلَا حِيلَةٍ. قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ) (ثَبَتَ لِلْمُعْطَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ.

فوائد ولد له ولد بعد موته

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَمْ يَرْجِعْ الْبَاقُونَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ. وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ. اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، وَصَاحِبُهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُكْبَرِيَّانِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُفَضَّلُ: فَيَنْبَغِي لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُعْطَى أَنْ يُسَاوِيَ أَخَاهُ فِي عَطِيَّتِهِ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بُطْلَانُ الْعَطِيَّةِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَذَكَرَ: أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصِّحَّةِ رِوَايَتَيْنِ. [فَوَائِدُ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ] فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: حُكْمُ مَا إذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ: حُكْمُ مَوْتِهِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ بِالْإِعْطَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ. وَاخْتَارَ الْحَارِثِيُّ هُنَا عَدَمَ الْوُجُوبِ. وَقَالَ: إنْ حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا رُجُوعَ لِلْحَادِثِ عَلَى إخْوَتِهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا. وَفِي الْمُغْنِي: تُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ: إذَا فَعَلَهُ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ. فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ: فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: فَلَهُمْ الرُّجُوعُ فِيهِ. الثَّالِثَةُ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ، لَا تَحَمُّلًا وَلَا أَدَاءً. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ عَلِمَ الشُّهُودُ جَوْرَهُ وَكَذِبَهُ: لَمْ يَتَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ. وَإِنْ تَحَمَّلُوهَا ثُمَّ عَلِمُوا: لَمْ يُؤَدُّوهَا فِي حَيَاتِهِ، وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ الْأَدَاءِ. وَكَذَا إنْ جَهِلُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا آخَرَ. ثُمَّ عَلِمُوهُ. قُلْت: بَلَى. إنْ قُلْنَا: قَدْ ثَبَتَ الْمَوْهُوبُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْعِلْمُ بِالتَّفْضِيلِ أَوْ التَّخْصِيصِ يَمْنَعُ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءَهَا مُطْلَقًا. حَكَاهُ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَيِّ قَسْمُ مَالِهِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُكْرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَحَدٌ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ. وَقَطَعَ بِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا يُعْجِبُنِي فَلَوْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ سَوَّى بَيْنَهُمْ نَدْبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيلَ: وُجُوبًا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ. وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْوَقْفِ، أَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ) (جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْوَقْفِ: جَازَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا بَأْسَ بِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ. قِيلَ: فَإِنْ فَضَّلَ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ. إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا إنَّهُ مِلْكُ مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ: بَطَلَ. وَإِلَّا صَحَّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ الْقِسْمَةُ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ، كَالْعَطِيَّةِ

اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي لَا أَصْلَ لَهُ. وَهُوَ مُلْغًى بِالْمِيرَاثِ وَالْعَطِيَّةِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ: جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِمَا: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَنَصُّهُمَا. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَغَيْرِهِ. وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. فَاخْتَارَ عَدَمَ الْجَوَازِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ قَالَ الْقَاضِي فِيهَا وَجَدْته مُعَلَّقًا عَنْهُ بِقَلَمِ الزَّرْكَشِيّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَنْهُ كَهِبَةٍ. فَيَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْإِجَازَةَ ابْتِدَاءُ هِبَةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ وَقَفَ الثُّلُثَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَارِثٍ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِ: صَحَّ، وَلَزِمَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَعَنْهُ: إنْ أُجِيزَ صَحَّ. وَإِلَّا بَطَلَ كَالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ. تَمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ قُلْنَا " هُوَ لِلَّهِ " صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِدَيْنٍ، أَوْ عِلْمٍ، أَوْ حَاجَةٍ. انْتَهَى.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سَوَّى بَيْنَ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ فِي دَارٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَرْدًا. فَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا وَقْفٌ بِالسَّوِيَّةِ، وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ. وَإِنْ رَدَّ ابْنُهُ وَحْدَهُ: فَلَهُ ثُلُثَا الثُّلُثَيْنِ إرْثًا. وَلِبِنْتِهِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا. وَإِنْ رَدَّتْ ابْنَتُهُ وَحْدَهَا: فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا. وَلِابْنِهِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا، وَسُدُسُهُمَا إرْثًا. لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا لَهُ إنْ رَدَّ هُوَ الْوَقْفَ إلَى قَدْرِ الثُّلُثِ. وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا وَقِيلَ: لَهَا رُبُعُهُمَا وَقْفًا، وَنِصْفُ سُدُسِهِمَا إرْثًا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَرَدَّهُ شَارِحُهُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: نِصْفُ الدَّارِ وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَرُبُعُهَا وَقْفٌ عَلَيْهَا، وَالْبَاقِي إرْثٌ لَهُمَا أَثْلَاثًا. انْتَهَى. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: عَمَلُك فِي الدَّارِ كَثُلُثَيْهَا عَلَى الثَّالِثَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ: لَمْ يَصِحَّ وَقْفُ الزَّائِدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمُذَهَّبِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ وَقَفَ ثُلُثَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ: صَحَّ. وَفِيمَا زَادَ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، إلَّا الْأَبَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ، أَوْ رَغْبَةٌ. نَحْوُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ يُفْلِسَ. وَكَذَا لَوْ فَعَلَ الْوَلَدُ مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مُؤَبَّدًا أَوْ مُؤَقَّتًا. وَجَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: يَرْجِعُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ، أَوْ الرَّغْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ: فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: إنْ وَهَبَ وَلَدَيْهِ شَيْئًا، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ نَصِيبَهُ: فَفِي رُجُوعِهِ فِي الْكُلِّ وَجْهَانِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ، إذَا كَانَ وَهَبَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ، وَأَسْلَمَ الْوَلَدُ. فَأَمَّا إذَا وَهَبَهُ حَالَ إسْلَامِ الْوَلَدِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: الْجَوَازُ. وَلَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: تَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ. وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا: بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ يُفْلِسَ) . وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَنَحْوِهِ. وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمَا. انْتَهَى.

وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَرْأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا إنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ رَدَّهُ إلَيْهَا، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ. لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إضْرَارِهِ بِهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا بِمَسْأَلَتِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. فَالْمُصَنِّفُ قَدَّمَ هُنَا عَدَمَ رُجُوعِهَا إذَا سَأَلَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَفُصُولِ ابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الرُّجُوعِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ ضَرَرٌ، مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الرُّجُوعُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إذَا وَهَبَتْهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْوَجْهَيْنِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمَا.

فوائد قال لها أنت طالق إن لم تبرئيني

وَقِيلَ: لَهَا الرُّجُوعُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: إنْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ فَلَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ عِوَضٍ، أَوْ شَرْطٍ، فَلَمْ يَحْصُلْ: رَجَعَتْ وَإِلَّا فَلَا. [فَوَائِدُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُبَرِّئِينِي] فَوَائِدُ إحْدَاهَا: ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُبَرِّئِينِي " فَأَبْرَأَتْهُ صَحَّ. وَهَلْ تَرْجِعُ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. ثَالِثُهَا: تَرْجِعُ إنْ طَلَّقَهَا، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَكِنْ هُنَا آكَدُ فِي الرُّجُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَحْصُلُ رُجُوعُ الْأَبِ بِقَوْلِهِ، عَلِمَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا. أَوْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ. فَإِذَا قَبَضَهَا أَعْتَقَهَا حِينَئِذٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ قَبْضِهِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: فِي قَبْضِهِ مَعَ قَرِينَةٍ وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَسْقَطَ الْأَبُ حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ، فَفِي سُقُوطِهِ احْتِمَالَانِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَظْهَرُهُمَا: لَا يَسْقُطُ. لِثُبُوتِهِ لَهُ بِالشَّرْعِ كَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ حَقَّهُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَقَدْ يَتَرَجَّحُ سُقُوطُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُجَرَّدُ حَقِّهِ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ. فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَرْأَةِ. فَلِهَذَا يَأْثَمُ بِعَضْلِهِ. وَهَذَا أَوْجَهُ. انْتَهَى.

وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْحَضَانَةِ. الرَّابِعَةُ: تَصَرُّفُ الْأَبِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِي كِتَابِ حُكْمِ الْوَالِدَيْنِ فِي مَالِ وَلَدِهِمَا رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْأَبِ صَحِيحٌ. وَيَكُونُ رُجُوعًا. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: لَا يَكُونُ وَطْؤُهُ رُجُوعًا. وَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَنَحْوُهَا رُجُوعًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعَلَيْهِمَا لَا يَنْفُذُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِ الْمِلْكَ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ بِنُفُوذِهِ. لِاقْتِرَانِ الْمِلْكِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْأَخْذُ الْمُجَرَّدُ إنْ قَصَدَ بِهِ رُجُوعًا فَرُجُوعٌ، وَإِلَّا فَلَا. مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ. وَيُدَيَّنُ فِي قَصْدِهِ. وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ فَوَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. الْخَامِسَةُ: حُكْمُ الصَّدَقَةِ حُكْمُ الْهِبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ بِحَالٍ. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ إذَا وَهَبَتْ وَلَدَهَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: هِيَ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَالَهُ فِي الْإِفْصَاحِ، وَالْوَاضِحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. أَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. [السَّادِسُ: لَوْ ادَّعَى اثْنَانِ مَوْلُودًا فَوَهَبَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا رُجُوعَ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى، وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا: ثَبَتَ الرُّجُوعُ] . وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْأَبِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَتْ الْعَيْنُ، أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) (لَمْ يُمْنَعْ الرُّجُوعُ) . إذَا نَقَصَتْ الْعَيْنُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الرُّجُوعِ بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ: أَنَّهَا تُمْنَعُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ: مُنِعَ الرُّجُوعُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لِلْأَبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْجِهَادِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالزِّيَادَةُ لِلِابْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلْأَبِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاسْتَثْنَوْا وَلَدَ الْأَمَةِ. فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ عِنْدَهُمْ بِلَا نِزَاعٍ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الْحَجْرِ وَاللُّقَطَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الرُّجُوعَ) (؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْقَوَاعِدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: وَفِي مَنْعِ الْمُتَّصِلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى: رِوَايَتَانِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَبَلٍ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ. إحْدَاهُمَا: تَمْنَعُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّمَانِينَ بَعْدَ إطْلَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَمْنَعُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ.

قَالَهُ الْحَارِثِيُّ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ: وَيُشَارِكُ بِالْمُتَّصِلَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ: لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ لِلزِّيَادَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَوَلَدُهُ فِي حُدُوثِ زِيَادَةٍ فِي الْمَوْهُوبِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلُ الْوَلَدِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُتَّهَبُ. ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ، أَوْ إقَالَةٍ. فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ) (؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِفَلَسِ الْمُشْتَرِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَهَذَا فِي الْإِقَالَةِ: إذَا قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ، فَقَالَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ: يَمْتَنِعُ رُجُوعُ الْأَبِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَوَائِدِ الْإِقَالَةِ، وَهَلْ هِيَ فَسْخٌ أَوْ بَيْعٌ؟ وَقِيلَ: إنْ رَجَعَ بِخِيَارٍ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ) (لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ) بِلَا نِزَاعٍ.

وَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ: لَمْ يَمْلِكْ أَبُوهُ الرُّجُوعَ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ) . إذَا وَهَبَهُ الْمُتَّهَبُ لِابْنِهِ، وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ: لَمْ يَمْلِكْ الْجَدُّ الرُّجُوعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَهُ الرُّجُوعُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَأَبُو الْخَطَّابِ وَهِمَ. انْتَهَى. أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ رَجَعَ مَلَكَ الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ الرُّجُوعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الرُّجُوعَ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَهُ: لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ، إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. قَالَهُ الشَّارِحُ.

وَقَدْ صَرَّحَ قَبْلَ ذَلِكَ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. فَكَذَا هُنَا. لَكِنَّ. الْمُسْتَأْجِرَ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَنَافِعِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِهَا إذَا رَجَعَ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ وَمَنَعَ بَيْعَ الْمُكَاتَبِ، وَزَالَتْ بِفَسْخٍ أَوْ عَجْزٍ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا. كَمَا لَوْ بَاعَهُ. وَمَا أَخَذَهُ الِابْنُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ أَبُوهُ، بَلْ يَأْخُذُ مَا يُؤَدِّيهِ وَقْتَ رُجُوعِهِ وَبَعْدَهُ. فَإِنْ عَجَزَ عَادَ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَرْطُ الرُّجُوعِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الِابْنِ. كَالرَّهْنِ، وَحَجْرِ الْفَلَسِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ. فَائِدَةٌ: لَا يَمْنَعُ التَّدْبِيرُ الرُّجُوعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَمْنَعُ. وَهَذَا الْحَكَمُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْبَيْعِ: فَإِنَّ الرُّجُوعَ يَمْتَنِعُ كَالِاسْتِيلَاءِ. قَالَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ فَائِدَةٌ: إجَارَةُ الْوَلَدِ لَهُ، وَتَزْوِيجُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ: لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَكَذَا وَطْءُ الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَكَذَا إبَاقُ الْعَبْدِ وَرِدَّةُ الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ، إنْ قِيلَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ. وَإِنْ قِيلَ: مُرَاعًى. فَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ. وَإِنْ قِيلَ: بِجَوَازِهِ مُنِعَتْ. قَوْلُهُ (وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْفَافِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَبَ الْمُسْلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَثْنَى مِمَّا لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ سُرِّيَّةٌ لِلِابْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ أَيْضًا قَرِيبًا " إذَا تَمَلَّكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ مَرَضِ مَوْتِ الِابْنِ " قَوْلُهُ (مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا) . يَعْنِي: مَعَ حَاجَةِ الْأَبِ وَعَدَمِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلَّا مَا احْتَاجَ إلَيْهِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَبِ: يَأْكُلُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يُفْسِدَهُ. فَلَهُ الْقُوتُ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهَا، كَالْأَبِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَهَا ذَلِكَ كَالْأَبِ. قَوْلُهُ (إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الِابْنِ بِهِ)

يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأَبِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ: أَنْ لَا يَضُرَّ الْأَخْذُ بِهِ، كَمَا إذَا تَعَلَّقَتْ حَاجَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يُجْحِفْ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَعَ غِنَاهُ وَحَاجَتِهِ، بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُجْحِفَ بِالِابْنِ، وَلَا يَأْخُذَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدِ وَلَدَيْهِ، وَيُعْطِيَهُ الْآخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِ الْأَبِ مَا يَخْلُفُ تَرِكَةً. لِأَنَّهُ بِمَرَضِهِ قَدْ انْعَقَدَ السَّبَبُ الْقَاطِعُ لِتَمَلُّكِهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ تَمَلَّكَ فِي مَرَضِ مَوْتِ الِابْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ، بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الَّذِي كَانَ مَالِكَهُ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْأَبُ صَدَاقَ ابْنَتِهِ، ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ أَوْ يَأْخُذُ الزَّوْجُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا الْوَلَدُ، ثُمَّ يَرُدُّ السِّلْعَةَ بِعَيْبٍ، أَوْ يَأْخُذُ الْبَيْعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ. ثُمَّ يُفْلِسُ بِالثَّمَنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لِلْأَبِ تَمَلُّكُهُ كُلِّهِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . قَوْلُهُ (وَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ إبْرَاءٍ مِنْ دَيْنٍ: لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَخَرَّجَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ رِوَايَةً بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِالْعِتْقِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: بَيْعُ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ، وَعِتْقُهُ وَصَدَقَتُهُ، وَوَطْءُ إمَائِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ وَطِئَ جَائِزٌ. وَيَحُوزُ لَهُ بَيْعُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ وَعِتْقُهُمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِ لِأَجْلِ الْأَذَى. لَا سِيَّمَا بِالْحَبْسِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: لَا يَمْلِكُ إحْضَارَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. فَإِنْ أَحْضَرَهُ. فَادَّعَى، فَأَقَرَّ، أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ: لَمْ يُحْبَسْ. فَائِدَةٌ: يَحْصُلُ تَمَلُّكُهُ بِالْقَبْضِ. نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ الْقَوْلِ أَوْ النِّيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: أَوْ قَرِينَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: فِي تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ: رِوَايَتَانِ. بِنَاءً عَلَى حُصُولِ مِلْكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَأَحْبَلَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) . إنْ كَانَ الِابْنُ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ، إذَا أَحْبَلَهَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَطَؤُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَيْضًا، إذَا أَحْبَلَهَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ، إذَا كَانَ الِابْنُ يَطَؤُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ كَانَ ابْنُهُ يَطَؤُهَا: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْمَنْصُوصِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا. فَإِنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا: لَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهَا بِاسْتِيلَادِهِ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ بِالْعُقُودِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ: أَنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ وَطِئَ الشَّرِيكَانِ أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ. لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا مَهْرٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْأَبَ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ جَارِيَةِ ابْنِهِ إذَا أَحْبَلَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ هُنَا: لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ فِي ذِمَّةِ أَبِيهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَهَذَا مِنْهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا حَدٌّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ.

قَالَ جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَنْوِ تَمَلُّكَهَا. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا: إذَا كَانَ الِابْنُ لَمْ يَطَأْهَا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الِابْنُ يَطَؤُهَا: فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا، وَفِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ يَطَؤُهَا، أَوْ لَا. وَقَطَعَ بِالْإِطْلَاقِ هُنَاكَ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ هُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ بَيْنَ كَوْنِ الِابْنِ وَطِئَهَا، أَوْ لَا. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. انْتَهَى. قُلْت: الْأَوْلَى وُجُوبُ الْحَدِّ. قَوْلُهُ (وَفِي التَّعْزِيرِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: يُعَزَّرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعَزَّرُ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعَزَّرُ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَغِنَى وَالِدِهِ عَنْهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَا يُطَالِبُ أَبَاهُ بِمَا ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ، بِقَرْضٍ وَإِرْثٍ، وَبَيْعٍ، وَجِنَايَةٍ، وَإِتْلَافٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَبِهِ جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ، وَانْتِفَاءُ الْمُطَالَبَةِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا أَوْلَدَ أَمَةَ ابْنِهِ: أَنَّهُ تَثْبُتُ قِيمَتُهَا فِي ذِمَّتِهِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ شَيْءٌ لِوَلَدِهِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّصَّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ " إذَا مَاتَ الْأَبُ بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ " وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ شَيْئًا فَأَنْفَقَهُ " لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ " وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَنَّ أَخْذَهُ لَهُ وَإِنْفَاقَهُ إيَّاهُ: دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَحَلُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتْلَفِ. أَمَّا الْمُتْلَفُ: فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا إشْكَالٍ. وَلَمْ يَحْكِ الْقَاضِي فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ فِيهِ خِلَافًا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: هَلْ يَمْلِكُ الْأَبُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ مِنْ الدَّيْنِ؟ قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَمْلِكُ الْأَبُ إسْقَاطَ دَيْنِ الِابْنِ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ غَيْرُ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ كَإِبْرَائِهِ غَرِيمَ الِابْنِ وَقَبْضِهِ مِنْهُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ: هَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِمَوْتِ الْأَبِ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ: أَنَّ لَهُ أَخْذَهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَدَ ثَمَنَهُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إذَا مَاتَ يَرْجِعُ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْأَبِ. وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. انْتَهَى. قُلْت: هَذَا فِي الدَّيْنِ. فَفِي الْعَيْنِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُبْهِجِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْحَارِثِيُّ: وَكَذَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَيْسَ لِوَرَثَةِ الِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِمَا لِلِابْنِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ. كَالِابْنِ نَفْسِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيُّ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ مَنَعْنَا الِابْنَ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِيمَنْ قَتَلَ ابْنَهُ إنْ قُلْنَا: الدِّيَةُ لِلْوَارِثِ، طَالَبَهُ، وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَةُ: لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ، فَأَنْكَرَ الِابْنُ: رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ. وَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا يَرْجِعُ مَعَ إقْرَارِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَضَى الْأَبُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِابْنِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَضَائِهِ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ وَلَمْ يُوصِ بِهِ: لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَسْقُطُ كَحَبْسِهِ بِهِ فِي الْأُجْرَةِ، فَلَا يَثْبُتُ كَجِنَايَةٍ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: مَا أَخَذَهُ لِيَمْلِكَهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَمَا لَا فَلَا. وَتَقَدَّمَ إذَا وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي بَاعَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ أَبِيهِ دَيْنٌ أَمْ لَا.؟ . الرَّابِعَةُ: لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: لَهُ مُطَالَبَةٌ بِهَا، وَحَبْسُهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ. وَيُعَايَى بِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: لِلِابْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِعَيْنٍ لَهُ فِي يَدِهِ.

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. الْخَامِسَةُ: هَلْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ مُطَالَبَتُهُ بِمَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَهَدَرٌ. انْتَهَى. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهُ مُطَالَبَتَهُ. قَوْلُهُ (وَالْهَدِيَّةُ، وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنْ الْهِبَةِ) . يَعْنِي: فِي الْأَحْكَامِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ، نَوْعَانِ مِنْ الْهِبَةِ. يَكْفِي الْفِعْلُ فِيهِمَا إيجَابًا وَقَبُولًا. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هُمَا نَوْعَا هِبَةٍ. وَقِيلَ: يَكْفِي الْفِعْلُ قَبُولًا. وَقِيلَ: وَإِيجَابًا. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَيَكْفِي الْفِعْلُ فِيهِمَا قَبُولًا. فِي الْأَصَحِّ كَالْقَبْضِ. وَقِيلَ: وَإِيجَابًا. كَالدَّفْعِ. وَقَالَا: وَيَصِحُّ قَبْضُهُمَا بِلَا إذْنٍ، وَلَا مُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِهِ. وَلَا يَرْجِعُ فِيهِمَا أَحَدٌ. وَقِيلَ: إلَّا الْأَبَ. وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ فَقَطْ عَلَى وَلَدِهِ الرَّشِيدِ، إنْ كَانَ قَبَضَهَا، وَعَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا لَهُ بِيَدِهِ مِنْهَا. انْتَهَى. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَالْمَرُّوذِيُّ: لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ.

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِمَا: لَا يُعْتَبَرُ فِي الْهَدِيَّةِ قَبُولٌ لِلْعُرْفِ. بِخِلَافِ الْهِبَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا رُجُوعَ فِيهِمَا لِأَحَدٍ، سِوَى أَبٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: وِعَاءُ الْهَدِيَّةِ كَالْهَدِيَّةِ مَعَ الْعُرْفِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَدَّهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا يَدْخُلُ الْوِعَاءُ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، كَقَوْصَرَّةِ التَّمْرِ وَنَحْوِهَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فَهُوَ صَدَقَةٌ. وَقِيلَ: مَعَ حَاجَةِ الْمُتَّهَبِ. وَإِنْ قَصَدَ بِفِعْلِهِ إكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَتَحَبُّبًا وَمُكَافَأَةً فَهُوَ هَدِيَّةٌ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَمِنْ هُنَا اُخْتُصَّتْ بِالْمَنْقُولَاتِ، لِأَنَّهَا تُحْمَلُ إلَيْهِ. فَلَا يُقَالُ: أَهْدَى أَرْضًا، وَلَا دَارًا. انْتَهَى. وَغَيْرُهُمَا: هِبَةٌ، وَعَطِيَّةٌ، وَنِحْلَةٌ. وَقِيلَ: الْكُلُّ عَطِيَّةٌ، وَالْكُلُّ مَنْدُوبٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالنِّحْلَةُ، وَالْهَدِيَّةُ، وَالْعَطِيَّةُ: مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ. وَاسْمُ " الْعَطِيَّةِ " شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ " الْهِبَةُ ". وَ " الصَّدَقَةُ " وَ " الْهَدِيَّةُ " مُتَغَايِرَانِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ الْهَدِيَّةِ دُونَ الصَّدَقَةِ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُحْتَاجِ: فَهُوَ صَدَقَةٌ. وَمَنْ دَفَعَ إلَى إنْسَانٍ شَيْئًا لِلتَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ: فَهُوَ هَدِيَّةٌ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، مَحْثُوثٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، وَلَا اسْتِشْرَافٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، لِلْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالُوا فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ. وَفِي الصَّلَاةِ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ. فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ. تَصِحُّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ مَاتَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي التَّيَمُّمِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَرَضُهُ مَخُوفًا حَالَ التَّبَرُّعِ، ثُمَّ صَارَ مَخُوفًا: فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ. حَكَاهُ السَّامِرِيُّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ. اعْتِبَارًا بِحَالِ الْعَطِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَمَا قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ: إنَّهُ مَخُوفٌ. فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ) أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ مُطْلَقًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَاحِدٌ عِنْدَ الْعَدَمِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ: الْمَخُوفُ عُرْفًا، أَوْ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ. قَوْلُهُ (فَعَطَايَاهُ كَالْوَصِيَّةِ، فِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ. وَلَا تَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، مِثْلَ الْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْمُحَابَاةِ) . يَعْنِي إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا عُوفِيَ: فَهَذِهِ الْعَطَايَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: تَمْثِيلُهُ بِالْعِتْقِ مَعَ غَيْرِهِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ مِنْ مُفْلِسٍ رِوَايَةً هُنَا بِنَفَاذِ عِتْقِهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلَّقَ صَحِيحٌ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَرْطٍ، فَوُجِدَ الشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَكُونَ مِنْ الثُّلُثِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يَكُونُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ الصِّفَةُ وَاقِعَةً بِاخْتِيَارِ الْمُعَلِّقِ. فَإِنْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ: فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. الثَّانِيَةُ: الْمُحَابَاةُ لِغَيْرِ وَارِثٍ: مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ.

لَكِنْ لَوْ حَابَاهُ فِي الْكِتَابَةِ: جَازَ. وَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ. مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَالْمَجْدُ. وَهُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مِنْ الثُّلُثِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَلَفَ فِيهَا كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَكَذَا حُكْمُ وَصِيَّتِهِ بِكِتَابَتِهِ. وَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ بِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسُّلِّ، وَالْجُذَامِ، وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ. فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَهِيَ مَخُوفَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِلَّا فَلَا) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ. عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ، وَفِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ، أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدِهِ، أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ: فَهُوَ كَالْمَرِيضِ) يَعْنِي الْمَرِيضَ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ. وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ. وَقَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الطَّاعُونَ إذَا وَقَعَ بِبَلَدِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَرِيضٍ، وَإِنَّمَا يَخَافُ الْمَرَضَ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ الْوَلِيِّ الِاقْتِصَاصَ: فَمَخُوفٌ. وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْعَفْوُ: فَغَيْرُ مَخُوفٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ: إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ. وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ ظُهُورِهَا: فَلَيْسَتْ خَائِفَةً. قَوْلُهُ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. وَالْمُذْهَبُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ " وَقَالَ الْخِرَقِيُّ " بِالْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى. وَعَنْهُ: إذَا أَثْقَلَتْ الْحَامِلُ: كَانَ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعِنْدَ ثِقَلِ الْحَمْلِ، وَعِنْدَ الطَّلْقِ. قَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ) . يَعْنِي: حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ نِفَاسِهَا، بِلَا نِزَاعٍ. قِيلَ: سَوَاءٌ كَانَ بِهَا أَلَمٌ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ لَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَقِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ مَخُوفًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ إذَا كَانَ بِهَا أَلَمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا أَشْهَرُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ وَضَعَتْ، وَبَقِيَتْ مَعَهَا الْمَشِيمَةُ، أَوْ حَصَلَ مَرَضٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ، فَمَخُوفٌ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَقْوَى: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَجَعٌ فَغَيْرُ مَخُوفٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: حُكْمُ السِّقْطِ حُكْمُ الْوَلَدِ التَّامِّ،. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وَلَدَتْ صَغِيرًا، أَوْ بَقِيَ مَرَضٌ، أَوْ وَجَعٌ وَضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ رَأَتْ دَمًا كَثِيرًا، أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ مَعَهَا، أَوْ قُتِلَ وَقِيلَ: أَوْ أَسْقَطَتْ وَلَدًا تَامًّا فَهُوَ مَخُوفٌ. انْتَهَى. وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً: فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ. إلَّا مَعَ أَلَمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ عَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ وَقِيلَ: أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً، أَوْ عَلَقَةً، مَعَ أَلَمٍ أَوْ مَرَضٍ. وَقِيلَ: لَا حُكْمَ لَهُمَا بِلَا أَلَمٍ وَلَا مَرَضٍ.

وَمِنْهَا: حُكْمُ مَنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ: حُكْمُ مَنْ قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ. وَمِنْهَا: الْأَسِيرُ. فَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ الْقَتْلَ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: عَطَايَاهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُمْ الْقَتْلَ: فَعَطَايَاهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: مِنْ الثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى مَنْ عَادَتُهُمْ الْقَتْلُ. وَمِنْهَا: لَوْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا: فَهُوَ كَالْمَرِيضِ مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ وَفَهْمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ فَسَدَ عَقْلُهُ وَقِيلَ: أَوْ لَا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ. وَمِنْهَا: حُكْمُ مَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرْقُهَا وَقَطْعُهَا فَقَطْ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: حُكْمُ الْمَيِّتِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي الْحَرَكَةِ فِي الطِّفْلِ، وَفِي الْجِنَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ وَلَا لِكَلَامِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ كَمَيِّتٍ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ: إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ وَلَمْ تُبَنْ، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ: وَرِثَهُ. وَإِنْ أُبِينَتْ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَرِثُهُ. لِأَنَّ الْمَوْتَ زَهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ. وَلَمْ يُوجَدْ. وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ: أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ، مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ ذُبِحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ: فَقَوْلُهُ لَغْوٌ. وَإِنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ، أَوْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ كَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَتَبَرُّعُهُ وَوَصِيَّتُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ: بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. وَعَنْهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ كَالْوَصَايَا. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَسَاوَتْ: قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ) . إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ، وَوَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً: قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا عِتْقٌ: فَكَذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْعِتْقِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ. فَيُكْمَلُ الْعِتْقُ فِي بَعْضِهِمْ كَمَا فِي حَالِ الْوَصِيَّةِ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا مُعَارَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ: فَتَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ) .

إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْمَرَضِ مَعَ غَيْرِ الْوَارِثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ: صَحَّتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَكَذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِوَارِثٍ. لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِعَيْنِ الْمَالِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْوَصِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ تَصِحُّ مَعَ وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، فِي مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ بِمَالٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَضَى بَعْضُ الْغُرَمَاءِ دَيْنَهُ وَتَرِكَتُهُ تَفِي بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا: لَا يَصِحُّ إلَّا قَضَاؤُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا ضَاقَ مَالُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَابَى وَارِثَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ فِي قَدْرِ مَا حَابَاهُ، وَيَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَدْفَعُ قِيمَةَ بَاقِيهِ، أَوْ يَفْسَخُ الْبَيْعَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَصَايَا أَنَّ الْأَشْهَرَ لِلْأَصْحَابِ: انْتِفَاءُ النُّفُوذِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ. فَقَيَّدَ مَا قَالَ هُنَا مِنْ الْبُطْلَانِ بِعَدَمِ الْإِجَازَةِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ فَصْلِ " وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ " حُكْمُ مَا إذَا حَابَى أَجْنَبِيًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا، وَحَابَاهُ وَكَانَ شَفِيعُهُ وَارِثًا فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَخَذَ شَفِيعُهُ الْوَارِثُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي، وَالْحَارِثِيِّ، وَقَالَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الشُّفْعَةَ هُنَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَالْمُغْنِي: فِي الشُّفْعَةِ وَجْهٌ لَا شُفْعَةَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ الْمَوْتِ. فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ: تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ: لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ: خِلَافٌ. فَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْعَطِيَّةِ. عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَأَوْلَى. قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ.

فائدة وتفارق العطية الوصية في أربعة

قَالَ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَوْرَدَ رِوَايَةً، أَوْ وَجْهًا: يَعْتِقُ ثُلُثُ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ الْعَبْدَ. [فَائِدَةٌ وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ] فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا. وَالْوَصَايَا يُسَوَّى بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا) . هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَطِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَطِيَّةَ تُقَدَّمُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: التَّسَاوِي. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. لَكِنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَقَطْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ: قُدِّمَتْ. وَأُخْرِجَتْ الْعَطِيَّةُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي. فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ: أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ فِي صِحَّتِهِ: صُدِّقَ الْوَرَثَةُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشْرَةً. فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ. ثُمَّ اُنْسُبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي. وَهُوَ عَشْرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ، تَجِدْهُ نِصْفَهَا. فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ شِئْت فِي عَمَلِهَا أَيْضًا. فَانْسُبْ ثُلُثَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ. فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ وَهُوَ هُنَا نِصْفُ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ.

وَإِنْ شِئْت فَاضْرِبْ مَا حَابَاهُ فِي ثَلَاثَةٍ: يَبْلُغْ سِتِّينَ. ثُمَّ اُنْسُبْ قِيمَةَ الْجَيِّدِ إلَيْهِ. فَهُوَ نِصْفُهَا. فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ. وَإِنْ شِئْت فَقُلْ: قَدْرُ الْمُحَابَاةِ الثُّلُثَانِ، وَمَخْرَجُهُمَا ثَلَاثَةٌ. فَخُذْ لِلْمُشْتَرِي سَهْمَيْنِ مِنْهُ. وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً. ثُمَّ اُنْسُبْ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ بِالنِّصْفِ. فَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْآخَرِ وَبِالْجَبْرِ: يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْنَى قِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى. فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ مِنْهُ. فَأَلْقِهَا مِنْهُ، فَيَبْقَى قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَيْ الْمُحَابَاةِ مِنْهُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ. فَإِذَا جَبَرْت وَقَابَلْت عَدْلَ شَيْئَيْنِ، فَالشَّيْءُ نِصْفُ قَفِيزٍ. وَإِنَّمَا فُعِلَ هَذَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى رِبَا الْفَضْلِ فَلَوْ كَانَ لَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ رِبًا. مِثْلُ مَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ بِعَشْرَةٍ. وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ بَيْعِ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ، وَالثُّلُثَانِ كَالْهِبَةِ. فَيَرُدُّ الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُمَا. وَهُوَ عَشْرَةٌ. وَيَأْخُذُ عَشْرَةً بِالْمُحَابَاةِ لِنِسْبَتِهَا مِنْ قِيمَتِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَمَنْ وَافَقَهُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ فِي نِصْفِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ، كَالْأُولَى. لِنِسْبَةِ الثُّلُثِ مِنْ الْمُحَابَاةِ. فَصَحَّ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ. وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي سِوَى الْخِيَارِ. اخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَلَك عَمَلُهَا بِالْجَبْرِ، فَتَقُولُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ بِثُلُثِ شَيْءٍ. فَيَبْقَى الْعَبْدُ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ، يَعْدِلُهُ شَيْئًا وَثُلُثًا. فَاجْبُرْ وَقَابِلْ، يَبْقَى عَبْدٌ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ. فَالشَّيْءُ نِصْفُهُ. فَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.

لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَدُورُ بِأَنَّ مَا نَفَذَ الْبَيْعُ فِيهِ خَارِجٌ مِنْ التَّرِكَةِ. وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ دَاخِلٌ فِيهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا يَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ يَزِيدُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ التَّرِكَةِ. وَيَنْقُصُ بِقَدْرِ نُقْصَانِهَا، وَتَزِيدُ التَّرِكَةُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْمُقَابِلِ الدَّاخِلِ. وَيَزِيدُ الْمُقَابِلُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ الْمَبِيعِ. وَذَلِكَ دَوْرٌ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَدْفَعُ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عَشْرَةً، أَوْ يَفْسَخُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ مَعَ وَارِثٍ: صَحَّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي ثُلُثِهِ وَلَا مُحَابَاةَ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: يَدْفَعُ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ عِشْرِينَ، أَوْ يَفْسَخُ. وَإِذَا أَفْضَى إلَى إقَالَةٍ بِزِيَادَةٍ، أَوْ رِبَا فَضْلٍ: تَعَيَّنَتْ الرِّوَايَةُ الْوُسْطَى كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْت أَوَّلًا، أَوْ نَحْوِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشْرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا. وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ. فَمَاتَتْ قَبْلَهُ. ثُمَّ مَاتَ: فَلَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ. رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا. صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ، اُجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ يَخْرُجْ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً. فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ. وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا: وَرِثَتْهُ وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

وَعَنْهُ: (تُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ) . قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ " إنَّهُ مَرْجُوعٌ عَنْهُ " لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ تَارِيخٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: إنْ وَرِثَتْهُ: فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَزِيَادَةُ مَرِيضٍ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ: مِنْ ثُلُثِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّهَا. صَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ كَوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَهَبَهَا كُلَّ مَالِهِ. فَمَاتَتْ قَبْلَهُ: فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ. وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسُهُ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الْخُلْعِ " إذَا خَالَعَهَا، أَوْ حَابَاهَا، أَوْ خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا " الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَهُ لُبْسُ النَّاعِمِ وَأَكْلُ الطِّيبِ لِحَاجَتِهِ. وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ الْوَرَثَةِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ. وَفِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا. يُمْنَعُ إلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَعَادَتِهِ. وَسَلَّمَهُ أَيْضًا. لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ كَإِتْلَافِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْحَجْرِ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ الْحَلْوَانِيِّ أَيْضًا، وَابْنُ شِهَابٍ. وَقَالَ: لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ) عَتَقَ (وَلَمْ يَرِثْهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا (لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ كَانَ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ) .

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَقْيَسُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَرِثُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مِنْ الثُّلُثِ. فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ: لَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا. فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَارِثِهِ: صَحَّ. وَعَتَقَ عَلَى وَارِثِهِ. وَإِنْ دَبَّرَ ابْنَ عَمِّهِ: عَتَقَ. وَالْمَنْصُوصُ: لَا يَرِثُ. وَقِيلَ: يَرِثُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي " عَتَقَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَرِثُ. وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً لَهُ. فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ: لَمْ يَرِثْهُ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى شَيْءٍ، فَوُجِدَ وَهُوَ مَرِيضٌ: عَتَقَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: مِنْ كُلِّهِ.

وَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ " لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ، أَوْ دَبَّرَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ " وَأَحْكَامٌ أُخَرُ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ: لَوْ اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ الْمَحْرَمَ فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ وَارِثُهُ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ، أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ فِي مَرَضِهِ) . يَعْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ، عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، فِيمَا إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ: هَذَا أَقْيَسُ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يَرِثُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَيُبَاعُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا مَلَكَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ فِي الْمَنْصُوصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: مِنْ الثُّلُثِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ: فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَعَنْهُ: يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.

وَيَرِثُ أَيْضًا. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُهُ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَالْمَجْدُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: فَإِذَا أَعْتَقْنَاهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَرَّثْنَاهُ. فَاشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِثَمَنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَتَرَكَ ابْنًا: عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ عَلَى الْمَيِّتِ. وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَوَرِثَ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَوْقُوفِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَلَاءٌ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ. وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ إرْثٌ لِلِابْنِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ. وَإِذَا لَمْ نُوَرِّثْهُ: فَوَلَاؤُهُ بَيْنَ ابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ أَثْلَاثًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: لَوْ اشْتَرَى مَرِيضٌ أَبَاهُ بِثَمَنٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَهُوَ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الْأَبِ: سِتَّةٌ. فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ عَطِيَّتَانِ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ: مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَعِتْقُ الْأَبِ، إذَا قُلْنَا: إنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ يَتَحَاصَّانِ. وَالثَّانِي: تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ. وَلَا يَعْتِقُ الْأَبُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ: لَمْ تَرِثْهُ، عَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا فِي تَعَالِيقِهِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَبِأَشْبَاهِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. لِكَوْنِهِمْ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ شَيْءٌ وَلَا يَرِثُونَ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَرِثُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. فَائِدَةٌ: عِتْقُهَا يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ: عَتَقَتْ وَصَحَّ النِّكَاحُ. وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ: عَتَقَ قَدْرُهُ. وَبَطَلَ النِّكَاحُ. لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ. ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا. ثُمَّ مَاتَ: صَحَّ الْعِتْقُ. وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا. ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْتَحِقُّ الْمِائَتَيْنِ وَيَعْتِقُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ تَزَوَّجَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَهْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. فَفِي الْمُحَابَاةِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِوَارِثٍ. وَالثَّانِيَةُ: تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ. نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَالْأَثْرَمُ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةً وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ صَحَّ، وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ. لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهِ الْمَوْتِ. وَهَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ. ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الشِّرَاءُ) .

وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشِّرَاءَ وَصِيَّةً. لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ. وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَجَزَمَ بِهَذَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ " لَيْسَ الشِّرَاءُ بِوَصِيَّةٍ ": يَعْتِقُ الْأَبُ، وَيَنْفُذُ مِنْ التَّبَرُّعِ قَدْرُ ثُلُثِ الْمَالِ حَالَ الْمَوْتِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ سُدُسُهُ، وَبَاقِيهِ لِلِابْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي هَذِهِ. الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَصِحُّ الشِّرَاءُ. وَهَلْ يَعْتِقُ وَيَرِثُ؟ . إنْ قِيلَ: بِعِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ الثُّلُثِ: فَلَا عِتْقَ وَلَا إرْثَ. وَإِنْ قِيلَ بِعِتْقِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ: عَتَقَ وَنَفَذَ التَّبَرُّعُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ. وَكَذَا فِيمَا زَادَ.

كتاب الوصايا

[كِتَابُ الْوَصَايَا] قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ) . هَذَا الْحَدُّ هُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَا يَقِفُ نُفُوذُهُ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ. فَعَلَى قَوْلِهِ تَكُونُ الْعَطِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةً. وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي حَدِّهِ اخْتِلَافٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَرُّعُهُ بِهِبَاتِهِ وَعَطَايَاهُ الْمُنْجَزَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. وَذَلِكَ لَا يُسَمَّى وَصِيَّةً. وَيَخْرُجُ مِنْهُ: وَصِيَّةٌ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا: وَصِيَّةٌ بِفِعْلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَضَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَصَاغِرِ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ مِنْ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) . هَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ شَمِلَ الْعَبْدَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْمَالِ: فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ: فَلَا وَصِيَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ.

وَإِنْ قِيلَ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ: صَحَّتْ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. وَشَمِلَ كَلَامُهُ أَيْضًا: الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ. فَتَصِحُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ. لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَوَّلُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ. فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ الْأَوَّلُ إذَنْ لِلْغُرَمَاءِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَغَتْ الْوَصِيَّةُ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: هَذَا إذَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ. فَأَمَّا إذَا عَايَنَ الْمَوْتَ: لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَوْلٌ. وَلَا قَوْلَ لَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ " الْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ " مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ " مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا " تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَيَنْفُذُ فِيمَا عَدَا الْمَالِ. وَأَمَّا الْمَالُ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَا وَصِيَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُ صَحَّتْ. ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ: نَفَذَتْ بِلَا خِلَافٍ. وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. فَلَوْ قَالَ: مَتَى عَتَقْت ثُمَّ مِتّ. فَثُلُثِي لِفُلَانٍ: نَفَذَ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ.

قَوْلُهُ (وَمِنْ السَّفِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ مِنْهُ. حَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمَالٍ. أَمَّا وَصِيَّتُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ: فَلَا تَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ. فَوَصِيَّتُهُ أَحَقُّ وَأَوْلَى. قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ صِحَّةُ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ. وَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِي حَدَاهُ إلَى ذَلِكَ: تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ بِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَى الثَّوَابِ، وَتَصَرُّفُهُ فِي هَذِهِ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا تَصِحُّ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ (وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ) . إذَا جَاوَزَ الصَّبِيُّ الْعَشْرَ: صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّ مَنْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إذَا بَلَغَ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. نَقَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا تَصِحُّ مِنْ ابْنِ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَلَمْ يَطَّلِعْ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ) . يَعْنِي: مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا رِوَايَتَانِ) يَعْنِي: فِيمَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ. وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ لِدُونِ عَشْرٍ، وَلَا إجَازَتُهُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُذْهَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَمْ أَجِدْ هَذِهِ مَنْصُوصَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: تَصِحُّ وَصِيَّةُ بِنْتِ تِسْعٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقِيلَ: تَصِحُّ لِسَبْعٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسَ رِوَايَاتٍ، أَوْ سِتًّا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ. يَعْنِي. إذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ، وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ.

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ " رَضِّ الْيَهُودِيِّ رَأْسَ الْجَارِيَةِ وَإِيمَائِهَا إلَيْهِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّةٌ بِخَطِّهِ: صَحَّتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ. لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ. وَالشَّهَادَةَ عَلَى الْعَمَلِ طَرِيقُهَا الرِّوَايَةُ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا. وَقَدْ خَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ: رِوَايَةً بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا. وَقَالَ " اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا " أَنَّهُ لَا تَصِحُّ. أَيْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْأُولَى: بِالصِّحَّةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: بِعَدَمِهَا، حَتَّى يَسْمَعُوا مَا فِيهِ، أَوْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ. فَيُقِرَّ بِمَا فِيهِ. فَخَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَغَيْرُهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رِوَايَةً مِنْ الْأُخْرَى، وَقَدْ خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مِنْ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَقَالَ هُنَا " يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا " فَهُوَ كَالتَّخْرِيجِ مِنْ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. التَّفْرِقَةُ.

فَتَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَيَأْتِي النَّصَّانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي بَابِ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا وَقَالَ " اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا " أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. أَيْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. قُلْنَا: الْعَمَلُ بِخَطِّهِ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، فَحَيْثُ عُلِمَ خَطُّهُ إمَّا بِإِقْرَارٍ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا كَالْأُولَى. بَلْ هِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَمَلِ بِالْخَطِّ فِي الْوَصِيَّةِ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. قُلْت: فِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ إيمَاءٌ إلَى ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ شَرْطَ الشَّهَادَةِ: الْعِلْمُ. وَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْحَالُ هَذِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. أَمَّا لَوْ وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَصَّى: فَلَيْسَ فِي نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَمْنَعُهُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْخَطِّ بِشَرْطِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: تَجِبُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ وَارِثٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَنَقَلَ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: وُجُوبَهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ. قَوْلُهُ (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا. وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ) . يَعْنِي: فِي عُرْفِ النَّاسِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عَنْ غِنَى الْوَرَثَةِ: لَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: تُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ وَرَثَةً وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، لَا دُونَهَا. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: الْمُتَوَسِّطُ فِي الْمَالِ: هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي عُرْفِ النَّاسِ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: الْمُتَوَسِّطُ: مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَالْفَقِيرُ: مَنْ لَهُ دُونَهَا. وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مَنْ مَلَكَ مِنْ أَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَمِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ دُونَ أَلْفٍ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ فَقِيرٌ. قَوْلُهُ (بِخُمُسِ مَالِهِ) يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا: الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَوَارِثُهُ غَنِيٌّ: الْوَصِيَّةُ بِخُمُسِ مَالِهِ. وَقِيلَ: بِثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَ كَثْرَتِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: تُسَنُّ الْوَصِيَّةُ بِدُونِ الثُّلُثِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ. وَالْمُتَوَسِّطِ بِالْخُمُسِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْصَى بِالْخُمُسِ. وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ: فَالرُّبُعُ، أَوْ الثُّلُثُ. وَأَطْلَقَ فِي الْغُنْيَةِ: اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ. فَإِنْ كَانَ الْقَرِيبُ غَنِيًّا: فَلِلْمَسَاكِينِ، وَعَالِمٍ وَدَيْنٍ قَطَعَهُ عَنْ السَّبَبِ الْقَدَرُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ الْوَرَعُ الْحَرَكَةَ فِيهِ. وَانْقَلَبَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ فَتَرَكُوهُ، وَوَقَفُوا بِالْحَقِّ. انْتَهَى. وَكَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ دَلِيلَهُ عَامٌّ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ) . أَيْ: تُكْرَهُ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مَنْ تَرَكَ خَيْرًا. فَتُكْرَهُ لِلْفَقِيرِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُوصِي بِشَيْءٍ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: لَا يُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُكْرَهُ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ مُحْتَاجِينَ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ إطْلَاقُهُ فِي الْغُنْيَةِ اسْتِحْبَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ. وَتَقَدَّمَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ: فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِ الرَّدِّ، وَتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: تَجُوزُ بِمَالِهِ كُلِّهِ إذَا كَانَ وَارِثُهُ ذَا رَحِمٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَ فِي الْفَائِقِ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: بَنَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَبَنَاهُمَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ: هَلْ هُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ. أَوْ وَارِثٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: هُوَ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ: جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ وَارِثٌ: فَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً لَا غَيْرُ، وَأَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَرُدَّ: بَطَلَتْ فِي قَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ. ثُمَّ يَأْخُذُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ مِنْ الْبَاقِي. وَهُوَ الثُّلُثَانِ. فَيَأْخُذُ الرُّبُعَ، إنْ كَانَ زَوْجَةً. وَيَأْخُذُ النِّصْفَ، إنْ كَانَ زَوْجًا. ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ الْبَاقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ سِوَى الثُّلُثِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. حَيْثُ قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ وَقُلْنَا: بِعَدَمِ الرَّدِّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. فَلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: الْمَالُ كُلُّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الثُّلُثُ بِالْوَصِيَّةِ. ثُمَّ فَرْضُهُ مِنْ الْبَاقِي وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ الْوَصِيَّةُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) . يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُكْرَهُ.

قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْأُولَى. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. قُلْت: الْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ. وَلَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. قَوْلُهُ (إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) . يَعْنِي: أَنَّهَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. فَتَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَيْهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ. حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي التَّعْلِيقِ وَأَبَا الْخَطَّابَ فِي خِلَافِهِ وَالْمَجْدَ، وَجَمَاعَةً: لَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا. وَعَنْهُ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْفَائِقِ فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَرِوَايَةٌ فِي الْوَارِثِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ. وَفِيهِ قَوْلٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. فَيَكُونُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقًا لَمَا اخْتَارَهُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ. فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَصِحُّ مُعَاوَضَةُ مَرِيضٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ. وَعَنْهُ: مَعَ وَارِثٍ بِإِجَازَةٍ. اخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ. لِفَوَاتِ حَقِّهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِثْلُهَا وَصِيَّةٌ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ حَقِّهِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا: تَحَاصُّوا فِيهِ. وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ وَلَوْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ. فَعَلَيْهِمَا: هَلْ يَبْدَأُ بِالْكِتَابَةِ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِهَا، أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَغْلِيبًا لَيْسَ لِلْكِتَابَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا تَنْفِيذٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ: صَحِيحَةٌ، مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

فَعَلَى هَذَا: تَكُونُ إجَازَتُهُمْ تَنْفِيذًا، وَإِجَازَةً مَحْضَةً. يَكْفِي فِيهَا قَوْلُ الْوَارِثِ " أَجَزْت " أَوْ " أَمْضَيْت " أَوْ " نَفَّذْت " انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَصَّهَا فِي الِانْتِصَارِ بِالْوَارِثِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. فَعَلَى هَذَا: تَكُونُ هِبَةً. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا أَبُو الْفَرَجِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ: هَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ؟ . وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّارِحِ قَرِيبًا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ أَمَّا عَلَى الْبُطْلَانِ: فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْفِيذِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا أَشْبَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَمِنْهَا: عَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ " أَجَزْت " وَ " أَنْفَذْتُ " وَ " أَمْضَيْت " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَفْتَقِرُ إلَى الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي: أَنَّ فِي صِحَّتِهَا بِلَفْظِ " الْإِجَازَةِ " وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

وَمِنْهَا: لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْهِبَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهُ الرُّجُوعُ. وَمِنْهَا: هَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا لِلْمُجِيزِ؟ . فَفِي الْخِلَافِ لِلْقَاضِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ. وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ. وَلَكِنْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْجَهَالَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ، إنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: صَحَّتْ بِالْمَجْهُولِ، وَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ هِبَةٌ: فَوَجْهَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لِلْمُجَازِ عُتَقَاءُ: كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَجَازَ. وَلَوْ كَانَ أُنْثَى. فَائِدَةٌ: لَوْ كَسَبَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ: فَهُوَ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْعِتْقُ كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَمَةً، فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ: تَبِعَهَا الْوَلَدُ كَأُمِّ الْوَلَدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: لَا تَعْتِقُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ، فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ. صَحَّ الْوَقْفُ وَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا هِبَةٌ: فَهُوَ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، فَأَجَازَ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَحْنَثُ. وَمِنْهَا: لَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، ثُمَّ أُجِيزَتْ. فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا إذَا أُجِيزَ، هَلْ يُزَاحَمُ بِالزَّائِدِ الَّذِي لَمْ يُجَاوِزْ، أَوْ لَا؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَاسْتُشْكِلَ تَوْجِيهُهُ عَلَى الْأَصْحَابِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعَنَا وَصِيَّتَانِ. إحْدَاهُمَا: مُجَاوِزَةٌ لِلثُّلُثِ، وَالْأُخْرَى: لَا تُجَاوِزُهُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً. فَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ: زَاحَمَ صَاحِبُ النِّصْفِ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ. فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ. لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلِلْآخَرِ خُمُسَاهُ. ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ نِصْفُهُ بِالْإِجَازَةِ. وَإِنْ قُلْنَا الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ: فَإِنَّمَا يُزَاحَمُ بِثُلُثٍ خَاصٍّ. إذْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ. لَمْ تُتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يُزَاحِمُ بِهَا الْوَصَايَا فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثُهُ بِالْإِجَازَةِ، أَيْ يُعْطَى ثُلُثًا زَائِدًا عَلَى السُّدُسِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. قَالَ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ عَطِيَّةٌ أَوْ تَنْفِيذٌ. فَيُفَرَّعُ عَلَى هَذَا: الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ وَصِحَّتِهَا، كَمَا سَبَقَ. انْتَهَى.

وَقَدْ تَكَلَّمَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُرَّاسَةٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. وَمَا قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ: صَحِيحٌ وَاضِحٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ الْمُزَاحَمَةِ: إنَّمَا هُوَ فِي الثُّلُثَيْنِ. وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَخْتَصُّ بِهِمَا، وَالْمُجِيزُ يُشْرِكُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا. أَمَّا الثُّلُثُ: فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ [أَنَّ هَذَا أَقْوَى وَأَوْلَى. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، فِي أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مُطْلَقًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ، أَوْ لَهُ بِكُلِّ مَالِهِ. وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ. فَقَدْ قَطَعَ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ إذَا رَدُّوا الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ. الثُّلُثَ وَيَأْخُذُ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارِ مَا يَأْخُذُهُ لَوْ رَدُّوا. فَعَلَى هَذَا: الْمُزَاحَمَةُ فِي الثُّلُثِ بِالزَّائِدِ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ طَرِيقَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ إنَّمَا. لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُحَرَّرِ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مَسْكُوتٌ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ: بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ تَنْفِيذٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِهِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ كَلَامُهُ يَقْتَضِي انْعِكَاسَ.] وَمِنْهَا: لَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَصِيَّةَ مَوْرُوثِهِ.

فَإِنْ قُلْنَا: إجَازَتُهُ عَطِيَّةً: فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ تَنْفِيذٌ: فَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمَجْدُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَهُمَا مُنَزَّلَانِ عَلَى أَصْلِ الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْإِجَازَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقَدْ يُنَزَّلَانِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمُوصَى بِهِ أَمْ تَمْنَعُ الْوَصِيَّةُ الِانْتِقَالَ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ. فَالْإِجَازَةُ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَمِنْهَا إجَازَةُ الْمُفْلِسِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هِيَ نَافِذَةٌ. وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّنْفِيذِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَا يَبْعُدُ عَلَى الْقَاضِي فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ لَا يَنْفُذَ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي الشُّفْعَةِ. وَمِنْهَا: إجَازَةُ السَّفِيهِ نَافِذَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. لَا عَلَى الثَّانِيَةِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ مُطْلَقًا. وَكَذَا صَاحِبُ الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَإِنْ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا: بَطَلَتْ. لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْمَوْتِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ خِلَافًا ضَعِيفًا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْوَصِيَّةِ، كَمَا حَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، رِوَايَةً: أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَالِ

الصِّحَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَلَا تَصِحُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَطِيَّةَ الْمُنْجَزَةَ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي مَرَضِهِ. خَرَّجَهَا الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ مِنْ إذْنِ الشَّفِيعِ فِي الشِّرَاءِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَبَّهَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ. فَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهَا صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ) يَعْنِي: إذَا كَانَتْ جُزْءًا مُشَاعًا. (ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْت لِأَنَّنِي ظَنَنْت الْمَالَ قَلِيلًا: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ. فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْفَوَائِدِ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا؟

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) . يَعْنِي تَشْهَدَ بِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِزِيَادَتِهِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. وَهَذَا إذَا قُلْنَا: الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا هِيَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ: فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي مِثْلِهِ فِي الْهِبَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْفَوَائِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَبْلَغًا مُقَدَّرًا. (فَقَالَ: ظَنَنْت بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَوْ قَالَ: ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا. فَبَانَ أَكْثَرَ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ. قَالَ: وَإِنْ أَجَازَ، وَقَالَ: أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ: قُبِلَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ: فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) . اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَاحِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَوَاضِعَ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلْوَصِيَّةِ قَبُولٌ. فَيَمْلِكُهُ قَهْرًا كَالْمِيرَاثِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ. حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِلَا قَبُولِهِ كَالْمِيرَاثِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: وَطْؤُهُ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِهَا: قَبُولٌ، كَرَجْعَةٍ، وَبَيْعِ خِيَارٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَكْفِي الْفِعْلُ قَبُولًا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ فِي الْمُبْهَمِ بِدُونِ قَبْضٍ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا ثَالِثًا: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ، سَوَاءٌ كَانَ مُبْهَمًا، أَوْ لَا. كَالْهِبَةِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ: يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ. لِأَنَّ سَبَبَ الْمَلِكِ قَدْ اسْتَقَرَّ لَهُ اسْتِقْرَارًا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ مِنْ وَارِثِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَصْحَاب فِيمَا نَعْلَمُهُ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا. فَأَمَّا إذَا كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ الْمَسَاكِينِ مَثَلًا أَوْ لِغَيْرِ آدَمِيٍّ كَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ. قَوْلًا وَاحِدًا.

وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَتَى يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ إذَا قَبِلَ؟ . فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: يَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ، إذَا كَانَ الْمَالُ عَيْنًا حَاضِرَةً يُتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: فِي رَجُلٍ تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ. وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالْعَبْدِ. فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّجُلِ: وَجَبَ الْعَبْدُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ الْوَرَثَةِ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ: لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِمْ بِدُونِ الْقَبْضِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ. أَشْبَهَ الدَّيْنَ وَالْغَائِبَ وَنَحْوَهُمَا، مِمَّا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ زَادَتْ التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ: فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ نَقَصَتْ: لَمْ يُحْسَبْ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَتْ التَّرِكَةُ مَا بَقِيَ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَعَلَّلَهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ، بِلَا نِزَاعٍ. لِأَنَّ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَتَفْرِيغِهَا قَبْلَهُ، لِوُجُودِ الشَّغْلِ فِي الْحَالَيْنِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ الثَّالِثَةُ: لَا تَنْعَقِدُ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِقَوْلِهِ " فَوَّضْت " أَوْ " وَصَّيْت " إلَيْك، أَوْ " إلَى زَيْدٍ بِكَذَا " أَوْ " أَنْتَ " أَوْ " هُوَ " أَوْ " جَعَلْته " أَوْ " جَعَلْتُك وَصِيِّي " أَوْ " أَعْطُوهُ

مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي كَذَا " أَوْ " ادْفَعُوهُ إلَيْهِ " أَوْ " جَعَلْته لَهُ " أَوْ " هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي " أَوْ " هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي " وَنَحْوَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ: بَطَلَتْ أَيْضًا) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ رَدَّهَا بَعْدَ قَبُولِهِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الْمَجْدِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ رَدُّهُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَصِحُّ رَدُّهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ كَانَ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ: لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ. وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَأَوْرَدَهُ الْمَجْدُ: مَذْهَبًا. فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يَقْبَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا رَدَّ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ، أَوْ الرَّدِّ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَسَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي. وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. قَالَهُ الْمَجْدُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ) . يَعْنِي: فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ مَنْصُورٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ. وَحَكَى الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجْهًا: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ بِلَا قَبُولٍ كَالْخِيَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ: ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ. فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حِينَ الْمَوْتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَوْ وَصَّى بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ الْمُوصَى لَهُ زَمَانًا: قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ. لَا وَقْتَ الْأَخْذِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبُولِ عَقِبَ الْمَوْتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ.

وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: أَنَّ الْمِلْكَ مُرَاعًى. فَإِذَا قَبِلَ: تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَحَكَى الشَّرِيفُ عَنْ شَيْخِهِ، أَنَّهُ قَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْوَجِيزِ الْمُتَقَدِّمُ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: بِأَنَّهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ (قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَرَثَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَكُونُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْبَقَاءِ لِلْمَيِّتِ: قَالَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ فِيهَا. وَقَالَ: وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيِّ، وَمَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا: مِنْهَا: حُكْمُ نَمَائِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ: فَهُوَ لَهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ. إنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ: فَتَتَوَفَّرُ بِهِ التَّرِكَةُ فَيَزْدَادُ بِهِ الثُّلُثُ.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ وَصَّى بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، وَثَمَنُهُ عَشْرَةٌ. فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. فَكَسَبَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ خَمْسَةً: دَخَلَهُ الدَّوْرُ. فَتُجْعَلُ الْوَصِيَّةُ شَيْئًا. فَتَصِيرُ التَّرِكَةُ عَشْرَةً وَنِصْفَ شَيْءٍ، تَعْدِلُ الْوَصِيَّةَ وَالْمِيرَاثَ، وَهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ. فَيَخْرُجُ الشَّيْءُ أَرْبَعَةً بِقَدْرِ خُمُسِ الْعَبْدِ. وَهُوَ الْوَصِيَّةُ. وَتَزْدَادُ التَّرِكَةُ مِنْ الْعَبْدِ دِرْهَمَيْنِ. فَأَمَّا بَقِيَّتُهُ: فَزَادَتْ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ: فَهُوَ لَهُمْ خَاصَّةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لَا يَتَقَدَّمُ الْقَبُولَ، وَأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ، مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ. فَلَا يَتَوَفَّرُ الثُّلُثُ. وَذَكَرَ أَيْضًا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُرَاعًى، وَأَنَّا نَتَبَيَّنُ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ مِلْكَهُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. فَإِنَّ النَّمَاءَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ. فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ الْأَصْلِ فَهُمَا لَهُ. وَإِلَّا كَانَ لَهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: إذَا نَمَا الْمُوصَى وَقْفُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ إيقَافِهِ: فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْوَقْفِ. لِأَنَّ نَمَاءَهُ قَبْلَ الْوَقْفِ كَنَمَائِهِ بَعْدَهُ. وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ السَّائِمَةِ الْمَوْقُوفَةِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ. وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِدَرَاهِمَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَا يُوقَفُ. فَاتَّجَرَ بِهَا الْوَصِيُّ. فَقَالُوا: رِبْحُهُ مَعَ أَصْلِ الْمَالِ فِيمَا وَصَّى بِهِ. وَإِنْ خَسِرَ ضَمِنَ النَّقْصَ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَقِيلَ: رِبْحُهُ إرْثٌ.

وَمِنْهَا: لَوْ نَقَصَ الْمُوصَى بِهِ فِي سِعْرٍ أَوْ صِفَةٍ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ: اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ. اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبُولِ سِعْرًا وَصِفَةً. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ. وَلَمْ يَحْكِ فِي الْمُغْنِي فِيهِ خِلَافًا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْدِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقَوَّمُ بِسُعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَقْتَ الْمَوْتِ خَاصَّةً. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْأَخْذِ ". وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ. فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَأَوْلَدَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ. وَوَلَدُهُ حُرٌّ. لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصَى لَهُ. هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقَبُولِ. وَيَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. وَمِنْهَا لَوْ وَطِئَهَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ. فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ. وَنِكَاحُهُ بَاقٍ إنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهَا بِالْمَوْتِ، فَوَلَدُهُ حُرٌّ. وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ، وَيَبْطُلُ نِكَاحُهُ بِالْمَوْتِ. وَمِنْهَا. لَوْ وَصَّى لَهُ بِأَبِيهِ. فَمَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ. فَقَبِلَ ابْنُهُ، وَقُلْنَا: يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ: عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ. وَلَمْ يَرِثْ شَيْئًا. إذَا قُلْنَا: إنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ. وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ: فَقَدْ عَتَقَ بِهِ فَيَكُونُ حُرًّا عِنْدَ مَوْتِ أَبِيهِ. فَيَرِثُ مِنْهُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْمَيِّتِ. فَتُوَفَّى مِنْهُ دُيُونُهُ وَوَصَايَاهُ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ: هُوَ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ الَّذِي قَبِلَ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. لِأَنَّ التَّمْلِيكَ حَصَلَ لَهُ. فَكَيْفَ يَصِحُّ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً لِغَيْرِهِ؟ . وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِأَرْضٍ. فَبَنَى الْوَارِثُ فِيهَا وَغَرَسَ قَبْلَ الْقَبُولِ، ثُمَّ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ. فَفِي الْإِرْشَادِ: إنْ كَانَ الْوَارِثُ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ: قُلِعَ بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ مَجَّانًا. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ بِالْمَوْتِ. أَمَّا إنْ قِيلَ هِيَ قَبْلَ الْقَبُولِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ: فَهُوَ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ وَغَرْسِهِ. فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا، يُتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَمِنْهَا: لَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ: فَهُوَ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. وَمِنْهَا: جَرَيَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ: جَرَى فِي حَوْلِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلْوَرَثَةِ، فَهَلْ يَجْرِي فِي حَوْلِهِمْ، حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ سَنَةً كَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَتَزَلْزُلِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ. فَهُوَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهِ تَرَدُّدٌ. قُلْت: الثَّانِي أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ فِي الْمُوصَى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي، أَوْ مَا أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ: كَانَ رُجُوعًا) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. (وَإِنْ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. فَهُوَ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ لِلثَّانِي خَاصَّةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُؤْخَذُ بِآخِرِ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: هُوَ لِلْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَيُّهُمَا مَاتَ، أَوْ رَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: كَانَ لِلْآخَرِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَهُوَ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ. .

فوائد أوجبه في البيع أو الهبة فلم يقبل فيهما

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ رَهَنَهُ: كَانَ رُجُوعًا) إذَا بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ: كَانَ رُجُوعًا بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إنْ رَهَنَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ. [فَوَائِدُ أَوْجَبَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِمَا] فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ أَوْجَبَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ، فَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِمَا، أَوْ عَرَضَهُ لِبَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ، أَوْ عِتْقِهِ أَوْ هِبَتِهِ: كَانَ رُجُوعًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِيمَا إذَا أَوْجَبَهُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ وَهَبَهُ، وَلَمْ يَقْبَلْ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ كَإِيجَارِهِ وَتَزْوِيجِهِ، وَمُجَرَّدِ لُبْسِهِ وَسُكْنَاهُ. وَكَوَصِيَّتِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَيَتْلَفُ، أَوْ يَبِيعُهُ ثُمَّ يَمْلِكُ مَالًا غَيْرَهُ. فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فِيمَا إذَا أَوْجَبَهُ فِي بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ رَهْنٍ: فَلَمْ يَقْبَلْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " مَا أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ " فَرُجُوعٌ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَارِثِيُّ، وَنَصَرَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا هُوَ حَاضِرٌ. بَلْ فِيمَا عِنْدَ الْمَوْتِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ) إذَا كَاتَبَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ رُجُوعٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابَةِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ فِيهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ ذَلِكَ بِرُجُوعٍ. وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ رُجُوعٌ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا عُلِمَ. وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ، فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ، أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ، أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ وَزَالَ اسْمُهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهَيْنِ)

اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ. فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ، وَخَبَزَ الدَّقِيقَ وَنَحْوَهُ. وَكَذَا لَوْ زَالَ اسْمُهُ بِنَفْسِهِ. كَانْهِدَامِ الدَّارِ أَوْ بَعْضِهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ وَصَّى لَهُ بِرِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ خَلَطَهُ بِزَيْتٍ آخَرَ. فَإِنْ قُلْنَا هُوَ اشْتِرَاكٌ: لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ قُلْنَا هُوَ اسْتِهْلَاكٌ: بَطَلَتْ. وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا عَمِلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، أَوْ بَنَى، أَوْ غَرَسَ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ رُجُوعٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ مُطْلَقًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي غَيْرِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ بِرُجُوعٍ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْأَصَحِّ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَصَّى لَهُ بِدَارٍ، فَانْهَدَمَتْ فَأَعَادَهَا. فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَلَا تَعُودُ بِعَوْدِ الْبِنَاءِ. وَيَتَوَجَّهُ عَوْدُهَا إنْ أَعَادَهَا بِآلَتِهَا الْقَدِيمَةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ حَالٍ. الثَّانِيَةُ: وَطْءُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ إذَا لَمْ تَحْمِلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَفِي الْمُغْنِي: احْتِمَالٌ بِالرُّجُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ، فَوَطِئَهَا وَعَزَلَ عَنْهَا وَقِيلَ: أَوْ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَلَمْ تَحْبَلْ: فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ. ثُمَّ خَلَطَ الصُّبْرَةَ بِأُخْرَى لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا) . سَوَاءٌ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ أَوْصَى بِطَعَامٍ، فَخَلَطَهُ بِغَيْرِهِ: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: هُوَ رُجُوعٌ مُطْلَقًا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي خَلْطِهِ بِمِثْلِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَالَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْخَلْطَ هَلْ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ، أَوْ اشْتِرَاكٌ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ اشْتِرَاكٌ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَإِلَّا كَانَ رُجُوعًا. قُلْت: تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ وَقِيلَ: هُوَ رُجُوعٌ إنْ خَلَطَهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مَفْهُومُ إيرَادِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا خَلَطَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ أَوْصَى بِقَفِيزٍ مِنْهَا، ثُمَّ خَلَطَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا: فَقَدْ رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ خَلَطَهَا بِأَرْدَأِ مِنْهَا صِفَةً: فَقَدْ رَجَعَ. وَإِنْ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا فِي الصِّفَةِ: فَلَا. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ بِحَالٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ، فَخَلَطَهَا بِطَعَامٍ غَيْرِهَا: فَفِيهِ وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ رُجُوعًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ رُجُوعًا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ خَلَطَ الْحِنْطَةَ الْمُعَيَّنَةَ بِحِنْطَةٍ أُخْرَى: فَهُوَ رُجُوعٌ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ خَلَطَهَا مِنْ الطَّعَامِ بِمِثْلِهَا قَدْرًا وَصِفَةً: فَعَدَمُ الرُّجُوعِ أَظْهَرُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا قَدْرًا أَوْ صِفَةً أَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ: فَالرُّجُوعُ أَظْهَرُ. لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ بِالْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ فِي الدَّارِ عِمَارَةً، أَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا: فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ، عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَة، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فِيمَا إذَا زَادَ فِيهَا عِمَارَةً. أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيمَا إذَا زَادَ فِي الدَّارِ عِمَارَةً لَا يَأْخُذُ نَمَاءً مُنْفَصِلًا. وَفِي مُتَّصِلٍ: وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقُلْت: الْأَنْقَاضُ لَهُ، وَالْعِمَارَةُ إرْثٌ. وَقِيلَ: إنْ صَارَتْ فَضَاءً فِي حَيَاةِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ بَقِيَ اسْمُهَا أَخَذَهَا إلَّا مَا انْفَصَلَ مِنْهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ بَنَى الْوَارِثُ فِي الدَّارِ وَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَقِيلَ:

يَرْجِعُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ الدَّارِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ عِمَارَتِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ جَهِلَ الْوَصِيَّةَ فَلَهُ قِيمَتُهُ غَيْرَ مَقْلُوعٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ: دَخَلَ فِيهَا مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ صَدَقَةَ فِيمَنْ أَوْصَى بِكَرْمٍ وَفِيهِ حَمْلٌ: فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ. وَنَقَلَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَ يَوْمَ وَصَّى بِهِ لَهُ فِيهِ حَمْلٌ: فَهُوَ لَهُ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصًى بِهَا. لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهُوَ لَهُ. فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي: فَهُوَ لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوع، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَفِي الْآخَرِ: هُوَ لِلْقَادِمِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَتَخْرُجُ الْوَاجِبَاتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) ، أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ فَإِنْ وَصَّى مَعَهَا بِتَبَرُّعٍ: (اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنْ الْبَاقِي، بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ فِي حَجٍّ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَزَكَاةٍ، وَكَفَّارَةٍ مِنْ الثُّلُثِ. وَنَقَلَ أَيْضًا: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. مَعَ عِلْمِ الْوَرَثَةِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ فِي زَكَاةٍ: مِنْ كُلِّهِ مَعَ الصَّدَقَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَفِ مَالُهُ بِالْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ: تَحَاصُّوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: يَبْدَأُ بِالدَّيْنِ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلًا كَتَقْدِيمِهِ بِالرَّهِينَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ، فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَلْيُرَاجَعْ. وَتَقَدَّمَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَضَاقَ الْمَالُ عَنْ ذَلِكَ، فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ. الثَّانِيَةُ: الْمُخْرِجُ لِذَلِكَ: وَصِيَّتُهُ، ثُمَّ وَارِثُهُ. ثُمَّ الْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْحَاكِمُ بَعْدَ الْوَصِيِّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ. فَإِنْ أَخْرَجَهُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنٍ: أَجْزَأَ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوع. قُلْت: الصَّوَابُ الْإِجْزَاءُ. وَتَقَدَّمَ فِي حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثَيْ) فَقَالَ الْقَاضِي: يُبْدَأُ بِهِ. (فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ: فَهُوَ لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) . يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيز، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَاحِمُ بِهِ أَصْحَابَ الْوَصَايَا. وَتَابَعَهُ السَّامِرِيُّ. قَالَ الشَّارِحُ: فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَ الْقَاضِي. وَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. يَعْنِي: أَنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَيُتَمَّمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ. وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ " فَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا " لِأَنَّ الْمُزَاحَمَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: بَلْ. يَتَزَاحَمَانِ فِيهِ. وَيُتَمَّمُ الْوَاجِبُ مِنْ ثُلُثَيْهِ. وَقِيلَ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: يَتَقَاصَّانِ. وَيُتَمَّمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقِيلَ: مِنْ ثُلُثَيْهِ.

باب الموصى له

[بَابُ الْمُوصَى لَهُ] ُ قَوْلُهُ (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ: مِنْ مُسْلِمٍ، وَذِمِّيٍّ وَمُرْتَدٍّ، وَحَرْبِيٍّ) . تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا. أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ فَلَا تَصِحُّ. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ. وَكَذَا الْحَرْبِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَدُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَمَّا الْمُرْتَدُّ: فَاخْتَارَ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْفُرُوعِ: تَصِحُّ لِمَنْ صَحَّ تَمَلُّكُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ بَقِيَ مِلْكُهُ: صَحَّ الْإِيصَاءُ لَهُ كَالْهِبَةِ لَهُ مُطْلَقًا. وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ: فَلَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ: فِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ وَبَقَائِهِ. فَإِنْ قِيلَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ عَدَمَ الْبِنَاءِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ: فَقَالَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهُ: جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ كَالْهِبَةِ إجْمَاعًا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: تَصِحُّ لِأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ تَصِحُّ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ حَرْبٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِالْقِتَالِ وَالْمُظَاهَرَةِ: صَحَّتْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. فَائِدَةٌ: لَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ بِمُصْحَفٍ، وَلَا بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ. فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا، أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ. وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِتْقِ: بَطَلَتْ أَيْضًا، إنْ قِيلَ بِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ، وَمُدَبَّرِهِ) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ صَحَّتْ، وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْمُدَبَّرِ: بُدِئَ، بِنَفْسِهِ. فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ بَعْضُهُ وَيَمْلِكُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ لِأُمِّ وَلَدِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. كَوَصِيَّتِهِ: أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ عَلَى وَلَدِهَا. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَ عَدَمَ تَزَوُّجِهَا، فَلَمْ تَتَزَوَّجْ. وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ

فَقِيلَ: تَبْطُلُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، بَعْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ ". قَالَ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ قَبْلَ آخِرِهِ بِقَرِيبٍ مِنْ كَرَاسِينَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا مَالًا يَعْنِي إلَى زَوْجَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَتَزَوَّجَتْ، تَرُدُّ الْمَالَ إلَى وَرَثَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ: وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا: رَدَّهُ إذَا تَزَوَّجَ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَتَزَوَّجَتْ: رَدَّتْهُ إلَى وَرَثَتِهِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. انْتَهَى. فَقِيَاسُ هَذَا النَّصِّ: أَنَّ أُمَّ وَلَدِهِ تَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْوَصِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ. فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِرَدِّهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ كَوَصِيَّتِهِ بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ. فَمَاتَ، وَقَالَتْ لَا أَتَزَوَّجُ: عَتَقَتْ. فَإِذَا تَزَوَّجَتْ: لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا. قَوْلًا وَاحِدًا. عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: يُحْتَمَلُ الرَّدُّ إلَى الرِّقِّ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَنَصَرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَارِثِيِّ قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنٍّ زَمَنَهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدِ وَارِثِهِ وَقَاتِلِهِ. فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لَهُمَا، مَا لَمْ يَصِرْ حُرًّا وَقْتَ نَقْلِ الْمِلْكِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهُ. سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا قُلْنَا يَمْلِكُ. فَقَالَ: وَتَصِحُّ لِعَبْدٍ إنْ مَلَكَ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي فَوَائِدِ الْعَبْدِ: هَلْ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ؟ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبِلَهَا فَهِيَ لِسَيِّدِهِ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي. فَإِنْ كَانَ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِهِ: فَهِيَ لَهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ: فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَوَائِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ: فَهِيَ لِسَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهَا لِلْعَبْدِ. ثُمَّ قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَاخْتِصَاصُ الْعَبْدِ أَظْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: الْمَالُ لِلسَّيِّدِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَبِلَ السَّيِّدُ لِنَفْسِهِ: لَمْ يَصِحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَلَا يَفْتَقِرُ قَبُولُ الْعَبْدِ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بَلَى. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمُشَاعٍ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ لِقِنٍّ زَمَنَ الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ فِي صِحَّةِ عِتْقِهِ، وَوَصِيَّتُهُ لِعَبْدِهِ بِمُشَاعٍ: رِوَايَتَيْنِ، مِنْ قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ " أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " فِي بَابِ الْمُدَبَّرِ. فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لَوْ وَصَّى لَهُ بِرُبُعِ مَالِهِ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلَهُ سِوَاهُ ثَمَانُمِائَةٍ: عَتَقَ. وَأَخَذَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ. هَذَا الصَّحِيحُ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يُعْطَى مِائَتَيْنِ تَكْمِيلًا. لِعِتْقِهِ بِالسِّرَايَةِ مِنْ تَمَامِ الثُّلُثِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ رُبُعُهُ، وَيَرِثَ بَقِيَّتَهُ. وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ. لِأَنَّهَا لِسَيِّدِهِ الْوَارِثِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِلْعَبْدِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ. وَيُعْتَقُ بِقَبُولٍ، إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ، أَوْ بِمِائَةٍ: لَمْ تَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَصِحُّ) . وَصَرَّحَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَمَنْ بَعْدَهُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. فَعَلَيْهَا يُشْتَرَى مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَقُ. وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: يُعْطَى ثُلُثَ الْمُعَيَّنِ إنْ خَرَجَا مَعَهُ مِنْ الثُّلُثِ. فَإِنْ بَاعَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْمِائَةُ لَهُمْ، إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْمُبْتَاعُ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. إذَا وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ، فَعَنْهُ: كَمَا لَهُ. وَعَنْهُ يُشْتَرَى، وَيُعْتَقُ. وَكَوْنُهُ كَمَا لَهُ: قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. تَنْبِيهٌ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَى الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ: هَلْ يَمْلِكُ، أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ: صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الصِّحَّةَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ، أَوْ الْمُقَدَّرُ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بِعَيْنِهِ. فَيَعُودُ إلَى الْجُزْءِ الْمُشَاعِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِهِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعَبْدِ: هَلْ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ، إذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَصِيَّةِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ الْوَصِيَّةُ لَهُ تَعَلُّقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ، أَوْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْوَلِيِّ لَهُ؟ . وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِي بَعْضِ كَلَامِهِ فِيهِ وَجْهَانِ.

وَصَرَّحَ أَبُو الْمَعَالِي ابْنُ مُنَجَّا بِالثَّانِي، وَقَالَ: يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ مَالًا زَكَوِيًّا. وَكَذَلِكَ فِي الْمَمْلُوكِ بِالْإِرْثِ. وَحَكَى وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ، حَتَّى يُوضَعَ. لِلتَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ حَيًّا مَالِكًا كَالْمُكَاتَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيعُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا، أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَلَا سَيِّدٍ يَطَؤُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَتَصِحُّ لِحَمْلٍ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ قَبْلَهَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ. لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي وُجُودِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ

أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ صَحَّتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِرَاشًا أَوْ بَائِنًا. لِأَنَّا نَتَحَقَّقُ وُجُودَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، جَزْمًا. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ " هَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِدَدِ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ: سَنَتَانِ، فَبِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ. وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَالْأَوْلَى: أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهَا. وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّا. وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا لِكَوْنِهِ غَائِبًا فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ، أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، أَوْ كَانَ أَسِيرًا، أَوْ مَحْبُوسًا، أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ يَطَؤُهَا، أَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ: فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مَتَى أَتَتْ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، أَوْ وَقْتَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ مِثْلَ أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ غَالِبِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ تَكُونُ أَمَارَاتُ الْحَمْلِ ظَاهِرَةً، أَوْ أَتَتْ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا بِأَمَارَاتِ الْحَمْلِ، بِحَيْثُ يُحْكَمُ لَهَا بِكَوْنِهَا حَامِلًا: صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، إلَّا أَنْ تَضَعَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ: إذَا مَا وَضَعَتْهُ بَعْدَهَا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَلَمْ يُلْحَقْ نَسَبُهُ إلَّا بِتَقْدِيرِ وَطْءٍ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ: صَحَّتْ لَهُ أَيْضًا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا وَطْءَ فَوَجْهَانِ. مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةٌ لِحَمْلٍ إلَّا أَنْ يُولَدَ حَيًّا قَبْلَ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ وَصَّى لَهُ. وَإِنْ وُلِدَ بَعْدَهَا قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مَا لَمْ يُلْحَقْ الْوَاطِئَ نَسَبُهُ إلَّا بِوَطْءٍ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ: صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ وُلِدَ لِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَأَقَلَّ، وَلَا وَطْءَ إذًا: فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ لَهُ إلَّا أَنْ يُولَدَ حَيًّا قَبْلَ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ الْوَصِيَّةِ. وَإِنْ وُلِدَ بَعْدَهَا قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ إذَا لَمْ يُلْحَقْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ حِينِ الْفُرْقَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَلْحَقْهُ. فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ الْفُرْقَةِ لَحِقَهُ. وَصَحَّتْ. وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ يَلْحَقُهُ: صَحَّتْ. وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ، أَوْ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ فَلَا. وَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، وَمَا يَطَؤُهَا لِبُعْدٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ أَسْرٍ، أَوْ حَبْسٍ لَحِقَهُ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ.

وَقِيلَ: وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَهُ إنْ ظَنَنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَصِيَّةِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ " وَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ " بِأَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ " وَلَا بُدَّ مِنْهَا. فَإِنَّهَا إذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ: عُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا. لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَالصَّوَابُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْأَصْحَابُ. وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: انْعَكَسَ عَلَى ابْنِ مُنَجَّا الْأَمْرُ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى: تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ: فَتَأَتَّى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْمُوصَى بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ: فَلَهُ كَذَا. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى: فَكَذَا " فَكَانَ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَلَهُمَا مَا شَرَطَ. وَلَوْ كَانَ قَالَ " إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرٌ: فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك أُنْثَى: فَلَهُ كَذَا " فَكَانَ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى: فَلَا شَيْءَ لَهُمَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ كَانَ خُنْثَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَالَ فِي الْكَافِي: لَهُ مَا لِلْأُنْثَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ . قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ: لَمْ تَصِحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ، وَصِحَّتُهَا بِهِمَا أَيْضًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ بِالْأَصَالَةِ، كَ " مَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ " صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَفِي دُخُولِ الْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: رِوَايَتَانِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ وَصَّى لِمَوَالِيهِ، وَلَهُ مُدَبَّرُونَ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ. وَعُلِّلَ بِأَنَّهُمْ أَمْوَالٌ حَالَ الْمَوْتِ. وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَوْتِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُتَجَدِّدِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، قَالَ: بَلْ هَذَا مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَمَنْعُهُ أَوْلَى. وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: بِدُخُولِ الْمَعْدُومِ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا. كَمَنْ وَصَّى بِغَلَّةِ ثَمَرِهِ لِلْفُقَرَاءِ، إلَى أَنْ يَحْدُثَ لِوَلَدِهِ وَلَدٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ. أَوْ قَالَ " لِجَارِي " أَوْ " قَرِيبِي فُلَانٍ " بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ. كَقَوْلِهِ " أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا " فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِيمَا إذَا قَالَ " لِجَارِي، أَوْ قَرِيبِي فُلَانٍ " بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ، أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: لَا تَصِحُّ، لِلْإِبْهَامِ. وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ فِي غَيْرِ الْأُولَى: الْقَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، وَابْنُ رَجَبٍ وَتَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا كَلَامُ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: فَقِيلَ يُعَيِّنُهُ الْوَرَثَةُ. جَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُعَيَّنُ بِقُرْعَةٍ. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَوَاعِدِ الْأُصُولِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَالَ " عَبْدِي غَانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى " وَلَهُ مِائَةٌ، وَلَهُ عَبْدَانِ بِهَذَا الِاسْمِ: عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ. وَلَا شَيْءَ لَهُ. نَقَلَهُ يَعْقُوبُ، وَحَنْبَلٌ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: هِيَ لَهُ مِنْ ثُلُثِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ " لِجَارِي فُلَانٍ " بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا: أَنَّهُ أَرَادَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا، وَأُشْكِلَ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ: فَهُنَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ. وَيَخْرُجُ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: بَطَلَتْ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ: لَمْ تَبْطُلْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى قَوْلُهُ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ: رِوَايَتَانِ) . قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: فِي الْحَالَيْنِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ رِوَايَتَانِ، سَوَاءً أَوْصَى لَهُ قَبْلَ الْجُرْحِ، أَوْ بَعْدَهُ. إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. فَتَلَخَّصَ لَنَا فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَعَدَمُهَا مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُوصَى لَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ: فَيَصِحُّ، وَقَبْلَهُ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فِيمَا إذَا أَبْرَأَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: الْوَصِيَّةُ وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِرْثِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ إذَا قُتِلَ وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ: هَلْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ، وَقَتَلَ سَيِّدَهُ أَوْ جَرَحَهُ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يَبْطُلُ تَدْبِيرُ الْعَبْدِ، دُونَ الْأَمَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جَعَلَ التَّدْبِيرَ عِتْقًا بِصِفَةٍ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا. وَيَأْتِي هَذَا آخِرَ التَّدْبِيرِ مُحَرَّرًا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، أَوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ: صَحَّ. وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْقَدْرَ الَّذِي يُعْطَاهُ فِي الزَّكَاةِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْفَقِيرِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ فِي الْمَنْصُوصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ هُنَاكَ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. هُنَا. وَقَالَ، وَقِيلَ: يُعْطَى كُلَّ صِنْفٍ ثُمُنٌ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. فَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازَ زِيَادَةِ الْمِسْكِينِ عَلَى خَمْسِينَ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا فِي الزَّكَاةِ. ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ. وَهَذَا مِثْلُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ هُنَا: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ: دَخَلَ الْمَسَاكِينُ وَكَذَا عَكْسُهُ يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ. وَحُكْمُ الْقَدْرِ الَّذِي يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ مِنْ الْوَصِيَّةِ: حُكْمُ مَا يُعْطَى مِنْ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ: فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ: الرِّقَابُ، وَالْغَارِمُونَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنُ السَّبِيلِ: مَصَارِفُ الزَّكَاةِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. فَيُعْطَى فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى لِمَنْ يَفْدِيهِمْ

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَوْ يُوَفَّى مَا اُسْتُدِينَ فِيهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا إذَا أَوْصَى لِجَمِيعِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِأَجْمَعِهِمْ. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ، فَتُعْطَى الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ. أَعْنِي أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْإِعْطَاءِ. لِدُخُولِهِمْ فِي كَلَامِهِ. وَحُكْمُ إعْطَائِهِمْ هُنَا كَالزَّكَاةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى لِكُلِّ صِنْفٍ ثُمُنَ الْوَصِيَّةِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِثَمَانِ قَبَائِلَ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ أَنَّ آيَةَ الزَّكَاةِ: أُرِيدَ فِيهَا بَيَانُ مَنْ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ أُرِيدَ بِهَا: بَيَانُ مَنْ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وَصَّى لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةِ: فَلِكُلِّ صِنْفٍ الثُّمُنُ. وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ. وَقِيلَ: بَلْ وَاحِدٌ. وَيُسْتَحَبُّ إعْطَاءُ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَتَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي. وَلَا يُعْطَى إلَّا مُسْتَحِقٌّ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ. انْتَهَى. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ كَالزَّكَاةِ. وَالْأَقْوَى: أَنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ ثُمُنًا. قَالَ: وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ الصِّنْفِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لَكِنْ لَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ: صَحَّ وَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ: رُدَّ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ بَاقِيهِ، إلَى الْوَرَثَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى فَرَسٍ آخَرَ حَبِيسٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ: صُرِفَ فِي الْقُرَبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ عَنْهُ: يُصْرَفُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ: فِي أَقَارِبِهِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقُيِّدَ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرُهُ الْأَقَارِبُ بِاَلَّذِينَ لَا يَرِثُونَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ: فِدَاءُ الْأَسْرَى، مَكَانَ الْحَجِّ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، جُزْءٌ فِي الْحَجِّ، وَجُزْءٌ فِي الْجِهَادِ، وَجُزْءٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ فِي أَقَارِبِهِ. زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالْمَسَاكِينِ. وَعَنْهُ: يُصْرَفُ فِي الْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَفِدَاءِ الْأَسْرَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَالتَّحْدِيدِ. بَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِي الْجِهَاتِ كُلِّهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا يَجِبُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: أَنَّ قَوْلَهُ " ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ " أَوْ " فِي سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْقُرْبَةِ " يَصْرِفُهُ لِفَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وُجُوبًا. قُلْت: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِحِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ، وَإِطْلَاقِهِمْ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: أَفْضَلُ الْقُرَبِ الْغَزْوُ. فَيُبْدَأُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. يَعْنِي الَّذِي حَكَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ " فَلَهُ صَرْفُهُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ وَالْأَفْضَلُ: صَرْفُهُ إلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِلَى مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِلَى جِيرَانِهِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ التَّرْغِيبِ: وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِهَذَا قَالَ لَوْ جَعَلَ الْكُفْرَ أَوْ الْجَهْلَ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ: لَمْ يَصِحَّ. فَلَوْ وَصَّى لِأَجْهَلْ النَّاسِ: لَمْ يَصِحَّ. وَعَلَّلَ فِي الْمُغْنِي الْوَصِيَّةَ لِمَسْجِدٍ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِهَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ أَوْصَى لِمَا لَا مَعْرُوفَ فِيهِ وَلَا بِرَّ كَكَنِيسَةٍ، أَوْ كَتْبِ التَّوْرَاةِ لَمْ يَصِحَّ. ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ: صُرِفَ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَنْفَدَ) .

سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ تُصْرَفُ فِي حَجَّةٍ لَا غَيْرَ. وَالْبَاقِي إرْثٌ. وَنَقَلَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ: بَعْدَ الْحَجَّةِ الْأُولَى: تُصْرَفُ فِي الْحَجِّ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: مَنْ وَصَّى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِكَذَا: لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا عَيَّنَ زَائِدًا عَلَى النَّفَقَةِ. لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ جَعَالَةٍ. وَاخْتَارَهُ. وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَجِّ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّهُ إنْ وَصَّى بِأَلْفٍ يُحَجُّ بِهَا: يُصْرَفُ فِي حَجَّةٍ قَدْرُ نَفَقَتِهِ حَتَّى يَنْفَدَ. وَلَوْ قَالَ " حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْوَرَثَةِ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى الْحَجِّ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيُعْطَى هُنَا لِأَجْلِ النَّفَقَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ لَمْ تَكْفِ الْأَلْفُ، أَوْ الْبَقِيَّةُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ: حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْكَافِي. وَقِيلَ: يُعَانُ بِهِ فِي حَجَّةٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَبَقِيَّتِهَا: لِعَاجِزَةٍ عَنْ حَجَّةٍ لِمَصْلَحَتِهَا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهُوَ إرْثٌ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ إذَا لَمْ تَكْفِ الْحَجُّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا: أَجْزَأَ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ. عَلَى الصَّحِيحِ.

صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، فِي كِتَابِ الْحَجِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ أَقْوَى. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ إلَّا مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ، كَحَجِّهِ بِنَفْسِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. لَكِنْ قَالَ عَنْ الْأُولَى: هُوَ أَوْلَى. كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، قُبَيْلَ قَوْلِهِ " وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا " الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ الْمُوصِي قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ: كَانَتْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ: فَنَفَقَتُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: يُحَجُّ عَنِّي حَجَّةً بِأَلْفٍ: دَفَعَ الْكُلَّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: الْبَقِيَّةُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَجَّةِ إرْثٌ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. وَحَكَاهُ الْحَارِثِيُّ رِوَايَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَيَّنَهُ فِي الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِأَلْفٍ، فَأَبَى الْحَجَّ وَقَالَ: اصْرِفُوا لِي الْفَضْلَ: لَمْ يُعْطَهُ. وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) . يَعْنِي مِنْ أَصْلِهَا إذَا كَانَ تَطَوُّعًا. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. فَإِنَّ كَلَامَهُمْ كَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَبْطُلُ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرَ، وَيُحَجُّ عَنْهُ بِأَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَفَقَةٍ، أَوْ أُجْرَةٍ. وَالْبَقِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُقْنِعِ (لَمْ يُعْطَهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَقِّهِ) وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ. وَذَكَرَهَا ابْنُ مُنَجَّا فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَشْرَحْهَا. بَلْ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ فَقَطْ. فَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مَعَ أَنَّ النُّسْخَةَ الْأُولَى لَا تَأْبَى ذَلِكَ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ قَدْ جَزَمَ بِهَذَا الْوَجْهِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ النَّاظِمُ قَوْلًا: أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَلْفِ لِلَّذِي حَجَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمُوصِي قَدْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَأَبَى مَنْ عَيَّنَهُ: فَإِنَّهُ يُقَامُ غَيْرُهُ بِنَفَقَةِ الْمِثْلِ. وَالْفَضْلُ لِلْوَرَثَةِ. وَلَا تَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَيُحْسَبُ الْفَاضِلُ فِي الثُّلُثِ عَنْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْفَرْضِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَالَ " يَحُجُّ عَنِّي زَيْدٌ بِأَلْفٍ " فَمَا فَضَلَ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ إنْ حَجَّ. وَلَا يُعْطَى إلَى أَيَّامِ الْحَجِّ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَضْلَ لِلْوَارِثِ. وَمِنْهَا: لَا يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ وَصِيٌّ بِإِخْرَاجِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. وَأَبِي الْحَارِثِ، وَجَعْفَرٍ النَّسَائِيّ، وَحَرْبٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ: لِأَنَّهُ مُنْفِذٌ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ: " تَصَدَّقْ عَنِّي بِهِ " لَا يَأْخُذُ مِنْهُ. وَمِنْهَا: لَا يَحُجُّ وَارِثٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: بَلَى، يَحُجُّ عَنْهُ إنْ عَيَّنَهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى نَفَقَتِهِ. مِنْهُمْ: الْحَارِثِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ وَفِي الْفُصُولِ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ جَازَ. وَمِنْهَا: لَوْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ صَحَّ. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. وَأَحْرَمَ النَّائِبُ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا، إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضٌ. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى بِثَلَاثِ حِجَجٍ. لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ، إنْ كَانَتْ نَفْلًا. وَتَقَدَّمَ فِي حُكْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَكِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا: هَلْ يَصِحُّ حَجُّ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ أَمْ لَا؟ .

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ حُكْمِ قَضَاءِ الصَّوْمِ حَكَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ: جَوَازَ صَوْمِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَيُجْزِئُ عَنْ عُدَّتِهِمْ مِنْ الْأَيَّامِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثَلَاثِ حِجَجٍ، جَازَ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ يَحُجُّونَ عَنْهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّ نَائِبَهُ مِثْلُهُ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ. ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اسْتِنَابَةِ الْمَعْضُوبِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الصَّوْمِ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ تِلْكَ الْحَالَ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ. ثُمَّ وَجَدْت الْحَارِثِيَّ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالسَّامِرِيِّ: صِحَّةَ صَرْفِ ثَلَاثِ حِجَجٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ، فَهُوَ لِأَهْلِ دَرْبِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: هُمَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ يَكُونُ طَرِيقُهُمْ بِدَرْبِهِ. فَائِدَةٌ: يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ سُكْنَاهُ فِي السِّكَّةِ: حَالُ الْوَصِيَّةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَسْتَحِقُّ أَيْضًا لَوْ طَرَأَ إلَى السِّكَّةِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.

وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَفِي دُخُولِ الْمُتَجَدِّدِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَقَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: رِوَايَتَانِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي سِكَّةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا فَسَكَنَهَا قَوْمٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّذِينَ كَانُوا. ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا؟ قِيلَ: فَيُشْبِهُ هَذَا الْكُورَةَ؟ قَالَ: لَا. الْكُورَةُ وَكَثْرَةُ أَهْلِهَا: خِلَافُ هَذَا الْمَعْنَى، يَنْزِلُ قَوْمٌ وَيَخْرُجُ قَوْمٌ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ: تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مُسْتَدَارُ أَرْبَعِينَ دَارًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدْ قِيلَ: مُسْتَدَارُ أَرْبَعِينَ دَارًا. قَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ: مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبَ. قَالَ الشَّارِحُ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي. مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَعَنْهُ جِيرَانُهُ: مُسْتَدَارُ ثَلَاثِينَ دَارًا. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَعَنْهُ: ثَلَاثِينَ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُخَالِفٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا. لَكِنْ فَسَّرَهَا الْحَارِثِيُّ بِالْأَوَّلِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى هُنَا إلَّا الْجَارُّ الْمُلَاصِقُ.

وَقِيلَ: يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إنْ لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ لِلْمَذْهَبِ بِالْحَدِيثِ فِيهِ. وَقَالَ: هَذَا نَصٌّ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، إنْ صَحَّ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالْجَارُ: هُوَ الْمُقَارِبُ. وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. انْتَهَيَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ وَلَهُ أَبٌ وَابْنٌ فَهُمَا سَوَاءٌ. وَالْأَخُ وَالْجَدُّ سَوَاءٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَالْأَخِ عَلَى الْجَدِّ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْجَدُّ عَلَى الْأَخِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ، وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ: سَوَاءٌ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ يَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَبْنَائِهِمَا. وَكَذَا يُحْمَلُ مَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (وَالْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ: أَحَقُّ مِنْهُمَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةً: أَنَّهُ كَأَخِيهِ لِأَبِيهِ، لِسُقُوطِ الْأُمُومَةِ كَالنِّكَاحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.

قُلْت: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْأَبُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الِابْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ ابْنَ الِابْنِ أَوْلَى. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ: قُدِّمَ وَلَدُهُ، إلَّا الْجَدُّ. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ، وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبَوَيْهِ. الثَّانِيَةُ: يَسْتَوِي جَدَّاهُ وَعَمَّاهُ كَأَبَوَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ جَدُّهُ وَعَمُّهُ لِأَبِيهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا بَيْتِ نَارٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِحُصْرِ الْبِيَعِ وَقَنَادِيلِهَا وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْصِدْ إعْظَامَهَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحَةٌ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَرَدَّهُ الشَّارِحُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ لِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: وَإِنْ وَصَّى لِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَتْبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ.

وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: تُحْمَلُ الصِّحَّةُ عَلَى وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى قُلْت: وَحَمْلُ الرِّوَايَةِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهَا مُتَعَيَّنٌ. قَوْلُهُ (وَلَا لِكَتْبِ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا لِمَلَكٍ، وَلَا لِمَيِّتٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا تَصِحُّ لِكَتْبِ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُوصِي بِذَلِكَ كَافِرًا: صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي فَائِدَةٍ: هَلْ تُشْتَرَطُ الْقَرَابَةُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ . تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا لِبَهِيمَةٍ) . إنْ وَصَّى لِفَرَسٍ حَبِيسٍ: صَحَّ. إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَمْلِيكَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَإِنْ وَصَّى لِفَرَسِ زَيْدٍ: صَحَّ. وَلَزِمَ بِدُونِ قَبُولِ صَاحِبِهَا. وَيَصْرِفُهَا فِي عَلَفِهِ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: تَمْلِيكُ الْبَهِيمَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ يُعْلَمُ مَوْتُهُ، فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي. . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا النِّصْفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ حَتَّى أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَتَتَوَجَّهُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ، إذَا لَمْ يَقُلْ: هُوَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قَالَهُ: كَانَ لَهُ النِّصْفُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَصَّى لَهُ وَلِجِبْرِيلَ، أَوْ لَهُ وَلِلْحَائِطِ بِثُلُثِ مَالِهِ: كَانَ لَهُ الْجَمِيعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ النِّصْفُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُلُثِ مَالِهِ: قُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقِيلَ: الْكُلُّ لَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُصْرَفُ مَا لِلرَّسُولِ فِي الْمَصَالِحِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: يُصْرَفُ فِي الْكُرَاعِ، وَفِي السِّلَاحِ، وَالْمَصَالِحِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلَّهِ: قُسِمَ نِصْفَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: كُلُّهُ لَهُ. كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. الرَّابِعَةُ: لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِهِ قُسِمَ بَيْنَ زَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ نِصْفَيْنِ. نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ: فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ. فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَقَلَّ شَيْءٍ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ فَقِيرًا: لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ شَيْئًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ، وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ. مَعَ أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ حَكَى عَنْهُ: أَنَّهُ خَرَّجَ وَجْهًا بِمُشَارَكَتِهِمْ إذَا كَانَ فَقِيرًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ فَرَدَّ الْوَرَثَةُ فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا بِثُلُثَيْ مَالِهِ: فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) . يَعْنِي: إذَا رَدَّ الْوَرَثَةُ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ. وَهُوَ مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ، وَالسُّدُسُ لِلْوَارِثِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ كَمَا لَوْ رَدَّ الْوَرَثَةُ وَصِيَّتَهُ.

وَقِيلَ: السُّدُسُ لِلْأَجْنَبِيِّ. وَيَبْطُلُ الْبَاقِي. فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ فِيهِ شَيْئًا. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ رَدُّوا نَصِيبَ الْوَارِثِ: كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ الثُّلُثُ كَامِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَهُ السُّدُسُ. وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَجَازُوا لِلْوَارِثِ وَحْدَهُ فَلَهُ الثُّلُثُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إنْ أَجَازُوا لِلْأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ: فَلَهُ الثُّلُثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقِيلَ: لَهُ السُّدُسُ فَقَطْ. الثَّالِثَةُ: لَوْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، وَنِصْفُ وَصِيَّةِ الْأَجْنَبِيِّ: فَلَهُ السُّدُسُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ يَنْزِعُ إلَى قَوْلِ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ: لَهُ الثُّلُثُ. وَهُوَ يَنْزِعُ إلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لِابْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا وَصِيَّتَهُ. فَلَهُ التُّسْعُ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ السُّدُسُ، جَعْلًا لَهُمَا صِنْفًا. .

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ، وَلِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ بِثُلُثِهِ فَلِزَيْدٍ التُّسْعُ. وَالْبَاقِي لَهُمَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ السُّدُسَ. لِأَنَّهُمَا هُنَا صِنْفٌ. انْتَهَى. قُلْت: يَتَخَرَّجُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ كَأَحَدِهِمْ. فَيُعْطَى أَقَلَّ شَيْءٍ. كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ وَصَّى لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ: فَهُوَ كَأَحَدِهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ النِّصْفَ وَلَهُمْ النِّصْفَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ لَهُ النِّصْفَ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ وَصَّى لَهُ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِهِ. فَنِصْفَانِ. وَقِيلَ: هُوَ كَأَحَدِهِمْ، كُلُّهُ وَإِخْوَتُهُ فِي وَجْهٍ. فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: إذَا أَوْصَى لَهُ وَلِلْفُقَرَاءِ، أَوْ لَهُ وَلِلَّهِ، أَوْ لَهُ وَلِلرَّسُولِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَصَّى بِدَفْنِ كُتُبِ الْعِلْمِ: لَمْ تُدْفَنْ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا بَأْسَ. وَنَقَلَ غَيْرُهُ: يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. قَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحْوَطُ دَفْنُهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَصَّى بِإِحْرَاقِ ثُلُثِ مَالِهِ: صَحَّ. وَصُرِفَ فِي تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ، وَتَنْوِيرِ الْمَسَاجِدِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي: أَنْ يُنْظَرَ فِي الْقَرَائِنِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَنَحْوِهِمْ: صُرِفَ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ. الرَّابِعَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَوْ وَصَّى بِجَعْلِ ثُلُثِهِ فِي التُّرَابِ صُرِفَ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى. وَلَوْ وَصَّى بِجَعْلِهِ فِي الْمَاءِ: صُرِفَ فِي عَمَلِ سُفُنٍ لِلْجِهَادِ. قُلْت: وَهَذَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ، وَإِمَّا حِكَايَةً عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَصَّى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ. فَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ: لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ. وَهُوَ صَحِيحٌ.

باب الموصى به

[بَابُ الْمُوصَى بِهِ] ِ قَوْلُهُ (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ، كَاَلَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ، أَوْ شَجَرَتُهُ أَبَدًا، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ: فَهُوَ لَهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ إمْكَانُ الْمُوصَى بِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَاخْتِصَاصُهُ. فَلَوْ وَصَّى بِمَالِ غَيْرِهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدُ. وَتَصِحُّ بِزَوْجَتِهِ. وَوَقْتِ فَسْخِ النِّكَاحِ: فِيهِ الْخِلَافُ. وَبِمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ أَبَدًا، أَوْ إلَى مُدَّةٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ السَّقْيُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَهَا، بِخِلَافِ مُشْتَرٍ. وَمِثْلُهُ بِمِائَةٍ لَا يَمْلِكُهَا إذَنْ. وَفِي الرَّوْضَةِ: إنْ وَصَّى بِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَةُ، أَوْ هَذِهِ النَّخْلَةُ: لَمْ تَصِحَّ. لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَعْدُومٍ. وَالْأَشْهَرُ: وَبِحَمْلِ أَمَتِهِ، وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: وَيَدْفَعُ أُجْرَةَ حَضَانَتِهِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحَمْلِ أَمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَالْكَلْبِ، وَالزَّيْتِ النَّجِسِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ ذَلِكَ) يَعْنِي: إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ قَلَّ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. (وَفِي الْآخَرِ لَهُ ثُلُثُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَيُحْتَمَلُ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ: أَنْ يَضُمَّ إلَى الْمَالِ بِالْقِيمَةِ. فَتُقَدَّرُ الْمَالِيَّةُ فِيهِ، كَتَقْدِيرِهَا فِي الْجُزْءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. ثُمَّ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَأَنَّهُ مَالٌ. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: الْكَلْبُ الْمُبَاحُ النَّفْعِ: كَلْبُ الصَّيْدِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالزَّرْعِ، لَا غَيْرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِي الصَّيْدِ. وَقِيلَ: أَوْ بُسْتَانٌ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي آدَابِهِمَا. وَقِيلَ: وَكَلْبُ الْبُيُوتِ أَيْضًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. فَعَلَيْهِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا وَأَمَّا الْجَرْوُ الصَّغِيرُ: فَيُبَاحُ تَرْبِيَتُهُ لِمَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى فِي آدَابِهِمَا وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. وَقِيلَ. لَا تَجُوزُ تَرْبِيَتُهُ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يَصِيدُ بِهِ، وَلَمْ يَصِدْ بِهِ، أَوْ يَصِيدُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الصَّيْدِ، أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ، إنْ حَصَلَا: فَخِلَافٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: احْتِمَالَيْنِ مُطْلَقَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَالْجَرْوِ الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الْكَافِي: الْجَوَازَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَجَعَلَ فِي الرِّعَايَةِ: الْكَلْبَ الْكَبِيرَ، الَّذِي لَا يَصِيدُ بِهِ لَهْوًا كَالْجَرْوِ الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِيهِ. وَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ فِي آدَابِ الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْكَلْبُ لَيْسَ مِمَّا يَمْلِكُهُ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: إنَّمَا يَصِحُّ لِمِلْكِ الْيَدِ الثَّابِتِ لَهُ كَخَمْرٍ تَخَلَّلَ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ فِي يَدِهِ خَمْرٌ: وُرِثَ عَنْهُ. فَلِهَذَا يُورَثُ الْكَلْبُ. نَظَرًا إلَى الْيَدِ حِسًّا. الثَّانِيَةُ: تُقْسَمُ الْكِلَابُ الْمُبَاحَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمُوصَى لَهُمَا: بِالْعَدَدِ. فَإِنْ تَشَاحُّوا: فَبِقُرْعَةٍ. وَيَأْتِي فِي بَابِ الصَّيْدِ: تَحْرِيمُ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَجَوَازُ قَتْلِهِ وَكَذَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَوْصَى لَهُ بِكَلْبٍ، وَلَهُ كِلَابٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَهُ أَحَدُهَا بِالْقُرْعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: بَلْ مَا شَاءَ الْوَرَثَةُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَارِثِيُّ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " وَتَصِحُّ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ كَالزَّيْتِ.

النَّجِسِ " أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ: فَمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ. فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْإِطْلَاقُ. وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّقْيِيدُ بِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ عِنْدِهِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ كَعَبْدٍ وَشَاةٍ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَيُعْطَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. فَإِنْ اخْتَلَفَ الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْعُرْفِ، كَالشَّاةِ. هِيَ فِي الْعُرْفِ لِلْأُنْثَى) يَعْنِي: الْأُنْثَى الْكَبِيرَةَ (وَالْبَعِيرِ، وَالثَّوْرِ) هُوَ (فِي الْعُرْفِ لِلذَّكَرِ) يَعْنِي: الذَّكَرَ الْكَبِيرَ (وَحْدَهُ. وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى: غُلِّبَ الْعُرْفُ) . هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّ " الشَّاةَ " لِلْأُنْثَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ فِي " الْبَعِيرِ " وَ " الثَّوْرِ ". وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: " الْعَبْدُ لِلذَّكَرِ الْمَعْرُوفِ ". وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَالْحَارِثِيُّ هُنَا. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ ذَكَرًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْوَقْفِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ فِي إجْزَاءِ خُنْثَى غَيْرِ مُشْكِلٍ وَجْهَانِ. جَزَمَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَبْدِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تُغَلَّبُ الْحَقِيقَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَيَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَالصِّغَارَ وَالْكِبَارَ.

وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ فِي " الْبَعِيرِ " وَجْهَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ " الشَّاةُ " اسْمٌ لِجِنْسِ الْغَنَمِ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ قَوْلُهُ (وَالدَّابَّةُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. فَتَتَقَيَّدُ يَمِينُ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً بِهَا. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ فِي وَصِيَّةٍ بِدَابَّةٍ: يَرْجِعُ إلَى عُرْفِ الْبَلَدِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَنَّ " الدَّابَّةَ " اسْمٌ لِلْفَرَسِ عُرْفًا، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ: يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ عَنْ أُصُولِيٍّ، يَعْنِي بِنَفْسِهِ. قَالَ: لِأَنَّ لَهَا نَوْعَ قُوَّةٍ مِنْ الدَّبِيبِ: وَلِأَنَّهُ ذُو كَرٍّ وَفَرٍّ. فَوَائِدُ. الْحِصَانُ وَالْجَمَلُ وَالْحِمَارُ: لِلذَّكَرِ. وَالنَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ وَالْحُجْرَةُ وَالْأَتَانُ: لِلْأُنْثَى. وَأَمَّا الْفَرَسُ: فَلِلذَّكَرِ وَلِلْأُنْثَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: قُلْت: وَالْبَغْلُ لِلذَّكَرِ، وَالْبَغْلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَلَوْ قَالَ " عَشْرَةٌ مِنْ إبِلِي وَغَنَمِي " فَهُوَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ " عَشْرَةٌ " بِالْهَاءِ فَهُوَ لِلذُّكُورِ. وَبِعَدَمِهَا لِلْإِنَاثِ. وَ " الرَّقِيقُ " لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ صَحَّ وَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْهُمْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي كُلِّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ذَكَرًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ النَّظْمِ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ الْبُطْلَانُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَتَصِحُّ فِي الْآخَرِ. وَيَشْتَرِي لَهُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ مَلَكَ عَبِيدًا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَهَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ

وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ كَمَنْ وَصَّى لِعَمْرٍو بِعَبْدِ زَيْدٍ ثُمَّ مَلَكَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَّى بِأَنْ يُعْطَى مِائَةً مِنْ أَحَدِ كِيسَيَّ. فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا شَيْءٌ اسْتَحَقَّ مِائَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اسْتَحَقَّ مِائَةً عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبِيدٌ، فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا: تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ: صَحَّتْ. وَتَعَيَّنَتْ فِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ. وَلَوْ تَلِفَ رَقِيقُهُ كُلُّهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. وَلَوْ تَلِفُوا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ عَلَى قَاتِلِهِ) إمَّا بِالْقُرْعَةِ أَوْ بِاخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ، عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ قُتِلُوا فِي حَيَاتِهِ: بَطَلَتْ. وَإِنْ قُتِلُوا بَعْدَ مَوْتِهِ أُخِذَتْ قِيمَةُ عَبْدٍ مِنْ قَاتِلِهِ. وَقَالَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ

فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ وَلَهُ أَقْوَاسٌ لِلرَّمْيِ وَالْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ فَلَهُ قَوْسُ النَّشَّابِ. لِأَنَّهُ أَظْهَرُهَا، إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا كَالْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ قَوْسِ الْبُنْدُقِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَهُ مَا يُرْمَى بِهِ عَادَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَلَهُ قَوْسُ النَّشَّابِ. وَقِيلَ: وَالنَّبْلُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَنْصَرِفُ الْوَصِيَّةُ إلَى قَوْسِ النَّشَّابِ وَالنَّبْلِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُعْطَى قَوْسًا مَعْمُولَةً بِغَيْرِ وَتَرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقِيلَ: يُعْطَى قَوْسًا مَعَ وَتَرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

الثَّانِيَةُ: قَوْسُ النَّشَّابِ: هُوَ الْفَارِسِيُّ. وَقَوْسُ النَّبْلِ: هُوَ الْعَرَبِيُّ. وَقَوْسُ جَرْحٍ وَقَوْسٌ بِمَجْرَى وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِي مُجْرَاةِ السَّهْمِ، فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَجْرَى. وَقَوْسُ الْبُنْدُقِ: هُوَ قَوْسُ جُلَاهِقَ الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ أَقْوَاسٌ مِنْ جِنْسٍ، أَوْ قَوْسُ نَشَّابٍ وَنَبْلٍ وَقُلْنَا: يُعْطَى مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا: أُعْطِيَ أَحَدَهَا بِالْقُرْعَةِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: بَلْ بِرِضَى الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ، أَوْ طَبْلٍ، وَلَهُ مِنْهَا مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ: انْصَرَفَ إلَى الْمُبَاحِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُحَرَّمٌ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ مَالِهِ وَمَا لَمْ يُعْلَمْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَلَا أَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ، فَاسْتَحْدَثَ مَالًا: دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ يَدْخُلُ الْمُتَجَدِّدُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، أَوْ قَوْلِهِ " بِثُلُثِي يَوْمَ أَمُوتُ " وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَدْخُلُ فِي كَرْمِهِ: لَوْ نَصَبَ أُحْبُولَةً قَبْلَ مَوْتِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَإِنَّ الصَّيْدَ يَكُونُ لِلنَّاصِبِ. فَيَدْخُلُ ثُلُثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ: لَا يَدْخُلُ، وَيَكُونُ كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قُتِلَ وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ، فَهَلْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ. إحْدَاهُمَا: تَدْخُلُ. فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدِّيَةَ مِيرَاثٌ» وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، فِي بَابِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ: وَتُؤْخَذُ دُيُونُ الْمَقْتُولِ وَوَصَايَاهُ مِنْ دِيَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفَائِقِ فِي الَّتِي بَعْدَهَا. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَدْخُلُ. فَتَكُونُ لِلْوَرَثَةِ خَاصَّةً. وَقِيلَ: يُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ أَيْضًا، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، وَيُجَهَّزُ مِنْهَا. وَطَرِيقَةُ الْمَجْدِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ قُلْنَا لَهُ: قُضِيَتْ دُيُونُهُ. وَإِنْ قُلْنَا لِلْوَرَثَةِ: فَلَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَمَّا تَجْهِيزُهُ: فَإِنَّهُ مِنْهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ.

تَنْبِيهٌ: مَبْنَى الْخِلَافِ هُنَا: عَلَى أَنْ تَحْدُثَ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، أَوْ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ، فَهَلْ تُحْسَبُ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ. قَالَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالْحَارِثِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً تَرِكَةٌ، تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ. وَفِي وَصِيَّتِهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ وَصَّى بِمُعَيَّنٍ قَدْرَ نِصْفِ الدِّيَةِ. فَالدِّيَةُ مَحْسُوبَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ ثُلُثَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. وَعَنْهُ دِيَتُهُ لَهُمْ. فَلَا حَقَّ فِيهَا لِوَصِيَّةٍ وَلَا دَيْنٍ. وَقِيلَ: يُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ فَقَطْ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ. فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمَنَافِعِ أَمَتِهِ أَبَدًا، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً: صَحَّ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَهُمْ بَيْعُهَا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَصِحُّ لِمَالِكِ نَفْعِهَا لَا غَيْرُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ.

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. وَهُنَّ فِي الْكَافِي احْتِمَالَاتٌ مُطْلَقَاتٌ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا) يَعْنِي مَجَّانًا. أَمَّا عِتْقُهَا عَنْ كَفَّارَةٍ: فَلَا يُجْزِئُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَعَبْدٍ مُؤَجَّرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَمَتَى قُلْنَا بِالْجَوَازِ إمَّا مَجَّانًا، وَإِمَّا عَنْ كَفَّارَةٍ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَانْتِفَاعُ رَبِّ الْوَصِيَّةِ بِهِ بَاقٍ. فَائِدَةٌ: صِحَّةُ كِتَابَتِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهَا هُنَا. قَوْلُهُ (وَلَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا) . يَعْنِي لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَلِيَّهَا مَالِكُ رَقَبَتِهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَصَحَّحَهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: وَلِيُّهَا مَالِكُ رَقَبَتِهَا وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ جَمِيعًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَأَخَذَ مَهْرَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ) يَعْنِي لِمُلَّاكِ الرَّقَبَةِ ذَلِكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَهْرُهَا لِلْوَصِيِّ. يَعْنِي: لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ الْمُصْطَلَحِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَةُ وَلَدِهَا عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الْوَاطِئِ) يَعْنِي لِأَصْحَابِ الرَّقَبَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُتِلَتْ فَلَهُمْ قِيمَتُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْأُخْرَى: يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا إذَا عَفَا عَنْ قَاتِلِهَا: هَلْ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ، أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَهَا الْوَرَثَةُ لَزِمَهُمْ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْخُلْعِ بِمُحَرَّمٍ قُلْت: وَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ قَتْلَ الْوَارِثِ كَقَتْلِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي جَوَازِ وَطْءِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ. فَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَإِلَّا فَلَا. وَفِي وُجُوبِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ. وَكَذَا الْمَهْرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ، وَاخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ إذَا وَطِئَ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ وَلَدُهُ مَمْلُوكًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ وَطْؤُهَا إذَا كَانَ مُوصًى بِمَنَافِعِهَا. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: الْوَلَدُ هَلْ هُوَ كَالْجُزْءِ، أَوْ كَالْكَسْبِ؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ كَجُزْءٍ. ثُمَّ قَالَ، مُفَرِّعًا عَلَى ذَلِكَ: لَوْ وَلَدَتْ الْمُوصَى، بِمَنَافِعِهَا. فَإِنْ قُلْنَا: الْوَلَدُ كَسْبٌ. فَكُلُّهُ لِصَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ جُزْءٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ. لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ لَهُمْ دُونَ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ (وَفِي نَفَقَتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) . وَهُنَّ احْتِمَالَاتٌ فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ. انْتَهَى. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي كَسْبِهَا. فَإِنْ عُدِمَ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ. فَقِيلَ: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَوْلِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي كَسْبِهَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى إيجَابِهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ. وَهَذَا الْوَجْهُ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى مَالِكِهَا. يَعْنِي: عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي مِثْلُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى الْمُوصِي، وَهُوَ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَفِي اعْتِبَارِهَا مِنْ الثُّلُثِ: وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ جَمِيعُهَا مِنْ الثُّلُثِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُقَوَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ. فَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: إنْ وَصَّى بِمَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ: اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ عَبْدًا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ: اُعْتُبِرَتْ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ مِنْ الثُّلُثِ. اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا. فَقَالَ: وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ ثَمَنِهَا مِنْ ثُلُثِهِ، أَوْ مَا قِيمَتُهَا بِنَفْعِهَا وَبِدُونِهِ؟

فِيهَا وَجْهَانِ. وَإِنْ وَصَّى بِنَفْعِهَا وَقْتًا. فَقِيلَ: كَذَلِكَ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ وَحْدَهُ مِنْ ثُلُثِهِ. لِإِمْكَانِ تَقْوِيمِهِ مُفْرَدًا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِوَرَثَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ فِي الْأُجْرَةِ بِالْعَقْدِ. وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي هِبَةِ نَفْعِ دَارِهِ، وَسُكْنَاهَا شَهْرًا: تَسْلِيمُهَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: بَلْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَتِهَا: أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ لِوَارِثِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبِهِ: صَحَّ. وَيَكُونُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ) عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا: صَحَّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْخِلَافِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ إنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْعَقْلِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " ضَعُوا نَجْمًا مِنْ كِتَابَتِهِ " فَلَهُمْ وَضْعُ أَيِّ نَجْمٍ شَاءُوا. وَإِنْ قَالَ " ضَعُوا مَا شَاءَ الْمُكَاتَبُ ". فَالْكُلُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا شَاءَ. وَقِيلَ: لَا. كَمَا لَوْ قَالَ " ضَعُوا مَا شَاءَ مِنْ مَالِهَا ".

وَإِنْ قَالَ " ضَعُوا أَكْثَرَ مَا عَلَيْهِ، وَمِثْلُ نِصْفِهِ " وُضِعَ عَنْهُ فَوْقَ نِصْفِهِ وَفَوْقَ رُبُعِهِ. يَعْنِي: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ نِصْفِ الْمَوْضُوعِ أَوَّلًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِهِ بِأَوْسَطِ نُجُومِهِ وَكَانَتْ النُّجُومُ شَفْعًا مُتَسَاوِيَةَ الْقَدْرِ تَعَلَّقَ الْوَضْعُ بِالشَّفْعِ الْمُتَوَسِّطِ كَالْأَرْبَعَةِ، الْمُتَوَسِّطَةِ مِنْهَا: الثَّانِي وَالثَّالِثُ. وَكَالسِّتَّةِ، الْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا: الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلِلْمُوصَى لَهُ الِاسْتِيفَاءُ وَالْإِبْرَاءُ. وَيُعْتَقُ بِأَحَدِهِمَا، وَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ. فَإِنْ عَجَزَ: فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إنْظَارَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ. وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْوَارِثُ إنْظَارَهُ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ تَعْجِيزَهُ: فَالْحُكْمُ لِلْوَارِثِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَا عَلَيْهِ لِآخَرَ: صَحَّ. فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ. وَإِنْ عَجَزَ: فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ. وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ) إذَا أَدَّى لِصَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ: عَتَقَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ. لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَمَالَ إلَيْهِ وَقَوَّاهُ. فَإِنْ عَجَزَ: فَسَخَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ كِتَابَتَهُ. وَكَانَ رَقِيقًا لَهُ. وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا: فَهُوَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَتَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) بِلَا نِزَاعٍ.

(وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ، بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا: قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ، لَا وَقْتَ الْأَخْذِ) يَعْنِي: إذَا أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِيمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ هُوَ قَوْلُ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَجْدِ. يَعْنِي الْآتِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ، اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ، عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ، سِعْرًا وَصِفَةً. انْتَهَى. فَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ: هَلْ هُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، أَوْ لِلْوَرَثَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي الْفَوَائِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ " وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ: ثَبَتَ الْمِلْكُ حِينَ الْقَبُولِ " وَذَكَرْنَا هَذَا هُنَاكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ سِوَى الْمُعَيَّنِ) (إلَّا مَالٌ غَائِبٌ، أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ: فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ وَكُلَّمَا اُقْتُضِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ، أَوْ حَضَرَ مِنْ الْغَائِبِ شَيْءٌ: مَلَكَ مِنْ الْمُوصَى بِهِ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ حَتَّى يَمْلِكَهُ كُلَّهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْمُدَبَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ. وَقَالَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَصَحَّحَهُ. وَقِيلَ: لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ، بَلْ يُوقَفُ. لِأَنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاؤُهُ فِي التَّرِكَةِ. فَلَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ. قُلْت: وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ ثُلُثَ هَذَا الْمُعَيَّنِ: يَبْقَى ثُلُثَاهُ. فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ وَالدَّيْنِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ: فَلِلْوَرَثَةِ الْبَاقِي مِنْ هَذَا الْمُوصَى بِهِ. فَمَا يَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ إلَّا وَلِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ. غَايَتُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْحَاصِلِ بِسِعْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ عَلَى أَدْنَى صِفَتِهِ، مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْحُصُولِ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ، فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ فَلَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي) يَعْنِي: إذَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُ ثُلُثُ ثُلُثِهِ لَا غَيْرُ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ صُبْرَةٍ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، فَتَلِفَ، أَوْ اُسْتُحِقَّ ثُلُثَاهَا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَاسْتُحِقَّ اثْنَانِ، أَوْ مَاتَا: فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَارِثِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: جَمِيعُهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ قِيمَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ. وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ. وَمِلْكُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ مِائَتَانِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ: فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ وَرُبُعُ الْعَبْدِ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَعْنِي: فِي الْمُزَاحَمَةِ فِي الْعَبْدِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الْخِرَقِيُّ، فَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَتَبِعَ الْخِرَقِيَّ عَلَى ذَلِكَ: ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَصْحَابُ. ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذَا. وَإِنْ حُمِلَ، إطْلَاقُهُ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ. ثُمَّ قَالَ: وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأُصُولُهُ: مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّ الْأَصْحَابَ اسْتَشْكَلُوا مَسْأَلَةَ الْخِرَقِيِّ، وَأَنْكَرُوهَا عَلَيْهِ، وَنَسَبُوهُ إلَى التَّفَرُّدِ بِهَا. ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدُّوا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ: نِصْفُهُ) . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَمُعْظَمِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَالِهِمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ: خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ، وَعُشْرُ الْعَبْدِ، وَنِصْفُ عُشْرِهِ. وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ رُبُعُهُ وَخُمُسُهُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ: وَفِي تَخْرِيجِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ نَظَرٌ وَذَكَرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ، مَكَانَ الثُّلُثِ. فَرُدُّوا فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ) وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَوَافَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَخَالَفَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ: خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ، وَخُمُسُ الْعَبْدِ. وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ: خُمُسَاهُ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِتَمَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْمِائَةِ. فَلَمْ يَزِدْ الثُّلُثُ) يَعْنِي: الثُّلُثَ الثَّانِيَ. (عَنْ الْمِائَةِ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ. وَقُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْآخَرِينَ عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا. وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمِائَةِ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ: نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي. وَإِنْ رُدُّوا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ عِنْدِي) .

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفَائِقِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّمَامِ شَيْءٌ، حَتَّى تَكْمُلَ الْمِائَةُ لِصَاحِبِهَا. ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُزَاحِمَ بِهِ. وَلَا يُعْطَى، كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَصَحُّ مَا قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ إذَا جَاوَزَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ جَاوَزَ الْمِائَتَيْنِ فَلِلْمُوصِي بِالثُّلُثِ: نِصْفُ وَصِيَّتِهِ لَهُ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ: مِائَةٌ. وَلِلثَّالِثِ: نِصْفُ الزَّائِدِ. وَإِنْ جَاوَزَ مِائَةً: فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ: نِصْفُ وَصِيَّتِهِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ الثَّانِي: بَقِيَّةُ الثُّلُثِ مَعَ مُعَادَلَتِهِ بِالثَّالِثِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعِنْدِي تَبْطُلُ وَصِيَّةُ التَّمَامِ هَاهُنَا. وَيَقْتَسِمُ الْآخَرَانِ الثُّلُثَ، كَأَنْ لَا وَصِيَّةَ لِغَيْرِهِمَا. كَمَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثُ مِائَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: إنْ جَاوَزَ الثُّلُثُ مِائَتَيْنِ: فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ: نِصْفُ وَصِيَّتِهِ، وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ: مِائَةٌ. وَلِلثَّالِثِ: نِصْفُ الزَّائِدِ. . وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

باب الوصية بالأنصباء والأجزاء

[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ] ِ قَوْلُهُ (إذَا وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ. فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ مَضْمُومًا إلَى الْمَسْأَلَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالٌ، وَلَوْ لَمْ يَرِثْهُ ذَلِكَ الَّذِي أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ، لِمَانِعٍ بِهِ، مِنْ رِقٍّ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمُخْتَارُ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ غَيْرُ مُزَادٍ. وَيُقْسَمُ الْبَاقِي. فَإِذَا وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَهُ ابْنَانِ. فَلَهُ الثُّلُثُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَهُ النِّصْفُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَيُقْسَمُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الِابْنَيْنِ. وَلَهُ قُوَّةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ. فَكَذَلِكَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي لَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرُهُ: صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ. وَفِي الْآخَرِ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَكِنْ رَجَعَ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ، وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِهِ، أَوْ بِضِعْفَيْهِ فَلَهُ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ. وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثَلَاثَةِ أَضْعَافِهِ: فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ) . قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: ضِعْفَاهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ: أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ كُلَّمَا زَادَ ضِعْفًا زَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ: فَلَهُ مِثْلُ مَالِهِ لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَوْجُودٌ. فَإِذَا كَانَ الْوُرَّاثُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ. فَلِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الْخُمُسُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: إقَامَةُ الْوَصِيِّ مَقَامَ الِابْنِ الْمُقَدَّرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ، إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ سَادِسٍ لَوْ كَانَ: فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ) هَكَذَا مَوْجُودٌ فِي النُّسَخِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَشْهُورَةِ. وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَعَلَيْهَا خَطُّهُ " لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ لَوْ كَانَ ". قَالَ النَّاظِمُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ " وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ سَادِسٍ لَوْ كَانَ ".

قَالَ: فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ أَنَّهُ وَصَّى بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَهُ النَّاظِمُ فِي النُّسْخَةِ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ إنَّمَا يَكُونُ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّبُعَ، عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي قَوَاعِدِهِمْ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْتَضِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ النُّسَخَ الْمَعْرُوفَةَ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهَا: مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّارِحِ وَابْنِ مُنَجَّا. لَكِنَّ قَوْلَهُ " فَقَدْ أَوْصَى بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ " مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَصْحَابِ، وَمُخَالِفٌ لِطَرِيقَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَشْبَاهِهِ. بَلْ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَكُونَ قَدْ أُوصِيَ لَهُ بِالسُّدُسِ إلَّا السُّبُعَ. فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَكَذَا قَالَ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. لَكِنْ فِي الْفُرُوعِ " سَهْمَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ " وَهُوَ سِبْقَةُ قَلَمٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الْحَارِثِيُّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَوْلُهُمْ " أَوْصَى بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ " صَحِيحٌ. بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ نَصِيبَ الْخَامِسِ الْمُقَدَّرِ غَيْرُ مَضْمُومٍ، وَأَنَّ النَّصِيبَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى. وَهُوَ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ، فِيمَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ صَحِيحٌ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ فِي نُسْخَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الشَّيْخِ " أَرْبَعَةٌ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ، لَوْ كَانَ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ ". قَالَ: وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلَ ابْنِ رَزِينٍ فِي ابْنَيْنِ، وَوَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ

لَوْ كَانَ: لَهُ الرُّبُعُ. وَإِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ رَابِعٍ، لَوْ كَانَ، مِنْ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ. انْتَهَى. فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ فَسَّرَ النُّسْخَةَ الْأُولَى الْمُعْتَمَدَةَ الْمُشْكِلَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ النُّسْخَةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ. وَأَنَّ النُّسْخَةَ الْأُولَى تَابَعَ فِيهَا طَرِيقَةَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهَذِهِ النُّسْخَةُ تَبِعَ فِيهَا طَرِيقَةَ الْأَصْحَابِ. وَلَعَلَّهُ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى اخْتَارَ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُجَرَّدَ مُتَابَعَةٍ لِغَيْرِهِ. فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ اعْتَمَدَ عَلَى النُّسْخَةِ الْمُوَافَقَةِ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَالْأَصْحَابِ. وَهُوَ أَوْلَى. فَتَلَخَّصَ لَنَا: أَنَّ الْمُصَنِّفَ وُجِدَ لَهُ ثَلَاثُ نُسَخٍ مُخْتَلِفَةٍ، قُرِئَتْ عَلَيْهِ. إحْدَاهَا: الْأُولَى. وَهِيَ الْمُشْكِلَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَصْحَابِ. وَلِذَلِكَ أَجَابَ عَنْهَا الْحَارِثِيُّ. وَالثَّانِيَةُ: مَا ذَكَرَهَا النَّاظِمُ. وَتَقَدَّمَ مَا فَسَّرَهَا بِهِ. وَالتَّفْسِيرُ أَيْضًا مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَصْحَابِ. وَلِذَلِكَ رَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ قَوَاعِدَ الْأَصْحَابِ: تَقْتَضِي عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْخُمُسِ إلَّا السُّبُعَ. وَتَفْسِيرُهُ مُوَافِقٌ لِطَرِيقَةِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَالثَّالِثَةُ: فِيهَا " أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إلَّا بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ خَامِسٍ " فَهَذِهِ النُّسْخَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى قِيَاسِ طَرِيقَةِ الْأَصْحَابِ. وَيَكُونُ قَدْ أُوصِيَ لَهُ بِالْخُمُسِ إلَّا السُّدُسَ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فَسَّرَ وَأَوْلَى مِنْ النُّسَخِ الْمَعْرُوفَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ. فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) . وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ إطْلَاقُهُنَّ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُنَّ: لَهُ السُّدُسُ بِمَنْزِلَةِ سُدُسٍ مَفْرُوضٍ. إنْ لَمْ تَكْمُلْ فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ كَانُوا عَصَبَةً: أُعْطِيَ سُدُسًا كَامِلًا. وَإِنْ كَمُلَتْ فُرُوضُهَا: أُعِيلَتْ بِهِ، وَإِنْ عَالَتْ: أُعِيلَ مَعَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَرْبٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَفَسَّرَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ بِذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَصَحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا: مَنْ قَالَ فِي الْإِيصَاءِ لِزَيْدٍ سَهْمٌ ... فَالسُّدُسُ يُعْطَى حَيْثُ كَانَ الْقَسْمُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ. وَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا " مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ " بَلْ قَالُوا: يُعْطَى سَهْمًا مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ. لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ: أُعْطِيَ السُّدُسُ. وَرَدَّ الْحَارِثِيُّ مَا قَالَ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ، مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، مَضْمُومًا إلَيْهَا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ الْخِرَقِيَّ قَالَ: وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، أُعْطِيَ السُّدُسَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: يُعْطَى سَهْمًا مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ انْتَهَى. فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ سِبْقَةُ قَلَمٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ. وَاخْتَارَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ. سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ أَوْ أَكْثَرَ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فِي تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ: فَإِنْ زَادَ عَلَى السُّدُسِ: أُعْطِيَ السُّدُسَ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلَّالِ، وَصَاحِبِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُعْطَى سُدُسًا كَامِلًا. أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَطْلَقَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٌ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي الْمُنَوِّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَصَّى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ: أُعْطِيَ سُدُسَهُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّهُ إنْ صَحَّ أَنَّ السَّهْمَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: السُّدُسُ. أَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ. وَهُوَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَعْطَى رَجُلًا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ السُّدُسَ» فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِسُدُسٍ مِنْ مَالِهِ. وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ. عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ الْوَرَثَةَ يُعْطُوهُ مَا شَاءُوا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ " مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ ". قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَ الْبَاقُونَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَوَّاهُ الْحَارِثِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةُ لَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ جَاوَزَهُ الْمُوصَى بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، إنْ أُجِيزَ لَهُمَا. وَالثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَعَ الرَّدِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِي التَّرْغِيبِ: وَجْهٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِمَالِهِ لِوَارِثِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ، وَأُجِيزَ: فَلِلْأَجْنَبِيِّ ثُلُثُهُ. وَمَعَ الرَّدِّ: هَلْ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، أَوْ عَلَى ثَلَاثَةٍ، أَوْ هُوَ لِلْأَجْنَبِيِّ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ أُجِيزَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ، فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ التُّسُعُ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الْمَالِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي الْآخَرِ: لَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثَا الْمَالِ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا. وَيَبْقَى التُّسُعَانِ لِلْوَرَثَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُ إلَّا ثُلُثَا الْمَالِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ) كَذَا وُجِدَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ " إلَّا ثُلُثَا الْمَالِ اللَّتَانِ كَانَتَا لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ " بِتَثْنِيَةِ " الَّتِي " وَبِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ فِي " كَانَ " لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالضَّمِيرَ يُشْتَرَطُ مُطَابَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ هُوَ لَهُ. وَإِنَّمَا أُفْرِدَا وَأُنِّثَا: بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، أَيْ: السِّهَامِ السِّتَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُطْلِعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ. فَلَهُ النِّصْفُ عَلَى الْوَجْهِ، الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: لَهُ الثُّلُثُ. وَلِصَاحِبِ الْمَالِ: التُّسُعَانِ. وَالْوَجْهَانِ الْآتِيَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (إذَا أَخْلَفَ ابْنَيْنِ، وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ: فَفِيهَا وَجْهَانِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: (لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ. وَعِنْدَ الرَّدِّ: يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: (لِصَاحِبِ النَّصِيبِ: مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِابْنٍ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَذَلِكَ التُّسُعَانِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ. وَعِنْدَ الرَّدِّ: يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ) . وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ بِلَا مِرْيَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ: خَرَجَ فِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ، وَفِي الرَّدِّ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِصَاحِبِ. النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ) وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ: وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ. وَالْمَسَائِلُ الْمُفَرَّعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ هُنَا. فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ أُمًّا وَبِنْتًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبُعِ مَا يَبْقَى، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا يَبْقَى، وَلِآخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا يَبْقَى، فَقُلْ: مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ. وَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ ثَلَاثَةٌ. ثُمَّ رُدَّ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ: يَكُنْ اثْنَيْ عَشْرَ. فَهِيَ بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ رُبُعُهُ. فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ ثُلُثِهِ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُخْتِ: صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَهِيَ

بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ سُبُعُهُ. فَزِدْ عَلَيْهِ سُدُسَهُ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ: يَكُنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ) . هَذِهِ الطَّرِيقَةُ: تُسَمَّى " طَرِيقَةَ الْمَنْكُوسِ " وَهِيَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ. وَلَنَا فِيهَا طَرِيقَةٌ مُطَّرِدَةٌ. وَلَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَلَكِنْ أَفَادَنِيهَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: انْكَسَرَ مَعَنَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَأَرْبَعَةٍ، وَسَبْعَةٍ. وَهَذِهِ الْأَعْدَادُ مُتَبَايِنَةٌ. فَاضْرِبْ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ: تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ. ثُلُثُهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ. وَرُبُعُهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ. وَسُبُعُهَا اثْنَيْ عَشْرَةَ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَسِتُّونَ. يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ النَّصِيبُ. فَاحْفَظْهُ. ثُمَّ تَأْتِي إلَى نَصِيبِ الْبِنْتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تُلْقِي ثُلُثَهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ. يَبْقَى اثْنَانِ، وَتُلْقِي مِنْ نَصِيبِ الْأُخْتِ رُبُعَهُ. وَهُوَ نِصْفُ سَهْمٍ. يَبْقَى سَهْمٌ وَنِصْفٌ. وَتُلْقِي مِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ سَبْعَةً. وَهُوَ سُبُعُ سَهْمٍ. يَبْقَى سِتَّةُ أَسْبَاعٍ. فَتَجْمَعُ الْبَاقِيَ بَعْدَ الَّذِي أَلْقَيْته مِنْ أَنْصِبَاءِ الثَّلَاثَةِ، يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَسُبُعَيْنِ وَنِصْفُ سُبُعٍ. فَتُضِيفُهَا إلَى الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ سِتٌّ، يَكُونُ الْمَجْمُوعُ عَشْرَةَ أَسْهُمٍ وَسُبُعَيْنِ وَنِصْفُ سُبُعٍ فَاضْرِبْ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِينَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ مَخْرَجِ الْكُسُورِ: يَكُونُ ثَمَانَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ. وَمِنْهَا تَصِحُّ. لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ، مَضْرُوبٌ فِي النَّصِيبِ. وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ. يَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا، وَلَهُ سُبُعُ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَانِمِائَةِ وَالسَّبْعِينَ، وَهُوَ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَعِشْرُونَ. بَلَغَ الْمَجْمُوعُ لَهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ، مَضْرُوبَانِ فِي النَّصِيبِ. تَبْلُغُ سِتَّةً وَأَرْبَعَةً. وَلَهُ رُبُعُ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَانِمِائَةِ وَالسَّبْعِينَ. وَقَدْرُهُ مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ. يَكُونُ الْمَجْمُوعُ لَهُ مِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ. وَلِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ: ثَلَاثَةٌ، مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ. تَبْلُغُ

تِسْعَةً وَسِتِّينَ. وَلَهُ ثُلُثٌ. الْبَاقِي مِنْ الثَّمَانِمِائَةِ وَالسَّبْعِينَ، وَقَدْرُهُ مِائَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَسِتُّونَ. يَكُونُ الْمَجْمُوعُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ. فَمَجْمُوعُ سِهَامِ الْمُوصَى لَهُمْ سَبْعُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سَهْمًا. وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْرُهُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ سَهْمًا. لِلْأُمِّ السُّدُسُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْرُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا. وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ، وَقَدْرُهُ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ سَهْمًا. وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَقَدْرُهُ تِسْعَةٌ وَسِتُّونَ سَهْمًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا يَبْقَى أَوَّلًا، أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا يَبْقَى: فَافْعَلْ كَمَا قُلْنَا، يَصِحُّ الْعَمَلُ مَعَك. بِخِلَافِ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِتَعْرِفَ، وَلِيُقَاسَ عَلَيْهَا مَا شَابَهَهَا لِاطِّرَادِهَا. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَاسْتَمَرَّ بِنَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ. ثُمَّ سَافَرْت إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِلزِّيَارَةِ. وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَفَاضِلِ الْمُحَرَّرِينَ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَصَايَا. فَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ فَتَرَدَّدَ فِيهَا. وَذَكَرَ لَنَا طَرِيقَةً حَسَنَةً مُوَافِقَةً لِقَوَاعِدِ الْفَرْضِيِّينَ. وَكُنْت قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ كَتَبْت الْأُولَى فِي التَّنْقِيحِ، كَمَا فِي الْأَصْلِ. فَلَمَّا تَحَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي قَالَهَا هَذَا الْفَاضِلُ أَوْلَى وَأَصَحَّ: أَضْرَبْنَا عَنْ هَذِهِ الَّتِي فِي الْأَصْلِ. وَأَثْبَتْنَا هَذِهِ. وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا. وَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي فِي الْأَصْلِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. وَإِنَّمَا هِيَ عَمَلٌ، لِتَصِحَّ قِسْمَتُهَا مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ. وَقَدْ كَتَبْت عَلَيْهَا مَا يُبَيِّنُ ضَعْفَهَا مِنْ صِحَّتِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَيُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ عِنْدَ النَّظَرِ. وَأَثْبَتُّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ. وَضَرَبْت عَلَى الْأُولَى الَّتِي فِي الْأَصْلِ هُنَا. فَلْيُحَرَّرْ.

باب الموصى إليه

[بَابُ الْمُوصَى إلَيْهِ] ِ فَائِدَةٌ: الدُّخُولُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَوِيِّ عَلَيْهَا: قُرْبَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ مَذْهَبِهِ أَنَّ تَرْكَ الدُّخُولِ أَوْلَى. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ) الْعَدْلُ الْعَاجِزُ إذَا كَانَ أَمِينًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ إجْمَاعًا. لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِطَرَيَانِ الْعَجْزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تَصِحُّ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ إبْدَالَهُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لِلْحَاكِمِ إبْدَالُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا) . تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْعَبْدِ، لَكِنْ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَمَنْ بَعْدَهُ. وَتَصِحُّ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَتَابَعَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا مَذْهَبُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى رَشِيدٍ عَدْلٍ، وَلَوْ رَقِيقٌ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي ذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْعَدْلِ الْعَدْلَ مُطْلَقًا. فَيَشْمَلُ مَسْتُورَ الْحَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعَدْلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَدَمُ صِحَّةِ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ إلَى كَافِرٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي تَعْلِيقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ. نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (أَوْ مُرَاهِقًا) . قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُرَاهِقِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُمَيِّزِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: مُكَلَّفٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَفِي الْوَصِيَّةِ إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُرَاهِقِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ قَبْلَ أَنْ يُرَاهِقَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ تَصِحُّ قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي: هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُوصَى إلَيْهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ؟ وَهُوَ الْوَصِيُّ الْمُنْتَظَرُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى السَّفِيهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تَصِحُّ الثَّانِيَةُ: لَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مَعَ وَصِيٍّ خَاصٍّ إذَا كَانَ كُفُؤًا فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حُجَّةٍ: أَنَّ وِلَايَةَ إخْرَاجِهَا وَالتَّعْيِينَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ إجْمَاعًا. وَإِنَّمَا لِلْوَلِيِّ الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، أَوْ فِعْلِهِ مُحَرَّمًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ لَا نَظَرَ وَلَا ضَمَّ مَعَ وَصِيٍّ مُتَّهَمٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ، فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ، وَيُجْعَلُ مَعَهُ آخَرُ وَنَقَلَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: إنْ كَانَ الْوَصِيُّ مُتَّهَمًا ضُمَّ إلَيْهِ رَجُلٌ يَرْضَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ، يَعْلَمُ مَا جَرَى. وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ. ثُمَّ إنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ: تَوَجَّهَ جَوَازُهُ. وَمِنْ الْوَصِيِّ: فِيهِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ ضَمِّهِ مَعَ فَاسِقٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلَى غَيْرِهِمْ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا

وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ إلَى الْفَاسِقِ. وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْحَاكِمُ أَمِينًا قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ إلَى الْفَاسِقِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ. وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَمِّ أَمِينٍ. حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الْعَدَالَةُ. وَعَنْهُ: يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. وَيَأْتِي: هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ فِي آخِرِ الْبَابِ؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ: فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهًا. أَحَدُهَا: يُشْتَرَطُ وُجُودُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَمَا بَيْنَهُمَا.

وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَوْلٌ فِي الْفُرُوعِ، وَوَجْهٌ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَالثَّانِي: يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ. وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ الْمُصَنِّفِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ فَقَطْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي لِلْمُصَنِّفِ. وَالرَّابِعُ: يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَقَطْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَتَخْرِيجٌ فِي الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ كَانَ أَهْلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، لَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ: فَوَجْهَانِ. وَمَنْ كَانَ أَهْلًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، فَزَالَتْ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. فَإِنْ كَانَ أَهْلًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ. ثُمَّ زَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ: صَحَّتْ. وَفِيهَا احْتِمَالٌ كَمَا لَوْ زَالَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ عَادَتْ. انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْصَى إلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إلَى آخَرَ. فَهُمَا وَصِيَّتَانِ) نَصَّ عَلَيْهِ. (إلَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْت الْأَوَّلَ) نَصَّ عَلَيْهِ. (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةٍ بِالْجَوَازِ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا جَعَلَ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ لِاثْنَيْنِ، أَوْ كَانَ لَهُمَا بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيَرْجِعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ " وَهَذَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فَائِدَةٌ لَوْ وَصَّى إلَى اثْنَيْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَأُرِيدَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ تَلَفُّظُهُمَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ. بَلْ الْمُرَادُ: صُدُورُهُ عَنْ رَأْيِهِمَا. ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ أَحَدُهُمَا، أَوْ الْغَيْرُ بِإِذْنِهِمَا، وَلَمْ يُخَالِفْ الْحَارِثِيُّ هَذَا الْقَائِلَ. قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَنَّهُ يَكْفِي إذْنُ أَحَدِهِمَا الْوَكِيلَ فِي صُدُورِ الْعَقْدِ مَعَ حُضُورِ الْآخَرِ، وَرِضَاهُ بِذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الِاثْنَيْنِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا: أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا) . وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ. بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ غَابَ. لَكِنْ لَوْ مَاتَا، أَوْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا، فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ مَاتَا جَازَ إقَامَةُ وَاحِدٍ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمَا مَا يُوجِبُ عَزْلَهُمَا: جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهُمَا وَاحِدًا فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ مَاتَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ وَاحِدًا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا فَلَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَنْصِبُ إلَّا اثْنَيْنِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ: إذَا لَمْ يَجْعَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا.

فَأَمَّا إنْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوَصِيَّةِ: لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ، إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَحْدَهُ. وَإِنْ مَاتَا مَعًا، أَوْ خَرَجَا مِنْ الْوَصِيَّةِ: فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ وَاحِدًا وَلَوْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ، أَوْ عِلَّةٍ، أَوْ كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا: ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَلَمْ يَنْعَزِلْ إجْمَاعًا. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ فَسَقَ) . يَعْنِي أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا وَيَنْعَزِلُ. فَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا مُنْفَرِدًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى وَصِيٍّ آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ. وَيَنْعَزِلُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يُضَمُّ إلَيْهِ هُنَا أَمِينٌ، وَإِنْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ إلَى الْفَاسِقِ لِطَرَيَانِهِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فَوَائِدُ لَوْ وَصَّى إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ لِيَكُونَ وَصِيًّا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ حَتَّى يَحْضُرَ فُلَانٌ، أَوْ إنْ مَاتَ فُلَانٌ، فَفُلَانٌ وَصِيٌّ: صَحَّ. وَيَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَيُسَمَّى " الْوَصِيَّ الْمُنْتَظَرَ ".

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَوْ أَوْصَى إلَى الْمُرْشِدِ مِنْ أَوْلَادِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ. وَيُسَمَّى " الْوَصِيَّ الْمُنْتَظَرَ " انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْهِ سَنَةً، ثُمَّ إلَى فُلَانٍ. لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ: فَجَعْفَرٌ. فَإِنْ قُتِلَ: فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: لَا. يَعْنِي لَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ. لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ فِي الْحَيَاةِ. وَلِهَذَا: هَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ، وَيَعْزِلَ مَنْ وَصَّى إلَيْهِ؟ . وَلَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَعْلُومٍ. وَلِلْوَصِيِّ عَزْلُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، كَالْوَكِيلِ. فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ: الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ. فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٌ فِي حَيَاتِي. أَوْ إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ: فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ: صَحَّ. وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. وَإِنْ قَالَ: فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي. فَإِنْ وَلِيَ ثُمَّ مَاتَ، فَفُلَانٌ بَعْدَهُ: لَمْ يَصِحَّ لِلثَّانِي. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إذَا وَلِيَ، وَصَارَ إمَامًا: حَصَلَ التَّصَرُّفُ، وَبَقِيَ النَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ. فَكَانَ الْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ. وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا: جَعَلَ الْعَهْدَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ صِفَاتُهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ إمَامَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أَوْ وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا، أَوْ بِشَرْطٍ، فَوَجَدَ الشَّرْطَ بَعْدَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ: أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ. وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ فِي مَسَائِلِ. وَأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقًا أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطٍ: بَطَلَ بِمَوْتِهِ.

قَالُوا: لِزَوَالِ مِلْكِهِ. فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي الْحَيَاةَ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: صِحَّةُ وِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالْوَظَائِفِ بِشَرْطِ شُغُورِهَا، أَوْ بِشَرْطٍ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ وَلِيِّ الْأَمْرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ . قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ صِفَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَوْلُهُ (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ: أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَنَصَرَهُ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ إنْ وُجِدَ حَاكِمٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَالِهِ وَلَا قَبْلَهُ، إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ بِذَلِكَ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةٌ: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِحَالٍ إذَا قَبِلَهَا. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ صَرِيحًا فِي الْحَالَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُسْنِدُ إلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا، أَوْ أَنَّهُ ظَالِمٌ: اتَّجَهَ جَوَازُ الْإِيصَاءِ. قَوْلًا وَاحِدًا. بَلْ يَجِبُ. لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الْأَمَانَةِ، وَصَوْنِ الْمَالِ عَنْ التَّلَفِ، وَالضَّيَاعِ انْتَهَى. وَعَنْهُ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَيَكُونُ الثَّانِي وَصِيًّا لَهُمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ الثَّانِي وَصِيًّا عَنْ الْأَوَّلِ. فَلَوْ طَرَأَ لِلْأَوَّلِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ: انْعَزَلَ الثَّانِي. لِأَنَّهُ فَرْعُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسِّتِّينَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ. فَاخْتَلَفَ نَقْلُهُ فِي مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَيَأْتِي فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ " هَلْ لِلْوَصِيِّ فِي النِّكَاحِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ؟ " فَائِدَةٌ: إنْ نَهَاهُ الْوَصِيُّ عَنْ الْإِيصَاءِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ. وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فِيمَا وَصَّاهُ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنْ أُذِنَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ: جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا جَوَازُ تَوْكِيلِ الْوَصِيِّ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ تَنْبِيهٌ:. شَمِلَ قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ) . الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَهُ إجْبَارُهَا كَالْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَالْخِلَافُ فِيهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْخِلَافَةِ مِنْ الْإِمَامِ. وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ آخَرُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) . أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهُ وَصِيًّا عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْوُرَّاثِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مَعَ بُلُوغِ الْوَارِثِ رُشْدَهُ، وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ " يَمْلِكُ الْمُوصِي فِعْلَهُ " أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِمَا لَا يَمْلِكُ فِعْلَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ فِي حَقِّ أَوْلَادِهَا الْأَصَاغِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْصَى بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ) وَكَذَا لَوْ جَحَدُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ. (أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَحْبِسُ بَاقِيَهُ، لِيُخْرِجُوا ثُلُثَ مَا مَعَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ الْبَاقِي. بَلْ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ، وَيُطَالِبُهُمْ بِثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. فَالْأُولَى: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا. وَالثَّانِيَةُ: مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ أَجْنَاسًا. فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كُلِّ جِنْسٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ جِنْسًا وَاحِدًا: أَخْرَجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا مَعَهُ. وَإِلَّا أَخْرَجَ ثُلُثَهُ فَقَطْ فَائِدَةٌ: لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ، أَوْ جُهِلَ مُوصًى لَهُ. فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ هُوَ أَوْ حَاكِمٌ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ: لَمْ يَضْمَنْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت: بَلْ يَرْجِعُ بِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ. وَعَنْهُ يَضْمَنُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ، فَأَبَى ذَلِكَ الْوَرَثَةُ: قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ) . يَعْنِي إذَا جَحَدُوا الدَّيْنَ وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ، أَوْ أَبَوْا الدَّفْعَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ: لَا يَقْضِيهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَقْضِيهِ إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ حَاكِمٌ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيِّتِ إنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَامَّةٌ فِي الْمُوصَى إلَيْهِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَيْرُ الْمُوصَى إلَيْهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ، وَجَحَدَهُ الْوَرَثَةُ، فَقَضَاهُ مِمَّا عَلَيْهِ: فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ: هَذِهِ. أَعْنِي يَقْضِيهِ إنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقْضِيهِ، وَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّالِثَةُ: يَبْرَأُ بِالدَّافِعِ بِالْقَضَاءِ بَاطِنًا. وَوَهَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: جَوَازَ قَضَائِهِ مُطْلَقًا فِي الْبَاطِنِ فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَامَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِحَقِّهِ، فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوصَى إلَيْهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا حُضُورِ حَاكِمٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. لَكِنْ جَعَلَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فِي جَوَازِ الدَّفْعِ، لَا فِي لُزُومِ الدَّفْعِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِدُونِ حُضُورِ حَاكِمٍ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيِّتٍ: أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا. إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ، لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ. وَهُوَ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَلَا بِقَبْضِهِ عَيْنًا: لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِدَفْعِهِ إلَى الْمُوصَى إلَيْهِ وَالْوَارِثِ مَعًا وَقِيلَ: أَوْ الْمُوصَى إلَيْهِ بِقَبْضِ حُقُوقِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ وَقِيلَ: أَوْ لِغَيْرِهِ فِي جِهَتِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ. وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ: نَفَّذَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ بِبَيِّنَةٍ. وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا: يُقْبَلُ مَعَ صِدْقِ الْمُدَّعِي تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى مُسْلِمٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي تَرِكَتِهِ خَمْرٌ وَلَا خِنْزِيرٌ. قَوْلُهُ (وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ) . يَعْنِي أَنَّ وَصِيَّةَ الْكَافِرِ إلَى كَافِرٍ تَصِحُّ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: الْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: وَجَدْته بِخَطِّهِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى كَافِرٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا إلَى مُسْلِمٍ. وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فِي دِينِهِ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُسْلِمِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت، أَوْ أَعْطِهِ مَنْ شِئْت: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ فِي الْوَلَدِ. وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ. وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ الْقَرِينَةِ فَقَطْ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ جَوَازَ دَفْعِهِ إلَى وَلَدِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنَعَهُ أَصْحَابُنَا. تَنْبِيه: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ " جَوَازُ أَخْذِ وَالِدِهِ وَأَقَارِبِهِ الْوَارِثِينَ، سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ كَوَلَدِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى ابْنِهِ، فَقَطْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى الْوَلَدُ وَلَا الْوَالِدُ. مِنْهُمْ صَاحِبُ النَّظْمِ وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَنْعِ مَنْ يَمُونُهُ وَجْهًا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّقْرِ، وَأَبِي دَاوُد وَقَالَهُ الْحَارِثِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ) يَعْنِي: إذَا امْتَنَعَ الْكِبَارُ مِنْ الْبَيْعِ، أَوْ كَانُوا غَائِبِينَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْمَنْصُوصُ الْإِجْبَارُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ إذَا حَصَلَ بَيْعُ بَعْضِهِ نَقْصٌ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا، وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَذَكَرَهُ فِي الشَّافِي. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا. لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلشَّرِيكِ، لَا بِقِيمَةِ النِّصْفِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. وَيُحْتَمَلُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ. وَهُوَ أَقْيَسُ. فَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ لَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. وَقِيلَ: يَبِيعُ بِقَدْرِ حِصَّةِ الصِّغَارِ، وَقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ، إنْ كَانَتْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ قُلْنَا التَّرِكَةُ لَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَعَ الدَّيْنِ: جَازَ بَيْعُهُ لِلدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، أَوْ وَصِيَّةٌ: بَاعَهُ الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا أَبَوْا بَيْعَهُ وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفَائِقِ الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ شَخْصٌ بِمَكَانٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ، وَلَا وَصِيَّ: جَازَ لِمُسْلِمٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ أَنْ يَحُوزَ تَرِكَتَهُ، وَيَعْمَلَ الْأَصْلَحَ فِيهَا مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: لَا يَبِيعُ الْإِمَاءَ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، وَالْحَيَوَانَ. وَلَا يَبِيعُ رَقِيقَهُ إلَّا حَاكِمٌ. وَعَنْهُ يَلِي بَيْعَ جَوَارِيهِ حَاكِمٌ، إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا إلَى وَرَثَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبَتُهُمْ لِيَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوهَا. انْتَهَى. وَيُكَفِّنَهُ مِنْ التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ. وَلَمْ تَتَعَذَّرْ، وَإِلَّا كَفَّنَهُ مِنْ عِنْدِهِ. وَرَجَعَ عَلَى التَّرِكَةِ إنْ كَانَتْ. وَإِلَّا عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَلَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ. فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ، أَوْ أَبَى الْإِذْنَ: رَجَعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَإِمْكَانِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ، وَلَمْ يَنْوِ، مَعَ إذْنِهِ.

كتاب الفرائض

[كِتَابُ الْفَرَائِضِ] ِ فَائِدَةٌ: " الْفَرَائِضُ " جَمْعُ فَرِيضَةٍ. وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَالِاسْمُ " الْفَرِيضَةُ " وَتُسَمَّى قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ ". وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ: هِيَ الْعِلْمُ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا حَذْفٌ، لِيُوَافِقَ مَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ مَعْرِفَةُ الْوَرَثَةِ وَسِهَامِهِمْ، وَقِسْمَةُ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: هِيَ قِسْمَةُ الْإِرْثِ. وَقُلْت: مَعْرِفَةُ الْوَرَثَةِ وَحُقُوقِهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ (وَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ: رَحِمٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ) فَ " الرَّحِمُ " الْقَرَابَةُ وَ " النِّكَاحُ " عَقْدُهُ. وَإِنْ عَرِيَ عَنْ الْوَطْءِ " وَالْوَلَاءُ " نِعْمَةُ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ بِعِتْقِهِ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ وَارِثًا مَوْرُوثًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ: نَسَبٌ خَاصٌّ، وَنِكَاحٌ خَاصٌّ، وَوَلَاءُ عِتْقٍ خَاصٌّ، وَنَحْوُهُ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ: ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرُ، وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِغَيْرِهِمْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ (أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَاقَدَةِ، وَإِسْلَامِهِ عَلَى يَدِهِ، وَكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ. وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ) . زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ: وَالْتِقَاطِ الطِّفْلِ. وَاخْتَارَ: أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ الرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَرِثُ عَبْدٌ سَيِّدَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ: وَوَرَّثَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ مِنْ مُعْتِقِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " بَابِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ " رِوَايَةٌ بِإِرْثِ الْعَبْدِ مِنْ قَرِيبِهِ، عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَقَوْلٌ: بِإِرْثِ الْمُكَاتَبِ مِنْ عَتِيقِهِ فِي صُورَةٍ. فَائِدَةٌ " الْمُوَالَاةُ " هِيَ الْمُؤَاخَاةُ. وَ " الْمُعَاقَدَةُ " هِيَ الْمُحَالَفَةُ قَوْلُهُ (وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةٌ: ذَوُو فَرْضٍ وَعَصَبَاتٍ) بِلَا نِزَاعٍ (وَذَوُو رَحِمٍ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِهِ.

باب ميراث ذوي الفروض

[بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ فِي عَدَدِهِمْ (وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ: وَقَدْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ بِمَوْتِ أُمِّهِ عَنْهُمَا. قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ عَنْهُمَا: لَا يَرِثَانِ مِنْهَا، إلَّا بِكَوْنِهِمَا أَوْلَادًا، لَا بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَخَ الْآخَرِ لِأُمِّهِ. غَايَتُهُ أَنَّهُمَا: أَخٌ وَأُخْتٌ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَبٍ، وَالْإِرْثُ مِنْ الْأُمِّ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَالتَّعْصِيبُ: إنَّمَا حَصَلَ لِكَوْنِهَا أَوْلَادًا، لَا لِكَوْنِهِمْ إخْوَةً لِأُمٍّ. فَعَلَى مَا قَالَا: يُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، النِّصْفُ مَعَ عَدَمِهِمَا. وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ. وَالرُّبُعُ مَعَ عَدَمِهِمَا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا. فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا: فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بَاطِلًا: فَلَا تَوَارُثَ. بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (وَلِلْجَدِّ حَالٌ رَابِعٌ. وَهُوَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ: فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ وَعَنْهُ يُسْقِطُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ

قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَالْآجُرِّيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ أَيْضًا، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَحَدِيثُ: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» ضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْآجُرِّيُّ مِنْ أَعْيَانِ أَعْيَانِ أَصْحَابِنَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا السُّدُسُ: فَهُوَ لَهُ. وَسَقَطَ مَنْ مَعَهُ مِنْهُمْ، إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ) . تَسْتَحِقُّ الْأُخْتُ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ جُزْءًا مِنْ التَّرِكَةِ، وَقَدْرُهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا تَرِثُ الْأُخْتُ مَعَ الْجَدِّ فِيهَا. فَتَسْقُطُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَهَا. فَائِدَةٌ: سُمِّيَتْ " أَكْدَرِيَّةً " لِتَكْدِيرِهَا أُصُولَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْجَدِّ، فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ. وَقِيلَ: إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ: سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا اسْمَهُ " الْأَكْدَرُ " فَنُسِبَتْ إلَيْهِ وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أَكْدَرِيَّةً بِاسْمِ السَّائِلِ عَنْهَا. وَقِيلَ. لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ كَانَ اسْمُهَا أَكْدَرَةُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ زَيْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَدَّرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا. وَقِيلَ: لِتَكَدُّرِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهَا، وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ: سُمِّيَتْ الْخَرْقَاءَ، لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا) . فَكَأَنَّ أَقْوَالَهُمْ: خَرَقَتْهَا.

وَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ فِيهَا: سَبْعَةٌ. وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُسَبَّعَةَ، وَتَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ. وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُسَدَّسَةَ. وَاخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ. وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُخَمَّسَةَ. وَتُسَمَّى الْمُرَبَّعَةَ. لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ. وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَانِ. وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَتُسَمَّى الْمُثَلَّثَةَ، وَالْعُثْمَانِيَّةَ أَيْضًا لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَسَّمَهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَتُسَمَّى أَيْضًا: الشَّعْبِيَّةَ، وَالْحَجَّاجِيَّةَ. لِأَنَّ الْحَجَّاجَ سَأَلَ عَنْهَا الشَّعْبِيَّ امْتِحَانًا. فَأَصَابَ. فَعَفَا عَنْهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ عُدِمَ الْجَدُّ مِنْ الْأَكْدَرِيَّةِ: سُمِّيَتْ " الْمُبَاهَلَةَ " لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا لَمْ يَعْلَمْهَا. وَقَالَ " مَنْ شَاءَ بَاهَلْته " فَسُمِّيَتْ " الْمُبَاهَلَةَ " لِذَلِكَ. وَتَأْتِي قِصَّتُهَا فِي أَوَّلِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ. لِلْجَدِّ سَهْمَانِ. وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ. ثُمَّ رَجَعَتْ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، فَأَخَذَتْ مَا فِي يَدِ أُخْتِهَا كُلَّهُ) . فَيُعَايَى بِهَا. فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ حُبْلَى جَاءَتْ إلَى قَوْمٍ. فَقَالَتْ لِلْوَرَثَةِ: لَا تَعْجَلُوا، إنْ أَلِدْ أُنْثَى: لَمْ تَرِثْ. وَإِنْ أَلِدْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ ذَكَرًا: وَرِثَ الْعُشْرَ فَقَطْ. وَإِنْ أَلِدْ ذَكَرَيْنِ: وَرِثَا السُّدُسَ. فَهِيَ أُمُّ الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ (وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ لَهَا السُّدُسُ. وَهُوَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) .

أَمَّا مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الِابْنِ: فَإِنَّ لَهَا السُّدُسَ، بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ: فَلَهَا السُّدُسُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَسَوَاءٌ كَانُوا مَحْجُوبِينَ، أَوْ لَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، إلَّا إذَا كَانُوا وَارِثِينَ مَعَهَا. فَإِنْ كَانُوا مَحْجُوبِينَ بِالْأَبِ: وَرِثَتْ السُّدُسَ. فَلَهَا فِي مِثْلِ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ عِنْدَهُ. وَالْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ. قَوْلُهُ (وَحَالٌ لَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَهِيَ مَعَ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ، وَأَبَوَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لَهَا الثُّلُثُ. وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالْحُجَّةُ مَعَهُ، لَوْلَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. انْتَهَى. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تُسَمَّيَانِ " الْعُمَرِيَّتَيْنِ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَحَالٌ رَابِعٌ. وَهِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ لِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا، أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ. فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ نَفَاهُ) . لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَعْصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ مَنْ نَفَاهُ. مِثْلُ: أَنْ تَلِدَ تَوْأَمَيْنِ. فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بِالْأُخُوَّةِ مِنْ الْأَبِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ مِنْ الْأَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ مِنْ الْأَبِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ {وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ}

مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا ابْنُ ابْنٍ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ابْنٌ وَلَا ابْنُ ابْنٍ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا هِيَ عَصَبَتُهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرِثُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ مَعَ ابْنَتِهِ، لَا أُخْتُهُ لِأُمِّهِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: إنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ مَوْجُودَةً. فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ: يُرَدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ. فَإِنْ عُدِمُوا: فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ. وَالتَّفْرِيعُ الْآتِي بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُنَّ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ، وَخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَبَاقِيهِ لِلْجَدَّةِ) . عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهَذِهِ جَدَّةٌ وَرِثَتْ مَعَ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْهَا. فَيُعَايَى بِهَا. وَعَلَى الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ: لِلْأُمِّ جَمِيعُ الْمَالِ. قَوْلُهُ فِي الْجَدَّاتِ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ: فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ. فَتُشَارِكُهَا. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ. وَلَمْ يَعْزُ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى إلَّا إلَى الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: تُشَارِكُهَا فِي الْأَشْهَرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ جَدَّةً تَرِثُ مَعَهَا أُمُّهَا. مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ جَدَّةٌ، هِيَ أُمُّ أَبِيهِ. وَتَكُونُ أُمُّهَا أُمَّ أُمِّ الْمَيِّتِ. وَذَلِكَ: بِأَنْ يَتَزَوَّجَ أَبُو الْمَيِّتِ بِابْنَةِ خَالَتِهِ، وَجَدَّتُهُ الَّتِي هِيَ أُمُّ خَالَتِهِ مَوْجُودَةٌ. وَكَذَلِكَ ابْنَتُهَا الَّتِي هِيَ أُمُّهُ. ثُمَّ تُخَلِّفُ وَلَدًا، فَيَمُوتُ الْوَلَدُ. فَيُخَلِّفُ أُمَّ أَبِيهِ وَأُمَّهَا، الَّتِي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ. فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. فَيُعَايَى بِهَا. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ إرْثِهَا عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْحَجْبِ. لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْجَدَّاتِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (فَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَأُمُّ أَبِي الْجَدِّ: فَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا) أَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ: فَهِيَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْجَدِّ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. فَلَا تَرِثُ بِنَفْسِهَا فَرْضًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: تَرِثُ، وَلَيْسَتْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَمِثْلُهَا: أُمُّ جَدِّ الْجَدِّ، وَلَوْ عَلَتْ أُبُوَّةً وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَثُرَتْ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " بَابِ ذَوِي الْأَرْحَامِ " فِي عَدَدِهِمْ. قَوْلُهُ (وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ) . يَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ عَمًّا اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تَرِثُ. فَعَلَيْهَا: لِأُمِّ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ وَأُمِّهِ: السُّدُسُ كَامِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ، مَعَ قِيَامِ الِاسْتِحْقَاقِ لِجَمِيعِهِ. وَقِيلَ: لَهَا نِصْفُ السُّدُسِ مُعَادَاةً بِأُمِّ الْأَبِ الَّتِي لَا تَرِثُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ مَأْخَذَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَكَذَلِكَ الْوَجْهَانِ إذَا كَانَ مَعَهَا أُمُّ أُمِّ الْأَبِ، إلَّا أَنْ تَسْقُطَ الْبُعْدَى بِالْقُرْبَى. عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُعَادَاةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ مَعَ أَخَوَيْنِ. فَلَهَا ثُلُثَا السُّدُسِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَعَنْهُ: تَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا. فَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّتِهِ، فَجَدَّتُهُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ وَلَدِهِمَا، وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ.

وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ. فَجَدَّتُهُ: أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْلَتْ جَدَّةٌ بِثَلَاثِ جِهَاتٍ تَرِثُ بِهَا: لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى وَارِثَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: تَرِثُ مَعَهَا رُبُعَ السُّدُسِ، أَوْ نِصْفَهُ. عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ اللَّقِيطِ: أَنَّهُ لَوْ أُلْحِقَ بِأَبَوَيْنِ: أَنَّ لِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ أُلْحِقَ بِهِمَا مَعَ أُمِّ أُمٍّ نِصْفُ السُّدُسِ، وَلِأُمِّ الْأُمِّ نِصْفُهُ. فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ. فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ. فَيُمْكِنُ عَوْلُهَا بِهَذَا السُّدُسِ كُلِّهِ. فَلَوْ عَصَّبَهَا أَخُوهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ الْأَخُ الْمَشْئُومُ. لِأَنَّهُ ضَرَّهَا وَمَا انْتَفَعَ) ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ. فَأَمَّا الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ، وَهِيَ الْقَائِلَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مَعَ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ: إنْ أَلِدْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ، أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى: لَمْ يَرِثَا. وَإِنْ أَلِدْ أُنْثَى: وَرِثَتْ. فَيُعَايَى بِهَا. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَنَاتِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَجْبِ (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَةٍ. بِالِابْنِ وَابْنِهِ، وَالْأَبِ. وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَبِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ. لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُسْقِطُهُمْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَلِلْجَدِّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ. وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) .

باب العصبات

[بَابُ الْعَصَبَاتِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا. ثُمَّ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ الْأَبِ. وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ. أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ: فَضَعِيفٌ. فَقَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِخْوَةَ يُقَاسِمُونَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ أَوْلَى فِي الْجُمْلَةِ: فَصَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا السُّدُسُ: وَرِثَهُ، وَأَسْقَطَهُمْ؟ وَكَذَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ: أُعِيلَ بِسَهْمِهِ. وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ. فَوَائِدُ بَعْدَ ذِكْرِ تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ: لَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ هَذَا صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً، وَتَزَوَّجَ أَبُوهُ ابْنَتَهَا. فَابْنُ الْأَبِ عَمٌّ. وَابْنُ الِابْنِ خَالٌ. فَيَرِثُهُ خَالُهُ دُونَ عَمِّهِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ خَلَّفَ الْأَبُ فِيهَا أَخًا وَابْنَ ابْنِهِ وَهُوَ أَخُو زَوْجَتِهِ وَرِثَهُ، دُونَ أَخِيهِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَيُقَالُ أَيْضًا: وَرِثَتْ زَوْجَةٌ ثُمُنًا وَأَخُوهَا الْبَاقِي. فَيُعَايَى بِهَا. فَلَوْ كَانَ الْإِخْوَةُ سَبْعَةً: وَرِثُوهُ سَوَاءً. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ كَانَ الْأَبُ تَزَوَّجَ الْأُمَّ، وَتَزَوَّجَ ابْنُهُ بِنْتَهَا، فَابْنُ الْأَبِ مِنْهَا عَمُّ وَلَدِ الِابْنِ وَخَالُهُ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ زَيْدٌ أُمَّ عَمْرٍو، وَتَزَوَّجَ عَمْرٌو بِنْتَ زَيْدٍ، فَابْنُ زَيْدٍ عَمُّ ابْنِ عَمْرٍو وَخَالُهُ. فَيُعَايَى بِهَا.

وَلَوْ تَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخْتَ الْآخَرِ، فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: ابْنُ خَالِ وَلَدِ الْآخَرِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ. فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالُ وَلَدِ الْآخَرِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ، فَهُمَا الْقَائِلَتَانِ: مَرْحَبًا بِابْنَيْنَا، وَزَوْجَيْنَا وَابْنَيْ زَوْجَيْنَا. وَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَمُّ الْآخَرِ. فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ: وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ ثُمَّ عَصَبَاتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الرَّدُّ وَذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ " يَعْنِي الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ. كَعَصَبَاتِ النَّسَبِ. فَيُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَخَرَّجَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي كِتَابِهِ " التَّلْخِيصِ " فِي الْفَرَائِضِ مِنْ مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ: رِوَايَةً أُخْرَى بِاشْتِرَاكِ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فِي الْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَتَى كَانَ بَعْضُ بَنِي الْأَعْمَامِ زَوْجًا، أَوْ أَخًا مِنْ أُمٍّ: أَخَذَ فَرْضَهُ. وَشَارَكَ الْبَاقِينَ فِي تَعْصِيبِهِمْ) . فَلَوْ تَزَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا: وَرِثَتْ الْبِنْتُ النِّصْفَ، وَأَبُوهَا النِّصْفَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ أَوْلَدَهَا بِنْتَيْنِ: وَرِثُوهَا أَثْلَاثًا. فَيُعَايَى بِهَا.

وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَ إخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ، أَحَدُهُمْ تَزَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ. فَإِذَا مَاتَتْ: وَرِثَ الزَّوْجُ ثُلُثَيْ التَّرِكَةِ، وَالْأَخَوَيْنِ الْآخَرَيْنِ: الثُّلُثَ. فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا، فَوَلَدَتْ وَلَدًا. ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِأَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَلَهُ خَمْسَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ. ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْهُ مِثْلَهُمْ. ثُمَّ تَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَوَلَدَتْ لَهُ خَمْسَ بَنِينَ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَتْ، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهَا الْأَوَّلُ: وَرِثَ مِنْهُ خَمْسَةُ إخْوَةٍ نِصْفًا، وَخَمْسَةٌ ثُلُثًا، وَخَمْسَةٌ سُدُسًا. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (فَإِذَا اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ الْمَالَ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَصَبَةِ، كَزَوْجٍ وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ. وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ: الثُّلُثُ. وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: أَنَّ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ: يُشَارِكُونَ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَتُسَمَّى " الْمُشَرَّكَةَ " وَ " الْحِمَارِيَّةَ " إذَا كَانَ فِيهَا إخْوَةٌ لِأَبَوَيْنِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمْ أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ: عَالَتْ إلَى عَشْرَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ (وَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْفُرُوخِ) . وَتُسَمَّى أَيْضًا " الشُّرَيْحِيَّةَ " لِحُدُوثِهَا فِي زَمَنِ شُرَيْحٍ الْقَاضِي. لِأَنَّ الزَّوْجَ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ النِّصْفَ. فَلَمَّا أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةً مِنْ عَشْرَةٍ. فَخَرَجَ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَعْطَيْت النِّصْفَ، وَلَا الثُّلُثَ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ. إذَا رَأَيْتنِي رَأَيْت حُكْمًا جَائِرًا. وَإِذَا رَأَيْتُك ذَكَرْت رَجُلًا فَاجِرًا. لِأَنَّك تَكْتُمُ الْقَضِيَّةَ، وَتُشِيعُ الْفَاحِشَةَ.

باب أصول المسائل

[بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ سُدُسٌ، أَوْ ثُلُثٌ، أَوْ ثُلُثَانِ فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ) . فَزَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ مِنْ أُمٍّ: مِنْ سِتَّةٍ. وَتُسَمَّى " مَسْأَلَةَ الْإِلْزَامِ " لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُعِيلُ الْمَسَائِلَ، وَلَا يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةِ إخْوَةٍ. فَإِنَّهُ أَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ هُنَا، وَالْبَاقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ لِلْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ. فَهُوَ إنَّمَا يُدْخِلُ النَّقْصَ عَلَى مَنْ يَصِيرُ عَصَبَةً فِي حَالٍ. وَإِنْ أَعْطَى الْأُمَّ السُّدُسَ، فَهُوَ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا بِثَلَاثَةٍ. وَهُوَ لَا يَرَى الْعَوْلَ. قَوْلُهُ (وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ) . فَتُسَمَّى الْمَسْأَلَةُ إذَا عَالَتْ إلَى تِسْعَةٍ " الْغَرَّاءَ " لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْمُبَاهَلَةِ. فَاشْتُهِرَ الْعَوْلُ فِيهَا. وَمَسْأَلَةُ الْمُبَاهَلَةِ: زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. فَشَاوَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّحَابَةَ. فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْعَوْلِ. وَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ عُمَرَ. فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى الْمُبَاهَلَةِ. وَقَالَ " مَنْ شَاءَ بَاهَلْته: إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا: لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا. فَإِذَا ذَهَبَ النِّصْفَانِ بِالْمَالِ، فَأَيْنَ الثُّلُثُ؟ ". ثُمَّ قَالَ " وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَخَّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ قَطُّ " فَقِيلَ لَهُ " لِمَ لَا أَظْهَرْت هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ فَقَالَ: كَانَ مَهِيبًا فَهِبْته " انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ قَبْلَهَا مَسْأَلَةُ " الْإِلْزَامِ " وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْهَا.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الرُّبُعِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ: فَهِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ. وَتَعُولُ عَلَى الْأَفْرَادِ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ) . كَثَلَاثِ زَوْجَاتٍ، وَجَدَّتَيْنِ، وَأَرْبَعِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ. فَهَذِهِ تُسَمَّى " أُمَّ الْأَرَامِلِ " لِأَنَّ الْوَرَثَةَ كُلَّهُمْ نِسَاءٌ. فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ: سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا: فَلِكُلِّ امْرَأَةٍ دِينَارٌ. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الثَّمَنِ سُدُسٌ، أَوْ ثُلُثَانِ. فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَلَا تَعُولُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ: أَنَّهَا تَعُولُ إلَى إحْدَى وَثَلَاثِينَ. وَلَعَلَّهُ عَنَى الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنَّهُ مَذْهَبُهُ، كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ تَسْتَوْعِبْ الْفُرُوضُ الْمَالَ، وَلَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ: رَدَّ الْفَاضِلَ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ، إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الرَّدُّ وَذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الْوَلَاءِ. وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ الْعَصَبَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا انْقَرَضَتْ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ: وَرِثَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ ". وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الرَّدِّ. وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ بِالرَّدِّ بِحَالٍ. وَعَنْهُ: لَا يُرَدُّ عَلَى وَلَدِ أُمٍّ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا عَلَى جَدَّةٍ مَعَ ذِي سَهْمٍ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. إلَّا قَوْلَهُ " إلَّا مَعَ ذِي سَهْمٍ ".

فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ نَقُلْ بِالرَّدِّ: كَانَ الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ مَالُ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ. لَكِنْ هَلْ بَيْتُ الْمَالِ وَارِثٌ، أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَإِنَّمَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ الضَّائِعُ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْعَاقِلَةِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْحَارِثِيُّ، فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا: وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ غَيْرُ وَارِثٍ، لِتَقَدُّمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَيْهِ. وَانْتِفَاءِ صَرْفِ الْفَاضِلِ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ إلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَيْسَ بِعَصَبَةٍ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَلَنَا رِوَايَةٌ، أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ إرْثًا. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أُرِيدَ اشْتِبَاهُ الْوَارِثِ بِغَيْرِهِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ لِلْكُلِّ: فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أُرِيدَ: أَنَّهُ إرْثٌ فِي الْبَاطِنِ لِمُعَيَّنٍ، فَيُحْفَظُ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ، لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّهِ عَيْنًا: فَهُوَ وَالْأَوَّلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ: وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ: مَسْأَلَةُ اقْتِصَاصِ الْإِمَامِ مِمَّنْ قَتَلَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. مِنْهُمْ: مَنْ بَنَاهَا، عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ: هَلْ هُوَ وَارِثٌ أَمْ لَا؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ لَهُمْ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ. وَلَوْ قُلْنَا: بِأَنَّهُ وَارِثٌ. لِأَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ. الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ، وَالْغَائِبَ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِوَارِثٍ. لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ وَنَظَرَهُ فِي الْمَصَالِحِ: قَائِمٌ مَقَامَ الْوَارِثِ. وَهُوَ مَأْخَذُ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي وَصِيَّةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إنْ قِيلَ: إنَّ بَيْتَ الْمَالِ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ: جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ وَارِثٌ، لَمْ تَجُزْ إلَّا بِالثُّلُثِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْفَيْءِ: هَلْ بَيْتُ الْمَالِ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ، أَمْ لَا؟

باب تصحيح المسائل

[بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ تَبَايَنَتْ: ضَرَبْت بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ. فَمَا بَلَغَ: ضَرَبْته فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا) . كَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ، وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ، تُسَمَّى " الصَّمَّاءَ " وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَخَمْسِ جَدَّاتٍ، وَسَبْعِ بَنَاتٍ، وَتِسْعِ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ. تُسَمَّى " مَسْأَلَةَ الِامْتِحَانِ " لِأَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. وَذَلِكَ: أَنَّك إذَا ضَرَبْت الْأَعْدَادَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ: بَلَغَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ. مَضْرُوبَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: تَبْلُغُ مَا قُلْنَا. فَيُقَالُ: أَرْبَعَةُ أَعْدَادٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عَدَدُهُ عَشْرَةً بَلَغَتْ مَسْأَلَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ. فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً، كَأَرْبَعَةٍ، وَسِتَّةٍ، وَعَشَرَةٍ) . هَذَا يُسَمَّى " الْمَوْقُوفَ الْمُطْلَقَ ". ذَلِكَ: أَنْ تَقِفَ أَيَّ الْأَعْدَادِ شِئْت. وَيَصِحُّ جُزْءُ السَّهْمِ مِنْ سِتِّينَ. وَبَقِيَ نَوْعٌ آخَرُ، وَيُسَمَّى " الْمَوْقُوفَ الْمُقَيَّدَ ". مِثَالُهُ: لَوْ انْكَسَرَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَعِشْرِينَ. فَهُنَا تَقِفُ الِاثْنَا عَشَرَ، لَا غَيْرُ. لِأَنَّهَا تُوَافِقُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بِالْأَسْدَاسِ، وَالْعِشْرِينَ بِالْأَرْبَاعِ. بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفْت الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ. فَإِنَّهَا لَا تُوَافِقُ الْعِشْرِينَ إلَّا بِالْإِنْصَافِ. وَإِنْ وَافَقَتْ الْعِشْرِينَ: لَمْ تُوَافِقْهَا الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ إلَّا بِالْأَنْصَافِ. فَيَرْتَفِعُ الْعَمَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَهُمْ. فَالْأَوْلَى: أَنْ تَقِفَ الِاثْنَا عَشَرَ. وَقِسْ عَلَيْهَا مَا شَابَهَهَا.

باب المناسخات

[بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَعْنَاهَا: أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ) وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ أَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ. ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَخَلَّفَ مَنْ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ كَانَ رَجُلًا: فَالْأَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَدٌّ فِي الثَّانِيَةِ، أَبُو أَبٍ. فَيَرِثُهُ فِي الثَّانِيَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ: أُنْثَى، فَالْأَبُ فِي الْأُولَى جَدٌّ فِي الثَّانِيَةِ أَبُو أُمٍّ. فَلَا يَرِثُ. فَتَصِحُّ فِي الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ. وَفِي الثَّانِيَةِ: مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ. وَتُسَمَّى " الْمَأْمُونِيَّةَ " لِأَنَّ الْمَأْمُونَ سَأَلَ عَنْهَا يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ. فَقَالَ لَهُ: الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَهَا. فَقَالَ لَهُ: كَمْ سِنُّك؟ فَفَطِنَ يَحْيَى لِذَلِكَ، وَظَنَّ أَنَّهُ اسْتَصْغَرَهُ فَقَالَ: سِنُّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمَنَ وَسِنُّ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَلِيَ مَكَّةَ. فَاسْتَحْسَنَ جَوَابَهُ، وَوَلَّاهُ الْقَضَاءَ.

باب قسم التركات

[بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا يَرِثُنِي أَرْبَعَةُ بَنِينَ، وَلِي تَرِكَةٌ. أَخَذَ الْأَكْبَرُ دِينَارًا وَخُمِّسَ مَا بَقِيَ. وَأَخَذَ الثَّانِي دِينَارَيْنِ وَخُمِّسَ مَا بَقِيَ. وَأَخَذَ الثَّالِثُ ثَلَاثَ دَنَانِيرَ وَخُمِّسَ مَا بَقِيَ. وَأَخَذَ الرَّابِعُ جَمِيعَ مَا بَقِيَ. وَالْحَالُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ حَقَّهُ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. كَمْ كَانَتْ التَّرِكَةُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا. وَفِي الْفُرُوعِ هُنَا سَهْوٌ. فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلرَّابِعِ: أَرْبَعَةً وَخُمِّسَ مَا بَقِيَ. وَالْحَالُ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْبَعَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِمَرِيضٍ: أَوْصِ. فَقَالَ: إنَّمَا يَرِثُنِي امْرَأَتَاك، وَجَدَّتَاك وَأُخْتَاك، وَعَمَّتَاك، وَخَالَتَاك. فَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزَوَّجَ بِجَدَّتَيْ الْآخَرِ: أُمِّ أُمِّهِ، وَأُمِّ أَبِيهِ، فَأَوْلَدَ الْمَرِيضُ كُلًّا مِنْهُمَا بِنْتَيْنِ. فَهُمَا مِنْ أُمِّ الْأَبِ الصَّحِيحِ: عَمَّتَا الصَّحِيحِ. وَمِنْ أُمِّ أُمِّهِ: خَالَتَاهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو الْمَرِيضِ تَزَوَّجَ أُمَّ الصَّحِيحِ، فَأَوْلَدَهَا بِنْتَيْنِ. وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ. وَيُعَايَى بِهَا.

باب ذوي الأرحام

[بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ] ِ تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ رِوَايَةٌ: أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَرِثُونَ أَلْبَتَّةَ. وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ هُنَا فِي عَدَدِهِمْ (وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنْ الْجَدِّ) . أَمَّا الْأُولَى: فَهِيَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا الْجَدَّةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي الْمُدْلِيَةَ بِأَبٍ أَعْلَى مِنْ الْجَدِّ فَهِيَ أَيْضًا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقِيلَ: هِيَ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ، فِي فَصْلِ الْجَدَّاتِ. وَقَوْلُهُ (وَيَرِثُونَ بِالتَّنْزِيلِ) . كَمَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. وَعَنْهُ يَرِثُونَ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ الْعَصَبَةِ. قَوْلُهُ (وَالْعَمَّاتُ وَالْعَمُّ مِنْ الْأُمِّ كَالْأَبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: كَالْعَمِّ يَعْنِي مِنْ الْأَبَوَيْنِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَقِيلَ: كُلُّ عَمَّةٍ كَأَخِيهَا. وَعَنْهُ: الْعَمَّةُ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ كَالْجَدِّ. فَعَلَيْهَا: الْعَمَّةُ لِأُمٍّ، وَالْعَمُّ لِأُمٍّ، كَالْجَدَّةِ أُمُّهُمَا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْعَمَّةُ كَالْأَبِ. وَقِيلَ: كَبِنْتٍ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا خَطَأٌ، وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْبِنْتِ؟ فَائِدَةٌ: هَلْ عَمَّةُ الْأَبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؟ وَهَلْ عَمُّ الْأَبِ مِنْ الْأُمِّ، وَعَمَّةُ الْأَبِ لِأُمٍّ: كَالْجَدِّ، أَوْ كَعَمِّ الْأَبِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ كَأُمِّ الْجَدِّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْضًا. وَلَيْسَا كَأَبِ الْجَدِّ. لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَدْلَى جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ. فَنَصِيبُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إلَّا وَلَدُ الْأُمِّ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُسَوَّى بَيْنَهُمْ إلَّا الْخَالُ وَالْخَالَةُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ اسْتِحْسَانًا. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشِّيرَازِيُّ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ هَذَا بِعَيْنِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ سَبَقَ إلَى الْوَارِثِ: وَرِثَ، وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ. إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِهَتَيْنِ، فَيُنَزَّلُ الْبَعِيدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِوَارِثِهِ، سَوَاءٌ سَقَطَ بِهِ الْقَرِيبُ أَمْ لَا. كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ. وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ) . فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الْمَالَ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. وَذُكِرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: أَنَّ الْإِرْثَ لِلْجِهَةِ الْقُرْبَى مُطْلَقًا. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي ابْنِ بِنْتٍ، وَابْنِ أَخٍ لِأُمٍّ لَهُ السُّدُسُ. وَلِابْنِ الْبِنْتِ النِّصْفُ. فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. قَوْلُهُ (وَالْجِهَاتُ أَرْبَعٌ: الْأُبُوَّةُ، وَالْأُمُومَةُ، وَالْبُنُوَّةُ، وَالْأُخُوَّةُ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، أَوْ لَا. وَيَلْزَمُهُ عَلَيْهِ: إسْقَاطُ بِنْتِ الْأَخِ، وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ وَبَنُوهُنَّ بِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذَا كَانَ ابْنُ ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، وَبِنْتُ ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ: فَلَهُ السُّدُسُ، وَلَهَا الْبَاقِي. وَيَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ الْأُخُوَّةِ جِهَةً: أَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ لِلْبِنْتِ. وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. حَيْثُ يَجْعَلُ أَجْنَبِيَّتَيْنِ أَهْلَ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَرَدَّهُ شَارِحُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ فَاسِدٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: خَطَأٌ.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ الْعُمُومَةَ جِهَةً خَامِسَةً. وَهُوَ مُفْضٍ إلَى إسْقَاطِ بِنْتِ الْعَمِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، بِبِنْتِ الْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ، وَبِنْتِ الْعَمَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَلَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا. وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَمْ يُعَدَّ قَبْلَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هَذَا أَشْهَرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ، وَهُمْ: الْأُبُوَّةُ، وَالْأُمُومَةُ وَالْبُنُوَّةُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَخِيرًا، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إسْقَاطُ بِنْتِ عَمَّةٍ بِبِنْتِ أَخٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ أَفْسَدُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النِّزَاعُ لَفْظِيٌّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْلِ " الْأُخُوَّةِ " وَ " الْعُمُومَةِ " جِهَةً. وَبَيْنَ إدْخَالِهَا فِي جِهَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ. وَيَجْعَلُ الْجِهَاتِ ثَلَاثًا. وَالِاعْتِرَاضُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: إذَا كَانَا مِنْ جِهَةٍ: قَدَّمْنَا الْأَقْرَبَ إلَى الْوَارِثِ. فَإِذَا كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ: لَمْ يُقَدَّمْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَارِثِ. فَاسْمُ الْجِهَةِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي بِهِ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مِنْ الْقَرَابَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ يَشْتَرِكْنَ فِي بُنُوَّةِ الْعُمُومَةِ. وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ يَشْتَرِكْنَ فِي بُنُوَّةِ الْأُخُوَّةِ. وَلَمْ يُرِدْ أَبُو الْخَطَّابِ بِالْجِهَةِ: الْوَارِثَ الَّذِي يُدْلَى بِهِ. وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْوَارِثِ الَّذِي يُدْلَى بِهِ، وَبَيْنَ الْجِهَةِ. فَقَالَ " إلَّا أَنْ يَسْبِقَهُ إلَى وَارِثٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَتَجْمَعُهُمَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ ".

وَإِذَا نَزَّلْنَا بِنْتَ الْعَمَّةِ وَالْعَمِّ مَنْزِلَةَ الْأَبِ: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِهَةً مِنْ جِهَاتِ الْعُمُومَةِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الِاسْمِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. فَائِدَةٌ: الْبُنُوَّةُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: كُلُّ وَلَدِ الصُّلْبِ جِهَةٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدِي. وَعَنْهُ: كُلُّ وَارِثٍ يُدْلَى بِهِ جِهَةٌ. فَعَمَّةٌ وَابْنُ خَالٍ: لَهُ الثُّلُثُ، وَلَهَا الْبَقِيَّةُ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا خَالَةُ أُمٍّ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْنَ الْخَالِ يَسْقُطُ بِهَا. وَلَهَا السُّدُسُ. وَالْبَقِيَّةُ لِلْعَمَّةِ وَخَالَةِ أُمٍّ، وَخَالَةِ أَبٍ: الْمَالُ لَهُمَا كَجَدَّتَيْنِ. وَتُسْقِطُهُمَا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَالْمَذْهَبُ: تَسْقُطُ هِيَ. وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ. فَالْمِيرَاثُ عَلَى أَرْبَعَةٍ بَيْنَهُمَا، إنْ قِيلَ: كُلُّ وَلَدِ صُلْبٍ جِهَةٌ. وَإِنْ قِيلَ كُلُّهُمْ جِهَةٌ: اخْتَصَّتْ بِهِ الثَّانِيَةُ لِلسَّبْقِ. وَلَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى، فَالْمِيرَاثُ لِوَلَدَيْ بِنْتَيْ الصُّلْبِ. عَلَى الْأَوَّلِ. وَلِوَلَدَيْ الِابْنِ عَلَى الثَّانِي. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَتَّ بِقَرَابَتَيْنِ) أَيْ: أَدْلَى (وَرِثَ بِهِمَا) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَشَخْصَيْنِ. وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّفَقَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ: أَعْطَيْته فَرْضَهُ غَيْرَ مَحْجُوبٍ وَلَا مُعَاوِلٍ، وَقَسَمْت الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ الْفَاضِلُ عَنْ الزَّوْجِ بَيْنَهُمْ، كَمَا يُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُ.

باب ميراث الحمل

[بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ] ِ فَائِدَةٌ: الْحَمْلُ يَرِثُ فِي الْجُمْلَةِ. بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ حَيًّا، أَمْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ حَتَّى يَنْفَصِلَ حَيًّا؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهَذَا الْخِلَافُ مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ. الثَّانِيَةُ: هَلْ هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ حَيًّا. فَلَا تَثْبُتُ قَبْلَهُ، أَوْ هِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَمْلًا، لَكِنْ ثُبُوتُهَا مُرَاعًى بِانْفِصَالِهِ حَيًّا. فَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا تَبَيَّنَّا ثُبُوتَهَا مِنْ حِينِ وُجُودِ أَسْبَابِهَا؟ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: هَلْ الْحَمْلُ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أُمِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ: أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ أَبِيهِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْوَضْعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي فِطْرَةِ الْجَنِينِ: لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ فِي الْوَصِيَّةِ، بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَقَفْت لَهُ نَصِيبَ ذَكَرَيْنِ إنْ كَانَ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ، وَإِلَّا وَقَفْت نَصِيبَ اثْنَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ كَانَ إرْثُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَكْثَرَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَمِثَالُ كَوْنِ الذَّكَرَيْنِ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ: لَوْ خَلَّفَ زَوْجَةً حَامِلًا. وَمِثَالُهُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ: كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ مَعَ أَبَوَيْنِ.

وَمِثَالُهُ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى: لَوْ خَلَّفَ زَوْجَةً، أَوْ خَلَّفَتْ زَوْجًا، وَأَمَّا حَامِلًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا: وَرِثَ، وَوُرِثَ) مُخَفَّفًا. هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَرِثُ أَيْضًا بِصَوْتِ غَيْرِ الصُّرَاخِ. قَوْلُهُ (وَفِي مَعْنَاهُ الْعُطَاسُ وَالتَّنَفُّسُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعُطَاسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ فِي الْعُطَاسِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَمَاعَةٌ: فِي التَّنْفِيسِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَشَرَطَ الْقَاضِي طُولَ زَمَنِ التَّنَفُّسِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْجَنِينَ تَنَفَّسَ، أَوْ تَحَرَّكَ، أَوْ عَطَسَ: فَهُوَ حَيٌّ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، فِي هَذَا الْبَابِ: فَإِنْ تَحَرَّكَ أَوْ تَنَفَّسَ: لَمْ يَكُنْ كَالِاسْتِهْلَالِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إذَا تَحَرَّكَ، فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، حَتَّى يَسْتَهِلَّ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مُجَرَّدَ التَّنَفُّسِ كَالِاسْتِهْلَالِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِهْلَالُ فَقَطْ. قَوْلُهُ (وَالِارْتِضَاعُ) .

يَعْنِي أَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِهْلَالِ صَارِخًا. فَيَرِثُ وَيُورَثُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَرِثُ بِذَلِكَ، وَلَا يُورَثُ. وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ) . كَالْحَرَكَةِ الطَّوِيلَةِ، وَالْبُكَاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ حَيَاتُهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْحَرَكَةُ وَالِاخْتِلَاجُ: فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ) . مُجَرَّدُ الِاخْتِلَاجِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ. وَأَمَّا الْحَرَكَةُ: فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَلَا تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى الْحَيَاةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ عُلِمَ مَعَهُمَا حَيَاةٌ. لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ اسْتِقْرَارُهَا. لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ ذَبْحِهِ حَرَكَةً شَدِيدَةً وَهُوَ كَمَيِّتٍ. وَكَذَا التَّنَفُّسُ الْيَسِيرُ، لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ كَانَتْ الْحَرَكَةُ طَوِيلَةً. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ، وَأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الِاسْتِهْلَالِ صَارِخًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَقِيلَ: لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِذَلِكَ. وَتَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْفَائِقِ. فَإِنَّهَا تَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُهُ فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا: لَمْ يَرِثْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: يَرِثُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا، وَأَشْكَلَ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ: فَهُوَ الْمُسْتَهِلُّ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَ إرْثُهُمَا مُخْتَلِفًا. فَلَوْ كَانَا ذَكَرَيْنِ، أَوْ أُنْثَيَيْنِ، أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ: لَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا. وَيُقْرَعُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ حَمْلٍ مِنْهُ: لَمْ يَرِثْهُ الْحَمْلُ. لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ وَضْعِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَصَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَرِثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ لِلشِّيرَازِيِّ: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بَعْدَ وَضْعِهِ، وَيَرِثُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا مَاتَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يَرِثْهُ. وَحَمَلَهُ عَلَى وِلَادَتِهِ بَعْدَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ. الثَّانِيَةُ: إذَا مَاتَ كَافِرٌ عَنْ حَمْلٍ مِنْ كَافِرٍ غَيْرِهِ. فَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، مِثْلُ أَنْ يُخَلِّفَ أُمَّهُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرِثَ حَيْثُ ثَبَتَ النَّسَبُ.

تَنْبِيهٌ: رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ نُصُوصٌ نَذْكُرُهَا. وَنَذْكُرُ مَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِهِ. فَنَقُولُ: رَوَى جَعْفَرٌ عَنْهُ فِي نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَامْرَأَتُهُ نَصْرَانِيَّةٌ، وَكَانَتْ حُبْلَى. فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ، هَلْ يَرِثُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ: إنَّمَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ، وَإِنَّمَا يَرِثُ بِالْوِلَادَةِ. وَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَاتَ نَصْرَانِيٌّ، وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ. فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: مَا فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ. قُلْت: أَيَرِثُ أَبَاهُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ: لَا يَرِثُهُ. فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ إرْثِهِ لِأَبِيهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ إرْثَهُ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ. وَإِذَا تَأَخَّرَ تَوْرِيثُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَقَدْ سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ زَمَنَ الْوِلَادَةِ، إمَّا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا، أَوْ بِمَوْتِ أَبِيهِ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، بِخِلَافِ التَّوْرِيثِ. وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ التَّوْرِيثَ يَتَأَخَّرُ عَنْ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ إذَا انْعَقَدَ سَبَبُهُ فِي حَيَاةِ الْمَوْرُوثِ وَأُصُولِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَشْهَدُ لِذَلِكَ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَالَ: وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ: فَاضْطَرَبُوا فِي تَخْرِيجِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِلْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ إسْلَامَهُ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ أَوْجَبَ مَنْعَهُ مِنْ التَّوْرِيثِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْفَسَادِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ تَوْرِيثِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ. وَنَصُّهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ. فَتَكُونُ رِوَايَةً ثَانِيَةً فِي الْمَسْأَلَةِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ بِالتَّعْلِيلِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ الطِّفْلِ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهِ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، حَتَّى نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ: الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِ هَذَا الطِّفْلِ حَصَلَ بِشَيْئَيْنِ: بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَإِسْلَامِ أُمِّهِ. وَهَذَا الثَّانِي مَانِعٌ قَوِيٌّ. لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلِذَلِكَ مَنَعَ الْمِيرَاثَ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ إذَا مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ. فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يَمْنَعُ إرْثَهُ. لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ ضَعِيفٌ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا، وَمُخَالِفَةٌ لِتَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّهُ إنَّمَا عُلِّلَ بِسَبْقِ الْمَانِعِ لِتَوْرِيثِهِ، لَا بِقُوَّةِ الْمَانِعِ وَضَعْفِهِ. وَإِنَّمَا وَرَّثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ لَا لِضَعْفِهِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِحُرٍّ، فَأَحْبَلَهَا. فَقَالَ السَّيِّدُ: إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَأَنْتِ وَهُوَ رَقِيقَانِ. وَإِلَّا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ. فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إنْ أَلِدْ ذَكَرًا لَمْ أَرِثْ وَلَمْ يَرِثْ، وَإِلَّا وَرِثْنَا. فَيُعَايَى بِهَا. وَتَقَدَّمَ مَسَائِلُ فِي الْمُعَايَاةِ. فِيمَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ خَلَّفَ وَرَثَةً، وَأُمًّا مُزَوَّجَةً، فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ حَتَّى يَعْلَمَ: أَحَامِلٌ هِيَ أَمْ لَا؟ وَهُوَ الصَّوَابُ

باب ميراث المفقود

[بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ] ِ قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا انْتَظَرَتْهُ تَمَامَ تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا. فَعَلَيْهَا: يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِيهِ، كَغَيْبَةِ ابْنِ تِسْعِينَ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، فِي بَابِ الْعِدَدِ: وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةَ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ: بَقِيَتْ زَوْجَتُهُ مَا رَأَى الْحَاكِمُ. ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظَرِ. وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا حَتَّى تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ. لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ. قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْعِدَدِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَقَالَا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَنَصَرَاهُ. وَعَنْهُ: تَنْتَظِرُ زَمَنًا لَا يَعِيشُ مِثْلَهُ غَالِبًا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَنْتَظِرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَحْتَمِلُ عِنْدِي: أَنْ يُنْتَظَرَ بِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ لِقَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنَّمَا قَضَاؤُهُ فِيمَنْ هُوَ فِي مُهْلِكَةٍ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: فَلَوْ فُقِدَ، وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً: فَهَلْ تَنْتَظِرُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ؟ أَوْ يُرْجَعُ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، أَوْ يُرْتَقَبُ أَرْبَعَ سِنِينَ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. أَفْتَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ: بِالْأَوَّلِ يَعْنِي بِهِ الشَّارِحَ وَالْمُخْتَارُ الْأَخِيرُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ التَّرْغِيبِ قَالَ: يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكَ) كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ (اُنْتُظِرَ بِهِ تَمَامُ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ يُقْسَمُ مَالُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَقَالَ: اُنْتُظِرَ بِهِ تَمَامُ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ تَلِفَ. وَتَابَعَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي ذَلِكَ. وَالْأَوْلَى: مُنْذُ فُقِدَ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ بِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَزِيَادَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْسَمُ مَالُهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ. وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهِ. وَقَالَ: كُنْت أَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ هِبْت الْجَوَابَ فِيهَا، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَكَأَنِّي أُحِبُّ السَّلَامَةَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا تَوَقُّفٌ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ زَمَانٌ لَا يَعِيشُ فِيهِ مِثْلَهُ. وَيَحْتَمِلُ التَّوَرُّعَ. وَيَكُونُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا بِحَالِهِ فِي الْحُكْمِ. وَعَنْهُ: حُكْمُهُ فِي الِانْتِظَارِ: حُكْمُ الَّتِي ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُنْتَظَرُ زَمَنًا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ، قَالَ: وَحْدَهَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ بِتِسْعِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: بِسَبْعِينَ. فَائِدَةٌ: نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي عَبْدٍ مَفْقُودٍ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ كَالْحُرِّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا، وَأَبُو طَالِبٍ فِي الْأَمَةِ أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ مَوْرُوثُهُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ: دُفِعَ إلَى كُلِّ وَارِثٍ الْيَقِينُ، وَوَقَفَ الْبَاقِي) . وَطَرِيقُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ: أَنْ تَعْمَلَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ. ثُمَّ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى. وَاجْتُزِئَ بِإِحْدَاهُمَا إنْ تَمَاثَلَتَا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إنْ تَنَاسَبَتَا. وَتُدْفَعُ إلَى كُلِّ وَارِثٍ الْيَقِينُ. وَمَنْ سَقَطَ فِي إحْدَاهُمَا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: تَعْمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَقَطْ. وَلَا تَقِفُ شَيْئًا سِوَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ يَرِثُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يُؤْخَذُ ضَمِينٌ مِمَّنْ مَعَهُ احْتِمَالُ زِيَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.

قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضَمِينٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدِمَ أَخَذَ نَصِيبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَالِهِ) هَذَا الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ صَاحِبِ الْمُغْنِي فِيهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُرَدُّ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي مَاتَ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَحَكَاهُمَا فِي الشَّرْحِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَعْرُوفُ وَجْهَانِ. قُلْت: لَمْ نَرَ مَنْ حَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ غَيْرَهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُ الْمَفْقُودِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَيْضًا وَعَبْدِهِ وَبَهِيمَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُقْضَى مِنْهُ تِلْكَ الْحَالَةَ دَيْنُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَلَا عَبْدِهِ، وَلَا بَهِيمَتِهِ. جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالتَّهْذِيبِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ، بَعْدَ الْمِائَةِ: يُقْسَمُ مَالُهُ بَعْدَ انْتِظَارِهِ. وَهَلْ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَعْدُومِ مِنْ حِينِ فَقْدِهِ، أَوْ لَا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ حِينِ

إبَاحَةِ أَزْوَاجِهِ، وَقِسْمَةِ مَالِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: لَوْ مَاتَ لَهُ فِي مُدَّةِ انْتِظَارِهِ مَنْ يَرِثُهُ. فَهَلْ يُحْكَمُ بِتَوْرِيثِهِ مِنْهُ أَمْ لَا؟ . وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُزَكِّي مَالَهُ بَعْدَ مُدَّةِ انْتِظَارِهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ مَاتَ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحْكَامِ الْمَوْتِ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلِحُوا) عَلَى مَا زَادَ عَنْ نَصِيبِهِ. فَيَقْتَسِمُوهُ. يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا زَادَ عَنْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ. وَلَهُمْ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى كُلِّ الْمَوْقُوفِ أَيْضًا، إنْ حَجَبَ أَحَدًا وَلَمْ يَرِثْ، أَوْ كَانَ أَخًا لِأَبٍ: عَصَّبَ أُخْتَهُ مَعَ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ. وَهَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ أَنَّا نُعْمِلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَقَطْ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ ضَمِينٌ مِمَّنْ مَعَهُ احْتِمَالُ زِيَادَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ. فَلْيُعَاوَدْ. فَوَائِدُ الْأُولَى: إذَا قَدِمَ الْمَفْقُودُ، بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ: أَخَذَ مَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْبَاقِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَ: إنَّمَا قُسِمَ بِحَقٍّ لَهُمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. فَإِنَّهُ قَالَ: رَجَعَ فِي رِوَايَةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَرْجِعُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جُعِلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ: تَسَلَّمَهُ وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ، وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعًا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَكْفِي وَكِيلُهُ. قُلْت: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْفَظَهُ الْحَاكِمُ إذَا عُدِمَ الْوَكِيلُ. لِأَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى أَمْوَالِ الْغُيَّابِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ". الثَّالِثَةُ: الْمُشْكِلُ نَسَبُهُ كَالْمَفْقُودِ. فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي، ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا، فَيُعَيِّنُهُ. فَإِنْ مَاتَ عَيَّنَهُ وَارِثُهُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ أُرِيَ الْقَافَةَ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عُيِّنَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُوقَفُ. وَيَصْرِفُ نَصِيبَ ابْنٍ لِبَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ الْقَاضِي. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ عَنْ الْقَاضِي: يُعْزَلُ مِنْ التَّرِكَةِ مِيرَاثُ ابْنٍ يَكُونُ مَوْقُوفًا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلْعِلْمِ بِاسْتِحْقَاقِ أَحَدِهِمَا. قَالَ الْأَزَجِيُّ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ: لَا وَقْفَ. لِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا رُجِيَ زَوَالُ الْإِشْكَالِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: وَمَنْ افْتَقَرَ نَسَبُهُ إلَى قَائِفٍ، فَهُوَ فِي مُدَّةِ إشْكَالِهِ كَالْمَفْقُودِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْعَمَلُ فِي الْمَفْقُودِينَ، أَوْ أَكْثَرَ: بِتَنْزِيلِهِمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ لَا غَيْرُ، دُونَ الْعَمَلِ بِالْحَالَيْنِ.

باب ميراث الخنثى

[بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى] قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَا مَعًا: اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا. فَإِنْ اسْتَوَيَا فَهُوَ مُشْكِلٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَلِيلٌ: لَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْفَرَجِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: هَلْ يُعْتَبَرُ السَّبْقُ، فِي الِانْقِطَاعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَثْرَةَ. وَقِيلَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُعْتَبَرُ أَطْوَلُهُمَا خُرُوجًا. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. لِأَنَّ بَوْلَهُ يَمْتَدُّ، وَبَوْلُهَا يَسِيلُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَرَجَا مَعًا حُكِمَ لِلْمُتَأَخِّرِ. وَقَدَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ الْكَثْرَةَ عَلَى السَّبْقِ. وَقِيلَ: إنْ انْتَشَرَ بَوْلُهُ عَلَى كَثِيبِ رَمْلٍ: فَذَكَرٌ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ: فَأُنْثَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ. فَسِتَّةَ عَشَرَ ضِلْعًا: لِلذَّكَرِ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ لِلْأُنْثَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ وَهُوَ الصَّغِيرُ أُعْطِيَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينُ. وَوَقَفَ الْبَاقِي حَتَّى يَبْلُغَ. فَتَظْهَرُ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ، مِنْ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ، مِنْ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ) . كَسُقُوطِ الثَّدْيَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: لَا أُنُوثَةَ بِسُقُوطِ الثَّدْيَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ اشْتَهَى النِّسَاءَ فَذَكَرٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالدِّيَةِ. لِأَنَّ لِلْغَيْرِ حَقًّا. وَإِنْ اشْتَهَى ذَكَرًا: فَأُنْثَى. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ احْتَلَمَ مِنْهُ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: لَمْ يُحْكَمْ بِالْخُنُوثَةِ. لِجَوَازِ كَوْنِهِ خِلْقَةً زَائِدَةً. وَإِنْ حَاضَ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ، وَأَنْزَلَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ: فَبَالِغٌ بِلَا إشْكَالٍ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ " بِمَا يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ " فَلْيُعَاوَدْ. فَإِنَّ فِيهِ نَوْعَ الْتِفَاتٍ إلَى هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ يَئِسَ مِنْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، أَوْ عُدِمَ الْعَلَامَاتِ بَعْدَ بُلُوغِهِ: أُعْطِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى. فَإِذَا كَانَ مَعَ الْخُنْثَى بِنْتٌ وَابْنٌ: جَعَلْت لِلْبِنْتِ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ. وَهُوَ سَهْمَانِ. وَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةً. وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةً) . وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ: هَذَا قَوْلٌ لَا بَأْسَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا وَلَدٌ، إذَا كَانَ فِيهِمْ خُنْثَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَعْمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَيَسْتَحِقُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ثَلَاثَةٌ مِنْ تِسْعَةٍ. وَهِيَ الثُّلُثُ. وَعَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلُهُ (ثُمَّ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى إنْ اتَّفَقَا. وَتَجْتَزِئُ بِإِحْدَاهُمَا إنْ تَمَاثَلَتَا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إنْ تَنَاسَبَتَا) .

هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: الْمُنَاسِبُ هُنَا نَوْعٌ مِنْ الْمُوَافِقِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " أُعْطِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى " إذَا كَانَ يَرِثُ بِهِمَا مُتَفَاضِلًا، كَوَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ وَلَدِ ابْنِهِ. أَمَّا إذَا وَرِثَ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا فَقَطْ كَوَلَدِ أَخِي الْمَيِّتِ أَوْ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ ذَكَرٍ لَا غَيْرُ، أَوْ وَرِثَ بِكَوْنِهِ أُنْثَى فَقَطْ كَوَلَدِ أَبٍ خُنْثَى مَعَ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ نِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى لَا غَيْرُ. أَوْ يَكُونُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمَا كَوَلَدِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ يُعْطَى سُدُسًا مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ الْخُنْثَى سَيِّدًا مُعْتِقًا. فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ فَأَكْثَرَ: نَزَّلْتهمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُنَزِّلُهُمْ حَالَيْنِ: مَرَّةً ذُكُورًا، وَمَرَّةً إنَاثًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْسَمُ التَّرِكَةُ، وَلَا تُوقَفُ مَعَ خُنْثَى مُشْكِلٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِيهِ وَجْهٌ: يُنَزَّلُونَ حَالَيْنِ فَقَطْ، ذُكُورًا وَإِنَاثًا. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، مَعَ مُزَاحَمَتِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ. وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: قِسْمَةُ مُسْتَحَقِّيهِمْ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْصِبَائِهِمْ مُنْفَرِدِينَ. فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا وَوَلَدَيْنِ خُنْثَيَيْنِ: صَحَّتْ مِنْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، عَلَى تَنْزِيلِهِمْ عَلَى الْأَحْوَالِ. لِلِابْنِ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ، وَلِكُلِّ خُنْثَى أَحَدٌ وَسَبْعُونَ. وَتَصِحُّ عَلَى الْحَالَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ: عَشْرَةٌ لِلِابْنِ، وَلِكُلِّ خُنْثَى سَبْعَةٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: تَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ. لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ. وَلِكُلِّ خُنْثَى ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنِ خُنْثَيَيْنِ وَعَمًّا: صَحَّتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْوَلَدِ، وَأَرْبَعَةٌ لِوَلَدِ الِابْنِ، وَسَهْمَانِ لِلْعَمِّ.

وَعَلَى الْعَمَلِ بِالْحَالَيْنِ يَسْقُطُ وَلَدُ الِابْنِ هُنَا، لَوْ كَانَ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ أُخْتُهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِي الصُّغْرَى " وَلَوْ كَانَ " بِزِيَادَةِ وَاوٍ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أُعْطِيت الْخَنَاثَى الْيَقِينُ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ انْكِشَافِ حَالِهِمْ نَزَّلْتهمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ، بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا حُكْمُ الْمَفْقُودِ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ صَالَحَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مَنْ مَعَهُ عَلَى مَا وُقِفَ لَهُ: صَحَّ، إنْ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَقَدْ وَجَدْنَا فِي عَصْرِنَا شَيْئًا لَمْ يَذْكُرْهُ الْفَرْضِيُّونَ. فَإِنَّا وَجَدْنَا شَخْصَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا فِي قُبُلِهِمَا مَخْرَجٌ، لَا ذَكَرٌ، وَلَا فَرْجٌ. أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي قُبُلِهِ إلَّا لَحْمَةٌ نَاتِئَةٌ كَالرَّبْوَةِ. يُرَشَّحُ الْبَوْلُ مِنْهَا رَشْحًا عَلَى الدَّوَامِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إلَّا مَخْرَجٌ وَاحِدٌ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْرَجَيْنِ، مِنْهُ يَتَغَوَّطُ وَمِنْهُ يَبُولُ وَسَأَلْت مَنْ أَخْبَرَنِي عَنْ زِيِّهِ؟ فَقَالَ: يَلْبَسُ لُبْسَ النِّسَاءِ وَيُخَالِطُهُنَّ، وَيُخَالِطُهُنَّ، وَيَغْزِلُ مَعَهُنَّ، وَيُعِدُّ نَفْسَهُ امْرَأَةً. وَحُدِّثْت أَنَّ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ شَخْصًا لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ أَصْلًا، لَا قُبُلَ وَلَا دُبُرَ. وَإِنَّمَا يَتَقَيَّأُ مَا يَأْكُلُهُ وَيَشْرَبُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي مَعْنَى الْخُنْثَى، لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِمَبَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَامَةٌ أُخْرَى فَهُوَ مُشْكِلٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ: وَمَنْ لَهُ ثَقْبٌ وَاحِدٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَنِيُّ وَالدَّمُ: فَلَهُ حُكْمُ الْخُنْثَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَقْبٌ وَاحِدٌ يَرْشَحُ مِنْهُ الْبَوْلُ: فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، كَمَا تَقَدَّمَ.

باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

[بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُمْ] قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ مُتَوَارِثَانِ، وَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا، كَالْغَرْقَى وَالْهَدْمَى وَاخْتَلَفَ وَارِثُهُمَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا) إذَا مَاتَ مُتَوَارِثَانِ وَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَجْهَلُوا السَّابِقَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهِ، أَوْ يَجْهَلُوا السَّابِقَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. فَإِنْ جَهِلُوا السَّابِقَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْتَى يَرِثُ صَاحِبَهُ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ، دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْ الْمَيِّتِ. لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الدَّوْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مَنْعَ تَوَارُثِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ وَرَثَةُ كُلِّ مَيِّتٍ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَلَا بَيِّنَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَحَفِيدُهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَوْتًا، ثُمَّ نُسِيَ، أَوْ جَهِلُوا عَيْنَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنَّمَا لَمْ نُجِزْ الْقُرْعَةَ هُنَا: لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي النَّسَبِ.

قَالَ الْقَاضِي: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ نَقُولَ بِالْقُرْعَةِ هُنَا. وَذَكَرَ الْبَوْنِيُّ: أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْيَقِينِ، وَيَقِفُ مَعَ الشَّكِّ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ أَوْ يَصْطَلِحُوا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا جَهِلُوا السَّابِقَ. وَاخْتَلَفَ وَارِثُهُمَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتْ: تَحَالَفَا. وَلَمْ يَتَوَارَثَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهَذَا أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَتَوَارَثَانِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْقُرْعَةُ تُعَيِّنُ أَسْبَقَهُمَا. وَضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَإِنْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَةُ وَقُلْنَا بِالْقِسْمَةِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا مَا اخْتَلَفَا فِيهِ نِصْفَيْنِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ: أَنَّهُ يُقْسَمُ الْقَدْرُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ الْمِيرَاثِ بَيْنَ مُدَّعِيَيْهِ نِصْفَيْنِ. وَعَلَيْهِمَا الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ. كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً فِي أَيْدِيهِمَا. وَيَأْتِي هَذَا بِعَيْنِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي " بَابِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ ". فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ مَوْتَ أَحَدِهِمَا، وَشَكُّوا، هَلْ مَاتَ لِآخَرَ قَبْلَهُ،

أَوْ بَعْدَهُ؟ وَرِثَ مَنْ شُكَّ فِي وَقْتِ مَوْتِهِ مِنْ الْآخَرِ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُمَا مَعًا: لَمْ يَتَوَارَثَا اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ وَهِيَ غَرِيبَةٌ لَوْ مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا: بِالْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ: بِالْمَغْرِبِ وَرِثَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَغْرِبِ مِنْ الَّذِي مَاتَ بِالْمَشْرِقِ، لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ. بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ الزَّوَالِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَلَوْ مَاتَا عِنْدَ ظُهُورِ الْهِلَالِ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَتَعَارَضَ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَالزَّوَالِ. انْتَهَى. فَيُعَايَى بِهَا أَيْضًا عَلَى اخْتِيَارِهِ.

بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ قَوْلُهُ (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرِثُ الْمُسْلِمُ مِنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ. لِئَلَّا يَمْتَنِعَ قَرِيبُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَلِوُجُوبِ نُصْرَتِهِمْ وَلَا يَنْصُرُونَنَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا إرْثَ بَيْنَهُمَا بِالْوَلَاءِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْوَلَاءِ ". قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِهِ، فَيَرِثُهُ) وَكَذَا لَوْ كَانَ مُرْتَدًّا. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: (لَا يَرِثُ) . صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَتَوَارَثَانِ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِحَالٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ زَوْجَةً أَوْ غَيْرَهَا مِمَّنْ

يَرِثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْبُرْزَاطِيِّ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. وَقِيلَ: لَا تَرِثُ الزَّوْجَةُ إذَا أَسْلَمَتْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ زَوْجَةً: لَمْ تَرِثْ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَوَرِثَهَا الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا، ثُمَّ مَاتَتْ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ: لَمْ يَرِثْهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ، وَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِانْقِطَاعِ عَلَقِ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ مَوْتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ: لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَرِثُ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَخَرَّجَهُ التَّمِيمِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَلَوْ وُجِدَتْ الْحُرِّيَّةُ عَقِبَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، أَوْ مَعَهُ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ دَيْنِ ابْنِ عَمِّهِ ثُمَّ مَاتَ: لَمْ يَرِثْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا حَدَثَتْ الْأَهْلِيَّةُ مَعَ الْحُكْمِ: هَلْ يُكْتَفَى بِهَا، أَوْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهَا؟ .

قَوْلُهُ (وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إنْ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ. وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَدِينُ سَائِرِهِمْ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّهُمْ مِلَلٌ شَتَّى مُخْتَلِفَةٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى هَذَا: الْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةٌ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةٌ، وَعُبَّادُ الشَّمْسِ مِلَّةٌ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَعَنْهُ: الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ مِلَّتَانِ، وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالصَّابِئَةُ مِلَّةٌ. وَقِيلَ: الصَّابِئَةُ كَالْيَهُودِيَّةِ. وَقِيلَ: كَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ " أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: هُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ. وَقِيلَ: مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ: مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ: لَمْ يَتَوَارَثُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَتَوَارَثُونَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ: وَيَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَارَثُونَ إذَا كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِلَلِ. فَإِنْ قُلْنَا الْمِلَلُ مُخْتَلِفَةٌ: لَمْ يَتَوَارَثُوا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ. وَإِنْ قُلْنَا الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ: تَوَارَثُوا. قَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّهْذِيبِ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ: لَا يَتَوَارَثُونَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَنَعَهُ الْقَاضِي، وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَوَارَثَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ الْأَقْوَى فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. . فَائِدَةٌ: يَرِثُ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنَ وَعَكْسُهُ. وَيَرِثُ الذِّمِّيُّ الْمُسْتَأْمَنَ وَعَكْسُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَرِثُ الْمُسْتَأْمَنُ وَرَثَتَهُ الَّذِينَ بِدَارِ الْحَرْبِ. لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ فِي حُكْمِ ذِمِّيٍّ. وَقِيلَ: حَرْبِيٌّ. قَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ) . فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ لَمْ يَرِثْ أَحَدًا. وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ

الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. فَلْيُعَاوَدْ وَإِرْثُهُ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ فِي رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ. وَقَالَ هُنَا: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ. وَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الْهِدَايَةُ، وَالْمُذْهَبُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الزِّنْدِيقُ وَهُوَ الْمُنَافِقُ كَالْمُرْتَدِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرِثُ وَيُورَثُ. الثَّانِيَةُ: كُلُّ مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٌ إلَى بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ: فَمَالُهُ فَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَهْمِيِّ وَغَيْرِهِ. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابِ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ.

وَعَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ: أَوْ غَيْرُ دَاعِيَةٍ. وَهُمَا فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِي الْجَهْمِيِّ إذَا مَاتَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا نَصَارَى مَنْ يَشْهَدُهُ؟ قَالَ: أَنَا لَا أَشْهَدُهُ. يَشْهَدُهُ مَنْ شَاءَ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: خِلَافُهَا، عَلَى نَقْلِ يَعْقُوبَ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ بِمَثَابَةِ أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي وَفَاتِهِ وَمَالِهِ وَنِكَاحِهِ. قَالَ: وَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَنَّهُ إنْ تَوَلَّاهُ مُتَوَلٍّ: فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي مَالِهِ وَمِيرَاثِهِ أَهْلَهُ: وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ، أَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا: وَرِثُوا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَرِثُونَ بِأَقْوَاهَا. وَهِيَ مَا يَرِثُ بِهَا مَعَ مَا يَسْقُطُ الْأُخْرَى. ذَكَرَهَا حَنْبَلٌ. وَمَنَعَهَا أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ مَا إذَا أَوْلَدَ الْمُسْلِمُ ذَاتَ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ تَثْبُتُ النَّسَبُ: حُكْمُ الْمَجُوسِ فِي إرْثِهِمْ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَجُوسِ مِمَّنْ يَنْكِحُ ذَوَاتَ الْمَحْرَمِ.

بَابُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ طَلَاقًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ، بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ، فَفَعَلَتْهُ، أَوْ عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ عَلَى شَرْطٍ فَوُجِدَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ طَلَّقَ مَنْ لَا تَرِثُ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ فَعَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ: فَهُوَ كَالطَّلَاقِ الصَّحِيحِ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسَائِلَ: مِنْهَا: إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ. فَأَجَابَهَا إلَى سُؤَالِهَا. أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَفَعَلَتْهُ عَالِمَةً فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ، كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ كَطَلَاقٍ مُتَّهَمٍ فِيهِ. اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا: أَنَّهُ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا: لَمْ تَرِثْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ " إنْ لَمْ أُطَلِّقْك: فَأَنْتِ طَالِقٌ " أَنَّهُ إنْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِهَا، وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهَا فِيهِ، فَأَنْتِ ذَلِكَ: لَمْ يَتَوَارَثَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَرِثُ. لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَعَتْهُ، فَهُوَ كَالطَّلَاقِ الصَّحِيحِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَرِثُ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: لِنَفْيِ الْحَدِّ، لَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا حَالَةَ الصِّحَّةِ عَلَى فِعْلٍ لَهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْهُ فِي الْمَرَضِ: وَرِثَتْهُ فِيهِمَا. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَا تَرِثُ. وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُصَنِّفِ: إذَا عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ عَلَى شَرْطٍ، فَوُجِدَ فِي الْمَرَضِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَمُتَّهَمٍ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَهْرٍ مَعْلُومٍ، فَجَاءَ فِي مَرَضِهِ: فَرِوَايَتَانِ. وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: إذْ طَلَّقَ مَنْ لَا تَرِثُ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ فَعَتَقَتْ وَأَسْلَمَتْ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَطَلَاقٍ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. . فَوَائِدُ الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ: وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) . فَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ. فَهَذَا مُتَّهَمٌ فِيهِ. فَتَرِثُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلشِّيرَازِيِّ: لَا تَرِثُهُ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَهُوَ ذَلِكَ: لَوْ وَطِئَ حَمَاتَهُ: لَمْ يُقْطَعْ إرْثُ زَوْجَتِهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّانِيَةُ. لَوْ وَكَّلَ فِي صِحَّتِهِ مَنْ يُبَيِّنُهَا مَتَى شَاءَ، فَأَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ: لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ إرْثَهَا مِنْهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: وَكَلَامُ أَبَوَيْهَا، أَوْ أَحَدِهِمَا. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ شَرْعًا، كَمَا مَثَّلَ. أَوْ عَقْلًا، كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَنَوْمٍ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَلَمْ يَرِثْهَا) هُوَ بِلَا نِزَاعٍ (وَهَلْ تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا فَعَلَ فِعْلًا يُتَّهَمُ فِيهِ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا. فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَرِثُهَا هُوَ. بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَوْ تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ . أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ فِي الْأُولَى. إحْدَاهُمَا: تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا. مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَرِثُهُ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِيهَا. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ. حَيْثُ جَعَلَ الْمِيرَاثَ لِلزَّوْجَاتِ اللَّاتِي فِي عِصْمَتِهِ. وَلَمْ يُعْطِ الْمُطَلَّقَاتِ شَيْئًا، فِيمَا إذَا طَلَّقَ أَرْبَعًا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ وَتَزَوَّجَ بَعْدَهُنَّ أَرْبَعًا. وَمَاتَ عَنْهُنَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمَرَضِ: فِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَالْمِيرَاثُ. وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَاخْتَارَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ عِدَّةَ وَفَاةٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا فِي الصَّدَاقِ. وَالثَّانِيَةُ: لَهَا الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ. وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَالثَّالِثَةُ: لَهَا الْمِيرَاثُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ. وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَالرَّابِعَةُ: لَا تَرِثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. انْتَهَى. وَيُعَايَى بِهَا، حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْعِدَّةَ. وَأَطْلَقَ فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَعَدَمِهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَ تَكْمِيلَ الْمَهْرِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ. لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّدَاقِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: تَرِثُ. فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَرْتَدَّ. فَإِنْ ارْتَدَّتْ: لَمْ تَرِثْ. قَوْلًا وَاحِدًا. فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ: لَمْ تَرِثْ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَصَحَّحَهُ. وَعَنْهُ: تَرِثُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَكْرَهَ الِابْنُ امْرَأَةَ أَبِيهِ فِي مَرَضِ أَبِيهِ عَلَى مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا: لَمْ يَنْقَطِعْ مِيرَاثُهَا) . مُرَادُهُ: إنْ كَانَ الِابْنُ عَاقِلًا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَاهَا) . مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُتَّهَمْ فِيهِ، مَعَ وُجُودِ امْرَأَةٍ سِوَاهَا. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِكْرَاهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: إنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْإِرْثَ، أَوْ بَعْضَهُ: لَمْ تَرِثْهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ: لَوْ تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ مُضَارَّةً، لِيَنْقُصَ إرْثُ غَيْرِهَا، وَأَقَرَّتْ بِهِ: لَمْ تَرِثْ. وَمَعْنَى كَلَامِ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: تَرِثُهُ. لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فَإِنْ أَكْرَهَ " أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً: أَنَّهَا لَا تَرِثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَرِثُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا: لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُ زَوْجِهَا) .

مُرَادُهُ: مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمُرَادُهُ أَيْضًا: إذَا كَانَتْ مُتَّهَمَةً فِي فَسْخِهِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَّهَمَةٍ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ إذَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: انْقِطَاعُ الْإِرْثِ. وَعَنْهُ: لَا يَنْقَطِعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي مَرَضِهِ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ: فَالْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِلثَّمَانِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمُتَّهَمِ فِي طَلَاقِهَا، إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ، وَلَمْ تَرْتَدَّ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَبَنَوْهُ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: أَنَّهَا تَرِثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. فَكَذَا هُنَا فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلثَّمَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَوْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ الْمُتَّهَمُ فِي طَلَاقِهَا وَاحِدَةً، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى مَاتَ الزَّوْجُ: كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ. عَلَى السَّوَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: رُبُعُهُ لِلْمُطَلَّقَةِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْأَرْبَعِ، إنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَإِلَّا فَلِلثَّلَاثِ السَّوَابِقِ. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ كُلَّهُ لِلْبَائِنِ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمُطَلَّقَةِ أَرْبَعًا. فَطَلَّقَهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ فَالْمِيرَاثُ لِلثَّمَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَلِلْمُطَلَّقَاتِ، عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَلِلزَّوْجَاتِ فَقَطْ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَرِثْنَ شَيْئًا. وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالشَّارِحُ. وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْإِرْثَ لِلثَّمَانِ، أَوْ لِلْمُطَلَّقَاتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ: عَدَمُ الْبِنَاءِ. فَلَوْ مَاتَتْ إحْدَى الْمُطَلَّقَاتِ، أَوْ تَزَوَّجَتْ. فَقِسْطُهَا لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَجَدِّدَاتِ. إنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَإِلَّا قُدِّمَتْ السَّابِقَةُ إلَى كَمَالِ أَرْبَعٍ بِالْمَبْتُوتَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ " وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ، فَالْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ " أَنَّ نِكَاحَهُنَّ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ، وَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. ثُمَّ مَاتَ وَاشْتَبَهَتْ الْمُطَلَّقَةُ: أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ. فَمَنْ قُرِعَتْ فَلَا حَظَّ لَهَا فِي الْمِيرَاثِ. وَيُقْسَمُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ. فَتَسْتَحِقُّ الْجَدِيدَةُ الرُّبُعَ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَاتٍ لَا تَرِثُهُ بَعْضُهُنَّ، لِجَهْلِ عَيْنِهَا: أَخْرَجَ الْوَارِثَاتُ بِقُرْعَةٍ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الْقُرْعَةُ هُنَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ: أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا، وَجَحَدَ الزَّوْجُ. ثُمَّ مَاتَ: لَمْ تَرِثْهُ الْمَرْأَةُ إنْ دَامَتْ عَلَى قَوْلِهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَبَّلَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، ثُمَّ مَاتَ: لَمْ تَرِثْهُ، لِخُرُوجِهَا مِنْ حَيِّزِ التَّمَلُّكِ وَالتَّمْلِيكِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ. كَمَنْ وَقَعَ فِي شَبَكَةِ صَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ ".

باب الإقرار بمشارك في الميراث

[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ] ِ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (إذَا أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ) يَعْنِي: وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا (بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ) . سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ، أَوْ أَمَةٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. (فَصَدَّقَهُمْ، أَوْ كَانَ صَغِيرًا) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْنُونًا (ثَبَتَ نَسَبُهُ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثٍ، وَبَعْدَهُ: إذَا أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِوَارِثٍ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ) . إذَا كَانَا مِنْ الْوَرَثَةِ. وَلَوْ كَانَتْ بِنْتًا: صَحَّ، لِإِرْثِهَا بِفَرْضٍ وَرَدٍّ. قَوْلُهُ (سَوَاءٌ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يَحْجُبُ الْمُقِرَّ أَوْ لَا يَحْجُبُهُ) . أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحْجُبُهُ مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ يَحْجُبُهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ: فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَحْجُبُهُ حَجْبَ حِرْمَانٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ يَرِثُ إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدْ شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ) . وَقِيلَ: لَا يَرِثُ مُسْقَطٌ. اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا غَيْرِ الْقَاضِي. وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.

فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُقَرُّ نَصِيبُ الْمُقَرِّ بِهِ بِيَدِ الْمُقِرِّ، أَوْ بِبَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ الَّذِي خَرَّجَهَا. قُلْت: الصَّوَابُ: أَنَّهُ يُقَرُّ بِيَدِ الْمُقِرِّ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) . إذَا كَانَ الْبَعْضُ الَّذِي لَمْ يُقِرَّ وَارِثًا. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ بِهِ كَالرِّقِّ وَنَحْوِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِهِ، وَيَرِثُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ " يَعْنِي بَعْضَ الْوَرَثَةِ. وَهَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَثَةِ. لِلْمَانِعِ الَّذِي بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) . يَعْنِي مُطْلَقًا. بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُقِرِّينَ الْوَارِثِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ. جَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ، وَغَيْرُهُ. فَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَخًا، وَمَاتَ الْمُقِرُّ عَنْ بَنِي عَمٍّ: وَرِثُوهُمْ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَرِثُهُ الْأَخُ. وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَلَدِ الْمُقِرِّ الْمُنْكِرِ لَهُ تَبَعًا، فَتَثْبُتُ الْعُمُومَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: أَنَّهُ يَثْبُتُ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ، مِنْ الْمُقِرِّ لَوْ مَاتَ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتَانِ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَفِي الِانْتِصَارِ خِلَافٌ، مَعَ كَوْنِهِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْ أَبِي الْمُقِرِّ، أَوْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ. انْتَهَى.

وَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ، وَخَلَّفَهُ، وَالْمُنْكِرُ: فَإِرْثُهُ بَيْنَهُمَا. فَلَوْ خَلَّفَهُ فَقَطْ: وَرِثَهُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إقْرَارَهُ لَهُ كَوَصِيَّةٍ. فَيَأْخُذُ الْمَالَ فِي وَجْهٍ، وَثُلُثَهُ فِي آخَرَ. وَقِيلَ: الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: إنْ أَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ، أَوْ نَسَبٍ: ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ إعْطَاءٌ لَهُ حُكْمٌ وَشَهَادَةٌ وَإِقْرَارٌ. وَفِي اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِمَا الرِّوَايَتَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ، بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ: رِوَايَتَانِ. وَهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي عَدَالَتِهِمَا. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ: أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِهِ) . وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ وَلَدُهُ. فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ. بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ صَدَّقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إذَا بَلَغَ، أَوْ عَقَلَ: ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَلَوْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُقِرِّ: اُعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ، وَأَخًا مِنْ أُمٍّ. فَأَقَرَّ بِأَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ: ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ مَا فِي يَدِ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: يَأْخُذُ نِصْفَهُ، وَقَطَعَ بِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ سَهْوٌ.

قَوْلُهُ (فَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخَوَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي أَحَدِهِمَا: ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَصَارُوا ثَلَاثَةً. ثُمَّ تُضْرَبُ مَسْأَلَةُ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ تَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ. لِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنْ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنْ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إنْ صَدَّقَ الْمُقِرُّ مِثْلَ سَهْمِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَهُ: مِثْلَ سَهْمِ الْمُنْكِرِ. وَمَا فَضَلَ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ سَهْمَانِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ. وَسَهْمٌ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَأْخُذُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكِرِ، فِي حَالِ التَّصْدِيقِ إلَّا رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ. وَصَحَّحَهَا مِنْ ثَمَانِينَ. لِلْمُنْكِرِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ سَهْمٌ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ سَهْمَانِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَضَعَّفَهُ النَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ: ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَإِرْثُهُمَا، سَوَاءٌ اتَّفَقَا أَوْ اخْتَلَفَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ. فَإِنْ كَانَا تَوْأَمَيْنِ: فَإِنَّ نَسَبَهُمَا يَثْبُتُ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ: أُعْطِيَ الْأَوَّلُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. وَالثَّانِي: ثُلُثَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، إذَا كَذَّبَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي. وَثَبَتَ نَسَبُ الْأَوَّلِ. وَوَقَفَ ثُبُوتُ نَسَبِ الثَّانِي عَلَى تَصْدِيقِهِ. وَلَوْ كَذَّبَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِهِ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّلَاثَةِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ نَسَبُ الْأَوَّلِ، وَيَأْخُذُ الثَّانِي ثُلُثَيْ مَا فِي يَدِهِ وَثُلُثَ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِامْرَأَةٍ لِلْمَيِّتِ: لَزِمَهُ مِنْ إرْثِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) . يَعْنِي يَلْزَمُهُ مَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ لَهَا عَنْ حِصَّتِهِ. كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهَا. وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمُنْكِرُ، فَأَقَرَّ بِهَا ابْنُهُ: فَفِي تَكْمِيلِ إرْثِ الزَّوْجَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى التَّكْمِيلُ. فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ الْمُنْكِرُ إلَّا الْأَخَ الْمُقِرَّ: كَمَّلَ الْإِرْثَ. عَلَى الصَّحِيحِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِيرَاثُ. وَقِيلَ: لَا يُكَمَّلُ.

وَأَمَّا إنْ مَاتَ قَبْلَ إنْكَارِهِ: فَإِنَّ إرْثَهَا يَثْبُتُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ: مَاتَ أَبِي، وَأَنْتَ أَخِي. فَقَالَ: هُوَ أَبِي وَلَسْت بِأَخِي: لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُقَرِّ بِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْمُقِرِّ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: مَاتَ أَبُونَا، وَنَحْنُ أَبْنَاؤُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَاتَتْ زَوْجَتِي، وَأَنْتَ أَخُوهَا. فَقَالَ: لَسْت بِزَوْجِهَا: فَهَلْ يُقْبَلُ إنْكَارُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ إنْكَارُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ إنْكَارُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (يَبْقَى سَبْعَةٌ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ. فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) . وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ.

أَحَدُهُمَا: يُقَرُّ فِي يَدِ الْمُقِرِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَالثَّانِي: يُؤْخَذُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَالثَّالِثُ: يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُقِرَّةِ وَالزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ، عَلَى حَسَبِ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَهُمْ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. فَعَلَيْهِ: يَكُونُ لِلْمُقِرَّةِ النِّصْفُ. وَلِلزَّوْجِ وَالْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأُمِّ: النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ. لِأَنَّ لَهُ النِّصْفَ، وَلَهُمَا الثُّلُثَ.

باب ميراث القاتل

[بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ] قَوْلُهُ (كُلُّ قَتْلٍ مَضْمُونٍ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ: يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِيرَاثَ الْمَقْتُولِ، سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ. وَسَوَاءٌ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ أَوْ شَارَكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. حَتَّى لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا: لَا تَرِثُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ: لَمْ يَرِثْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَاخْتَارَ فِيهَا كَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ سَقَاهُ دَوَاءً، أَوْ فَصَدَهُ، أَوْ بَطَّ سِلْعَتَهُ لِحَاجَتِهِ: فَوَجْهَانِ. وَأَنَّ فِي الْحَافِرِ احْتِمَالَيْنِ. وَمِثْلُهُ: نَصْبُ سِكِّينٍ، وَوَضْعُ حَجَرٍ، وَرَشُّ مَاءٍ، وَإِخْرَاجُ جَنَاحٍ. وَهَذَا كُلُّهُ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ قَصَدَ مَصْلَحَةَ مُوَلِّيهِ بِسَقْيِ دَوَاءٍ، أَوْ بَطِّ جِرَاحٍ. فَمَاتَ: وَرِثَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ كَبِيرٌ عَاقِلٌ بِبَطِّ جِرَاحَةٍ، أَوْ قَطْعِ سِلْعَةٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَالَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (صَغِيرًا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ كَبِيرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو يَعْلَى: أَنَّ أَحَدَ طَرِيقَيْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا تَوْرِيثُ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ، كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْإِرْثُ: مَنْ يُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالنَّصُّ خِلَافُ ذَلِكَ.

وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَجْهًا: أَنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. قَوْلُهُ (وَمَا لَمْ يَضْمَنْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، كَالْقَتْلِ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا، أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَالْعَادِلِ الْبَاغِيَ: فَلَا يَمْنَعُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى قَاتِلِهِ. فَإِنَّ الْقَاتِلَ يَرِثُ مِنْهُ) . نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ: فَإِنَّهُ يَرِثُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ لَا يَرِثُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَيُخْرَجُ مِنْهُ: أَنَّ كُلَّ قَاتِلٍ لَا يَرِثُ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: إنْ جَرَحَهُ الْعَادِلُ، لِيَصِيرَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ: وَرِثَهُ. لَا إنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَمْنَعُهُ الْإِرْثُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصَحَّحَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ. وَعَنْهُ: يَمْنَعُ الْإِرْثَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَنَصَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ

باب ميراث المعتق بعضه

[بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ] ُ قَوْلُهُ (لَا يَرِثُ الْعَبْدُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَرِثُ عِنْدَ عَدَمِ وَارِثٍ. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي النَّاهِضِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَرَهَا فِي الْمُذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ: إنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ سَيِّدَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ وَقِيلَ: فِي الْمُكَاتَبِ خَاصَّةً يَمُوتُ لَهُ عَتِيقٌ، ثُمَّ يُؤَدِّي فَيُعْتَقُ: يَأْخُذُ إرْثَهُ بِالْوَلَاءِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. يَعْنِي إنْ جَعَلْنَا الْوَلَاءَ لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ: فَمَا كَسَبَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ: فَلِوَرَثَتِهِ) . سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، أَوْ قَاسَمَهُ السَّيِّدُ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ لَا. قَوْلُهُ (وَيَرِثُ وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ) . وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ إرْثَ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لَهُ خَاصَّةً. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: هُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَا يَرِثُهُ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ: يَكُونُ مِثْلَ كَسْبِهِ. إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ: كَانَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ: فَهَلْ هُوَ لِمَنْ الْمَوْتُ فِي نَوْبَتِهِ، أَوْ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْ الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَلَوْ كَانَتْ بِنْتٌ نِصْفُهَا حُرٌّ، وَأُمٌّ وَعَمٌّ حُرَّانِ: كَانَ لِلْبِنْتِ الرُّبُعُ. وَلِلْأُمِّ الرُّبُعُ بِحَجْبِهَا لَهَا عَنْ نِصْفِ السُّدُسِ. وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ. وَهُوَ الْبَاقِي.

وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. فَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْبِنْتِ: ابْنٌ نِصْفُهُ حُرٌّ، فَلَهُ هُنَا نِصْفُ مَالِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا. فَيَسْتَحِقُّ رُبُعًا وَسُدُسًا مِنْ الْمَالِ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ الْبَاقِي بَعْدَ رُبُعِ الْأُمِّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي: وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ الْمَالِ كَامِلًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتِيَارُ أَبِيهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ نِصْفُهُ حُرٌّ مَعَ ذِي فَرْضٍ يَنْقُصُ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ كَجَدِّهِ وَعَمِّهِ مَعَ ابْنٍ نِصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَى الثَّالِثِ: لَهُ نِصْفُ الْمَالِ. وَعَلَى الْآخَرِينَ: لَهُ نِصْفُ الْبَاقِي. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُسْقِطُهُ بِحُرِّيَّتِهِ التَّامَّةِ كَأُخْتٍ وَعَمٍّ حُرَّيْنِ فَلِلِابْنِ النِّصْفُ. وَلِلْأُخْتِ نِصْفُ مَا بَقِيَ قَرْضًا، وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ كَامِلًا. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قُلْت: قَدْ يُعَايَى بِهَا.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ حُرًّا، وَالْآخَرُ نِصْفُهُ حُرٌّ: فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، تَنْزِيلًا لَهُمَا بِالْأَحْوَالِ وَالْخِطَابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: الْمَالُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا، جَمْعًا لِلْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا، وَقِسْمَةً لِإِرْثِهِمَا كَالْعَوْلِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ عَصَبَتَانِ، نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرٌّ، كَالْأَخَوَيْنِ فَهَلْ تُكَمَّلُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا تُكَمَّلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُكَمَّلُ الْحُرِّيَّةُ. فَلَهُمَا جَمِيعُ الْمَالِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي، وَالسَّامِرِيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: جَمْعُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا. فَتَكْمُلُ بِهَا حُرِّيَّةُ ابْنٍ. وَهُوَ مَأْخَذُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ كَمَالِ حُرِّيَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، لَا فِي نِصْفِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ نِصْفَهُ لِمُزَاحَمَةِ أَخِيهِ لَهُ. وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الْمَالِ. وَهُوَ نِصْفُ حَقِّهِ مَعَ كَمَالِ حُرِّيَّتِهِ. فَلَمْ يَأْخُذْ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ بِالْأَحْوَالِ وَالْخِطَابِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: لَهُمَا نِصْفُهُ بِتَنْزِيلِهِمَا حُرِّيَّةً وَرِقًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالتَّفْرِيعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، أَوْ نِصْفُهُ، أَوْ كُلُّهُ. فَلَوْ كَانَ ابْنٌ وَبِنْتٌ نِصْفُهَا حُرٌّ، وَعَمٌّ حُرٌّ. فَلَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْمَالِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَنِصْفُ الْمَالِ عَلَى الثَّانِي. وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الثَّالِثِ. وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا أُمٌّ: فَلَهَا السُّدُسُ، عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَلِلِابْنِ عَلَى الْأَوَّلِ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ أَصْلِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةَ عَشْرَ. وَعَلَى الثَّانِي: هَلْ لَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْبَاقِي عَلَى وَجْهَيْنِ. وَعَلَى الثَّالِثِ: هَلْ لَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةً ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْبَاقِي بَعْدَ السُّدُسِ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الْآخَرَ كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ نِصْفُهُمَا حُرٌّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. فَلِلِابْنِ النِّصْفُ. وَلِابْنِ الِابْنِ عَلَى الْأَوَّلِ الرُّبُعُ. وَعَلَى الثَّالِثِ: النِّصْفُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْأَوْسَطِ. وَلَوْ كَانَ جَدَّةٌ حُرَّةً وَأُمٌّ نِصْفُهَا حُرٌّ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ. وَلِلْجَدَّةِ نِصْفُ السُّدُسِ. وَلَوْ كَانَ الْجَدَّةُ نِصْفُهَا حُرٌّ: كَانَ لَهَا رُبُعُ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَنِصْفُ السُّدُسِ عَلَى الثَّالِثِ. وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الْأَوْسَطِ. وَلَوْ كَانَ أُمٌّ وَأَخَوَانِ، أَحَدُهُمَا رِقٌّ: كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَجَبَهَا أَبُو الْخَطَّابِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ. فَبِنِصْفِهَا يَحْجُبُهَا عَنْ نِصْفِ السُّدُسِ. فَائِدَةٌ: يُرَدُّ عَلَى ذِي فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ لَمْ تَرِثْ بِقَدْرِ نِسْبَةِ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُمَا. لَكِنْ

أَيُّهُمَا اُسْتُكْمِلَ بِالرَّدِّ أَزْيَدَ مِنْ قَدْرِ حُرِّيَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ: مُنِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَرُدَّتْ عَلَى غَيْرِهِ إنْ أَمْكَنَ. وَإِلَّا فَهِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ. فَلِبِنْتٍ نِصْفُهَا حُرٌّ: النِّصْفُ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. وَلِابْنٍ مَكَانَهَا نِصْفُهُ حُرٌّ: النِّصْفُ بِالْعُصُوبَةِ، وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلِابْنَيْنِ نِصْفُهُمَا حُرٌّ إنْ لَمْ نُوَرِّثْهُمَا الْمَالَ: الْبَقِيَّةُ، مَعَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ. أَعْنِي: لَهُمَا الْبَقِيَّةُ بِالرَّدِّ، سَوَاءٌ وَرَّثْنَاهُمَا النِّصْفَ فَقَطْ، أَوْ النِّصْفَ وَالرُّبُعَ. وَلِبِنْتٍ وَجَدَّةٍ نِصْفُهَا حُرٌّ: الْمَالُ، نِصْفَيْنِ بِفَرْضٍ وَرَدٍّ. وَلَا يُرَدُّ هُنَا عَلَى قَدْرِ فَرْضِيِّهِمَا لِئَلَّا يَأْخُذَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَوْقَ نِصْفِ التَّرِكَةِ. وَمَعَ حُرِّيَّةٍ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِمَا: الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا بِقَدْرِ فَرْضَيْهِمَا. وَمَعَ حُرِّيَّةٍ ثُلُثَهُمَا: الثُّلُثَانِ بَيْنَهُمَا. وَالْبَقِيَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ.

باب الولاء

[بَابُ الْوَلَاءِ] ِ قَوْلُهُ (كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ، أَوْ كِتَابَةٍ: فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ: يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ خِلَافًا. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُعْتَقِ سَائِبَةً، عَلَى مَا يَأْتِي. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ: يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِمَا. وَعَنْهُ فِي الْمُكَاتَبِ (إذَا أَدَّى إلَى الْوَرَثَةِ: يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُمْ. وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا. يَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا) . وَفِي التَّبْصِرَةِ وَجْهٌ: إنْ أَدَّى إلَيْهِمَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْوَرَثَةِ. وَفِي الْمُبْهِجِ: إنْ أَعْتَقَ كُلُّ الْوَرَثَةِ الْمُكَاتَبَ: نَفَذَ، وَالْوَلَاءُ لِلرِّجَالِ. وَفِي النِّسَاءِ رِوَايَتَانِ. . فَائِدَةٌ: إذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا. فَأَدَّى إلَيْهِ، وَعَتَقَ قَبْلَ أَدَائِهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ. وَقُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُكَاتَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقِيلَ: لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ يَحْكِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. حَتَّى حُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الثَّانِي: فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْوَلَاءِ، حَيْثُ كَانَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ. وَرَدَّ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ " الْكَافِرُ لَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمًا. أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " هَلْ يَرِثُ بِهِ أَمْ لَا؟ ". . فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْتَقَ الْقِنُّ عَبْدًا مِمَّا مَلَكَهُ، فَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عَنْ طَلْحَةَ الْعَاقُولِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ عَتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ. وَإِنْ مَاتَ قِنًّا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ: فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حَرَّةَ الْأَصْلِ، وَأَبُوهُ عَتِيقٌ: فَلِمَوْلَى أَبِيهِ الْوَلَاءُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَحُكِيَ الْأَوَّلُ قَوْلًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ أُمُّهُ عَتِيقَةً، وَأَبُوهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ: فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لِمَوَالِي أُمِّهِ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَيْرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ.

فَقَالَ: فَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِمُعْتَقَةٍ. فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا: كَانَ وَلَاءُ ذَلِكَ الْوَلَدِ لِمَوَالِي أُمِّهِ. وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلًى، وَالْأُمُّ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ: فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِنَا. وَقَالَهُ غَيْرُهُ. وَقِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي: أَنْ يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ. لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ مِنْ ثُبُوتِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ فِي زَكَاتِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ أَوْ قَالَ: لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك. فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي. إحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَهُ الْوَلَاءُ. عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: أَصَحُّهُمَا الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ فِيمَا عَتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَوْ نَذْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ؛ وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَقَطَعَ فِي الْمُذْهَبِ: أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، إذَا أَعْتَقَهُ سَائِبَةٌ، أَوْ قَالَ: لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك.

وَقِيلَ: لَهُ الْوَلَاءُ فِي السَّائِبَةِ، دُونَ غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ: لَا وَلَاءَ عَلَى السَّائِبَةِ. قَوْلُهُ (وَمَا رَجَعَ مِنْ مِيرَاثِهِ رُدَّ فِي مِثْلِهِ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ. (يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَخَلَّفَ بِنْتًا وَمُعْتَقَةً. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِسَيِّدِهِ الْوَلَاءَ: يَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لَهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مِيرَاثَهُ يُصْرَفُ فِي مِثْلِهِ: يَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي يُصْرَفُ فِي الْعِتْقِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ: يَكُونُ لِلْبِنْتِ الْجَمِيعُ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. إذْ الرَّدُّ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: يَكُونُ الْمُشْتَرِي لِلرِّقَابِ الْإِمَامُ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: السَّيِّدُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: عَلَى الْقَوْلِ بِشِرَاءِ الرِّقَابِ: لَوْ قَلَّ الْمَالُ عَنْ شِرَاءِ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ: فَفِي الصَّدَقَةِ بِهِ وَتَرْكِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي التَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: الصَّوَابُ، الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ بِهِ فِي زَمَنِنَا هَذَا أَوْلَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ خَلَّفَ الْمُعْتِقُ بِنْتًا مَعَ سَيِّدِهِ وَقُلْنَا: لَهُ الْوَلَاءُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا وَلَاءَ لَهُ: فَالْجَمِيعُ لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ. وَإِنْ قُلْنَا: يَشْتَرِي بِمَا خَلَّفَهُ رِقَابًا: فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا. وَحُكْمُ وَلَائِهِ حُكْمُ وَلَاءِ أَوْلَادِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ بِلَا أَمْرِهِ: فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: لَوْ أَعْتَقَ وَارِثٌ عَنْ مَيِّتٍ فِي وَاجِبٍ كَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ، وَرَمَضَانَ، وَقِيلَ: وَلَهُ تَرِكَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَنَحْوَهَا: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الدُّخُولُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ. وَأَطْلَقَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ دُخُولُ الْكَفَّارَةِ وَنَحْوُهَا فِي مِلْكِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُعْتِقُ أَطْعَمَ، أَوْ كَسَا. وَيَصِحُّ عِتْقُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُوصِيهِ.

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا " الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ " وَإِنْ تَبَرَّعَ بِعِتْقِهِ عَنْهُ وَلَا تَرِكَةَ فَهَلْ يُجْزِيهِ، كَإِطْعَامٍ وَكِسْوَةٍ، أَمْ لَا يُجْزِيهِ؟ جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَلَاءِ. وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ. فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: وَقَعَ الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ عَنْ الْمُعْتِقِ، إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ مَيِّتٍ فِي وَاجِبٍ عَلَيْهِ. فَيَقَعَانِ لِلْمَيِّتِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قَرِيبًا. وَإِنْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: عَكْسُهُ. الثَّالِثُ: يُجْزِيهِ فِي إطْعَامٍ وَكِسْوَةٍ دُونَ غَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ فِي وَاجِبٍ: وَقَعَا عَنْ الْمَيِّتِ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ. قَالَ أَبُو النَّضْرِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ: إنْ وَصَّى بِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِلَّا لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَنْ الرَّجُلِ فَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، وَالْأَجْرُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. وَفِي مُقَدِّمَةِ الْفَرَائِضِ لِأَبِي الْخَيْرِ سَلَامَةَ بْنِ صَادِقَةَ الْحَرَّانِيِّ: إنْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ: فَلِأَيِّهِمَا الْوَلَاءُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ: أَجْزَأَهُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْتَقِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ: عَتَقَ، حَيًّا كَانَ الْمُعْتَقَ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا. وَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ: فَالْعِتْقُ لِلْمُعْتِقِ كَالْوَلَاءِ. وَيُحْتَمَلُ لِلْمَيِّتِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ. لِأَنَّ الْقُرَبَ يَصِلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ) . إذَا قَالَ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ " فَفَعَلَ: فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الثَّانِيَةِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: هُوَ اسْتِدْعَاءٌ لِلْعِتْقِ، وَالْمِلْكُ يَدْخُلُ تَبَعًا وَمِلْكًا، لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ لَهُ. وَصَرَّحَ أَنَّهُ مِلْكٌ قَهْرِيٌّ، حَتَّى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، إذَا كَانَ الْعَبْدُ الْمُسْتَدْعَى عِتْقُهُ مُسْلِمًا، وَالْمُسْتَدْعِي كَافِرًا. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ إيَّاهُ، فَيُعْتِقَهُ هُوَ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي " وَأَطْلَقَ، أَوْ " أَعْتِقْهُ عَنِّي مَجَّانًا " خِلَافًا وَمَذْهَبًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ عَنْ الْوَاجِبِ، مَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبَهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ إلَّا بِالْتِزَامِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ مَا لَمْ يَنْفِهِ.

وَعَنْهُ: الْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمَسْئُولِ، لَا لِلسَّائِلِ، إلَّا حَيْثُ الْتَزَمَ الْعِوَضَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَتِي، وَلَك مِائَةٌ " فَأَعْتَقَهُ: عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا. وَتَلْزَمُهُ الْمِائَةُ، وَالْوَلَاءُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْ قَالَ " أَعْتِقْهُ عَنِّي بِهَذَا الْخَمْرِ، أَوْ الْخِنْزِيرِ " مَلَكَهُ. وَعَتَقَ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ. وَالْمِلْكُ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ، إذَا كَانَ ذَلِكَ بِلَفْظِهَا، لَا بِلَفْظِ الْعِتْقِ، قَالَ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي " فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ هُنَا قَبْلَ إعْتَاقِهِ. وَيَجُوزُ جَعْلُهُ قَابِضًا لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ. كَقَوْلِك " بِعْتُك " أَوْ " وَهَبْتُك هَذَا الْعَبْدَ " وَقَالَ الْمُشْتَرِي " هُوَ حُرٌّ " عَتَقَ. وَيُقَدَّرُ الْقَبُولُ حُكْمًا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ: يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِتْقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ " لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّيِّدِ إجَابَتُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيَاسُ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْهُ وَالثَّمَنُ عَلَيَّ وَ) كَذَا لَوْ قَالَ (أَعْتِقُهُ عَنْك وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ. فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ. وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) . إذَا قَالَ ذَلِكَ: لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِتْقَ وَوَلَاءَهُ لِلْمُعْتِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمَا لِلَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَنُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَفِيهِ بُعْدٌ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَفَعَلَ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَيُعْتَقُ. وَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ كَالْمُسْلِمِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. تَنْبِيهٌ: حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا: وَجْهَيْنِ، كَالْمُصَنِّفِ. وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ فَلَهُ وَلَاؤُهُ. وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَرِثُ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي جَامِعِهِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافِهِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي

مُبْهِجِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَذْهَبِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرِثُ بِهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَا يَرِثُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا، فَخَلَّفَ الْمُسْلِمُ الْعَتِيقُ ابْنًا لِسَيِّدِهِ كَافِرًا، أَوْ عَمًّا مُسْلِمًا: فَمَالُهُ لِابْنِ سَيِّدِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ الْمَالُ لِعَمِّهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ: يَرِثُهُ بَيْتُ الْمَالِ. وَإِنْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، وَمَاتَ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ عَتِيقُهُ، وَلِعَتِيقِهِ ابْنَانِ، مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ: وَرِثَ الْكَافِرُ وَحْدَهُ. وَلَوْ أَسْلَمَ الْعَتِيقُ، ثُمَّ مَاتَ: وَرِثَهُ الْمُسْلِمُ وَحْدَهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْإِرْثِ: وَرِثَهُ مَعَهُ. عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ ". وَتَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الْمَذْهَبُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ: وَهِمَ أَبُو طَالِبٍ فِي نَقْلِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ. انْتَهَى.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَا: هَذَا الصَّحِيحُ. وَغَالَى أَبُو بَكْرٍ، فَوَهَّمَ أَبَا طَالِبٍ فِي نَقْلِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ أَجِدْ الرِّوَايَةَ الَّتِي نَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ فِي ابْنَةِ الْمُعْتِقِ: أَنَّهَا تَرِثُ. مَنْصُوصَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. وَعَنْهُ فِي بِنْتِ الْمُعْتِقِ خَاصَّةً أَنَّهَا تَرِثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُهَا، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تَرِثُ مَعَ أَخِيهَا. وَعَنْهُ: تَرِثُ عَتِيقَ ابْنِهَا، مَعَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: عَتِيقُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّ الْأُمَّ الْمُلَاعَنَةَ تَرِثُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: لَا تَرِثُهُ. وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عَصَبَتُهُ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ عَصَبَتَهَا عَصَبَتُهُ: كَانَ الْوَلَاءُ لِعَصَبَتِهَا، لَا لَهَا. . فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ بِمَنْ أَعْتَقَتْهُ. فَأَحْبَلَهَا، فَهِيَ الْقَائِلَةُ: إنْ أَلِدْ أُنْثَى فَلِي النِّصْفُ. وَإِنْ أَلِدْ ذَكَرًا فَلِي الثُّمُنُ. وَإِنْ لَمْ أَلِدْ شَيْئًا فَالْجَمِيعُ لِي. فَيُعَايَى بِهَا.

قَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُ مِنْهُ ذُو فَرْضٍ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ يَرِثَانِ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ وَابْنِهِ. وَالْجَدُّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ، إذَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ سُقُوطَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مَعَ الِابْنِ. وَيُجْعَلُ الْجَدُّ كَالْإِخْوَةِ. وَإِنْ كَثُرُوا. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ أَقْيَسُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ: لَا فَرْضَ لَهُمَا بِحَالٍ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَشَيْخُنَا. وَيَسْقُطَانِ بِالِابْنِ وَابْنِهِ. وَالْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ كَالْأَخِ، وَإِنْ كَثُرُوا. وَقِيلَ. لَهُ الثُّلُثُ إنْ كَانَ أَحَظَّ لَهُ وَلَا يُعَادُ بِأُخْتٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُفْرَضُ لِلْأَبِ: لَا يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ، بَلْ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا. وَيُعَادُونَهُ بِوَلَدِ الْأَبِ، وَلَا يُعَادُونَهُ بِالْأَخَوَاتِ. قَالَ: وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. انْتَهَى. قُلْت: وَعَلَى رِوَايَةِ حَجْبِ الْإِخْوَةِ بِالْجَدِّ فِي النَّسَبِ: تَسْقُطُ الْإِخْوَةُ بِالْجَدِّ هُنَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَإِسْقَاطِ أَبِي الْجَدِّ أَوْلَادَ الْإِخْوَةِ. وَجَدُّ الْمَوْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى عَمِّهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَمَّا حَمَلْنَا تَوْرِيثَ أَبٍ سُدُسًا بِفَرْضٍ مَعَ ابْنٍ، عَلَى رِوَايَةِ تَوْرِيثِ بِنْتِ الْمَوْلَى: فَيَجِيءُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَرِثُ قَرَابَةُ الْمَوْلَى بِالْوَلَاءِ عَلَى نَحْوِ مِيرَاثِهِمْ قَوْلُهُ (وَالْوَلَاءُ لَا يُورَثُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمُوهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: وَالْوَلَاءُ لَا يُورَثُ كَمَا يُورَثُ الْمَالُ، لَكِنْ يَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَشَذَّ شُرَيْحٌ فَجَعَلَهُ مَوْرُوثًا كَالْمَالِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَ قَوْلِ شُرَيْحٍ وَغَلَّطَهَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَا: وَهُوَ كَمَا قَالَ. . قَوْلُهُ (فَإِذَا مَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ عَتِيقَهُ وَابْنَيْنِ. فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ: فَالْمِيرَاثُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ) . هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى مَا نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِابْنِ ابْنِ الْمُعْتِقِ. وَكَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ مَاتَ الِابْنَانِ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْمَوْلَى. وَخَلَّفَ أَحَدَهُمَا ابْنًا، وَالْآخَرَ تِسْعَةً. فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ. لِكُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ " وَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لِابْنِ الْمُعْتِقِ نِصْفُهُ. وَلِابْنَا ابْنِ الْمُعْتِقِ نِصْفُهُ. وَقِيلَ: يَرِثُ ابْنُ الِابْنِ فِي الْأُولَى النِّصْفَ، دُونَ هَذِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِي هَذِهِ: يَرِثُ كُلُّ فَرِيقٍ نِصْفًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ وَأُخْتُهُ أَبَاهُمَا، أَوْ أَخَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ) يَعْنِي: الْأَبَ أَوْ الْأَخَ (ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ) يَعْنِي: الْعَبْدَ الْعَتِيقَ (وَرِثَهُ الرَّجُلُ، دُونَ أُخْتِهِ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ. فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ إرْثِ بِنْتِ الْمُعْتِقِ: فَتَرِثُ هُنَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَعْتَقَتْ مَنْ أَعْتَقَ. لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأَخِ هُنَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ بِالنَّسَبِ، وَهِيَ مَوْلَاةُ الْمُعْتِقِ. وَعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَوْلَاهُ. وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: أَخْطَأَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ: ابْنٌ وَبِنْتٌ اشْتَرَيَا أَبَاهُمَا. فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ. فَهَلَكَ الْأَبُ، ثُمَّ هَلَكَ الْعَبْدُ. فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَمَّا هَلَكَ الْأَبُ كَانَ مَالُهُ بَيْنَ ابْنِهِ وَابْنَتِهِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، بِالتَّعْصِيبِ لَا بِالْوَلَاءِ. وَلَمَّا هَلَكَ الْعَبْدُ. وَخَلَّفَ ابْنَ مَوْلَاهُ، وَبِنْتَ مَوْلَاهُ: كَانَ مَالُهُ لِابْنِ مَوْلَاهُ، دُونَ بِنْتِ مَوْلَاهُ. لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَةِ مَوْلَاهُ. لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ " سَأَلْت سَبْعِينَ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْعِرَاقِ عَنْهَا فَأَخْطَئُوا فِيهَا " وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْعَتِيقِ: وَرِثَتْ الْبِنْتُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَتْ مِنْ أَبِيهَا وَالْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُعْتِقِ الْأُمِّ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَخَلَّفَتْ ابْنَهَا وَعَصَبَتَهَا وَمَوْلَاهَا فَوَلَاؤُهُ لِابْنِهَا) وَكَذَلِكَ الْإِرْثُ. (وَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا) . هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ بَادَ بَنُوهَا: فَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهَا. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: لِعَصَبَةِ بَنِيهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ " الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ " ثُمَّ لِعَصَبَةِ بَنِيهَا. وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْفَائِقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ لِعَصَبَةِ بَنِيهَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَنْثُورِهِ: وَجَدْت فِي تَعَالِيقِي: قَالَ شَيْخُنَا: وَجَدْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ الْمُعْتِقِ مِثْلُ خَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ يَرِثُونَ مِنْ الْمَوْلَى، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا ذُو فَرْضٍ. قُلْت: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ، وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً، وَلَا ذَا سَهْمٍ، وَلَا كَانَ لِمُعْتِقِهِ عَصَبَةٌ: وَرِثَهُ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِ مُعْتِقِهِ، دُونَ نِسَائِهِمْ وَعِنْدَ عَدَمِهِمْ لِبَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَوَلَاؤُهُ لِابْنِهَا. وَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ مِنْ الْعَاقِلَةِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْعَاقِلَةِ. وَمَنْ قَالَ: الِابْنُ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ يَقُولُ: الْوَلَاءُ لَهُ وَالْعَقْلُ عَلَيْهِ. وَمَنْ قَالَ: الِابْنُ عَاقِلَةُ الْأَبِ، دُونَ الْأُمِّ كَمُخْتَارِ الْجَدِّ يُقَيِّدُ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ امْرَأَةً، كَمَا قَيَّدَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ فِي زَكَاةٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ قَالَ: لَا وَلَاءَ لِي عَلَيْك وَقُلْنَا: لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَفِي عَقْلِهِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مُعْتِقًا رِوَايَتَانِ. قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ الْجَدُّ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَهُمْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَجُرُّهُ إلَى مَوَالِيهِ.

فَعَلَيْهَا: إنْ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَ الْجَدِّ: انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى الْجَدِّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَكَذَا لَوْ عَتَقَ مِنْ الْأَجْدَادِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِمَّنْ عَتَقَ أَوَّلًا وَجَرَّ الْوَلَاءَ. وَعَنْهُ: إنْ عَتَقَ الْجَدُّ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ جَرَّهُ. وَإِنْ عَتَقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ حَيٌّ لَمْ يَجُرَّهُ بِحَالٍ، سَوَاءٌ عَتَقَ الْأَبُ بَعْدُ، أَوْ مَاتَ قِنًّا. حَكَاهَا الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ: يَجُرُّهُ إذَا عَتَقَ وَالْأَبُ مَيِّتٌ. وَإِنْ عَتَقَ وَالْأَبُ حَيٌّ لَمْ يَجُرَّهُ حَتَّى يَمُوتَ قِنًّا، فَيَجُرُّهُ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ. وَيَكُونُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ لِمَوَالِي الْأُمِّ. نَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَلَدُ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ. ثُمَّ اشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ، فَأَعْتَقَهُ: ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ. وَجَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ. فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الْآخَرِ) . بِلَا نِزَاعٍ. فَيُعَايَى بِهَا، وَبِاَلَّتِي بَعْدَهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ مَاتَ مَوْلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ لَمْ يَعُدْ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بِحَالٍ، بَلْ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَا يَعُودُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِحَالٍ ". الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ: لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا. ثُمَّ سَبَى الْعَبْدُ مُعْتِقَهُ فَأَعْتَقَهُ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءُ صَاحِبِهِ) . فَلَوْ سَبَى الْمُسْلِمُونَ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ أَعْتَقُوهُ: فَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ الْأَخِيرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لِلْأَوَّلِ. وَقِيلَ: لَهُمَا.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَنْجَرُّ مَا كَانَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الرِّقِّ مِنْ وَلَاءِ وَلَدٍ، أَوْ عَتِيقٍ إلَى الْأَخِيرِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ. لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْأَخِ وَعَادَ إلَيْهِ. فَفِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ لِمَوَالِي الْأُمِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قَالَ الْبَوْنِيُّ: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِبَيْتِ الْمَالِ. لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقِيلَ: يُرَدُّ عَلَى سِهَامِ الْمَوَالِي أَثْلَاثًا. لِمَوَالِي أُمِّهِ الثُّلُثَانِ، وَلِمَوَالِي أُمِّهَا الثُّلُثُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ.

كتاب العتق

[كِتَابُ الْعِتْقِ] ِ فَائِدَةٌ: " الْعِتْقُ " عِبَارَةٌ عَنْ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَتَخْلِيصِهَا مِنْ الرِّقِّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ) . هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: هُوَ أَحَبُّ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَفْضَلُ عِتْقِ الرِّقَابِ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرَةً. وِفَاقًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ. وَمِنْهَا: عِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: عِتْقُ الْأُنْثَى لِلْأُنْثَى أَفْضَلُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. .

فوائد خيف على الرقيق الزنا والفساد في العتق

وَمِنْهَا: عِتْقُ الْأُنْثَى كَعِتْقِ الذَّكَرِ فِي الْفِكَاكِ مِنْ النَّارِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ عِتْقُ امْرَأَتَيْنِ كَعِتْقِ رَجُلٍ فِي الْفِكَاكِ. قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَمِنْهَا: التَّعَدُّدُ فِي الْعِتْقِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْوَاحِدِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَضَاحِيّ. وَمَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِيهَا إلَى أَنَّ عِتْقَ رَقَبَةٍ نَفِيسَةٍ بِمَالٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ رِقَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِذَلِكَ الْمَالِ. وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ (فَأَمَّا مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ، وَلَا كَسْبَ: فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ، وَلَا كِتَابَتُهُ، بَلْ يُكْرَهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ كِتَابَتُهُ دُونَ عِتْقِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأُنْثَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ الْكِتَابَةِ ". [فَوَائِدُ خِيفَ عَلَى الرَّقِيقِ الزِّنَا وَالْفَسَادُ فِي الْعِتْق] فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ خِيفَ عَلَى الرَّقِيقِ الزِّنَا وَالْفَسَادُ: كُرِهَ عِتْقُهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ ظُنَّ ذَلِكَ: صَحَّ وَحَرُمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَمَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِقَصْدِ الْحَرَامِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً، وَنِيَّتُهُ بِعِتْقِهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِيمَةً: لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَيْعُهَا، إذَا كَانَتْ زَانِيَةً. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَاسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سَفِينَةَ. وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ، وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ. وَيَمْلِكَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَجَعَلَ الْعِتْقَ عِوَضًا عَنْهُ. فَانْعَقَدَا فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ ". الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: يَصِحُّ الْعِتْقُ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ: بَلْ وَهِبَةٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ فِي الْمُؤَكَّدِ. وَقَدَّمَ هَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَصِحُّ عِتْقُ الْمُرْتَدِّ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا عِتْقَ لِمُمَيِّزٍ.

وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ. وَأَثْبَتَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْخِلَافَ فَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّرْغِيبِ فِي عِتْقِ ابْنِ عَشْرٍ، وَابْنَةِ تِسْعٍ: رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: وَفِي صِحَّةِ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَغَيْرِهِمْ: فِي صِحَّةِ عِتْقِ السَّفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ: صِحَّةَ عِتْقِ الْمُمَيِّزِ، وَالسَّفِيهِ، وَالْمُفْلِسِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ عِتْقُهُ. انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَابْنُ مُشَيْشٍ: صِحَّةَ عِتْقِهِ. وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ عِتْقِهِ. فَضَبَطَهُ طَائِفَةٌ بِعَقْلِهِ الْعِتْقَ. وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَابْنِ مُشَيْشٍ. وَضَبَطَهُ طَائِفَةٌ بِعَشْرٍ فِي الْغُلَامِ، وَتِسْعٍ فِي الْجَارِيَةِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ وَالتَّرْغِيبِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: فِي الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ: إذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ، مَا بَيْنَ عَشْرِ سِنِينَ إلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ: جَازَ عِتْقُهُ. انْتَهَى. وَمِمَّنْ اخْتَارَ مِنْ الْأَصْحَابِ صِحَّةَ عِتْقِهِ: أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْخِلَافِ. فَقَالَ: وَتَدْبِيرُ الْغُلَامِ إذَا كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ: صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ عِتْقُهُ، وَطَلَاقُهُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ وَبَابِ الْحَجْرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَأَمَّا الْقَوْلُ، فَصَرِيحُهُ: لَفْظُ " الْعِتْقِ " وَ " الْحُرِّيَّةِ " كَيْفَ صُرِّفَا)

أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلَوْ تَجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مَعَ الْقَوْلِ الصَّرِيحِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: نِيَّةُ قَصْدِ الْفِعْلِ مُعْتَبَرَةٌ، تَحَرُّزًا مِنْ النَّائِمِ وَنَحْوِهِ. وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْعِبَادَةِ وَلَا الْقُرْبَةِ. فَيَقَعُ عِتْقُ الْهَازِلِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ: لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لِوُقُوعِهِ. فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ عِبَادَةً. قَالَ: وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْعِتْقِ بِالصَّرِيحِ، إذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَصَدَ غَيْرَ الْعِتْقِ بِقَوْلِهِ " عَبْدِي هَذَا حُرٌّ " يُرِيدُ عِفَّتَهُ وَكَرَمَ أَخْلَاقِهِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ " مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ " يُرِيدُ بِهِ عَدَمَ طَاعَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: لَمْ يُعْتَقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: هُوَ كَالطَّلَاقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَدَعْوَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ صَرِيحِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا فِي اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ. وَجَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ إحْلَافَهُ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " صَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ كَيْفَ صُرِّفَا ". لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَصَرِّفَةَ مِنْهُ خَمْسَةٌ: مَاضٍ، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، وَاسْمُ فَاعِلٍ، وَاسْمُ مَفْعُولٍ، وَالْمُشْتَقُّ مِنْهُ. وَهُوَ الْمَصْدَرُ. فَهَذِهِ سِتَّةُ أَلْفَاظٍ. وَالْحَالُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُضَارِعِ، وَلَا بِالْأَمْرِ. لِأَنَّ الْأَوَّلَ: وَعْدٌ. وَالثَّانِي: لَا يَصْلُحُ لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا هُوَ خَبَرٌ.

فَيَكُونُ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَصَرِيحِ الطَّلَاقِ. وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمُرَادُهُمْ مَا قُلْنَاهُ. قَوْلُهُ (وَفِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك. وَفَكَكْت رَقَبَتَك. وَأَنْتَ مَوْلَايَ. وَأَنْتَ لِلَّهِ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ: رِوَايَتَانِ) . وَكَذَا " لَا خِدْمَةَ لِي عَلَيْك، وَ " مَلَّكْتُك نَفْسَك " وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ فِي قَوْلِهِ " فَكَكْت رَقَبَتَك، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ، وَأَنْتَ مَوْلَايَ، وَمَلَّكْتُك رَقَبَتَك " إحْدَاهُمَا صَرِيحٌ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: كِنَايَةٌ. صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ قَوْلَهُ " لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك، وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك " كِنَايَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ " لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك، وَأَنْت لِلَّهِ " صَرِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ: وَمِنْ الْكِنَايَةِ قَوْلُهُ " لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك،

وَفَكَكْت رَقَبَتَك، وَمَلَّكْتُك نَفْسَك، وَأَنْت مَوْلَايَ، أَوْ سَائِبَةٌ " فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّ قَوْلَهُ " لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَأَنْتَ لِلَّهِ " كِنَايَةٌ. وَقَالَ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ، وَهِيَ " لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا سُلْطَانَ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ ". وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ: قَوْلُهُ " لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَلَا رِقَّ لِي، وَأَنْتَ لِلَّهِ: صَرِيحٌ ". وَقَالَ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْإِيضَاحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ قَوْلَهُ " وَهَبْتُك لِلَّهِ " صَرِيحٌ. وَسَوَّى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ " أَنْتَ لِلَّهِ ". وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: هِيَ وَقَوْلُهُ " رَفَعْت يَدِي عَنْك إلَى اللَّهِ " كِنَايَةٌ. قَوْلُهُ (وَفِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ: رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: كِنَايَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ حَرَامٌ ". وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَغْوٌ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ". وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ حَرَامٌ ". وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ". وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ. حُكْمُ قَوْلِهِ " اعْتَدِّي " حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الظِّهَارِ. .

قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْتَ ابْنِي: لَمْ يُعْتَقْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يُعْتَقْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ. وَهُوَ تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَا نَصَّ فِيهَا. إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَا يُعْتَقُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ) قَالَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمِثَالِ. وَإِلَّا فَحَيْثُ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَإِذَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ: عَتَقَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَيْضًا. لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْآمِدِيُّ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ. لِكَذِبِهِ شَرْعًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي انْتِصَارِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا جَمِيعُهُ مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ. أَمَّا إنْ نَوَى بِهَذَا اللَّفْظِ الْحُرِّيَّةَ: فَيَنْبَغِي عِتْقُهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، مَعَ هَذَا اللَّفْظِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ثُمَّ رَأَيْت أَبَا حَكِيمٍ وَجَّهَ الْقَوْلَ بِالْعِتْقِ، وَقَالَ: لِجَوَازِ كَوْنِهِ كِنَايَةً فِي الْعِتْقِ. .

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِأَصْغَرَ مِنْهُ " أَنْتَ أَبِي " فَالْحُكْمُ: كَمَا لَوْ قَالَ لِأَكْبَرَ مِنْهُ " أَنْتَ ابْنِي " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَاسَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ عِنْدِهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ قَالَ " أَعْتَقْتُك " أَوْ " أَنْتَ حُرٌّ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ " لَمْ يُعْتَقْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ " أَنْتِ ابْنِي " أَوْ لِعَبْدِهِ " أَنْتَ بِنْتِي " لَمْ يُعْتَقْ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ " هَذِهِ ابْنَتِي " لَمْ تَطْلُقْ بِذَلِكَ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ حَامِلًا: عَتَقَ جَنِينُهَا، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ. وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا: عَتَقَ وَحْدَهُ) . فِي الْحَالِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْقَوْلُ بِعِتْقِ جَنِينِهَا مَعَهَا، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ فِيهِمَا حَتَّى تَضَعَهُ حَيًّا. فَيَكُونُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ. فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، تَبَعًا لِأُمِّهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَقَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ حَامِلًا. إذْ هُوَ كَالْمَعْدُومِ قَبْلَ الْوَضْعِ. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: هَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا إذَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْعِتْقِ؟ وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى قِيَاسِ اسْتِثْنَائِهِ فِي الْبَيْعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ، كَالْمُوصَى بِهِ: عَتَقَ الْحَمْلُ أَيْضًا، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْمِلْكُ: فَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ: عَتَقَ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا عَمُودِيُّ النَّسَبِ. قَالَ فِي الْكَافِي: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَلَنَا فِيهِ خِلَافٌ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ: لَا نَفَقَةَ لِغَيْرِهِمْ. وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا عِتْقَ بِالْمِلْكِ. وَعَنْهُ: إنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ: لَمْ يُعْتَقْ. وَفِي إجْبَارِهِ عَلَى عِتْقِهِ: رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ حَتَّى يُولَدَ فِي مِلْكِهِ حَيًّا. فَلَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِأَمَةٍ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ. ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ. فَهَلْ هُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ، أَوْ حُرٌّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَلَكَ رَحِمًا غَيْرَ مَحْرَمٍ عَلَيْهِ، أَوْ مَلَكَ مَحْرَمًا بِرَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ: لَمْ يُعْتَقْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَقَالَ: يَبِيعُ أَخَاهُ؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَا) يَعْنِي: وَإِنْ نَزَلَ (لَمْ يُعْتَقْ) . فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَلَكَ أَبَاهُ مِنْ الزِّنَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ مَلَكَ ابْنَهُ مِنْ الزِّنَا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرِّعَايَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت، إنْ أَرَادُوا: أَنَّ أَبَاهُ وَلَدُ زِنًا، وَوَلَدُهُ وَلَدُ زِنًا مِنْهُ: فَهَذَا مُحْتَمَلٌ. وَإِنْ أَرَادُوا: أَبَاهُ وَلَدُ زِنًا، وَوَلَدُهُ الَّذِي مَلَكَهُ، هُوَ وَلَدُهُ مِنْ الزِّنَا: فَمُسَلَّمٌ. وَهُوَ مُرَادُهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَرَادُوا، أَنَّ أَبَاهُ: وَلَدُ زِنًا، وَوَلَدُهُ الَّذِي مَلَكَهُ: لَيْسَ مِنْ زِنًا. فَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ هُنَا. وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ وَهُوَ مُوسِرٌ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ جُزْءًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَكَانَ مِلْكُهُ لَهُ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا. أَوْ مُعْسِرًا. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِجَمِيعِهِ، أَوْ مُوسِرًا بِبَعْضِهِ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِجَمِيعِهِ: عَتَقَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فَعَلَيْهِ: لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهَا: فَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِ شَرِيكِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا: مَتَى يَقُومُ؟ . فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ نِصْفُهُ، لَا قِيمَةُ النِّصْفِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا قِيمَةَ لِلنِّصْفِ. وَرَدَّهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَتَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَلْ يُقَوَّمُ كَامِلًا، وَلَا عِتْقَ فِيهِ، أَوْ قَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيمَا أَظُنُّ. لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ إنَّمَا هُوَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ، لَا قِيمَةِ النِّصْفِ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَرَادَ الْبَيْعَ. فَإِنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ. انْتَهَى كَلَامُ الْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ. لَوْ أَعْتَقَ شَرِيكًا فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُوسِرٌ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِهِ: عَتَقَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: عَتَقَ بِقَدْرِهِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ إلَّا مَا مَلَكَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " عَتَقَ كُلُّهُ ". لَوْ كَانَ شِقْصُ شَرِيكِهِ مُكَاتَبًا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مَرْهُونًا، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْتَنِعُ الْعِتْقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ، إلَّا أَنْ يَبْطُلَا. فَيَسْرِي حِينَئِذٍ. وَحَيْثُ سَرَى: ضَمِنَ حَقَّ الشَّرِيكِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَمَّا الْمَرْهُونُ: فَيَسْرِي الْعِتْقُ عَلَيْهِ. وَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ، فَتُجْعَلُ مَكَانَهُ رَهْنًا. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: حَدُّ " الْمُوسِرِ " هُنَا: أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِعْتَاقِ قَادِرًا عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ، وَأَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَته كَالْفِطْرَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ " الْيَسَارِ " هُنَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، وَمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ، وَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ. وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنْ يَكُونَ مَالِكًا مَبْلَغَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: مُقْتَضَى نَصِّهِ: لَا يُبَاعُ لَهُ أَصْلُ مَالٍ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَا يُبَاعُ لَهُ دَارٌ، وَلَا رِبَاعٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: بَلْ إنْ كَانَ مَا يَغْرَمُهُ الْمَوْلَى فَاضِلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ قُلْت: وَعَنْ قُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِيهِمَا مَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهُ. انْتَهَى. وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ: حَالَةَ الْعِتْقِ. فَلَوْ أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ بَعْدَهُ: لَمْ يَسْرِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَعْسَرَ الْمُوسِرُ: لَمْ يَسْقُطْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا) يَعْنِي: بِجَمِيعِهِ. (لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ. وَيَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي بَقِيَّتِهِ. نَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ. فَلَوْ مَاتَ وَبِيَدِهِ مَالٌ كَانَ لِسَيِّدِهِ مَا بَقِيَ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالْبَاقِي إرْثٌ. وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ. وَهَذَا الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يُعْتَقُ الْعَبْدُ كُلُّهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْتَقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ حَقَّ السِّعَايَةِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ عَبْدٍ بَعْضُهُ رَقِيقٌ. فَلَوْ مَاتَ كَانَ لِلشَّرِيكِ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ مَالِهِ، عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالسِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ: لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا مَلَكَ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إنْ كَانَ مُوسِرًا نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ. فَجَدَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ وَنَحْوَهُ) . وَكَذَا لَوْ خَرَقَ عُضْوًا مِنْهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ: عَتَقَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، لِلْأَثَرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءً قَصَدَ التَّمْثِيلَ بِهِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ غَيْرُ ابْنِ عَقِيلٍ الْقَصْدَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ فِي ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: حَيْثُ قُلْنَا يُعْتَقُ بِالتَّمْثِيلِ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصْرَفُ فِي الرِّقَابِ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفَائِقِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْعَمَلِ بِهِ كَقَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَكَالْمَنْصُوصِ. الثَّانِيَةُ: هَلْ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمُثْلَةِ، أَوْ يُعْتِقُهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ؟ . قَالَ فِي الْفَائِقِ: يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي رِوَايَةٍ " يُعْتَقُ " وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ " يُعْتِقُهُ السُّلْطَانُ " وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: يُعْتِقُهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ أَيْضًا: وَلَوْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ سَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ. وَضَمِنَ لِلشَّرِيكِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ اسْتَكْرَهَ الْمَالِكُ عَبْدَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعِتْقِ بِالْمُثْلَةِ. وَلَوْ اسْتَكْرَهَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ عَلَى الْفَاحِشَةِ: عَتَقَتْ. وَغَرِمَ مِثْلَهَا لِسَيِّدَتِهَا. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ.

الرَّابِعَةُ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُعْتَقَ، اخْتَارَهُ. الْخَامِسَةُ: مَفْهُومُهُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ لَعَنَ عَبْدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَعَنَ عَبْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ، أَوْ لَعَنَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ: وَيَجِيءُ فِي لَعْنِ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ " لَبَّيْكَ " وَيَشْهَدُ لِهَذَا فِي الزَّوْجَةِ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، لَمَّا كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ أَوْ الْغَضَبُ. السَّادِسَةُ: لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُبَاحَةَ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَأَفْضَاهَا: عَتَقَتْ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ. فَمَا لَهُ لِلسَّيِّدِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لِلْعَبْدِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ وَبِيَدِهِ مَالٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَهُ. وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ، مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا: عَتَقَ كُلُّهُ) .

مُرَادُهُ: إذَا أَعْتَقَ غَيْرَ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَسِنِّهِ، وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُوسِرٌ بِقِيمَةِ بَاقِيهِ عَتَقَ كُلُّهُ) . بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنْ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِبَعْضِهِ: فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إلَّا حِصَّتُهُ فَقَطْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا، فَلْيُعَاوَدْ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا " هَلْ يُوقَفُ الْعِتْقُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟ " قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ يَوْمَ الْعِتْقِ لِشَرِيكِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ. وَفِي الْإِرْشَادِ وَجْهٌ: أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَقْوِيمِهِ. وَحَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قِيَاسُ الْقَوْلِ الَّذِي لَنَا فِي الْغَصْبِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ عُدِمَتْ الْبَيِّنَةُ بِقِيمَتِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْتِقِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الشَّرِيكِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ. فَلَعَلَّهُ سِبْقَةُ قَلَمٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا: لَمْ يُعْتَقْ إلَّا نَصِيبُهُ. وَيَبْقَى حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُعْتَقُ كُلُّهُ. وَيَسْتَسْعِي الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَأَحْكَامُهُ وَفُرُوعُهُ، وَالْخِلَافُ فِيهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ

الْفُرُوعِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ " فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَا وَهُنَاكَ وَاحِدٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ: يَأْتِي قَرِيبًا " إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، هَلْ يَسْرِي أَمْ لَا؟ " قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِثَلَاثَةٍ: لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ. فَأَعْتَقَ صَاحِبُ النِّصْفِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا. وَضَمِنَا حَقَّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ نِصْفَيْنِ. وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ.: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ بِلَا رَيْبٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنَاهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُتَصَوَّرُ عِتْقُهُمَا مَعًا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا: أَنْ يَتَّفِقَ لَفْظُهُمَا بِالْعِتْقِ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: أَنْ يُعَلِّقَاهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْهَا: أَنْ يُوَكِّلَا شَخْصًا يُعْتِقُ عَنْهُمَا. أَوْ يُوَكِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى بَاقِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالنَّاظِمِ.

قَالَ فِي الْفَائِقِ: سَرَى إلَى سَائِرِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْرِي. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ " هَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ مُسْلِمًا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ أَمْ لَا؟ ". وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ " إذَا قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ: هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ ". الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَعْتَقْت نَصِيبَ شَرِيكِي " كَانَ لَغْوًا. وَلَوْ قَالَ " أَعْتَقْت النِّصْفَ " انْصَرَفَ إلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ سَرَى. لِأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُ أَرَادَ نَصِيبَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي دَارٍ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا " بِعْتُك نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ " لَا يَجُوزُ. إنَّمَا لَهُ الرَّابِعُ مِنْ النِّصْفِ، حَتَّى يَقُولَ: نَصِيبِي. وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ وَلَا بِنَاءَ. فَفِي صَرْفِهِ إلَى نَصِيبِ مُوَكِّلِهِ، أَمْ نَصِيبُهُ، أَمْ إلَيْهِمَا؟ احْتِمَالَاتٌ فِي الْمُغْنِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عِتْقُ نَصِيبِهِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُمَا مُوسِرَانِ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا لِاعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّتِهِ. وَصَارَ مُدَّعِيًا عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ مِنْهُ. وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ: لَمْ يُعْتَقْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) .

بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيُعْتَقُ نِصْفُهُ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَكَانَ عَدْلًا عَلَى مَا يَأْتِي. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُصَدَّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ. وَعَلَّلَهُ: بِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ، وَلَا شَهَادَةَ لِخَصْمٍ عَلَى خَصْمِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ: عَتَقَ حِينَئِذٍ. وَلَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِهِ) . يَعْنِي: إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا وَلَاءَ لَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: لَهُ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ، إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ. فَأَعْتَقَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مُوسِرٌ: عَتَقَ كُلُّهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك، فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِك، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ: عَتَقَ عَلَيْهِمَا، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ عِتْقُهُ عَلَيْهِمَا.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ. الشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ وَالْمُذْهَبُ فِيمَا إذَا قَالَ " إذَا أَعْتَقْت نَصِيبَك فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِك " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ عَلَى صَاحِبِ الشَّرْطِ بِالشَّرْطِ. وَيَضْمَنُ حَقَّ شَرِيكِهِ. اخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَمَعَ إعْسَارِهِمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ " إنْ صَلَّيْت مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَأَنْتِ حَرَّةٌ قَبْلَهُ " فَصَلَّتْ كَذَلِكَ: عَتَقَتْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ، وَقَالَ: صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ. وَقِيلَ: لَا تُعْتَقُ. جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي. لِبُطْلَانِ الصِّفَةِ بِتَقَدُّمِ الْمَشْرُوطِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَهُ " فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ: صَحَّ إقْرَارُهُ فَقَطْ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ أَقْرَرْت بِك لَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ سَاعَةَ إقْرَارِي " لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ وَلَا الْعِتْقُ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ، كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ. وَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ. وَالْوَاضِحِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فَسْخُهُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي أَوَّلِ " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ ".

قَوْلُهُ (وَلَهُ بَيْعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَوَقْفُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ) . وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ أَمَتِهِ بَعْدَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَطَؤُهَا. فَائِدَةٌ: لَا يُعْتَقُ قَبْلَ كَمَالِ الصِّفَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً مِنْ الْأَيْمَانِ بِالْعِتْقِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ النَّاظِمُ: لَا يُعْبَأُ بِمَا فِي الْمُجَرَّدِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ: عَادَتْ الصِّفَةُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا إحْدَاهُمَا: تَعُودُ بِعَوْدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ، أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا تَعُودُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ، إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقِيقِ لَا يَنْبَنِي فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. فَإِنَّهُ يَنْبَنِي فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي عِدَدِ الطَّلَاقِ، عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَا أَثَرَ لَهُ، إذْ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَمْ يُشْتَرَطْ لِعَدَمِ الْحِنْثِ وُجُودُ الصِّفَةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَعُودُ الصِّفَةُ. جَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ أَرْجَحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: لَا تَعُودُ الصِّفَةُ. سَوَاءٌ وُجِدَتْ حَالَ زَوَالِ مِلْكِهِ أَوْ لَا، حَكَاهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهَا مَرَّةً قَوْلًا. قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ. فَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ. الْأُولَى: إذَا قَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ " وَأَطْلَقَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَلَا يُعْتَقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ وَيُعْتَقُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْبُلْغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ كَالْمُوصَى بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ " أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُمْ إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْتَقُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَالِبُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْمُدَبَّرِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ: بَنَى طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ: هَلْ هُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. فَإِنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ: صَحَّ تَقْيِيدُهَا بِصِفَةٍ أُخْرَى تُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَإِنْ قُلْنَا عِتْقٌ بِصِفَةٍ: لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: لَوْ هُوَ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ. فَقَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَأَنْتَ حُرٌّ " لَمْ يُعْتَقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي إشَارَاتِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَعَلَّلَهُ، وَقَالَ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ هَذَا الْعَقْدَ تَدْبِيرًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْفِي ذَلِكَ. وَلَهُمْ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ. ذَكَرْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ. الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: فَكَسْبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ: لِلْوَرَثَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ وَوَجْهٌ فِي الْقَوَاعِدِ: أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ، مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الْعَبْدَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ، لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ، كَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " اخْدِمْ زَيْدًا سَنَةً بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ " فَعَلَى الصِّحَّةِ: لَوْ أَبْرَأَهُ زَيْدٌ مِنْ الْخِدْمَةِ: عَتَقَ مِنْ حِينِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ. فَإِنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ لِبَيْعِهِ وَهُمَا كَافِرَانِ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ. فَفِي لُزُومِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ لِبَقِيَّةِ الْخِدْمَةِ: رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَلْزَمُهُ، وَيُعْتَقُ مَجَّانًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَلْزَمُهُ. وَلَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ " إذَا خَدَمْت ابْنِي حَتَّى يَسْتَغْنِيَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ " لَمْ تُعْتَقْ، حَتَّى تَخْدُمَهُ إلَى أَنْ يَكْبَرَ، وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الرَّضَاعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تُعْتَقُ، حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ الرَّضَاعِ، وَعَنْ أَنْ يُقَلِّمَ الطَّعَامَ، وَعَنْ التَّنَجِّي مِنْ الْغَائِطِ. نَقَلَ مُهَنَّا: لَا تُعْتَقُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ. قُلْت: حَتَّى يَحْتَلِمَ؟ قَالَ: لَا، دُونَ الِاحْتِلَامِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت فُلَانًا، فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُثْبِتُ مَا يُخَالِفُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ، إلَّا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ فِي الْعِتْقِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ. وَمَا أَرَاهُ إلَّا غَلَطًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ " إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى بَيْعِهِ " فِي أَوَاخِرِ بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بَاعَ أَمَةً بِعَبْدٍ، عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ: هُمَا حُرَّانِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ خَاصَّةً. لِأَنَّ عِتْقَهُ لِلْأَمَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ، وَعِتْقَهُ لِلْعَبْدِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وَاسِطَةٍ. فَيَكُونُ الْعِتْقُ إلَى الْعَبْدِ أَسْبَقَ. فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَقَ، وَلَا تُعْتَقُ الْأَمَةُ. انْتَهَى. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ: عَتَقَ الْعَبْدُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَقِلُ: عَتَقَتْ الْأَمَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَهُ الْعَبْدُ: لَمْ يَصِحَّ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي: إذَا قَالَ الْعَبْدُ " إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ " أَوْ " كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ " ثُمَّ عَتَقَ وَمَلَكَ، عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْحُرِّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ، ثُمَّ عَتَقَ، وَمَلَكَ مَمَالِيكَ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: تَنْعَقِدُ الصِّفَةُ لِلْحُرِّ، هَلْ تَنْعَقِدُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ " وَقُلْنَا: بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَى الْمِلْكِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا وَاحِدًا فَقَطْ: فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي تَعْلِيلِ مَا إذَا مَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا: إذَا مَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ فَمَلَكَ عَبِيدًا ثُمَّ مَاتَ، فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَكَسْبُهُ لَهُ) . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ الصِّفَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " آخِرُ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ " فَمَلَكَ أَمَةً، ثُمَّ مَلَكَ أُخْرَى: لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ. لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا، فَتَكُونُ حُرَّةً مِنْ حِينِ اشْتَرَاهَا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ آخِرُ مَنْ اشْتَرَى مَمْلُوكَيْنِ مَعًا، أَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى أَوَّلِ مَمْلُوكٍ فَمَلَكَهُمَا مَعًا، أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ " أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ " فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ خَرَجَا مَعًا. فَقِيلَ: يُعْتَقَانِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقَانِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى أَوَّلِ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ. فَمَلَكَ اثْنَيْنِ مَعًا.

وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. قُلْت: وَنَقَلَهُ مُهَنَّا فِي " أَوَّلُ غُلَامٍ يَطْلُعُ، أَوْ امْرَأَةٍ تَطْلُعُ: فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ طَالِقٌ " وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الرِّوَايَةِ " أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ عَبِيدِي " وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ فِي الطَّلَاقِ. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ، فَقُمْنَ مَعًا: طُلِّقْنَ. وَفِي مُنْفَرِدَةٍ بِهِ: وَجْهٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا، ثُمَّ مَيِّتًا: لَمْ يُعْتَقْ الْأَوَّلُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ، لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ " أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ " أَوْ قَالَ " إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ " فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا. بَلْ جَعَلُوا هَذِهِ أَصْلًا لِتِلْكَ. وَصُحِّحَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: عَدَمُ الْعِتْقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهِبِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُعْتَقُ الْحَيُّ مِنْهُمَا: وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأُشْكِلَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُعْتَقَانِ. وَاخْتِبَارُ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ أَمَدَ مَنْعِ السَّيِّدِ مِنْهُمَا: هَلْ هُوَ الْقُرْعَةُ،

أَوْ الِانْكِشَافُ؟ وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ عَيَّنَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَوَّلُ غُلَامٍ لِي يَطْلُعُ فَهُوَ حُرٌّ " فَطَلَعَ عَبِيدُهُ كُلُّهُمْ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ " أَيَّتُكُنَّ طَلَعَ أَوَّلًا فَهِيَ طَالِقٌ " فَطَلَعْنَ كُلُّهُنَّ. فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُمَيِّزُ وَاحِدًا مِنْ الْعَبِيدِ، وَامْرَأَةً مِنْ الزَّوْجَاتِ بِالْقُرْعَةِ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا النَّصِّ. فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ طُلُوعَهُمْ كَانَ مُرَتَّبًا، وَأُشْكِلَ السَّابِقُ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُمْ طَلَعُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ: صِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ. وَالْمُعْتِقُ إنَّمَا أَرَادَ عِتْقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَيُمَيَّزُ بِالْقُرْعَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُعْتَقُ وَيُطَلِّقُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ صِفَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَفْظُهُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ. لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ. أَوْ يُقَالُ: الْأَوَّلِيَّةُ صِفَةٌ لِلْمَجْمُوعِ لَا لِلْأَفْرَادِ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي الطَّلَاقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُعْتِقُ وَلَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْدًا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ، وَالْفَرْدِيَّةُ مُشْتَبِهَةٌ هُنَا. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الطَّلَاقِ وَالسَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ الْكَافِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّهُ إنْ طَلَعَ بَعْدَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَزَوْجَاتِهِ: طُلِّقْنَ وَعَتَقْنَ، وَإِلَّا فَلَا. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ السَّابِقُ لِغَيْرِهِ. فَلَا يَكُونُ أَوَّلًا حَتَّى يَأْتِيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ، فَتَتَحَقَّقُ لَهُ بِذَلِكَ صِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ. وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ الْمُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ فِي الْعِتْقِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا) . إذَا كَانَتْ حَامِلًا حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا: فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ

وَإِنْ وُجِدَ حَمْلٌ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوَضَعَتْهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَصُحِّحَ عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتْبَعُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَائِدَةٌ: لَا يَتْبَعُ الْوَلَدُ أُمَّهُ إذَا كَانَ مُنْفَصِلًا حَالَ التَّعْلِيقِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ: عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ " أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ "، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ " فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يُعْتَقُ مَجَّانًا بِلَا قَبُولٍ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ " شَرْطٌ لَازِمٌ بِلَا قَبُولٍ كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ لَهُ " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا " أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ " أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَك " لَكِنْ إنْ أَبَتْ لَزِمَهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُعْتَقُ مَجَّانًا بِقَبُولِهَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ لَهُ " أَنْتَ حُرٌّ بِمِائَةٍ " أَوْ " بِعْتُك نَفْسَك بِمِائَةٍ " فَقَبْلَ عِتْقٍ وَلَزِمَتْهُ الْمِائَةُ، وَإِلَّا فَلَا. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ " عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الْخُلْعِ. لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ الْعِوَضُ رُكْنًا فِيهِمَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُمَا عَلَيْهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الرَّضَاعِ. بِخِلَافِ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مَالٌ مَحْضٌ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً: فَكَذَلِكَ) يَعْنِي: كَقَوْلِهِ " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ " فَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يُعْتَقُ مَجَّانًا. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَقْبَلَ. وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا إحْدَى الطُّرُقِ فِي الْمَسْأَلَةِ

وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ هُنَا بِلَا قَبُولٍ. وَتَلْزَمُهُ الْخِدْمَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلَ وَقِيلَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إنْ لَمْ يَقْبَلْ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يُعْتَقُ. وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُعْتَقُ. وَقَدَّمَهُ فِي " أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ " أَنَّهُ يُعْتَقُ مَجَّانًا. فَخَالَفَا الطَّرِيقَتَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُعْتَقْ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ. وَعَلَى كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي: تَكُونُ طَرِيقَةً رَابِعَةً وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ اسْتَثْنَى فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ: رَجَعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْخِدْمَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ بَيْعُ هَذِهِ الْخِدْمَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. نَقْلُ حَرْبٍ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا: مِنْ الْعَبْدِ أَمْ مِمَّنْ شَاءَ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ مَا لَوْ اسْتَثْنَى السَّيِّدُ خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ. وَذَكَرُوا صِحَّةَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ. قَالَ: وَهَذَا مِثْلُهُ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد " أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْتَقَتْ سَفِينَةَ، وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ " قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ شَرْطِ الْبَائِعِ خِدْمَةَ الْمَبِيعِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ. لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ أَعْنِي بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْقَوَاعِدِ، فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ: صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْوَلَاءِ: وَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِعِوَضٍ حَالٍّ: عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. لِأَنَّهُ يَبِيعُ مَالَهُ بِمَالِهِ. فَهُوَ مِثْلُ الْمُكَاتَبِ سَوَاءٌ. وَالسَّيِّدُ هُوَ الْمُعْتِقُ لَهُمَا، فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَيْهِمَا. انْتَهَيَا. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَأْخَذُهُمَا: هَلْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ؟ وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ: هَلْ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ حَالَّةً؟ . السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ " فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ. لَا يَبْطُلُ مَا دَامَ مِلْكُهُ. وَلَا يُعْتَقُ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهَا، بَلْ بِدَفْعِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَمَا فَضَلَ عَنْهَا فَهُوَ لِسَيِّدِهِ. وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مِلْكِهِ. إذًا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ " إنْ أَعْطَيْتنِي مِائَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَأَتَتْ بِمِائَةٍ مَغْصُوبَةٍ. فَفِي وُقُوعِهِ احْتِمَالَانِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْعِتْقُ مِثْلُهُ، وَأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَجْرِي فِي الْفَاسِدَةِ إذَا صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ.

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأُولَى: إنْ قَالَهُ الصَّغِيرُ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. السَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ " جَعَلْت عِتْقَك إلَيْك " أَوْ " خَيَّرْتُك " وَنَوَى تَفْوِيضَهُ إلَيْهِ. فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ: عَتَقَ. وَيَتَوَجَّهُ كَطَلَاقٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ قَالَ " اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ، وَأَعْتِقْنِي " فَفَعَلَ: عَتَقَ. وَلَزِمَ مُشْتَرِيَهُ الْمُسَمَّى. وَكَذَا إنْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ، إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ النُّقُودُ. وَإِلَّا بَطَلَا. وَعَنْهُ: أُجِيزَ عَنْهُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إنْ صَرَّحَ الْوَكِيلُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَبْدِ: وَقَعَ عَنْهُ، وَعَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ: احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْوَكَالَةِ. لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَعَتَقَ. وَالسَّيِّدُ لَمْ يَرْضَ بِالْعِتْقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ: عَتَقَ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ وَمُكَاتَبُوهُ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) . وَكَذَا عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ. بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَعَتَقَ عَلَيْهِ (شِقْصٌ يَمْلِكُهُ) مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ الشِّقْصُ بِدُونِ نِيَّةٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ شِقْصٌ فَقَطْ. وَقَالَ: ذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " عَبْدِي حُرٌّ " أَوْ " أَمَتِي حُرَّةٌ " أَوْ " زَوْجَتِي طَالِقٌ " وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا: عَتَقَ الْكُلُّ، وَتَطْلُقُ كُلُّ نِسَائِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَعُمُّ.

وَقِيلَ: يُعْتَقُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ وَاحِدٌ، وَتَطْلُقُ وَاحِدَةٌ. وَتَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَادُ: إنْ كَانَ " عَبْدٌ " مُفْرَدًا لِذَكَرٍ وَأُنْثَى. فَإِنْ كَانَ لِذَكَرٍ فَقَطْ: لَمْ يَشْمَلْ أُنْثَى، إلَّا إنْ اجْتَمَعَا تَغْلِيبًا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ لِخَدَمٍ لَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ " أَنْتُمْ أَحْرَارٌ " وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا: إنَّهَا تُعْتَقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا إنْ قَالَ " كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ". فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) . وَكَذَا لَوْ قَالَ " أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ " أَوْ " بَعْضُهُمْ حُرٌّ " وَلَمْ يَنْوِهِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِتَعْيِينِهِ، مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الطَّلَاقِ. وَكَذَا لَوْ أَدَّى أَحَدُ مُكَاتَبِيهِ وَجَهِلَ: أَقْرَعَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ " إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ " حَرُمَ وَطْؤُهُمَا مَعًا بِدُونِ قُرْعَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: تَتَمَيَّزُ الْمُعْتَقَةُ بِتَعْيِينِهِ. فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً لَمْ تُعْتَقْ الْأُخْرَى. كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا ثُمَّ أُنْسِيَهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعْتَقَ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لِإِمَائِهِ الْأَرْبَعِ " إنْ وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَوَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ حُرَّةٌ " ثُمَّ وَطِئَ ثَلَاثًا: أُقْرِعَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعَةِ. فَإِنْ وَطِئَهَا عَتَقَتْ الْأُوَلُ. وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثَانِيًا قَبْلَ وَطْءِ الرَّابِعَةِ: عَتَقَتْ الرَّابِعَةُ فَقَطْ. وَيُحَدُّ، إنْ عَلِمَ قَبْلَهُ بِعِتْقِهَا.

وَيَأْتِي فِي بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ " إذَا قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ. وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ ". وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ أُنْسِيَهُ: أُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ) إمَّا الْمُعْتِقُ أَوْ وَارِثُهُ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ هُنَا، مِنْ الطَّلَاقِ. قَالَ: وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ. (فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَهَا أَنَّ الْمُعْتَقَ غَيْرُهُ: عَتَقَ. وَهَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْأَوَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ عِتْقُهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا لَوْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ. فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ: لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ، لَوْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ. فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ: لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَهَذَا الْوَجْهُ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ دَبَّرَهُ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: لَا يُعْتَقُ إلَّا مَا أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ لَا غَيْرُ.

وَعَنْهُ: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ فِي الْمُنَجَّزِ دُونَ التَّدْبِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَكْمِيلِ الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ، إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ. الثُّلُثِ. وَقَدَّمَ عِتْقَ الْجَمِيعِ فِيمَا إذَا نُجِّزَ الْبَعْضُ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ: عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ كُلُّهُ. لِأَنَّ رَدَّ الْوَرَثَةِ هُنَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، أَوْ دَبَّرَهُ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ بَاقِيَهُ أُعْطِيَ الشَّرِيكَ) . يَعْنِي: قِيمَةَ حِصَّتِهِ، وَكَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْخِرَقِيِّ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يُعْتَقُ جَمِيعُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْأُخْرَى: (لَا يُعْتَقُ إلَّا مَا مَلَكَ مِنْهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَالشَّرِيفُ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: سَرَى. وَمَا دَبَّرَهُ، أَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ: لَمْ يَسْرِ. فَالرِّوَايَةُ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ: أَصَحُّ. وَالرِّوَايَةُ فِي وُقُوفِهِ فِي التَّدْبِيرِ: أَصَحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَعْنِي: التَّفْرِقَةَ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ: بِيعُوا فِي دَيْنِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ تَبَرُّعَاتِ

الْمَرِيضِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ ثُلُثُهُمْ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. فَإِنْ الْتَزَمَ وَارِثُهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ: فَفِي نُفُوذِ عِتْقِهِمْ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَا، وَقِيلَ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: إذَا تَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، فَقَضَى الدَّيْنَ، هَلْ يَنْفُذُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قُلْت: الصَّوَابُ نُفُوذُ عِتْقِهِمْ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ بَعْضَهُمْ: احْتَمَلَ بُطْلَانَ عِتْقِ الْكُلِّ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَبْطُلَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ، فَأَعْتَقْنَا ثُلُثَهُمْ. ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يُخْرَجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ: عَتَقَ مَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَانَ كَسْبُهُمْ لَهُمْ مِنْ مُنْذُ عَتَقُوا. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ. وَحَكَاهُمَا فِي الْكَافِي احْتِمَالَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاتِهِ: أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ. فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَيِّتِ رُقَّ الْآخَرَانِ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ: عَتَقَ، إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، دُونَ الْمَيِّتِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرَضِهِ. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ: فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) . وَحَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَالْأَوْلَى: أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، وَيَسْقُطَ حُكْمُ الْمَيِّتِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ كَعِتْقِهِ أَحَدَ عَبْدَيْهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا. فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْعِتْقُ فِي الثَّانِي. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْفُرُوعِ، فِي آخِرِ " بَابِ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ " وَذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي، فِي أَوَّلِ " بَابِ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ " فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ. فَمَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: إنْ أَعْتَقَهُمْ، أَوْ دَبَّرَهُمْ، أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ، أَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ وَأَوْصَى بِعِتْقِ الْبَاقِينَ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ: أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ. فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِمَيِّتٍ حَسِبْنَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ. وَقَوَّمْنَاهُ حِينَ الْعِتْقِ. وَإِنْ خَرَجَتْ لِحَيٍّ. فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ: لَمْ يُحْسَبْ مِنْ التَّرِكَةِ غَيْرُ الْحَيَّيْنِ. فَيُكَمَّلُ ثُلُثُهُمَا مِمَّنْ قُرِعَ، أَوْ يُقَوَّمُ بِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ. وَقِيلَ: يُحْسَبُ الْمَيِّتُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَيُقْرَعُ مَنْ قُرِعَ إنْ خَرَجَ حَيًّا مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ بَعْدَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ: حُسِبَ مِنْ التَّرِكَةِ. وَبِدُونِ الْمَوْتِ: يُعْتَقُ ثُلُثُهُمْ بِالْقُرْعَةِ، إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَيْهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

باب التدبير

[بَابُ التَّدْبِيرِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ) . هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ، زَادَ فِي الْمُذْهَبِ: أَوْ بِشَرْطٍ يُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَهُوَ مُتَخَرِّجٌ عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ لَازِمٌ كَالِاسْتِيلَادِ. وَعَنْهُ: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ إذَا دَبَّرَهُ فِي الصِّحَّةِ دُونَ الْمَرَضِ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا، نَحْوُ " إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ " وَمُقَيَّدًا، نَحْوُ " إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ عَامِي، أَوْ بِهَذَا الْبَلَدِ: فَأَنْتَ حُرٌّ ". وَإِنْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا " إنْ مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ " فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَلَا يُعْتَقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْهُ. وَلَا يَبِيعُ وَارِثُهُ حَقَّهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ حُرٌّ. قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِذَا أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَ آخِرِهِمَا مَوْتًا، فَإِنْ جَازَ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ " بَعْدَ الْمَوْتِ " عَتَقَ بَعْدَ مَوْتٍ لِآخَرَ مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ. وَفِي سِرَايَتِهِ إنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُهُ الرِّوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْغُلَامِ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ، وَالْجَارِيَةُ: إذَا جَاوَزَتْ التِّسْعَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ وَلَفْظُ التَّدْبِيرِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا) . مُرَادُهُ: غَيْرُ لَفْظِ الْأَمْرِ وَالْمُضَارِعِ. كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَةٌ: كِنَايَاتُ الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ: تَكُونُ لِلتَّدْبِيرِ إذَا أَضَافَ إلَيْهِ ذِكْرَ الْمَوْتِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، بِأَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا، أَوْ عَامِي هَذَا: فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُدَبَّرٌ) . وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ " إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ " بِلَا نِزَاعٍ وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا، نَحْوُ " أَنْتَ مُدَبَّرٌ الْيَوْمَ " نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ. فَمَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا) بِلَا نِزَاعٍ. أَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ) . يَعْنِي " كَمَتَى شِئْت " وَأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهَادِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إذَا شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ " فَهُوَ كَقَوْلِهِ " مَتَى شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ قَالَ " مَتَى شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ " أَوْ " أَيَّ وَقْتٍ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ " فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. فَعَلَى قَوْلِهِ: يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِي، أَوْ أَبْطَلْته: لَمْ يَبْطُلْ. لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَجْوَدُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ إلَّا لِقَضَاءِ دَيْنِهِ.

وَفِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةٌ: لَا يَبْطُلُ فِي الْأَمَةِ فَقَطْ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَمْلٍ لَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ رَجَعَ فِي حَامِلٍ، فَفِي حَمْلِهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فِيهِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ: إذَا لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ أَوْ بِصَرِيحِ الْوَصِيَّةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ ". تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ " أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ التَّدْبِيرَ هَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ هُوَ وَصِيَّةٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ. تَنْبِيهٌ: يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسَائِلُ جَمَّةٌ. مِنْهَا: لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ: هَلْ يُعْتَقُ، أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ: هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: هَلْ اعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ، أَمْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَمِنْهَا: إبْطَالُ التَّدْبِيرِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: بَنَاهُمَا الْخِرَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. فَإِنْ قِيلَ هُوَ وَصِيَّةٌ: جَازَ الرُّجُوعُ عَنْهُ. وَإِنْ قُلْنَا هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ: فَلَا. قَالَ: وَلِلْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا طَرِيقَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ هُنَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ وَصِيَّةٌ: تُنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْوَصَايَا.

وَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِالْوَصِيَّةِ لِجِهَاتِ الْبِرِّ. قَالَ: وَلِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ: بِنَاءُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ. أَمَّا إنْ قُلْنَا: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِالْفِعْلِ، فَبِالْقَوْلِ أَوْلَى. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمُدَبَّرُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ: فَهَلْ يَكُونُ بَيْعُهُ رُجُوعًا، فَلَا يَعُودُ تَدْبِيرُهُ، أَمْ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَيَعُودُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا. بَنَاهُمَا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. فَإِنْ قُلْنَا: التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ: بَطَلَتْ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ تَعُدْ بِعَوْدِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ: عَادَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ. بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا فِي عَوْدِ الصِّفَةِ بِعَوْدِ الْمِلْكِ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَطَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ التَّدْبِيرَ يَعُودُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ هُنَا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ. وَهُوَ يَتَنَزَّلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إمَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا. بَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ. وَإِمَّا أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ خَاصَّةً. وَيَأْتِي أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِسَنَةٍ " فَهَلْ يَصِحُّ وَيُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، أَمْ يَبْطُلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ " فَلْيُرَاجَعْ. وَمِنْهَا: لَوْ كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ، فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ التَّدْبِيرِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَمِنْهَا: لَوْ وَصَّى بِعَبْدِهِ. ثُمَّ دَبَّرَهُ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ بِرُجُوعٍ. فَعَلَى هَذَا: فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ بِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِالْقَوْلِ، لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ: هَلْ هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، قُدِّمَ عَلَى الْمُوصَى بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ وَصِيَّةٌ، فَقَدْ ازْدَحَمَتْ وَصِيَّتَانِ فِي هَذَا الْعَبْدِ. فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْوَصَايَا الْمُزْدَحِمَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهَا عِتْقًا هَلْ تُقَدَّمُ، أَمْ يَتَحَاصَّ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمُحَاصَّةِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ وَوَصَّى بِنِصْفِهِ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُوصَى لَهُ، إنْ قِيلَ: لَا يَمْلِكُ حَتَّى يَقْبَلَ، فَقَدْ سَبَقَ زَمَنُ الْعِتْقِ زَمَنَ مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ. وَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، فَقَدْ تَقَارَنَ زَمَنُ مِلْكِهِ وَزَمَنُ الْعِتْقِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعِتْقِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِبَيْعِهِ. وَمِنْهَا: الْوَصِيَّةُ بِالْمُدَبَّرِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. لِأَنَّ التَّدْبِيرَ الطَّارِئَ إذَا لَمْ يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ يَصِحُّ طَرَيَان الْوَصِيَّةِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَمُزَاحَمَتُهَا لَهُ؟ وَبَنَى الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا عَلَى الْأُصُولِ السَّابِقَةِ. وَمِنْهَا: وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ. هَلْ يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَالْمَذْهَبُ، الْجَوَازُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ: لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إمَّا وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ. وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ قَبْلَ الصِّفَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ. فَيَكُونُ لَازِمًا كَالِاسْتِيلَادِ وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْعَبْدِ. فَقَالَ: وَلَهُ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ. وَلَا تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: الْأَمَةُ كَالْعَبْدِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ إلَّا فِي الدَّيْنِ أَوْ الْحَاجَةِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْأَمَةُ خَاصَّةً. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي الدَّيْنِ. وَفِي بَيْعِ الْأَمَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ جَحَدَ السَّيِّدُ التَّدْبِيرَ، فَنَصُّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: إنْ قُلْنَا: هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ وَصِيَّةٌ، فَوَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى مَا إذَا جَحَدَ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ، هَلْ هُوَ رُجُوعٌ، أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ: وَإِنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، إنْ قُلْنَا تَعْلِيقٌ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ وَحَلَفَ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ " بِمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ، إذَا أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ؟ ".

فَائِدَةٌ: حُكْمُ وَقْفِ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ بَيْعِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا حُكْمُ هِبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَادَ التَّدْبِيرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ. وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ: هَلْ هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٌ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْفَوَائِدِ بِأَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيُرَاجَعْ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: رُجُوعُهُ إلَى التَّدْبِيرِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَمَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ، بَعْدَ تَدْبِيرِهَا: فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُ. سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ التَّعْلِيقِ أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ حَادِثًا بَيْنَهُمَا. وَعَنْهُ: فِي الْحَمْلِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ: أَنَّهُ كَحَمْلِ مُعْتَقَةٍ بِصِفَةٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَعَنْهُ: لَا تَتْبَعُهَا الْأُنْثَى إلَّا بِشَرْطِ السَّيِّدِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، بِخِلَافِ الذَّكَرِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، فِي تَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ: رِوَايَتَيْنِ. وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ: هَلْ هُوَ عِتْقٌ لَازِمٌ كَالِاسْتِيلَادِ، أَمْ لَا؟

وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: تَبَعِيَّةُ الْوَلَدِ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ التَّدْبِيرِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا. وَإِنَّمَا يَتْبَعُهَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ حُكْمِ وَلَدِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا: أَنْ يُخَرِّجَ طَرِيقَةً أُخْرَى: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَأَمَّا مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ: فَهَلْ يَتْبَعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ. وَحُكْمُ وَلَدِ الْمُوصَى بِهَا كَذَلِكَ، عِنْدَ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفَوَائِدِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَيَكُونُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِهِ، لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ. بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ. وَقَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: عَلَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ عَتَقَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ: لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ حَتَّى تَمُوتَ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأُمِّ وَقُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ بَقِيَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: هَلْ هُوَ تَابِعٌ مَحْضٌ لَهَا، إنْ عَتَقَتْ عَتَقَ، وَإِنْ رُقَّتْ رُقَّ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهِمَا قَبْلَ السَّيِّدِ، أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمَا. اخْتَلَفَ كَلَامُهُ. وَيَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَتْبَعُهَا. حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَتَأَوَّلَهَا الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَعِيدَةٌ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَلَدَتْ الْمُوصَى بِوَقْفِهَا، أَوْ عِتْقِهَا، قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي: لَمْ يَتْبَعْهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا. وَقِيَاسُهُ الْأُخْرَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْوَقْفِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِيهِ ثُبُوتَ التَّحْرِيرِ، دُونَ التَّمْلِيكِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. الثَّانِيَةُ: وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَةِ الْمُدَبَّرِ نَفْسِهِ: كَالْمُدَبَّرِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ تَسَرَّى الْمُدَبَّرُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَوُلِدَ لَهُ. فَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي التَّدْبِيرِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمَتِهِ مِثْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: وَوَلَدُهُ مِنْ غَيْرِ أَمَتِهِ كَالْأُمِّ. فَجَزَمَ بِأَنَّهُ كَالْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرِ تَابِعٌ أُمَّهُ لَا أَبَاهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْمُدَبَّرِ مِثْلَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْخِرَقِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنَّمَا حُكِمَ عَلَى وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ. أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرِ: فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَتْبَعُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: الْجَزْمُ بِهَا فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا، وَيَكُونُ مُدَبَّرًا. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَهُ إصَابَةُ مُدَبَّرَتِهِ) . أَنَّهُ سَوَاءً شَرَطَهُ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْءُ ابْنَتِهِمَا، إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ أُمَّهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ، أَوْ دَبَّرَ الْمُكَاتَبَ: جَازَ) .

بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ، فَهَلْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ التَّدْبِيرِ؟ إنْ قُلْنَا التَّدْبِيرُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ: لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. وَإِنْ قُلْنَا هُوَ وَصِيَّةٌ: انْبَنَى عَلَى أَنَّ كِتَابَةَ الْمُوصَى بِهِ، هَلْ تَكُونُ رُجُوعًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ كِتَابَةَ الْمُدَبَّرِ لَيْسَتْ رُجُوعًا عَنْ تَدْبِيرِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُجُوعٌ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ. فَتَبْطُلُ بِالْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (فَلَوْ أَدَّى عَتَقَ. وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ، إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ) . وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ. وَسَقَطَ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ، وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ. مُقْتَضَى قَوْلِهِ " إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ " أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ: هُوَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا. وَجَزَمُوا بِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لَهُ. وَلَوْ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، مَعَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ: كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ: عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. وَمَا فِي يَدِهِ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ حَمْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لِلْوَرَثَةِ. وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا أَوْلَدَ الْمُكَاتَبَةَ فِي " بَابِ الْكِتَابَةِ "

فَائِدَةٌ: لَوْ أَوْلَدَ أَمَتَهُ ثُمَّ كَاتَبَهَا، أَوْ كَاتَبَهَا ثُمَّ أَوْلَدَهَا: جَازَ. لَكِنْ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا. وَلَوْ دَبَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ: لَمْ يَصِحَّ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ الصِّحَّةَ إنْ جَازَ بَيْعُهَا. وَقُلْنَا: التَّدْبِيرُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا دَبَّرَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ: لَمْ يَسْرِ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ: سَرَى إلَى الْمُدَبَّرِ، وَعَنْهُ: وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْرِيَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. فَعَلَى هَذَا: يَصِيرُ مُدَبَّرًا كُلَّهُ. وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ، لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ وَتُرِكَ فِي يَدِ عَدْلٍ، يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ. وَمَا فَضَلَ فَلِسَيِّدِهِ، وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَنَقُولُ بِصِحَّةِ رُجُوعِهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ إذَا اسْتَدَامَ تَدْبِيرُهُ، لَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ. وَيُتْرَكُ فِي يَدِ عَدْلٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ " إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ الْقِنِّ " وَأَحْكَامُهُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ: لَزِمَهُ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهُ. فَإِنْ أَبَى: بِيعَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ: لَمْ تُقَرَّ فِي يَدِهِ. وَجُعِلَتْ عِنْدَ عَدْلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ كَسْبِهَا. وَإِنْ أَعْوَزَ لَزِمَ السَّيِّدَ تَمَامُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَسْلَمَ حَلَّتْ لَهُ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا. وَعَنْهُ: يُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ثُمَّ تُعْتَقُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: تُعْتَقُ بِإِسْلَامِهَا. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُدَبَّرَتُهُ " مُسْتَوْفَاةً مُحَرَّرَةً. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ: لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَهَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْهِدَايَةُ، وَالْمُذْهَبُ، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْخُلَاصَةُ. إحْدَاهُمَا: يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَالنَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الشُّهُودِ بِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْفَوَائِدِ " هَلْ يَكُونُ إنْكَارُهُ رُجُوعًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ رُجُوعٌ: لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ ".

قَوْلُهُ (وَإِذْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ: بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمْ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ، فَيُعْتَقُ. وَهَذَا مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آخِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. وَقَالَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ: فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ قُلْنَا هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ: عَتَقَ. وَإِنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ: لَمْ يُعْتَقْ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى مَوْتِهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ: وَلَوْ قَتَلَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى وَلَوْ خَطَأً: بَطَلَتْ. وَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ بَعْدَ جُرْحِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ. وَمِثْلُهَا التَّدْبِيرُ. فَإِنْ جَعَلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَوَجْهَانِ انْتَهَى.

باب الكتابة

[بَابُ الْكِتَابَةِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ بَيْعُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ) . زَادَ غَيْرُهُ: بِعِوَضٍ مُبَاحٍ مَعْلُومٍ مُؤَجَّلٍ. وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ مُخَالِفَةً لِلْأَصْلِ. لِأَنَّ مَحَلَّهَا الذِّمَّةُ. قَوْلُهُ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: وَاجِبَةٌ. إذَا ابْتَغَاهَا مِنْ سَيِّدِهِ أَجْبَرَهُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي تَفْسِيرِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعَلَى قِيَاسِهِ وُجُوبُ الْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْك وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ " وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ. فَائِدَةٌ: لَا تَصِحُّ كِتَابَةُ الْمَرْهُونِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: تَجُوزُ كَعِتْقِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْمُسْتَأْجَرِ. قَوْلُهُ (لِمَنْ يُعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا. وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: الْمُكْتَسِبُ الصَّدُوقُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ: وَتُسْتَحَبُّ مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ. وَأَمَانَتِهِ وَصِدْقِهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَطْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. فَأَسْقَطُوا الْأَمَانَةَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: تُكْرَهُ كِتَابَتُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَرَاهَةُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالصَّحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُكْرَهُ. فَتُسْتَحَبُّ، لَكِنْ قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ دَعَا مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ سَيِّدَهُ إلَى الْكِتَابَةِ: لَمْ يُجْبَرْ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمُكَاتَبِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِالْكِتَابَةِ وَيَضِيعُ، لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ: كُرِهَتْ كِتَابَتُهُ. وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ: لَمْ تُكْرَهْ كِتَابَتُهُ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْأُنْثَى. فَائِدَةٌ: تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ صِحَّةُ كِتَابَةِ الْوَلِيِّ رَقِيقَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، وَالْكِتَابَةُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: فِي الْمَرَضِ مِنْ الثُّلُثِ. وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَسْقَطَ دَيْنَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْأَقَلِّ مِنْ رَقَبَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ مِنْ الثُّلُثِ.

وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ: اُعْتُبِرَ أَقَلُّهُمَا مِنْ ثُلُثِهِ. وَلَوْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُ عَتَقَ، وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ بِقَبْضِ النُّجُومِ سَلَفًا: جَازَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ الْمُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ: صَحَّ) . صِحَّةُ كِتَابَةِ الْمُمَيِّزِ لِعَبْدِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَالصَّحِيحُ: صِحَّةُ بَيْعِهِ. فَكَذَا كِتَابَتُهُ. وَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ) . هَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي هَذَا الْبَابِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ كِتَابَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: تَصِحُّ مِنْ ابْنِ عَشْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يُعْتَقَانِ بِالْأَدَاءِ. بَلْ يَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِهِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ فِي الْعِتْقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُعْتَقُ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِهِ. لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الصِّفَةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: لَا يُعْتَقُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالْمَذْهَبِ لَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ، خِلَافًا لِمَا قَالَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ وَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ " كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: فَإِذَا أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ) ذَلِكَ (أَوْ نِيَّتُهُ) . وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ هُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ يُشْتَرَطُ قَوْلُهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَوْ نِيَّتُهُ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِلْكِتَابَةِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ) . وَلَوْ خِدْمَةً أَوْ مَنْفَعَةً وَغَيْرَهَا. قَالَ الْأَصْحَابُ: مُبَاحٌ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مُنَجَّمٌ بِنَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا. يُعْلَمُ قَدْرُ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. (وَقِيلَ: تَصِحُّ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ) . اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى خِدْمَةٍ مُفْرَدَةٍ عَلَى مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَلَا تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. (وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ) وَلَهُ الْوَسَطُ. وَقَالَهُ أَصْحَابُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهُ الْوَسَطُ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ صَحَّ. وَوَجَبَ الْوَسَطُ. وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ بُطْلَانُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ حَالَّةً. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: أَنَّ فِيهَا قَوْلًا بِالصِّحَّةِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَدَلَّ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا. وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. فَقَالَ: وَالْمُخْتَارُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ حَالَّةً. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي كِتَابَةِ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ لَهُ: وَجْهَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي جَوَازِ تَوْقِيتِ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ وَعَدَمِهِ. فَيُعْتَبَرُ مَا لَهُ وَقْعٌ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. قُلْت: الصَّوَابُ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: الْأَوَّلُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ: هَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ فِي يَدِهِ أَمْ لَا؟ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: تَكُونُ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً مِنْ أَصْلِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِشَرْطِ النُّجُومِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْكِتَابَةَ تَصِيرُ فَاسِدَةً، وَلَا تَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهَا. وَيَأْتِي الْإِشْكَالُ فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ أَنَّهَا تَكُونُ فَاسِدَةً لَا بَاطِلَةً: آخِرَ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ عَلَى مَالٍ وَخِدْمَةٍ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ) . يَعْنِي: تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالٍ مَعَ خِدْمَةٍ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَالِ مُؤَجَّلًا، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ. لَكِنْ لَوْ جَعَلَ الدَّيْنَ بَعْدَ فَرَاغِ الْخِدْمَةِ بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ: صَحَّ. وَإِنْ جَعَلَ مَحَلَّهُ فِي الْخِدْمَةِ، أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهَا: صَحَّ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرُوهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ. لِأَنَّهُ يَكُونُ نَجْمًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَةٌ: تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُفْرَدَةٍ مُنَجَّمَةٍ، كَخِدْمَةٍ وَعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ بِصِحَّتِهَا عَلَى مَنْفَعَةٍ مُفْرَدَةٍ مُدَّةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ: عَتَقَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي: صَارَ حُرًّا. وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَبْرَأَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْهَا، وَكَانَ مُوسِرًا: عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ.

قَوْلُهُ (فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ: كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) . وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ: أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي عَنْ كِتَابَتِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ: لَمْ يُعْتَقْ. فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ: انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ. وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا مَا يُؤَدِّي يَصِيرُ حُرًّا قَبْلَ الْأَدَاءِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ: كَانَ لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ. فَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ. اخْتَارَهُ هُنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. لَكِنْ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ حَالًّا، أَوْ هُوَ عَلَى نُجُومِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: هِيَ شَبِيهَةٌ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَتَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ " إذَا عَجَزَ وَرُقَّ وَنَحْوَهُ، وَكَانَ بِيَدِهِ مَالٌ أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ: هَلْ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ أَوْ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ؟ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا عُجِّلَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحَلِّهَا: لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ) . فَشَمِلَ الْقَبْضَ مَعَ الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ. وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي: أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا ذُكِرَ فِي السَّلَمِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ عَجَّلَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحَلِّهِ: لَزِمَ سَيِّدَهُ فِي الْأَصَحِّ أَخْذُهُ بِلَا ضَرَرٍ، وَعَتَقَ فِي الْحَالِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ عَجَّلَ مَا عَلَيْهِ: لَزِمَ قَبْضُهُ وَعَتَقَ حَالًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقُيِّدَ بِعَدَمِ الضَّرَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَأَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَرِقُّ. وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْمُكَاتَبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ حَقٌّ لَهُ. وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ. فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: رِوَايَةٌ بِاللُّزُومِ مُطْلَقًا، وَعَدَمِهِ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثَةُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ: إنْ كَانَ فِي الْقَبْضِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. وَتَبِعَهُ فِي الْكَافِي. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِاللُّزُومِ: لَوْ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ قَبْضِهِ، جَعَلَهُ الْإِمَامُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَحَكَمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ. جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ: بَرِئَ الْعَبْدُ. ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ نَقَلَ حَرْبٌ: إنْ أَبَى مَوْلَاهُ الْأَخْذَ. مَا أَعْلَمُ مَا زَادَهُ إلَّا خَيْرًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ. الثَّانِيَةُ: فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِالِاعْتِيَاضِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّوَابُ: الْعِتْقُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَدَمُ الْعِتْقِ قَالَهُ الْقَاضِي.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَدَّى، وَعَتَقَ. فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ، عَيْبًا فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ. وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْبَيْعِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ إنْ رَدَّهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْبَدَلَ. وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِلْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: فَإِنْ بَانَ مَعِيبًا نَظَرْت. فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَمْسَكَهُ: اسْتَقَرَّ الْعِتْقُ. وَإِنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهُ، وَأَخَذَ الْأَرْشَ، أَوْ رَدَّهُ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْعِتْقُ. وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ. وَلَهُ الْأَرْشُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَخَذَ السَّيِّدُ حَقَّهُ ظَاهِرًا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حُرٌّ. ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا: لَمْ يُعْتَقْ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ ادَّعَى السَّيِّدُ تَحْرِيمَ الْعِوَضِ: قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ: قُبِلَ قَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَخْذُهُ، وَيُعْتَقُ بِهِ. ثُمَّ يَلْزَمُ السَّيِّدَ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ، إنْ أَضَافَهُ إلَى مَالِكٍ. وَإِنْ نَكَلَ: الْعَبْدُ حَلَفَ سَيِّدُهُ. وَلَهُ قَبْضُهُ مِنْ دَيْنٍ غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَتَعْجِيزُهُ. وَفِي تَعْجِيزِهِ قَبْلَ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ: وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَالِاعْتِبَارُ بِقَصْدِ السَّيِّدِ فِي قَبْضِهِ عَنْ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ. وَفَائِدَتُهُ: يَمِينُهُ عِنْدَ النِّزَاعِ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ: أَنَّهُ لَوْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ، أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ

وَبِبَعْضِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ: كَانَ عَمَّا نَوَاهُ الدَّافِعُ، أَوْ الْمُبْرِئُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي النِّيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. فَيَخْرُجُ هُنَا مِثْلُهُ. قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ السَّفَرَ) . حُكْمُ سَفَرِ الْمُكَاتَبِ حُكْمُ سَفَرِ الْغَرِيمِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَجْرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ السَّفَرُ كَغَرِيمٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي تَحِلُّ نُجُومُ الْكِتَابَةِ قَبْلَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ مِنْ الْحُرِّ الْمَدِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: السَّفَرُ لِلْجِهَادِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ لِذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ أَيْضًا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ الشَّرْطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَيَصِحُّ شَرْطُ تَرْكِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْفَائِقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: صِحَّةَ شَرْطِ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ بُطْلَانَ شَرْطِ عَدَمِ سَفَرِهِ. وَصِحَّةَ شَرْطِ عَدَمِ السُّؤَالِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ: يَصِحُّ شَرْطُ أَنْ لَا يُسَافِرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا رَآهُ يَسْأَلُ مَرَّةً فِي مَرَّةٍ: عَجَّزَهُ. كَمَا لَوْ حَلَّ نَجْمٌ فِي نَجْمٍ: عَجَّزَهُ. فَاعْتَبَرَ الْمُخَالَفَةَ فِي مَرَّتَيْنِ كَحُلُولِ نَجْمَيْنِ. وَصُحِّحَ الشَّرْطُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ: إذَا خَالَفَ كَانَ لِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُ تَعْجِيزَهُ بِسَفَرِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ رَدَّهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَإِنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ: لَمْ يَمْلِكْ تَعْجِيزَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعُ وَلَا يُقْرِضُ وَلَا يُحَابِي، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يُعْتِقُ وَلَا يُكَاتِبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) . لَا يَتَزَوَّجُ. الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ عَامَّتُهُمْ.

قُلْت: قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ رَقِيقَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ دُونَ الْعَبْدِ. حَكَاهُ الْقَاضِي فِي خِصَالِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَسَرَّى إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ. وَعَنْهُ: عَكْسُهُ. ذَكَرَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَلَمْ أَرَهُمَا فِي غَيْرِهِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِي إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ وَأَمَّا الْعِتْقُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى عِوَضٍ فِي ذِمَّتِهِ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ مَجَّانًا: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. بِلَا نِزَاعٍ. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: عِتْقُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى انْتِهَاءِ الْكِتَابَةِ. فَإِنْ عَتَقَ عَتَقُوا. وَإِنْ رُقَّ رُقُّوا. كَمَا لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ. وَخَرَجَ وَقْفُهُ عَلَى رِضَا السَّيِّدِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ: فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ مَوْقُوفٌ، كَقَوْلِهِ فِي الْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي هُنَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ إنْ احْتَاجَ إلَى الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ فِيهِ

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ الْمَدِينِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى هُنَاكَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ، مَا لَمْ يَأْتِ نَجْمُهُ. قَدَّمَهُ. فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَحُجُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِ: فَلَا يَجُوزُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَيَحُجُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ، مَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فِي غَيْبَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. فَقَطَعُوا بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَفِي جَوَازِ حَجِّهِ بِمَالٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي جَوَازِ حَجِّهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ: رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: لَهُ الْحَجُّ بِلَا إذْنِهِ. وَعَنْهُ: مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ الْحَجُّ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَحِلَّ نَجْمٌ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ. قَوْلُهُ (وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ وَيُكَاتِبُهُ: لِسَيِّدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ: إنْ كَاتَبَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَقِيلَ: الْوَلَاءُ لِلْمُكَاتَبِ إنْ عَتَقَ، زَادَ فِي الْفَائِقِ: مَعَ أَمْنِ ضَرَرٍ فِي مَالِهِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ أَدَّى الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي: فَوَلَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ لِمُكَاتَبِهِ. وَإِنْ أَدَّى الْأَوَّلُ، وَعَجَزَ الثَّانِي: صَارَ رَقِيقًا لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ وَأَدَّى الثَّانِي: فَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ عِتْقِ الْأَوَّلِ: عَتَقَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ. وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هُوَ مَوْقُوفٌ. إنْ أَدَّى عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ بِالْمَالِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ فِي التَّكْفِيرِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ: انْبَنَى عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ، لَهُ يَصِحُّ تَكْفِيرُهُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ مُطْلَقًا. وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ: صَحَّ بِالْإِطْعَامِ، إذَا أَذِنَ فِيهِ سَيِّدُهُ. وَإِنْ أَذِنَ بِالتَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ. فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ فِي الْمُكَاتَبِ. لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَالَ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا مِلْكُهُ نَاقِصٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِهِ. فَإِذَا أَذِنَ لَهُ: صَحَّ. كَالتَّبَرُّعِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ، أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي جَوَازِ بَيْعِهِ نَسَاءً، وَلَوْ بَرْهَنَ، وَهِبَةً بِعِوَضٍ، وَحَدَّ رَقِيقَهُ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ فِي الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي فِي الْجَمِيعِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ وَلَوْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ وَلَا يُحَدَّ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ وَلَوْ بِثَوَابٍ مَجْهُولٍ وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ بِالثَّوَابِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَلَا ضَمِينٍ. فَفِي الْبَيْعِ نَسَاءً ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْجَوَازُ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْقَاضِي مِنْ الْمُضَارِبِ. وَعَدَمِهِ. وَالْجَوَازُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَقْتَصُّ لِنَفْسِهِ مِنْ عُضْوٍ وَقِيلَ: أَوْ جُرُوحٍ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفَائِقِ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ضَعِيفٌ جِدًّا. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً: أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ: أَنَّ لَهُ طَلَبَهُ، وَالْعَفْوَ عَنْهُ. كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ " بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ " فَهَاهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى اللَّهُمَّ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَهُ الطَّلَبُ، وَلَيْسَ لَهُ الْفِعْلُ. قُلْت: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَوِي رَحِمِهِ، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَهُ شِرَاءُ ذِي رَحِمِهِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِمْ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ) .

وَقَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَشَرَحَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مُنَجَّا وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ فِي الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَالِهِ. وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالضَّرَرِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وَهُوَ إحْدَى نُسْخَتَيْ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ. لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِرَاءَهُ. فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى. وَعِنْدَ مَنْ لَا يَرَى جَوَازَ شِرَائِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ: لَا يُجِيزُ قَبُولَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ. فَائِدَةٌ: هَلْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ ذَوِي رَحِمِهِ، إذَا جَنَوْا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُذْهَبِ: لَهُ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى مَلَكَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ. وَلَهُ كَسْبُهُمْ. وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ. فَإِنْ عَتَقَ عَتَقُوا. وَإِنْ رُقَّ صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ) . مُرَادُهُ بِذَلِكَ: ذَوُو رَحِمِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَتَقَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِعِتْقِ سَيِّدِهِ لَهُ. فَإِنْ كَانَ بِأَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ: عَتَقُوا مَعَهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ لِكَوْنِ سَيِّدِهِ أَعْتَقَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ مَعَهُ أَيْضًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ لَا يُعْتَقُونَ إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، بَلْ يَبْقَوْنَ أَرِقَّاءَ لِلسَّيِّدِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالتَّرْغِيبِ. فَإِنْ عَجَزَ عَتَقُوا.

وَإِنْ عَتَقَ: كَانُوا أَرِقَّاءَ لَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ) . يَعْنِي: أَنَّهُ يُعْتَقُ بِعِتْقِهِ، أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَمَةِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَتْبَعُهُ إذَا شُرِطَ ذَلِكَ، مِنْهُمْ النَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا) . نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ عَتَقَتْ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ عَتَقَ مَعَهَا. وَإِنْ عَتَقَتْ بِغَيْرِهِمَا لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَمَوْتِهَا فِي الْكِتَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَبْقَى مُكَاتَبًا قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ شَيْخِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُعْتَقُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَا يَتْبَعُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ حَالَ الْكِتَابَةِ تَبِعَهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ دُونَهَا: صَحَّ عِتْقُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ. قَالَ الْقَاضِي: قَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُهُ. لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِأُمِّهِ، لِتَفْوِيتِ كَسْبِهِ عَلَيْهَا. فَإِنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِينُ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا. وَلَعَلَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفَّذَ عِتْقَهُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ.

وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ صِحَّةُ عِتْقِ الْجَنِينِ. الثَّانِيَةُ: وَلَدُ بِنْتِ الْمُكَاتَبَةِ كَالْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدُ ابْنِهَا وَوَلَدُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا كَالْأَمَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ) . يَعْنِي: أَنَّهُ يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا رِبَا بَيْنَهُمَا. لِأَنَّهُ عَبْدٌ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ قَوْلِهِ " لَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ زَادَ الْأَجَلُ وَالدَّيْنُ: جَازَ ذَلِكَ، عَلَى احْتِمَالٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَالْمَذْهَبُ: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الرِّبَا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَالُ الْكِتَابَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي الرِّبَا فِي ذَلِكَ. قَالَهُ

الْأَصْحَابُ. لِتَجْوِيزِهِمْ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهَا. وَتَقَدَّمَ قَطْعُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَعَلَيْهِ أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ: مِنْ إنْظَارِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمُدَّةِ. جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْظَارُهُ مِثْلَ الْمُدَّةِ. وَلَا تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مُدَّةُ حَبْسِهِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ مُكَاتَبَةٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ) . إذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ: لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَقِيلَ: لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَشْغَلُهَا الْوَطْءُ عَنْ السَّعْيِ عَمَّا هِيَ فِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي الْمَذْهَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَإِنْ شَرَطَ وَطْأَهَا فِي الْعَقْدِ: جَازَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. كَالرَّاهِنِ يَطَأُ بِشَرْطٍ. ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ: هَذَا اخْتِيَارِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ، أَوْ وَطِئَ أَمَتَهَا: فَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إنْ طَاوَعَتْهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَائِدَةٌ: إذَا تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى مَهْرَ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ: لَزِمَهُ لِلثَّانِي مَهْرٌ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى عَنْهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّدَاقِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَيُؤَدَّبُ. وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ) . إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ: فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ. قَوْلُهُ (وَمَتَى وَلَدَتْ مِنْهُ: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ) سَوَاءٌ وَطِئَهَا بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِهِ.

فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَتْ. وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَدَائِهَا: عَتَقَتْ، وَسَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ رِوَايَةً: يَلْزَمُهَا بَقِيَّةُ مَالِ الْكِتَابَةِ تَدْفَعُهَا إلَى الْوَرَثَةِ، إذَا اخْتَارَتْ بَقَاءَهَا عَلَى الْكِتَابَةِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لَهُ وَطْءُ بِنْتِ مُكَاتَبَتِهِ. وَلَا يُبَاحُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ. فَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ وَلَدِهِ مِنْ جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مُكَاتَبَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ. قَوْلُهُ (وَمَا فِي يَدِهَا لَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَجَّزَهَا) . إذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَدَائِهَا: عَتَقَتْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَمَا فِي يَدِهَا إنْ كَانَ مَاتَ سَيِّدُهَا بَعْدَ عَجْزِهَا فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا. وَإِنْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ عَجْزِهَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ. ذَكَرَهُ فِيهِ فِي الظِّهَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَجْزِهَا وَعَدَمِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ إذَا دَبَّرَ الْمُكَاتَبَ، أَوْ كَاتَبَ الْمُدَبَّرَ، فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ) . فَيَكُونُ مَا فِي يَدِهِ لَهُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ.

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ لِسَيِّدِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُكَاتَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ. لِأَنَّ السَّيِّدَ أَعْتَقَهُ بِرِضَاهُ. فَيَكُونُ قَدْ رَضِيَ بِإِعْطَائِهِ مَا لَهُ، بِخِلَافِ الْأُولَى. وَتَقَدَّمَ " إذَا مَاتَ، أَوْ عَجَزَ، أَوْ أُعْتِقَ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ مِنْ الزَّكَاةِ: هَلْ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، أَوْ يُرَدُّ إلَى رَبِّهِ؟ " فِي بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَةَ. الثَّانِيَةُ: عِتْقُ الْمُكَاتَبِ، قِيلَ: هُوَ إبْرَاءٌ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ فَسْخٌ كَعِتْقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ جَارِيَتَهُمَا. ثُمَّ وَطِئَاهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) وَمُكَاتَبَةُ كُلِّ نِصْفٍ لِسَيِّدِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمَا إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، إلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيَنْظُرَ حِينَئِذٍ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ (وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ هَلْ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهَا مُكَاتَبَةً، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهَا قِنًّا، فِيهِ وَجْهَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْأَوَّلُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهَا قِنًّا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ كَامِلًا، أَوْ نِصْفُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْأَوَّلُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: نِصْفُ قِيمَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَغْرَمُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: إنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ التَّقْوِيمِ: غَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَيَأْتِي مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ". قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمُوهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِهِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ كِتَابَتِهِ. حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ هِبَتِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ: حُكْمُ بَيْعِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْوَصِيَّةُ بِالْمُكَاتَبِ، وَبِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا، أَوْ بِرَقَبَتِهِ فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ " فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَاتَبِينَ الْآخَرَ: صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ. وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَا لِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: فَسَدَ الْبَيْعَانِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُفْسَخَانِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَأُشْكِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. أَوْ يُقْرَعُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسَرَ الْعَدُوُّ الْمُكَاتَبَ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ. فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ عَبْدُ مُشْتَرِيهِ، مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ. وَوَلَاؤُهُ لَهُ) . قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ قِيلَ يُعْطَى الرُّبُعَ بَيْنَهُمَا مَعًا ... وَيَلْزَمُهُ كُلُّ الْفِدَا لَمْ أُبْعِدْ هَذَا الْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ.

الْأُولَى: أَنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَالَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهَدٍ بِيَدِ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُحَرَّرًا فِي " بَابِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ ". الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَلَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِالْأَسْرِ. لَكِنْ هَلْ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِالْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَعَ الْكُفَّارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. جَزَمَ فِي الْكَافِي بِالِاحْتِسَابِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ الِاحْتِسَابِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَدَّمَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا تُحْتَسَبُ وَهُوَ الصَّوَابُ لَغَتْ مُدَّةُ الْأَسْرِ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى. وَإِنْ قِيلَ: تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، فَحَلَّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيزُهُ بِتَرْكِ أَدَائِهِ: فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ. وَهَلْ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ الْفَسْخُ بِلَا حُكْمٍ. وَعَلَى كُلِّ الْوَجْهَيْنِ: مَتَى خَلَصَ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِوُجُودِ مَالٍ لَهُ وَقْتَ الْفَسْخِ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْفَسْخُ، أَمْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: الْبُطْلَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ: فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ) . أَيْ بِقِيمَتِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْكِتَابَةِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَحَاصَّانِ) . فَعَلَى هَذَا: يَقْسِمُ الْحَاكِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَدَّى مُبَادِرًا، وَلَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ: عَتَقَ. وَاسْتَقَرَّ الْفِدَاءُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَجْرِ: لَمْ يَصِحَّ. وَوَجَبَ رُجُوعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ، وَإِلَّا فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ قِنًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: جِنَايَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ. يَفْدِيهِ إنْ شَاءَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهِ أَقُولُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ، لَزِمَهُ الْفِدَاءُ. وَكَذَا إنْ أَعْتَقَهُ. وَيَسْقُطُ فِي الْأَصَحِّ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْفِدَاءِ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ كَامِلَةً. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِالْأَرْشِ كَامِلًا. إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ: يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ) وَلَا يَمْلِكُ غَرِيمُهُ تَعْجِيزَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ. وَعَنْهُ: تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ مَعًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مَعَ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَمَعَهُ مَالٌ يَفِي بِذَلِكَ: فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا مَا مَعَهُ وَكُلُّهَا حَالَّةٌ، وَلَمْ يَحْجُرْ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَخَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ: صَحَّ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُؤَجَّلًا. فَعَجَّلَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ: جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَ التَّعْجِيلُ لِلسَّيِّدِ: فَقَبُولُهُ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ. وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، فَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعِوَضِ الْقَرْضِ. وَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا. وَيُقَدِّمُهُمَا عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ وَقَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَقْدِيمِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ وَبَنَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ بَانِيًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: تُقَدَّمُ دُيُونُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَتِهِ. فَلِهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ، فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ تَعْجِيزُهُ. بِخِلَافِ الْأَرْشِ وَدَيْنِ الْكِتَابَةِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. فَتَتَسَاوَى الْأَقْدَامُ، وَيَمْلِكُ تَعْجِيزَهُ، وَيَشْتَرِكُ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْأَرْشِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لِفَوْتِ الرَّقَبَةِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ دَيْنُ الْمُعَامَلَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلِغَيْرِ الْمَحْجُورِ تَقْدِيمُ أَيِّ دَيْنٍ شَاءَ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: هَلْ يُقَدَّمُ دَيْنُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى السَّيِّدِ، كَحَالَةِ الْحَيَاةِ، أَمْ يَتَحَاصَّانِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَهَلْ يَضْرِبُ سَيِّدُهُ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ مَعَ غَرِيمِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُجْبَرُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْكَسْبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. لِأَنَّهُ دَيْنٌ ضَعِيفٌ. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا بِالْوُجُوبِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. قَوْلُهُ (وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى التَّأْبِيدِ، بِخِلَافِ سَيِّدِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا خِيَارَ لِلسَّيِّدِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ وَالْعَجْزِ. فَإِذَا امْتَنَعَ كَانَ الْخِيَارُ لِلسَّيِّدِ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَهُ الْخِيَارُ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النُّكَتِ، فِي " بَابِ الْخِيَارِ " وَقَالَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ إلَى سَيِّدِهِ، أَوْ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ) . أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ، يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَةِ الْعَبْدِ. وَيَعْتِقُ.

وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَلَاءِ " إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ بَعْضَ الْكِتَابَةِ لِلْوَرَثَةِ: هَلْ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ؟ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ فَلَمْ يُؤَدِّهِ فَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ: لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَحُلَّ نَجْمَانِ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيِّ. وَنَصَرَهُ فِي الْمُغْنِي. (وَعَنْهُ لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْت) . ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ إنْ أَدَّى أَكْثَرَ مَالِ الْكِتَابَةِ: لَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ، وَاتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمٍ وَلَا بَعْدَهُ، مَعَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْأَدَاءِ كَالْبَيْعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ غَابَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ: لَمْ يُفْسَخْ، وَيُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، لِيَأْمُرَهُ بِالْأَدَاءِ، أَوْ يَثْبُتَ عَجْزُهُ. فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ الْفَسْخَ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا. وَقَالَ. وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا فَسَخَهَا الْحَاكِمُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ إنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَهُ الْأَصْحَابُ، كَبَيْعِ عَرْضٍ. وَمِثْلُهُ مَالُ غَائِبٍ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ يَرْجُو قُدُومَهُ، وَدَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ وَمُودَعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ اسْتِيفَاؤُهُ. قَالَ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ الْفَسْخَ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فَسْخُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِلْعَبْدِ فَسْخُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَوَقَعَ فِي الْمُقْنِعِ، وَالْكَافِي: رِوَايَةٌ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ فَسْخَهَا. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ: أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا: إنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ. وَفَسَّرُوا ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَدَاءِ. فَيَمْلِكُ السَّيِّدُ الْفَسْخَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فَسْخِهَا: جَازَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَا يَجُوزُ كَحَقِّ اللَّهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ، ثُمَّ مَاتَ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ) . يَعْنِي: إذَا كَانَتْ وَارِثَةً مِنْ أَبِيهَا، وَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُفْسَخَ حَتَّى يَعْجِزَ. فَائِدَةٌ: الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ النِّسَاءِ، إذَا كَانَتْ زَوْجَةً لَهُ: كَالْحُكْمِ فِي الْبِنْتِ. وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مُكَاتَبَةً فَوَرِثَهَا، أَوْ بَعْضَهَا: انْفَسَخَ نِكَاحُهُ. وَيَأْتِي " إذَا مَلَكَ الْحُرُّ زَوْجَتَهُ، أَوْ بَعْضَهَا " فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ رُبُعَ مَالِ الْكِتَابَةِ. إنْ شَاءَ وَضَعَهُ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبَضَهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ إيتَاءِ الْعَبْدِ رُبُعَ مَالِ الْكِتَابَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ رِوَايَةً وَقَدَّمَهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ. وَظَاهِرُ مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: أَنَّ فِيهِ خِلَافًا. فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْهُ يُعْتَقُ بِمِلْكِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا، إنْ لَزِمَ إيتَاءُ الرُّبُعِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت: وَفِي وُجُوبِهِ نَظَرٌ، لِلِاخْتِلَافِ فِي مَدْلُولِ الْآيَةِ، وَفِي التَّقْدِيرِ. انْتَهَى قُلْت: ظَاهِرُ الْآيَةِ وُجُوبُ الْإِيتَاءِ، لَكِنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ. فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ فَقَدْ سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ وَامْتَثَلَ وَقَدْ فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِذَلِكَ. هَذَا مَا لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ. فَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَلَا كَلَامَ. فَائِدَةٌ: إنْ أَعْطَاهُ السَّيِّدُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْهَا، لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ، فَيُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ، أَوْ عُرُوضًا: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَعَجَزَ عَنْ الرُّبُعِ: عَتَقَ، وَلَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ) .

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ، وَعَجَزَ عَنْ الرُّبُعِ: عَتَقَ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَعَجَزَ عَنْ الرُّبُعِ: لَمْ يَجُزْ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: عَدَمُ الْعِتْقِ، وَمُنِعَ السَّيِّدُ مِنْ الْفَسْخِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَعَنْهُ: أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي: لَمْ يَعْتِقْ. وَلِسَيِّدِهِ فَسْخُهَا فِي أَنَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَفِي عِتْقِهِ بِالتَّقَاصِّ رِوَايَتَانِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَجْزَ. قَالَ: وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ، أَوْ أَدَّاهُ إلَيْهِ: لَمْ يَعْتِقْ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ مِثْلُ النُّجُومِ: عَتَقَ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَعَجَزَ عَنْ رُبُعِهِ: لَمْ يَعْتِقْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: يَعْتِقُ. وَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، وَعَجَزَ عَنْ رُبُعِهِ: لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَصَحِّ. وَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، وَعَجَزَ عَنْ رُبُعِهِ: لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَصَحِّ. وَلِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَجُزْ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ. وَصُحِّحَ فِي النَّظْمِ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ. وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَمْلِكُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ) يَوْمَ الْعَقْدِ (وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا. وَيَعْجِزُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَحْدَهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَا: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ. وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَنَقَلَ مُهَنَّا مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَذُكِرَ الِاخْتِلَافُ فِي مَأْخَذِ هَذَا الْقَوْلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ ضَمَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْبَاقِينَ: فَسَدَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْعَقْدُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: صِحَّةُ الشَّرْطِ أَيْضًا. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِ الْحُرِّ لِمَالِ الْكِتَابَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الضَّمَانِ. وَيَذْكُرُونَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا كَثِيرًا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءَ قَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَالنَّظْمِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا إذَا أَدَّوْا وَعَتَقُوا، فَقَالَ مَنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ: أَدَّيْنَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِنَا. وَقَالَ الْآخَرُ: أَدَّيْنَا عَلَى السَّوَاءِ، فَبَقِيَتْ لَنَا عَلَى الْأَكْثَرِ قِيمَةُ بَقِيَّةٍ فَمَنْ جَعَلَ الْعِوَضَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسْوِيَةَ. وَمَنْ جَعَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ: فَعِنْدَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّسْوِيَةَ. وَالثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءَ قَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَقَالَا وَقِيلَ: يُصَدَّقُ مَنْ ادَّعَى أَدَاءَ مَا عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ مَا زَادَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ. فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ) قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ كَاتَبَ نِصْفَهُ: أَدَّى إلَى سَيِّدِهِ مِثْلَيْ كِتَابَتِهِ. لِأَنَّ نِصْفَ كَسْبِهِ يَسْتَحِقُّهُ سَيِّدُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، إلَّا أَنْ يَرْضَى سَيِّدُهُ بِتَأْدِيَةِ الْجَمِيعِ عَنْ الْكِتَابَةِ. فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ كِتَابَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الشَّرِيكِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ لِسَيِّدِهِ الْآخَرِ: عَتَقَ كُلُّهُ) . هَذَا صَحِيحٌ، لَكِنْ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا كُوتِبَ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَوْمًا وَيَوْمًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهِ: عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَحَكَاهُ. الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِير، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَسْرِي إلَى نِصْفِ الْمُكَاتَبِ، إلَّا أَنْ يَعْجِزَ، فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَيَسْرِي الْعِتْقُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَعَلَى هَذَا: إنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ عَتَقَ الْبَاقِي بِالْكِتَابَةِ. وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُ لِلشَّرِيكِ نِصْفَ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِالْبَاقِي مِنْ كِتَابَتِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فَعَلَى هَذِهِ يَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. فَكَأَنَّ ابْنَ أَبِي مُوسَى قَالَ: يَعْتِقُ عَلَى مَنْ أَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى إلَيْهِ. وَيَعْتِقُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ أَعْتَقَ. وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَاتَبَا عَبْدَهُمَا: جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَوْ التَّفَاضُلِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى التَّسَاوِي. فَإِذَا كَمَّلَ أَدَاءَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ: عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ: لَمْ يَعْتِقْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَيَعْتِقُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ) . قَالَ الشَّارِحُ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِاثْنَيْنِ فَكَاتَبَاهُ مَعًا، سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعِوَضِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ نَصِيبَاهُمَا فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ: صَحَّ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي التَّنْجِيمِ، وَلَا فِي أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ النُّجُومِ قَبْلَ النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى السَّوَاءِ. وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا بِالْأَدَاءِ عَلَى الْآخَرِ. وَاخْتِلَافُهُمَا فِي مِيقَاتِ النُّجُومِ وَقَدْرِ الْمُؤَدَّى: يُفْضِي إلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَجِّلَ لِمَنْ تَأَخَّرَ نَجْمُهُ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَيُعْطِيَ مَنْ قَلَّ نَجْمُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لَهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي الدَّفْعِ إلَى الْآخَرِ قَبْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخِرِ شَيْئًا: لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، وَلِلْآخَرِ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ. فَإِنْ أَذِنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّارِحِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ عَبْدَهُمَا عَلَى التَّسَاوِي، أَوْ التَّفَاضُلِ: جَازَ، وَلَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. فَإِنْ خُصَّ أَحَدُهُمَا بِالْأَدَاءِ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُهُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْآخَرِ. فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " فَإِذَا كَمَّلَ أَدَاءَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ: عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ ". يَعْنِي إذَا كَاتَبَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ وَكَانَ مُوسِرًا. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ إلَى آخِرِهِ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً، بِأَنْ يُوَكِّلَا مَنْ يُكَاتِبُهُ، أَوْ يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. فَيُكَاتِبُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً. فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ إيهَامٌ. وَتَحْرِيرُ الْمَسْأَلَةِ: مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُمَا إذَا كَاتَبَاهُ مُنْفَرِدَيْنِ، فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ حِصَّتِهِ: عَتَقَ نَصِيبُهُ خَاصَّةً، إنْ كَانَ مُعْسِرًا. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ. وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ. وَيَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ. وَإِنْ كَاتَبَاهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً. فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ: لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ. فَإِنْ أَدَّى بِإِذْنِ شَرِيكِهِ: فَهَلْ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَخِيرِ هُنَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْآخَرُ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ بِإِذْنِ الْآخَرِ: عَتَقَ نَصِيبُهُ. وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَعَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَيَضْمَنُهُ فِي الْحَالِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: لَا يَسْرِي الْعِتْقُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَسْرِي عِنْدَ عَجْزِهِ. فَعَلَى قَوْلِهِمَا: يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْكِتَابَةِ. فَإِنْ أَدَّى إلَى الْآخَرِ: عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَوَلَاؤُهُ لَهُمَا. وَمَا يَبْقَى فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ عَجَزَ وَفُسِخَتْ كِتَابَتُهُ: قُوِّمَ عَلَى الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ. وَكَانَ وَلَاؤُهُ كُلُّهُ لَهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْقَاضِي: وَيَطَّرِدُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي دَيْنٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي قَبْضِ نَصِيبِهِ: لَا يَقْبِضُ إلَّا بِقِسْطِ حَقِّهِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ فِي الْأَصَحِّ كَمَسْأَلَتِنَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَاتَبَ ثَلَاثَةٌ عَبْدًا، فَادَّعَى الْأَدَاءَ إلَيْهِمْ. فَأَنْكَرَهُ أَحَدُهُمْ: شَارَكَهُمَا فِيمَا أَقَرَّا بِقَبْضِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ: الْخِرَقِيُّ، فَمَنْ بَعْدَهُ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهَا) بِلَا نِزَاعٍ.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ عِوَضِهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ) . فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ. اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ. وَصَحَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ: اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَعَلَى رِوَايَةِ التَّحَالُفِ: إنْ تَحَالَفَا قَبْلَ الْعِتْقِ فُسِخَ الْعَقْدُ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ صَاحِبُهُ. وَإِنْ تَحَالَفَا بَعْدَ الْعِتْقِ: رَجَعَ السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ. وَرَجَعَ الْعَبْدُ بِمَا أَدَّاهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وَفَاءِ مَالِهِمَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ) بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا، وَحَلَفَ مَعَهُ أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ: ثَبَتَ الْأَدَاءُ، وَعَتَقَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هُنَا فِي أَدَاءِ الْمَالِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ إلَّا رَجُلَانِ. لِتَرَتُّبِ الْعِتْقِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا. وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ: يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ) . وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا، أَوْ شُرِطَ فِيهَا مَا يُنَافِيهَا وَقُلْنَا: تَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فِي وَجْهٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَغْلِبُ حُكْمُ الصِّفَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فِي أَنَّهُ إذَا أَدَّى: عَتَقَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ. فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الْعِوَضِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهِ. وَأَوَّلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ النَّصَّ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ: الْمُغَلَّبُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ: الْمُعَاوَضَةُ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ " إنَّ الْكِتَابَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُنَجَّمَةً بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا " مَعَ قَوْلِهِمْ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ (يَغْلِب فِيهَا حُكْم الصُّفَّة) مُشْكِلٍ جِدًّا. وَكَانَ الْأَوْلَى إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا أَنْ يُغَلَّبَ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ بِعِوَضٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنَّهَا تُسَاوِي الصَّحِيحَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا الثَّانِي: إذَا أَعْتَقَهُ بِالْأَدَاءِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ. الثَّالِثُ: يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِهِ. وَلَهُ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ. الرَّابِعُ: إذَا كَاتَبَ جَمَاعَةٌ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَأَدَّى أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ: عَتَقَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ، وَمَنْ لَا فَلَا هُنَا: وَتُفَارِقُ الصَّحِيحَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ. أَحَدُهَا: إذَا أَبْرَأَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَعْتِقْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ لَمْ يُعْتَقْ بِالْإِبْرَاءِ. وَإِلَّا عَتَقَ. الثَّانِي: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا. الثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَوْلُهُ (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ فِي الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَلَا بِالْجُنُونِ، وَلَا بِالْحَجْرِ. وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ " وَالْأَوْلَى: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ وَالْجُنُونِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَضَلَ عَنْ الْأَدَاءِ فَضْلٌ: فَهُوَ لِسَيِّدِهِ) . يَعْنِي: فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ، وَمَا يَكْسِبُهُ، وَمَا يَفْضُلُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ: فَهُوَ لَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ: الْوَجْهَيْنِ فِيمَا يَكْسِبُهُ. وَكَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي كَالْمُتَنَاقِضِ. فَإِنَّهُمَا جَزَمَا بِأَنَّ لِسَيِّدِهِ أَخْذَ مَا مَعَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَمَا فَضَلَ بَعْدَهُ. وَقَالَا قَبْلَ ذَلِكَ: وَفِي تَبَعِيَّةِ الْكَسْبِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يَتْبَعُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: هَذَا أَقْيَسُ وَأَصَحُّ وَكَذَا قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِي: يَتْبَعُهَا. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: إنْ قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا: تَبِعَهَا، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ كَسْبٌ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ. فَائِدَةٌ: هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا أَوْلَدَهَا فِيهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ. وَفِي الصِّحَّةِ هُنَا وَجْهٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ مَنَعْنَاهَا فِي غَيْرِهِ.

باب أحكام أمهات الأولاد

[بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] ِ تَنْبِيهٌ: عُمُومُ قَوْلِهِ (وَإِذَا عَلِقَتْ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا) . يَشْمَلُ: سَوَاءٌ كَانَتْ فِرَاشًا، أَوْ مُزَوَّجَةً. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ، وَابْنُ أَبِي حَرْبٍ فِيمَنْ أَوْلَدَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ: أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ. فَائِدَةٌ: فِي إثْمِ وَاطِئِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ جَهْلًا: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِثْمِ. وَتَأْثِيمُهُ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ (فَوَضَعَتْ مِنْهُ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ: صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ يَوْمٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ " وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَتَعْتِقُ الْأَمَةُ إذَا دَخَلَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ. وَقَدَّمَ فِي الْإِيضَاحِ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ لَمْ تَضَعْ، وَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فِي بَطْنِهَا: عَتَقَتْ، وَأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ لِمَا فِي بَطْنِهَا حَتَّى يُعْلَمَ. قَوْلُهُ (فَإِذَا مَاتَ: عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ.

أَمَّا إنْ جَازَ بَيْعُهَا: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ: يَقْتَضِي الْعِتْقَ. وَلِهَذَا قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فَقَالَ وَقِيلَ: إنْ جَازَ بَيْعُهَا لَمْ تَعْتِقْ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ، مِثْلُ الْمُضْغَةِ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَصِيرُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْخُلَاصَةُ. وَقَالَ: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ، فَقَالَ الثِّقَاتُ مِنْ الْقَوَابِلِ: هُوَ مَبْدَأُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَالثَّانِيَةُ: تَصِيرُ. وَالثَّالِثَةُ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، إلَّا فِي الْعِدَّةِ. فَإِنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ وَضَعَتْ قِطْعَةَ لَحْمٍ لَمْ يَبِنْ فِيهَا خَلْقُ آدَمِيٍّ: فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. الثَّالِثَةُ: تَعْتِقُ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَا تَجِبُ فِيهِ عِدَّةٌ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً. وَقِيلَ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا. ذَكَرَهُ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ

الْآدَمِيِّ، فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً: تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْنَ بِذَلِكَ، لَكِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ بِشَهَادَتِهِنَّ أَوْ غَيْرِهَا: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَكَذَا قَيَّدَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَضْعِ عَلَقَةٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَضْعِهَا أَيْضًا. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى. وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْعَلَقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلًا: عَتَقَ الْجَنِينُ. وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ: يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ كَانَ قَدْ مَلَكَهَا بَعْدَ وَضْعِهَا مِنْهُ. نَقَلَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إنَّمَا نَقَلَ مُهَنَّا عَنْهُ الْوَقْفَ.

وَعَنْهُ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا حَامِلًا، بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فِيهِ. وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ مَلَكَهَا حَامِلًا، وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى وَضَعَتْ: لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. وَإِنْ وَطِئَهَا حَالَ حَمْلِهَا. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَمُلَ الْوَلَدُ، وَصَارَ لَهُ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ: لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ أَيْضًا. وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا حَامِلًا، بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَمْلِ أَوْ بِوَسَطِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ: لَوْ أَقَرَّ بِوَلَدٍ مِنْ أَمَتِهِ أَنَّهُ وَلَدُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ اسْتَوْلَدَهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَأَمْكَنَّا فَفِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ. فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ: لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ " يَدُك أُمُّ وَلَدِي " أَوْ قَالَ لِوَلَدِهَا " يَدُك ابْنِي " صَحَّ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي طَلَاقِ جُزْءٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَوْ غَيْرِهِ) . أَنَّ الْخِلَافَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ: إذَا أَصَابَهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَطِئَهَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِالْوَاطِئِ. وَلَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ: يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ. فَيُعَايَى بِهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَعْتِقُ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَأَنَّهُ يَسْرِي كَالْعِتْقِ. وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ " إذَا وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ، مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ. فَأَوْلَدَهَا " مَا حُكْمُهُ؟ . وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَقْفِ " إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ فَأَحْبَلَهَا " وَحُكْمُهَا. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهِبَةِ " إذَا أَحْبَلَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ " فِي فَصْلٍ " وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ ". قَوْلُهُ (وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ: أَحْكَامُ الْأَمَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ وَسَائِرِ أُمُورِهَا، إلَّا فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا. كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ، أَوْ مَا تُرَادُ لَهُ، كَالرَّهْنِ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ

الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَحَكَى جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى تِلْكَ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. قُلْت، قَالَ فِي الْفُنُونِ: يَجُوزُ بَيْعُهَا. لِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ لَا يَرْفَعُهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. قَالَ: فَتَعْتِقُ بِوَفَاةِ سَيِّدِهَا مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ، أَوْ بَعْضُهَا مَعَ عَدَمِ سَعَتِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَكَسَائِرِ رَقِيقِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ فَقِيلَ: لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. وَنَفَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَلَمْ يُثْبِتْهَا وَتَأَوَّلَهَا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ التَّدْبِيرِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَقْفِ: هَلْ يَصِحُّ وَقْفُ أُمِّ الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْهِبَةِ: هَلْ يَصِحُّ هِبَةُ أُمِّ الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ فَلْيُرَاجَعَا. فَائِدَةٌ: هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ شُبْهَةٌ؟ فِيهِ نِزَاعٌ. وَالْأَقْوَى فِيهِ شُبْهَةٌ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ: لَوْ وَطِئَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، هَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، أَوْ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ؟ أَمَّا التَّعْزِيرُ: فَوَاجِبٌ. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا: فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، سَوَاءٌ عَتَقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ) . يَعْنِي: إذَا وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ مِنْ سَيِّدِهَا. وَسَوَاءٌ عَتَقَتْ أُمُّهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَوْ مَاتَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ. فَإِنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ:

حُكْمُهَا، إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَ مَعَهَا. وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ فِيهَا. وَيَمْتَنِعُ فِيهِ مَا يَمْتَنِعُ فِيهَا. . وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَوْتِ أُمِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهِمَا قَبْلَ السَّيِّدِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمَا. اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِيهِ. وَيَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِمَا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ يَتْبَعُهَا: قَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَكُونُ مُدَبَّرًا بِنَفْسِهِ، لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ لَوْ عَتَقَتْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ: لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ حَتَّى تَمُوتَ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأُمِّ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ: بَقِيَ الْوَلَدُ مُدَبَّرًا. وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ تَابِعٌ مَحْضٌ. إنْ عَتَقَتْ عَتَقَ. وَإِنْ رَقَّتْ رَقَّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَا وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ، بَعْدَ تَدْبِيرِهَا: فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا ". أَمَّا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ: فَإِنَّهُ يَعُودُ رَقِيقًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ) . أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ إيلَادِهَا مِنْ سَيِّدِهَا: لَا يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَعْتِقُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَعْتِقُ. خَرَّجَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مِنْ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّدْبِيرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَسْتَحِقُّهَا. هَذَا يُشْبِهُ مَا إذَا مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ حَامِلٍ، هَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَفَقَةِ الْحَامِلِ: هَلْ هِيَ لِلْحَمْلِ، أَوْ لِلْحَامِلِ؟ . فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا لِلْأَمَةِ الْحَامِلِ. لِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلْحَامِلِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ السَّيِّدِ. انْتَهَى. قُلْت: وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ " هَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِحَمْلِهَا، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ " وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَمْلِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونَهَا) يَعْنِي: إذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْرَ أَرْشِ جِنَايَتِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ. حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَفْدِيهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَجِبُ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ فَدَاهَا أَيْضًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمْ. حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ جَنَتْ أَلْفَ مَرَّةٍ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ الْفِدَاءُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِذِمَّتِهَا. حَكَاهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، قُلْت: الْمُخْتَارُ عَدَمُ إلْزَامِهِ جِنَايَتَهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا يَخُصُّهُ مِمَّا أَخَذَهُ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَكَذَا أَطْلَقَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمْ: وَقَيَّدَهَا الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، حَاكِينَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ بِمَا إذَا فَدَاهَا أَوَّلًا بِقِيمَتِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ فَدَاهَا أَوَّلًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا: لَزِمَهُ فِدَاؤُهَا ثَانِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ جَنَتْ جِنَايَاتٍ، وَكَانَتْ كُلُّهَا قَبْلَ

فِدَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا: تَعَلَّقَ أَرْشُ الْجَمِيعِ بِرَقَبَتِهَا. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا إلَّا قِيمَتَهَا، أَوْ أَرْشَ جَمِيعِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا. وَيَشْتَرِكُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ فِي الْوَاجِبِ لَهُمْ. فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا: تَحَاصُّوا فِيهَا بِقَدْرِ أُرُوشِ جِنَايَاتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا، فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ) . مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ. فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ: لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ بِقَوْلِهِمْ: وَمَتَى وَرِثَ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ: سَقَطَ الْقِصَاصُ. فَلَوْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ: سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: يَقْتُلُهَا أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِأُصُولِ مَذْهَبِهِ. وَالصَّحِيحُ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلِوَلِيِّهِ مَعَ فَقْدِ ابْنِهِمَا: الْقَوَدُ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً: فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ فِي كُتُبِهِ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ دِيَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ:

إنْ قَتَلَتْ فِي الْحُكْمِ أُمُّ الْوَلَدِ ... سَيِّدَهَا فِي خَطَأٍ لِلرُّشْدِ أَوْ كَانَ عَمْدًا فَعَفْوًا لِلْمَالِ ... قِيمَتُهَا تَلْزَمُ فِي الْمَقَالِ أَوْ دِيَةً فَأَنْقَصُ الْأَمْرَيْنِ ... يَلْزَمُهَا إذْ ذَاكَ فِي الْحَالَيْنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَوَّلِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ. إذْ الْغَالِبُ أَنَّ قِيمَةَ الْأَمَةِ: لَا تَزِيدُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ. انْتَهَى. قَالَ الْأَصْحَابُ: سَوَاءٌ قُلْنَا الدِّيَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ أَوْ لَا. وَفِي الرَّوْضَةِ: دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. لِأَنَّ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مَاتَ مِنْ السَّيِّدِ عَتَقَتْ وَوَجَبَ الضَّمَانُ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا إنْ قَتَلَتْهُ الْمُدَبَّرَةُ وَقُلْنَا: تَعْتِقُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْمُدَبَّرِ. قَوْلُهُ (وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيمَا عَلَّلُوهُ بِهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ، ذَلِكَ النَّسَبُ سَبَبٌ لِلْإِرْثِ. فَكَمَا جَازَ تَخَلُّفُ الْإِرْثِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ بِالنَّصِّ. فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ الْعِتْقُ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ. لِأَنَّهُ مِثْلُهُ. وَقَدْ قِيلَ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ: إنَّ الْحَقَّ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ لِغَيْرِهَا. فَلَا تَسْقُطُ بِفِعْلِهَا. بِخِلَافِ الْإِرْثِ، فَإِنَّهُ مَحْضُ حَقِّهَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرَةَ، يَبْطُلُ تَدْبِيرُهَا إذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِهَا وَأُجِيبَ بِضَعْفِ السَّبَبِ فِي الْمُدَبَّرَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَعَنْهُ. عَلَيْهِ الْحَدُّ، إنْ كَانَ لَهَا ابْنٌ. لِأَنَّهُ أَرَادَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي إجْرَاءُ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إجْرَاؤُهُمَا فِي الْأَمَةِ الْقِنِّ.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ: لَوْ قَذَفَ أَمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةً لَهَا ابْنٌ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمَانِ. فَهَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الِابْنُ وَالزَّوْجُ بِأَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ، أَوْ مُدَبَّرَتُهُ: مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِمَا، وَأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتِقَا. أَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ: فَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَعْتِقُ فِي الْحَالِ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهَا. نَقَلَهَا مُهَنَّا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْتَسْعِي فِي حَيَاتِهِ وَتَعْتِقُ. نَقَلَهَا مُهَنَّا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَلَمْ يُثْبِتْهَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ: أَظُنُّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمُهَنَّا، عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاظَرَةِ لِلْوَقْتِ. وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ: فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُدَبَّرِ إذَا أَسْلَمَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فَلْيُرَاجَعْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ رِوَايَةَ الِاسْتِسْعَاءِ عَائِدَةٌ إلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ. وَالْمَنْقُولُ: أَنَّهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَحَمَلَهَا ابْنُ مُنَجَّا عَلَى ظَاهِرِهَا. وَجَعَلَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ.

قَوْلُهُ (وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا، وَالْكَسْبُ لَهُ، يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا عَلَى التَّمَامِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيِّ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا بِحَالٍ. وَتَسْتَسْعِي فِي قِيمَتِهَا. ثُمَّ تَعْتِقُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا، وَالْفَاضِلُ مِنْهُ لِسَيِّدِهَا. فَإِنْ عَجَزَ كَسْبُهَا عَنْ نَفَقَتِهَا: فَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمَامُ نَفَقَتِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتَبِعَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ " وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ، فَأَوْلَدَهَا: صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. وَوَلَدُهُ حُرٌّ. (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) . لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ نِصْفُ مَهْرِهَا. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ مَعَ نِصْفِ الْمَهْرِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ. لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ: فَالرِّوَايَتَانِ. وَاخْتَارَ اللُّزُومَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا: كَانَ فِي ذِمَّتِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: إنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ. فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ. بَلْ يَصِيرُ نِصْفُهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَنِصْفُهَا قِنٌّ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: هَلْ وَلَدُهُ حُرٌّ أَوْ نِصْفُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ. ثُمَّ وَجَدْت الزَّرْكَشِيَّ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَوْلَدَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا. فَإِنْ كَانَ عَالِمًا: فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، وَإِنْ جَهِلَ إيلَادَ شَرِيكِهِ، أَوْ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ: فَوَلَدُهُ حُرٌّ. وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ: تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا. مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَتَقَ حَقُّهُ وَيَتَكَمَّلُ عِتْقُهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ جَارِيَتَهُمَا ثُمَّ وَطِئَاهَا " وَمَا يُشَابِهُهَا أَيْضًا: مَا إذَا كَاتَبَ حِصَّتَهُ، وَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ)

يَعْنِي: بَعْدَ حُكْمِنَا بِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. (وَهُوَ مُوسِرٌ، فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . أَحَدُهُمَا: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَضْمُونًا عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى وَأَصَحُّ. إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، بَلْ يَعْتِقُ مَجَّانًا. وَقِيلَ: لَا يَعْتِقُ إلَّا مَا أَعْتَقَهُ. وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب النكاح

[كِتَابُ النِّكَاحِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: " النِّكَاحُ " لَهُ مَعْنَيَانِ. مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الشَّرْعِ. فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْوَطْءُ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقِيلَ لِلتَّزْوِيجِ: نِكَاحٌ، لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوَطْءِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو غُلَامُ ثَعْلَبٍ: الَّذِي حَصَّلْنَاهُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَالْمُبَرِّدِ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّ " النِّكَاحَ " فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالَ الشَّاعِرُ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرُكَ اللَّهَ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النِّكَاحُ الْوَطْءُ وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ. وَ " نَكَحْتهَا " وَ " نَكَحَتْ هِيَ " أَيْ تَزَوَّجَتْ. وَعَنْ الزَّجَّاجِ: النِّكَاحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ جَمِيعًا. وَمَوْضِعُ " نَكَحَ " فِي كَلَامِهِمْ لُزُومُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ رَاكِبًا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: سَأَلْت أَبَا عَلِيٍّ الْفَارِسِيَّ عَنْ قَوْلِهِمْ " نَكَحَهَا؟ ". فَقَالَ.: فَرَّقَتْ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا، يُعْرَفُ بِهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ مِنْ الْوَطْءِ. فَإِذَا قَالُوا " نَكَحَ فُلَانَةَ " أَوْ " بِنْتَ فُلَانٍ " أَرَادُوا تَزْوِيجَهَا، وَالْعَقْدَ عَلَيْهَا. وَإِذَا قَالُوا " نَكَحَ امْرَأَتَهُ " لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْمُجَامَعَةَ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ امْرَأَتِهِ وَزَوْجَتِهِ تُسْتَغْنَى عَنْ الْعَقْدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَظَاهِرُهُ الِاشْتِرَاكُ، كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْقَرِينَةَ تُعِينُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ

فَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْأَبْدَانِ: فَهُوَ الْإِيلَاجُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ غَايَةٌ فِي اجْتِمَاعِ الْبَدَنَيْنِ. وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْعُقُودِ: فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ وَاللُّزُومِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: اسْتَنْكَحَهُ الْمَذْيُ، إذَا لَازَمَهُ وَدَاوَمَهُ. انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ: عَقْدُ التَّزْوِيجِ. فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ، مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ. عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي كَوْنِ الْمَحْرَمِ لَا يُنْكَحُ، لَمَا قِيلَ لَهُ، إنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ قَالَ: إنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً فِي الْوَطْءِ، فَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ لِلْعَقْدِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ بِأَوْصَافِهِ، وَفِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ. وَهُوَ الْوَطْءُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ. وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي الْعَقْدِ أَظْهَرُ اسْتِكْمَالًا. وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ مَنْقُولٌ. نَقَلَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ لَفْظُ " النِّكَاحِ " بِمَعْنَى الْوَطْءِ، إلَّا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْ الْوَطْءِ، فَيُقَالُ: هَذَا سِفَاحٌ، وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ. وَصِحَّةُ النَّفْيِ: دَلِيلُ الْمَجَازِ. وَقِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَالْعُمْدَةِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ، وَغُلَامِ ثَعْلَبٍ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَتَحْرِيمُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا الْأَبُ اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالسُّنَّةِ. وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ فِي الْجُمْلَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مُشْتَرَكٌ، يَعْنِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ: قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْجَامِعُ الْكَبِيرُ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ: الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا وَمَذْهَبِنَا: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا فِي الشَّرِيعَةِ؛ لِقَوْلِنَا بِتَحْرِيمِ مُوطَأَةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَزْوِيجٍ، لِدُخُولِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ: الْحَقِيقَةُ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: النِّكَاحُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ جَمِيعًا. وَقَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا مَعًا. فَلَا يُقَالُ: هُوَ حَقِيقَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ. بَلْ عَلَى مَجْمُوعِهِمَا. فَهُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الضَّمِّ. لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا. وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنْهُ بِالْآخَرِ. انْتَهَى. مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الِاشْتِرَاكَ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: كَمَا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَذَكَرَ: أَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالتَّوَاطُؤِ: أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يُقَالُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

بِانْفِرَادِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الْمُتَوَاطِئِ. فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَيْهِمَا مُجْتَمَعَيْنِ لَا غَيْرُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ فِي الْإِثْبَاتِ لَهُمَا، وَفِي النَّهْيِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا نُهِيَ عَنْ شَيْءٍ نُهِيَ عَنْ بَعْضِهِ. وَالْأَمْرُ بِهِ أَمْرٌ بِكُلِّهِ، فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلَامِ. فَإِذَا قِيلَ مَثَلًا " انْكِحْ ابْنَةَ عَمِّك " كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ. وَإِذَا قِيلَ " لَا تَنْكِحْهَا " تَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ: الْمَنْفَعَةُ، أَيْ الِانْتِفَاعُ بِهَا، لَا مِلْكُهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا: أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْفَعَةِ الِاسْتِخْدَامِ. قَالَ صَاحِبُ الْوَسِيلَةِ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ، لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: تَرَدَّدَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي مَوْرِدِ عَقْدِ النِّكَاحِ: هَلْ هُوَ الْمِلْكُ، أَوْ الِاسْتِبَاحَةُ؟ فَمِنْ قَائِلٍ: هُوَ الْمِلْكُ. ثُمَّ تَرَدَّدُوا: هَلْ هُوَ مِلْكُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، أَوْ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ بِهَا؟ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ. وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا. وَقِيلَ: بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ: الِازْدِوَاجُ، كَالْمُشَارَكَةِ. وَلِهَذَا فَرَّقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الِازْدِوَاجِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَاتِ، لَا الْمُعَاوَضَاتِ. قَوْلُهُ (النِّكَاحُ سُنَّةٌ) .

اعْلَمْ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي ضَبْطِ أَقْسَامِ النِّكَاحِ طُرُقًا. أَشْهَرُهَا وَأَصَحُّهَا: أَنَّ النَّاسَ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَنْ لَهُ شَهْوَةٌ، وَلَا يَخَافُ الزِّنَا. فَهَذَا النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى مَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ بِتَرْكِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ صَالِحٌ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ. وَجَزَمَ بِهِ. ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الْأَمَدِيُّ: يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَاجِزِ وَالْوَاجِدِ، وَالرَّاغِبِ وَالزَّاهِدِ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَزَوَّجَ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْقُوتَ. وَقِيلَ: لَا يَتَزَوَّجُ فَقِيرٌ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَقَيَّدَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ بِمُوسِرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ.

وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي تَعْدَادِ الطُّرُقِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ لَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ: كَالْعِنِّينِ، وَمَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ، لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ. فَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْخِصَالِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ فِي حَقِّهِمْ مُبَاحٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ. وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ بَطَّةَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي مُنْتَخَبِهِ: يُسَنُّ لِلتَّائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. وَحُكِيَ عَنْهُ: يَجِبُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ وُجُوبِ النِّكَاحِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ طَرَدَ فِيهِ رِوَايَةَ الْوُجُوبِ أَيْضًا.

نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ. وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي تَعْدَادِ الطُّرُقِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ خَافَ الْعَنَتَ. فَالنِّكَاحُ فِي حَقِّ هَذَا: وَاجِبٌ. قَوْلًا وَاحِدًا، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ ذَكَرَ رِوَايَةً: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي تَعْدَادِ الطُّرُقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِخَوْفِ الْعَنَتِ: خَوْفَ الْمَرَضِ وَالْمَشَقَّةِ، لَا خَوْفَ الزِّنَا. فَإِنَّ الْعَنَتَ يُفَسَّرُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: " الْعَنَتُ " هُنَا: هُوَ الزِّنَا. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ بِالزِّنَا. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ " إذَا عَلِمَ وُقُوعَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُ فَقَطْ. الثَّالِثُ: هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ: هِيَ أَصَحُّ الطُّرُقِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ. وَقَالَ ابْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ النِّكَاحِ: رِوَايَتَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ. فَمِنْهُمْ: مَنْ أَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَالٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي حَفْصٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ قَالَ فِي مُفْرَدَاتِهِ: النِّكَاحُ وَاجِبٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ. وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّزْوِيجِ؟ فَقَالَ: أَرَاهُ وَاجِبًا. وَأَشَارَ إلَى هَذَا أَبُو الْبَرَكَاتِ، حَيْثُ قَالَ: وَعَنْهُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوُجُوبَ بِمَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، وَيَخَافُ الْعَنَتَ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. كَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ. وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْقَاضِي إطْلَاقَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبِي بَكْرٍ. قُلْت: وَقَيَّدَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَأَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِينَ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْهُ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا: مَنْ أَجْرَى الْخِلَافَ فِيهِ. فَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فِي وُجُوبِ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ يَخَافُ الْعَنَتَ وَيَجِدُ الطَّوْلَ رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَهَذِهِ الصُّورَةِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، وَلَا يَخَافُ الْعَنَتَ وَلَهُ شَهْوَةٌ. فَهَاهُنَا جَعَلَ مَحِلَّ الْخِلَافِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَحَكَوْا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ.

وَقَطَعَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِهَا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتَّى صَارَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، مَعَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَفِي صُورَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهُوَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ وَلَا شَهْوَةَ لَهُ. حَكَاهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَلَامُ الْقَاضِي وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهْوَةٌ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ مَحِلَّ الْوُجُوبِ: الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالصَّدَاقِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: النِّكَاحُ مُسْتَحَبٌّ. وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ يُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّدَاقِ، وَلَا عَلَى مَا يَقُومُ بِأَوَدِ الزَّوْجَةِ: لَمْ يَجِبْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَ قَادِرًا مُسْتَطِيعًا: فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، لَا يَجِبُ. وَهِيَ الْمَنْصُورَةُ. وَالْوُجُوبُ قَالَ: قُلْت: وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ أَضَافَ قَيْدًا آخَرَ، فَجَعَلَ الْوُجُوبَ مُخْتَصًّا بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْأَمَةِ، مَعَ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، أَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ يَخَافُ الْعَنَتَ. فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ. قُلْت: قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يُبَاحُ ذَلِكَ. وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: فِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ. وَاخْتَارَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ الْوُجُوبَ.

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا لَمْ يَجِدْ حُرَّةً. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الْوُجُوبَ مِنْ بَابِ وَجَوْبِ الْكِفَايَةِ لَا الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: ذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ إنَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. قُلْت: وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ ابْنُ الْمُنَى أَيْضًا: أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى. كَالْجِهَادِ. قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلَى الْأَعْيَانِ. تَرَكْنَاهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. انْتَهَى. وَانْتَهَى كَلَامُ ابْنِ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، مَعَ مَا زِدْنَا عَلَيْهِ فِيهِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ. أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ. قَالَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. الثَّانِيَةُ: عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ: لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْعُمْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي النُّكَتِ: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَكُونُ النِّكَاحُ فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ. لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ: إذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَهَلْ يَسْقُطُ الْأَمْرُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ. لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا الِاسْمُ لَا يَزُولُ بِمَرَّةٍ. وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْوَسِيلَةِ، وَأَبُو حَكِيمٍ النَّهْرَوَانِيُّ.

وَفِي الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِ: يُكْتَفَى بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَقَالَ: هَذَا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: الْمُتَبَتِّلُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَشَّى هَذَا الْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ، بِخِلَافِ صَاحِبِ النُّكَتِ. الثَّالِثَةُ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ: إذَا زَاحَمَهُ الْحَجُّ الْوَاجِبُ. فَقَدْ تَقَدَّمَ لَوْ خَافَ الْعَنَتَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْحُكْمَ وَالتَّفْصِيلَ. فَلْيُرَاجَعْ. الرَّابِعَةُ: فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْعَقْدِ اسْتِغْنَاءً بِالْبَاعِثِ الطَّبْعِيِّ عَنْ الشَّرْعِيِّ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الْوَاضِحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: يَقْتَضِي إيجَابَهُ شَرْعًا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ تَمَلُّكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتَنَاوُلُهُمَا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: وَحَيْثُ قُلْنَا الْوُجُوبَ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الْعَقْدُ. وَأَمَّا نَفْسُ الِاسْتِمْتَاعِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ. بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِدَاعِيَةِ الْوَطْءِ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْوَطْءَ. فَإِنَّمَا هُوَ لِإِيفَاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ لَا غَيْرُ. انْتَهَى. الْخَامِسَةُ: مَا قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ: هَلْ يُكْتَفَى عَنْهُ بِالتَّسَرِّي؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. وَالزَّرْكَشِيِّ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: وَيُجْزِئُ عَنْهُ التَّسَرِّي فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الزَّرْكَشِيّ: أَصَحُّهُمَا لَا يَنْدَفِعُ. فَلْيَتَزَوَّجْ. فَأَمَرَ بِالتَّزَوُّجِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ: فِيهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ.

ثُمَّ قَالَ: وَيَشْهَدُ لِسُقُوطِ النِّكَاحِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَسْقُطُ بِهِ مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ. وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ مَعَ غَيْرِهِ. السَّادِسَةُ: عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ: هَلْ يَجِبُ بِأَمْرِ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ بِأَمْرِ أَحَدِهِمَا بِهِ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي دَاوُد: إنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ يَأْمُرَانِهِ بِالتَّزْوِيجِ: أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ، أَوْ كَانَ شَابًّا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ: أَمَرْته أَنْ يَتَزَوَّجَ. فَجَعَلَ أَمْرَ الْأَبَوَيْنِ لَهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَزَوَّجُ أَبَدًا، إنْ أَمَرَهُ أَبُوهُ تَزَوَّجَ. السَّابِعَةُ: وَعَلَى الْقَوْلِ أَيْضًا بِعَدَمِ وُجُوبِهِ: هَلْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ؟ صَرَّحَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ. قُلْت: وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومَاتِ كَلَامِهِمْ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ. الثَّامِنَةُ: يَجُوزُ لَهُ النِّكَاحُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَتَزَوَّجُ، وَإِنْ خَافَ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ ضَرُورَةٌ لِلنِّكَاحِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: لَيْسَ لَهُ النِّكَاحُ. سَوَاءٌ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ، أَوْ لَا؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَعَلَى تَعْلِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا مُسْلِمَةً. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَلَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِ.

وَعَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ آيِسَةً، أَوْ صَغِيرَةً. فَإِنَّهُ عَلَّلَ، وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ، لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ الْجِهَادِ: وَأَمَّا الْأَسِيرُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ مَا دَامَ أَسِيرًا. وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ كَالتَّاجِرِ وَنَحْوِهِ: فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّزَوُّجُ. فَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ: أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ، وَلْيُعْزَلْ عَنْهَا وَلَا يَتَزَوَّجْ مِنْهُمْ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ لَهُ النِّكَاحُ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَلَهُ النِّكَاحُ بِدَارِ الْحَرْبِ ضَرُورَةً، وَبِدُونِهَا وَجْهَانِ. وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَسَرَّى إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا يَطْلُبُ الْوَلَدَ. وَيَأْتِي: هَلْ يُبَاحُ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ أَمْ لَا؟ فِي بَابِ. الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ حَرُمَ نِكَاحُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَفَعَلَ: وَجَبَ عَزْلُهُ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ عَزْلُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) . يَعْنِي: حَيْثُ قُلْنَا يُسْتَحَبُّ، وَكَانَ لَهُ شَهْوَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْمَصَالِحَ الْمَعْلُومَةَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْهَا: فَلَا يَكُونُ أَفْضَلَ. وَعَنْهُ: التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعْدُومَ الشَّهْوَةِ. حَكَاهَا

أَبُو الْحُسَيْنِ فِي التَّمَامِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَهِيَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْمُنَى: أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى كَالْجِهَادِ. كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ الْوَلُودِ الْبِكْرِ الْحَسِيبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ، إنْ حَصَلَ بِهَا الْإِعْفَافُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نِكَاحِ وَاحِدَةٍ. قَالَ النَّاظِمُ: وَوَاحِدَةٌ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ اسْتَحَبُّوا أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إلَّا أَنْ لَا تُعِفَّهُ وَاحِدَةٌ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْمُسْتَحَبُّ اثْنَتَانِ. كَمَا لَوْ لَمْ تُعِفَّهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّهُ قَالَ: يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ. لَيْتَهُ إذَا تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ يُفْلِتُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي النِّهَايَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ: النَّظَرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّهُ يُبَاحُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ النَّظَرُ. جَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مُسْتَحَبًّا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَزَادَ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يُسَنُّ إجْمَاعًا. كَذَا قَالَ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. وَقَالَ: قُلْت: وَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَنْ إذَا خَطَبَهَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ إلَى نِكَاحِهَا. وَقَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قُلْت: وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَهُوَ مُرَادُ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ قَطْعًا. قَوْلُهُ (النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا) . يَعْنِي فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا. هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَة، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَحَّحَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، كَالرَّقَبَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَنَصَرَهُ النَّاظِمُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْآتِي عَلَى ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: لَهُ النَّظَرُ إلَى الرَّقَبَةِ، وَالْقَدَمِ، وَالرَّأْسِ، وَالسَّاقِ. وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الْعَوْرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ اخْتِيَارُ مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: الْمَذْهَبُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ النَّظَرِ: مَا هُوَ عَوْرَةٌ وَنَحْوُهُ. قَالَ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا: وَجَوَّزَ أَبُو بَكْرٍ النَّظَرَ إلَيْهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا حَاسِرَةً. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: بِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَى مَا عَدَا الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ. ذَكَرَهَا فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَالْعَوْرَةُ الْمُغَلَّظَةُ: هِيَ الْفَرْجَانِ. وَهَذَا مَشْهُورٌ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَتَحْنَا لَهُ النَّظَرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، فَلَهُ تَكْرَارُ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَتَأَمُّلُ الْمَحَاسِنِ. كُلُّ ذَلِكَ إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ. قَيَّدَهُ بِذَلِكَ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ آخَرُ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ " وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ " أَنَّ مَحِلَّ النَّظَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى نِكَاحِهَا وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا. فَإِنْ حُمِدَ: سَأَلَ عَنْ دِينِهَا. فَإِنْ حُمِدَ: تَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ: يَكُونُ رَدُّهُ لِأَجْلِ الدِّينِ. وَلَا يَسْأَلُ أَوَّلًا عَنْ الدِّينِ، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ الْجَمَالِ. فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا. فَيَكُونُ رَدُّهُ لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْهَوَى، فَأَرَادَ التَّزَوُّجَ: فَلْيَجْتَهِدْ فِي نِكَاحِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا، إنْ صَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ، وَإِلَّا فَلْيَتَخَيَّرْ مَا يَظُنُّهُ مِثْلَهَا. قَوْلُهُ (وَلَهُ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَى الرَّأْسِ، وَالسَّاقَيْنِ مِنْ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ) . يَعْنِي: لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَإِلَى الرَّأْسِ وَالسَّاقَيْنِ مِنْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: يُنْظَرُ سِوَى عَوْرَةِ الصَّلَاةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، فَقَالَ. وَيَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ جَارِيَةٍ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى مَا عَدَا عَوْرَتَهَا. وَقِيلَ: يَنْظُرُ غَيْرَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمُقَدَّمُ. وَقِيلَ: حُكْمُهَا فِي النَّظَرِ كَالْمَخْطُوبَةِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَلِّبَهَا إذَا أَرَادَ شِرَاءَهَا مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا. قَالَ الْقَاضِي: أَجَازَ تَقْلِيبَ الظَّهْرِ وَالصَّدْرِ. بِمَعْنَى لَمْسِهِ مِنْ فَوْقِ الثِّيَابِ. قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) .

يَعْنِي: يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَإِلَى الرَّأْسِ وَالسَّاقَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ حُكْمُ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ فِي النَّظَرِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ مِنْهُنَّ إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إلَى مَحَارِمِهَا: حُكْمُهُمْ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ. فَلَا يَنْظُرُ إلَى أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا إلَى ابْنَتِهَا، وَلَا إلَى بِنْتِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إلَيْهِمَا مِنْ مَوْلَاتِهِ) يَعْنِي: إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْعَبْدِ النَّظَرَ مِنْ مَوْلَاتِهِ إلَى مَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ النَّظَرِ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا. نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَنْظُرُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ، وَلَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ أَمَةً مُشْتَرَكَةً. لِعُمُومِ مَنْعِ النَّظَرِ، إلَّا مِنْ عَبْدِهَا وَأَمَتِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لِلْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ النِّسَاءِ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِهِنَّ؛ لِوُجُودِ الْحَاجَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، فَقَالَ: وَلِعَبْدٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا نَظَرُ وَجْهِ سَيِّدَتِهِ وَكَفَّيْهَا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُنَّ جَمِيعِهِنَّ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى ذَلِكَ. بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رِجَالٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا قَوْلُهُ (وَلِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ كَالْكَبِيرِ وَالْعِنِّينِ وَنَحْوِهِمَا النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ) . يَعْنِي: إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْعَبْدِ مَعَ سَيِّدَتِهِ فِي النَّظَرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي: حُكْمُهُمْ حُكْمُ ذِي الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ. وَقَطَعَ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ لَهُمْ النَّظَرُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ لَا يَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: اسْتَعْظَمَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إدْخَالَ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ النِّسَاءِ بِالْخُصْيَانِ وَلَا بِالْمَجْبُوبِينَ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ، أَوْ عُدِمَ فَشَهْوَةُ الرِّجَالِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ. وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبَلِ وَغَيْرِهَا. كَذَلِكَ لَا يُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: هُمَا كَذِي مَحْرَمٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ لَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْخَصِيُّ يَكْسِرُ النَّشَاطَ. وَلِهَذَا يُؤْمَنُ عَلَى الْحَرَمِ قَوْلُهُ (وَلِلشَّاهِدِ وَالْمُبْتَاعِ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا وَمَنْ تُعَامِلُهُ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إذَا كَانَتْ تُعَامِلُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ: أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمُبْتَاعَ يَنْظُرَانِ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا. فَائِدَةٌ: أَلْحَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْمُسْتَأْجِرَ بِالشَّاهِدِ وَالْمُبْتَاعِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْمُؤَجِّرِ وَالْبَائِعِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ فِي الْبَائِعِ يَنْظُرُ كَفَّهَا وَوَجْهَهَا؟ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا رَجَوْت، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى: أَكْرَهُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إبَاحَةُ نَظَرِ هَؤُلَاءِ مُقَيَّدٌ بِحَاجَتِهِمَا. فَائِدَةٌ: مَنْ اُبْتُلِيَ بِخِدْمَةِ مَرِيضٍ أَوْ مَرِيضَةٍ فِي وُضُوءٍ أَوْ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّبِيبِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. كَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُ حَلْقَ عَانَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ، وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ.

قَوْلُهُ (وَلِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ غَيْرِ ذِي الشَّهْوَةِ: النَّظَرُ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: هُوَ كَالْمَحْرَمِ. وَأَطْلَقَ فِي الْكَافِي فِي الْمُمَيِّزِ رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ فَهُوَ كَذِي الْمَحْرَمِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْفَائِقِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقِيلَ: كَالطِّفْلِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فَهُوَ كَذِي مَحْرَمٍ. وَعَنْهُ: كَأَجْنَبِيٍّ بَالِغٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُ بِنْتِ تِسْعٍ حُكْمُ الْمُمَيِّزِ ذِي الشَّهْوَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: رِوَايَةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ فَلَا تَكْشِفْ إلَّا وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا» . وَنَقَلَ جَعْفَرٌ فِي الرَّجُلِ عِنْدَهُ الْأَرْمَلَةُ وَالْيَتِيمَةُ: لَا يَنْظُرُ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِنَظَرِ الْوَجْهِ بِلَا شَهْوَةٍ. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الطِّفْلِ وَالطِّفْلَةِ قَبْلَ السَّبْعِ، وَلَا لَمْسُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي الرَّجُلِ يَضَعُ الصَّغِيرَةَ فِي حِجْرِهِ وَيُقَبِّلُهَا إنْ لَمْ يَجِدْ شَهْوَةً. فَلَا بَأْسَ. وَلَا يَجِبُ سَتْرُهُمَا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى طِفْلَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لِلنِّكَاحِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَهَلْ هُوَ مَحْدُودٌ بِدُونِ السَّبْعِ أَوْ بِدُونِ مَا تَشْتَهِي غَالِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلِلْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ: النَّظَرُ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) . يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ النَّظَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَنْظُرُ مِنْهَا إلَّا إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَلَعَلَّ مَنْ قَطَعَ أَوَّلًا: أَرَادَ هَذَا. لَكِنْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ غَايَرَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. [وَمُرَادُهُمْ بِعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ هُنَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْخِلَافِ صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ] وَأَمَّا الْكَافِرَةُ مَعَ الْمُسْلِمَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمُسْلِمَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ الْكَافِرَةُ مِنْ الْمُسْلِمَةِ مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا.

وَعَنْهُ: هِيَ مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْكَافِرَةَ الْمَمْلُوكَةَ لِمُسْلِمَةٍ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَظْهَرَ عَلَى مَوْلَاتِهَا كَالْمُسْلِمَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ قَابِلَةً لِلْمُسْلِمَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ أَمْرَدَ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ مِنْهُ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ، وَقِيلَ: يَنْظُرُ غَيْرَ الْعَوْرَةِ. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ. لَكِنْ عِنْدَ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: يُبَاح لَهَا النَّظَرُ مِنْهُ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا. وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْقَاضِي. نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: يَحْرُمُ النَّظَرُ. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ: الْكَرَاهَةَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْقَاضِي: كَرَاهَةُ نَظَرِهَا إلَى وَجْهِهِ، وَبَدَنِهِ، وَقَدَمَيْهِ. وَاخْتَارَ الْكَرَاهَةَ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا وَقْتَ مِهْنَةٍ وَغَفْلَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ إبَاحَةَ النَّظَرِ لِلْمَرْأَةِ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ الرَّجُلِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يَحْرُمُ النَّظَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَجِبْ بِالتَّخْصِيصِ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: يَجُوزُ لَهُنَّ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. لِأَنَّهُنَّ فِي حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّحْرِيمِ. فَجَازَ مُفَارَقَتُهُنَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ بَقِيَّةُ النِّسَاءِ. قُلْت: وَهَذَا أَوْلَى. فَوَائِدُ: مِنْهَا: يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ الْأَمَةِ، وَمِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَالْعَجُوزِ، وَالْبَرْزَةِ، وَالْقَبِيحَةِ وَنَحْوِهِمْ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: جَوَازَ النَّظَرِ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُبَاحُ نَظَرُ وَجْهِ كُلِّ عَجُوزٍ بَرْزَةٍ هِمَّةٍ، وَمَنْ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا غَالِبًا، وَمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا وَلَمْسُهُ وَمُصَافَحَتُهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا، إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ. وَمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ تَخْتَمِرُ الْأَمَةُ فَلَا بَأْسَ. وَقِيلَ: الْأَمَةُ وَالْقَبِيحَةُ كَالْحُرَّةِ وَالْجَمِيلَةِ.

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ. كَمْ مِنْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ؟ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا تَنْتَقِبُ الْأَمَةُ. وَنَقَلَ أَيْضًا: تَنْتَقِبُ الْجَمِيلَةُ. وَكَذَا نَقَلَ أَبُو حَامِدٍ الْخَفَّافُ. قَالَ الْقَاضِي: لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا أَطْلَقَهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الْجَمِيلَةَ تَنْتَقِبُ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُبَاحُ، فَفِي تَحْرِيمِ تَكْرَارِ نَظَرِ وَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قُلْت: الصَّوَابُ التَّحْرِيمُ. وَمِنْهَا: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي النَّظَرِ إلَيْهِ لَا كَالْمَرْأَةِ، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَخْرُجُ وَجْهُ مَنْ سَتَرَ الْعَوْرَةَ فِي الصَّلَاةِ: أَنَّهُ كَالرَّجُلِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ تَشَبَّهَ خُنْثَى مُشْكِلٌ بِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَوْ مَالَ إلَى أَحَدِهِمَا: فَلَهُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ، قُلْت: لَا يُزَوَّجُ بِحَالٍ. فَإِنْ خَافَ الزِّنَا: صَامَ أَوْ اسْتَمْنَى، وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ امْرَأَةٍ كَالرَّجُلِ. وَمَعَ رَجُلٍ كَامْرَأَةٍ. وَمِنْهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ قَصْدًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: نَظَرَ الرَّجُلِ مِنْ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةِ صَلَاةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي آدَابِهِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً.

قَالَ الْقَاضِي: الْمُحَرَّمُ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. ثُمَّ قَالَ: النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ مُحَرَّمٌ، وَإِلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ: مَكْرُوهٌ. وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ أَطْلَقَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ. وَحَكَى الْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؟ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ إذَا أَمِنَ الْفِتْنَةَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ، خُصُوصًا لِلْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْعِدَدِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِمُطَلَّقَتِهِ، أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ) . النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْمَنَ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ. فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَلَكِنْ تَرْكُهُ أَوْلَى. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. قِيلَ: وَأَمَّا تَكْرَارُ النَّظَرِ: فَمَكْرُوهٌ. وَقَالَ أَيْضًا، فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: تَكْرَارُ النَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ مُحَرَّمٌ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ أَوْ دَاوَمَهُ، وَقَالَ: إنِّي لَا أَنْظُرُ بِشَهْوَةٍ، فَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ مَكْرُوهٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَخَافَ مِنْ النَّظَرِ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُكْرَهُ. وَهَلْ يَحْرُمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَحَكَى صَاحِبُ التَّرْغِيبِ ثَلَاثَهُ أَوْجُهٍ: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ إذَا أَمِنَ ثَوَرَانَهَا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لَا يَجُوزُ. كَمَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: لَا يَجُوزُ. وَإِنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُنْتَفِيَةً، لَكِنْ يَخَافُ ثَوَرَانَهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَانَ الْأَمْرَدُ جَمِيلًا يَخَافُ الْفِتْنَةَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَنَصُّهُ: يَحْرُمُ النَّظَرُ خَوْفَ الشَّهْوَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَرَاهَةُ مُجَالَسَةِ الْغُلَامِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ لِشَهْوَةٍ. وَيَجُوزُ بِدُونِهَا مَعَ مِنْهَا. وَقِيلَ: وَخَوْفُهَا

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ خَافَ ثَوَرَانَهَا فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ النَّظَرُ مَعَ شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وَسِحَاقٍ، وَإِلَى دَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَلَا يَعِفُّ عَنْهُ. وَكَذَا الْخَلْوَةُ بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. فَوَائِدُ: مِنْهَا: قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِشَهْوَةٍ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ إجْمَاعًا. كَذَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إذَا خَافَ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: مَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ. وَمِنْهَا: لَمْسُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ كَالنَّظَرِ إلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ. وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: هُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ النَّظَرِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: صَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، قَالَ الْقَاضِي الزَّرِيرَانِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُغْنِي: هَلْ صَوْتُ الْأَجْنَبِيَّةِ عَوْرَةٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَوْرَةٌ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَقَالَ: يَجِبُ تَجَنُّبُ الْأَجَانِبِ الِاسْتِمَاعَ مِنْ صَوْتِ النِّسَاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ. لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ. انْتَهَى.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: يُسَلِّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ. فَأَمَّا الشَّابَّةُ: فَلَا تَنْطِقُ. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ خَوْفِهِ الِافْتِتَانَ بِصَوْتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ، وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: يُمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ سَمَاعُ صَوْتِهَا بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي كِتَابِ النِّسَاءِ لَهُ سَمَاعُ صَوْتِ الْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْفِضَ مِنْ صَوْتِهَا إذَا كَانَتْ فِي قِرَاءَتِهَا إذَا قَرَأَتْ بِاللَّيْلِ. وَمِنْهَا: إذَا مَنَعْنَا الْمَرْأَةَ مِنْ النَّظَرِ إلَى الرَّجُلِ، فَهَلْ تُمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِ. وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَمَاعِ صَوْتِهَا؟ . قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ يَؤُمُّ أَهْلَهُ. أَكْرَهُ أَنْ تَسْمَعَ الْمَرْأَةُ صَوْتَ الرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، فِي نُكَتِهِ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لِأَنَّ الصَّوْتَ يَتْبَعُ الصُّورَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مَنَعَ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا. كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَمَّا مُنِعَتْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الرَّجُلِ مُنِعَتْ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِ. [قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكْتَةِ: لَمْ تَزَلْ النِّسَاءُ تَسْمَعُ أَصْوَاتَ الرِّجَالِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ظَاهِرٌ] . وَمِنْهَا: تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلْكُلِّ مُطْلَقًا. وَلَوْ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ وَتَشْتَهِيهِ هِيَ، كَالْقِرْدِ وَنَحْوِهِ.

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٍ وَمُضَاجَعَتُهُ: كَامْرَأَةٍ وَلَوْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَمَنْ يُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ مَلْعُونٌ دَيُّوثٌ. وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ مُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ: مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: الْأَمْرَدُ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْأَمْرَدُ يَنْفُقُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَهُوَ شَبَكَةُ الشَّيْطَانِ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ. وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ. وَشَدَّدَ أَيْضًا، حَتَّى لِمَحْرَمٍ. وَجَوَّزَهُ لِوَالِدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَلِمَحْرَمٍ. وَجَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْذَ يَدِ عَجُوزٍ. وَفِي الرِّعَايَةِ: وَشَوْهَاءَ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: يُقَبِّلُ ذَاتَ الْمَحَارِمِ مِنْهُ؟ قَالَ: إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا. الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَطْنِ رَجُلٍ لَا تَحِلُّ لَهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: أَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهِ؟ قَالَ: ضَرُورَةً. قَوْلُهُ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ. وَلَمْسُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، حَتَّى الْفَرْجُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهُمَا نَظَرُ الْفَرْجِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي فُصُولِهِ: وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. نَقَلَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهُمَا عِنْدَ الْجِمَاعِ خَاصَّةً. وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا حَالَ الطَّمْثِ فَقَطْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَزَادَ فِي الْكُبْرَى: وَحَالَ الْوَطْءِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: يَجُوزُ تَقْبِيلُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْجِمَاعِ، وَيُكْرَهُ بَعْدَهُ. وَذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِ زَوْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ بِلَا إذْنِهِ. وَلَهَا لَمْسُهُ وَتَقْبِيلُهُ بِشَهْوَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْعَقْدَ وَحَبْسَهَا. ذَكَرَاهُ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ. وَمَرَّ بِي فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ قَوْلُ: إنَّ لَهَا ذَلِكَ. وَلَمْ أَسْتَحْضِرْ الْآنَ فِي أَيِّ كِتَابٍ هُوَ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ) . حُكْمُ السَّيِّدِ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ: حُكْمُ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " مَعَ أَمَتِهِ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَنَحْوُهُنَّ. وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا لَمْسُهَا لِمَا سَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ. وَجَعَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مَكَانَ " أَمَتِهِ " " سُرِّيَّتُهُ ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَمَتُهُ الَّتِي لَيْسَتْ سُرِّيَّةً، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَيْهَا وَلَمْسَهَا. فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ

فِي الْكَافِي، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ " أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ " وَهُوَ أَجْوَدُ مِمَّا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ جَازَ لَهُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ كَمَحْرَمٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: كَأَمَةِ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدِيمَهُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: يَعْرِضُ بِبَصَرِهِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: هَلْ يُكْرَهُ مَسُّ فَرْجِهِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي حَالِ التَّخَلِّي؟ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ) . وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ. (بِخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ وَلَا التَّعْرِيضُ) . وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّكَاحُ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ. (بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ) يَعْنِي: التَّعْرِيضَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: إنْ دَلَّتْ عَلَى اقْتِرَانِهِمَا كَمُتَحَابَّيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ مَنَعْنَا مِنْ تَعْرِيضِهِ فِي الْعِدَّةِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَهَلْ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّانِي: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمُعْرِضُ أَجْنَبِيًّا. فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ: فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إنْ أُجِيبَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. يَعْنِي يَحْرُمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ بَاطِلٌ. نَصَّ عَلَيْهِ.

فَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ لِلنَّهْيِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إنْ أُجِيبَ) . وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُجِيبَ تَصْرِيحًا فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ أُجِيبَ تَعْرِيضًا، ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَيْضًا كَالتَّصْرِيحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إبَاحَةُ خِطْبَتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّ: حَلَّ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إنْ تَرَكَ الْخِطْبَةَ، أَوْ أَذِنَ لَهُ. وَكَذَا إنْ سَكَتَ عَنْهُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَنْ الْقَاضِي: سُكُوتُ الْبِكْرِ رِضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ.

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا لِرَجُلٍ ابْتِدَاءً. فَأَجَابَهَا: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لِرَجُلٍ آخَرَ خِطْبَتُهَا، إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبُ. وَنَظِيرُ الْأُولَى: أَنْ تَخْطُبَهُ امْرَأَةٌ، أَوْ وَلِيُّهَا، بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ هُوَ امْرَأَةً. فَإِنَّ هَذَا إيذَاءٌ لِلْمَخْطُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. كَمَا أَنَّ ذَاكَ إيذَاءٌ لِلْخَاطِبِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ: احْتَمَلَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا كَمَا لَوْ خَطَبَ فَأَجَابَتْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ. قَالَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ بِإِجَابَةٍ بِحَالٍ. قَوْلُهُ (وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً) . بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً: فَعَلَى الْوَلِيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ رَضِيَتْ، أَوْ كَرِهَتْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ أَجَابَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ، فَكَرِهَتْ الْمُجَابَ. وَاخْتَارَتْ

غَيْرَهُ: سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا. وَإِنْ كَرِهَتْهُ وَلَمْ تَخْتَرْ سِوَاهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ. وَإِنْ أَجَابَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ: زَالَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يُسْتَحَبُّ عَقْدُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ الْخَمِيسِ، وَالْمَسَاءُ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَأَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: إنْ أَخَّرَ الْخُطْبَةَ عَنْ الْعَقْدِ جَازَ. انْتَهَى. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَهُ فِي الْعُمْدَةِ. وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَذَكَرَهَا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَأْتِي بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْآيَاتِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالنِّكَاحِ. وَنَهَى عَنْ السِّفَاحِ. فَقَالَ مُخْبِرًا وَآمِرًا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ وَلَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ انْصَرَفَ. وَالْمُجْزِئُ مِنْهَا: أَنْ يَتَشَهَّدَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالٍ.

فَائِدَةٌ: فِي خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ. فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} [الأحزاب: 50] نَاسِخًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ، إلَى أَنْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً لِلْآيَةِ الْأُولَى. وَقَالَ الْقَاضِي: الْآيَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي قَرَابَاتِهِ فِي الْآيَةِ، لَا الْأَجْنَبِيَّاتِ انْتَهَى. وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ. وَفِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ أَيْضًا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: جَوَازُ النِّكَاحِ لَهُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، وَفِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ. وَأَطْلَقَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَوَالِدُهُ، وَغَيْرُهُمَا وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَمْ يَكُنْ لَهُ النِّكَاحُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَلَا زَمَنِ الْإِحْرَامِ، مُبَاحًا. وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِجَوَازِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ. جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبًا عَلَيْهِ السِّوَاكُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْوِتْرُ. عَلَى الصَّحِيحِ

مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْعُدَّةِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ كَتِيلَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وُجُوبُ السِّوَاكِ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُصُولِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي السِّوَاكِ فِي بَابِهِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَا الْفَجْرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ الضُّحَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا غَلَطٌ. وَلَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبًا عَلَيْهِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَلَمْ يُنْسَخْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: نُسِخَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى هُوَ بِحَقٍّ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ فِرَاقِهِ وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ فِي الْقَسْمِ كَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُنُونِ، وَالْفُصُولِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَفِي الْمُنْتَقَى احْتِمَالَانِ. قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفُرِضَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْكَارُ الْمُنْكَرِ إذَا رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فُرِضَ عَلَيْهِ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ إذَا رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَغَيْرِهِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. قُلْت: حَكَى ذَلِكَ قَوْلًا ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: فُرِضَ عَلَيْهِ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ. وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ. وَمُنِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّمْزِ بِالْعَيْنِ، وَالْإِشَارَةِ بِهَا. وَإِذَا لَبِسَ لَأَمَةَ الْحَرْبِ: أَنْ لَا يَنْزِعَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ. وَمُنِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا مِنْ الشِّعْرِ وَالْخَطِّ وَتَعَلُّمِهِمَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ صُرِفَ عَنْ الشِّعْرِ، كَمَا أُعْجِزَ عَنْ الْكِتَابَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْتَمِعَ الصَّرْفُ وَالْمَنْعُ. وَمُنِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ، كَالْأَمَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُصُولِ. وَعَنْهُ: لَمْ يُمْنَعْ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُبَاحُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِلْكُ الْيَمِينِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ مُشْرِكَةً. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ " حُكْمُ الصَّدَقَةِ. وَأُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِصَالُ، وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ. وَأُبِيحَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفِيُّ مِنْ الْغَنَمِ، وَدُخُولُ مَكَّةَ مُحِلًّا سَاعَةً وَجُعِلَتْ تَرِكَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةً. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَرِثُ. وَلَا يَعْقِلُ بِالْإِجْمَاعِ

وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ. وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ. فَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ. وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ فَقَطْ. وَجَوَّزَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ نِكَاحَ مَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ. وَالنَّجِسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي النِّهَايَةِ لِأَبِي الْمَعَالِي، وَغَيْرِهَا: لَيْسَ بِطَاهِرٍ. وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا.

وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْءٌ فِي شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ؛ لِأَنَّهُ نُورَانِيٌّ. وَالظِّلُّ نَوْعُ ظُلْمَةٍ. وَكَانَتْ تَجْتَذِبُ الْأَرْضُ أَثَفَالَهُ. انْتَهَى. وَسَاوَى الْأَنْبِيَاءَ فِي مُعْجِزَاتِهِمْ. وَانْفَرَدَ بِالْقُرْآنِ، وَالْغَنَائِمِ. وَجُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَتُرَابُهَا طَهُورًا، وَالنَّصْرُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. وَبُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَكُلُّ نَبِيٍّ إلَى قَوْمِهِ. وَمُعْجِزَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَانْقَطَعَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ. وَتَنَامُ عَيْنَيْهِ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ. فَلَا نَقْضَ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. وَيَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ أَمَامِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: هَذِهِ الرُّؤْيَةُ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتُلَ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ. وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. وَالدَّفْنُ بِالْبُنْيَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ " لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا ". وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ «وَيُدْفَنُ الْأَنْبِيَاءُ حَيْثُ يَمُوتُونَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِي: لِئَلَّا تَمَسَّهُ أَيْدِي الْعُصَاةِ وَالْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] لَا تُهْدِ لِتُعْطَى أَكْثَرَ: هَذَا الْأَدَبُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خُصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَاجِبَاتٍ، وَمَحْظُورَاتٍ، وَمُبَاحَاتٍ، وَكَرَامَاتٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ خُصَّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كَانَ خَاصًّا بِهِ. كَذَا أَجَابَ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَاتَهُ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ كَصَلَاتِهِ قَائِمًا خَاصٌّ بِهِ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَبِيٍّ مَالٌ، أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ. وَقِيلُ الْقَاضِي: الزَّكَاةُ طُهْرَةٌ، وَالنَّبِيُّ مُطَهِّرٌ؟ قَالَ: بَاطِلٌ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، ثُمَّ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مُطَهَّرُونَ. وَلَوْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ لَزِمَتْهُمْ الزَّكَاةُ

باب أركان النكاح وشروطه

[بَابُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ] ِ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إلَّا بِلَفْظِ " النِّكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ") (وَالْقَبُولُ، أَنْ يَقُولَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ) أَوْ هَذَا التَّزْوِيجَ. وَمِنْ أَلْفَاظِ صِيَغِ الْقَبُولِ " تَزَوَّجْتهَا ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ " أَوْ رَضِيت هَذَا النِّكَاحَ ". اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، لَا غَيْرُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ أَيْضًا. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ مِنْ جَعْلِهِ عِتْقَ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ الْخَاطِبِ وَالْوَلِيِّ " نَعَمْ " فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْمُتَخَاطِبِينَ، لَفْظٌ صَرِيحٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْعَقِدُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا، بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ وَفِعْلٍ كَانَ. قَالَ: وَمِثْلُهُ كُلُّ عَقْدٍ. وَقَالَ: الشَّرْطُ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُّوهُ شَرْطًا. فَالْأَسْمَاءُ: تُعْرَفُ حُدُودُهَا تَارَةً بِالشَّرْعِ، وَتَارَةً بِاللُّغَةِ، وَتَارَةً بِالْعُرْفِ. وَكَذَلِكَ الْعُقُودُ. انْتَهَى. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ، فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ". قَالَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيَاسُ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ. فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ " جَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك " وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ

إنْكَاحٌ " وَ " لَا تَزْوِيجٌ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ خَصَّهُ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ. وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ " ابْنُ حَامِدٍ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ، لِسَبَبِ انْتِشَارِ كُتُبِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ بِمَا تَعَارَفَاهُ نِكَاحًا، مِنْ هِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَنَحْوِهِمَا، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك ". قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ تَخْصِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا قَوْلَهُ " إذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ ". ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي صِحَّتِهِ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَنَحْوِهَا رِوَايَتَيْنِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي الْخَصَائِصِ، مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا؟ . انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا " قَبِلْت تَجْوِيزَهَا " بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ؟ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " جَوْزَتِي طَالِقٌ " فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. انْتَهَى. قُلْت: يُكْتَفَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ " قَبِلْت " عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَكُونُ هَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ " زَوَّجْتُك فُلَانَةَ " بِفَتْحِ التَّاءِ: هَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ؟ تَوَقَّفَ فِيهَا نَاصِحُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أَبِي الْفَهْمِ. وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَرَّقَ بَيْنَ الْعَارِفِ بِاللُّغَةِ وَالْجَاهِلِ، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ

إنْ دَخَلْت الدَّارَ " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا. مِنْهُمْ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ. وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِصِحَّتِهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَصِحُّ جَهْلًا أَوْ عَجْزًا. وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي أَوَائِلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " يُتَوَجَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمِثْلِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " كُلَّمَا قُلْت لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَائِلِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتَ طَالِقٌ " بِفَتْحِ التَّاءِ. وَهَذِهِ حَادِثَةٌ وَقَعَتْ بِحَرَّانَ زَمَنَ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ، فَسَأَلَ عَنْهَا الْعُلَمَاءَ. ذَكَرَهَا فِي النَّوَادِرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ هَازِلٍ أَوْ مُلْجَأٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ، فِيمَا إذَا عَلَّقَ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطٍ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: إنَّمَا قَالَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ لِيُخْرِجُوا الشُّرُوطَ الْحَاضِرَةَ وَالْمَاضِيَةَ. مِثْلَ قَوْلِهِ " زَوَّجْتُك هَذَا الْمَوْلُودَ إنْ كَانَ أُنْثَى " أَوْ " زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ " أَوْ " إنْ كُنْت وَلِيَّهَا " وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ شَاقِلَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَوْجُودٌ إذَا اللَّهُ شَاءَهُ، حَيْثُ اسْتَجْمَعْت أَرْكَانَهُ وَشُرُوطَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ شِئْت " فَقَالَ " قَدْ شِئْت وَقَبِلْت "

فَإِنَّهُ يَصِحُّ. لِأَنَّهُ شَرْطُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا صَدَرَ كَانَ الْقَبُولُ إلَى مَشِيئَةِ الْقَابِلِ مُقَارَنَةً لِلْقَبُولِ. وَلَا يَتِمُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ. انْتَهَى قَوْلُهُ (بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَهُ بِغَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا، وَقَالَ: هُوَ أَقْيَسُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ: لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهُمَا. وَيَنْعَقِدُ بِلِسَانِهِ بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ لَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَالْوَجِيزِ. وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ " قَبِلْت " أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ

أَزَوَّجْت؟ " قَالَ " نَعَمْ " وَلِلْمُتَزَوِّجِ " أَقَبِلْت؟ " قَالَ " نَعَمْ " صَحَّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَنَصَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ؛ لِعَدَمِ لَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " وَ " التَّزْوِيجِ ". وَاخْتَارَ الصِّحَّةَ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ " قَبِلْت " دُونَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ " نَعَمْ " فِي الْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَوْجَبَ النِّكَاحَ، ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ الْقَبُولِ: بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَوْتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَوْجَبَهُ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ: فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَيُتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ. الثَّانِيَةُ: يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا بِكِتَابَةٍ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ إلَّا بِلَفْظِ " الْإِنْكَاحِ " مُرَادُهُمْ: الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ. فَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ الْمُطْلَقِ: فَيَصِحُّ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ: فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَظْهَرُ الْمَنْعُ مَعَ حُضُورِهِ، وَالصِّحَّةُ مَعَ غَيْبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ: رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفَائِقِ إذَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، أَوْ الْأَمْرِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَإِنْ يَتَقَدَّمْ لَمْ نُصَحِّحْهُ بَتَّةً ... وَلَوْ صَحَّحُوا تَقْدِيمَهُ لَمْ أُبْعِدْ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ لَوْ قَالَ " زَوِّجْنِي " فَقَالَ " زَوَّجْتُك " أَوْ قَالَ لَهُ الْوَلِيُّ " تَزَوَّجْت " فَقَالَ " تَزَوَّجْت " صَحَّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ إذَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاخَى عَنْهُ: صَحَّ، مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) يَعْنِي: فِي الْعُرْفِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ: بَطَلَ الْإِيجَابُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ. وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ مَعَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخَذْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي رَجُلٍ مَشَى إلَيْهِ قَوْمٌ، فَقَالُوا " زَوِّجْ فُلَانًا " فَقَالَ " قَدْ زَوَّجْته عَلَى أَلْفٍ " فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ، فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ " قَدْ قَبِلْت " هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَشْكَلَ هَذَا النَّصُّ عَلَى الْأَصْحَابِ. فَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ. قَالَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَكَّلَ مِنْ قِبَلِ الْعَقْدِ عَنْهُ، ثُمَّ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَأَمْضَاهُ. وَرَدَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ تُعْطِي أَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ صَحِيحٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ أَحْسَنَ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ تَرَاخِيًا لِلْقَبُولِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاخٍ لِلْإِجَازَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) . لَوْ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَوْجَبَ لَهُ النِّكَاحَ فِي غَيْرِهَا، فَقَبِلَ يَظُنُّهَا مَخْطُوبَتَهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِذَا قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي، وَلَهُ بَنَاتٌ: لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا، أَوْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ لَوْ عَيَّنَا فِي الْبَاطِنِ وَاحِدَةً، وَعَقَدَا عَلَيْهَا الْعَقْدَ بِاسْمٍ غَيْرِ مُتَمَيِّزٍ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ " بِنْتِي " وَلَهُ بَنَاتٌ، أَوْ يُسَمِّيهَا بِاسْمٍ وَيَنْوِيهَا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُسَمَّاةٍ. فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: الصِّحَّةَ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْبُطْلَانَ؛ وَمَأْخَذُهُ: أَنَّ النِّكَاحَ يُشْتَرَطُ لَهُ الشَّهَادَةُ. وَيَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّيَّةِ.

وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ: إنْ كَانَتْ الْمُسَمَّاةُ غَلَطًا: لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا لِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ: صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا الْأَبُ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) اعْلَمْ أَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ عَشْرَ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ هُمْ دُونَ الْبُلُوغِ، وَالْكِبَارُ الْمَجَانِينُ: فَلَهُ تَزْوِيجُهُمْ، سَوَاءٌ أَذِنُوا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَضُوا أَمْ لَا، بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إجْبَارِ مُرَاهِقٍ عَاقِلٍ نَظَرٌ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ إجْبَارِهِ. وَقِيلَ: لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمُرَاهِقِ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْحَاجَةِ مُطْلَقًا، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُحْتَمَلُ فِي ابْنِ تِسْعٍ يُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَأُنْثَى أَوْ كَعَبْدٍ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَثَيِّبٍ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلَا مَصْلَحَةَ لَهُ، وَإِذْنُهُ ضَيِّقٌ، لَا يَكْفِي صَمْتُهُ. وَقِيلَ: لَا يُزَوِّجُ لَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ الْمَجْنُونُ الْبَالِغُ بِحَالٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ.

وَقِيلَ: يُجْبِرُهُ مَعَ الشَّهْوَةِ، وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا الْحَاكِمُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: تَقْدِيمُ الْحَاكِمِ عَلَى الْأَبِ قَوْلٌ سَاقِطٌ. وَيَأْتِي هَلْ لِوَصِيِّ الصَّغِيرِ الْإِجْبَارُ؟ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ ". فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنَّ تَزْوِيجَ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ لَيْسَ بِإِجْبَارٍ. إنَّمَا الْإِجْبَارُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ إذْنٌ وَاخْتِيَارٌ. انْتَهَى. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ لَمْ يَجُزْ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَمِنْهَا: لَيْسَ لِلِابْنِ الصَّغِيرِ إذَا زَوَّجَهُ الْأَبُ خِيَارٌ إذَا بَلَغَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ. وَمِنْهَا: لِلْأَبِ قَبُولُ النِّكَاحِ لِلْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ. وَلَهُ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَى الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنْ صَحَّ بَيْعُهُ وَطَلَاقُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَصِحُّ قَبُولُ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ تَفْوِيضِ الْقَبُولِ إلَيْهِ. وَمِنْهَا: حَيْثُ قُلْنَا: يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، فَيَكُونُ بِوَاحِدَةٍ. وَفِي أَرْبَعٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُزَوِّجْهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِأَرْبَعٍ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ: إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً. وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَيَأْتِي حُكْمُ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَزْوِيجِهِمْ لَهُمَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ الْعَاقِلُونَ الْبَالِغُونَ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُمْ. يَعْنِي بِغَيْرِ إذْنِهِمْ بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا. فَفِي إجْبَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْبُلْغَةِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْت: الْأَوْلَى الْإِجْبَارُ، إنْ كَانَ أَصْلَحَ لَهُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ الْحَجْرِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. فَلْيُرَاجَعْ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَرِضَاهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَزْيَدُ، إلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ: لَهُ تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إلَّا بِإِذْنِهَا. قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَغَيْرِهِمْ.

وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَدَمَ إجْبَارِ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَلَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِإِذْنِهَا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَهُوَ الْأَقْوَى. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ، لَهُ إجْبَارُهَا أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، حَيْثُ قَالَ " وَبَنَاتُهُ الْأَبْكَارُ ". وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَتُجْبَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِكْرٌ بَالِغَةٌ. وَعَنْهُ: لَا يُجْبِرُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ إذْنُهَا. وَكَذَا إذْنُ أُمِّهَا. قَالَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. السَّادِسَةُ: الْبِكْرُ الْمَجْنُونَةُ: لَهُ إجْبَارُهَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَهُ إجْبَارُهَا إنْ كَانَ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِلَافِ لِأَبِي بَكْرٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ وَلِيُّهَا الْحَاكِمَ فَلَهُ تَزْوِيجُهَا فِي وَجْهٍ إذَا اشْتَهَتْهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهَا غَيْرَ الْحَاكِمِ وَالْأَبِ: زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ. وَقِيلَ: بَلْ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا " لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إلَى الرِّجَالِ ". السَّابِعَةُ: الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ الْكَبِيرَةُ، لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ إجْبَارُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُغْنِي: وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقِيلَ: لَا تُجْبَرُ أَلْبَتَّةَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. الثَّامِنَةُ: الثَّيِّبُ الْعَاقِلَةُ الَّتِي لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. قُلْت: فَعَلَى هَذَا: لَا تُزَوَّجُ أَلْبَتَّةَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ. فَيَثْبُتُ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ. التَّاسِعَةُ: الثَّيِّبُ الْعَاقِلَةُ الَّتِي لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ تَبْلُغْ. فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ إجْبَارِهَا وَجْهَيْنِ. وَهُمَا كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدِ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

مِنْهُمْ: ابْنُ بَطَّةَ، وَصَاحِبُهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُسْلِمِ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ إجْبَارُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ. الْعَاشِرَةُ: الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ، لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا بِلَا نِزَاعٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ، فِي قَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَصِحَّ، إلَّا الْأَبُ لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ لَهُ الْإِجْبَارُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةَ: أَنَّ الْجَدَّ يُجْبِرُ كَالْأَبِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لِلصَّغِيرَةِ، بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ: إذْنُ صَحِيحَةٍ مُعْتَبَرَةٍ. حَيْثُ قُلْنَا: لَا تُجْبَرُ، أَوْ تُجْبَرُ لِأَجْلِ اسْتِحْبَابِ إذْنِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَابْنُ هَانِئٍ، وَالْمَيْمُونِيُّ، وَالْأَثْرَمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَجَامِعِهِ، وَمُجَرَّدِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَتَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَنَصَبَهُمَا الشِّيرَازِيُّ لِلْخِلَافِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، فِي التَّحْقِيقِ. نَقَلَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: نَقَلَهُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا، وَأَشْهَرُهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ فِي التَّسْهِيلِ: وَإِذْنُ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ رِوَايَةَ: لَا إذْنَ لَهَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهَا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: بِإِجْبَارِ الْمَرْأَةِ وَلَهَا إذْنٌ، أُخِذَ بِتَعَيُّنِهَا كُفُؤًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إنْ أَرَادَتْ الْجَارِيَةُ رَجُلًا، وَأَرَادَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُ: اتَّبَعَ هَوَاهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً غَيْرَ مُجْبَرَةٍ.

وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً ". قَوْلُهُ (وَالسَّيِّدُ لَهُ تَزْوِيجُ إمَائِهِ الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْبَرُ الْأَمَةُ الْكَبِيرَةُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا تُجْبَرُ الْأَمَةُ الْكَبِيرَةُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَيْسَ بِمَالٍ. لَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ هُنَا: غَيْرُ الْمُكَاتَبَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ وَجْهٌ: لَهُ إجْبَارُهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ نِصْفُ الْأَمَةِ حُرًّا، وَنِصْفُهَا رَقِيقًا: لَمْ يَمْلِكْ مَالِكُ الرِّقِّ إجْبَارَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارَهَا. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ وَهْمٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ بَعْضُهَا مُعْتَقًا: اُعْتُبِرَ إذْنُهَا وَإِذْنُ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لِاثْنَيْنِ. وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " زَوَّجْتُكهَا " وَلَا يَقُولُ " زَوَّجْتُك بَعْضَهَا ". قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ وَالتَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.

قَوْلُهُ (وَعَبِيدُهُ الصِّغَارُ) يَعْنِي: لَهُ تَزْوِيجُهُمْ (بِغَيْرِ إذْنِهِمْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إجْبَارَهُمْ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةً. وَهُوَ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهٌ. وَالْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ) . يَعْنِي الْعَاقِلَ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُهُمْ كَبِيرَةً إلَّا بِإِذْنِهَا إلَّا الْمَجْنُونَةَ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إلَى الرِّجَالِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا الْحَاكِمُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجْهًا: يُجْبِرُهَا الْحَاكِمُ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ إلَّا الْحَاكِمَ: زَوَّجَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُجْبِرُ حَاكِمٌ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا، إنْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ عِلَّتَهَا تَزُولُ بِتَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا. الثَّانِيَةُ: تُعْرَفُ شَهْوَتُهَا مِنْ كَلَامِهَا، وَمِنْ قَرَائِنِ أَحْوَالِهَا، كَتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمَيْلِهَا إلَيْهِمْ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: إنْ احْتَاجَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ، وَالْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، الْبَالِغُ إلَى النِّكَاحِ: زَوَّجَهُمَا الْحَاكِمُ بَعْدَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَجْنُونِ. وَظَاهِرُ الْإِيضَاحِ: لَا يُزَوِّجُهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجَا إلَيْهِ. فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ الْمَجْنُونِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقِيلَ: يُزَوِّجُهُمَا الْحَاكِمُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فِي الْمَجْنُونِ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهُمَا: أَلْحَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِالْحَاكِمِ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْخِلَافُ مَعَ عَدَمِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مَخْصُوصَةٌ بِالْحَاكِمِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُهُ إذَا قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إنَّ فِي ذَلِكَ ذَهَابَ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ. الثَّانِي: الْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقُ الْحَاجَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَاجَةُ لِلنِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الْحَاجَةَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرِهِ: الْحَاجَةُ هُنَا هِيَ الْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالنَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ. فَعَلَيْهَا: يُفِيدُ الْحِلَّ وَالْإِرْثَ وَبَقِيَّةَ أَحْكَامِ النِّكَاحِ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يُفِيدُ الْإِرْثَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: لَا يُفِيدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ بِإِذْنِهَا. اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ ابْنَةِ تِسْعٍ: هَلْ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ، الْمَنْصُوصَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهَا إذْنَ مُعْتَبَرَةٍ. فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَلِغَيْرِهِمَا تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَدْ بُنِيَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ هَذَا الْخِلَافُ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ابْنَةِ تِسْعٍ: هَلْ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ أَمْ لَا؟ كَمَا تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: عَدَمُ الْبَقَاءِ، حَيْثُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ هُنَاكَ. وَقَدَّمُوا هُنَا عَدَمَ تَزْوِيجِهِمْ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَهُمْ تَزْوِيجُهَا. كَالْحَاكِمِ. فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مُوَافِقًا. بَلْ صَرَّحَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَصَالِحِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى مُوَافِقٍ. وَلَعَلَّهُ " كَالْأَبِ " فَسَبَقَ الْقَلَمُ. وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا نَصْرُ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِمَا. وَذَكَرَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. تَنْبِيهٌ آخَرُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ " الْبُلُوغَ الْمُعْتَادَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ بُلُوغُ تِسْعِ سِنِينَ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ.

قَوْلُهُ (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ: الْكَلَامُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. (وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَلَكِنْ نُطْقُهَا أَبْلَغُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ النُّطْقُ فِي غَيْرِ الْأَبِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَسْأَلَةِ إجْبَارِ الْبَالِغَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْذَانِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ الْمَعْرِفَةُ بِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنَى فِي تَعْلِيقِهِ: لَا تُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ عَلَى رِضَى الْمَرْأَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي الْمَذْهَبِ خِلَافٌ شَاذٌّ: يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا. انْتَهَى. وَإِنْ ادَّعَتْ الْإِذْنَ، فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ: صُدِّقَتْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ) . أَمَّا الْوَطْءُ الْمُبَاحُ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ بِهِ. وَأَمَّا الْوَطْءُ بِالزِّنَا وَذَهَابِ الْبَكَارَةِ بِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْوَطْءِ الْمُبَاحِ فِي اعْتِبَارِ الْكَلَامِ فِي إذْنِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى، إنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ، وَلَوْ بِزِنًا. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ. قُلْت: لَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ: إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِإِصْبَعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ. فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ) وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ. فَيُعْتَبَرُ النُّطْقُ فِي الْكُلِّ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ ذَهَبَتْ بَكَارَتُهَا بِإِصْبَعٍ أَوْ وَثْبَةٍ، وَبَيْنَ مَنْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا مُطَاوِعَةً فَيَكْفِي الصَّمْتُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ حَكَمْنَا بِالثُّيُوبَةِ، لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ: لَمْ يُزَلْ حُكْمُ الثُّيُوبَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْحَاكِمِ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثُّيُوبَةِ حَاصِلٌ لَهَا. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَحَلُّ وِفَاقٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ضَحِكَتْ الْبِكْرُ، أَوْ بَكَتْ: كَانَ كَسُكُوتِهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: فَإِنْ بَكَتْ كَارِهَةً فَلَا. إلَّا أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً. انْتَهَى قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّ الْبُكَاءَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَتَارَةً يَكُونُ لِشِدَّةِ الْغَضَبِ، وَعَدَمِ الرِّضَى بِالْوَاقِعِ. فَإِنْ اشْتَبَهَ فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا إلَى دَمْعِهَا. فَإِنْ كَانَ مِنْ السُّرُورِ كَانَ بَارِدًا. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحُزْنِ كَانَ حَارًّا. ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَمَ {وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم: 26] . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يُمْكِنُهَا النُّطْقُ إذَا كَرِهَتْ.

قُلْنَا: وَكَانَ يُمْكِنُهَا النُّطْقُ بِالْإِذْنِ إذَا رَضِيَتْ. وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَطْبُوعَةً عَلَى الْحَيَاءِ فِي النُّطْقِ: عَمَّ الرِّضَى وَالْكَرَاهَةَ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ. فَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي: الْوَلِيُّ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ: لَيْسَ الْوَلِيُّ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا. وَخَصَّهَا الْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ بِالْعُذْرِ؛ لِعَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ (لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، أَوْ غَيْرَهَا: لَمْ يَصِحَّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: أَنَّ لَهَا أَنْ تَأْمُرَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا. وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: لَمْ يُثْبِتْهَا الْقَاضِي، وَمَنَعَهَا. وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ لَفْظَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي أَخْذِ رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا نَظَرٌ، لَكِنْ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى إثْبَاتِهَا. قَوْلُهُ (فَيَخْرُجُ مِنْهُ: صِحَّةُ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا. وَتَزْوِيجِ غَيْرِهَا بِالْوَكَالَةِ) . يَعْنِي: عَلَى رِوَايَةِ " أَنَّ لَهَا تَزْوِيجَ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا ". وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَجْدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا التَّخْرِيجُ غَلَطٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ عَنْ هَذَا التَّخْرِيجِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَفَرَّقَ الْقَاضِي وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى رِوَايَةِ تَزْوِيجِ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا بَيْنَ تَزْوِيجِ

أَمَتِهَا وَتَزْوِيجِ نَفْسِهَا وَغَيْرِهَا، بِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَلَى الْمِلْكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ. بِدَلِيلِ تَزْوِيجِ الْفَاسِقِ مَمْلُوكَتَهُ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُزَوِّجُ أَمَتَهَا بِإِذْنِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُهَا أَيْ رَجُلٌ أَذِنَتْ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا: فَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا خَاصَّةً. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ، ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ زَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَهُوَ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْبُطْلَانُ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِيهِ. وَعَلَيْهِ فِرَاقُهَا. فَإِنْ أَبَى، فَسَخَهُ الْحَاكِمُ. فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ: لَمْ يُنْقَضْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ. خَرَّجَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَهَلْ يَثْبُتُ بِنَصٍّ فَيُنْتَقَضُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْوَسِيلَةِ رِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ (وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا وَمُعْتَقَتِهَا) . أَنَّ الْمُعْتَقَةَ كَالْأَمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي الْحَجَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: لَا تَلِي نِكَاحَ الْمُعْتَقَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْأَوْلَى: إنْ طَلَبَتْ وَأَذِنَتْ زَوَّجَتْهَا. فَلَوْ عَضَلَتْ زَوَّجَ وَلِيُّهَا. لَكِنْ فِي إذْنِ السُّلْطَانِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ إذْنِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُزَوِّجُهَا بِدُونِ إذْنِهَا أَقْرَبُ عَصَبَتِهَا، ثُمَّ السُّلْطَانُ. وَيُجْبِرُهَا مَنْ يُجْبِرُ سَيِّدَتَهَا. قُلْت: الْأَوْلَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ لَا تُجْبَرَ الْمُعْتَقَةُ الْكَبِيرَةُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْمُعْتَقَةُ فِي الْمَرَضِ، هَلْ يُزَوِّجُهَا قَرِيبُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ: يَمْلِكُ إجْبَارَهَا مَنْ يَمْلِكُ إحْبَارَ سَيِّدَتِهَا الَّتِي أَعْتَقَتْهَا. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَبِيرَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ فِي تَزْوِيجِ الْمُعْتَقَةِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: أَبُوهَا. ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا. ثُمَّ ابْنُهَا. ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ وَابْنُهُ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَى فِي تَعْلِيقِهِ. وَأَخَذَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ " الْعَصَبَةُ فِيهِ: مَنْ أَحْرَزَ الْمَالَ ". وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ عَلَيْهَا تَقْدِيمُ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ. وَعَنْهُ سَوَاءٌ. وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ رِوَايَةً ثَالِثَةً بِتَقْدِيمِ الْجَدِّ عَلَى الْأَخِ، عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا بِتَسَاوِي الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ وَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ اسْتِوَاءِ الْأَخِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا. ثُمَّ لِأَبِيهَا) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ، وَالْأَعْمَامِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبِ، وَأَوْلَادِهِمْ. وَهَلُمَّ جَرًّا. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَا ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ: فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَلَا مَزِيَّةَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِانْفِرَادِهَا بِالْإِرْثِ. وَزَادَ قَوْلُ الْقَاضِي. وَهُوَ كَمَا قَالَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ. ثُمَّ عَصَبَاتُهُ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو الْمُعْتِقَةِ عَلَى ابْنِهَا فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا وَعَتِيقَتِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: مَنْ أَسْلَمَتْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ السُّلْطَانِ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: السُّلْطَانُ هُنَا: هُوَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِذَا اسْتَوْلَى أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ جَرَى حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ وَالِي الْبَلَدِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَاضِي. لَكِنْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى حَمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا. وَمِنْهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ. فَعَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ مِنْ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا. حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. قُلْت: وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ مَعَ خَوْفِ الزِّنَا. وَعَنْهُ: وَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرُهُ يُزَوِّجُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالصَّحِيحُ مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ: يُزَوِّجُهَا ذُو السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَالْعَضِلِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ، وَكَّلَتْ. وَعَنْهُ: ثُمَّ عَدْلٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْأَمَةُ: فَوَلِيُّهَا سَيِّدُهَا) . هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا، أَوْ مُكَاتَبًا.

وَتَقَدَّمَ: أَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُجْبِرَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لِامْرَأَةٍ: فَوَلِيُّهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا عِبَارَةَ لَهَا فِي النِّكَاحِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ: الْحُرِّيَّةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلِيَ عَلَى ابْنَتِهِ. ثُمَّ جَوَّزَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ احْتِمَالًا بِالصِّحَّةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَلْ لِلْعَبْدِ وِلَايَةٌ عَلَى قَرَابَتِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ وَلِيًّا. قَوْلُهُ (وَالذُّكُورِيَّةُ) . وَهُوَ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: هَلْ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَاتِّفَاقُ الدِّينِ) . يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ. بِحَالٍ وَعَكْسُهُ " قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . أَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْخِلَافَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي.

إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْأَثْرَمِ، وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَحَرْبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ نَقْلًا وَاخْتِيَارًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ أَوْلَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. فَعَلَيْهَا: يَصِحُّ تَزْوِيجُ ابْنِ عَشْرٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا بَلَغَ عَشْرًا: زَوَّجَ وَتَزَوَّجَ. قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَعَنْهُ: اثْنَيْ عَشَرَ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يُشْتَرَطُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْأَزَجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْفُرُوعِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الْفَاسِقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطِّفْلَ، وَالْعَبْدَ، وَالْكَافِرَ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَاسِقَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَمَلَ صَاحِبُ التَّصْحِيحِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ: فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ. أَمَّا السُّلْطَانُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَزْوِيجِهِ الْعَدَالَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَجْرَى أَبُو الْخَطَّابِ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: اُشْتُرِطَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ: الرُّشْدُ فِي الْوَلِيِّ. وَاشْتُرِطَ فِي الْوَاضِحِ: كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْمَصَالِحِ، لَا شَيْخًا كَبِيرًا جَاهِلًا بِالْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الرُّشْدُ " هُنَا: هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِالْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ لَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ. فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسْبِهِ. وَاشْتَرَطَ فِي الرِّعَايَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مُفَرِّطًا فِيهَا، وَلَا مُقَصِّرًا. وَمَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَضْلَ مَانِعًا، وَإِنْ لَمْ يَفْسُقْ لِعَدَمِ الشَّفَقَةِ. وَشَرْطُ الْوَلِيِّ الْإِشْفَاقُ.

الثَّانِيَةُ: لَا تَزُولُ الْوِلَايَةُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْعَمَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْعَمَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَزُولُ بِذَلِكَ. وَلَا تَزُولُ بِالسَّفَهِ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ جُنَّ أَحْيَانًا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَرَضٍ، أَوْ أَحْرَمَ: انْتَظَرَ زَوَالَ ذَلِكَ. نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ فِي الْمَجْنُونِ. وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُمْ بِطَرَيَانِ ذَلِكَ. وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ وَكِيلٌ، ثُمَّ حَلَّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ جُنَّ مُتَفَرِّقًا، أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَحْرَمَ: فَهَلْ الْأَبْعَدُ أَوْلَى، أَوْ الْحَاكِمُ، أَوْ هُوَ فَيُنْتَظَرُ فَيَبْقَى وَكِيلُهُ؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. وَكَذَا يَخْرُجُ لَوْ تَوَكَّلَ الْمُحِلُّ ثُمَّ أَحْرَمَ. ثُمَّ حَلَّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: " الْعَضْلُ " مَنْعُ الْمَرْأَةِ التَّزَوُّجَ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ، وَرَغِبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ طَلَبَتْ ذَلِكَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ دُونَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ " إذَا اخْتَارَتْ كُفُؤًا وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الَّذِي اخْتَارَتْهُ. " فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهِ. كَانَ عَاضِلًا " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ إمَائِهِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ: إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا، لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً: زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي. وَخَرَّجَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ عَضْلِ الْوَلِيِّ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً: فَإِنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، مُدَّعِيًا أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، حَيْثُ قَالَ: زَوَّجَهَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ مِنْ عَصَبَتِهَا قَوْلُهُ (وَهِيَ مَا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ، أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ، كَمَنْ هُوَ فِي أَقْصَى الْهِنْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا يُحْتَمَلُ لِبُعْدِهِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَيُحْتَمَلُ: وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا. فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْعَاضِلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: مَا لَا تَقْطَعُهُ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، كَسَفَرِ الْحِجَازِ. وَتَبِعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ: زَوَّجَ الْأَبْعَدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحَدَّهَا أَبُو الْخَطَّابِ بِمَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ بَعِيدًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ زَوَّجَ الْأَخُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ الْبُعْدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَأَطْلَقَ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَا تَسْتَضِرُّ بِهِ الزَّوْجَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: مَا يَفُوتُ بِهِ كُفْءٌ رَاغِبٌ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: مَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَالْمَأْسُورِ، وَالْمَحْبُوسِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَعِيدِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ، مِنْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْعَزْلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، بِخِلَافِ هَذَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ شَرْطَ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ: الْغَيْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ: أَقَرِيبٌ هُوَ، أَمْ بَعِيدٌ؟ لَمْ يُزَوِّجْ الْأَبْعَدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ وَالْحَالُ هَذِهِ. كَذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ لَا يَأْبَاهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مَجْهُولًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ، ثُمَّ عَرَفَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَوْ زُوِّجَتْ بِنْتُ الْمُلَاعَنَةِ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهَا الْأَبُ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْأَقْرَبِ، حَتَّى زَوَّجَ الْأَبْعَدُ: خَرَّجَهَا فِي الْكَافِي عَلَى رِوَايَتَيْ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ. وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَشَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ ابْنَ رَجَبٍ الصِّحَّةَ هُنَا. وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فَاسِقًا، أَوْ مَجْنُونًا. وَعَادَتْ وِلَايَتُهُ بِزَوَالِ الْمَانِعِ. فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِعَوْدِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ. وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ بِالْأَقْرَبِ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّسِيبَ الْأَقْرَبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُنْسَبْ الْأَبْعَدُ إلَى تَفْرِيطٍ. فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ. فَسَقَطَ الِاسْتِئْذَانُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ. فَالْأَبْعَدُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ فِيهِ مَانِعٌ وَزَالَ. فَإِنَّ الْأَبْعَدَ يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ، إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ حَالِ الْأَقْرَبِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ) . يَعْنِي: لَا يَكُونُ وَلِيًّا لَهَا (إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ) وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ، غَيْرَ نَحْوِ أُمِّ وَلَدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلِيهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَلِي نِكَاحَ مُكَاتَبَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ لَمْ أَرَ قَوْلًا صَرِيحًا بِالْفَرْقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَوْ صَرِيحُهُ: أَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وِلَايَةِ فَاسِقٍ يَلِيهِ عَلَيْهَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَلِيهِ: فَهَلْ يُبَاشِرُهُ وَيَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ؟ أَوْ يُبَاشِرُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ. أَوْ يُبَاشِرُهُ حَاكِمٌ بِإِذْنِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُنَّ: يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِي: يَعْقِدُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ. وَالثَّالِثُ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِإِذْنِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَعْقِدُ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَقْدَ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ. وَقِيلَ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

قَوْلُهُ (وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اتِّحَادٍ بَيْنَهُمْ أَوْ تَبَايُنِهِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ كَوْنِ النَّصْرَانِيِّ يَلِي نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ وَعَكْسِهِ وَجْهَيْنِ، مِنْ تَوَارُثِهِمَا وَقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ: هَلْ هُوَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. أَحَدُهُمَا: يَلِيهِ. أَعْنِي: يَكُونُ وَلِيًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ بَلْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَذْهَبُ، لِلنَّصِّ عَنْ الْإِمَامِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ التَّزْوِيجَ، وَيَعْقِدَ النِّكَاحَ بِنَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُبَاشِرُهُ، وَيَعْقِدُهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ.

وَقِيلَ: يُبَاشِرُهُ الْحَاكِمُ بِإِذْنِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَعْقِدُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَإِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا يَلِي مَالَهَا عَلَى قِيَاسِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي شَهَادَتِهِمْ: يَلِي مَالَهَا، عَلَى قِيَاسِهِ. وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الْمُنَى فِي وِلَايَةِ الْفَاسِقِ: لَا يَلِي عَلَى مَالِهَا كَافِرٌ، إلَّا عَدْلٌ فِي دِينِهِ. وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ، فَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْقَدْحِ فِي نَسَبِ نَبِيٍّ، أَوْ وَلِيٍّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْمَالِ. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الذِّمِّيِّ، إذَا كَانَ وَلِيًّا: الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ، أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ. وَلَا نَظَرَ لِلْحَاكِمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالْإِجَازَةِ. فَإِنْ أَجَازَهُ، وَإِلَّا صَارَ عَاضِلًا، فَيُجِيزُهُ الْحَاكِمُ. أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَشْبَاهَهُمَا: حُكْمُهُمَا حُكْمُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ تَزَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَقِيلَ: هُوَ كَفُضُولِيٍّ. فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ هُنَا. قَوْلًا وَاحِدًا كَذِمَّتِهِ. قُلْت: وَهِيَ بِمَسْأَلَةِ الْفُضُولِيِّ أَقْرَبُ. فَتَلْحَقُ بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، عَلَى الصَّحِيحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ مُوَلِّيَتَهُ الَّتِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. فَهُوَ كَزَوَاجِ الْأَجْنَبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي النِّكَاحِ، وَجَوَازُ تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُجْبِرًا أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ، أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِإِذْنِ الزَّوْجَةِ وَبِغَيْرِ إذْنِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَا يُوَكَّلُ غَيْرُ مُجْبِرٍ بِلَا إذْنِهَا، إلَّا الْحَاكِمَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، فَتَنَاقَضَ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: هَذِهِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَا: مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِجْبَارُ يَكُونُ كَالْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ مَنَعْت الْوَلِيَّ مِنْ التَّوْكِيلِ: امْتَنَعَ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا وَغَيْرُهُ.

وَقِيلَ: لَا يُوَكَّلُ مُجْبِرٌ أَيْضًا بِلَا إذْنِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا إذْنُ مُعْتَبَرَةٍ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا. فَالْمُطَلَّقُ: مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَزْوِيجِ مَنْ يَرْضَاهُ، أَوْ مَنْ يَشَاءُ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُقَيَّدُ: مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَزْوِيجِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ لِغَيْرِ الْمُجْبِرِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ لِلْمُجْبِرِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ الْإِجْبَارُ: ثَبَتَ لِوَكِيلِهِ. وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ وِلَايَةَ مُرَاجَعَةٍ: احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى إذْنِهَا وَمُرَاجَعَتِهَا فِي زَوَاجِهَا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ. فَيَثْبُتُ لَهُ مِثْلُ مَا يَثْبُتُ لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي السُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ يَأْذَنُ لِغَيْرِهِ فِي التَّزْوِيجِ. فَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ: وَاَلَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ لِلْوَكِيلِ: هُوَ غَيْرُ مَا يُوَكِّلُ فِيهِ الْمُوَكِّلُ. بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إذْنِهَا فِي التَّزْوِيجِ. فَهُوَ كَالْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. الثَّالِثَةُ: يُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الْوَلِيِّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ نَفْسِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ فَاسِقًا وَنَحْوَهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: يَصِحُّ تَوْكِيلُ فَاسِقٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الزَّوْجِ عَدَالَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هُوَ أَوْلَى. وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، إلَّا ابْنَ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَكَالَةِ. الرَّابِعَةُ: يَتَقَيَّدُ الْوَلِيُّ وَوَكِيلُهُ الْمُطْلَقُ بِالْكُفْءِ إنْ اُشْتُرِطَتْ الْكَفَاءَةُ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. الْخَامِسَةُ: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِنَفْسِهِ. فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ كَتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّبْعِينَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي التَّوَكُّلِ، فَوَكَّلَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ: صَحَّ. وَكَذَا إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَقُلْنَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ مُطْلَقًا. وَأَمَّا مَنْ وِلَايَتُهُ بِالشَّرْعِ كَالْوَلِيِّ وَالْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ. وَلَوْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ الْمَالِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَأَلْحَقَ الْوَصِيَّ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُشْبِهُ الْوَكِيلَ لِتَصَرُّفِهِ بِالْإِذْنِ.

قَالَ: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْيَتِيمَةُ وَغَيْرُهَا. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ. وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا إذْنٌ مُعْتَبَرٌ. انْتَهَى. وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْوَكِيلِ لِوَلَدِهِ. السَّادِسَةُ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ، أَوْ وَكِيلُهُ، لِوَكِيلِ الزَّوْجِ " زَوَّجْت فُلَانَةَ لِفُلَانٍ " أَوْ " زَوَّجْت مُوَكِّلَك فُلَانًا فُلَانَةَ " وَلَا يَقُولُ " زَوَّجْتهَا مِنْك " وَيَقُولُ الْوَلِيُّ " قَبِلْت تَزْوِيجَهَا، أَوْ نِكَاحَهَا لِفُلَانٍ " فَإِنْ لَمْ يَقُلْ " لِفُلَانٍ " فَوَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قَالَ " قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ " وَنَوَى أَنَّهُ قَبِلَهُ لِمُوَكِّلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ: صَحَّ. قُلْت: يُحْتَمَلُ ضِدُّهُ. بِخِلَافِ الْبَيْعِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ بَابِ الْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ (وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ) . فَتُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ إذَا نَصَّ عَلَى التَّزْوِيجِ، كَالْأَبِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَيُجْبِرُ مَنْ يُجْبِرُهُ الْمُوصِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالنَّظْمِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ. فَلَا يُزَوِّجُ مَنْ لَا إذْنَ لَهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالْوَصِيَّةِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْحَضَانَةِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي. وَمَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَضَانَةِ. وَأَخَذَ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ بِالْوَصِيَّةِ، إذَا كَانَ لِلْمُوصِي عَصَبَةٌ. حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: هَلْ يَسُوغُ لِلْمُوصِي الْوَصِيَّةُ بِهِ، أَوْ يُوَكِّلُ فِيهِ؟ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ " هَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ أَمْ لَا؟ " وَفِي بَابِ الْوَكَالَةِ " هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمْ لَا؟ ". الثَّانِيَةُ: حُكْمُ تَزْوِيجِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ بِالْوَصِيَّةِ حُكْمُ تَزْوِيجِ الْأُنْثَى بِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. أَعْنِي: إذَا أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ: هَلْ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ؟ قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ زَوَّجَ غُلَامًا غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ مَعْتُوهًا: لَمْ يَجُزْ، إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالِدُهُ، أَوْ وَصِيٌّ نَاظِرٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: لِلْوَصِيِّ مُطْلَقًا تَزْوِيجُهُ. يَعْنِي: سَوَاءٌ كَانَ وَصِيًّا فِي التَّزْوِيجِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَنَّهُ قَوْلُهُمَا: أَنَّ وَصِيَّ الْمَالِ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُزَوِّجُهُ وَيُجْبِرُهُ بَعْدَ أَبِيهِ وَصِيُّهُ. وَقِيلَ: ثُمَّ الْحَاكِمُ. قُلْت: بَلْ بَعْدَ الْأَبِ. وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ " هَلْ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، غَيْرِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ، تَزْوِيجُهُ أَمْ لَا؟ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إلَّا بِإِذْنِهَا ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَجَدْت فِي رُقْعَةٍ بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَوَابَ مَسْأَلَةٍ " إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ وَصِيُّهُ: ثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَتَوَارَثَا. فَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْخِيَارُ " انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ: صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَفْضَلِهِمْ، ثُمَّ أَسَنِّهِمْ) ثُمَّ يُقْرَعُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُدِّمَ الْأَفْضَلُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ، وَالْخِبْرَةِ بِذَلِكَ، ثُمَّ الْأَسَنُّ. ثُمَّ مَنْ قَرَعَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ، ثُمَّ الْأَسَنُّ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ الْقُرْعَةُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلسِّنِّ هُنَا. وَأَصْحَابُنَا قَدْ اعْتَبَرُوهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَزَوَّجَ: صَحَّ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ) .

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أَذِنَتْ لَهُمْ. فَأَمَّا إنْ أَذِنَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: تَعَيَّنَ. وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ إنْ أَجَازَهُ مَنْ عَيَّنَتْهُ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: وَإِذَا اسْتَوَتْ دَرَجَةُ الْأَوْلِيَاءِ، فَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ وَالِاسْتِقْلَالِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ عَضَلَ الْكُلُّ أَثِمُوا. وَلَوْ عَضَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: دُعِيَ إلَى النِّكَاحِ. فَإِنْ لَمْ يُجِبْ، فَهَلْ يَعْصِي؟ يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الشَّاهِدِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ: هَلْ يَعْصِي بِالِامْتِنَاعِ؟ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْعِصْيَانِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي تَوَقُّفِ النِّكَاحِ بِحَالٍ. إذْ غَيْرُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ اثْنَانِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ: فُسِخَ النِّكَاحَانِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، فَعَلَى هَذَا: يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: يَفْسَخُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلزَّوْجَيْنِ الْفَسْخَ بِأَنْفُسِهِمَا. وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ يُطَلِّقَانِهَا. حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ شَاقِلَا. قُلْت: هَذَا أَحْوَطُ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُنْقِصُ هَذَا الطَّلَاقُ الْعَدَدَ، لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ. وَعَنْهُ: النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِنَفْسِهِ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَاسِخٍ. ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: مَا أَرَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحًا. وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ. وَهُوَ أَظْهَرُ، وَأَصَحُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. اخْتَارَهُ النَّجَّادُ. وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيُّ.

فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا جَدَّدَ نِكَاحَهُ بِإِذْنِهَا. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ: مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ جَدَّدَ نِكَاحَهُ. وَعَنْهُ: هِيَ لِلْقَارِعِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ: ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. لَكِنْ اخْتَلَفَ نَقْلُ الزَّرْكَشِيّ وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ، كَمَا تَرَى. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجَدِّدُ نِكَاحَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْبَرَ الْمَرْأَةُ عَلَى نِكَاحِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، بَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ هَذَا بِالْجَيِّدِ. فَإِنَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَمَرْنَا الْمَقْرُوعَ بِالْفُرْقَةِ وَقُلْنَا: لَهَا أَنْ لَا تُزَوَّجَ الْقَارِعَ خَلَتْ مِنْهُمَا. فَلَا يَبْقَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْقٌ. وَلَا يَبْقَى لِلْقُرْعَةِ أَثَرٌ أَصْلًا. بَلْ تَكُونُ لَغْوًا. وَهَذَا تَخْلِيطٌ. وَإِنَّمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ زَوْجَةُ الْقَارِعِ، بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا، وَلَوْ مَاتَ وَرِثَتْهُ. لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُجَدِّدَ الْعَقْدَ. فَيَكُونُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ لِحِلِّ الْوَطْءِ فَقَطْ. هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ. وَيَكُونُ التَّجْدِيدُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا كَمَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاجِبًا عَلَى الْآخَرِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ. وَلَا لِتَجْدِيدِ الْآخَرِ النِّكَاحَ. فَإِنَّ الْقُرْعَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ حُجَّةً وَبَيِّنَةً تُفِيدُ الْحِلَّ ظَاهِرًا كَالشَّهَادَةِ وَالنُّكُولِ، وَنَحْوِهِمَا. انْتَهَى. وَعَلَى رِوَايَةِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا: يُعْتَبَرُ طَلَاقُ صَاحِبِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُ صَاحِبِهِ. فَإِنْ أَبَى فَحَاكِمٌ. وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ، وَالْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: وَهَذَا أَقْرَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَيُعَيَّنُ بِالْقُرْعَةِ، أَمْ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ اخْتَارَ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا. وَبِهِ أَفْتَى أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَعَنْهُ: لَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ. حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ. انْتَهَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعَنْهُ: مَنْ قَرَعَ فَهُوَ الزَّوْجُ، وَفِي اعْتِبَارِ طَلَاقِ الْآخَرِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ.

وَقِيلَ: مَنْ قَرَعَ جَدَّدَ عَقْدًا بِإِذْنِهَا. وَطَلَّقَ الْآخَرُ مَجَّانًا. فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُجَدِّدُ الَّذِي خَرَّجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ النِّكَاحَ، لِتَحِلَّ لَهُ بِيَقِينٍ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادِ. ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى حِينَئِذٍ مَعْنًى لِلْقُرْعَةِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: إذَا جُهِلَ أَسْبَقُ الْعَقْدَيْنِ. فَفِيهِ مَسَائِلُ. مِنْهَا: إذَا عُلِمَ عَيْنُ السَّابِقِ ثُمَّ جُهِلَ. فَهَذِهِ مَحَلُّ الْخِلَافِ السَّابِقِ. مِنْهَا: لَوْ عُلِمَ السَّبْقُ وَنُسِيَ السَّابِقُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا إشْكَالَ فِي جَرَيَانِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَرْعٌ: لَوْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَهِلَ كَيْفَ وَقَعَا؟ . فَقِيلَ: هِيَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِيمَا أَظُنُّ. وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ: يَبْطُلَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي الْكُبْرَى قَوْلًا بِالْبُطْلَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. مِنْهَا: لَوْ جُهِلَ وُقُوعُهُمَا مَعًا، فَهِيَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ. وَمِنْهَا: لَوْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا: بَطَلَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى رِوَايَةِ الْإِقْرَاعِ. وَذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ احْتِمَالًا. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلَا أَظُنُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إلَّا خِلَافَ الْإِجْمَاعِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ بِرَدْسٍ شَيْخُ شَيْخِنَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ: يَخْتَارُ إحْدَاهُمَا. وَهَذَا يَعْضُدُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: إذَا أَمَرَ غَيْرُ الْقَارِعِ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ، فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثَةُ: لَوْ فَسَخَ النِّكَاحَ أَوْ طَلَّقَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِمَا. حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ شَاقِلَا، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَأَفْتَى بِهِ النَّجَّادُ. حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْخَرَزِيُّ. وَحَكَاهُ رِوَايَةً فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَنَصُّهُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا. انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إطْلَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَحَكَى فِي الْقَوَاعِدِ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَجْهَيْنِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ، فَلِأَحَدِهِمَا نِصْفُ مِيرَاثِهَا. فَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ: حَلَفَ وَوَرِثَ. قُلْت: هَذَا أَقْرَبُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي. لَكِنْ ذَكَرَ عَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْلِفُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا يُخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّا لَا نَقِفُ الْخُصُومَاتِ قَطُّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ قَالَ " لَا أَعْرِفُ الْحَالَ "؟ وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ أَيُّهُمَا قَرَعَ: فَلَهُ الْمِيرَاثُ بِلَا يَمِينٍ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا " لَا يُقْرَعُ " فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَأْخُذُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِالْقُرْعَةِ فَكَذَلِكَ يَرِثُهَا أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا " لَا مَهْرَ لَهَا " فَهُنَا قَدْ يُقَالُ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا. انْتَهَى. الْخَامِسَةُ: لَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ: كَانَ لَهَا رُبُعُ مِيرَاثِ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَقَرَّتْ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا: فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْ الْآخَرِ. وَهِيَ تَدَّعِي رُبُعَ مِيرَاثِ مَنْ أَقَرَّتْ لَهُ. فَإِنْ كَانَ قَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَيْضًا: دَفَعَ إلَيْهَا رُبُعَ مِيرَاثِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ. فَإِنْ نَكَلُوا، قُضِيَ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَحْلِفَ وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

وَتَبْرَأُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ: فَلَهَا رُبُعُ مِيرَاثِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: فِي رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ. زَوَّجَ إحْدَاهُنَّ مِنْ رَجُلٍ. ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَيَّتَهُنَّ زَوَّجَ؟ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ. فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ: كَانَتْ هِيَ الْوَارِثَةُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ عَنْ الْوَجْهِ بِالْقُرْعَةِ: يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ، فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ الْعِلْمَ بِالْحَالِ. وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ. السَّادِسَةُ: لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّهُ السَّابِقُ. فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَهْرِ وَجَبَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ؛ لِإِقْرَارِهِ لَهَا بِهِ. وَإِقْرَارِهَا بِبَرَاءَةِ صَاحِبِهِ. وَإِنْ مَاتَا: وَرِثَتْ الْمُقَرَّ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ لِذَلِكَ. وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَهُمَا: اُحْتُمِلَ أَنْ يَرِثَهَا الْمُقَرُّ لَهُ كَمَا تَرِثُهُ. وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَقْبَلَ إقْرَارَهَا لَهُ كَمَا لَمْ تَقْبَلْهُ فِي نَفْسِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ. لَيْسَ لِوَرَثَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِنْكَارُ لِاسْتِحْقَاقِهَا. وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ لَهَا مِيرَاثُ مَنْ تَقَعُ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ أَصَابَهَا، وَكَانَ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ، أَوْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَلَهَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهَا بِهِ. وَهِيَ لَا تَدَّعِي سِوَاهُ. وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لِآخَرَ: فَهِيَ تَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَهُوَ يُقِرُّ لَهَا بِالْمُسَمَّى. فَإِنْ اسْتَوَيَا، أَوْ اصْطَلَحَا: فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ: حَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ وَسَقَطَ. وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى لَهَا أَكْثَرَ: فَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالزِّيَادَةِ، وَهِيَ تُنْكِرُهَا. فَلَا تَسْتَحِقُّهَا.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ مِنْ أَمَتِهِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا أَيْضًا: لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْمُجْبَرَةَ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ بِابْنَتِهِ. وَكَذَا لَوْ زَوَّجَ وَصِيٌّ فِي نِكَاحِ صَغِيرٍ بِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمَا إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَالْحَاكِمِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي نِكَاحِهَا) . يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِإِذْنِهَا. قَالَهُ فِي الْمُنَوِّرِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَقَدَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُهُمَا وَأَنَصُّهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ثَمَانِيَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَوَلِّي طَرَفَيْهِ لِغَيْرِ زَوْجٍ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْإِمَامُ. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى قُلْنَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْوَلِيِّ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ: لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ وَكِيلِهِ لَهُ، إلَّا الْإِمَامَ، إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ. فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بِوِلَايَةِ أَحَدِ نُوَّابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا عَنْهُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَيْنِ فِي تَوَلِّي طَرَفَيْهِ. ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ: تَوَلِّي طَرَفَيْهِ يَخْتَصُّ بِالْمُجْبِرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِنْ صُوَرِ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ: لَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ، أَوْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ. أَوْ وَكَّلَا وَاحِدًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ يَكْفِي قَوْلُهُ " زَوَّجْت فُلَانًا فُلَانَةَ " أَوْ " تَزَوَّجْتهَا " إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَقَالَ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، فَيَقُولُ " زَوَّجْت نَفْسِي فُلَانَةَ ". وَ " قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ " وَنَحْوَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمُجْبَرَةِ كَبِنْتِ عَمِّهِ الْمَجْنُونَةِ، وَعَتِيقَتِهِ الْمَجْنُونَةِ نِكَاحُهَا بِلَا وَلِيٍّ غَيْرِهِ، أَوْ حَاكِمٍ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَجُوزُ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَبِنْتِ عَمِّهِ الْمَجْنُونَةِ. وَقِيلَ: وَعَتِيقَتِهِ الْمَجْنُونَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك: صَحَّ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ. رَوَاهُ عَنْهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ. مِنْهُمْ ابْنَاهُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ. وَمِنْهُمْ. الْمَيْمُونِيُّ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَحَرْبٌ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا. فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَرِوَايَتَيْهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: فَمِنْهُمْ مِنْ مَأْخَذِهِ انْتِفَاءُ لَفْظِ النِّكَاحِ الصَّرِيحِ. وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِنْهُمْ مِنْ مَأْخَذِهِ انْتِفَاءُ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ مَهْرُهَا الْعِتْقَ. وَقِيلَ: بَلْ مَهْرَ الْمِثْلِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مِنْهُ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِإِذْنِهِ دُونَ

إذْنِهَا وَرِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. فَيُوَكِّلُ مَنْ يَعْقِدُ لَهُ النِّكَاحَ بِأَمْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهُوَ حَسَنٌ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صُوَرٌ: مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا " أَوْ " جَعَلْت صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا " أَوْ " قَدْ أَعْتَقْتهَا وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " أَوْ " أَعْتَقْتهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا " أَوْ " أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك وَعِتْقُك صَدَاقُك " نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، إنْ اشْتَرَطْنَاهُمَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا مَعَ قَوْلِهِ أَيْضًا " وَتَزَوَّجْتهَا ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْعِتْقُ، إذَا قَالَ " جَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك " فَلَمْ تَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصِرْ صَدَاقًا. وَهُوَ لَمْ يُوقِعْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَإِنْ قَبِلَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَبُولَ لَا يَصِيرُ بِهِ الْعِتْقُ صَدَاقًا. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا قَالَ. وَيَتَوَجَّهُ فِي قَوْلِهِ " قَدْ أَعْتَقْتهَا، وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " أَنَّهَا إنْ قَبِلَتْ: صَارَتْ زَوْجَةً، وَإِلَّا عَتَقَتْ مَجَّانًا، أَوْ لَمْ تُعْتَقْ بِحَالٍ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. لَكِنْ إذَا لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً. فَهَلْ يَنْتَظِرُ الْقُدْرَةَ، أَوْ يَسْتَسْعِي؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: أَصْلُهُمَا الْمُفْلِسُ إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ: هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْبَرُ. فَيَكُونُ الصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهَا تُسْتَسْعَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِسُؤَالِهِ أَوَّلًا: عَتَقَ مَجَّانًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَإِنْ قَالَ " أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي، أَوْ أَمَتِي " فَفَعَلَ: عَتَقَ. وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ لَا يُسْتَحَقُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِ. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ: لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي نِكَاحٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَوَجَّهُ صِحَّةُ السَّلَفِ فِي الْعُقُودِ كَمَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ. وَيَصِيرُ الْعَقْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ إنْ فَعَلَ، وَإِلَّا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ. الرَّابِعَةُ: الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ: كَالْقِنِّ فِي جَعْلِ عِتْقِهِنَّ صَدَاقَهُنَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ ثَابِتَةٌ فِيهِنَّ كَالْقِنِّ. وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ احْتِمَالًا فِي الْمُكَاتَبَةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَصَّ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا: فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّهَا كَالْقِنِّ فِي ذَلِكَ. وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ.

وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ: فَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا كَالْقِنِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ: يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ يُعْتِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُمْ أَحْكَامُ الْإِمَاءِ. وَهَذَا الْعِتْقُ الْمُعَجَّلُ لَيْسَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ. وَلِهَذَا يَصِحُّ كِتَابَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ جَعْلُ عِتْقِهَا صَدَاقَهَا. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عَلَى ظَهْرِ خِلَافِهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ الصَّدَاقُ هُوَ تَعْجِيلُهُ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ صَدَاقًا. قَالَ الْخَلَّالُ: قَالَ هَارُونُ الْمُسْتَمْلِي لِأَحْمَدَ: أُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى تَزْوِيجِهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يُعْلِمَهَا. قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ؟ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ التَّزْوِيجَ الْآنَ. وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُعْلِمَهَا. فَلَعَلَّهَا لَا تُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا. فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا مُنَجِّزًا. ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا النِّكَاحَ. وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ. الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ أَعْتَقَهَا وَزَوَّجَهَا لِغَيْرِهِ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالسَّيِّدِ. السَّادِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَوْ قَالَ " أَعْتَقْت أَمَتِي وَزَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَلْفٍ " فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: جَوَازُهُ. فَإِنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ " أَعْتَقْتهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْك سَنَةً بِأَلْفٍ " وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ. السَّابِعَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ " أَعْتَقْتُك وَتَزَوَّجْتُك عَلَى أَلْفٍ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ هُنَا، إذَا قِيلَ بِهِ فِي إصْدَاقِ الْعِتْقِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَعَلَّلَهُ.

الثَّامِنَةُ: قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ: إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ " أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجِي بِي " فَقَالَتْ " رَضِيت بِذَلِكَ " نَفَذَ الْعِتْقُ. وَلَمْ يَلْزَمْهَا الشَّرْطُ، بَلْ هِيَ بِالْخِيَارِ فِي الزَّوَاجِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَلْزَمَهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. التَّاسِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي: لَوْ قَالَ الْأَبُ ابْتِدَاءً " زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى عِتْقِ أَمَتِك " فَقَالَ " قَبِلْت " لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ. فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) ؛ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، خَوْفَ الْإِنْكَارِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ وَجَمَاعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا أَكْثَرُهُمْ. وَقَيَّدَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِمَا إذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ. فَمَعَ الْكَتْمِ تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَجْدِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ قَوْلًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، وَإِنْ كَانَا ضَرِيرَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنِ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَمُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَأَسْقَطَ رِوَايَةَ الْفِسْقِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَخَذَهَا فِي الِانْتِصَارِ مِنْ رِوَايَةِ مُثَنَّى

وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا تَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ: يَفْسُدُ مِنْ النِّكَاحِ شَيْءٌ؟ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَفْسُدُ مِنْ النِّكَاحِ شَيْءٌ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ كَافِرَيْنِ، مَعَ كُفْرِ الزَّوْجَةِ، وَقَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَيَأْتِي نَحْوُهُ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّرْحِ. تَنْبِيهٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " عَدْلَيْنِ " ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ أُحُدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاحْتِمَالٌ فِي التَّعْلِيقِ لِلْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَدْلَيْنِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا. فَيَصِحُّ بِحُضُورِ مَسْتُورَيْ الْحَالِ. وَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُمَا فِي الْأَمْوَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيَصِحُّ مِنْ مَسْتُورَيْ الْحَالِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالتَّعْلِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مِنْهُ، وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الْبَنَّا، وَابْنُ عَقِيلٍ حَاكِيًا لَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَكْفِي مَسْتُورَيْ الْحَالِ إنْ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَثْبُتُ بِهِمَا مَعَ اعْتِرَافٍ مُتَقَدِّمٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ تَابَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَكَمَسْتُورِ الْحَالِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عُقِدَ بِمَسْتُورَيْ الْحَالِ. ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُمَا كَانَا فَاسِقَيْنِ حَالَةَ الْعَقْدِ فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: تَبَيَّنَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يَنْعَقِدُ: لِوُجُودِ شَرْطِ النِّكَاحِ ظَاهِرًا.

قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: وَلَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا مَنْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. انْتَهَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُهُمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْعَقِدَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ رِوَايَةِ قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَإِنْ قُلْنَا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، صَحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ، أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَنْعَقِدُ فِي رِوَايَةٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ.

وَأَمَّا عَدَمُ انْعِقَادِهِ بِحُضُورِ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا. فَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ هُنَاكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَبِأَحَدِهِمَا. اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَنْعَقِدُ فِي رِوَايَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي شَهَادَةِ عَدُوَّيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، أَوْ الْوَلِيِّ: وَجْهَانِ. وَفِي مُتَّهَمٍ لِرَحِمٍ: رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي عَدُوَّيْ الزَّوْجِ، أَوْ الزَّوْجَةِ، أَوْ عَدُوِّهِمَا، أَوْ عَدُوَّيْ الْوَلِيِّ، أَوْ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَبَوَيْهِمَا، أَوْ أَبَوَيْ أَحَدِهِمَا، أَوْ عَدُوِّهِمَا وَأَجْنَبِيٍّ، وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ مِنْ الْوَلِيِّ. وَقِيلَ: فِي الْعَدُوَّيْنِ، وَابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا: رِوَايَتَانِ. انْتَهَى . قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: كَوْنُ الرَّجُلِ كُفُؤًا لَهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ يَعْنِي لِلصِّحَّةِ بَلْ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهِيَ أَصَحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهِيَ أَوْلَى. لِلْآثَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ. فَعَلَى الْأُولَى: الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ، حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَقَطْ. قَوْلُهُ (لَكِنْ إنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ جَمِيعُهُمْ، فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ. فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا. فَلِلْإِخْوَةِ الْفَسْخُ) . هَذَا كُلُّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ الْفَسْخِ، مَعَ رِضَى الْمَرْأَةِ وَالْأَقْرَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ وَمُتَرَاخِيًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا: يَسْقُطُ خِيَارُهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ: فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَوْلِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ عَقَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَرْضَ الْبَاقُونَ: فَهَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ صَحِيحًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. أَشْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ " فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ " وَلَا يَكُونُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ الِانْعِقَادِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إذَا زَوَّجَهَا الْأَبُ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَقُلْنَا: الْكُفْءُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَفِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ: الْبُطْلَانُ كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالصِّحَّةُ، كَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ. وَقِيلَ: إنْ عُلِمَ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِلَّا صَحَّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ كَبِيرَةً، لِاسْتِدْرَاكِ الضَّرَرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طَرِيقَةُ الْمَجْدِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الصِّفَاتِ الْخَمْسَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَاءَةِ. قَوْلًا وَاحِدًا. ثُمَّ هَلْ يُبْطِلُ النِّكَاحَ فَقْدُهَا أَوْ لَا يُبْطِلُهُ، لَكِنْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ، أَوْ يُبْطِلُهُ فَقْدُ الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، وَيُثْبِتُ الْفَسْخُ فَقْدُ الثَّلَاثَةِ؟ عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَالْكَفَاءَةُ: الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ) . يَعْنِي: لَا غَيْرُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالصِّنَاعَةَ وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكِفَاءِ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ فَقْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَمَّا فَقْدُ الدِّينِ، وَالْمَنْصِبِ، فَقِيلَ: يُبْطِلُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: الْمُبْطِلُ فَقْدُ الْمَنْصِبِ. ذَكَرَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ فَقْدَ شَرْطٍ وَاحِدٍ مُبْطِلٌ. وَهُوَ النَّسَبُ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ " الْحُرِّيَّةَ " مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ. وَاخْتَارَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّ " الْيَسَارَ " مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَمْ أَجِدْ نَصًّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لِفَقْرٍ أَوْ رِقٍّ. وَلَمْ أَجِدْ أَيْضًا عَنْهُ نَصًّا بِإِقْرَارِ النِّكَاحِ مَعَ عَدَمِ الدِّينِ وَالْمَنْصِبِ، خِلَافًا. وَاخْتَارَ أَنَّ النَّسَبَ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْكَفَاءَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] . وَقِيلَ: الْكَفَاءَةُ النَّسَبُ فَقَطْ. وَهُوَ تَوْجِيهٌ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ: إذَا قُلْنَا الْكَفَاءَةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى: اُعْتُبِرَ " الدِّينُ " فَقَطْ، قَالَ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَعَدَمُ تَحْقِيقٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

قُلْت: هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ. وَلَمْ يُفْهَمْ مَعْنَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: " الْمَنْصِبُ " هُوَ النَّسَبُ. وَأَمَّا " الْيَسَارُ " فَهُوَ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ وَقِيلَ: تَسَاوِيهِمَا فِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَعْنَى الْكَفَاءَةِ فِي الْمَالِ: أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: لِأَنَّهُ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ. وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْكَافِي إلَّا " النَّفَقَةَ " فَقَطْ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهَا عَادَتَهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَا تُعْتَبَرُ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْمَرْأَةِ وَلَيْسَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطًا فِي حَقِّهَا لِلرَّجُلِ. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: يُخَيَّرُ مُعْتِقٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ. وَفِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ: يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِعِتْقِ الزَّوْجِ الَّذِي تَحْتَهُ أَمَةٌ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِحُرَّةٍ. فَإِنَّهُ يَبْطُلُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ (لَا تُزَوَّجُ قُرَشِيَّةٌ بِغَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا هَاشِمِيَّةٌ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ) . قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَرَدَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ

الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ، قَالَ: وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَرِوَايَتَيْهِ وَصَحَّحَهَا فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: وَمَنْ قَالَ " إنَّ الْهَاشِمِيَّةَ لَا تُزَوَّجُ بِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ " بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَهَذَا مَارِقٌ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. إذْ قِصَّةُ تَزْوِيجِ الْهَاشِمِيَّاتِ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ بِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ: ثَابِتٌ فِي السُّنَّةِ ثُبُوتًا لَا يَخْفَى. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَى هَذَا خِلَافًا فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَيْسَ وَلَدُ الزِّنَا كُفُؤًا لِذَاتِ نَسَبٍ، كَعَرَبِيَّةٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَضَافَهُ إلَى الْمُصَنِّفِ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ مَوْلَى الْقَوْمِ كُفُؤًا لَهُمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كُفْءٌ لَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ (لَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَلَا لِمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ. انْتَهَى. فَلَوْ وَجَدَتْ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ حَالَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لَهُ " قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ وَأَعْتَقْته " فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِمَنْعِهَا. وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ ". أَمَّا إنْ كَانَ قَدْ مَسَّهُ رِقٌّ، أَوْ أَبَاهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ تَزْوِيجِهِ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَلَا تُزَوَّجُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا تُزَوَّجُ بِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَائِدَةٌ: (التَّانِئُ) فِي قَوْلِهِ (وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ) . هُوَ صَاحِبُ الْعَقَارِ. وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الْمَالُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَ " الْبَزَّازُ " بَيَّاعُ الْبَزِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ، وَالصِّنَاعَةَ، وَالْيَسَارَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ (فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ، وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ بِحَجَّامٍ، وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ بِحَائِكٍ، وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) . أَنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ صِنَاعَةٍ رَدِيئَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَمَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَقِيلَ: نَسَّاجٌ كَحَائِكٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ زَالَتْ الْبَكَارَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ: فَلَهَا الْفَسْخُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ.

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ. كَطَوْلِ حُرَّةٍ مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ، وَكَوَلِيِّهَا. وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: يُعْزَى لِأَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخَ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ شَيْخِهِ فِي التَّعْلِيقِ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّ مِثْلَ الْوَلِيِّ مَنْ وُلِدَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ. وَأَنَّهُ إنْ طَرَأَ نَسَبٌ فَاسْتَلْحَقَ شَرِيفٌ مَجْهُولَةً، أَوْ طَرَأَ صَلَاحٌ: فَاحْتِمَالَانِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ ": " لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا وَلَا الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ ".

باب المحرمات في النكاح

[بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَالْبَنَاتُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ) . وَكَذَا ابْنَتُهُ الْمَنْفِيَّةُ بِلِعَانٍ، وَمِنْ شُبْهَةٍ وَيَكْفِي فِي التَّحْرِيمِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا بِنْتُهُ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اسْتِدْلَالِهِ: أَنَّ الشَّبَهَ كَافٍ فِي ذَلِكَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَّاتُ) . عَمَّةَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. لِدُخُولِهَا فِي عَمَّاتِهِ، وَعَمَّةَ الْعَمِّ لِأَبٍ. لِأَنَّهَا عَمَّةُ أَبِيهِ. لَا عَمَّةَ الْعَمِّ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ. وَتَحْرُمُ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأُمٍّ. وَلَا تَحْرُمُ خَالَةُ الْعَمَّةِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. وَتَحْرُمُ عَمَّةُ الْخَالِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأُمِّ. وَلَا تَحْرُمُ عَمَّةُ الْخَالَةِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ. وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ سَوَاءٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمَا: إلَّا أُمَّ أَخِيهِ، وَأُخْتَ ابْنِهِ. فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ مِنْ النَّسَبِ، وَلَا يَحْرُمَانِ بِالرَّضَاعِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ أُمُّ أَخِيهِ إنَّمَا حَرُمَتْ مِنْ غَيْرِ الرَّضَاعِ، مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِكَوْنِهَا زَوْجَةَ. أَبِيهِ. وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، لَا مِنْ جِهَةِ تَحْرِيمِ النَّسَبِ.

وَكَذَلِكَ أُخْتُ ابْنِهِ: إنَّمَا حَرُمَتْ لِكَوْنِهَا رَبِيبَةً. فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِمَا. وَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِمَا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ. فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ. وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحُ أَبِي زَوْجِهَا وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ بَدِينَا فِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ إيرَادٌ صَحِيحٌ، سِوَى الْمُرْتَضِعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، كَالْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا. فَلَا إيرَادَ إذَنْ. انْتَهَى. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ. وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ نِسَائِهِ. فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَعَنْهُ: أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ كَالرَّبَائِبِ، لَا يَحْرُمْنَ إلَّا بِالدُّخُولِ بِبَنَاتِهِنَّ. ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ . الرَّابِعُ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَحَلَائِلُ آبَائِهِ) . كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَإِنْ عَلَا، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَوْ افْتَرَقَا بِغَيْرِ ذَلِكَ . وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَأَبْنَائِهِ) يَعْنِي وَحَلَائِلُ أَبْنَائِهِ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَهَا أَحَدٌ مِنْ

أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. الْخَامِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالرَّبَائِبُ وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ) . أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ " الرَّبِيبَةُ " فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تَحْرُمُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُ ابْنِ زَوْجَتِهِ. نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَلَا تَحْرُمُ زَوْجَةُ رَبِيبِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا. وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ ابْنُ زَوْجَةِ أَبِيهَا، وَابْنُ زَوْجِ ابْنَتِهَا، وَابْنُ زَوْجِ أُمِّهَا، وَزَوْجُ زَوْجَةِ أَبِيهَا، وَزَوْجُ زَوْجَةِ أَبِيهَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مُتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي: إذَا مَاتَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَهَا بِنْتٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَحْرُمْنَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمْنَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَقَبْلَ الْوَطْءِ: فَرِوَايَتَانِ. أَنَصُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَفِي مَوْضِعٍ فِي الْخِصَالِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ: ثُبُوتُ حُكْمِ الرَّبِيبَةِ. وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَفِي الْجَامِعِ فِي مَوْضِعٍ: لَا يَثْبُتُ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ. وَصَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. قُلْت: وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. الثَّانِيَةُ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَنَظَرِ الْفَرْجِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ، بِنَاءً عَلَى تَقَرُّرِ الصَّدَاقِ. وَيَأْتِي أَيْضًا: التَّنْبِيهُ عَلَى الْخَلْوَةِ فِيمَا تَقَرَّرَ الصَّدَاقُ فِي بَابِهِ. وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الرَّجُلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّعْلِيقِ فِي اللِّعَانِ. قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) . أَمَّا ثُبُوتُ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ: فَإِجْمَاعٌ.

وَيَثْبُتُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَحِكَايَةُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْهُ عَجِيبٌ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الزِّنَا: كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَيْسَ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ. فَقَالَ: وَطْءُ الْحَرَامِ مُحَرِّمٌ، كَمَا يُحَرِّمُ وَطْءُ الْحَلَالِ وَالشُّبْهَةِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّهُ حَرَامٌ. وَأَمَّا ثُبُوتُهُ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ: فَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهُ يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ الدُّبُرِ بِالِاتِّفَاقِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: إذَا وَطِئَ امْرَأَةً بِزِنًا: كَانَ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْءِ الدُّبُرِ. وَنَقَلَ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يُعْجِبُنِي. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالْحَلَالِ، عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ. وَالْحَرَامُ مُبَايِنٌ لِلْحَلَالِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْوَطْءُ الْحَرَامُ لَا يَنْشُرُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ. وَاعْتَبَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّوْبَةَ، حَتَّى فِي اللِّوَاطِ. وَحَرَّمَ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا. وَقَالَ: إنَّ وَطْءَ بِنْتِهِ غَلَطًا: لَا يَنْشُرُ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَّخِذْهَا زَوْجَةً، وَلَمْ يُعْلِنْ نِكَاحًا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (الْحَرَامِ) . الْوَطْءَ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ: حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا كَوَطْءِ الْحَلَالِ وَالشُّبْهَةِ وَلَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ، أَوْ بِنْتَهَا: حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ مَحْرَمِيَّةٌ، وَلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَيِّتَةً، أَوْ صَغِيرَةً، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الصَّغِيرَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ فِي الصَّغِيرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالصَّغِيرَةِ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاشَرَ امْرَأَةً، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا، أَوْ خَلَا بِهَا بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي: فِي الْحَرَامِ، أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِيمَا إذَا بَاشَرَ الْأَمَةَ بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي فِي الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ. وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ فِيمَا إذَا بَاشَرَ حُرَّةً. وَقَالَا: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَالتَّفْصِيلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. إحْدَاهُمَا: لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لَمْ يَنْشُرْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا " أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَدَنِهَا لِشَهْوَةٍ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَنْشُرُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَابْنُ هَانِئٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ لِشَهْوَةٍ. وَالصَّحِيحُ: خِلَافُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَا: لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، أَوْ نَظَرِهَا إلَى فَرْجِهِ، أَوْ خَلْوَتِهَا بِهِ لِشَهْوَةٍ: حُكْمُ الرَّجُلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا . قَوْلُهُ (وَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الْآخَرِ وَبِنْتُهُ) .

يَعْنِي: أَنَّهُ يَحْرُمُ بِاللِّوَاطِ مَا يَحْرُمُ بِوَطْءِ الْمَرْأَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ يَعْنِي: كَالْمُبَاشِرِ دُونَ الْفَرْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ التَّلَوُّطِ: أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَلَا أُمَّهُ. قَالَ: وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ. قَالَ: فَأَمَّا تَزَوُّجُ الْمَفْعُولِ فِيهِ بِأُمِّ الْفَاعِلِ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ أَشْبَهُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ دَوَاعِيَ اللِّوَاطِ لَيْسَتْ كَاللِّوَاطِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا: أَنَّهُ كَاللِّوَاطِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَةٌ: السِّحَاقُ بَيْنَ النِّسَاءِ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ فِي اللِّوَاطِ: أَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِشَهْوَةٍ.

قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعِنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ عَلَى التَّأْبِيدِ، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ. فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَحِلُّ. بَلْ تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ اللِّعَانِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي بَابِ اللِّعَانِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُبَاحُ لَهُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ. وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ الشَّارِحُ وَهُنَا فِي بَابِ اللِّعَانِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَذَّ بِهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا غَيْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. فَأَمَّا إنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا: فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بِحَالِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تُبَاحُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَيَأْتِي هَذَا فِي اللِّعَانِ أَيْضًا مُسْتَوْفًى. فَلْيُرَاجَعْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وَقَعَ اللِّعَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَهَلْ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي اللِّعَانِ. إحْدَاهُمَا: تَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى التَّأْبِيدِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ التَّحْلِيلِ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ خَبَثَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى طَلُقَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؟ أَجَابَ: يُعَاقَبُ مِثْلُ هَذَا عُقُوبَةً بَلِيغَةً. وَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا. وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ فِيهِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: إذَا فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَهُ لِعُنَّةٍ، أَوْ عَيْبٍ فِيهِ يُوجِبُ الْفَسْخَ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَى التَّأْبِيدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ. وَعَنْهُ: تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ كَاللِّعَانِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. كَعَمَّاتِ آبَائِهَا. وَخَالَاتِهِمْ، وَعَمَّاتِ أُمَّهَاتِهَا وَخَالَاتِهِنَّ. وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، وَلَوْ رَضِيَتَا، مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّضَاعِ. فَلَمْ يُحَرِّمْ الْجَمْعَ مَعَ الرَّضَاعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: كُلُّ شَخْصَيْنِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ الْآخَرَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى، لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَالُ ابْنِهَا بِمَنْزِلَةِ خَالِهَا. وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ، بِأَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَيَنْكِحَ ابْنَةَ أُمِّهَا فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ.

وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ خَالَتَيْنِ، بِأَنْ يَنْكِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. فَتُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ، بِأَنْ يَنْكِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ. فَيُولَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ. الثَّالِثَةُ: لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْهِ أَوْ عَمَّتَيْهِ، أَوْ ابْنَتَيْ خَالَيْهِ أَوْ خَالَتَيْهِ. أَوْ بِنْتِ عَمِّهِ وَبِنْتِ عَمَّتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. كَمَا لَا يُكْرَهُ جَمْعُهُ بَيْنَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَةَ رَجُلٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَحَرَّمَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ قِيَاسًا. يَعْنِي: عَلَى الْأُخْتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ زَيْدٍ مِنْ أَبِيهِ وَأُخْتَه مِنْ أُمِّهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ بِنْتٌ، وَوَطِئَا أَمَةً، فَأَلْحَقَ وَلَدَهَا بِهِمَا، فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ بِالْأَمَةِ وَبِالْبِنْتَيْنِ: فَقَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ رَجُلٍ وَأُخْتَيْهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقَدْ نَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ لُغْزًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ: لَمْ يَصِحَّ) وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي الْحَارِثِ.

وَلَكِنْ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ: يَخْتَارُ إحْدَاهُمَا. وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُهَا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ. وَقَالَ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَخَرَّجَ قَوْلًا بِالِاقْتِرَاعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً: فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ جُهِلَتْ الْأُولَى فَسَخَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَا: بَطَلَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الصَّحِيحُ بُطْلَانُ النِّكَاحَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْأُولَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ قُلْت: فَمَنْ قَرَعَتْ جَدَّدَ عَقْدَهَا بِإِذْنِهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ، يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ: اخْتِيَارِي أَنْ يَسْقُطَ الْمَهْرُ، إذَا كَانَ مُجْبَرًا عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. قُلْت: فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُعَايَى بِهَا، إذَا أُجْبِرَ عَلَى الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَاهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ) . يَعْنِي: لَوْ اشْتَرَى أُخْتَيْنِ، أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ. أَثْبَتَهَا الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَمَنَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَةً بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ قَالَ " لَا يَحْرُمُ. بَلْ يُكْرَهُ " فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ. وَمَأْخَذُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَرَاتِبِ الْكَلَامِ. وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا قَالَ " لَا أَقُولُ إنَّهُ حَرَامٌ. وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ " وَكَانَ يَهَابُ قَوْلَ الْحَرَامِ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَصٌّ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْعِدَّةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْرُمَ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ الْأُخْتَيْنِ، حَتَّى تَحْرُمَ الْأُولَى: فَلَا إشْكَالَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى " إشْعَارٌ بِجَوَازِ وَطْءِ إحْدَاهُمَا ابْتِدَاءً قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لِهَذَا الْمَشْهُورِ. وَهُوَ أَصَحُّ. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ وَطْءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُخْرَى. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً.

وَقِيلَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْإِمَاءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ أُخْتِهَا كَحُكْمِهِ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ. لَا يُحَرِّمُ إلَّا الْوَطْءُ فَقَطْ. تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ " فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى " فَلَوْ خَالَفَ وَوَطِئَ الْأُخْرَى، لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. فَيَكُونُ الْمَمْنُوعُ مِنْهُمَا وَاحِدَةً مُبْهَمَةً. وَأَبَاحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَطْءَ الْأُولَى بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى " بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَزْوِيجٍ، وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَكْفِي فِي إبَاحَةِ الثَّانِيَةِ مُجَرَّدُ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا. بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً وَتَنْقَضِيَ، فَتَكُونُ الْحَيْضَةُ كَالْعِدَّةِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى.

وَلَا يَكْفِي اسْتِبْرَاؤُهَا بِدُونِ زَوَالِ الْمِلْكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ. إذْ بِهِ يَزُولُ الْفِرَاشُ الْمُحَرِّمُ لِلْجَمْعِ. ثُمَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِتَحْرِيمِهَا بِكِتَابَةٍ أَوْ رَهْنٍ، أَوْ بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي الْكِتَابَةِ. قَطَعَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْأُخْتَ لَا تُبَاحُ إذَا رَهَنَهَا أَوْ كَاتَبَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ فِي الرَّهْنِ. وَقَالَ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: الِاكْتِفَاءُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِرْجَاعُ، كَهِبَتِهَا لِوَلَدِهِ، أَوْ بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ إذَا رَهَنَهَا، أَوْ كَاتَبَهَا، أَوْ دَبَّرَهَا: لَا تُبَاحُ أُخْتُهَا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يَكْفِي كِتَابَتُهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْجَمِيعِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَهُ وَحْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَلَوْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهَا. فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَفَاهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. الثَّالِثَةُ: شَمِلَ قَوْلُهُ (بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ) . الْإِخْرَاجَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مِنْهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ، عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.

لَكِنْ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجُوزُ الْبَيْعُ هُنَا لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابُ: تَحْرِيمَ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُخْرِجَ الْأُولَى عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ بَنَيْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي التَّفْرِيقِ: لَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفْرِيقُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، فِيمَا دُونَ الْبُلُوغِ. وَبَعْدَهُ. عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَعَلَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ التَّفْرِيقِ الْمُحَرَّمِ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَمَةِ بِلَا مُوجِبٍ. انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ: لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) . سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِهِ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ عَادَتْ بَعْدَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ اجْتِنَابُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. وَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَى: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْخِرَقِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ.

وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ: أَنَّهَا إنْ عَادَتْ قَبْلَ وَطْءِ أُخْتِهَا فَهِيَ الْمُبَاحَةُ دُونَ أُخْتِهَا. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ وَطِئَ الْبَاقِيَةَ: أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَى وَطْئِهَا، وَيَجْتَنِبُ الرَّاجِعَةَ. وَإِنْ رَجَعَتْ قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَذَا إذَا عَادَتْ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَيْهِ. أَمَّا إنْ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُ أُخْتِهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا: لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَصِحُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَحَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ رِوَايَةً. وَنَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَعْتَقَ سُرِّيَّتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَطَأُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ. وَالْمَوْطُوءَةُ هِيَ أَمَتُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمَانِ مَعًا، حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا.

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ: لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ الْأَمَةُ إلَيْهِ، لَكِنْ النِّكَاحُ بِحَالِهِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ حِلَّ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بَاقٍ. وَلِمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا: فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ الْمُنَى. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ، كَمَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. الْتَزَمَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَوْضِعٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا . الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً، وَمَجُوسِيَّةً فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَرَى أُخْتَ زَوْجَتِهِ: صَحَّ. وَلَا يَطَؤُهَا فِي عِدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ. فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَهَلْ دَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْوَطْءِ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ إبَاحَةَ الْمُبَاشَرَةِ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ . تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ " إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ ".

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَلَا لِلْعَبْدِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ جَازَ تَزَوُّجُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. فَكَذَّبَتْهُ. فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَبَدَلُهَا. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا تَسْقُطُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَنَسَبُ الْوَلَدِ، بَلْ الرَّجْعَةُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. مِنْهُمْ: صَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ. لَكِنْ لَوْ كَانَ نِصْفُهُ فَأَكْثَرَ حُرًّا: جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَقِيلَ: هُوَ كَالْعَبْدِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ " هَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ ". الثَّانِيَةُ: اُخْتُلِفَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ تَسَرِّي الْعَبْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ. فَنَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: الْجَوَازَ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، فِي آخِرِ بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: الْمَنْعَ كَالنِّكَاحِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ وَسُرِّيَّتَهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَزَوْجَتِهِ. هَلْ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؟ عَلَى مَا يَأْتِي مُحَرَّرًا فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ، حَتَّى تَتُوبَ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: ظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ فِي التَّوْبَةِ: لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ: فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ، حَيْثُ خَصَّ الْبُطْلَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ إنْ نَكَحَهَا غَيْرُ الزَّانِي. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَوْبَةُ الزَّانِي بِهَا إذَا نَكَحَهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ تَوْبَتُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: تَوْبَةُ الزَّانِيَةِ: أَنْ تُرَاوَدَ عَلَى الزِّنَا، فَتَمْتَنِعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَنَصَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: تَوْبَتُهَا كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا، مِنْ النَّدَمِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، لَمْ يَجُزْ فِي الْعِدَّةِ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَلَا يَطَؤُهَا إنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي جَوَازِ وَطْءِ أَرْبَعٍ غَيْرِهَا وَالْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَاخْتَارَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَكَان آخَرَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ الْأَرْبَعِ حَتَّى يُسْتَظْهَرَ بِالزَّانِيَةِ حَمْلٌ. وَاسْتَبْعَدَهُ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمَجْدُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ خَمْسٍ. فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ. وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ.

وَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْكُفَّارِ: لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَاخْتَارَ أَرْبَعًا: هَلْ يَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَمْ لَا؟ الثَّالِثَةُ: يَجُوزُ فِي مُدَّةِ اسْتِبْرَاءِ الْعَتِيقَةِ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ الْمُنَى. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ كَمَا قَبْلَ الْعِتْقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَزَادَ: الْأَمَةَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. الْتَزَمَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي مَوْضِعٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِشُبْهَةٍ، حَرُمَ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ لِغَيْرِ الْوَاطِئِ. بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: لَمْ يَصِحَّ. وَيُبَاحُ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: إنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً مِنْ زَوْجٍ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَوَطِئَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَأَمَّا لِلْوَاطِئِ: فَعَنْهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا أُبِيحَتْ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْعُدَدِ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْحَابُ كَافَّةً، مَا عَدَا أَبَا مُحَمَّدٍ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَيَكُونُ هَذَا الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخِطْبَةِ. لَكِنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ.

وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا حَتَّى تَفْرُغَ عِدَّتُهَا. ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَحْرِيمُهَا عَلَى الْوَاطِئِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي هَذَا الْقِيَاسِ نَظَرٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ، إلَّا حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ) يَشْمَلُ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: حَرَائِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَهُمَا قِسْمَانِ: ذِمِّيَّاتٌ، وَحَرْبِيَّاتٌ. فَالذِّمِّيَّاتُ: يَبُحْنَ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيَّاتُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: حِلُّ نِكَاحِهِنَّ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ نِكَاحُ الْحَرْبِيَّةِ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ اُضْطُرَّ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ. وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: بِالْجَوَازِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعَ الضَّرُورَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَسِيرِ: الْمَنْعُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ النِّكَاحِ " هَلْ يَتَزَوَّجُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا؟ " وَقَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: إذَا كَانَتْ الْكَافِرَةُ أُمُّهَا حَرْبِيَّةٌ لَمْ يُبَحْ نِكَاحُهَا.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حَرَائِرُ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا: أَنَّ مَنْ دَانَ بِصُحُفِ شِيثٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالزَّبُورِ: تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ. وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، كَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: لَا تَحِلُّ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَالْمُقْنِعِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ مُنَاكَحَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَحِلُّ. ذَكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَحَكَاهَا فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِذَلِكَ نَصًّا. قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ. فَقَدْ أَثْبَتَهَا الثِّقَاتُ.

وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً: إنْ كَانَ أَبُوهَا كِتَابِيًّا أُبِيحَتْ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ خَطَأٌ. تَنْبِيهَانِ: إحْدَاهُمَا: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، إذَا اخْتَارَتْ هِيَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ. أَمَّا إنْ اخْتَارَتْ غَيْرَهُ: فَلَا تُبَاحُ قَوْلًا وَاحِدًا. الثَّانِي: فَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ كَانَ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيَّيْنِ، وَاخْتَارَتْ هِيَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: التَّحْرِيمُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ عَنْهُ: لَا تَحْرُمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يَنْكِحُ مَجُوسِيٌّ كِتَابِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَيَنْكِحُ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَنْكِحُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَلَكَ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. فَلَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ. فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخِرَقِيِّ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ. إحْدَاهُمَا: تَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ آخِرُ قَوْلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَحِلُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، غَيْرَ بَنِي تَغْلِبَ يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُنَّ حُكْمُ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَرَدَّهَا الْخَلَّالُ. وَقَالَ: إنَّمَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا، وَلَمْ يَنْفُذْ لَهُ قَوْلٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنْ يَخَاف الْعَنَتَ وَلَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ. وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ) .

لَا يُبَاحُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ. وَلَوْ عُدِمَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ خَوْفِ الْعَنَتِ. وَحَمَلَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ رِوَايَةَ مُهَنَّا عَلَى أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْبَابِ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً " " هَلْ يَكُونُ أَوْلَادُ الْحُرِّ مِنْ الْأَمَةِ أَرِقَّاءَ أَمْ لَا؟ ". تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الشَّرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَجِدَ ثَمَنَ أَمَةٍ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ، فَفِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَسَّرَ " الْعَنَتَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ: بِالزِّنَا.

وَكَذَا صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَالَ: فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ، لَكِنْ يُؤَدِّي صَبْرَهُ إلَى مَرَضٍ: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَفَسَّرَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُمْ: بِعَنَتِ الْعُزُوبَةِ، إمَّا لِحَاجَةِ الْمُتْعَةِ، وَإِمَّا لِلْحَاجَةِ إلَى خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ، لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ الْخِدْمَةَ. وَأَدْخَلَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ، إذَا كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ يَخَافُ مَعَهَا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمُبَاشَرَةِ حَرَامًا، وَهُوَ عَادِمٌ لِلطَّوْلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ حُرٍّ مُسْلِمٍ غَيْرِ مَجْبُوبٍ أَمَةً مُسْلِمَةً إلَّا بِشَرْطَيْنِ. تَنْبِيهٌ: عُمُومُ قَوْلِهِ (وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ) ، يَشْمَلُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ، وَالْكِتَابِيَّةَ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحُرَّةَ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالُ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ وَجْهَانِ. وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ (وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ) الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدْ أَطْلَقَ لِلْأَمَةِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ،

وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: الْأَمَةَ بِالْإِسْلَامِ. فَوَائِدُ: الْأَوْلَى " وُجُودُ الطَّوْلِ " هُوَ أَنْ لَا يَمْلِكَ مَالًا حَاضِرًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّوْلَ بِالسَّعَةِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: عَدَمُ الطَّوْلِ: أَنْ لَا يَجِدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا نَفَقَتَهَا، وَهُوَ أَوْلَى. إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكْ مَالًا حَاضِرًا، وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا، أَوْ بِدُونِ مَهْرِهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ. وَجَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْأَزَجِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا، أَوْ بِدُونِ مَهْرِهَا: لَزِمَهُ. وَقِيلَ: إنْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا: لَزِمَهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ وُهِبَ لَهُ الصَّدَاقُ: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجْحِفَ بِمَالِهِ. فَإِنْ أَجْحَفَ بِمَالِهِ: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ وَجَدَ حُرَّةً لَا تُوطَأُ لِصِغَرِهَا، أَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ غَائِبَةً: جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّوْجَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَيْسَ لِحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِلْعَبْدِ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ: أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مَرِيضَةً جَازَ لَهُ أَيْضًا نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: نِكَاحُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ إرْقَاقِ جَمِيعِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ أَيْسَرَ. أَوْ نَكَحَ حُرَّةً، فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا، فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي الْأَخِيرَةِ. إذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَفِيهِ الشَّرْطَانِ ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ. وَخَرَّجَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَإِذَا نَكَحَ حُرَّةً عَلَى الْأَمَةِ: لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَبْطُلُ. قَدَّمَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِيهِمَا، لَا فَسْخًا. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ يَكُونُ طَلَاقًا لِلْأَمَةِ. لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ لَا يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا أَيْسَرَ، وَنَكَحَ حُرَّةً. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً فَلَمْ تُعِفَّهُ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ نِكَاحِ أَمَةٍ عَلَيْهَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. إذَا كَانَ فِيهِ الشَّرْطَانِ قَائِمَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ.

وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَصِحُّ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَحَرَّرَ لِأَصْحَابِنَا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ: ثَلَاثُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: الْمَنْعُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ وَطْءُ الْحُرَّةِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ: جَازَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ الطَّرِيقُ هِيَ عِنْدِي مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهَا يَدُلُّ كَلَامُهُ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: إذَا لَمْ تُعِفَّهُ. فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ. الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: فِي الْجَمْعِ رِوَايَتَانِ. كَمَا ذَكَرَ الْمَجْدُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ: لَوْ تَزَوَّجَ حُرٌّ خَائِفُ الْعَنَتِ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلطَّوْلِ حُرَّةً تُعِفُّهُ بِانْفِرَادِهَا، وَأَمَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ جَمْعُهُمَا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. انْتَهَى. وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ نِكَاحِ ثَانِيَةٍ بِشَرْطِهِ ثُمَّ ثَالِثَةٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ رَابِعَةٍ كَذَلِكَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا: لَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ: جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً. إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُعِفُّهُ إلَّا ذَلِكَ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِيهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ وَاحِدَةٌ، فَثَانِيَةٌ. ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ رَابِعَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَلَخَّصَ لِأَصْحَابِنَا فِي تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا: طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَهِيَ: أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَّا إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ، بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ وَطْءُ الَّتِي تَحْتَهُ. وَمَتَى أَمْكَنَهُ وَطْؤُهَا لَمْ يَجُزْ. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ: فَهَلْ يُجْعَلُ وُجُودُ زَوْجَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَمْنًا مِنْ الْعَنَتِ؟ وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ سَوَاءً. الطَّرِيقُ الثَّانِي: إذَا كَانَ فِيهِ الشَّرْطَانِ: فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ وَطْءِ الْأُولَى. وَهَذَا مَعْنَى خَوْفِ الْعَنَتِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيُّ إلَّا ذَلِكَ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي الْحِلَّ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَطْءِ.

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: الْمَسْأَلَةُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ) . وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ وَغَيْرَهُ عَلَّلَ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ بِالْمُسَاوَاةِ. فَيَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ) يَعْنِي: الْعَبْدَ (أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟) (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ: جَازَ) . يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَجُوزُ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَحْدَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ. وَفِي الْمُوجَزِ، فِي الْعَبْدِ رِوَايَةَ: يَصِحُّ فِي الْأَمَةِ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ، لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ. وَقَالَ: إنْ لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَفَاءَةُ صَحَّ فِيهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَيَتَخَرَّج أَنْ لَا يَجُوزَ) . قَالَ الشَّارِحُ: بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى حُرَّةٍ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ بِشَرْطِهِ. هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ ". وَلَكِنْ لَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ طَلَاقًا بَائِنًا جَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّتِهَا، مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَجْهًا بِالْمَنْعِ، إذَا مَنَعْنَا مِنْ الْجَمْعِ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ مَعَ الْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا. فَائِدَةٌ: الْحُرُّ الْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمَا: إنْ اعْتَبَرْنَا إسْلَامَ الْأَمَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ اعْتَبَرْنَا كَوْنَهَا كِتَابِيَّةً فِي حَقِّ الْكِتَابِيِّ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: الْمَجُوسِيُّ كَالْكِتَابِيِّ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكُلُّ كَافِرٍ كَمُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا " إذَا مَلَكَ كِتَابِيٌّ مَجُوسِيَّةً. هَلْ لَهُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا؟ ". قَوْلُهُ (وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا أَمَةَ ابْنِهِ) . لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَتِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُهَا. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ ابْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ. وَذَكَرُوا أَصْلَهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ وُجُوبُ إعْفَافِ الِابْنِ أَبَاهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَى النِّكَاحِ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ إعْفَافُهُ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَتِهِ أَوْ أَمَةِ غَيْرِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. كَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي سَائِرِ مَنْ يَلْزَمُ إعْفَافُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مُعْسِرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إعْفَافِ أَبِيهِ، فَهَلْ لِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَتِهِ؟ . ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ احْتِمَالَيْنِ: الْجَوَازُ؛ لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ. وَالْمَنْعُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. وَخَرَّجَ أَيْضًا: رِوَايَةً بِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَبِ أَمَةَ وَلَدِهِ مُطْلَقًا مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ وُجُوبِ إعْفَافِهِ. وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَنْعِ مَأْخَذٌ آخَرُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ. وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ لَهُ شُبْهَةُ الْمِلْكِ فِي مَالِ وَلَدِهِ. وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ تَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ. كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَمَةِ الْمُكَاتَبِ. وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ: يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِأَمَةِ الِابْنِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَلِلْمَنْعِ مَأْخَذٌ ثَالِثٌ. وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةَ وَلَدِهِ فَأَوْلَدَهَا. فَهَلْ تَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْتَوْلَدَةً، وَيَنْعَقِدُ وَلَدُهُ حُرًّا أَمْ لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً، وَيَنْعَقِدُ رَقِيقًا؟

ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْوَلَدَ يَنْعَقِدُ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي مَالِ وَلَدِهِ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِعَقْدٍ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْأَجَانِبُ. فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً. قَالَ: وَهَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا مَعَ ظَنِّ صِحَّتِهِ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ: فَبَعِيدٌ جِدًّا. وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِي ثُبُوتِ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَاسْتِيلَادِهِ، كَتَرَدُّدِهِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ. وَاسْتَشْكَلَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِهِ مَعَ رِقِّ الْوَلَدِ وَعَدَمِ الِاسْتِيلَادِ. وَكَانَ أَوَّلًا أَفْتَى بِالرِّقِّ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ، مُسْتَنِدًا إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حُكِمَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ لَزِمَ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَاسْتِيلَادُ أُمِّهِ. قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، كَمَا لَوْ نَكَحَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا. وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَأْخَذُ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ مُعَرَّضًا لِلِانْفِسَاخِ بِحُصُولِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ. فَلَا يَصِحُّ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: جَوَازُ تَزْوِيجِ الِابْنِ بِأَمَةِ وَالِدِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إذَا مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ: فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَقَعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ. الْأَدِلَّةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. وَالْمِلْكُ سَبَقَ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ. فَقَدْ سَبَقَ نُفُوذُ الطَّلَاقِ الْفَسْخَ، فَنَفَذَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَارَنَ الْمَانِعَ، وَهُوَ الْمِلْكُ. فَلَمْ يَنْفُذْ. وَقَدَّمَهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَرَّرًا. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً، وَقَالَ " إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَقِلُ الْمَلِكُ مَعَ الْخِيَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَقِلُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَجْهًا وَاحِدًا. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ ". جَوَازُ تَزَوُّجِ الْأَبِ بِأَمَةِ وَلَدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ. وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا إذَا كَانَتْ رَقِيقَةً. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ) وَكَذَا بَعْضَهَا (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ) وَكَذَا بَعْضُهَا (فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْفَسِخُ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: كَذَا الْحُكْمُ لَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ بَعْضَهَا مُكَاتَبَةً. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ شِرَاءِ الزَّوْجَةِ أَوْ وَلَدِهَا، أَوْ مُكَاتَبِهَا لِلزَّوْجِ: حُكْمُ شِرَاءِ الزَّوْجِ أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ لِلزَّوْجَةِ. فَلَوْ بَعَثَتْ إلَى زَوْجِهَا تُخْبِرُهُ " أَنِّي قَدْ حَرُمْت عَلَيْك، وَنَكَحْت غَيْرَك. وَعَلَيْك نَفَقَتِي وَنَفَقَةِ زَوْجِي " فَهَذِهِ امْرَأَةٌ مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا. فَيُعَايَى بِهَا. وَتَقَدَّمَ جَوَازُ تَزْوِيجِ بِنْتِهِ بِعَبْدِهِ. عِنْدَ " تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ ". وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ جَمْع بَيْنَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. فَهَلْ يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَنْصُوصُ: صِحَّةُ نِكَاحِ الْأَجْنَبِيَّةِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. فَفِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ النِّكَاحَانِ مَعًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا. ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفَائِدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فِي التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إلَّا إمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَ وَطْءِ إمَاءِ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَلَا يَصِحُّ ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ هَؤُلَاءِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحِلُّ نِكَاحُهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ. وَإِنْ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " لَمْ تَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " وَقَبِلْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. . فَهَلْ يَثْبُتُ

فِي حَقِّهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الرِّجَالِ، تَبَعًا لِلنِّكَاحِ، وَيَزُولُ بِذَلِكَ إشْكَالُهُ. أَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، دُونَ مَا لَهُ مِنْهَا، لِئَلَّا يَلْزَمَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِمِيرَاثِ ذَكَرٍ وَدِيَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ " أَنَا امْرَأَةٌ " بَعْدَ قَوْلِهِ " أَنَا رَجُلٌ " وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ مَهْرَ الْمَرْأَةِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي نِكَاحِهِ لِمَا يُسْتَقْبَلُ الْوَجْهَانِ الْآتِيَانِ بَعْدُ فَوَائِدُ: الْأُولَى: عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَزَوِّجًا، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، بِأَنْ قَالَ " أَنَا رَجُلٌ " ثُمَّ قَالَ " أَنَا امْرَأَةٌ " أَوْ عَكْسُهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهُ نِكَاحَ مَا عَادَ إلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَوْ عَادَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: فَلَهُ نِكَاحُ مَا عَادَ إلَيْهِ، فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الصِّنْفَيْنِ عِنْدِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: لَا يَجُوزُ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ الزَّائِدِ. قُلْت: إذَا زَوَّجْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى: لَمْ يُسْتَبْعَدْ جَوَازُ وَطْئِهِ فِيهِ. كَمَا يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ، غَيْرَ دُبُرِهِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الشروط في النكاح

[بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ] ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي النِّكَاحِ فِي هَذَا الْبَابِ مَحَلُّ ذِكْرِهَا: صُلْبُ الْعَقْدِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَذَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ عَلَى هَذَا جَوَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي فَتَاوِيهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَمَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَمُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيُتَوَجَّهُ صِحَّةُ الشَّرْطِ فِيهِ. بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا بِنِيَّةٍ بَعْدَ الْيَمِينِ، لَا سِيَّمَا وَالنِّكَاحُ تَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِيهِ فِي الْمَهْرِ بَعْدَ عَقْدِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ قِسْمَانِ. صَحِيحٌ: مِثْلَ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقْدٍ

مُعَيَّنٍ، أَوْ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ دَارِهَا، أَوْ بَلَدِهَا، أَوْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا) . فَهَذَا صَحِيحٌ لَازِمٌ، إنْ وَفَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظَاهِرُ الْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ: يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي جَعْفَرٍ رِوَايَةَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا، وَلَا يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا. وَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ " لُحُوقُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صِحَّةَ شَرْطِ: أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ صِحَّةُ دَفْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ. أَمَّا الزَّوْجُ: فَمُطْلَقًا. وَأَمَّا الزَّوْجَةُ: فَبَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا. وَمَنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ مَشْرُوطَةٌ بِشَرْطٍ. فَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ. فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْفُرُوعِ عَلَى ذِكْرِ رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُوصَى لَهُ " لَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ ".

الثَّالِثَةُ: قَالَ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ خَدَعَهَا فَسَافَرَ بِهَا، ثُمَّ كَرِهَتْهُ: لَمْ يَكُنْ أَنْ يُكْرِهَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: هَذَا إذَا لَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا: وَاضِحٌ. أَمَّا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ، كَهِبَةِ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ. وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا الْعَوْدَةُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ بَعْضِ مَهْرِهَا الْمُسَمَّى. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. فَذَكَرَهُ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَمَاتَ الْأَبُ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أُمِّهَا إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ الْأُمُّ. وَلَوْ تَعَذَّرَ سُكْنَى الْمَنْزِلِ، لِخَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْفَسْخِ بِنَقْلِهَا عَنْهُ؟ أَفْتَيْت بِأَنَّهُ إنْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلٍ تَرْتَضِيهِ هِيَ، فَلَا فَسْخَ. وَإِنْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلٍ لَا تَرْتَضِيه، فَلَهَا الْفَسْخُ. وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ بِهَا حَيْثُ أَرَادَ، سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَوْ لَا. لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالشَّرْطُ عَارِضٌ، وَقَدْ زَالَ. فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ. وَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ شَرَطَ لَهَا أَنْ يُسْكِنَهَا بِمَنْزِلِ أَبِيهِ، فَسَكَنَتْ. ثُمَّ طَلَبَتْ سُكْنَى مُنْفَرِدَةً، وَهُوَ عَاجِزٌ: لَا يَلْزَمُهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، بَلْ لَوْ كَانَ قَادِرًا لَيْسَ لَهَا عَلَى قَوْلٍ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ مَا شَرَطَتْ لَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ صِحَّةُ الشَّرْطِ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِعَدَمِهِ، لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهَا، لَا لِحَقِّهِ لِمَصْلَحَتِهِ، حَتَّى يَلْزَمَ فِي حَقِّهَا. وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَنْ شَرَطَتْ دَارَهَا فِيهَا أَوْ فِي دَارِهِ: لَزِمَ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: الشَّرْطُ الْعُرْفِيُّ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ) . جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إذَا شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا وَقُلْنَا: يَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ. لِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَدِيثِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ لِغَيْرِهِ. قُلْت: قَدْ حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَصَحَّحَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَصِحُّ شَرْطُ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا فِي رِوَايَةٍ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقِيلَ: بَاطِلٌ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: حُكْمُ شَرْطِ بَيْعِ أَمَتِهِ: حُكْمُ شَرْطِ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ أَمَتِهِ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ شَرْطِ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ الْبَلَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: لَمْ يَجِبْ

الْوَفَاءُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ. وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مُخَالَفَةُ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ قَرْيَتِهَا. ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا شَرَطَتْ دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا وَجْهًا بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْمَقَامِ مَعَهَا. وَذَكَرَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَسَرَّى إلَّا بِإِذْنِهَا فِي وَجْهٍ، إذَا شَرَطَتْهُ. إذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ: فَلَهَا الْفَسْخُ بِالنَّقْلَةِ، وَالتَّزْوِيجِ، وَالتَّسَرِّي. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفِ فَأَمَّا إنْ أَرَادَ نَقْلَهَا وَطَلَبَ مِنْهَا ذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: لَهَا الْفَسْخُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِخْرَاجِ. وَضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: الْعَزْمُ الْمُجَرَّدُ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ. إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْهَمِّ طَلَبُ نَقْلَةٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ شَرَطَتْ أَنْ لَا تُسَلِّمَ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: صِحَّتُهُ كَاشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَطَتْ: أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا. الرَّابِعَةُ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ: إذَا شُرِطَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا، وَأَوْلَادِهَا، أَوْ ابْنِهَا الصَّغِيرِ، وَأَنْ تُرْضِعَهُ. وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهَا إذَا شَرَطَتْ أَنَّ لَهَا وَلَدًا تُرْضِعُهُ، فَلَهَا شَرْطُهَا.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ: وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ وَلَدِهَا وَكِسْوَتِهِ: صَحَّ وَكَانَ مِنْ الْمَهْرِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: وَظَاهِرُهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَعْيِينُ مُدَّةٍ، كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَكِسْوَتِهَا. فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا بَعْدَهَا. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاضِحٌ. الْخَامِسَةُ: هَذِهِ الشُّرُوطُ الصَّحِيحَةُ: إنَّمَا تَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ الَّذِي شُرِطَتْ فِيهِ. فَأَمَّا إنْ بَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا: لَمْ تَعُدْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي هَذَا الْعَقْدِ الثَّانِي بَلْ يَبْطُلُ حُكْمُهَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا فِيهِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ عَوْدُهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي، إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتَوْفَى عَدَدَ الطَّلَاقِ: لَزِمَ فِيهِ كُلُّ مَا كَانَ مُلْتَزَمًا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ. السَّادِسَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى التَّرَاخِي. لَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى، مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَمْكِينٍ مِنْهَا مَعَ الْعِلْمِ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: فَاسِدٌ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ. وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ. أَحَدُهَا: نِكَاحُ الشِّغَارِ. وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ. وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ قَالَا " وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْأُخْرَى " أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ.

فَعَلَيْهِ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا: صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ " وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْأُخْرَى " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ صَحَّ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ بِتَسْمِيَةٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجْهًا وَاخْتَارَهُ أَنَّ بُطْلَانَهُ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْمَهْرِ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، كَالْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا صَحَّ " أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسْتَقِلًّا، غَيْرَ قَلِيلٍ وَلَا حِيلَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ سُمِّيَ لِإِحْدَاهُمَا مَهْرٌ، وَلَمْ يُسَمَّ لِلْأُخْرَى شَيْءٌ. فَسَدَ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ لَا غَيْرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِيهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ: لَوْ جَعَلَا بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَدَرَاهِمَ مَعْلُومَةً صَدَاقَ الْأُخْرَى: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ. وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا طَلَّقَهَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ مَعَ شَرْطِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ. وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ: لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَحَكَاهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا رِوَايَةً. وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُؤْخَذُ مِنْ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ.

فَلَوْ نَوَى قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا: فَهُوَ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ. وَإِنْ رَجَعَ عَنْهَا، وَنَوَى عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ: صَحَّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَوَتْ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: نِيَّتُهَا كَنِيَّتِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ إذَا اتَّفَقَا. فَإِنْ اعْتَقَدَتْ ذَلِكَ بَاطِنًا، وَلَمْ تُظْهِرْهُ: صَحَّ فِي الْحُكْمِ. وَبَطَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى. وَيَصِحُّ النِّكَاحُ إلَى الْمَمَاتِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ وَهَبَهَا الْعَبْدَ أَوْ بَعْضَهُ، لِيَفْسَخَ نِكَاحَهَا: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَاشْتَرَى عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِهَا: فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا. وَهَذَا فَاسِدٌ. لَيْسَ بِكُفْءٍ. وَهُوَ شِبْهُ الْمُحَلِّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَزْوِيجُهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِعَبْدِهِ بِنِيَّةِ هِبَتِهِ، أَوْ بَيْعِهِ مِنْهَا، لِيَفْسَخَ النِّكَاحَ: كَنِيَّةِ الزَّوْجِ. وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ. وَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِتَأَسُّفِهِ عَلَى طَلَاقِهَا: حِلُّهَا بِعَبْدٍ فِي مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ. وَمَتَى زَوَّجَهَا مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ تَأَسُّفِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالنِّكَاحِ إلَّا التَّحْلِيلَ. وَالْقَصْدُ عِنْدَنَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ. بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا: إذَا تَزَوَّجَ الْغَرِيبُ بِنِيَّةِ طَلَاقِهَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَبْدُ التَّحْلِيلَ

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: لَوْ أَخْرَجَتْ مِنْ مَالِهَا ثَمَنَ مَمْلُوكٍ، فَوَهَبَتْهُ لِبَعْضِ مَنْ تَثِقُ بِهِ. فَاشْتَرَى بِهِ مَمْلُوكًا، ثُمَّ خَطَبَهَا عَلَى مَمْلُوكٍ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. فَدَخَلَ بِهَا الْمَمْلُوكُ، ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ وَشَرْطُهُ. وَهُوَ الزَّوْجُ. فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ، وَلَا الْوَلِيِّ، قَالَ: وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهَا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا مَمْلُوكٌ وَوَطِئَهَا أَحَلَّهَا. انْتَهَى. وَهَذِهِ الصُّورَةُ غَيْرُ الَّتِي مَنَعَ مِنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حِلِّهَا إذَا كَانَ الْمُطَلِّقُ الزَّوْجَ وَاشْتَرَى الْعَبْدَ وَزَوَّجَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا لِيُحِلَّهَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ. وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إلَى مُدَّةٍ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ لَا يَصِحُّ. وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابُ وَعَنْهُ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: رَجَعَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ لَفْظِ " الْحَرَامِ " وَلَمْ يَنْفِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَغَيْرُ أَبِي بَكْرٍ يَمْنَعُ هَذَا، وَيَقُولُ: الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَلْغُوَ التَّوْقِيتُ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَطَعَ الشَّيْخُ فِيهَا بِصِحَّتِهِ مَعَ النِّيَّةِ. وَنَصَّهُ، وَالْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ كَمَا لَوْ نَوَى: إنْ وَافَقَتْهُ وَإِلَّا طَلَّقَهَا.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا قَاسَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ أَنَّهُ مُوجَبُ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. فَإِنَّهُ يُنَافِيهِ؛ لِقَصْدِهِ التَّوْقِيتَ. قَوْلُهُ (وَنِكَاحٌ شَرَطَ فِيهِ طَلَاقَهَا فِي وَقْتٍ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي النِّكَاحِ طَلَاقَهَا فِي وَقْتٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ. كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُك إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ وَشَبَهِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ عَلَى شَرْطٍ: فَسَدَ الْعَقْدُ، عَلَى الْأَصَحِّ كَالشَّرْطِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَبَعَّدَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَنَصُّ مِنْ كَلَامِهِ: جَوَازُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَرِوَايَةُ الصِّحَّةِ أَقْوَى. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. نَصَرَهُ شَيْخُنَا. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ " وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ " أَظُنُّ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَدَخَلَ فِي

ذَلِكَ قَوْلُهُ: إذَا قَالَ " زَوَّجْتُك هَذَا الْمَوْلُودَ إنْ كَانَ أُنْثَى " أَوْ " زَوَّجْتُك بِنْتِي إنْ كَانَتْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا " أَوْ " إنْ لَمْ تَكُنْ زُوِّجَتْ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْحَاضِرَةِ وَالْمَاضِيَةِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْجَدَّ الْأَعْلَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ فِي أَوَّلِ " بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ " فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى أَوْ أَقَلَّ. فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَيَصِحُّ النِّكَاحُ) . وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَدَمَ الْوَطْءِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ النِّكَاحُ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ إذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إذَا شَرَطَ: أَنْ لَا يَطَأَ، أَوْ أَنْ لَا يُنْفِقَ، أَوْ إنْ فَارَقَ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ: رِوَايَتَيْنِ. يَعْنِي فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ شَرْطِ عَدَمِ النَّفَقَةِ. قَالَ: لَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ إذَا أُعْسِرَ الزَّوْجُ وَرَضِيَتْ بِهِ: أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّفَقَةِ بَعْدُ وَاخْتَارَ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.

وَاخْتَارَ أَيْضًا الصِّحَّةَ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الْوَطْءِ كَشَرْطِ تَرْكِ مَا تَسْتَحِقُّهُ. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ شَرَطَتْ مَقَامَ وَلَدِهَا عِنْدَهَا، وَنَفَقَتَهُ عَلَى الزَّوْجِ: كَانَ مِثْلَ اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَاقِ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ، كَالْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ، أَوْ إنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا. فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: صِحَّةُ الشَّرْطِ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. وَبَعَّدَهَا الْقَاضِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صِحَّةَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ. قَوْلُهُ (وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي فِي الثَّانِيَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي فِي الْأُولَى. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الصَّدَاقِ، فَقِيلَ: هُوَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَصِحُّ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَا فِي الصَّدَاقِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: صِحَّةُ الصَّدَاقِ، مَعَ بُطْلَانِ الْخِيَارِ. وَصِحَّةُ الصَّدَاقِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ وَبُطْلَانُ الصَّدَاقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً: فَبَانَتْ مُسْلِمَةً، فَلَا خِيَارَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَزَوَّجَهَا يَظُنُّهَا مُسْلِمَةً، وَلَمْ تُعْرَفْ بِتَقَدُّمِ كُفْرٍ. فَبَانَتْ كَافِرَةً. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقُوا الْخِلَافَ هُنَا، كَمَا أَطْلَقُوهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ هُنَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهَا أَمَةً، فَبَانَتْ حُرَّةً. فَلَا خِيَارَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صِفَةٍ شَرَطَهَا، فَبَانَتْ أَعْلَى مِنْهَا. عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا، فَبَانَتْ بِكْرًا: فَلَهُ الْفَسْخُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَهَا بِكْرًا، أَوْ جَمِيلَةً، أَوْ نَسِيبَةً، أَوْ شَرَطَ نَفْيَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَنْفَسِخُ بِهَا النِّكَاحُ، فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي غَيْرِ الْبِكْرِ. إحْدَاهُمَا: لَهُ الْخِيَارُ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْبِكْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي النَّسِيبَةِ. وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ فِي شَرْطِ النَّسَبِ خَاصَّةً إذَا فُقِدَ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ فِيمَا إذَا شَرَطَهَا بِكْرًا، فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ يُحْتَمَلُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِأَنَّ لَنَا قَوْلًا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صِفَةٍ. فَبَانَتْ بِخِلَافِهَا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ. فَائِدَةٌ: إذَا شَرَطَهَا بِكْرًا وَقُلْنَا: لَيْسَ لَهُ خِيَارٌ فَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَقَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ الْمَهْرَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْجَمِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً)

وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً فَبَانَتْ أَمَةً. (فَأَصَابَهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ. فَالْوَلَدُ حُرٌّ. وَيَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ وِلَادَتِهِمْ، وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ: فَلَهُ الْخِيَارُ. فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ: فَهُوَ رَقِيقٌ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً، أَوْ شَرَطَهَا حُرَّةً وَاعْتَبَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ مُقَارَنَةَ الشَّرْطِ لِلْعَقْدِ. وَاخْتَارَهُ قَبْلَهُ الْقَاضِي فَبَانَتْ أَمَةً، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ يَصِحُّ. فَلَا خِيَارَ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ: إنَّمَا حُكِيَ عَنْهُ فِيمَا إذَا شَرَطَهَا أَمَةً فَبَانَتْ حُرَّةً. كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: أَنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِهِ " فِيمَا إذَا شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً فَبَانَتْ مُسْلِمَةً " ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. فَاَلَّذِي نَقْطَعُ بِهِ: أَنَّ نَقْلَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ هُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ: إمَّا سَهْوٌ، أَوْ يَكُونُ هُنَا نَقْصٌ. وَهُوَ أَوْلَى. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَبَنَاهُ فِي الْوَاضِحِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْكَفَاءَةِ. فَهَذَا لَا يُلَائِمُ الْمَسْأَلَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ: فَلَهُ الْخِيَارُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَظَاهِرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: إطْلَاقُ الظَّنِّ. فَيَدْخُلُ فِيهِ: ظَنُّهُ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ أَوْ عَتِيقَةٌ.

وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا ظَنَّهَا عَتِيقَةً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ: التَّنَافِي بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ لَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً لَا خِيَارَ لَهُ. وَقِيلَ: لَا خِيَارَ لِعَبْدٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا فَسْخَ مُطْلَقًا. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَإِذَا اخْتَارَ الْمُقَامَ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كَامِلًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُنْسَبُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَامِلًا. فَيَكُونُ لَهُ بِقَدْرِ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أُبِيحَ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةٍ، فَنَكَحَهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ: فَهُمْ أَرِقَّاءُ لِسَيِّدِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّ وَلَدَ الْعَرَبِيِّ يَكُونُ حُرًّا. وَعَلَى أَبِيهِ فِدَاؤُهُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْأَقَارِبِ. وَإِنْ شَرَطَ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ، فَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي إرْثِ غُرَّةِ الْجَنِينِ: إنْ شَرَطَ زَوْجُ الْأَمَةِ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ: كَانَ حُرًّا. وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ: فَهُوَ عَبْدٌ. انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ ". قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ فِي الْحِيَلِ الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ: إذَا شَرَطَ الزَّوْجُ عَلَى السَّيِّدِ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ: صَحَّ. وَمَا وَلَدَتْهُ فَهُمْ أَحْرَارٌ. قَوْلُهُ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ: يَنْعَقِدُ حُرًّا بِاعْتِقَادِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَنْعَقِدُ حُرًّا كَمَا يُعَدُّ وَلَدُ الْقُرَشِيِّ قُرَشِيًّا. وَعَنْهُ: الْوَلَدُ بِدُونِ الْفِدَاءِ رَقِيقٌ.

قَوْلُهُ (وَيَفْدِيهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا فِدَاءَ عَلَيْهِ، لِانْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ " افْتَدِ أَوْلَادَك، وَإِلَّا فَهُمْ يَتْبَعُونَ الْأُمَّ ". قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ فِدَائِهِمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ رَقِيقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَفْدِيهِمْ بِقِيمَتِهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَابْنُ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْغَصْبِ " لِأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: يَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ فِي الْقِيمَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُمْ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ. وَعَنْهُ: يَفْدِيهِمْ بِمِثْلِهِمْ فِي صِفَاتِهِمْ تَقْرِيبًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مِنْ الْغَاصِبِ، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ، وَوَطِئَهَا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ. فَإِنَّ الْأَصْحَابَ أَحَالُوهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (يَوْمَ وِلَادَتِهِمْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: وَقْتَ الْخُصُومَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَضْمَنُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ وُلِدَ حَيًّا فِي وَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ، سَوَاءٌ عَاشَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبٌ. وَيَغْرَمُ أَبُوهُ قِيمَتَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا: يَجِبُ لَهَا الْبَعْضُ فَيَسْقُطُ. وَوَلَدُهَا يَغْرَمُ أَبُوهُ قَدْرَ رِقِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَبَانَتْ أَمَةً) . يَعْنِي: بِالْبَيِّنَةِ لَا غَيْرُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَبِإِقْرَارِهَا أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ. وَيَفْدِيهِمْ إذَا عَتَقَ) . فَيَكُونُ الْفِدَاءُ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا هُوَ الْمُتَوَجَّهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ مَحْضَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ. فَيَرْجِعُ بِهِ سَيِّدُهُ فِي الْحَالِ. قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) . بِلَا نِزَاعٍ كَأَمْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَهُ. فَلَمْ يَكُنْ لَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. لَكِنْ مِنْ شُرُوطِ رُجُوعِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ لَهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ الشَّرْطُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ: رَجَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فَقَالَ " الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ حُرِّيَّتَهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إنْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَلَى الْعَقْدِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ. فَلَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ " انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَيَرْجِعُ أَيْضًا بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، مَعَ إيهَامِهِ بِقَرِينَةِ حُرِّيَّتِهَا. وَفِي الْمُغْنِي أَيْضًا: وَلَوْ كَانَ الْغَارُّ أَجْنَبِيًّا كَوَكِيلِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: هُوَ إطْلَاقُ نُصُوصِهِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا دَلَّسَ غَيْرُ الْبَائِعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ مَعَ الظَّنِّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ. إذْ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ قَضَوْا بِالرُّجُوعِ لَمْ يَسْتَفْصِلُوا. وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْعَيْبِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لِمُسْتَحِقِّ الْفِدَاءِ مُطَالَبَةُ الْغَارِّ ابْتِدَاءً. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: كَمَا لَوْ مَاتَ عَبْدًا أَوْ عَتِيقًا أَوْ مُفْلِسًا. وَجَعَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَكَذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ جَدُّهُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَيَرْجِعُ هَذَا إلَى أَنَّ الْمَغْرُورَ: هَلْ يُطَالَبُ ابْتِدَاءً بِمَا يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَى الْغَارِّ، أَمْ لَا يُطَالَبُ بِهِ سِوَى الْغَارُّ؟ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ هُنَا. وَمَتَى قُلْنَا: يُخَيَّرُ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ وَالْغَارِّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، أَوْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ سِوَى مُطَالَبَةِ الْغَارِّ ابْتِدَاءً، وَكَانَ الْغَارُّ مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا: فَهَلْ يُطَالَبُ هُنَا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَقَدْ تُشْبِهُ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ خَطَأً مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَقْلَ. فَهَلْ يَحْمِلُ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ، أَمْ لَا؟ انْتَهَى. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ هِبَتُهُ. وَكَأَنِّي أَمِيلُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ. وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ بِعَدَمِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: مَهْرُ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. الثَّانِي قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) إنْ كَانَ الْغَارُّ السَّيِّدَ: عَتَقَتْ إذَا أَتَى بِلَفْظِ الْحُرِّيَّةِ، وَزَالَتْ الْمَسْأَلَةُ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْحُرِّيَّةِ: لَمْ تُعْتَقْ، وَلَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ لَهُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ.

لَكِنْ إنْ قُلْنَا: إنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ، وَجَبَ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ كَانَ الْغَارَّ لِلْأَمَةِ رَجَعَ عَلَيْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهَا، أَوْ بِرَقَبَتِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا أَوْ بِذِمَّتِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْ اسْتِدَانَةِ الْعَبْدِ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْحَجْرِ " وَأَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهَا. لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَةِ إذَا خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا يَتْبَعُهَا بِهِ إذَا عَتَقَتْ. فَكَذَا هُنَا. وَإِنْ كَانَتْ الْغَارَّةُ مُكَاتَبَةً: فَلَا مَهْرَ لَهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَإِنْ كَانَ الْغَارُّ أَجْنَبِيًّا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: عَدَمُ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الْغَارُّ وَكِيلُهَا، أَوْ هِيَ نَفْسُهَا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ كَانَ الْغَارُّ الْوَكِيلُ: رُجِعَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ.

وَإِنْ كَانَ الْغَرَرُ مِنْهَا وَمِنْ وَكِيلِهَا: فَالضَّمَانُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي الْغَرَرِ بِالْعَيْبِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا فَبَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الْخِيَارُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَلَكِنْ لَوْ شَرَطَتْ صِفَةً غَيْرَ ذَلِكَ، فَبَانَ أَقَلُّ مِنْهَا: فَلَا خِيَارَ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَوْ شَرَطَتْهُ نَسِيبًا، لَمْ يُخِلَّ بِكَفَاءَةٍ، فَلَمْ تَكُنْ: فَلَا فَسْخَ لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مُمَاثِلًا لَهَا. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَغَرَّهُ شَرْطُ حُرِّيَّةٍ وَنَسَبٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كَشُرُوطِهِ وَأَوْلَى؛ لِمِلْكِهِ طَلَاقُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ: فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ بِلَا رَيْبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ تَحْتَ حُرٍّ. وَإِنْ كَانَ زَوَّجَ بَرِيرَةَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ رَقَبَتَهَا. فَلَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا بِاخْتِيَارِهَا. وَيَأْتِي قَرِيبًا " إذَا عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ بَعْضُهُ: هَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ ". فَائِدَةٌ: لَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ: فَلَا خِيَارَ لَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ. وَحَكَاهُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الْوَاضِحِ: احْتِمَالُ يَنْفَسِخُ، بِنَاءً عَلَى غِنَاهُ عَنْ أَمَةٍ بِحُرَّةٍ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ وَجْهَيْنِ إنْ وَجَدَ طَوْلًا. وَفِي الْوَاضِحِ أَيْضًا: احْتِمَالُ يَبْطُلُ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِحُرَّةٍ. فَإِنَّهُ يَبْطُلُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْكَفَاءَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ " وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ ". فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ لَا فِيهَا. فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مُطْلَقًا. فَبَانَتْ أَمَةً: فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا مُطْلَقًا. فَبَانَ عَبْدًا: فَلَهَا الْخِيَارُ. فَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِدَامَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُمَا: إجْمَاعًا. (فَلَهَا الْفَسْخُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ فَسْخِهَا، أَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا: بَطَلَ

خِيَارُهَا. فَإِنْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ جَهْلُهُ أَوْ الْجَهْلَ بِمِلْكِ الْفَسْخِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) . إذَا عَتَقَ قَبْلَ فَسْخِهَا: سَقَطَ خِيَارُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: إنَّهُ وَقَعَ لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (إذَا عَتَقَا مَعًا) . وَأَمَّا إذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْتَارَةً، وَادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، مِثْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا وَهُوَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَنَحْوِهِ، أَوْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِمِلْكِ الْفَسْخِ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَبُولَ قَوْلِهَا، وَلَكِنْ مَعَ يَمِينِهَا. وَلَهَا الْخِيَارُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَحَكَاهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فَلَهَا الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْجَامِعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا وَطْءُ الصَّغِيرَةِ الْمَجْنُونَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا. عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَقِيلَ: إنْ ادَّعَتْ جَهْلًا بِعِتْقِهِ: فَلَهَا الْفَسْخُ. فَإِنْ ادَّعَتْ جَهْلًا بِمِلْكِ الْفَسْخِ: فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي الْأُولَى. وَأَطْلَقَ فِي الثَّانِيَةِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ فِيمَا إذَا وَطِئَهَا، وَالْخِيَارُ بِحَالِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ، حَتَّى عَتَقَ، أَوْ وَطِئَ طَوْعًا، مَعَ عِلْمِهَا بِالْخِيَارِ: فَلَا خِيَارَ لَهَا. كَذَا مَعَ جَهْلِهَا بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ هِيَ عِتْقَهَا حَتَّى وَطِئَهَا: فَوَجْهَانِ. فَإِنْ ادَّعَتْ جَهْلًا بِعِتْقِهِ، أَوْ بِعِتْقِهَا، أَوْ بِطَلَبِ الْفَسْخِ، وَمِثْلُهَا يَجْهَلُهُ: فَلَهَا الْفَسْخُ إنْ حَلَفَتْ. وَعَنْهُ: لَا فَسْخَ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ جَهْلُهُ) . هَذَا الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يُخَالِفْهَا ظَاهِرٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا حُكْمُ وَطْئِهَا، كَذَا تَقْبِيلُهَا. إذَا مَنَاطُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْوَطْءِ، إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَالْأَظْهَرُ: تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ.

يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الْقَاعِدَةِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَذَلَ الزَّوْجُ لَهَا عِوَضًا عَلَى أَنَّهَا تَخْتَارهُ: جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى صِحَّةِ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِهِ فِي خِيَارِ الْبَيْعِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ شَرَطَ الْمُعْتِقُ عَلَيْهَا دَوَامَ النِّكَاحِ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، إذَا أَعْتَقَهَا، فَرَضِيَتْ: لَزِمَهَا ذَلِكَ. قَالَ: وَيَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ بِشَرْطٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ: لَمْ تَمْلِكْ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ تَحْتَ الْعَبْدِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ، قَالَ: قَدْ مَلَكْت بُضْعَهَا. فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا مِلْكٌ. فَصَارَ الْخِيَارُ لَهَا فِي الْمَقَامِ وَعَدَمِهِ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا لِلزَّوْجِ: صَحَّ. وَلَمْ تَمْلِكْ الْخِيَارَ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ. قَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّيْخِ: الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ، أَوْ سَقَطَ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى) . بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي خِيَارُ الْعَيْبِ: هَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ عَلَى الْفَوْرِ؟ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، أَوْ مَجْنُونَةً، فَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ وَعَقَلَتْ) . أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا خِيَارٌ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ تِسْعًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: إذَا بَلَغَتْ سِنًّا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا فِيهِ: خُيِّرَتْ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا بِنْتُ تِسْعٍ. وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْعُقُودِ، فَقَالَ: إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَعَتَقَتْ، فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ حَدًّا يَصِحُّ إذْنُهَا. وَهِيَ التِّسْعُ سِنِينَ فَصَاعِدًا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا بَلَغَتْ سَبْعًا، بِتَقْدِيمِ السِّينِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اعْتِبَارُ صِحَّةِ إذْنِهَا بِالتِّسْعِ أَوْ السَّبْعِ: ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا وِلَايَةَ اسْتِقْلَالٍ. وَوِلَايَةُ الِاسْتِقْلَالِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْبُلُوغِ، كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالشُّفْعَةِ، وَكَالْبَيْعِ. بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. فَإِنَّهُ يَتَوَلَّاهُ الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا. فَتَجْتَمِعُ الْوِلَايَتَانِ. وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا: وَقَعَ الطَّلَاقُ. وَبَطَلَ خِيَارُهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: طَلَاقُهُ مَوْقُوفٌ. فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ: لَمْ يَقَعْ، وَإِلَّا وَقَعَ. وَقِيلَ: هَذَا إنْ جَهِلَتْ عِتْقَهَا. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ فِي وُقُوعِهِ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَتَقَتْ الْمُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيَّةُ فَلَهَا الْخِيَارُ) . بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ عَتَقَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ، أَوْ طَلُقَتْ ثُمَّ عَتَقَتْ فِي عِدَّتِهَا. فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ، فَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُذْهَبِ، فَقَالَ: سَقَطَ خِيَارُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. قَوْلُهُ (وَمَتَى اخْتَارَتْ الْمُعْتَقَةُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ: فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ) بِلَا نِزَاعٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَمَّى الْمَهْرِ، أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا مَهْرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِسَيِّدِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَهَا مُهَنَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. فَعَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ: وَجَبَتْ الْمُتْعَةُ، حَيْثُ يَجِبُ، لِوُجُوبِهِ لَهُ. فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا) .

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ عِتْقِهَا كُلِّهَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ زَوَّجَ مُدَبَّرَةً لَهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا قِيمَتُهَا مِائَةٌ بِعَبْدٍ عَلَى مِائَتَيْنِ مَهْرًا، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ: عَتَقَتْ، وَلَا فَسْخَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِئَلَّا يَسْقُطَ الْمَهْرُ، أَوْ يَتَنَصَّفَ. فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَيُرَقُّ بَعْضُهَا. فَيَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ فَائِدَةٌ: لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا بَعْضُهُ حُرٌّ مُعْتَقٌ: فَلَا خِيَارَ لَهَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهَا الْخِيَارُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا، وَالزَّوْجُ بَعْضُهُ مُعْتَقٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ. وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَتْ حُرِّيَّتُهَا أَكْثَرَ. وَصَحَّحَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: عَدَمَ الْخِيَارِ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُرِّيَّةِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعِتْقِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَتَقَ الزَّوْجَانِ مَعًا. فَلَا خِيَارَ لَهَا) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: لَا خِيَارَ لِلْمُعْتَقَةِ تَحْتَ حُرٍّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي، فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْحَاوِي. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهَا الْخِيَارُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا. وَصَحَّحَهَا الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً، وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي بِهَا. ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا: صَارَا حُرَّيْنِ. وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إصَابَتُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. هَكَذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيمَنْ وَهَبَ لِعَبْدِهِ سُرِّيَّةً، أَوْ اشْتَرَى لَهُ سُرِّيَّةً، ثُمَّ أَعْتَقَهَا: لَا يُقِرُّ بِهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ، فَعَتَقَا: لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ بِذَلِكَ. لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفَسِخْ بِإِعْتَاقِهَا وَحْدَهَا فَلِئَلَّا يَنْفَسِخَ بِإِعْتَاقِهِمَا مَعًا أَوْلَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ " انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا " أَنَّ لَهُمَا فَسْخَ النِّكَاحِ. وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا قَبْلَ الْعِتْقِ. انْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ لَفْظِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ، وَحَرْبٍ، وَيَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ " إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا حَتَّى يُجَدِّدَا النِّكَاحَ ". فَرَوَاهُ الثَّلَاثَةُ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ. وَهُوَ " أَنَّهُ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ " ثُمَّ قَوْلُهُ " حَتَّى يُجَدِّدَ النِّكَاحَ " مَعَ قَوْلِهِ " زَوَّجَ " صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ نِكَاحٌ لَا تَسَرٍّ. قَالَ: وَلِلْبُطْلَانِ وَجْهٌ دَقِيقٌ، وَهُوَ: أَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَهُمَا. وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا. بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا لِعَبْدِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا كَانَ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ. فَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِحَالٍ. وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ. وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَجِبُ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا لِعَبْدِ غَيْرِهِ. انْتَهَى.

باب حكم العيوب في النكاح

[بَابُ حُكْمِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ] قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إمْكَانِ الْجِمَاعِ بِالْبَاقِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ قَوْلُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَمَحِلُّهُ: مَا لَمْ تَكُنْ بِكْرًا. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ) . الْعِنِّينُ: هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْتَشِرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ: أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ. فَإِنْ وَطِئَ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ) . إذَا اعْتَرَفَ بِالْعُنَّةِ، أَوْ أَقَامَتْ هِيَ بَيِّنَةٌ بِهَا: أُجِّلَ سَنَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ فِي الْحَالِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أُجِّلَ " أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ لَا يُؤَجَّلُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا يُؤَجَّلُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُؤَجَّلُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَعَنْهُ: يُؤَجَّلُ لِلْبِكْرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْلِفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْلِفُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَحْلِفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى دَعْوَى الطَّلَاقِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَكَلَ أُجِّلَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: تُرَدُّ الْيَمِينُ. فَيَحْلِفُ وَيُؤَجَّلُ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ هُنَا: السَّنَةُ الْهِلَالِيَّةُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا هِلَالِيًّا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ: فَإِنَّهُمْ حَيْثُ أَطْلَقُوا " السَّنَةَ " أَرَادُوا بِهَا الْهِلَالِيَّةَ. قَالَ: وَلَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ بِالْفُصُولِ يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَرَأْت بِخَطِّ وَلَدِ أَبِي الْمَعَالِي ابْنِ مُنَجَّا يَحْكِي عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّنَةِ هُنَا: هِيَ الشَّمْسِيَّةُ الرُّومِيَّةُ، وَأَنَّهَا هِيَ الْجَامِعَةُ لِلْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الطِّبَاعُ بِاخْتِلَافِهَا، بِخِلَافِ الْهِلَالِيَّةِ. قَالَ: وَمَا أَظُنُّهُ أَخَذَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ، لَا مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ. انْتَهَى. قُلْت: الْخَطْبُ فِي ذَلِكَ يَسِيرٌ، وَالْمُدَّةُ مُتَقَارِبَةٌ. فَإِنَّ زِيَادَةَ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ عَلَى السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ، أَوْ خُمُسُ يَوْمٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اعْتَزَلَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ: لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ. وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ أَوْ سَافَرَ: اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. ذَكَرَ فِي الْبُلْغَةِ. وَذَكَرَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ احْتِمَالَيْنِ. هَلْ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ نُشُوزِهَا، أَمْ لَا؟ وَوَقَعَ لِلْقَاضِي فِي خِلَافِهِ تَرَدُّدٌ. وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِمُدَّةِ الرَّجْعَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (فَإِنْ اعْتَرَفَتْ أَنَّهُ وَطِئَهَا مَرَّةً: بَطَلَ كَوْنُهُ عِنِّينًا) الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ، وَالْإِحْرَامِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ كَوْنُهُ عِنِّينًا بِوَطْئِهِ فِي الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ.

قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَكْفِي فِي زَوَالِ " الْعُنَّةِ " تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إيلَاجُهُ جَمِيعُهُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكْفِي تَغْيِيبُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إيلَاجُ بَقِيَّتِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَطِئَهَا فِي الرِّدَّةِ: لَمْ تُزَلْ بِهِ الْعُنَّةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: زَوَالُهَا بِذَلِكَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا: لَمْ تُزَلْ الْعُنَّةُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَزُولَ) وَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهَا تَزُولُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: لَمْ تُزَلْ الْعُنَّةُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.

وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَزُولُ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي إمْكَانِ طَرَيَان الْعُنَّةِ، عَلَى مَا فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَى مَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: وَلَوْ أَمْكَنَ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ. وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ لَوْ عَجَزَ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: ضُرِبَتْ الْمُدَّةُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ يُمْكِنُ طَرَيَانُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا: لَوْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ فِي إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ، أَوْ كَانَ يُمْكِنُ فِي الدُّبُرِ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ وَطِئَ غَيْرَهَا، أَوْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ فِي نِكَاحٍ آخَرَ: لَمْ تُزَلْ عُنَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَطْرَأُ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: تَزُولُ كَمَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى تَصَوُّرِ طَرَيَان الْعُنَّةِ. وَقَدْ وَقَعَ لِلْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهَا لَا تَطْرَأُ. وَكَلَامُهُمَا هُنَا يَدُلُّ عَلَى طَرَيَانِهِمَا قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَهَا. وَقَالَتْ: إنَّهَا عَذْرَاءَ. وَشَهِدَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكْفِي شَهَادَةُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ. كَالرَّضَاعِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ إلَّا اثْنَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَلَوْ قَالَ " أَزَلْت بَكَارَتَهَا، ثُمَّ عَادَتْ " وَأَنْكَرَتْ هِيَ: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بِلَا نِزَاعٍ، وَيَحْلِفُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهَا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ بِكْرًا، فَادَّعَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ، فَكَذَّبَهَا، وَادَّعَى أَنَّهُ أَصَابَهَا، وَظَهَرَتْ ثَيِّبًا، فَادَّعَتْ أَنَّ ثُيُوبَتَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخَلَّى مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ مَاءَك عَلَى شَيْءٍ. فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ: جُعِلَ عَلَى النَّارِ. فَإِنْ ذَابَ: فَهُوَ مَنِيٌّ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَهَا مُهَنَّا، وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ مَنِيُّ غَيْرِهِ. فَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: يُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الْقَاضِي: لَهَا دِينٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَهَا حَظٌّ مِنْ الْجَمَالِ. فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ قَرِبَهَا: كَذَبَتْ الْأُولَى. وَخُيِّرَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْإِقَامَةِ وَالْفِرَاقِ. وَيَكُونُ الصَّدَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُولَى، وَكَانَ الصَّدَاقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ. وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَثَرٍ رَوَاهُ عَنْ سَمُرَةَ. وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ وَرَدُّوهُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَجْدَ، وَمَنْ تَابَعَهُ: خَصَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ بِمَا إذَا ادَّعَى الْوَطْءَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَأُجِّلَ؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى عَدَمِ الْوَطْءِ: وُجُودُ مَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ. وَجَعَلُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا ادَّعَى الْوَطْءَ ابْتِدَاءً، وَأَنْكَرَ الْعُنَّةَ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَطْلَقَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَلَفْظُهَا يَشْهَدُ لَهُمْ. فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا: اُسْتُحْلِفَتْ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَتْ زَوْجَةُ مَجْنُونٍ عُنَّتَهُ: ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةٌ. عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا تُضْرَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهَلْ تَبْطُلُ بِحُدُوثِهِ، فَلَا يَفْسَخُ الْوَلِيُّ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ النِّسَاءَ. وَهُوَ شَيْئَانِ. الرَّتَقُ. وَهُوَ

كَوْنُ الْفَرْجِ مَسْدُودًا مُلْتَصِقًا، لَا مَسْلَكَ لِلذَّكَرِ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْقَرَنُ وَالْعَفَلُ وَهُوَ لَحْمٌ يَحْدُثُ فِيهِ يَسُدُّهُ) . فَجَعَلَ " الرَّتَقَ " السَّدَّ، وَجَعَلَ " الْقَرَنَ، وَالْعَفَلَ " لَحْمًا يَحْدُثُ فِي الْفَرْجِ. فَهُمَا فِي مَعْنَى " الرَّتَقِ " إلَّا أَنَّهُمَا نَوْعٌ آخَرُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَبِعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الثَّلَاثَةَ: لَحْمًا يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ " الْعَفَلُ " رَغْوَةٌ تَمْنَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ. وَهُوَ بَعْضُ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ: فَإِذَنْ لَا فَسْخَ لَهُ فِي وَجْهٍ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِذَنْ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا. قُلْت: الصَّوَابُ ثُبُوتُهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: " الْقَرَنُ " عَظْمٌ وَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ صَاحِبُ الْمَطْلَعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ عَظْمٌ أَوْ غُدَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُلُوجِ الذَّكَرِ. وَقَالَا " الْعَفَلُ " شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَحَيَا النَّاقَةِ، شَبِيهٌ بِالْأُدْرَةِ الَّتِي لِلرِّجَالِ فِي الْخُصْيَةِ. وَعَلَى كِلَا الْأَقْوَالِ: يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِذَنْ لَا فَسْخَ لَهُ فِي وَجْهٍ. كَمَا قَالَ فِي " الْعَفَلِ ". قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: الْفَتْقُ. وَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ. وَقِيلَ: انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ) .

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ. وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ: أَنَّ " الْفَتْقَ " انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْكَافِي: أَنَّ " الْفَتْقَ " انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ. وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي " الْفَتْقِ " مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَانْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ يُثْبِتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَوْ وَجَدَ اخْتِلَاطَهُمَا لِعِلَّةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ أَكْثَرَ. وَأَمَّا انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ: فَالصَّحِيحُ أَيْضًا مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ: الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، سَوَاءٌ كَانَ مُطْبَقًا، أَوْ يَخْنُقُ فِي الْأَحْيَانِ) . وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: جُنُونٌ غَالِبٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: أَوْ إغْمَاءٌ، لَا إغْمَاءُ مَرِيضٍ لَمْ يَدُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ زَالَ الْعَقْلُ بِمَرَضٍ فَهُوَ إغْمَاءٌ لَا يُثْبِتُ خِيَارًا.

فَإِنْ دَامَ بَعْدَ الْمَرَضِ فَهُوَ جُنُونٌ. قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَخَرِ، وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ، وَالنَّجْوِ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ فِي الْفَرْجِ، وَالنَّاسُورِ، وَالْبَاسُورِ، وَالْخَصِيِّ. وَهُوَ قَطْعُ الْخَصِيَتَيْنِ، وَالسَّلِّ، وَهُوَ سَلُّ الْبَيْضَتَيْنِ، وَالْوَجْءِ وَهُوَ رَضُّهُمَا. وَفِي كَوْنِهِ خُنْثَى، وَفِيمَا إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ، أَوْ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ. هَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فِيمَا سِوَى الْخَصِيِّ وَالسَّلِّ وَالْوَجْءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ فِي الْجَمِيعِ، إلَّا فِيمَا إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُذْهَبِ الْخِلَافَ فِي الْخَصِيِّ، وَالسَّلِّ، وَالْوَجْءِ. وَإِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ. أَحَدُهُمَا: يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِيمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي غَيْرِ مَا إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ، أَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْجَمِيعِ. وَزَادَ: وَكُلُّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلَهُ وَلَا نَحْوُهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ بِهِ بَاسُورٌ، وَنَاسُورٌ، وَقُرُوحٌ سَيَّالَةٌ فِي الْفَرْجِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: وَالْخِصَاءُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ. وَقَالَ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْبَخَرِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إذَا وُجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ الْجَدِيدِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ النَّاظِمُ وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِيهِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: " ثُبُوتَ الْخِيَارِ بِالْخَصِيِّ وَالسَّلِّ وَالْوَجْءِ. وَصَحَّحَ فِي الْمُذْهَبِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْبَخَرِ، وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ، وَالْبَخَرِ، وَالنَّاسُورِ، وَالْبَاسُورِ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ فِي الْفَرْجِ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ. وَحُدُوثِ هَذِهِ الْعُيُوبِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُيُوبَ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ. وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِيهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، فِي غَيْرِ حُدُوثِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي حَفْصٍ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْبَخَرِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: لَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْفَسْخَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِيهِ.

وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي التَّعْلِيقِ الْقَدِيمِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ فِي الْبَخَرِ " وَهُوَ نَتْنُ الْفَمِ " هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: نَتْنٌ فِي الْفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى بَخَرًا وَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ نَتْنَ الْفَمِ يَمْنَعُ مُقَارَبَةَ صَاحِبِهِ إلَّا عَلَى كُرْهٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْبَخَرُ يَشْمَلُهُمَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهَانِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهِمَا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ حَامِدٍ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي حَفْصٍ: أَنَّهُ عَيْبٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَفِي كَوْنِهِ خُنْثَى) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مُشْكِلًا وَقُلْنَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَوْ غَيْرَ مُشْكِلٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَصَّهُ فِي الْمُغْنِي بِالْمُشْكِلِ. وَفِي الرِّعَايَةِ عَكْسُهُ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: يُخَالِفُ مَا قَالَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَخَرِ، وَكَوْنُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ خُنْثَى: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَ الْخُنْثَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا خُنْثَى غَيْرَ مُشْكِلٍ أَوْ مُشْكِلًا. وَصَحَّ نِكَاحُهُ فِي وَجْهٍ. انْتَهَى. فَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمَا مُخَالِفٌ لِمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابَيْهِمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا خُنْثَى غَيْرَ مُشْكِلٍ " فَخَصُّوا " الْخُنْثَى " بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشْكِلٍ، وَخَصَّهُ فِي الْمَذْهَبِ بِكَوْنِهِ مُشْكِلًا. الثَّالِثُ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ حَكَوْا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَجْهَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَخَرِ رِوَايَتَيْنِ. وَحَكَى فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ فِيمَا إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلَهُ رِوَايَتَيْنِ. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ مَا عَدَا مَا ذَكَرَهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ. وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْقَرَعِ فِي الرَّأْسِ إذَا كَانَ لَهُ رِيحٌ مُنْكَرَةٌ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الِاسْتِحَاضَةِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَثْبُتُ بِالِاسْتِحَاضَةِ الْفَسْخُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: الصَّوَابُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِذَلِكَ. وَأَلْحَقَ ابْنُ رَجَبٍ بِالْقَرَعِ رَوَائِحَ الْإِبِطِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي تَثُورُ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَأَجْرَى فِي الْمُوجَزِ الْخِلَافَ فِي بَوْلِ الْكَبِيرِ فِي الْفِرَاشِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: ثُبُوتَ الْخِيَارِ بِنَضْوِ الْخَلْقِ، كَالرَّتَقِ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا كَانَ الذَّكَرُ كَبِيرًا وَالْفَرْجُ صَغِيرًا. وَعَنْ أَبِي الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيِّ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِكُلِّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ أَيْضًا: لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الشَّيْخُوخَةَ فِي أَحَدِهِمَا يُفْسَخُ بِهَا: لَمْ يَبْعُدْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ فِيمَنْ بِهِ عَيْبٌ، كَقَطْعٍ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، أَوْ عَمًى، أَوْ خَرَسٍ، أَوْ طَرَشٍ، وَكُلُّ عَيْبٍ يَفِرُّ الزَّوْجُ الْآخَرُ مِنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ: يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْبَيْعِ. وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَى السَّلَامَةِ. فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ عُرْفًا. انْتَهَى. قُلْت: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَمَا فِي مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مِنْ عُرِفَ بِالسَّرِقَةِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا كَانَ عَقِيمًا: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا كَانَ بِهِ جُنُونٌ أَوْ وَسْوَاسٌ، أَوْ تَغَيُّرٌ فِي عَقْلٍ، وَكَانَ يَعْبَثُ وَيُؤْذِي: رَأَيْت أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يُقِيمُ عَلَى هَذَا. الْخَامِسُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ " أَنَّهُ إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: ثَبَتَ بِهِ الْخِيَارُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهُ إنْ تَغَايَرَتْ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إذَا وَجَدَ الْمَجْبُوبُ الْمَرْأَةَ رَتْقَاءَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ كَالْمُمَاثِلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَوْ قَالَ: قَدْ رَضِيت بِهِ مَعِيبًا أَوْ وُجِدَ مِنْهُ دَلَالَةٌ عَلَى الرِّضَى: مِنْ وَطْءٍ، أَوْ تَمْكِينٍ. مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ: فَلَا خِيَارَ لَهُ) . بِلَا خِلَافٍ فِي الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، أَوْ الرِّضَى بِهِ. وَأَمَّا التَّمْكِينُ: فَيَأْتِي.

فَائِدَةٌ: خِيَارُ الْعُيُوبِ عَلَى التَّرَاخِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِحَقِّ الْفَسْخِ تَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ. فَمَتَى أَخَّرَ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ: بَطَلَ، لِأَنَّ الْفَسْخَ عَلَى الْفَوْرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى: مِنْ الْوَطْءِ، وَالتَّمْكِينِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، أَوْ يَأْتِي بِصَرِيحِ الرِّضَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْعُنَّةِ إلَّا بِالْقَوْلِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ نَجِدْ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ لِغَيْرِ الْجَدِّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) . فَيَنْفَسِخُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرُدُّهُ إلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: يَتَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ، وَإِنَّمَا يَأْذَنُ وَيَحْكُمُ بِهِ. فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ، فَعَقَدَ أَوْ فَسَخَ: لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ

بِصِحَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَخَ فَهُوَ كَفِعْلِهِ، فِيهِ الْخِلَافُ. وَإِنْ عَقَدَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ فَسَخَ بِلَا حُكْمٍ، فَأَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَ الْفَسْخِ بِلَا حُكْمٍ فِي الرِّضَى بِعَاجِزٍ عَنْ الْوَطْءِ كَعَاجِزٍ عَنْ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ: وَرَجَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ جَمِيعَ الْفَسْخِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ فَسَخَ مَعَ غَيْبَتِهِ فَفِي الِانْتِصَارِ: الصِّحَّةُ وَعَدَمُهَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُطَلَّقُ عَلَى عِنِّينٍ كَمُولٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ فَسَخَ بَعْدَهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: عَنْهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَبَنَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ: هَلْ الْوَاجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الصَّدَاقِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ قَدِيمٍ. لَا بِمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقَيَّدَ الْمَجْدُ الرِّوَايَةَ بِهَذَا. وَقِيلَ: فِي فَسْخِ الزَّوْجِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، أَوْ بِشَرْطٍ: يُنْسَبُ قَدْرُ نَقْصِ مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَجْلِ ذَلِكَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَامِلًا. فَيَسْقُطُ مِنْ الْمُسَمَّى بِنِسْبَتِهِ، فَسَخَ أَوْ أَمْضَى.

وَقَاسَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ عَلَى الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ. وَحَكَاهُ ابْنُ شَاقِلَا فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الشِّيرَازِيِّ. وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قُلْت: وَفِيهِ قُوَّةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: وَكَذَلِكَ إنْ ظَهَرَ الزَّوْجُ مَعِيبًا. فَلِلزَّوْجَةِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِنَقْصِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَكَذَا فِي فَوَاتِ شَرْطِهَا. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِثْلَهُ فِي الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ. فَائِدَةٌ : الْخَلْوَةُ هُنَا كَالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ، عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ. أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ هِبْته. فَمِلْت إلَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ) .

وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. فَعَلَى هَذَا: أَيُّهُمْ انْفَرَدَ بِالتَّغْرِيرِ، ضَمِنَ. فَلَوْ أَنْكَرَ الْوَلِيُّ عَدَمَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ: قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ أَنْكَرَ الْغَارُّ عِلْمَهُ بِهِ وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ وَحَلَفَ: بَرِئَ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ جُنُونًا. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا فِي عُيُوبِ الْفَرْجِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهَا، كَأَبَاعِدِ الْعَصَبَاتِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. إلَّا أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ عُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا. فَسَوَّى بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ فِي عُيُوبِ الْفَرْجِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ رُؤْيَتُهَا: فَوَجْهَانِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ إذَا أَنْكَرَ الْعِلْمَ بِذَلِكَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ: فَإِنَّهَا تَضْمَنُ إذَا غَرَّتْهُ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِتَضْمِينِهَا: أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَشَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ تَيْمِيَّةَ بُلُوغَهَا. فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهَا إذَا ادَّعَتْ عَدَمَ الْعِلْمِ بِعَيْبِ نَفْسِهَا، وَاحْتُمِلَ ذَلِكَ حُكْمُ الْوَلِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وُجِدَ التَّغْرِيرُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ. فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا كَانَ الْغَرَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْوَكِيلِ: الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. فَيَكُونُ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ قَوْلَانِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الْغَرَرِ بِالْأَمَةِ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ. الثَّانِيَةُ: مِثْلُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْغَارِّ: لَوْ زَوَّجَ امْرَأَةً فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ غَيْرَهَا. وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَيُجَهِّزُ زَوْجَتَهُ بِالْمَهْرِ الْأَوَّلِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ، أَوْ مَجْنُونِهِ، أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ تَزْوِيجُهَا مَعِيبًا، وَلَا لِوَلِيِّ كَبِيرَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا) . بِلَا نِزَاعٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنْ لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: الصِّحَّةُ مَعَ جَهْلِهِ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ لَهُ الْفَسْخُ إذْنٌ، أَوْ يَنْتَظِرُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْتَظِرُهَا. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: الْخِلَافَ إنْ أَجْبَرَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ، مَعَ جَهْلِهِ، وَتَخَيَّرَ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ فِي تَزْوِيجِ مَجْنُونٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ بِمِثْلِهِ، وَمَلَكَ الْوَلِيُّ الْفَسْخَ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكَبِيرَةُ نِكَاحَ مَجْبُوبٍ، أَوْ عِنِّينٍ: لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نِكَاحَ مَجْنُونٍ، أَوْ مَجْذُومٍ، أَوْ أَبْرَصَ: فَلَهُ مَنْعُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ: فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا أَظْهَرُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الَّذِي يَمْلِكُ مَنْعَهَا: وَلِيُّهَا الْعَاقِدُ لِلنِّكَاحِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِبَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمَنْعُ. كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَاءَةِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ الْعَيْبَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بِهِ: لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ) . بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ فِي ابْتِدَائِهِ، لَا فِي دَوَامِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

باب نكاح الكفار

[بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ] ِ قَوْلُهُ (وَحُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، فِيمَا يَجِبُ بِهِ، وَتَحْرِيمُ الْمُحَرَّمَاتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَيُقَرُّونَ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ، مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا، وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: فِي مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، أَوْ اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً: يَحُولُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحٍ مُحَرَّمٍ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: لَا يُقَرُّونَ عَلَى مَا لَا مَسَاغَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. كَنِكَاحِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ، وَنِكَاحِ الْمَجُوسِيِّ الْكِتَابِيَّةَ وَنَحْوِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ " هَلْ يَجُوزُ لِلْمَجُوسِيِّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ؟ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالصَّوَابُ: أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ الْمُحَرَّمَةَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ حَرَامٌ مُطْلَقًا. فَإِذَا لَمْ يُسْلِمُوا عُوقِبُوا عَلَيْهَا. وَإِنْ أَسْلَمُوا عُفِيَ لَهُمْ عَنْهَا لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا. أَمَّا الصِّحَّةُ، وَالْفَسَادُ، فَالصَّوَابُ: أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْ وَجْهٍ، فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهٍ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالصِّحَّةِ: إبَاحَةُ التَّصَرُّفِ. فَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ. وَإِنْ أُرِيدَ نُفُوذُهُ، وَتَرْتِيبُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ الْحِلِّ بِهِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَثُبُوتُ الْإِحْصَانِ بِهِ فَصَحِيحٌ.

وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي طَرِيقَةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ لِعَيْنِ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِوَصْفٍ لِأَنَّ تَرَتُّبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُمَا: صِحَّةَ أَنْكِحَتِهِمْ، مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا: رَأَيْت لِأَصْحَابِنَا فِي أَنْكِحَتِهِمْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: هِيَ صَحِيحَةٌ. وَقَدْ يُقَالُ: هِيَ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ. وَالثَّانِي: مَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَا لَمْ يُقَرُّوا عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ. وَالثَّالِثُ: مَا أَمْكَنَ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَا لَا فَلَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ كُلَّ مَا فَسَدَ مِنْ مَنَاكِحِ الْمُسْلِمِينَ: فَسَدَ مِنْ نِكَاحِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ يَعْنِي: إذَا أَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ، بَلْ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا، كَذَاتِ مَحْرَمِهِ، وَمَنْ هِيَ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي نِكَاحِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ مُدَّةً هُمَا فِيهَا، أَوْ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ) . إذَا أَسْلَمُوا أَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي أَثْنَاء الْعَقْدِ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يُفْسَخُ إلَّا مَعَ مُفْسِدٍ، مُؤَبَّدٍ أَوْ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ. فَلَوْ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا. وَأَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا. فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. بِلَا نِزَاعٍ.

وَإِنْ كَانَ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُهُ: وَلَوْ كَانَتْ حُبْلَى مِنْ زِنًا قَبْلَ الْعَقْدِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ فِي نِكَاحِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ مُدَّةً هُمَا فِيهَا. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ فِي الْأُولَى. وَقِيلَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَمَّا إذَا اسْتَدَامَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثَةً، وَهُوَ مُعْتَقِدٌ حِلَّهُ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يُقَرَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَا. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا: أُقِرَّا، وَإِلَّا فَلَا) . أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ: أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْغَةُ. ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: أَنَّهُمْ كَأَهْلِ الْحَرْبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى صَحِيحًا، أَوْ فَاسِدًا قَبَضَتْهُ: اسْتَقَرَّ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَا، فَانْقَلَبَتْ خَمْرٌ خَلًّا، وَطَلَّقَ: فَهَلْ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ رُجُوعُهُ بِنِصْفِهِ. وَلَوْ تَلِفَ الْخَلُّ، ثُمَّ طَلَّقَ. فَفِي رُجُوعِهِ بِنِصْفِ مِثْلِهِ: احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ رُجُوعُهُ بِنِصْفِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَقْبِضْهُ: فَرَضَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَوْ كَانَتْ لَهَا فِي خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. خَرَّجَهَا الْقَاضِي. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ قَبْلَ بَعْضِ الْمُسَمَّى الْفَاسِدِ: وَجَبَ لَهَا حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْحِصَّةِ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَفِيمَا يَدْخُلُهُ الْعَدُّ بَعْدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، الشَّارِحُ: لَوْ أَصْدَقَهَا عَشْرَ زُقَاقِ خَمْرٍ مُتَسَاوِيَةً، فَقَبَضَتْ نِصْفَهَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، اُعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْكَيْلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهَا. وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَشْرَ خَنَازِيرَ: فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهَا. وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا. وَإِنْ أَصْدَقَهَا كَلْبًا وَخِنْزِيرَيْنِ، وَثَلَاثَ زُقَاقِ خَمْرٍ. فَثَلَاثُهُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا عِنْدَهُمْ. وَالثَّانِي: يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْأَجْنَاسِ. فَيُحْمَلُ لِكُلِّ جَزْءِ ثُلُثُ الْمَهْرِ. وَالثَّالِثُ: يُقْسَمُ عَلَى الْمَعْدُودِ كُلِّهِ. فَيُحْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ الْمَهْرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) أَنْ يَتَلَفَّظَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَدْخُلُ فِي الْمَعِيَّةِ: لَوْ شُرِعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْأَوَّلُ. وَقِيلَ: هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إنْ أَسْلَمَا فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ تَلَفُّظَهُمَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِيهِ عُسْرٌ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ، أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرَ الْكِتَابِيَّيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بِلَا نِزَاعٍ.

(فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ: فَلَا مَهْرَ لَهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهَذَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً: بِأَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ. وَأَنَّهَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، نَظَرًا إلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَالْمَنْقُولُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ التَّوَقُّفُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَهِيَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفُرُوعِ فِي الْخُطْبَة. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ لَهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ فِيمَا يُنَصِّفُ الْمَهْرَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَسْلَمَا وَقَالَتْ: سَبَقْتَنِي، وَقَالَ: أَنْتِ سَبَقْتِنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ قَالَا: سَبَقَ أَحَدُنَا، وَلَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ: فَلَهَا أَيْضًا نِصْفُ الْمَهْرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ. لَمْ تُطَالِبْهُ بِشَيْءٍ. وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ. لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا، فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ. وَأَنْكَرَتْهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَظَاهِرِ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ: وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) . وَهُوَ لِلْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَوَاهُ عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا. وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَعَجَّلُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا، كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: الْوَقْفُ بِإِسْلَامِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالِانْفِسَاخُ بِغَيْرِهَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ بِالْوَقْفِ، وَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ الْوَقْفُ عِنْدَهَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ بَقَاءَ نِكَاحِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، مَا لَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ. وَالْأَمْرُ إلَيْهَا. وَلَا حُكْمَ لَهُ عَلَيْهَا. وَلَا حَقَّ لَهَا عَلَيْهِ. كَذَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا. وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا. وَأَنَّهَا مَتَى أَسْلَمَتْ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ إنْ اخْتَارَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ مُفَرَّعًا عَلَى الْمَذْهَبِ (فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَائِهَا: فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ حِينَ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ " أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةٍ. وَهِيَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهَا تُرَدُّ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ (فَعَلَى هَذَا) يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةُ. (لَوْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي: فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا شَيْءَ لَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فِي الْعِدَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فِي الْعِدَّةِ، وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ: فَهَلْ لَهَا النَّفَقَةُ فِيمَا بَيْنَ إسْلَامِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ وَقَالَتْ: أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ: بَلْ بَعْدَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ: صَحَّ لِعَانُهُ. وَإِلَّا فَسَدَ. فَفِي الْحَدِّ إذَنْ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هُمَا فِيمَنْ ظَنَّ صِحَّةَ نِكَاحِهِ فَلَاعَنَ، ثُمَّ بَانَ فَسَادُهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ: فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ ارْتَدَّا، فَهَلْ يَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ، أَوْ يَسْقُطُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ: أَنَّهُ يَسْقُطُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ كَفَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ: بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ سَبَقَهَا وَحْدَهُ، أَوْ كَفَرَ وَحْدَهُ: فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإلَّا يَسْقُطْ. وَقِيلَ: إنْ كَفَرَا مَعًا وَجَبَ. وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. فَقُدِّمَ السُّقُوطُ. كَذَا قُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: وَالْأَظْهَرُ التَّنْصِيفُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ: فَهَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، أَوْ تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا مِثْلَ اخْتِيَارِهِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا وَقُلْنَا: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ فَفِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ خِلَافٌ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قُلْت: جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِوُجُوبِ الْمَهْرِ، إذَا لَمْ يُسْلِمَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ: فَهُوَ كَرِدَّتِهِ) .

إنْ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ. أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ: فَكَالرِّدَّةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ تَمَجَّسَتْ الْمَرْأَةُ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ كَالرِّدَّةِ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ تُبَاحُ لِلْكِتَابِيِّ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: النِّكَاحُ بِحَالِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ: أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ: اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ) . إنْ كَانَ مُكَلَّفًا اخْتَارَ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا: لَمْ يَصِحَّ اخْتِيَارُهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَخْتَارُ لَهُ الْوَلِيُّ. وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، وَضَعَّفَ الْوَقْفِ. وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ صِحَّةَ اخْتِيَارِ الْأَبِ مِنْهُنَّ وَفَسْخَهُ، عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِهِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ طَلَاقُ وَالِدِهِ عَلَيْهِ. صَحَّ اخْتِيَارُهُ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ، فَيَخْتَارَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: قُلْت: إنْ صَحَّ إسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ، صَحَّ اخْتِيَارُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يُرَاهِقَ، وَيَبْلُغَ أَرْبَعَ عَشَرَ سَنَةً فَيَخْتَارَ. فَائِدَةٌ: أَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ عَلَى أُخْتَيْنِ، فَاخْتَارَ أَرْبَعًا، أَوْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ، وَلَا يَطَأُ الرَّابِعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارِقَةِ. فَلَوْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ، فَلَهُ وَطْءٌ ثَلَاثًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ، وَلَا يَطَأُ الرَّابِعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارِقَةِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ وَكَذَلِكَ الْأُخْتُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ. فَإِنَّ ظَاهِرَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَدْ تَأَمَّلْت كَلَامَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا، فَوَجَدْتهمْ قَدْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ يُمْسِكُ أَرْبَعًا. وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي جَوَازِ وَطْئِهِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ. لَا فِي جَمْعِ الْعَدَدِ، وَلَا فِي جَمْعِ الرَّحِمِ. وَلَوْ كَانَ لِهَذَا أَصْلٌ عِنْدَهُمْ: لَمْ يُغْفِلُوهُ. فَإِنَّهُمْ دَائِمًا يُنَبِّهُونَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى اعْتِزَالِ الزَّوْجَةِ. كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِيمَا إذَا وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ زِنًا بِهَا، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. فَإِنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ تَابِعَةٌ لِنِكَاحِهَا وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ جَمِيعِ نِكَاحِهَا. فَكَذَلِكَ يَعْفُو عَنْ تَوَابِعِ ذَلِكَ النِّكَاحِ. وَهَذَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجْمَعْ عَقْدًا وَلَا وَطْئًا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ " إذَا زَنَا بِامْرَأَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. هَلْ يَعْتَزِلُ الْأَرْبَعُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ لِلرَّابِعَةِ، أَوْ وَاحِدَةً؟ ".

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: جَوَازُ الِاخْتِيَارِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَارُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهُمَا: مَوْتُ الزَّوْجَاتِ لَا يَمْنَعُ اخْتِيَارَهُنَّ. فَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ، أَسْلَمَ مَعَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُنَّ ثُمَّ مُتْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي فِي الْعِدَّةِ: فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَحْيَاءَ. وَيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتَى بِاخْتِلَافِ الدِّينِ. فَلَا يَرِثُهُنَّ. وَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْتَى فَيَرِثُهُنَّ. وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَحْيَاءَ بِنَّ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَعِدَّتُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ فِي الْحَالِ. وَإِنَّمَا تَبِينُ بِهِ مَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ. وَالتَّبَيُّنُ يَصِحُّ فِي الْمَوْتَى كَمَا يَصِحُّ فِي الْأَحْيَاءِ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ فِي الْإِسْلَامِ. فَاخْتَارَ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْعَدَدِ الزَّائِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَلَا مَهْرَ لَهُنَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْخِلَافِ. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ بِوُجُوبِ نِصْفِ الْمَهْرِ. الثَّالِثَةُ: صِفَةُ الِاخْتِيَارِ: أَنْ يَقُولَ " اخْتَرْت نِكَاحَ هَؤُلَاءِ " أَوْ " أَمْسَكْتهنَّ " أَوْ " اخْتَرْت حَبْسَهُنَّ " أَوْ " إمْسَاكَهُنَّ " أَوْ " نِكَاحَهُنَّ " وَنَحْوَهُ. أَوْ يَقُولَ " تَرَكْت هَؤُلَاءِ " أَوْ " فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ " أَوْ " اخْتَرْت مُفَارَقَتَهُنَّ " وَنَحْوَهُ. فَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُخَرِ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ

وَعِدَّةُ ذَوَاتِ الْفَسْخِ: مُنْذُ اخْتَارَ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: مُنْذُ أَسْلَمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي: إذَا اخْتَارَ أَرْبَعًا قَدْ أَسْلَمْنَ: أَنَّ عِدَّةَ الْبَوَاقِي، إنْ لَمْ يُسْلِمْنَ: مِنْ وَقْتِ إسْلَامِهِ. وَكَذَا إنْ أَسْلَمْنَ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ، أَوْ وَطِئَهَا: كَانَ اخْتِيَارًا لَهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي الطَّلَاقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْوَطْءِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ وَطِئَ كَانَ اخْتِيَارًا، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ اخْتِيَارًا فِيهِمَا. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: أَنَّ الْوَطْءَ هُنَا كَالْوَطْءِ فِي الرَّجْعَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فِي بَابِ الرَّجْعَةِ: أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ، أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَالْأَظْهَرُ: أَنَّ لَهُ وَطْءَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ. وَيَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ. وَكَلَامُ الْقَاضِي قَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمِيعِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّلَاقِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ السَّرَاحِ، أَوْ الْفِرَاقِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ بِلَفْظِ " السَّرَاحِ " أَوْ

الْفِرَاقِ " الطَّلَاقَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي " الْفِرَاقِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ اخْتِيَارًا لِلْمُفَارَقَاتِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ " الْفِرَاقِ " صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي لَفْظِ " الْفِرَاقِ " وَ " السَّرَاحِ " وَجْهَانِ، يَعْنُونَ: هَلْ يَكُونُ فَسْخًا لِلنِّكَاحِ، أَوْ اخْتِيَارًا لَهُ؟ وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ لَفْظَ " الْفِرَاقِ " هُنَا: لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا اخْتِيَارًا، لِلْخَبَرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا: أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ. فَأَخْرَجَ بِالْقُرْعَةِ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ. وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) . يَعْنِي بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا قُرْعَةَ. وَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ. وَلَا يَبُحْنَ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ: يُطَلِّقُ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فَسْخٌ، وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ. وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِنَّ بِخَصَائِصِ مِلْكِ النِّكَاحِ، مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا فَسْخٌ. وَلَا يَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. وَلَيْسَ بِاخْتِيَارٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ الْكُلَّ: تَعَيَّنَ لَهُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَاهَرَ، أَوْ آلَى مِنْ إحْدَاهُنَّ. فَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَمْ يَكُنْ اخْتِيَارًا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ اخْتِيَارًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا فَمُخْتَارَةٌ. وَقَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَطَلَاقُهُ وَوَطْؤُهُ اخْتِيَارٌ لِإِظْهَارِهِ وَإِيلَاؤُهُ فِي وَجْهٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ، فَعَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُنَّ أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. إنْ كُنَّ مِمَّنْ يَحِضْنَ، أَوْ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِوَضْعِهِ وَالْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ وَالْأَوْلَى. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُنَّ الْأَطْوَلُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَوْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَزِمَهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَقِيلَ: يَلْزَمُ الْمَدْخُولَ بِهَا الْأَطْوَلُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ عِدَّةِ طَلَاقٍ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: هَذَا إنْ كُنَّ ذَوَاتِ أَقْرَاءٍ، وَإِلَّا فَعِدَّةُ وَفَاةٍ. كَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. انْتَهَى فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَلَسْنَ بِكِتَابِيَّاتٍ: لَمْ يُخَيَّرْ فِي غَيْرِ مُسْلِمَةٍ. وَلَهُ إمْسَاكُ مَنْ شَاءَ عَاجِلًا، وَتَأْخِيرُهُ حَتَّى يُسْلِمَ مَنْ بَقِيَ، أَوْ تَفْرُغَ عِدَّتُهُنَّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: مَتَى نَقَصَ الْكَوَافِرُ عَنْ أَرْبَعٍ: لَزِمَهُ تَعْجِيلُهُ بِقَدْرِ النَّقْصِ.

وَإِذَا عَجَّلَ اخْتِيَارَ أَرْبَعٍ قَدْ أَسْلَمْنَ، فَعِدَّةُ الْبَوَاقِي إنْ لَمْ يُسْلِمْنَ: مِنْ وَقْتِ إسْلَامِهِ. كَذَا إنْ أَسْلَمْنَ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ اخْتِيَارِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْبَوَاقِي، وَلَمْ يُسْلِمْ إلَّا أَرْبَعٌ أَوْ أَقَلُّ: فَقَدْ لَزِمَ نِكَاحُهُنَّ. وَلَوْ اخْتَارَ أَوَّلًا فَسْخَ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ: صَحَّ إنْ تَقَدَّمَهُ إسْلَامُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا. وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بِحَالٍ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُوقَفُ. فَإِنْ نَكَلَ بَعْدَ إسْلَامِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا ثَبَتَ الْفَسْخُ فِيهَا وَإِلَّا بَطَلَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَهَا زَوْجَانِ أَوْ أَكْثَرُ، تَزَوَّجَاهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ: لَمْ يَكُنْ لَهَا تَخْتَارُ أَحَدَهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلُّ وِفَاقٍ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ: فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ لَكِنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ لِلْأُمِّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ وَكَانَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يَحِلُّ وَالْإِمَاءُ: فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ، وَإِلَّا فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ: لَا يَجُوزُ لَهُ الِاخْتِيَارُ هُنَا، بَلْ يَبِنُّ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ: فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ) . قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَ إنْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهُنَّ وَقْتَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ بِإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا فَسَدَ. وَإِنْ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ: اُعْتُبِرَ عَدَمُ الطَّوْلِ، وَخَوْفُ الْعَنَتِ وَقْتَ إسْلَامِهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْ الْبَوَاقِي) . أَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بِحَدِّ إسْلَامِهِنَّ: كَانَ لَهُ الِاخْتِيَارُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ، بَلْ تَتَعَيَّنُ الْأُولَى إنْ كَانَتْ تُعِفُّهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ. فَأَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ، أَوْ بَعْدَهُنَّ: انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ) . وَتَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ تُعِفَّهُ. هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تُعْتَقْ الْإِمَاءُ، ثُمَّ يُسْلِمْنَ فِي الْعِدَّةِ. فَأَمَّا إنْ عَتَقْنَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ: فَإِنَّ حُكْمَهُنَّ كَالْحَرَائِرِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ثُمَّ عَتَقَ: فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ) .

هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ إمَاءٍ، فَأَسْلَمَتْ ثِنْتَانِ. ثُمَّ عَتَقْنَ، فَأَسْلَمَتْ الثِّنْتَانِ الْبَاقِيَتَانِ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْجَمِيعِ أَيْضًا. عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَيَّنُ الْأُولَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ إلَّا بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِيهِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَحْرَارٌ، فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ: لَمْ يَكُنْ لِلْحُرَّةِ خِيَارُ الْفَسْخِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ.

كتاب الصداق

[كِتَابُ الصَّدَاقِ] ِ فَائِدَةٌ: لِلْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاءٍ " الصَّدَاقُ، وَالصَّدُقَةُ " بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. وَمِنْهُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَ " الطَّوْلُ " وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] أَيْ مَهْرَ حُرَّةٍ. وَ " النِّحْلَةُ، وَالْأَجْرُ، وَالْفَرِيضَةُ، وَالْمَهْرُ وَالنِّكَاحُ " وَمِنْهُ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] وَ " الْعَلَائِقُ " وَ " الْعُقْرُ " بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَ " الْحِبَاءُ " مَمْدُودًا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ فِي الْعَقْدِ مُسْتَحَبَّةٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُكْرَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ فِيهِ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ ". هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ أَنَّ الصَّدَاقَ: هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ . قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْعَفْوَ عَنْهُ وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ مَرَّةً كَذَلِكَ، وَقَالَ أُخْرَى: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَعْرَى عَنْهُ ثُبُوتًا وَلُزُومًا. فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ. وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ، فِيمَا إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَقًّا لِلْآدَمِيِّ فَالْحِلُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَقْدِ بِمُجَرَّدِهِ وَيُسْتَحَبُّ ذِكْرُهُ فِيهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهَلْ هُوَ عِوَضٌ حَقِيقِيٌّ، أَمْ لَا؟

لِلْأَصْحَابِ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ. وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنْ قِيلَ: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ. فَالْحِلُّ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ مَعَ الْعَقْدِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ " هَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ أَوْ الْحِلُّ؟ " قَوْلُهُ (وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ. وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَعْبُرَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أَرْبَعِمِائَةٍ " يَعْنِي مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا مِثْقَالٌ. فَيَكُونُ الْأَرْبَعُمِائَةِ خَمْسَمِائَةٍ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بِضَرْبِ الْإِسْلَامِ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى مَهْرِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى مَهْرِ بَنَاتٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقِيلَ: عَلَى مَهْرِ نِسَائِهِ. وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ خَفِيفًا أَرْبَعَمِائَةٍ كَصَدَاقِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى خَمْسِمِائَةٍ كَصَدَاقِ زَوْجَاتِهِ. وَقِيلَ: بَنَاتُهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ قَالَ " الَّذِي نُحِبُّهُ: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنَاتِهِ ".

قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَصْدَقَ بَنَاتِهِ غَيْرَ مَا أَصْدَقَهُ زَوْجَاتِهِ» ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ «أَنَّهُ أَصْدَقَ نِسَاءَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا» وَالنَّشُّ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ. وَهُوَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ، مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ. فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ. بَلْ يَكُونُ بُلُوغُهُ مُبَاحًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً: جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَاشْتَرَطَ الْخِرَقِيُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ يَحْصُلُ. فَلَا يَجُوزُ عَلَى فَلْسٍ وَنَحْوِهِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَفَسَّرُوهُ بِنِصْفٍ يَتَحَوَّلُ عَادَةً. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا الشَّرْطُ. وَكَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى بَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ضِمْنِ، كَلَامٍ لَهُ فَجَوَّزَ الصَّدَاقَ بِالْحَبَّةِ وَالتَّمْرَةِ الَّتِي يُنْتَبَذُ مِثْلُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَا يَنْقُصُ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا) يَعْنِي الْحُرَّ (عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَصِحُّ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلًا: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ يَخْتَصُّ بِالْخِدْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِهْنَةِ وَالْمُنَافَاةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْخِدْمَةُ صَدَاقًا، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ، إلَّا إذَا عَلِمَا أَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ لَا تَكُونُ صَدَاقًا. فَيُشْبِهُ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا مَغْصُوبًا، فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي " مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً " كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقُوا الْمَنْفَعَةَ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهَا بِالْعِلْمِ، لَكِنْ قَيَّدُوهَا بِالْمُدَّةِ الْمَعْلُومَةِ. ثُمَّ قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ فِي خِدْمَةٍ مَعْلُومَةٍ، كَبِنَاءِ حَائِطٍ، وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ. وَلَا يَصِحُّ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً، كَرَدِّ عَبْدِهَا الْآبِقِ، أَوْ خِدْمَتِهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَتْهُ سَنَةً. فَقَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ بِالْعِلْمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّةَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي " مَنْفَعَتِهِ الْمَعْلُومَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً " رِوَايَتَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَنْ نَقَلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُدَّةَ بِالْعِلْمِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الْمُقَدَّرَةُ رِوَايَتَانِ.

وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَا الْعَمَلَ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ حُرِّ غَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالْأُولَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. الثَّانِيَةُ: لَا يَضُرُّ جَهْلٌ يَسِيرٌ، وَلَا غَرَرٌ يُرْجَى زَوَالُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَضُرُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا عَبْدَ زَيْدٍ: صَحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: لَوْ تَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ بِقِيمَتِهِ، فَلَهَا قِيمَتُهُ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ عَقْدُهُ أَيْضًا عَلَى دَيْنِ سَلَمٍ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَى غَيْرِ مَقْدُورٍ لَهُ كَآبِقٍ، وَمُغْتَصِبٍ يُحَصِّلُهُ. وَعَلَى مَبِيعٍ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْجَمِيعِ، كَثَوْبٍ، وَدَابَّةٍ، وَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ. وَخِدْمَتِهَا سَنَةً فِيمَا شَاءَتْ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا يُثْمِرُ شَجَرُهُ، وَمَتَاعِ بَيْتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ مِنْ الْفِقْهِ، أَوْ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنْ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ: صَحَّ) . وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا تَعَلُّمَ شَيْءٍ مِنْ الْأَدَبِ، أَوْ صَنْعَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ، فِي الْقَصِيدَةِ: يَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيَصِحُّ عَلَى تَعْلِيمِ حَدِيثٍ، وَفِقْهٍ، وَشِعْرٍ مُبَاحٍ. وَقَطَعَا بِهِ. وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ، بِمَا إذَا قُلْنَا: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهَا. وَجَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ فِي الْفِقْهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الْوَجْهَيْنِ. كَمَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا: لَمْ يَصِحَّ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الشَّارِحُ: يُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ. فَإِنْ قَالَ " أُحَصِّلُ لَك تَعْلِيمَ هَذِهِ السُّورَةِ " صَحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا مَنْفَعَةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا. فَجَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا مَنْ يُحْسِنُهَا. وَإِنْ قَالَ " عَلَى أَنْ أُعَلِّمَك " فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ احْتِمَالًا بِالصِّحَّةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ عَلَى قَصِيدَةٍ لَا يُحْسِنُهَا، فَيَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فِي الْقِرَاءَةِ: لَوْ شَرَطَ سُورَةً لَا يَعْرِفُهَا: تَعَلَّمَ وَعَلَّمَ. كَمَنْ شَرَطَ تَعْلِيمَهَا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ فِقْهٍ، أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ أَدَبٍ، أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ مَعْلُومٍ، أَوْ صَنْعَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ: صَحَّ. وَفُرُوعُهُ كَفُرُوعِ الْقِرَاءَةِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَيَتَعَلَّمَهَا ثُمَّ يُعَلِّمَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَصِحُّ. وَلَوْ لَمْ يَحْفَظْهُ نَصًّا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ: لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعْلِيمِهَا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ: أَنَّهُ عَلَّمَهَا، وَادَّعَتْ أَنَّ غَيْرَهُ عَلَّمَهَا: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعَلُّمِهَا: فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا. بِشَرْطِ أَمْنِ الْفِتْنَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً.

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهَا كَامِلَةً لَهَا قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا: رَجَعَ بِالْأُجْرَةِ كَامِلَةً عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: بَلْ يَصِحُّ إنْ جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ " لَا يَصِحُّ " وَأَطْلَقَ. وَأَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قِرَاءَةٍ مَنْ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَيِّنَ قِرَاءَةَ شَخْصٍ مِنْ الْقُرَّاءِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: هَلْ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِقَبْضِ السُّورَةِ عَلَى تَلْقِينِ جَمِيعِهَا، أَوْ تَلْقِينِ كُلِّ آيَةٍ قَبَضَ لَهَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا الْأَزَجِيُّ. قُلْت: الصَّوَابُ، الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّ تَلْقِينَ كُلِّ آيَةٍ قَبَضَ لَهَا؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ كُلِّ آيَةٍ يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ كَامِلٌ. فَهُوَ كَقَبْضِ بَعْضِ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ عَيْنًا. الثَّانِيَةُ: أَجْرَى فِي الْوَاضِحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَقِيَّةِ الْقُرَبِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا. الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ إصْدَاقُ الذِّمِّيَّةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَصِحُّ بِقَصْدِهَا الِاهْتِدَاءَ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَتَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ طَلَّقَهَا وَوُجِدَتْ حَافِظَةً لِمَا أَصْدَقَهَا، وَتَنَازَعَا: هَلْ عَلَّمَهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا؟ فَأَيُّهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَ. قُلْت: الصَّوَابُ قَبُولُ قَوْلِهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، وَخَالَعَهُنَّ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ: صَحَّ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْآخَرِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ فِي الْخُلْعِ: يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ. وَفِي الصَّدَاقِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ. [وَقَالَ: الصَّدَاقُ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى عَدَدِهِنَّ. وَفِي الْمُحَرَّرِ. وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمَا، فِي الْخُلْعِ: أَنَّ الْعِوَضَ يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ الْمُسَمَّاةِ لَهُنَّ. وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ مُهُورِ مِثْلِهِنَّ أَوْ عَلَى عَدَدِهِنَّ بِالتَّسْوِيَةِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ] . فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ عَقْدُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدًا: فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِلَّتِي عَقْدُهَا فَاسِدٌ: مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي التَّرْغِيبِ مِنْ صِحَّةِ الْعُقُودِ قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ. فَإِنْ أَصْدَقَهَا دَارًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ دَابَّةً: لَمْ يَصِحَّ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ

وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ مَجْهُولًا، مَا لَمْ تَزِدْ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. فَعَلَيْهِ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ، أَوْ حَيَوَانٍ مِنْ جِنْسٍ مَعْلُومٍ، أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ أَوْ مَرْوِيٍّ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُذْكَرُ جِنْسُهُ: صَحَّ. وَلَهَا الْوَسَطُ وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا قَفِيزَ حِنْطَةٍ، أَوْ عَشْرَةَ أَرْطَالِ زَيْتٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ. فَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ كَثَوْبٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ حَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجِنْسِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا، أَوْ حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ عَلَى حِنْطَةٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ فِي الْعَامِّ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَيَأْتِي مَعْنَى هَذَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ إذَا أَصْدَقَهَا دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ وَنَحْوِهِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا: لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَنَصَرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. وَلَهَا الْوَسَطُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَصِّهِ صِحَّتُهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ السِّنْدِيُّ) . قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: لَهَا فِي الْمُطْلَقِ وَسَطُ رَقِيقِ الْبَلَدِ نَوْعًا وَقِيمَةً كَالسِّنْدِيِّ بِالْعِرَاقِ. زَادَ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: لِأَنَّ أَعْلَى الْعَبِيدِ: التُّرْكِيُّ وَالرُّومِيُّ، وَأَدْنَاهُمْ: الزِّنْجِيُّ، وَالْحَبَشِيُّ. وَالْوَسَطُ: السِّنْدِيُّ وَالْمَنْصُورِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ النَّسَائِيّ أَنَّ لَهَا وَسَطًا، يَعْنِي: فِيمَا إذَا أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ، عَلَى قَدْرِ مَا يُخْدَمُ مِثْلُهَا. وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْوَسَطِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْدَمُ مِثْلُهَا. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي سَائِرِ أَصْنَافِ الْمَالِ كَالْعَبْدِ، وَالشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ فِي عُرْفِهَا. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ غَالِبًا: أَخَذَتْهُ كَالْبَيْعِ، أَوْ كَانَ مَنْ عَادَتِهَا اقْتِنَاؤُهُ أَوْ لُبْسُهُ: فَهُوَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي " إذَا أَصْدَقَهَا ثَوْبًا هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا، أَوْ ثَوْبًا مُطْلَقًا " قَرِيبًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَاخْتَارَهُ هُوَ وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَنَصَرَهُ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَصِّهِ صِحَّتُهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا أَصْدَقَهَا مُبْهَمًا مِنْ أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ. فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا: لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَالشَّيْخِ. وَظَاهِرُ نَصِّهِ: صِحَّتُهُ. انْتَهَى. فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفَ وَجَمَاعَةً، قَالُوا: بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِمَا. وَأَنَّ الْقَاضِيَ وَجَمَاعَةً، قَالُوا: بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا. وَأَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةً، قَالُوا: لَا يَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَيَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهَا أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَهَا الْوَسَطُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقِيلَ: لَهَا مَا اخْتَارَتْ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ كَنَذْرِهِ عِتْقَ أَحَدِهِمْ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: لَهَا مَا اخْتَارَ الزَّوْجُ. وَأَطْلَقَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ وَالْأَخِيرَ فِي الْبُلْغَةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُمْ إنْ تَسَاوَوْا فَلَهَا وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ. وَإِلَّا فَلَهَا الْوَسَطُ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ إذَا أَصْدَقَهَا دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أَوْ قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ) . وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا عِمَامَةً مِنْ عَمَائِمِهِ، أَوْ خِمَارًا مِنْ خُمُرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ

وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ: وَثَوْبٌ مَرْوِيٌّ، وَنَحْوُهُ: كَعَبْدٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ أَعْلَى الْأَجْنَاسِ وَأَدْنَاهَا مِنْ الثِّيَابِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِهِ، وَنَحْوُهُ: كَقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقِنْطَارِ زَيْتٍ، وَنَحْوِهِ: كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ. وَجَزَمَ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ. وَمَنَعَ فِي الْوَاضِحِ، فِي غَيْرِ عَبْدٍ مُطْلَقٍ. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي قَوْسٍ أَوْ ثَوْبٍ. وَقَالَ: كُلُّ مَا جُهِلَ دُونَ جَهَالَةِ الْمِثْلِ: صَحَّ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مَوْصُوفًا: صَحَّ) . قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَجْهٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا وَسَطًا، أَوْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ. فَجَاءَتْهُ بِقِيمَتِهِ: لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا.

وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى: لَمْ يَصِحَّ) . يَعْنِي: لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ الطَّلَاقِ صَدَاقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي النَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَهُ غَيْرَهُ. مَعَ أَنَّ لَهُ قُوَّةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ: لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فَاسِدٌ لَا بَدَلَ لَهُ. فَهُوَ كَالْخَمْرِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مَهْرَ الضَّرَّةِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ أَجْوَدُ. ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَاتَ طَلَاقُهَا بِمَوْتِهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ) . وَهَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَفَرَضَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا.

وَقِيلَ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَوَجْهٌ فِي الْبُلْغَةِ وَأَطْلَقَهُمَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ جَعَلَ صَدَاقَهَا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا إلَى سَنَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْمَهْرِ إذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ تَطْلُقْ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَصْدَقَهَا عِتْقَ أَمَتِهِ: صَحَّ، بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا، وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَ مَيِّتًا: لَمْ يَصِحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَنَصُّهُ: لَا يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: بَطَلَ فِي الْمَشْهُورِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ. وَهِيَ مُخَرَّجَةٌ. خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَأَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ: لَمْ يَصِحَّ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا) .

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ يَصِحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: صَحَّ فِي الْمَشْهُورِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمَا: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُولَى: عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: عَلَى صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ. فَيَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْبُلْغَةِ عَدَمَ التَّخْرِيجِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَحَمَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ دَارِهَا، وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدَتِهِ: أَعْتِقِينِي عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك. فَأَعْتَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ: عَتَقَ. وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. كَذَا لَوْ قَالَتْ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَيُعْتَقُ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي " بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا قَالَ: أَعْتَقَكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ ".

قَوْلُهُ (وَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الْأَجَلِ: صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. وَمَحَلُّهُ: الْفَرْقُ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجُوزُ فَرْضُهُ مُؤَجَّلًا أَوْ مُعَجَّلًا بِطُرُقٍ أُولَى. وَيَجُوزُ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا، وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا. وَمَتَى فَرَضَ الصَّدَاقَ وَأَطْلَقَ: اقْتَضَى الْحُلُولَ. وَإِنْ شَرَطَ مُؤَجَّلًا إلَى وَقْتٍ: فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ. وَإِنْ شَرَطَهُ مُؤَجَّلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الْأَجَلِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ. يَعْنِي: لَا يَصِحُّ فَرْضُهُ مُؤَجَّلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَحَلِّ الْأَجَلِ. وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: فِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَمَحَلُّهُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا " مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَكُونُ حَالًّا. وَذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى احْتِمَالًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ إلَى حِينِ الْفُرْقَةِ، أَوْ حِينَ الْخَلْوَةِ وَالدُّخُولِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْفُرْقَةِ الْبَيْنُونَةَ.

فَعَلَى هَذَا: الرَّجْعِيَّةُ لَا يَحِلُّ مَهْرُهَا إلَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ مَالًا مَغْصُوبًا: صَحَّ النِّكَاحُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْجِبُهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا شَيْخُهُ الْخَلَّالُ، وَالْجُوزَجَانِيُّ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا يَعْلَمَانِ حَالَةَ الْعَقْدِ: أَنَّهُ خَمْرٌ، أَوْ خِنْزِيرٌ، أَوْ مَغْصُوبٌ. وَحَمَلَهَا الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. تَنْبِيهٌ: إلْحَاقُ الْمَغْصُوبِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْحُرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَدْخُلُ الْمَغْصُوبُ. فَيَصِحُّ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ، حَتَّى بَالَغَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي

قَوْلُهُ (وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: يَجِبُ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ أَوْ قِيمَتُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ صَاحِبُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ: لَزِمَهُ. وَعَنْهُ: يَجِبُ مِثْلُ الْخَمْرِ خَلًّا. فَائِدَةٌ: يَجِبُ الْمَهْرُ هُنَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: وَعَنْهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، بِشَرْطِ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ عَصِيرًا، فَبَانَ خَمْرًا: فَلَهَا قِيمَتُهُ) . يَعْنِي يَوْمَ التَّزْوِيجِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: إنْ خَرَجَ حُرًّا فَلَهَا قِيمَتُهُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ مَغْصُوبًا فَلَهَا قِيمَتُهُ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ بَانَ الْعَصِيرُ خَمْرًا، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ لَهَا قِيمَتَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَا: رِوَايَةً وَاحِدَةً وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: لَهَا مِثْلُ الْعَصِيرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَرَدَّا قَوْلَ الْقَاضِي.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَبِالْقِيمَةِ فِي غَيْرِهِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَيْءٌ. وَكَذَا قَالَ فِي مَهْرٍ مُعَيَّنٍ تَعَذَّرَ حُصُولُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدَيْنِ، فَبَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا قِيمَةَ الْحُرِّ فَقَطْ، وَتَأْخُذُ الرَّقِيقَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّ لَهَا قِيمَتَهُمَا. وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ. فَبَانَ نِصْفُهُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ، فَبَانَتْ تِسْعَمِائَةٍ: خُيِّرَتْ بَيْنَ أَخْذِهِ وَقِيمَةِ التَّالِفِ، وَبَيْنَ قِيمَةِ الْكُلِّ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هُوَ مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا: فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ) . وَكَذَا لَوْ بَانَ نَاقِصًا صِفَةً شَرَطَتْهَا. [فَأَمَّا الَّذِي بِالذِّمَّةِ إذَا قَبَضَ مِثْلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ بَانَ مَعِيبًا، وَنَحْوَهُ. فَإِنَّهُ يَجِبُ، بَدَلُهُ، لَا أَرْشُهُ وَلَا قِيمَتُهُ. كَمَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُحَرَّرُ وَغَيْرُهُ] . وَحُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْبَيْعِ. كَمَا تَقَدَّمَ. ذِكْرُهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: لَهَا أَخْذُ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ لَا أَرْشَ لَهَا مَعَ إمْسَاكِهِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ قَوَاعِدِهِ: جَوَازَ فَسْخِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ، إذَا ظَهَرَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا. أَوْ مَعِيبًا. وَالْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا: صَحَّ. وَكَانَا جَمِيعًا مَهْرَهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، بَعْدَ قَبْضِهِمَا: رَجَعَ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْأَبِ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً: أَنَّ الْمُسَمَّى كُلَّهُ لَهَا. وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رِوَايَةً بِبُطْلَانِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ. وَقِيلَ: يَبْطُلَانِ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَرَطَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ لَهُ: صَحَّ. كَشُعَيْبٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَيْهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ. وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ. [فَعَلَى هَذَا: لَوْ كَانَ مَا شَرَطَهُ الْأَبُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ: رَجَعَ عَلَى الْأَبِ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. وَبِبَقِيَّةِ النِّصْفِ عَلَى الزَّوْجَةِ]

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ أَجْحَفَ الْأَخْذُ بِمَالِ الْبِنْتِ أَوْ لَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَطَائِفَةٍ. وَشَرَطَ عَدَمَ الْإِجْحَافِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِجْحَافُ، لِعَدَمِ مِلْكِهَا لَهُ. فَائِدَةٌ: يَمْلِكُ الْأَبُ مَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا تَمْلِكُهُ هِيَ. حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرِثَ عَنْهُ. لَكِنْ يُقَدَّرُ فِيهِ الِانْتِقَالُ إلَى الزَّوْجَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ إلَيْهِ كَعِتْقِ عَبْدِك عَنْ كَفَّارَتِي. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ مَعَ النِّيَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَضَعُفَ هَذَا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ خِصِّيصَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ: وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ لِلْبِنْتِ مَا شَاءَ. وَالْقَاضِي يَجْعَلُ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، كَجُمْلَةِ الصَّدَاقِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ فَالْكُلُّ لَهَا) . صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَوْلُهُ (وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِالْأَبِ الْمُجْبَرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الصَّغِيرَةِ وَفِي مَعْنَاهَا السَّفِيهَةُ. وَفِي التَّعْلِيقِ احْتِمَالٌ: أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ مَعَ الثَّيِّبِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا لِلْأَبِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. فَلَا يُتَمِّمُهُ الْأَبُ وَلَا الزَّوْجُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُتَمِّمُهُ الْأَبُ كَبَيْعِهِ بَعْضَ مَالِهَا بِدُونِ ثَمَنِهِ لِسُلْطَانٍ يَظُنُّ بِهِ حِفْظَ الْبَاقِي ذُكِرَ فِي الِانْتِصَارِ. وَقِيلَ: يُتَمِّمُهُ لِثَيِّبٍ كَبِيرَةٍ. وَفِي الرَّوْضَةِ: بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَقِيلَ: عَلَى الزَّوْجِ بَقِيَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَإِنْ كَرِهَتْ " هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مَنْ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا إذَا قَالَتْ " أَذِنْت لَك أَنْ تُزَوِّجَنِي عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ لَا أَقَلَّ " فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؟ وَقَدْ يُقَالُ: إذْنُهَا فِي الْمَهْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَيُلْغَى. وَيَبْقَى أَصْلُ إذْنِهَا فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرٌ بِإِذْنِهَا: صَحَّ. وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: عَلَى الزَّوْجِ بَقِيَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، فَكَيْفَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ ذَلِكَ مَعَ رِضَاهَا بِغَيْرِهِ؟ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ، وَلَهَا إذْنٌ، وَأَذِنَتْ فِي ذَلِكَ. فَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ الزَّوْجُ التَّتِمَّةَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَ الْوَلِيَّ. لَكِنَّ الْأَوْلَى هُنَا: لُزُومُ التَّتِمَّةِ إمَّا عَلَى الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ. هَذَا مَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) . فَيُكْمِلُهُ الزَّوْجُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الزَّوْجَ إلَّا الْمُسَمَّى، وَالْبَاقِي عَلَى الْوَلِيِّ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبِدُونِ إذْنِهَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ تَتِمَّتُهُ. وَيَضْمَنُهُ الْوَلِيُّ. وَعَنْهُ: تَتِمَّتُهُ عَلَيْهِ كَمَنْ زَوَّجَ بِدُونِ مَا عَيَّنَتْهُ لَهُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ كَخُلْعٍ. وَفِي الْكَافِي: لِلْأَبِ تَعْوِيضُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ: صَحَّ. وَلَزِمَ ذِمَّةَ الِابْنِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: عَلَى الْأَبِ ضَمَانًا. وَعَنْهُ: أَصَالَةً. ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ يَلْزَمُ ذِمَّةَ الِابْنِ مَعَ رِضَاهُ وَقِيلَ: لَا يَتَزَوَّجُ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " الثَّانِي: رِضَى الزَّوْجَيْنِ ". فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَضَاهُ عَنْهُ أَبُوهُ، ثُمَّ طَلَّقَ ابْنُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقِيلَ: بَعْدَ الْبُلُوغِ فَنِصْفُ الصَّدَاقِ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ الْأَبُ. كَثَمَنِ مَبِيعِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصَحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ لِلْعُرْفِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ أَصَالَةً. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْأَبُ الزِّيَادَةَ فَقَطْ. وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: نَقَلَ صَالِحٌ كَالنَّفَقَةِ. فَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَتَحَرَّرُ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ رِوَايَاتٌ

إحْدَاهُنَّ: هُوَ عَلَى الِابْنِ مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ الْأَبُ. فَيَكُونَ عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ: هُوَ عَلَى الِابْنِ، إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ الْأَبُ. فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. الثَّالِثَةُ: عَلَى الْأَبِ ضَمَانًا. الرَّابِعَةُ: عَلَى الْأَبِ أَصَالَةً. الْخَامِسَةُ: إنْ كَانَ الِابْنُ مُقِرًّا فَهُوَ عَلَى الْأَبِ أَصَالَةً. السَّادِسَةُ: فَرَّقَ بَيْنَ رِضَى الِابْنِ وَعَدَمِ رِضَاهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلِلْأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. (وَلَا يَقْبِضُ صَدَاقَ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا: فَلَهُ قَبْضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ: رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي الرَّشِيدَةَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَقْبِضُهُ إلَّا بِإِذْنِهَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَارِثِيُّ فِي بَابِ الْهِبَةِ. وَالثَّانِيَةُ: يَقْبِضُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا مُطْلَقًا. زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ: مَا لَمْ يَمْنَعْهُ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَبْرَأُ الزَّوْجُ بِقَبْضِ الْأَبِ، وَتَرْجِعُ عَلَى أَبِيهَا بِمَا بَقِيَ، لَا بِمَا أَنْفَقَ مِنْهُ

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى: صَحَّ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: مَتَى أَذِنَ لَهُ، وَأَطْلَقَ: لَمْ يَنْكِحْ إلَّا وَاحِدَةً. نَصَّ عَلَيْهِ. وَزِيَادَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فِي رَقَبَتِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: بِذِمَّتِهِ. وَفِي تَنَاوُلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ عَلَى الْأَسَدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِيَةُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَرَقَبَةِ الْعَبْدِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِمَا: ذِمَّةِ الْعَبْدِ أَصَالَةً، وَذِمَّةِ السَّيِّدِ ضَمَانًا. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ عَيْنُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ؟ . قِيلَ: لَيْسَتْ هِيَ، بَلْ غَيْرَهَا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّا إذَا قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ. وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ لِعَدَمِ كَسْبِهِ. وَلِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّكَسُّبِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ، فَلِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الثَّلَاثِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ " هَلْ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمْ لَا؟ ". تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ ضَمَانًا، فَقَضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ: فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ؟ . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي مَهْرِ زَوْجَتِهِ إذَا كَانَتْ أَمَةً لِلسَّيِّدِ، فَحَيْثُ رَجَعَ هُنَاكَ رَجَعَ هُنَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ النَّفَقَةِ حُكْمُ الصَّدَاقِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَزَوْجَةُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ عَلَيْهِمَا يُنْفِقُ فِي الْمُجَوَّدِ الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَّقَ الْعَبْدُ. فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَهُ الرَّجْعَةُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، لَمْ يَمْلِكْ إعَادَتَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَجْدِيدُ مِلْكٍ. وَالْإِذْنُ مُطْلَقٌ، فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ: لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: النِّكَاحُ مَوْقُوفٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: كَفُضُولِيٍّ. وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ: فَكَنِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ: لَوْ أَعْتَقَهُ عَقِبَ النِّكَاحِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: صَحَّ نِكَاحُهُ وَنَفَذَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَقِبَ الشِّرَاءِ: لَمْ يَنْفُذْ شِرَاؤُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقِيلَ: فِي ذِمَّتِهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: الْوَاجِبُ هُوَ الْمُسَمَّى، وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ خُمُسَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: الْوَاجِبُ خُمُسَا الْمُسَمَّى. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَهُوَ مِنْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ: فَلَهَا خُمُسَا الْمُسَمَّى. وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ: فَلَهَا الْمَهْرُ فِي رَقَبَتِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا مَهْرَ لَهَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: إنْ عَلِمَا فَلَا مَهْرَ لَهَا بِحَالٍ. فَقَيَّدَهَا بِمَا إذَا عَلِمَا التَّحْرِيمَ. كَذَا حَمَلَهَا الْقَاضِي أَيْضًا. وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَزَادَ: قُلْت إنْ عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَوْ عَلِمَتْهُ هِيَ، يَعْنِي وَحْدَهَا. قَالَ: وَالْإِخْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْتَمِلُ مَا نَقَلَ حَنْبَلٌ: أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ. بَلْ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ، يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَأُوِّلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِتَأْوِيلَاتٍ فِيهَا نَظَرٌ. وَعَنْهُ: تُعْطَى شَيْئًا. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: قُلْت: أَتَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُثْمَانَ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إلَى أَنْ تُعْطِيَ شَيْئًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ خُمُسَا الْمُسَمَّى تَجِبُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَقَالُوا: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَالْخِرَقِيُّ إنَّمَا قَالَ: عَلَى سَيِّدِهِ خُمُسَا الْمَهْرِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ: هُوَ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ. غَايَتُهُ: أَنَّهُمْ خَصَّصُوهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. وَالْخِرَقِيُّ جَعَلَهُ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَا يَنْفَكُّ ذَلِكَ عَنْ مَالِ السَّيِّدِ. الثَّانِي: مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ دَخَلَ بِهَا " الْوَطْءُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَجِبُ بِالْخَلْوَةِ إذَا لَمْ يَطَأْ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، يُعْطَى حُكْمَهَا فِي الْخَلْوَةِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا صَارَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ خُمُسَا الْمُسَمَّى تَوْقِيفًا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجَّهَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقَالَ: الْمَهْرُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ يَجِبُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحُ، وَعَقْدُ الصَّدَاقِ، وَإِذْنُ السَّيِّدِ فِي النِّكَاحِ، وَإِذْنُهُ فِي الصَّدَاقِ، وَالدُّخُولُ. فَإِذَا نَكَحَ بِلَا إذْنِهِ: فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا التَّسْمِيَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَالدُّخُولُ. فَيَجِبُ الْخُمُسَانِ. الثَّانِيَةُ: يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ الْمَهْرِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ: لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ) . ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ.

وَعَنْهُ: يَجِبُ الْمَهْرُ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. نَقَلَهُ سِنْدِيٌّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ: تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا، أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى ثَمَنِهِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: وَتَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا تَقَدَّمَ: فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ وَثَمَنُ الْعَبْدِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَاتَّفَقَا فِي الْحُلُولِ أَوْ التَّأْجِيلِ: تَقَاصَّا. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْمَهْرَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتَيْهِمَا: فَإِنَّهُ يَسْقُطُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. لِمِلْكِهَا الْعَبْدَ. وَالْمَالِكُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ عَلَى مَمْلُوكِهِ. وَالسَّيِّدُ تَبَعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ. وَيَبْقَى الثَّمَنُ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا لِسُقُوطِ مَهْرِهَا. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، لِثُبُوتِهِ لَهَا عَلَيْهِمَا قَبْلَ أَنْ تَمْلِكَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: بِنَاءً عَلَى مَنْ ثَبَتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ مَلَكَهُ. فَإِنَّ فِي سُقُوطِهِ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَصْلُهُمَا مَنْ ثَبَتَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ مَلَكَهُ، هَلْ يَسْقُطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: السُّقُوطَ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ، لِثُبُوتِهِ لَهَا قَبْلَ شِرَائِهِ. فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ، أَوْ أَرْشُ جَنَابَةٍ، ثُمَّ مَلَكَهُ: سَقَطَ. وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْحَجْرِ

تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا، أَوْ نِصْفُهُ " أَنَّ شِرَاءَهَا لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ: لَا يُسْقِطُ نِصْفَ مَهْرِهَا. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا تَمَّ بِشِرَائِهَا، فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَأْتِي هَذَا مُحَرَّرًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهَا إيَّاهُ بِالصَّدَاقِ: صَحَّ، قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا مَتَى مَلَكَتْهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ شِرَاؤُهَا لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا. وَإِذَا بَطَلَ الْمَهْرُ بَطَلَ الشِّرَاءُ. قَالَ: وَهَذِهِ إحْدَى مَسَائِلِ الدَّوْرِ. قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلَةِ: السَّيِّدُ قَائِمٌ مَقَامَ الزَّوْجِ فِي تَوْفِيَةِ الْمَهْرِ، فَصَارَتْ الْفُرْقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الزَّوْجِ كَالْخُلْعِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ: فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ. فَيَصِحُّ الْبَيْعُ. وَيَغْرَمُ النِّصْفَ الْآخَرَ. كَمَا لَوْ قَبَضَتْ جَمِيعَ الصَّدَاقِ، ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّهَا تَرُدُّ نِصْفَهُ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ وَلَدُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ، وَسَقَطَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمِلْكٍ طَارِئٍ: بَرِئَتْ ذِمَّةُ السَّيِّدِ. فَعَلَى هَذَا: يَلْزَمُ الدَّوْرُ. فَيَكُونُ فِي الصِّحَّةِ، بَعْدَ الدُّخُولِ، الرِّوَايَتَانِ قَبْلَهُ. انْتَهَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصِّحَّةُ فِي رُجُوعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنِصْفِهِ، أَوْ بِجَمِيعِهِ: الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ. فَائِدَةٌ: لَوْ جَعَلَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ مَهْرَهَا: بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ لَوْ مَلَكَهُ. إذْ نُقَدِّرُهُ لَهُ قَبْلَهَا. فَيُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِيمَنْ يُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ لِلِابْنِ قَبْلَ الزَّوْجَةِ. وَقِيلَ: عَقْدُ الزَّوْجِيَّةِ إذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ هُوَ قَبْلَهَا: عَتَقَ عَلَيْهِ دُونَهَا. قَوْلُهُ (وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْعَبْدِ، وَالدَّارِ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَنَمَاؤُهُ لَهَا. وَزَكَاتُهُ، وَنَقْصُهُ، وَضَمَانُهُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يَمْنَعَهَا قَبْضَهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ إنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ لِلزَّوْجِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إلَّا بِقَبْضِهِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَمَنْ شُرِطَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ، وَدُخُولُهُ فِي ضَمَانِهِ: قَبَضَهُ، إلَّا الْمُتَمَيِّزُ. فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَقَدَّمَ الضَّمَانُ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ: لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهَا، وَلَمْ تَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ فِي آخِرِ بَابِ خِيَارِ الْبَيْعِ. فَإِنَّ هَذَا مِثْلَهُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ كَالْمَهْرِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: رَجَعَ بِنِصْفِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا. وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ: حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَدْخُلَ حَتَّى يُطَالَبَ بِهِ وَيَخْتَارَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: أَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ الْعَفْوِ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكَ. فَإِنَّ الْعَفْوَ يَصِحُّ عَمَّا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ.

كَالشُّفْعَةِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِنَا " إنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ: هُوَ الْأَبُ " مَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو عَنْ النِّصْفِ الْمُخْتَصِّ بِابْنَتِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَا حَصَلَ مِنْ النَّمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ لَهَا. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ كُلَّهُ لَهَا: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ. وَعَلَى الثَّانِي: فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ طَلَّقَ ثُمَّ عَفَا. فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَلَا يَتَصَرَّفُ. وَفِي التَّرْغِيبِ، عَلَى الثَّانِي: وَجْهَانِ. لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ خِيَارِ الْبَيْعِ وَخِيَارِ الْوَاهِبِ. وَيَأْتِي " إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَكَانَ الصَّدَاقُ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ. هَلْ يَجِبُ رَدُّهُ. أَمْ لَا؟ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ بِيَدِهَا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ زَائِدًا زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً: رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ، وَالزِّيَادَةِ لَهَا) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَصَالِحٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَرْجِعُ فِي نِصْفِ زِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ نِصْفُ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ)

أَنَّ الْأَصْلَ لَوْ كَانَ أَمَةً، وَوَلَدَتْ عِنْدَهَا: أَنَّ الْوَلَدَ لَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّ الْوَلَدَ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي بِهِ فِي التَّعْلِيقِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: لِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْخِلَافِ: يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْأَمَةِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَاسْتَثْنَى أَبُو بَكْرٍ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ: وَلَدُ الْأَمَةِ. فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِي نِصْفِ الْأَمَةِ، حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ. فَإِنَّ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا وَلَدَتْ. وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّ الْوَلَدَ لِلْمَرْأَةِ، وَلَهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأُمِّ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً: فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا، وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ) . اعْلَمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ: لِلزَّوْجَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِيهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّمَانِينَ: ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَلَمْ يُعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ، حَتَّى جَعَلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: رِوَايَةً بِوُجُوبِ دَفْعِ النِّصْفِ بِزِيَادَتِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمُنْفَصِلَةِ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُوجَزِ وَالرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّمَاءِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَهَا نَمَاؤُهُ بِتَعْيِينِهِ. وَعَنْهُ: بِقَبْضِهِ. وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ وَجْهًا آخَرَ، بِالرُّجُوعِ فِي النِّصْفِ بِزِيَادَتِهِ، وَبِرَدِّ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ.

قَالَ: وَهَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ يُمْكِنُ فَصْلُهَا وَقِسْمَتُهَا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ: فَهُوَ شَرِيكٌ بِقِيمَةِ النِّصْفِ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِيرَةِ لِلزَّوْجَةِ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا. فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا: فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَهُ إلَّا نِصْفَ الْقِيمَةِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَيِّزًا، أَوْ لَا. كَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَحَرَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَا: إنْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُتَمَيِّزُ يُضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ: فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ: فَلَهُ قِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ، عَلَى أَدْنَى صِفَةٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ. وَفِي الْكَافِي: إلَى وَقْتِ التَّمْكِينِ مِنْهُ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: إذْ الزِّيَادَةُ فِي غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ: صُورَةٌ نَادِرَةٌ. وَلِذَلِكَ عَلَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْصِ عَلَيْهَا. فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُتَمَيِّزِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: الْمَهْرُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ قَبْضِهِ: هَلْ هُوَ بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، أَوْ مَضْمُونٌ، فَيَكُونُ مُؤْنَةُ دَفْنِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَبَنَى عَلَيْهِمَا التَّصَرُّفَ وَالنَّمَاءَ، وَتَلَفِهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِضَمَانِهِ: هَلْ هُوَ ضَمَانُ عَقْدٍ، بِحَيْثُ يَنْفَسِخُ فِي الْمُعَيَّنِ، وَيَبْقَى فِي تَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ، أَوْ ضَمَانَ يَدٍ، بِحَيْثُ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ تَلَفِهِ كَعَارِيَّةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ

ثُمَّ ذَكَرَ: أَنَّ الْقَاضِيَ، وَجَمَاعَةً، قَالُوا: مَا نَفْتَقِرُ تَوْفِيَتَهُ إلَى مِعْيَارٍ: ضَمِنَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَبَيْعٍ. انْتَهَى. وَالْوَجْهَانِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَخْذِهِ نَاقِصًا. وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَبَيْنَ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَا أَرْشَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحَكَى شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّهُ إنْ اخْتَارَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا، وَيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ النُّقْصَانِ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْأَرْشِ مَعَ نِصْفِهِ. قَالَ الشَّارِحُ، قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْمَبِيعِ يُمْسِكْهُ وَيُطَالِبُ بِالْأَرْشِ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَفِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً ثَالِثَةً وَقَدَّمَهَا: لَهُ نِصْفُهُ بِأَرْشِهِ بِلَا تَخْيِيرٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ، إذَا حَدَثَ ذَلِكَ عِنْدَ الزَّوْجَةِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ بِجِنَايَةِ جَانٍ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ نِصْفَ الْأَرْشِ. قَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. [وَعِبَارَتُهَا، وَأَمَّا النُّقْصَانُ: فَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا تَخَيَّرَ هُوَ. فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِقِيمَةِ النِّصْفِ سَلِيمًا. وَإِنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ مَعِيبًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحِيَازَتِهِ جَازَ. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ نِصْفَ الْأَرْشِ] .

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَقْتَ الْعَقْدِ " هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ. وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي أَخْذَ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ الْقَبْضِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: لَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ، مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ، إلَّا الْمُتَمَيِّزَ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْعَقْدِ. فَتُعْتَبَرُ صِفَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، أَوْ مُسْتَحَقًّا بِدَيْنٍ، أَوْ شُفْعَةٍ: فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا، فَيَرْجِعَ بِنِصْفِ مِثْلِهِ) . إذَا فَاتَ مَا قَبَضَتْهُ بِتَلَفٍ، أَوْ انْتِقَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا: فَلَهُ نِصْفُ مِثْلِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَقْدِ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: إنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا وَقُلْنَا: يَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ اُعْتُبِرَتْ صِفَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ: فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْفُرْقَةِ عَلَى أَدْنَى صِفَاتِهِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ. فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مَا كَانَتْ يَوْمَ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِقَبْضِهِ. وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْمَبِيعِ فِي رِوَايَةٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ، فَقِيلَ: يُقَدَّمُ الشَّفِيعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ، لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ. لِثُبُوتِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ فِي يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ: فَهَلْ تَضْمَنُ. نَقْصَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . فَإِذَا كَانَتْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهَا حَتَّى نَقَصَ، أَوْ تَلِفَ: فَعَلَيْهَا الضَّمَانُ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ. وَإِنْ تَلِفَ، أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ، بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. أَحَدُهُمَا: تَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالثَّانِي: لَا تَضْمَنُهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ تَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا تَضْمَنُ الْمُتَمَيِّزَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: هُوَ كَتَلَفِهِ فِي يَدِهِ قَبْلَ طَلَبِهَا. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ زَادَ الصَّدَاقُ مِنْ وَجْهٍ، وَنَقَصَ مِنْ وَجْهٍ كَعَبْدٍ صَغِيرٍ كَبُرَ، وَمَصُوغٍ كَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ عَلَى صِيَاغَةٍ أُخْرَى، وَحَمْلِ الْأَمَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ. قَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: حَمْلُ الْبَهِيمَةِ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ مَا لَمْ يَفْسُدْ اللَّحْمُ. وَالزَّرْعُ وَالْغَرْسُ: نَقْصٌ لِلْأَرْضِ، وَالْإِجَارَةِ. وَالنِّكَاحِ: نَقْصٌ. وَلَا أَثَرَ لِمَصُوغٍ كَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ كَمَا كَانَ، أَوْ أَمَةٍ سَمِنَتْ ثُمَّ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَجْهَانِ. وَلَا أَثَرَ أَيْضًا لِارْتِفَاعِ سُوقٍ، وَلَا لِنَقْلِهَا الْمِلْكَ فِيهِ، ثُمَّ طَلَّقَ وَهُوَ بِيَدِهَا. وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْخِيَارِ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ. بَلْ مَا فِيهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ قَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: خِلَافُهُ. الثَّانِيَةُ: إنْ كَانَ النَّخْلُ حَائِلًا ثُمَّ أَطْلَعَتْ. فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَكَذَا مَا أَبَرَّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: وَجْهَيْنِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً حَامِلًا، فَوَلَدَتْ: لَمْ يَرْجِعْ فِي نِصْفِهِ. إنْ قُلْنَا: لَا يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ. وَإِنْ قُلْنَا يُقَابِلُهُ: فَهُوَ بَعْضُ مَهْرٍ زَادَ زِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ. فَفِي لُزُومِهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَلُزُومِهِ قَبُولُ نِصْفِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ زَرْعِهَا: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَفِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، فِي الْأَوْلَى. وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ نِصْفِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ زَرْعِهَا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. الرَّابِعَةُ: مِمَّا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ: الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ الْمَقْبُوضَةُ، وَالْعِتْقُ. كَذَا الرَّهْنُ، وَالْكِتَابَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى نِصْفِ الْمُكَاتَبِ إنْ اخْتَارَ. وَيَكُونُ عَلَى كِتَابَتِهِ. وَلَوْ قَالَ فِي الرَّهْنِ " أَنَا أَصْبِرُ إلَى فِكَاكِهِ " فَصَبَرَ: لَمْ يَلْزَمْهَا دَفْعُ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ رَجَعَتْ بِالِابْتِيَاعِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَهَلْ يَمْنَعُ التَّدْبِيرُ الرُّجُوعَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ.

وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، أَوْ تَعْلِيقُ نِصْفِهِ. وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْمُدَبَّرِ، إنْ رَجَعَ فِيهِ بِقَوْلٍ. وَفِي لُزُومِ الْمَرْأَةِ رَدُّ نِصْفِهِ قَبْلَ تَقْبِيضِ هِبَةٍ، وَرَهْنٍ، وَفِي مُدَّةِ خِيَارِ بَيْعٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهَا. الْخَامِسَةُ: لَوْ أَصْدَقَهَا صَيْدًا، ثُمَّ طَلَّقَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِإِرْثٍ فِي الْإِحْرَامِ: فَلَهُ هُنَا نِصْفُ قِيمَتِهِ. وَإِلَّا فَهَلْ يُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ، فَيُرْسِلُهُ وَيَغْرَمُ لَهَا قِيمَةُ النِّصْفِ، أَوْ يُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَيُمْسِكُهُ، وَيَبْقَى مِلْكُ الْمُحَرَّمِ ضَرُورَةً، أَمْ هُمَا سَوَاءٌ فَيُخَيَّرَانِ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: لَوْ أَرْسَلَهُ بِرِضَاهَا: غَرِمَ لَهَا، وَإِلَّا بَقِيَا مُشْتَرَكَيْنِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَنْبَنِي عَلَى حُكْمِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بَيْنَ مُحَلٍّ وَمُحَرَّمٍ. السَّادِسَةُ: لَوْ أَصْدَقَهَا ثَوْبًا فَصَبَغَتْهُ، أَوْ أَرْضًا فَبَنَتْهَا، فَبَذَلَ الزَّوْجُ قِيمَةَ زِيَادَتِهِ لِتَمَلُّكِهِ: فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ. انْتَهَى. فَلَوْ بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ النِّصْفَ بِزِيَادَتِهِ: لَزِمَ الزَّوْجَ قَبُولُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ عَدَمُ اللُّزُومِ مِمَّا إذَا وَهَبَ الْعَامِرُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوَهَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْبِنَاءِ. انْتَهَى.

السَّابِعَةُ: لَوْ فَاتَ نِصْفُ الصَّدَاقِ مُشَاعًا: فَلَهُ النِّصْفُ الْبَاقِي. وَكَذَا لَوْ فَاتَ النِّصْفُ مُعَيَّنًا مِنْ الْمُتَنَصِّفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَأْخُذُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: لَهُ نِصْفُ الْبَقِيَّةِ، وَنِصْفُ قِيمَةِ الْفَائِتِ أَوْ مِثْلُهُ. الثَّامِنَةُ: إنْ قَبَضَتْ الْمُسَمَّى فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ كَالْمُعَيَّنِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِنَمَائِهِ مُطْلَقًا. وَيُعْتَبَرُ فِي تَقْوِيمِهِ صِفَةُ يَوْمِ قَبْضِهِ، وَفِي وُجُوبِ رَدِّهِ بِعَيْنِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: يَجِبُ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. حَتَّى قَالَ أَبُو حَفْصٍ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْأَبُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ الْأَبُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ. بَلْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ. وَتَعْلِيلُهُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ: يَقْتَضِي جَوَازَ الْعَفْوِ بَعْدَ الدُّخُولِ عَنْ الصَّدَاقِ كُلِّهِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ.

وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: سَيِّدُ الْأَمَةِ كَالْأَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَأَيُّهُمَا عَفَى لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ وَهُوَ جَائِزُ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لِلْأَبِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ الصَّغِيرَتَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ: لَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا صَغِيرَةً. وَاشْتَرَطَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: الْبَكَارَةَ لَا غَيْرُ. فَائِدَةٌ: الْمَجْنُونَةُ كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " ابْنَتُهُ الصَّغِيرَةُ " أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبِنَاءِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهَا كَالصَّغِيرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ أَيْضًا: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: هَلْ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ بِالْبُلُوغِ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِصِغَرٍ وَكِبَرٍ، وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لِلْأَبِ أَنْ يَعْفُوَ " أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً فِي عَفْوِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ. قُلْت: إذَا رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ مِنْ الصَّدَاقِ، سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ دَيْنًا. قَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ عَيْنٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ، يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْبُوضًا. وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ هِبَةً لَا عَفْوًا. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إذْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ". أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ لَيْسَ لِلْأَبِ الْعَفْوُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَا يَمْلِكُهُ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، مَا لَمْ تَلِدْ، أَوْ يَمْضِي لَهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ.

وَهُوَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهَا بِالْبُلُوغِ أَمْ لَا؟ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ فِيهِ، وَفِي الْبُلْغَةِ: وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَنْبَنِي مِلْكُ الْأَبِ لِقَبْضِ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ الرَّشِيدَةِ. فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْعَفْوُ عَنْ دَيْنٍ: سَقَطَ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَ " التَّمْلِيكِ " وَ " الْإِسْقَاطِ " وَ " الْإِبْرَاءِ " وَ " الْعَفْوِ " وَ " الصَّدَقَةِ " وَ " التَّرْكِ " وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَفْتَقِرُ. وَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ عَنْ عَيْنٍ: صَحَّ. بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَ " التَّمْلِيكِ " وَغَيْرِهِمَا، كَعَفَوْت عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْإِبْرَاءِ. وَاقْتَصَرَ فِي التَّرْغِيبِ عَلَى " وَهَبْت " وَ " مَلَكْت ". وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَقُلْنَا: لَمْ يَمْلِكْهُ الزَّوْجُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمْلِيكِ فَكَذَلِكَ. يَعْنِي: هُوَ كَالْعَفْوِ عَنْهُ إذَا كَانَ دَيْنًا. وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يُشْتَرَطُ هُنَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الْقَبْضُ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْقَبْضَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْفُسُوخِ، كَالْإِقَالَةِ وَنَحْوِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ فِي الْعَيْنِ، وَبَعْدَهُ بِيَسِيرِهِ فِي الدَّيْنِ، فِي إبْرَاءِ الْغَرِيمِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عَفْوُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ. ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَا يَقْتَضِي ضَمَانًا. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ مَعَ الْهِبَةِ. وَيَرْجِعُ مَعَ الْإِبْرَاءِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِبَدَلِ نِصْفِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ، فَهَلْ يَرْجِعُ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَلَوْ وَهَبَتْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ مَسٍّ: رَجَعَ بِنِصْفِهِ. لَا إنْ أَبْرَأَتْهُ، عَلَى الْأَظْهَرِ فِيهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا، فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ فِي الْمُعَيَّنِ، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ هُنَاكَ: خَرَجَ هُنَا وَجْهَانِ، الرُّجُوعُ وَعَدَمُهُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَالَ فِيهَا، وَفِي التَّرْغِيبِ: أَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْإِبْرَاءِ: هَلْ زَكَاتُهُ إذَا مَضَى عَلَيْهِ أَحْوَالٌ وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَوْ عَلَى الزَّوْجِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي: عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ. فَوَائِدُ: أَحَدُهَا: لَوْ وَهَبَتْهُ، [أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نِصْفِهِ أَوْ] بَعْضِهِ [فِيهِمَا] ثُمَّ تَنَصَّفَ: رَجَعَ بِالْبَاقِي، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَبِنِصْفِهِ [أَوْ بِبَاقِيهِ] ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ الْبَاقِي، وَرُبُعُ بَدَلِ الْكُلِّ، أَوْ نِصْفُ بَدَلِ الْكُلِّ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمُعَيَّنِ، دُونَ الدَّيْنِ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَهَبَتْهُ بَعْضَهُ، ثُمَّ تَنَصَّفَ: رَجَعَ بِنِصْفِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ. وَنِصْفُ الْمَوْهُوبِ اسْتَقَرَّ مِلْكًا لَهُ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ. وَنِصْفُهُ الَّذِي لَمْ يَسْتَقِرَّ: يَرْجِعُ بِهِ، عَلَى الْأُولَى، لَا الثَّانِيَةِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: عَلَيْهَا احْتِمَالٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَهَبَ الثَّمَنَ لِمُشْتَرٍ، فَظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ. فَهَلْ بَعْدَ الرَّدِّ لَهَا الْأَرْشُ، أَمْ تَرُدُّهُ وَلَهُ ثَمَنُهُ؟ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْقِيمَةُ فِيهِ الْخِلَافُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَدِّهِ. وَالْأُخْرَى: تَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَضَى الْمَهْرَ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا، ثُمَّ سَقَطَ أَوْ تَنَصَّفَ: فَالرَّاجِعُ لِلزَّوْجِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الرَّاجِعُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُتَبَرِّعِ. وَمِثْلُهُ: خِلَافًا وَمَذْهَبًا [حُكْمًا لَا صُورَةً] لَوْ بَاعَ عَيْنًا، ثُمَّ وَهَبَ ثَمَنَهَا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، ثُمَّ بَانَ بِهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ.

وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِيهِمَا: لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، ثُمَّ فُسِخَ بِعَيْبٍ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا] . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِثْلُهُ أَدَاءُ ثَمَنٍ، ثُمَّ يُفْسَخُ بِعَيْبٍ. انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: عَدَمَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ مِمَّا أَبْرَأَهُ مِنْهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ، وَعَتَقَ. فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُكَاتَبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيتَاءِ الْوَاجِبِ، أَمْ لَا؟ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُكَاتَبُ. ذَكَرَ هَذَا وَغَيْرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) يَعْنِي: إذَا أَبْرَأَتْهُ، أَوْ وَهَبَتْهُ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ بِجَمِيعِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّا: أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ إلَّا بِنِصْفِهِ. وَعَنْهُ: يَرْجِعُ بِجَمِيعِهِ مَعَ الْهِبَةِ، وَبِنِصْفِهِ مَعَ الْإِبْرَاءِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ) قِبَلِ (الزَّوْجِ كَطَلَاقِهِ وَخُلْعِهِ،

وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ: يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا) وَكَذَا تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا عَلَى فِعْلِهَا، وَتَوْكِيلِهَا فِيهِ، فَفَعَلَتْهُ فِيهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَةٍ وَكَانَتْ الصِّفَةُ مِنْ فِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ، وَفَعَلَتْهُ: فَلَا مَهْرَ لَهَا. وَقَوَّاهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ. أَمَّا إذَا خَالَعَهَا: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَسْقُطُ الْجَمِيعُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ إنْ كَانَ الْخُلْعُ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا قِيلَ " هُوَ فَسْخٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: أَوْ طَلَاقٌ أَيْضًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ " فَسْخٌ " فَيَكُونُ كَسَائِرِ الْفُسُوخِ مِنْ الزَّوْجِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَهُ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ. فَتَكُونُ الْفُرْقَةُ فِيهِ مِنْ قِبَلِهَا. وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ أَرْشُهَا فِي الْخُلْعِ فِي الْمَرَضِ. وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا " لَا يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ " أَظْهَرُ.

أَمَّا إنْ وَقَعَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَصَحَّحْنَاهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَصَّفَ، وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ، أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا فِي " بَابِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ ". وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَالرَّضَاعِ، وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ يَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا. وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ، حَيْثُ قَالَ " وَكُلُّ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ. فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِهَا الَّذِي يَلْزَمُهُ لَهَا ". فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ: قُبِلَ مِنْهُ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ، دُونَ سُقُوطِ النِّصْفِ. وَلَوْ وَطِئَ أُمَّ زَوْجَتِهِ، أَوْ ابْنَتَهَا بِشُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا: انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا كَإِسْلَامِهَا وَرِدَّتِهَا وَإِرْضَاعِهَا مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا) ؛ وَارْتِضَاعُهَا مِنْهُ بِنَفْسِهَا (وَفَسْخُهَا لِعَيْبِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَفَسْخُهُ لِعَيْبِهَا: يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا وَمُتْعَتُهَا) . أَمَّا إذَا أَسْلَمَتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " بَابِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ " مُسْتَوْفًى، فَلْيُعَاوَدْ. وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِرَضَاعِهَا، أَوْ ارْتِضَاعِهَا مِمَّنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا فَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ. حَيْثُ قَالَ " فَإِذَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا. فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى، يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا مَهْرَ لِلْكُبْرَى ".

وَأَمَّا فَسْخُهَا لِعَيْبِهِ، وَفَسْخُهُ لِعَيْبِهَا: فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ مَهْرَهَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، إلَّا تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ. يَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الْآتِيَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فَسْخَهَا لِعَيْبِهِ كَأَنَّهُ مِنْهُ، لِحُصُولِهِ بِتَدْلِيسِهِ؟ قُلْنَا: الْعِوَضُ مِنْ الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا. فَإِذَا اخْتَارَتْ فَسْخَ الْعَقْدِ، مَعَ سَلَامَةِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَفْعُ بُضْعِهَا رَجَعَ الْعِوَضُ إلَى الْعَاقِدِ مَعَهَا، وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا لِأَجْلِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهَا لَا لِتَعَذُّرِ مَا اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضًا. فَافْتَرَقَا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْفَرْقُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ. وَفِيهِ خِلَافٌ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ: الْفُسُوخُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ حَاصِلٍ. فَإِذَا وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ رَجَعَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى مَا بَذَلَهُ سَلِيمًا كَمَا خَرَجَ مِنْهُ. فَلَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا لَا كالانفساخات الْقَهْرِيَّةِ بِأَسْبَابِهَا كَالرَّضَاعِ، وَاللِّعَانِ، وَالرِّدَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالرِّقِّ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَنَحْوِهَا بِشُرُوطِهَا، وَكَثُبُوتِ الْقَرَابَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُوجِبَاتِ الْفُرْقَةِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ ظَاهِرٍ. فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِلْمَرْأَةِ بِهِ انْكِسَارٌ وَضَرَرٌ. فَجَبَرَهُ الشَّارِعُ بِإِعْطَائِهَا نِصْفَ الْمَهْرِ، وَبِالْمُتْعَةِ عِنْدَ فَقْدِ التَّسْمِيَةِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ شَرْطٌ صَحِيحٌ حَالَةَ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَفِ بِهِ. وَفَسَخَتْ: سَقَطَ بِهِ مَهْرُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرِينَ وَعَنْهُ: يَتَنَصَّفُ بِفَسْخِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَتَتَوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي فَسْخِهَا لِعَيْبِهِ.

وَلَوْ فَسَخَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا. وَأَمَّا فَسْخُهَا لِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ، أَوْ بِالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ مِنْ جِهَتِهَا. فَلَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ تَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَسْقُطُ بِهَا الْمَهْرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَنْتَصِفُ بِهَا الْمَهْرُ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي: إنْ لَاعَنَهَا فِي مَرَضِهِ: تَكُونُ الْفُرْقَةُ مِنْهُ، لَا مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَفِي فُرْقَةِ بَيْعِ الزَّوْجَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَشِرَائِهَا لَهُ: وَجْهَانِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الثَّانِيَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. فِيمَا إذَا اشْتَرَتْ الزَّوْجَ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ بِهَا كُلُّهُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، فِيمَا إذَا اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ.

وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْتَحِقِّ مَهْرِهَا. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ اشْتَرَاهَا سَقَطَ الْمَهْرُ، وَإِنْ اشْتَرَتْهُ هِيَ تَنَصَّفَ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ طَلَبَ الزَّوْجُ شِرَاءَ زَوْجَتِهِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ، وَإِنْ طَلَبَهُ سَيِّدُهَا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ بِسُؤَالِهَا. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقِيلَ: يَتَنَصَّفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا: لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا لَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا كَامِلًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ سِوَى النِّصْفِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ إنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ لَا يَتَقَرَّرُ إنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. قَالَ: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إنْ قَتَلَتْهُ هِيَ. فَوَائِدُ جَمَّةٌ اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ يَتَقَرَّرُ كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِأَشْيَاءَ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا. فَذَكَرَ الْمَوْتَ. وَهُوَ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَقَرَّرُ الْمُسَمَّى لِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَتْلَ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ

وَمِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَامِلًا: وَطْؤُهُ فِي فَرْجِ حَيَّةٍ لَا مَيِّتَةٍ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ بِوَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقَرِّرُهُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ. وَمِنْهَا: الْخَلْوَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ أَوْ لَا. اخْتَارَهُ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ بِزِيَادَةٍ " أَوْ " قَبَّلَ " لَا ". وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهَا سَهْوٌ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى رِوَايَةً بِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ بِمُجَرَّدِهَا، بِدُونِ الْوَطْءِ. وَأَنْكَرَ الْأَكْثَرُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَحَمَلُوهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَذَكَرَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَقَرَّرُ كَامِلًا، إنْ لَمْ تَمْنَعْهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَتَقَرَّرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخَلْوَةِ: أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُمَا مُمَيَّزٌ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مُمَيَّزٌ مُسْلِمٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَطَأُ مِثْلُهُ. وَلَا تَقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ كَانَ أَعْمَى. نَصَّ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: تَقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ عِلْمِهِ إذَا كَانَ أَعْمَى. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: إنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ تَثْبُتْ الْخَلْوَةُ. إنْ كَذَّبَتْهُ: فَهِيَ خَلْوَةٌ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: قَدَّمَ الْأَصْحَابُ هُنَا الْعَادَةَ عَلَى الْأَصْلِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَذَا دَعْوَى إنْفَاقِهِ. فَإِنَّ الْعَادَةَ هُنَاكَ أَقْوَى. انْتَهَى. وَالنَّائِمُ فِي الْخَلْوَةِ كَالْأَعْمَى. وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَطْءِ. يَعْنِي فِي الْخَلْوَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [وَإِلَّا فَسَيَأْتِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ، فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَهْرُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَطْءِ بِلَا خَلْوَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ] . وَفِي الْوَاضِحِ: يُقْبَلُ قَوْلُ مُنْكِرَةٍ، كَعَدَمِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ. فَلَا يَرْجِعُ هُوَ بِمَهْرٍ لَا يَدَّعِيهِ، وَلَا لَهَا مَا لَا تَدَّعِيهِ. [وَسَيَأْتِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ هُوَ دُونَهَا، فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ. وَمِنْهُ الْوَطْءُ، وَنَحْوُهُ بِلَا خَلْوَةٍ] . قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَالتَّسَلُّمُ بِالتَّسْلِيمِ. وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَتْ الْبَيْتَ، فَخَرَجَ: لَمْ تُكْمِلْ. قَالَهُ قُبَيْلَ الْمَسْأَلَةِ. وَفِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا: يَسْتَقِرُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ، كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ. وَفِي الْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةِ، وَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِالْخَلْوَةِ: الْخِلَافُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْعَدَدِ: حُكْمُ الْخَلْوَةِ مِنْ جِهَةِ الْعِدَّةِ. وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ الرَّبِيبَةِ إذَا خَلَا بِأُمِّهَا فِي " الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ". وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: بِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا إذَا خَلَا بِهَا فِي عِدَّتِهَا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْخَلْوَةُ تَقُومُ مَقَام الدُّخُولِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: تَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ، وَمِلْكُ الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْخَلْوَةُ دُونَ الثَّلَاثِ. انْتَهَى.

وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْوَةِ بَقِيَّةُ حُكْمِ الْوَطْءِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: كَمَدْخُولٍ بِهَا. إلَّا فِي حِلِّهَا لِمُطَلِّقِهَا، وَإِحْصَانٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ: هِيَ كَمَدْخُولٍ بِهَا. وَيُجْلَدَانِ إذَا زَنَيَا. انْتَهَى. وَأَمَّا لُحُوقُ النَّسَبِ: فَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَائِمٍ خَلَا بِزَوْجَتِهِ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ. ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ مُمْكِنٍ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ. لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ. وَهِيَ أَصَحُّ. وَالْأُخْرَى: قَالَ: لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إلَّا بِالْوَطْءِ. انْتَهَى. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ فِي الْخَلْوَةِ: لَزِمَ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِمَا يَلْزَمُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ فِي تَنْصِيفِ الْمَهْرِ هُنَا: رِوَايَتَيْنِ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَالْخَلْوَةُ مُقَرِّرَةٌ لِلْمَهْرِ لِمَظِنَّةِ الْوَطْءِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: إنَّمَا قَرَّرْت الْمَهْرَ لِحُصُولِ التَّمْكِينِ بِهَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَرَدَّهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: إنَّمَا قُرِّرْت لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَهُوَ حُجَّةٌ. وَإِمَّا لِأَنَّ طَلَاقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَرَدَّهَا زُهْدًا مِنْهُ فِيهَا: فِيهِ ابْتِذَالٌ لَهَا وَكَسْرٌ. فَوَجَبَ جَبْرُهُ بِالْمَهْرِ. وَقِيلَ: بَلْ الْمُقَرَّرُ هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِالنِّكَاحِ مِنْ الْمَرْأَةِ. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْخَلْوَةُ وَاللَّمْسُ بِمُجَرَّدِهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَلَوْ خَلَا بِهَا، وَلَكِنْ بِهِمَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ وَحَيْضٍ، وَصَوْمٍ أَوْ حِسِّيٌّ كَجَبٍّ، وَرَتَقٍ، وَنُضَاوَةٍ تَقَرَّرَ الْمَهْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ: اتَّفَقُوا فِيمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. انْتَهَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ: لَا يُقَرِّرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يُقَرِّرُهُ، إنْ كَانَ الْمَانِعُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ خَلَا بِهَا وَهُوَ مُدْنِفٌ، أَوْ صَائِمٌ، أَوْ مُحْرِمٌ، أَوْ مَجْبُوبٌ: اسْتَقَرَّ الصَّدَاقُ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ خَلَا بِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، أَوْ صَائِمَةٌ، أَوْ رَتْقَاءُ، أَوْ حَائِضٌ: كَمَّلَ الصَّدَاقَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُكْمِلُ، مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ. بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَيْضِ، وَالْإِحْرَامِ بِنُسُكٍ وَنَحْوِهَا. قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمَانِعُ لَا يَمْنَعُ دَوَاعِيَ الْوَطْءِ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالرَّتَقِ وَالْمَرَضِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ دَوَاعِيهِ كَالْإِحْرَامِ وَصِيَامِ الْفَرْضِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ، إنْ كَانَا صَائِمَيْنِ صَوْمَ رَمَضَانَ: لَمْ يُكْمِلْ الصَّدَاقَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ: كَمُلَ. انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ خَلَا بِهَا وَهُوَ مُرْتَدٌّ أَوْ صَائِمٌ أَوْ مُحْرِمٌ أَوْ مَجْبُوبٌ: اسْتَقَرَّ الصَّدَاقُ. وَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ حَائِضًا: كَمُلَ الصَّدَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ: اخْتَلَفَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَالْمَجْدُ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَانِعِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ

جِهَتِهَا، شَرْعِيًّا كَانَ كَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ أَوْ حِسِّيًّا كَالْجَبِّ وَالرَّتَقِ وَنَحْوِهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافِهِ مَحَلُّهُمَا: إنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا. أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ: فَإِنَّ الصَّدَاقَ يَتَقَرَّرُ بِلَا خِلَافٍ. وَنَسَبَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْقَوَاعِدِ إلَى الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِيمَا أَظُنُّ وَابْنُ الْبَنَّاءِ: مَحَلُّهُمَا إذَا امْتَنَعَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ، كَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الدَّوَاعِيَ كَالْحَيْضِ وَالْجَبِّ وَالرَّتَقِ فَيَسْتَقِرُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَنَسَبَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْقَوَاعِدِ إلَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: مَحَلُّهُمَا فِي الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ. أَمَّا الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ: فَيَتَقَرَّرُ مَعَهُ الصَّدَاقُ. وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. وَيَقْرُبُ مِنْهَا طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ. الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَ الْمَانِعُ مُتَأَكِّدًا كَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ لَمْ يُكْمِلْ، وَإِلَّا كَمُلَ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ لَمْ يُصَرِّحْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا بِالْإِحْرَامِ. وَإِنَّمَا قَاسَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَمِمَّا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ أَيْضًا: اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا وَنَحْوِهِ لِشَهْوَةٍ. حَتَّى تَقْبِيلَهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي مَعَ الْخَلْوَةِ وَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَتُهُ: تَقَرَّرَ، وَإِلَّا فَلَا. هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقَبِّلُ أَوْ يُعَانِقُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ عَادَةً: كَانَتْ خَلْوَةً مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْقَوَاعِدِ.

فَلَعَلَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " وَقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ عَادَتَهُ: تَقَرَّرَ " عَائِدٌ إلَى ابْنِ عَقِيلٍ، لَا إلَى الْقَاضِي. أَوْ يَكُونُ ابْنُ عَقِيلٍ وَافَقَ الْقَاضِيَ. وَيَكُونُ لِابْنِ عَقِيلٍ فِيهَا قَوْلَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ النَّظَرَ إلَيْهَا، وَهِيَ عُرْيَانَةٌ تَغْتَسِلُ: وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ. وَلَا يُقَرِّرُهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: بَلَى [إذَا كَانَتْ غَيْرَ عُرْيَانَةٍ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ عُرْيَانَةً، وَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلَيْهَا فَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ] قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُقَرِّرُهُ النَّظَرُ إلَيْهَا عُرْيَانَةً. وَقَطَعَ نَاظِمُ الْقَوَاعِدِ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَمَّا مُقَدَّمَاتُ الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرَجِ، أَوْ إلَى جَسَدِهَا وَهِيَ عُرْيَانَةٌ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَلْحَقَهُ بِالْوَطْءِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَمِنْهُمْ: مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَوْ رِوَايَتَيْنِ، مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ [وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِيهِمَا بِالشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ النَّظَرِ إلَى الْفَرَجِ، أَوْ إلَى جَسَدِهَا وَهِيَ عُرْيَانَةٌ: لَا يَكُونُ إلَّا لِشَهْوَةٍ، بِخِلَافِ اللَّمْسِ. إذْ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ اقْتِرَانِهِ بِالشَّهْوَةِ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ فِيهِ بِهَا] انْتَهَى. فَإِنْ تَحَمَّلَتْ بِمَاءِ الزَّوْجِ. فَفِي تَقْرِيرِ الصَّدَاقِ بِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَا يُقَرِّرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَنِيَّ زَوْجٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِشَهْوَةٍ: ثَبَتَ النَّسَبُ، وَالْعِدَّةُ، وَالْمُصَاهَرَةُ. وَلَا تَثْبُتُ رَجْعَةٌ، وَلَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَلَا يُقَرَّرُ الْمُسَمَّى. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، مَعَ يَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ مِنْهُمْ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ. حَكَاهَا الشِّيرَازِيُّ فِي الْمَنْهَجِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَخَرَّجُ لَنَا قَوْلٌ كَقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ: تَحَالَفَا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا لَوْ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ: رَدَّتْ إلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَ الْقَاضِي، فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْيَمِينُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.

اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَطَعَ بِهِ هُوَ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: إذَا ادَّعَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَادَّعَتْ أَكْثَرَ. مِنْهُ: رُدَّ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ يَمِينًا. وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَالَفَا. فَإِنَّ مَا يَقُولُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلصِّحَّةِ. فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِيَمِينٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَالْمُنْكِرِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى؛ وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي عَدَمِ الظُّهُورِ. فَشُرِعَ التَّحَالُفُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ. انْتَهَيَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ مُدَّعِي مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَمِينَ. فَيَخْرُجُ وُجُوبُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَنْهُ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ. فَإِنْ ادَّعَى هُوَ دُونَهُ، وَادَّعَتْ هِيَ زِيَادَةً: رُدَّ إلَيْهِ. وَلَا يَجِبُ يَمِينٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، عَلَى قَوْلِ شَيْخِنَا. وَعِنْدِي: أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا كُلِّهَا يَمِينٌ لِإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ حَكَى الْخِلَافَ فِيمَا إذَا ادَّعَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَلَمْ يَذْكُرَا يَمِينًا فِي غَيْرِهَا. وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي، قَدْ حَكَيَا الْخِلَافَ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَاهُ أَيْضًا. وَحَكَيَاهُ وَجْهَيْنِ، فِيمَا إذَا ادَّعَى هُوَ نَقْصًا وَادَّعَتْ هِيَ زِيَادَةً. وَقَدَّمَا عَدَمَ الْيَمِينِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالسَّامِرِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا أَجْرَوْا الْخِلَافَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. وَحَكَوْهُ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْكَبِيرِ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ، وَالْمَجْدَ، وَالشَّارِحَ حَالَةَ التَّصْنِيفِ: لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى الْخِلَافِ، أَوْ مَا اسْتَحْضَرَاهُ. [لَكِنَّ الْمَجْدَ لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. نَعَمْ حَيْثُ رُدَّ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا عَلَى الْخِلَافِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ ذِكْرَ الْيَمِينِ إلَّا عَنْ الرِّوَايَةِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِثُبُوتِهِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَا لِنَفْيِهِ، وَكَيْفَ يَنْفِيهِ عَنْهُمْ؟ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُقْنِعِ، وَقَبْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا جَزَمَ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ بِوُجُوبِ الْيَمِينِ فِي الْأَحْوَالِ أَوْ بِعَدَمِهِ فِيهَا: اخْتِيَارًا مِنْهُ لِإِطْلَاقِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ بِالْأَحْوَالِ الْأَوَّلَةِ. وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " مُدَّعِي مَهْرِ الْمِثْلِ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ، أَوْ عَدَمِهِ " وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ " أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوا يَمِينًا " لَا يُنَافِي صَنِيعَهُ فِي الْمُقْنِعِ حِينَئِذٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ الْأَخِيرِ فَقَطْ] . فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَلِيُّ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ فِي قَدْرِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ.

وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ أَوْ صِفَتِهِ، عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. لَكِنْ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ: لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ تُسَاوِي مَهْرَ الْمِثْلِ: لَمْ تَدْفَعْ إلَيْهَا، بَلْ يَدْفَعُ إلَيْهَا الْقِيمَةَ، لِئَلَّا يُمَلِّكَهَا مَا يُنْكِرُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، لَا شَيْءَ مِنْ الْمُعَيَّنَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُعَيَّنُ الْمَرْأَةِ أَعْلَى قِيمَةً وَهُوَ كَمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، وَأَخَذْنَا بِقَوْلِهَا: أَعْطَيْته بِعَيْنِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ عَيَّنَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّهَا، وَعَيَّنَ الزَّوْجُ أَبَاهَا: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتِقَ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِمِلْكِهَا لَهُ وَإِعْتَاقِهِ عَلَيْهَا. ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ. وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ أُمِّهَا، أَوْ مَهْرِ مِثْلِهَا. انْتَهَى. وَفِي الْوَاضِحِ: يَتَحَالَفَانِ كَبَيْعٍ. وَلَهَا الْأَقَلُّ مِمَّا ادَّعَتْهُ أَوْ مَهْرُ مِثْلِهَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِي جِنْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: قِيمَةُ مَا يَدَّعِيهِ هُوَ. وَقَدَّمَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ مَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنَّهُ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَتْ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ وَأَنْكَرَ: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي تَسْمِيَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَتَنَصَّفُ الْمَهْرُ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: فِي تَنَصُّفِهِ أَوْ الْمُتْعَةِ فَقَطْ الْخِلَافُ الْآتِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَهْرِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا قَالَ " كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَقَضِيَّتُهُ " عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحَاكِمِ وَصِفَتِهِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ: سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ، أَخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْعَقَدَ بِالسِّرِّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِهِ. نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. فَإِنْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِمَهْرِ السِّرِّ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْعَلَانِيَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى السِّرِّ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ: عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُقِرَّ بِنِكَاحِ السِّرِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: أَنَّ الْبَيْعَ مِثْلُ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الشَّارِحِ، وَغَيْرِهِ: وَجْهُ قَوْلِ

الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ فِي الظَّاهِرِ عَقْدًا بَعْدَ عَقْدِ السِّرِّ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ بَذْلُ الزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ. فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ زَادَهَا عَلَى صَدَاقِهَا. قَالُوا: وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَهْرُ السِّرِّ أَكْثَرَ مِنْ الْعَلَانِيَةِ: وَجَبَ مَهْرُ السِّرِّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِعَقْدِهِ. وَلَمْ تُسْقِطْهُ الْعَلَانِيَةُ فَبَقِيَ وُجُوبُهُ. انْتَهَوْا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ حَمَلْنَا كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ أَزْيَدَ. وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ. بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ. انْتَهَى. قُلْتُ: بَلْ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ. وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْعَادَةِ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذَا كُرِّرَ الْعَقْدُ بِمَهْرَيْنِ سِرًّا، وَعَلَانِيَةً: أُخِذَ بِالْمَهْرِ الزَّائِدِ، وَهُوَ الْعَلَانِيَةُ. وَإِنْ انْعَقَدَ بِغَيْرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ شَارِحُهُ: فَقَوْلُهُ " أَخَذَ بِالْمَهْرِ الزَّائِدِ وَهُوَ الْعَلَانِيَةُ " أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. انْتَهَى. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ: فَجَعَلَ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَوْلًا غَيْرَ الْقَوْلِ بِالْأَخْذِ بِالزَّائِدِ. فَقَالَ: وَمَنْ تَزَوَّجَ سِرًّا بِمَهْرٍ، وَعَلَانِيَةً بِغَيْرِهِ: أَخَذَ بِأَزْيَدِهِمَا. وَقِيلَ: بِأَوَّلِهِمَا. وَفِي الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مُطْلَقًا. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ أَنَّ مَهْرَ السِّرِّ أَكْثَرُ: فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ. وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ: فَيَأْتِي كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ اتَّفَقَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى مَهْرٍ، وَعَقَدَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ تَجَمُّلًا مِثْلَ أَنْ

يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ، وَيَعْقِدَاهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَلْفَيْنِ هِيَ الْمَهْرُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْمَهْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَوَّلًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَفِي بِمَا وَعَدَتْ بِهِ وَشَرَطَتْهُ، مِنْ أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا مَهْرَ السِّرِّ. قَالَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. قَطَعَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَنْ الْقَاضِي. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالثَّانِي: يُؤْخَذُ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بَعْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا " الثَّالِثَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ: سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ، أَخَذَ بِالْعَلَانِيَةِ " أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ: تَلْحَقُ بِهِ. وَيَبْقَى حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَصْلِ فِيمَا يُقَرِّرُهُ وَيُنْصِفُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَلْحَقُ بِهِ. وَإِنَّمَا هِيَ هِبَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ هِبَتِهَا: لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَخَرَّجَ عَلَى الْمَذْهَبِ: سُقُوطَهُ بِمَا يُنَصِّفُهُ، مِنْ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ لِمُفَوَّضَةٍ مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ فَرْضِهِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ مِنْ حِينِهَا. نَقَلَهُ مُهَنَّا فِي أَمَةٍ عَتَقَتْ، فَزِيدَ مَهْرُهَا وَجَعَلَهَا الْقَاضِي لِمَنْ أَصْلُ الزِّيَادَةِ لَهُ. [قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذَا أُلْحِقَ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ زِيَادَةٌ: أُلْحِقَتْ بِهِ وَلَزِمَتْهُ. وَكَانَتْ كَأَصْلٍ فِيمَا يُقَرِّرُهُ وَيُنَصِّفُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ تَسْقُطَ هِيَ بِمَا يُنَصِّفُهُ، وَنَحْوُهُ. انْتَهَى بِمَا مَعَهُ] . الرَّابِعَةُ: هَدِيَّةُ الزَّوْجَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَهْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِأَنْ يُزَوِّجُوهُ، فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ: رَجَعَ بِهَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: مَا قُبِضَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ فَكَمَهْرٍ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا كُتِبَ فِيهِ الْمَهْرُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِطَلَاقِهَا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَوْلَى يَتَزَوَّجُ الْعَرَبِيَّةَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا بَعْضَ الْمَهْرِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: يَرُدُّوهُ. وَإِنْ كَانَ أَهْدَى هَدِيَّةً: يَرُدُّونَهَا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ. فَإِذَا زَالَ: مَلَكَ الرُّجُوعَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ. انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْفُرْقَةِ الْقَهْرِيَّةِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ وَنَحْوِهَا ظَاهِرٌ. وَكَذَا الْفُرْقَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ الْمُسْقِطَةُ لِلْمَهْرِ. فَأَمَّا الْفَسْخُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَهْرِ، أَوْ لِنِصْفِهِ: فَتَثْبُتُ مَعَهُ الْهَدِيَّةُ. وَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ لِغَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ كَأُجْرَةِ الدَّلَّالِ، وَالْخَاطِبِ، وَنَحْوِهِمَا فَفِي النَّظَرِيَّاتِ لِابْنِ عَقِيلٍ: إنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِإِقَالَةٍ، وَنَحْوِهَا: لَمْ يَقِفْ عَلَى التَّرَاضِي. فَلَا تَرُدُّ الْأُجْرَةَ. وَإِنْ فُسِخَ بِخِيَارٍ، أَوْ عَيْبٍ: رَدَّتْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ.

وَقِيَاسُهُ فِي النِّكَاحِ: أَنَّهُ إنْ فُسِخَ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ، أَوْ لِعَيْبِهِ: رَدَّتْ. وَإِنْ فُسِخَ لِرِدَّةٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُخَالَعَةٍ: لَمْ تَرُدَّ. انْتَهَى. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَالتَّفْوِيضُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَفْوِيضُ الْبُضْعِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً. وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ، إذَا قُلْنَا: يُجْبِرُهَا. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا يُجْبِرُهَا. فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي تَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ، حَتَّى يَكُونَ تَفْوِيضَ بُضْعٍ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ) . أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْفَرْضِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، كَمَا أَنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِفَرْضِهِ [لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ] . فَائِدَةٌ: حَيْثُ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ لَهَا ذَلِكَ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَرِثَهُ صَاحِبُهُ وَلَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. فَمَا قُرِّرَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى قَرَّرَهُ هُنَا. وَقِيلَ عَنْهُ: لَا مَهْرَ لَهَا. حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقِيلَ: إنَّهُ يَنْتَصِفُ بِالْمَوْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَهُ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا وَجْهَ لِلتَّنْصِيفِ عِنْدِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي الْقَلْبِ حَزَازَةٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: أَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، عَلَى حَدِيثِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمَيْمُونِيِّ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَحَمْدَانَ بْنِ عَلِيٍّ، وَحَنْبَلٍ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ تُخَالِفُ السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، بَلْ الْأُمَّةَ. فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ: قَائِلٌ بِوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَائِلٌ بِسُقُوطِهِ. فَعَلِمْنَا أَنَّ نَاقِلَ ذَلِكَ غَالَطَ عَلَيْهِ. وَالْغَلَطُ إمَّا فِي النَّقْلِ، أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ فِي السَّمْعِ أَوْ فِي الْحِفْظِ، أَوْ فِي الْكِتَابِ. إذْ مِنْ أَصْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الَّذِي لَا خِلَافَ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ. وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ. وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَدِيدَ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ يَفْعَلُهُ هُوَ مَعَ إمَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةٍ لِأَحَدٍ؟ وَمَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْآيَةِ وَلَا لَهُ نَظِيرٌ. هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ بَاطِلٌ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إلَّا الْمُتْعَةَ) إذَا طَلَّقَ الْمُفَوَّضَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَ لَهَا صَدَاقًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ مَا فَرَضَ لَهَا صَدَاقًا وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ تَفْوِيضَ بُضْعٍ، أَوْ تَفْوِيضَ مَهْرٍ. فَإِنْ كَانَ تَفْوِيضَ بُضْعٍ: فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَقَالَ: هَذَا. الْمَذْهَبُ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ أَضْعَفُهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَإِنْ كَانَ تَفْوِيضَ مَهْرٍ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةَ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَظْهَرُ.

وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعُ. وَإِنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا صَدَاقًا صَحِيحًا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَسْقُطُ، وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَاسِدًا، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سِوَى الْمُتْعَةِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَمَا نَصَّفَ الْمُسَمَّى: نَصَّفَهُ هُنَا، إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إلَّا الْمُتْعَة. عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ فَأَعْلَاهَا: خَادِمٌ. وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ تُجْزِيهَا فِي صَلَاتِهَا) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: اعْتِبَارُ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِحَالِ الزَّوْجِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِهِمَا. وَعَنْهُ: يَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهَا إلَى الْحَاكِمِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَضْعُفُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُخَالَفَةُ نَصِّ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْكِتَابِ يَقْتَضِي تَقْدِيرَهَا بِحَالِ الزَّوْجِ. وَتَقْدِيرُهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ يُوجِبُ اعْتِبَارَهَا بِحَالِ الْمَرْأَةِ. الثَّانِي: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَاهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، لَكَانَتْ نِصْفَ الْمَهْرِ. إذْ لَيْسَ الْمَهْرُ مُعَيَّنًا فِي شَيْءٍ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخَذَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَسَأَلَهُ " كَمْ الْمَتَاعُ؟ فَقَالَ: عَلَى قَدْرِ الْجَدَّةِ. وَعَلَى مَنْ؟ قَالَ: تَمَتَّعْ بِنِصْفِ صَدَاقِ الْمِثْلِ " لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرَضَ لَهَا صَدَاقًا كَانَ لَهَا نِصْفُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، وَأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. وَقَدْ حَكَى قَوْلَ غَيْرِهِ: أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ. فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِي غَايَةِ التَّهَافُتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَى مَذْهَبَ غَيْرِهِ، بَعْدَ أَنْ حَكَى مَذْهَبَهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَذْهَبًا مُعْتَمَدًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَدْ ذَكَرَ مَذْهَبَهُ مَعَهَا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ هُنَا مَعَهَا. قَالَ: وَلَا تَلِيقُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَنْفِي

فَائِدَةَ اعْتِبَارِ الْمُوسِعِ وَالْمُقْتِرِ، وَلَا تَبْقَى فَائِدَةٌ فِي إيجَابِ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ الْمُتْعَةِ، إلَّا أَنَّ غَايَتَهُ: أَنَّ ثَمَّ الْوَاجِبَ مِنْ النَّقْدَيْنِ. وَهُنَا: الْوَاجِبُ مَتَاعٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ بِهَا: اسْتَقَرَّ مَهْرُ الْمِثْلِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ: فَهَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ كَمَا قَالُوا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحُوهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. [وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا: أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا. الرِّوَايَةُ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ، بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فِيهِ وَفِي جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عِنْدِي عَلَيْهِ لِتَوَاتُرِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي بَكْرٍ لِذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا دَخَلَ بِهَا وَكَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا ثُمَّ طَلَّقَهَا. فَلَا مُتْعَةَ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَهَا الْمُتْعَةُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا خَرَّجَهُ فِي مَحْبِسِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ إلَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ فَرَضَ لَهَا " وَاخْتَارَ هَذِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا مُتْعَةَ إلَّا لِهَذِهِ الْمُفَارِقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ. وَعَنْهُ: تَجِبُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ. وَعَنْهُ: تَجِبُ لِلْكُلِّ إلَّا لِمَنْ دَخَلَ بِهَا، وَسَمَّى مَهْرَهَا. انْتَهَى. وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ صَوَابُهُ: إلَّا مَنْ سَمَّى مَهْرَهَا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا زَيْغٌ حَصَلَ مِنْ قَلَمِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. انْتَهَى. قُلْت: رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت مَا يَدُلُّ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخَطِّ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الزَّرِيرَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: فِي سُقُوطِ الْمُتْعَةِ بِهِبَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَسْقُطُ بِهَا. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: تَسْقُطُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. قَوْلُهُ (وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا كَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهَا وَعَمِّهَا) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا، كَأُمِّهَا وَخَالَتِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَائِدَةٌ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ النِّسَاءِ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ التَّأْجِيلَ: فُرِضَ مُؤَجَّلًا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفْرَضُ حَالًّا. كَمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ لَوْ اخْتَلَفَتْ مُهُورُهُنَّ: أَخَذَ بِالْوَسَطِ الْحَالِّ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ: فَإِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا مَهْرَ فِيهِ) . إذَا افْتَرَقَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ، بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مَوْتٍ: لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ. بِلَا نِزَاعٍ وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا. وَإِنْ افْتَرَقَا بِمَوْتٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ بِهَا: اسْتَقَرَّ الْمُسَمَّى) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهِيَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، بِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ يَضْمَنُهُ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَبِأَنَّ النِّكَاحَ مَعَ فَسَادِهِ مُنْعَقِدٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ: مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلُزُومِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالِاعْتِدَادِ مِنْهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ فِيهِ بِالْعَقْدِ، وَتَقَرُّرِهِ بِالْخَلْوَةِ. فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالصَّحِيحِ. يُوَضِّحُهُ: أَنَّ ضَمَانَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ: ضَمَانُ عَقْدٍ كَضَمَانِهِ فِي الصَّحِيحِ. وَضَمَانُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: ضَمَانُ تَلَفٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. فَإِنَّ ضَمَانَهُ ضَمَانُ عَقْدٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ) . هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُذْهَبِ، رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، لَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَسْتَقِرُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. لَكِنْ هَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ الْمُسَمَّى؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ. وَلَا يَكْمُلُ الْمَهْرُ. فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ قَبْلَ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ. فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ، فَسَخَهُ الْحَاكِمُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ فَسْخِهِ: لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا. وَمِثْلُهُ نَظَائِرُهُ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى فُرْقَةٍ. لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ كَالنِّكَاحِ الْبَاطِلِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا شُهُودٍ: فَفِي تَزْوِيجِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ رِوَايَتَانِ. وَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ: إذَا زُوِّجَتْ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ بِدُونِ الشُّهُودِ. وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الْمُنَى، فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا فَاسِدًا لَا يَجُوزُ: صَحِيحٌ، حَتَّى يَقْضِيَ بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا فَلِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا مَهْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: الْبُضْعُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى زَوْجٍ أَوْ شِبْهِهِ. فَيَمْلِكُهُ. قَوْلُهُ (وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا) . يَعْنِي: يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ لِلْبِكْرِ خَاصَّةً. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهَا وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: هُوَ خَبِيثٌ. فَائِدَةٌ لَوْ أَكْرَهَهَا وَوَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، فَلَا مَهْرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: الْأَجْنَبِيَّةُ، وَذَوَاتُ مَحَارِمِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لِذَاتِ مَحْرَمِهِ. كَاللِّوَاطِ بِالْأَمْرَدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ تَحْرِيمُ أَصْلٍ. وَفَارَقَ مَنْ حُرِّمَتْ تَحْرِيمَ مُصَاهَرَةٍ. فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا طَارِئٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَنْ حُرِّمَتْ بِالرَّضَاعِ. لِأَنَّهُ طَارِئٌ أَيْضًا. انْتَهَيَا. وَعَنْهُ: أَنَّ مَنْ تَحْرُمُ ابْنَتُهَا لَا مَهْرَ لَهَا، كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ، وَالْأُخْتِ. وَمَنْ تَحِلُّ ابْنَتُهَا كَالْعَمَّةِ، وَالْخَالَةِ لَهَا الْمَهْرُ. قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ رِوَايَةِ مَنْ تَحْرُمُ ابْنَتُهَا بِخِلَافِ الْمُصَاهَرَةِ، لِأَنَّهُ طَارِئٌ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا مَهْرَ لِلْمُطَاوِعَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُطَاوِعَةِ وَيَسْقُطُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: الْأَمَةُ إذَا وُطِئَتْ مُطَاوَعَةً. فَإِنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. بَلْ يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ وَقِيلَ: لَا مَهْرَ لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَفِي أَمَةٍ أَذِنَتْ وَجْهَانِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَوَطِئَ فِيهِ. فَهِيَ كَمُكْرَهَةٍ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَعَدَمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِي التَّرْغِيبِ: رِوَايَةٌ يَلْزَمُ الْمُسَمَّى. الثَّانِيَةُ: لَوْ وَطِئَ مَيْتَةً: لَزِمَهُ الْمَهْرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي جَوَابِ مَسْأَلَةٍ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ مُحَرَّمٌ، وَلَا مَهْرَ، وَلَا حَدَّ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ مَعَهُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ) . يَعْنِي: مَعَ وُجُوبِ الْمَهْرِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ زِنًا. هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمْ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلْمُكْرَهَةِ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

فَائِدَةٌ يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الزِّنَا. لَا بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّهُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَطْءِ فِي الشُّبْهَةِ، لَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِتَعَدُّدِ الشُّبْهَةِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنِّهَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: فِي الْكِتَابَةِ يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَقَالُوا: إنْ اسْتَوْفَتْ الْمُكَاتَبَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمَهْرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ: فَلَهَا مَهْرٌ ثَانٍ وَثَالِثٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ هُنَا: لَا يَتَعَدَّدُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: كَدُخُولِهَا عَلَى أَنْ [لَا] تَسْتَحِقَّ مَهْرًا. وَفِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا: بِكُلِّ وَطْءٍ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ مَهْرٌ، إنْ عُلِمَ فَسَادُهُ. وَإِلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ. وَفِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا: فِي الْمُكْرَهَةِ لَا يَتَعَدَّدُ لِعَدَمِ التَّنْقِيصِ. كَنِكَاحٍ وَكَاسْتِوَاءِ مُوضِحَةٍ. وَفِي التَّعْلِيقِ أَيْضًا: لَوْ أَقَرَّ بِشُبْهَةٍ. فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَوْ سَكَتَتْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً، فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا: فَعَلَيْهِ أَرْشُ بَكَارَتِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هُوَ الْقِيَاسُ، لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي (يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ وُجُوبُ الْمَهْرِ كَامِلًا مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْقَاضِي قَبْلُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ. فَائِدَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ مَنْ دَخَلَ بِهَا، فَوَضَعَتْ فِي يَوْمِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِيهِ، وَطَلَّقَ قَبْلَ دُخُولِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فِي يَوْمِهَا مَنْ دَخَلَ بِهَا: فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِالنِّكَاحِ مَهْرَيْنِ وَنِصْفًا. فَيُعَايَى بِهَا. قُلْت: وَيُتَصَوَّرُ أَنْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: بِأَنْ تَطْلُقَ مِنْ الثَّالِثِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَكَذَا رَابِعٌ وَخَامِسٌ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا) . مُرَادُهُ: الْمَهْرُ الْحَالُّ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقًا. وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا تَتْلَفُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْمَهْرِ عَلَيْهَا: لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِرْجَاعُ عِوَضِهَا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ. الثَّانِي: هَذَا إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِهِ أَيْضًا. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغَنِّي خِلَافَهُ. وَخَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، مِمَّا حَكَى الْآمِدِيُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ، بَلْ بِعَدْلٍ كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَشْبَهُ عِنْدِي: أَنَّ الصَّغِيرَةَ تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ

لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُسْتَحَقُّ بِإِزَاءِ الْحَبْسِ. وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ. وَالنِّصْفُ الْآخَرُ: بِإِزَاءِ الدُّخُولِ، فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالتَّمْكِينِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا: لَمْ تَمْلِكْ مَنْعَ نَفْسِهَا. لَكِنْ لَوْ حَلَّ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا كَقَبْلِ التَّسْلِيمِ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ [فِيهِمَا] فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهَا ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا، فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَهَا ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ. وَعَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِأَنَّ الْحَبْسَ مِنْ قِبَلِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا نَفَقَةَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ، ثُمَّ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، فَبَانَ مَعِيبًا: فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا، حَتَّى تَقْبِضَ بَدَلَهُ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ أَرَادَتْ الْمَنْعَ) .

يَعْنِي: بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ الْخَلْوَةِ. (فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. انْتَهَى. مِنْهُمْ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهَا ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ امْتَنَعَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَبَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ التَّسْلِيمَ أَوَّلًا: أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ أَوَّلًا. ثُمَّ تُجْبَرُ هِيَ عَلَى تَسَلُّمِ نَفْسِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِجَعْلِهِ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ. وَهِيَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا. فَإِذَا فَعَلَتْهُ: أَخَذَتْهُ مِنْ الْعَدْلِ. وَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمَا، فَسَلَّمَ: أُجْبِرَ الْآخَرُ. فَإِنْ بَادَرَ هُوَ، فَسَلَّمَ الصَّدَاقَ فَلَهُ طَلَبُ التَّمْكِينِ. فَإِنْ أَبَتْ بِلَا عُذْرٍ فَلَهُ اسْتِرْجَاعُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً، أَوْ لَهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ التَّسَلُّمَ: وَجَبَ تَسْلِيمُ الصَّدَاقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَهْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ مِثْلُهَا. كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَلَهَا الْفَسْخُ) .

يَعْنِي: إذَا كَانَ حَالًّا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي التَّصْحِيحِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَلَهَا الْفَسْخُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ حَامِدٍ. قَالَهُ الشَّارِحُ. [وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: عَدَمُ ثُبُوتِ الْفَسْخِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي ثُبُوتِهِ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فَلَهَا الْفَسْخُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ تُزَوَّجُ مُفْلِسًا، وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ، لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ " عِنْدِي عَرَضٌ وَمَالٌ وَغَيْرُهُ ". قَالَ فِي التَّصْحِيحِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ: الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ لَا فَسْخَ لَهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفُ.

وَقِيلَ: إنْ أَعْسَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ: انْبَنَى عَلَى مَنْعِ نَفْسِهَا لِقَبْضِ صَدَاقِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، كَمَا تَقَدَّمَ. إنْ قُلْنَا: لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا هُنَاكَ فَلَهَا الْفَسْخُ هُنَا، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُغْنِي. وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَسْخَ: لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهَا ذَلِكَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهَا ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ: إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً: فَالْخِيرَةُ فِي الْمَنْعِ وَالْفَسْخِ إلَى السَّيِّدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا: وَقِيلَ: لَهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى كَوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ. انْتَهَى.

باب الوليمة

[بَابُ الْوَلِيمَةِ] ِ فَائِدَةٌ قَالَ الْكَمَالُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي " النُّقُوطِ " الْمُعْتَادِ فِي الْأَفْرَاحِ: قَالَ النَّجْمُ الْبَالِسِيُّ: إنَّهُ كَالدَّيْنِ لِدَافِعِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ مُضْطَرِبٌ. فَكَمْ يَدْفَعُ النُّقُوطَ، ثُمَّ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ؟ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهِيَ اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ خَاصَّةً) . هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ. قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ الْوَلِيمَةَ اسْمٌ لِطَعَامِ الْعُرْسِ كَالْقَامُوسِ، وَزَادَ: أَوْ كُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. فَقَوْلُهُمْ " اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ " عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ " لِطَعَامِ دَعْوَةٍ " وَإِلَّا فَالدَّعْوَةُ نَفْسُ الدُّعَاءِ إلَى الطَّعَامِ. وَقَدْ تُضَمُّ دَالُهَا، كَدَالِ الدُّعَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَلِيمَةُ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ لِسُرُورٍ حَادِثٍ. إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ أَكْثَرُ. وَقِيلَ: تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ لِسُرُورٍ حَادِثٍ. إطْلَاقًا مُتَسَاوِيًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلِيمَةُ الشَّيْءِ: كَمَالُهُ وَجَمْعُهُ. وَسُمِّيَتْ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَلِيمَةً لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ. فَائِدَةٌ الْأَطْعِمَةُ الَّتِي يُدْعَى إلَيْهَا النَّاسُ عَشَرَةٌ: الْأَوَّلُ: الْوَلِيمَةُ. وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ.

الثَّانِي: الْحِذَاقُ، وَهُوَ الطَّعَامُ عِنْدَ حِذَاقِ الصَّبِيِّ. أَيْ مَعْرِفَتِهِ، وَتَمْيِيزِهِ، وَإِتْقَانِهِ. الثَّالِثُ: الْعَذِيرَةُ وَالْإِعْذَارُ، لِطَعَامِ الْخِتَانِ. الرَّابِعُ: الْخُرْسَةُ وَالْخَرَسُ، لِطَعَامِ الْوِلَادَةِ. الْخَامِسُ: الْوَكِيرَةُ، لِدَعْوَةِ الْبِنَاءِ. السَّادِسُ: النَّقِيعَةُ، لِقُدُومِ الْغَائِبِ. السَّابِعُ: الْعَقِيقَةُ، وَهِيَ الذَّبْحُ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ. الثَّامِنَةُ: الْمَأْدُبَةُ، وَهُوَ كُلُّ دَعْوَةٍ لِسَبَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِهِ. التَّاسِعُ: الْوَضِيمَةُ، وَهُوَ طَعَامُ الْمَأْتَمِ. الْعَاشِرُ: التُّحْفَةُ، وَهُوَ طَعَامُ الْقَادِمِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ: حَادِيَ عَشَرَ: وَهُوَ الشُّنْدُخِيَّةُ وَهُوَ طَعَامُ الْإِمْلَاكِ عَلَى الزَّوْجَةِ. وَثَانِيَ عَشَرَ: الْمِشْدَاخُ. وَهُوَ الطَّعَامُ الْمَأْكُولُ فِي خِتْمَةِ الْقَارِئِ. وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَسْتَوْعِبْهَا، فَقَالَ: وَلِيمَةُ عُرْسٍ ثُمَّ خُرْسٌ وِلَادَةٌ ... وَعَقٌّ لِسَبْعٍ وَالْخِتَانُ لِإِعْذَارِ وَمَأْدُبَةٌ أَطْلِقْ نَقِيعَةَ غَائِبٍ ... وَضِيمَةُ مَوْتٍ وَالْوَكِيرَةُ لِلدَّارِ وَزِيدَتْ لِإِمْلَاكِ الْمُزَوَّجِ شُنْدُخٌ ... وَمِشْدَاخٌ الْمَأْكُولِ فِي خَتْمَةِ الْقَارِئِ فَأَخَلَّ بِالْحِذَاقِ وَالتُّحْفَةِ. قَوْلُهُ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ بِشَاةٍ فَأَقَلَّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ شَاةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: تُسْتَحَبُّ بِشَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تَجِبُ وَلَوْ بِشَاةٍ، لِلْأَمْرِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَوْ بِشَاةٍ» الشَّاةُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلتَّقْلِيلِ. أَيْ: وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، كَشَاةٍ. فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَلِيمَةُ بِدُونِ شَاةٍ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْأَوْلَى الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ قَلِيلًا. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: تُسْتَحَبُّ الْوَلِيمَةُ بِالْعَقْدِ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُسْتَحَبُّ بِالدُّخُولِ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ. لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا وَكَمَالِ السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَكِنْ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِعْلَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِيَسِيرٍ. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: السُّنَّةُ أَنْ يُكْثِرَ لِلْبِكْرِ. قُلْت: الِاعْتِبَارُ فِي هَذَا بِالْيَسَارِ. فَإِنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَا أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ. وَكَانَتْ ثَيِّبًا» لَكِنْ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّيِّبِ.

قَوْلُهُ (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَرُوهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَى الْوَلِيمَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: وَيَجِبُ فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ. وَقِيلَ: الْإِجَابَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: إنْ دَعَاهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ، فَالْإِجَابَةُ أَفْضَلُ مِنْ عَدَمِهَا. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ حُضُورُ وَلِيمَةِ عُرْسٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ هُنَاكَ قَوْلًا. قَوْلُهُ (إذَا عَيَّنَهُ الدَّاعِي الْمُسْلِمُ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْرُمْ هَجْرُهُ. فَإِنْ حَرُمَ هَجْرُهُ: لَمْ يُجِبْهُ وَلَا كَرَامَةَ. وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَسْبُهُ خَبِيثًا. فَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ خَبِيثًا: لَمْ يُجِبْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَمَنَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ إجَابَةِ ظَالِمٍ وَفَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ، وَمُفَاخِرٍ بِهَا، أَوْ فِيهَا، وَمُبْتَدِعٍ يَتَكَلَّمُ بِبِدْعَتِهِ إلَّا لِرَادٍّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهَا مُضْحِكٌ بِفُحْشٍ أَوْ كَذِبٍ كَثِيرٍ فِيهِنَّ، وَإِلَّا أُبِيحَ إذَا كَانَ قَلِيلًا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَخُصَّ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ، وَأَنْ لَا يَخَافَ الْمَدْعُوُّ الدَّاعِيَ، وَلَا يَرْجُوهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَحَلِّ مَنْ يَكْرَهُهُ الْمَدْعُوُّ، أَوْ يَكْرَهَ هُوَ الْمَدْعُوَّ.

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: إنْ عَلِمَ حُضُورَ الْأَرَاذِلِ، وَمَنْ مُجَالَسَتُهُمْ تُزْرِي بِمِثْلِهِ: لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوُجُوبَ. وَاشْتَرَطَ الْحِلَّ، وَعَدَمَ الْمُنْكَرِ. فَأَمَّا هَذَا الشَّرْطُ: فَلَا أَصْلَ لَهُ كَمَا أَنَّ مُخَالَطَةَ هَؤُلَاءِ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ لَا تُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ. وَفِي الْجِنَازَةِ: لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْحُضُورِ. فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَهَذِهِ شُبْهَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. هُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّكَبُّرِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. نَعَمْ، إنْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ: فَقَدْ اشْتَمَلَتْ الدَّعْوَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ. وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا: فَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَكْرُوهٍ. وَأَمَّا إنْ كَانُوا فُسَّاقًا، لَكِنْ لَا يَأْتُونَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، لِهَيْبَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَحْضُرَ، إذَا لَمْ يَكُونُوا مَنْ يُهْجَرُونَ، مِثْلَ الْمُسْتَتِرِينَ. أَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مَنْ يُهْجَرُ: فَفِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَشْبَهُ: جَوَازُ الْإِجَابَةِ، لَا وُجُوبُهَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَعَا الْجَفَلَى، كَقَوْلِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ تَعَالَوْا إلَى الطَّعَامِ، أَوْ دَعَاهُ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ: لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ) . إذَا دَعَا الْجَفَلَى: لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ. قَالَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَمْ تَجِبْ، وَلَمْ تُسْتَحَبَّ. وَقِيلَ: تُبَاحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا إذَا دَعَاهُ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ: فَلَا تَجِبُ

الْإِجَابَةُ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ أَحَبَّ أَجَابَ فِي الثَّانِي، وَلَا يُجِيبُ فِي الثَّالِثِ. وَأَمَّا إذَا دَعَاهُ ذِمِّيٌّ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: لَا يَجِبُ إجَابَتُهُ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَحْمَدَ: تُجِيبُ دَعْوَةَ الذِّمِّيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُكْرَهُ إجَابَتُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقِيلَ: تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَجِبُ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ، وَلَكِنْ تَجُوزُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَتَجُوزُ إجَابَتُهُ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُتَقَدِّمِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَا بَأْسَ بِإِجَابَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَخَرَّجَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ عَدَمَ الْجَوَازِ هُنَا قَوْلُهُ (وَسَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ) . هَذَا قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَقِيَّةَ الدَّعَوَاتِ مُبَاحَةٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَهُ الْقَاضِي، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُكْرَهُ دَعْوَةُ الْخِتَانِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَمَّا الْإِجَابَةُ إلَى سَائِرِ الدَّعَوَاتِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُهَا. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تُبَاحُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُوجَزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ أَيْضًا: وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُثَنَّى: تَجِبُ الْإِجَابَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ قِيلَ بِالْوُجُوبِ، لَكَانَ مُتَّجَهًا. وَكَرِهَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: حُضُورَ غَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ إذَا كَانَتْ كَمَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُمْنَعُهَا الْمُحْتَاجُ، وَيَحْضُرُهَا الْغَنِيُّ» . فَائِدَةٌ قَالَ الْقَاضِي فِي آخِرِ الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُكْرَهُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ الْإِسْرَاعُ إلَى إجَابَةِ الطَّعَامِ وَالتَّسَامُحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بِذْلَةً وَدَنَاءَةً وَشَرَهًا، لَا سِيَّمَا الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَضَرَ، وَهُوَ صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا: لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا، أَوْ كَانَ مُفْطِرًا: اُسْتُحِبَّ الْأَكْلُ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ لِمَنْ صَوْمُهُ نَفْلٌ أَوْ هُوَ مُفْطِرٌ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ لِلصَّائِمِ إنْ كَانَ يُجْبِرُ قَلْبَ دَاعِيهِ، وَإِلَّا كَانَ إتْمَامُ الصَّوْمِ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقِيلَ: نَصُّهُ " يَدْعُو، وَيَنْصَرِفُ ". وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْأَكْلِ لِلْمُفْطِرِ. وَفِي مُنَاظَرَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: لَوْ غَمَسَ إصْبَعَهُ فِي مَاءٍ وَمَصَّهَا: حَصَلَ بِهِ إرْضَاءُ الشَّارِعِ، وَإِزَالَةُ الْمَأْثَمِ بِإِجْمَاعِنَا، وَمِثْلُهُ: لَا يُعَدُّ إجَابَةً عُرْفًا، بَلْ اسْتِخْفَافًا بِالدَّاعِي. فَائِدَةٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ مَنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا. قَطَعَ بِهِ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْمُنْتَخَبِ. قُبَيْلَ بَابِ الصَّيْدِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، كَمَا قُلْنَا فِي اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي الطَّاهِرَةِ بِالنَّجِسَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وَسَأَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ الَّذِي يُعَامِلُ بِالرِّبَا يَأْكُلُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي آدَابِهَا وَلَا يَأْكُلُ مُخْتَلِطًا بِحَرَامٍ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ زَادَ الْحَرَامُ عَلَى الثُّلُثِ: حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَابِطٌ فِي مَوَاضِعَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ: حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا. إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ. نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا فِيهِ حَرَامٌ

إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ: رَدَّهُ. وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْفَسَادَ: تَنَزَّهَ عَنْهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي الرَّجُلِ يَخْلُفُ مَالًا إنْ كَانَ غَالِبُهُ نَهْبًا أَوْ رِبًا، يَنْبَغِي لِوَارِثِهِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُعْرَفُ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا: هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ وَرَثَةِ إنْسَانٍ مَالًا مُضَارَبَةً يَنْفَعُهُمَا وَيَنْتَفِعُ؟ . قَالَ: إنْ كَانَ غَالِبُهُ الْحَرَامَ فَلَا. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: عَدَمُ التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا. قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، لَكِنْ يُكْرَهُ وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالْآدَابِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ: حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ، وَقَبُولِ صَدَقَتِهِ وَهِبَتِهِ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَالِ حَرَامًا: فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَلَا تَحْرِيمَ بِالِاحْتِمَالِ. وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى لِلشَّكِّ. وَإِنْ قَوِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فَظَنُّهُ يَتَوَجَّهُ فِيهِ كَآنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامِهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ التَّرْكُ. وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى مَا إذَا تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ. وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ.

فوائد جمة في آداب الأكل والشرب

[فَوَائِدُ جَمَّةٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] ِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ وَضْعِ الطَّعَامِ أَنْ يَفْجَأَهُمْ، وَإِنْ فَجَأَهُمْ بِلَا تَعَمُّدٍ: أَكَلَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: الْكَرَاهَةَ إلَّا مَنْ عَادَتُهُ السَّمَاحَةُ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخُبْزَ الْكِبَارَ. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: وَضْعَهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَنَّهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَكَرِهَهُ غَيْرُهُ، وَكَرِهَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأُولَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي الثَّانِيَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. فَإِنْ عَلِمَ بِقَرِينَةٍ رِضَا مَالِكِهِ، فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ. وَأَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ ظَنِّهِ رِضَاهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَهُ أَخْذُ مَا عَلِمَ رِضَى رَبِّهِ بِهِ، وَإِطْعَامُ الْحَاضِرِينَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَيَأْتِي: هَلْ لَهُ أَنْ يُلَقِّمَ غَيْرَهُ؟ وَمَا يُشَابِهُهُ. وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا قَرِينَةٍ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنٌ فِي الْأَكْلِ. وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ قَبْلَهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ رِوَايَةَ الْكَرَاهَةِ.

قُلْت: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ غَسْلُ يَدَيْهِ بَعْدَ الطَّعَامِ إذَا كَانَ لَهُ غَمْرٌ. انْتَهَى. وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُكْرَهُ الْغَسْلُ بِطَعَامٍ. وَلَا بَأْسَ بِنُخَالَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَاءَ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَيَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ الْغَسْلِ بِمَطْعُومٍ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمَّا أَمَرَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْمَرْأَةَ أَنْ تَجْعَلَ مَعَ الْمَاءِ مِلْحًا، ثُمَّ تَغْسِلَ بِهِ الدَّمَ عَنْ حَقِيبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمِلْحُ طَعَامٌ. فَفِي مَعْنَاهُ مَا يُشْبِهُهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي جَوَازَ غَسْلِهَا بِالْمَطْعُومِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. وَجَزَمَ النَّاظِمُ بِجَوَازِ غَسْلِ يَدَيْهِ بِالْمِلْحِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: تَعَشَّيْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَرَّةً. فَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَرُبَّمَا مَسَحَ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ بِالْمِنْدِيلِ. وَيَتَمَضْمَضُ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ. وَيَلْعَقُ قَبْلَ الْغَسْلِ أَوْ الْمَسْحِ أَصَابِعَهُ، أَوْ يُلْعِقُهَا. وَيَعْرِضُ رَبُّ الطَّعَامِ الْمَاءَ لِغَسْلِهِمَا. وَيُقَدِّمُهُ بِقُرْبِ طَعَامِهِ. وَلَا يَعْرِضُ الطَّعَامَ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَغَيْرِهَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَغِّرَ اللُّقْمَةَ. وَيُجِيدَ الْمَضْغَ. وَيُطِيلَ الْبَلْعَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الْإِطَالَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: اسْتِحْبَابَ تَصْغِيرِ الْكِسَرِ. انْتَهَى. وَلَا يَأْكُلُ لُقْمَةً حَتَّى يَبْلَعَ مَا قَبْلَهَا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَمُدُّ يَدَهُ إلَى أُخْرَى، حَتَّى يَبْتَلِعَ الْأُولَى. كَذَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَيَنْوِي بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ. وَيَبْدَأُ بِهِمَا الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى. وَقَالَ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ: وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهْمَةً ... وَلَكِنْ رَبُّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِئُ وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُ ضَرِيرٌ: أَعْلَمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ. وَتُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَكْلُ بِالْيَمِينِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ وَالْأَكْلُ بِشِمَالِهِ، إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الشُّرْبِ إجْمَاعًا. وَقِيلَ: يَجِبَانِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيُسْرَى وَمَسِّ الْفَرَجِ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي كِلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي الْأَكْلِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ: أَكْلُ الْحَلَالِ. وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ. وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ. وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِهِ قَالَ إذَا ذَكَرَ: " بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ". وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ ". وَفِي الْخَبَرِ «فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ زَادَ " الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ " عِنْدَ الْأَكْلِ لَكَانَ حَسَنًا. فَإِنَّهُ أَكْلٌ بِخِلَافِ الذَّبْحِ. فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. انْتَهَى

وَيُسَمِّي الْمُمَيِّزُ. وَيُسَمِّي عَمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ غَيْرُهُ. قَالَهُ بَعْضُهُمْ. إنْ شُرِعَ الْحَمْدُ عَنْهُ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسَمِّي: أَنْ يَجْهَرَ بِهَا. قَالَهُ فِي الْآدَابِ. لِيُنَبِّهَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا. وَيَحْمَدَ اللَّهَ إذَا فَرَغَ، وَيَقُولَ: مَا وَرَدَ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْحَمْدُ. وَقِيلَ: وَيَحْمَدُ الشَّارِبُ كُلَّ مَرَّةٍ. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يُسَمِّي الشَّارِبُ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ، وَيَحْمَدُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ. قَالَ فِي الْآدَابِ. وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَنَّهُ جَعَلَ عِنْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ: يُسَمِّي وَيَحْمَدُ. وَقَالَ: أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ. وَيُسَنُّ مَسْحُ الصَّحْفَةِ، وَأَكْلُ مَا تَنَاثَرَ. وَالْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ. وَيَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ. وَيُكْرَهُ بِإِصْبَعٍ. لِأَنَّهُ مَقْتٌ، وَبِإِصْبَعَيْنِ، لِأَنَّهُ كِبْرٌ، وَبِأَرْبَعٍ وَخَمْسٍ، لِأَنَّهُ شَرَهٌ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا يَتَنَاوَلُ عَادَةً وَعُرْفًا بِإِصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ. فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِيهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ: إذَا كَانَ الطَّعَامُ لَوْنًا أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: نَقَلَ الْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ. وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْفَاكِهَةَ كَغَيْرِهَا.

وَكَلَامُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ مُحْتَمِلُ الْفَرْقَ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. لَكِنْ فِيهِ مَقَالٌ. انْتَهَى. وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى الْقَصْعَةِ، وَأَوْسَطِهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسَنُّ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ. وَيُكْرَهُ نَفْخُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْآدَابِ، وَغَيْرِهِمَا: وَالشَّرَابِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إذَا كَانَ حَارًّا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ. وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّعَامِ الْحَارِّ. قُلْت: عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. وَيُكْرَهُ فِعْلُ مَا يَسْتَقْذِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَذَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ بِمَا يُسْتَقْذَرُ، أَوْ بِمَا يُضْحِكُهُمْ، أَوْ يُحْزِنُهُمْ. قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَكْلَ مُتَّكِئًا. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: وَعَلَى الطَّرِيقِ أَيْضًا. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الْأَكْلُ مُضْطَجِعًا وَمُنْبَطِحًا. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.

وَيُسَنُّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْأَكْلِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى، أَوْ يَتَرَبَّعَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا. وَإِنْ تَرَبَّعَ فَلَا بَأْسَ. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَأْكُلَ مُطْمَئِنًّا. كَذَا قَالَ. وَيُكْرَهُ عَيْبُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ. وَيُكْرَهُ قِرَانُهُ فِي التَّمْرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ رِعَايَتَيْهِ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ شَرِيكٍ لَمْ يَأْذَنْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ أَهْلِهِ، وَلَا مَنْ أَطْعَمَهُمْ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، فِي كِتَابِهِ أُصُولِ الْفِقْهِ: لَا يُكْرَهُ الْقِرَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ. قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِثْلُهُ مَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِتَنَاوُلِهِ وَلَهُ أَفْرَادٌ. وَكَذَا قَالَ النَّاظِمُ فِي آدَابِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَهُ قَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ. وَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ أَثْلَاثًا: ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ. وَيَجُوزُ أَكْلُهُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِيهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: وَلَوْ أَكَلَ كَثِيرًا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. وَذَكَرَ النَّاظِمُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّبَعِ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ.

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ كَثِيرًا مَعَ خَوْفِ تُخَمَةٍ. وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَكْلَهُ حَتَّى يُتْخَمَ. وَحَرَّمَهُ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَحَرَّمَ أَيْضًا: الْإِسْرَافَ. وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ كَرَاهَةُ إدْمَانِ أَكْلِ اللَّحْمِ. وَلَا يُقَلِّلُ مِنْ الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ ذَلِكَ. وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ. وَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا. وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالشُّرْبِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: إنْ قُلْنَا: إنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ: امْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشُّرْبَ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ، وَاخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ، وَهُوَ قَلْبُهَا. وَيُكْرَهُ أَيْضًا الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَشْرَبُ مُحَاذِيًا الْعُرْوَةَ، وَيَشْرَبُ مِمَّا يَلِيهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَحَمَلَهُ فِي الْآدَابِ عَلَى أَنَّ الْعُرْوَةَ مُتَّصِلَةٌ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ. وَإِذَا شَرِبَ نَاوَلَ الْإِنَاءَ الْأَيْمَنَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَكَذَا غَسْلُ يَدِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ: وَكَذَا فِي رَشِّ مَاءِ الْوَرْدِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ، كَإِطْعَامِ سَائِلٍ، وَسِنَّوْرٍ، وَتَلْقِيمٍ، وَتَقْدِيمٍ: يَحْتَمِلُ كَلَامُهُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَجَوَازُهُ أَظْهَرُ. وَقَالَ فِي آدَابِهِ: الْأَوْلَى جَوَازُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يُلْقِمُ جَلِيسَهُ، وَلَا يُفْسِحُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يُكْرَهُ أَنْ يُلْقِمَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ [وَيَتْلَفُ بِأَكْلِهِ] عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يُلْقِمَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الطَّعَامِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَوْلَى: الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى طَعَامِهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ. وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ: تَقْدِيمُ بَعْضِ الضِّيفَانِ مَا لَدَيْهِ، وَنَقْلُهُ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ. لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِفَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ جَلِيسِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَالْقَرِينَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: كُنْت أَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا لِسِنَّوْرٍ، حَتَّى وَجَدْت فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الدُّبَّاءِ. انْتَهَى. وَيُسَنُّ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ جَلِيسِهِ. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: مِنْ الْآدَابِ: أَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى وُجُوهِ الْآكِلِينَ. انْتَهَى.

وَيُسَنُّ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْآدَابِ: وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ، وَمَعَ الْفُقَرَاءِ بِالْإِيثَارِ، وَمَعَ الْإِخْوَانِ بِالِانْبِسَاطِ، وَمَعَ الْعُلَمَاءِ بِالتَّعَلُّمِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمُرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. انْتَهَى. وَيُسَنُّ أَنْ يُخَلِّلَ أَسْنَانَهُ إنْ عَلِقَ بِهَا شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ ". وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا. قَالَ النَّاظِمُ: وَيُلْقِي مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ، وَلَا يَبْتَلِعُهُ، لِلْخَبَرِ. وَيُسَنُّ الشُّرْبُ ثَلَاثًا. وَيَتَنَفَّسُ دُونَ الْإِنَاءِ ثَلَاثًا. فَإِنْ تَنَفَّسَ فِيهِ كُرِهَ. وَلَا يَشْرَبُ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ. فَإِنَّهُ مُضِرٌّ، مَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً. وَيُسَنُّ أَنْ يُجْلِسَ غُلَامَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ. وَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَطْعَمَهُ. وَيُسَنُّ لِمَنْ أَكَلَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يَرْفَعَ يَدَهُ قَبْلَهُمْ، مَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ. وَيُكْرَهُ مَدْحُ طَعَامِهِ وَتَقْوِيمُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ بِيَدِهِ، وَلَا يَأْكُلَ بِمِلْعَقَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا. وَمَنْ أَكَلَ بِمِلْعَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا: أَكَلَ بِالْمُسْتَحَبِّ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمِلْحِ وَيَخْتِمَ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زَادَ الْمِلْحَ. وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ فِيهِ، وَرَدُّهُ فِي الْقَصْعَةِ. وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْخُبْزِ، وَلَا يَسْتَبْذِلُهُ. وَلَا يَخْلِطُ طَعَامًا بِطَعَامٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ.

وَيُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ، أَنْ يُبَاسِطَ الْإِخْوَانَ بِالْحَدِيثِ الطَّيِّبِ، وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي تَلِيقُ بِالْحَالَةِ إذَا كَانُوا مُنْقَبِضِينَ. وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُبَاسِطُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ لَا يَسْكُتُوا عَلَى الطَّعَامِ، بَلْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْمَعْرُوفِ. وَيَتَكَلَّمُونَ بِحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ فِي الْأَطْعِمَةِ. انْتَهَى. وَلَا يَتَصَنَّعُ بِالِانْقِبَاضِ. وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ فِيهِ شَيْئًا لِيَرْمِيَ بِهِ: صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الطَّعَامِ، وَأَخَذَهُ بِيَسَارِهِ. قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ. وَيُقَدِّمُ مَا حَضَرَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. وَلَا يَسْتَأْذِنُهُمْ فِي التَّقْدِيمِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْآدَابِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا: وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرَهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا دُعِيَ إلَى أَكْلٍ: دَخَلَ إلَى بَيْتِهِ، فَأَكَلَ مَا يَكْسِرُ نَهْمَتَهُ قَبْلَ ذَهَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ النَّوَى وَالتَّمْرِ، فِي طَبَقٍ وَاحِدٍ. وَلَا يَجْمَعَهُ فِي كَفِّهِ، بَلْ يَضَعَهُ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ. وَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ عَجَمٌ، وَثِقَلٌ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْكُلُ التَّمْرَ، وَيَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَرَأَيْته يَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَلِرَبِّ الطَّعَامِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الضِّيفَانِ بِشَيْءٍ طَيِّبٍ، إذَا لَمْ يَتَأَذَّ غَيْرُهُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُفَضِّلَ شَيْئًا، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ الْخُبْزَ لَا يُقَبَّلُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاهَدَةِ. نَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاهَدَ فِي الطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ. لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَفْعَلُونَ هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ رِوَايَةً: لَا يَتَصَدَّقُ بِلَا إذْنٍ وَنَحْوِهِ. انْتَهَى. وَمَعْنَى " النَّهْدِ " أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّفْقَةِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ، وَيَدْفَعُونَهُ إلَى رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا. وَإِنْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ: فَلَا بَأْسَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ: أَجَابَ أَسْبَقَهُمَا) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ هَلْ السَّبْقُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ أَوْ بِقُرْبِ الْبَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ، هَلْ السَّبْقُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْبَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ السَّبْقَ بِالْقَوْلِ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. خُصُوصًا: الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِتَقْدِيمِ الْأَدْيَنِ. ثُمَّ الْأَقْرَبِ جِوَارًا. وَقَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا بَابًا. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُقَدِّمُ إجَابَةَ الْفَقِيرِ مِنْهُمَا. وَزَادَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا: أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ دَعَاهُ اثْنَانِ: قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا. ثُمَّ إنْ أَتَيَا مَعًا: قَدَّمَ أَدْيَنَهُمَا. ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا. ثُمَّ جِوَارًا. ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَيُقَدِّمُ أَسْبَقَ. ثُمَّ أَدْيَنَ. ثُمَّ أَقْرَبَ جِوَارًا. ثُمَّ رَحِمًا. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. ثُمَّ قَارَعَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يُقَدِّمُ السَّابِقَ. فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَنْظُرُ أَقْرَبَهُمَا دَارًا، فَيُقَدِّمُ فِي الْإِجَابَةِ. وَقِيلَ: الْأَدْيَنُ بَعْدَ الْأَقْرَبِ جِوَارًا. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فَإِنْ جَاءَا مَعًا: أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا: قَدَّمَ أَدْيَنَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا كَالزَّمْرِ، وَالْخَمْرِ وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ: حَضَرَ، وَأَنْكَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْضُرْ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ حَضَرَ وَشَاهَدَ الْمُنْكَرَ: أَزَالَهُ وَجَلَسَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: انْصَرَفَ) بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ: فَلَهُ الْجُلُوسُ) . ظَاهِرُهُ: الْخِيرَةُ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَعَدَمِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ النَّاظِمُ: إنْ شَاءَ يَجْلِسُ. وَلَكِنْ عَنْهُمْ: الْبُعْدُ أَجْوَدُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْصَرِفُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ: لَمْ يَجْلِسْ إلَّا أَنْ تُزَالَ) . هَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي تَحْرِيمِ لُبْثِهِ فِي مَنْزِلٍ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ: وَجْهَانِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا يَحْرُمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ " هَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، أَمْ لَا؟ ". فَائِدَةٌ إذَا عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهَلْ يَحْرُمُ الدُّخُولُ، أَمْ لَا؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الدُّخُولُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً، أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ: فَلَا بَأْسَ بِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: الصُّوَرُ وَالتَّمَاثِيلُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلَّا فِي الْأَسِرَّةِ وَالْجُدُرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ سِتْرِ الْعَوْرَةِ. فَائِدَةٌ يَحْرُمُ تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ، وَسِتْرُ الْجُدُرِ بِهِ، وَتَصْوِيرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً. كَافْتِرَاشِهِ، وَجَعْلِهِ مِخَدًّا. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي سِتْرِ الْعَوْرَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سُتِرَتْ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا، أَوْ فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ: فَهَلْ تُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَرِيرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِذَا حَضَرَ، فَرَأَى سُتُورًا مُعَلَّقَةً لَا صُوَرَ عَلَيْهَا، فَهَلْ يَجْلِسُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. أَصْلُهُمَا: هَلْ هُوَ حَرَامٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ؟ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ. فَأَمَّا إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَهَلْ يُبَاحُ؟ " أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِبَاحَةِ وَعَدَمِهَا. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ. فَمُرَادُهُ بِالْإِبَاحَةِ: الْجَوَازُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّحْرِيمِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: يَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ: يَكُونُ أَيْضًا عُذْرًا فِي تَرْكِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عُذْرًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُتَقَدِّمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَاجِبُ لَا يُتْرَكُ لِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ وَغَيْرُهُ: كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ وَشِبْهِهِ. فَلَا يَدْخُلُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ أَنْ لَا يَدْخُلَ. قَالَ: لَا كَرَيْحَانٍ مُنَضَّدٍ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْعَجَمِ لِلتَّحْرِيمِ. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: لَا يَشْهَدُ عُرْسًا فِيهِ طَبْلٌ، أَوْ مُخَنَّثٌ، أَوْ غِنَاءٌ، أَوْ تَسَتُّرُ الْحِيطَانِ. وَيَخْرُجُ لِصُورَةٍ عَلَى الْجِدَارِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَالْفَضْلُ: لَا لِصُورَةٍ عَلَى سِتْرٍ، لَمْ يَسْتُرْ بِهِ الْجُدُرَ. قَوْلُهُ (وَلَا يُبَاحُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إذْنٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) بِلَا نِزَاعٍ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ، أَوْ قَرِينَةٍ، وَلَوْ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ، وَلَمْ يُحْرِزْهُ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ النَّضْرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِ: يَجُوزُ أَكْلُهُ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ، إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي آدَابِهِ. وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْمُتَوَجَّهُ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى الشَّكِّ فِي رِضَاهُ، أَوْ عَلَى الْوَرَعِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي آخِرِ الْغَصْبِ، فِيمَنْ يَكْتُبُ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ يَجُوزُ فِي حَقِّ مَنْ يَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَيَأْذَنُ لَهُ عُرْفًا.

قَوْلُهُ (وَالدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ: إذْنٌ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَكَذَا تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ إذْنًا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْأَكْلِ بِذَلِكَ. فَيَكُونُ الْعُرْفُ إذْنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ الْمَسْنُونَ الْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ. وَتَقَدَّمَ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ إذْنًا فِي الدُّخُولِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هُوَ إذْنٌ فِيهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ. وَنَسَبَهُ إلَى الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ كَانَ إذْنًا. وَإِلَّا فَلَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ: مَذْهَبُنَا لَا يَمْلِكُ الطَّعَامَ الَّذِي قُدِّمَ إلَيْهِ، بَلْ يَهْلَكُ بِالْأَكْلِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: أَكْلُ الضَّيْفِ إبَاحَةٌ مَحْضَةٌ. لَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ بِحَالٍ. عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ: هَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ؟ الضَّيْفُ لَا يَمْلِكُ الصَّدَقَةَ بِمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ؟ . وَقَالَ: إنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ، فَأَضَافَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا. وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلَ. وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى. قُلْت: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِدُونِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: يَأْكُلُ الضَّيْفُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الطَّعَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَمْلِيكٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْآدَابِ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ فِي الْمُغْنِي: التَّحْرِيمُ. قُلْت: وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ: لَوْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا: لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ. نَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْأَطْعِمَةِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ بِإِجْزَاءِ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَتَنْزِلُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. وَهُمَا: أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا قُدِّمَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْلِ. وَإِمَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَمْلِيكٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَوُجِّهَتْ رِوَايَةُ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَةِ صَدَقَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَالْإِذْنِ عُرْفًا، فَجَازَ. كَصَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. قَالَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي مَسْأَلَتَيْ الضَّيْفِ. انْتَهَى. وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ، أَوْ بِحُصُولِهِ فِي الْفَمِ، أَوْ بِالْبَلْعِ، أَوْ لَا يَمْلِكُهُ بِحَالٍ، كَمَذْهَبِنَا. قَوْلُهُ (وَالنِّثَارُ، وَالْتِقَاطُهُ: مَكْرُوهَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إبَاحَتُهُمَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. كَالْمُضَحِّي يَقُولُ " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْعُرْسِ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يُعْجِبُنِي. هَذَا نُهْبَةٌ، لَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُؤَكِّلُهُ لِغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَالْأَمِيرِ فِي الْغَزْوِ وَفِي الْغَنِيمَةِ " مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ " وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ شَيْءٌ، مِنْهُ: فَهُوَ لَهُ) . وَكَذَا مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ فَهُوَ لَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَصْدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ لِيَأْكُلُوا جَمِيعًا. وَهُوَ النَّهْدُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ) . إعْلَانُ النِّكَاحِ مُسْتَحَبٌّ. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاسْتَحَبَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: الصَّوْتَ فِي الْعُرْسِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّوْتِ وَالدُّفِّ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَة فِي بَابِ بَقِيَّةِ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ وَيُبَاحُ الدُّفُّ فِي الْعُرْسِ. انْتَهَى

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ " أَنَّهُ سَوَاءً كَانَ الضَّارِبُ رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ، وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ: التَّسْوِيَةُ. قِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ مَا تَرَى النَّاسَ الْيَوْمَ، تُحَرِّكُ الدُّفَّ فِي أَمْلَاكٍ، أَوْ بِنَاءٍ، بِلَا غِنَاءٍ؟ فَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ. وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ يَكُونُ فِيهِ جَرَسٌ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: ضَرْبُ الدُّفِّ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: ضَرْبُ الدُّفِّ فِي نَحْوِ الْعُرْسِ كَالْخِتَانِ، وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا كَالْعُرْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: أَصْحَابُنَا كَرِهُوا الدُّفَّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ. وَكَرِهَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: فِي غَيْرِ عُرْسٍ وَخِتَانٍ. وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ، لِلتَّشَبُّهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي الْخِتَانِ. وَقِيلَ: وَكُلِّ سُرُورٍ حَادِثٍ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ كُلُّ مَلْهَاةٍ، سِوَى الدُّفِّ كَمِزْمَارٍ، وَطُنْبُورٍ، وَرَبَابٍ، وَجُنْكٍ، وَنَايٍ، وَمِعْزَفَةٍ، وَسِرْنَايٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. وَكَذَا الْجِفَانَةُ، وَالْعُودُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ: سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ، أَوْ سُرُورٍ. وَسَأَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ النَّفْخِ فِي الْقَصَبَةِ كَالْمِزْمَارِ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُهُ.

وَفِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الْكَرَاهَةَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ إلَّا مَعَ تَصْفِيقٍ، أَوْ غِنَاءٍ أَوْ رَقْصٍ، وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِالتَّحْرِيمِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّبْلَ لِغَيْرِ حَرْبٍ، وَنَحْوِهِ. وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْحَرْبِ. وَقَالَ: لِتَنْهِيضِ طِبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَشْفِ صُدُورِ الْأَعْدَاءِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّغْبِيرَ، وَنَهَى عَنْ اسْتِمَاعِهِ. وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةٌ. وَمُحْدَثٌ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: لَا يُعْجِبُنِي. وَنَقَلَ يُوسُفُ: لَا يَسْتَمِعُهُ؟ قِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ قَالَ: حَسْبُك. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَقَدْ مَنَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ " الْبِدْعَةِ " عَلَيْهِ، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ كَشِعْرٍ مُلَحَّنٍ كَالْحُدَاءِ لِلْإِبِلِ، وَنَحْوِهِ.

باب عشرة النساء

[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ] ِ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ: وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ إذَا طَلَبَهَا. وَكَانَتْ حُرَّةً يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا) . مَتَى كَانَ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ، وَكَانَتْ حُرَّةً: لَزِمَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَكُونُ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا عِنْدِي لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْدِيدِ وَالتَّضْيِيقِ. وَإِنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً نِضْوَةَ الْخِلْقَةِ، وَطَلَبَهَا: لَزِمَ تَسْلِيمُهَا. فَلَوْ خَشِيَ عَلَيْهَا: اسْتَمْتَعَ مِنْهَا كَالِاسْتِمْتَاعِ مِنْ الْحَائِضِ. وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا مَعَ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُرْجَى زَوَالُهُ، كَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَصِغَرٍ. وَلَوْ قَالَ " لَا أَطَأُ " وَفِي الْحَائِضِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ لُزُومِ التَّسْلِيمِ. بَلْ لَوْ قِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ لَاتَّجَهَ. أَوْ يَنْظُرُ إلَى قَرِينَةِ الْحَالِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي فِي بَابِ الْحَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِاللُّزُومِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ.

الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فِي ضِيقِ فَرْجِهَا، وَقُرُوحٍ فِيهِ، وَعَبَالَةِ ذَكَرِهِ يَعْنِي: كِبَرَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَتَنْظُرُهُمَا وَقْتَ اجْتِمَاعِهِمَا لِلْحَاجَةِ. وَلَوْ أَنْكَرَ أَنَّ وَطْأَهُ يُؤْذِيهَا: لَزِمَتْهَا الْبَيِّنَةُ. الثَّالِثَةُ: إذَا امْتَنَعَتْ قَبْلَ الْمَرَضِ، ثُمَّ حَدَثَ بِهَا الْمَرَضُ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَأَلْت الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَتْ مُدَّةً، جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا فِيهَا) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ؛ وَغَيْرِهِ: لَا لِعَمَلِ جِهَازٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: إنْ اُسْتُمْهِلَتْ هِيَ وَأَهْلُهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُمْ، مَا يُعْلَمُ بِهِ التَّهَيُّؤُ مِنْ شِرَاءِ جِهَازٍ وَتَزَيُّنٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً: لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِاللَّيْلِ) . يَعْنِي مَعَ الْإِطْلَاقِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَلَوْ شَرَطَهُ نَهَارًا: وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. وَكَذَا لَوْ بَذَلَهُ السَّيِّدُ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَذَلَهُ السَّيِّدُ، وَكَانَ قَدْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَسْلِيمُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ. وَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهَا، فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لِزَوْجِ الْأَمَةِ السَّفَرُ بِهَا. وَهَلْ يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ، سَوَاءٌ صَحِبَهُ الزَّوْجُ، أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي نَقَلَهُ الْمَجْدُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْمَجْدُ: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَعَلَيْهَا يَنْبَنِي: لَوْ بَوَّأَهَا مَسْكَنًا لِيَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ. هَلْ يَلْزَمُهُ؟ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إذَا بَذَلَ السَّيِّدُ لَهَا مَسْكَنًا لِيَأْتِيَهَا الزَّوْجُ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) يَعْنِي: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ. إذَا كَانَ فِي الْقُبُلِ، وَلَوْ مِنْ جِهَةِ عَجِيزَتِهَا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ السِّرِّ الْمَصُونِ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَرِهُوا الْوَطْءَ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الدُّبُرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَا. قَوْلُهُ (مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ، مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ

فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي: إذَا زَادَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ. صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ جَعَلَ لِرَجُلٍ أَرْبَعًا بِاللَّيْلِ، وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ صَالَحَ رَجُلًا اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَةٍ عَلَى سِتَّةٍ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَقُدِّرَ. كَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ. فَيَرْجِعَانِ فِي التَّقْدِيرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ تَنَازَعَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ كَالنَّفَقَةِ، وَكَوَطْئِهِ إذَا زَادَ. انْتَهَى. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَطَأُ مَا لَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الْفَرَائِضِ، وَمَا لَمْ يَضُرَّهَا بِذَلِكَ. وَيَأْتِي كَلَامُ النَّاظِمِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ وُجُوبِ الْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا، إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا) . مُرَادُهُ: غَيْرُ زَوْجِ الْأَمَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ وَطْئِهَا وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.

قَوْلُهُ (وَلَا فِي الدُّبُرِ) . وَهَذَا أَيْضًا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَلَوْ تَطَاوَعَا عَلَى ذَلِكَ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يُعْذَرُ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْهُمَا. وَلَوْ أَكْرَهَهَا الزَّوْجُ عَلَيْهِ نُهِيَ عَنْهُ. فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْسُهُ ": " هَلْ يَجُوزُ لَهَا اسْتِدْخَالُ ذَكَرِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ؟ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَعْزِلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا. وَلَا عَنْ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا) . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ. فَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ: فَلَهُ الْعَزْلُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِ الْأَمَةِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُبَاحُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَلَا عَنْ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا " أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا هِيَ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إذْنُهَا أَيْضًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا " جَوَازَ عَزْلِ السَّيِّدِ عَنْ سُرِّيَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَزْلُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا. قُلْت: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. لِأَنَّ لَهَا فِيهِ حَقًّا. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَسْتَأْذِنُ أُمَّ الْوَلَدِ فِي الْعَزْلِ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ) . أَمَّا الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ: فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَأَمَّا غَسْلُ النَّجَاسَةِ: فَلَهُ أَيْضًا إجْبَارُهَا عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَفِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَيْهِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ (إلَّا الذِّمِّيَّةَ، فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ الْحَيْضِ) وَكَذَا النِّفَاسُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا. فَعَلَيْهَا: فِي وَطْئِهِ بِدُونِ الْغُسْلِ: وَجْهَانِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلِلزَّوْجِ إجْبَارُ زَوْجَتِهِ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إجْبَارُهَا فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ لِلْغُسْلِ مِنْهُ وَالتَّسْمِيَةِ، وَالتَّعَبُّدِ بِهِ لَوْ أَسْلَمَتْ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ " صِفَةِ الْغُسْلِ " وَفِي اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ: وَجْهَانِ. وَيَصِحُّ مِنْهَا الْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ. وَخَرَجَ ضِدُّهُ. انْتَهَى. وَقَدَّمَ صِحَّةَ الْغُسْلِ بِلَا نِيَّةٍ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ. قُلْت: الصَّوَابُ مَا قَدَّمَهُ، وَأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَجِبُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَيْضِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. وَهَلْ الْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ طَاهِرٌ، لِكَوْنِهِ أَزَالَ مَانِعًا، أَوْ طَهُورٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: إحْدَاهُمَا: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَوْلَى جَعْلُهُ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ. وَالثَّانِيَةُ: هُوَ طَهُورٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: إنْ لَزِمَهَا الْغُسْلُ مِنْهُ بِطَلَبِ الزَّوْجِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: أَوْ السَّيِّدِ فَطَاهِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ طَلَبَهُ وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ فَطَهُورٌ. وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْ غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ طَهُورٌ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: فَطَهُورٌ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: طَاهِرٌ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ، قُلْت: إنْ وَجَبَ غُسْلُهَا مِنْهُ فِي وَجْهٍ: فَطَاهِرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ طَهُورٌ. قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي: غَيْرَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الذِّمِّيَّةِ. فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي حَكَاهُ: غُسْلُ الْجَنَابَةِ، وَالنَّجَاسَةُ، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَخْذُ الشَّعْرِ الَّذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ فِي الْجَنَابَةِ. وَفِي أَخْذِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، فِي الْغُسْلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالنَّجَاسَةِ، وَعَلَى تَرْكِ كُلِّ مُحَرَّمٍ، وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي غَيْرِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ إذَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ الْأَظْفَارُ. انْتَهَيَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ طَالَ الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ: وَجَبَ إزَالَتُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ، فِي التَّنْظِيفِ، وَالِاسْتِحْدَادِ: وَجْهَانِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: فِي مَنْعِهَا مِنْ أَكْلِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَخَرَّجَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تُمْنَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِيَةُ: تُمْنَعُ الذِّمِّيَّةُ مِنْ شُرْبِهَا مُسْكِرًا إلَى أَنْ تَسْكَرَ. وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ شُرْبِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يُسْكِرْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: تُمْنَعُ مِنْهُ مُطْلَقًا.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمِثْلُهُ أَكْلُ لَحْمِ خِنْزِيرٍ. وَ [لَا] تُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ بِيعَةٍ، وَكَنِيسَةٍ. وَلَا تُكْرَهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي صَوْمِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا إفْسَادِ صَلَاتِهَا وَسُنَّتِهَا. قَوْلُهُ (وَلَهَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ) . وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَمِنْ كُلِّ ثَمَانٍ) . يَعْنِي إذَا طَلَبَتَا ذَلِكَ مِنْهُ لَزِمَ مَبِيتُ الزَّوْجِ عِنْدَ الْأَمَةِ لَيْلَةً مِنْ كُلِّ ثَمَانِ لَيَالٍ. اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْعُمْدَةِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مِنْ كُلِّ سَبْعٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ مَا يَزُولُ مَعَهُ ضَرَرُ الْوَحْشَةِ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ الْأُنْسُ الْمَقْصُودُ بِالزَّوْجِيَّةِ، بِلَا تَوْقِيتٍ. فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُ الْمَبِيتُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا. قَوْلُهُ (وَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَبِيتُ وَحْدَهُ. مَا أُحِبُّ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى اخْتِيَارَ الْأَصْحَابِ، وَالْمُصَنِّفِ وَقِيلَ: حَقُّ الزَّوْجَةِ الْمَبِيتُ الْمَذْكُورُ وَحْدَهُ. وَيَنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ. إنْ شَاءَ.

قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً، إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وُجُوبَ الْوَطْءِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا. مَا لَمْ يُنْهِكْ بَدَنَهُ، أَوْ يَشْغَلْهُ عَنْ مَعِيشَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَلَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ عَقِيلٍ: قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِتَرْكِهِ لِلْوَطْءِ. قَالَ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، غَالِبًا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ. وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَصْدِ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَحُمِلَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِيلَاءِ. وَأَمَّا إنْ اعْتَبَرَ قَصْدَ الْإِضْرَارِ: فَالْإِيلَاءُ دَلَّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ. فَيَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَصْدُهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ بِالْغَيْبَةِ الْمُضِرَّةِ بِهَا وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا، كَمَا لَوْ كُوتِبَ، فَلَمْ يَحْضُرْ بِلَا عُذْرٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي امْرَأَةِ مَنْ عُلِمَ خَبَرُهُ، كَأَسِيرٍ، وَمَحْبُوسٍ: لَهَا الْفَسْخُ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ. وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعًا.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا إجْمَاعَ. وَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَطْءُ لِعَجْزٍ: فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى، لِلْفَسْخِ بِتَعَذُّرِهِ إجْمَاعًا فِي الْإِيلَاءِ وَقَالَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وَقَالَ أَيْضًا: حُكْمُهُ كَعِنِّينٍ. قَالَ النَّاظِمُ: وَقِيلَ يُسَنُّ الْوَطْءُ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً ... وَإِلَّا فَفِي الْأُسْبُوعِ إنْ يَتَزَيَّدْ وَلَيْسَ بِمَسْنُونٍ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ ... سِوَى عِنْدَ دَاعِي شَهْوَةٍ أَوْ تَوَلُّدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: قَدْ يَغِيبُ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ قَدْ يَغِيبُ فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ كَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ فَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْقَاضِي جَعَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِسَفَرٍ وَاجِبٍ، كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِمَا. [فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا: وَلَوْ كَانَ سُنَّةً أَوْ مُبَاحًا أَوْ مُحَرَّمًا، كَتَغْرِيبِ زَانٍ، وَتَشْرِيدِ قَاطِعِ طَرِيقٍ فَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَاحْتِمَالَانِ لِلْأَصْحَابِ] وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَضِي أَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَذَلِكَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ الشَّرْعِيَّ، وَطَلَبَ الرِّزْقِ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا قَالَ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَغَيَّبَ عَنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ فِي حَجٍّ، أَوْ غَزْوٍ، أَوْ مَكْسَبٍ يَكْسِبُ عَلَى عِيَالِهِ.

أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، إنْ كَانَ قَدْ تَرَكَهَا فِي كِفَايَةٍ مِنْ النَّفَقَةِ لَهَا، وَمَحْرَمِ رَجُلٍ يَكْفِيهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) . وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ. يَعْنِي: حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَبِيتِ وَالْوَطْءِ وَالْقُدُومِ، وَأَبَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَحَيْثُ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ صَحِيحُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ قُدُومَهُ مِنْ السَّفَرِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَبَى مِنْ الْقُدُومِ: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ. سَوَاءٌ قُلْنَا: الْوَطْءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، أَمْ لَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، إلَّا إذَا قُلْنَا: بِوُجُوبِ الْوَطْءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَقِيلَ: قَدْ يُبَاحُ الْفَسْخُ.

وَطَلَاقُ الْحَاكِمِ لِأَجْلِ الْغَيْبَةِ، إذَا قَصَدَ بِهَا الْإِضْرَارَ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَرَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنِي) بِلَا نِزَاعٍ. لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ. قُلْت: قَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا " أَنَّهُ إذَا أَنْزَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا رَزَقْتنِي نَصِيبًا ". فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عِنْدَ إنْزَالِهِ. وَلَمْ أَرَهُ لِلْأَصْحَابِ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: يُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجِمَاعِ أَنْ يَقْرَأَ {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] . قَالَ: وَهَذَا عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُجَوِّزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ آيَةٍ. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ الْجِمَاعِ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ: هَلْ التَّسْمِيَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالرَّجُلِ، أَمْ لَا؟ لَمْ أَجِدْهُ. وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ. بَلْ تَقُولُهُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا. انْتَهَى. قُلْت: هُوَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّ الْقَائِلَ: هُوَ الرَّجُلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقُولُهُ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ عِنْدَ الْوَقَاعِ، وَعِنْدَ الْخَلَاءِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَأَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ.

وَقِيلَ: يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَّخِذَ خِرْقَةً تُنَاوِلُهَا لِلزَّوْجِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جِمَاعِهَا. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُظْهِرَ الْخِرْقَةَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ دَارِهَا. فَإِنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَخَذَتْ الْخِرْقَةَ وَفِيهَا الْمَنِيُّ، فَتَمَسَّحَتْ بِهَا: كَانَ مِنْهَا الْوَلَدُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي تَمْسَحُ بِهَا فَرْجَهَا. وَعَكْسُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَطَّارِ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ النِّسَاءِ وَيُكْرَهُ نَخْرُهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَحَالَ الْجِمَاعِ، وَلَا نَخْرُهُ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْكَرَاهَةِ. فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَأَرَاهُ سَفَهًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. يُعَابُ عَلَى فَاعِلِهِ. وَقَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: يَكْرَهُونَ النَّخْرَ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ نَخْرَةٌ فَلِيُكَبِّرْ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ إبْلِيسَ إلَى الْأَرْضِ أَنَّ وَنَخَرَ، فَلُعِنَ مِنْ أَنَّ وَنَخَرَ. إلَّا مَا أُرْخِصَ فِيهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَسُئِلَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ: " أَمَّا النَّخْرُ: فَلَا. وَلَكِنْ يَأْخُذُنِي عِنْدَ ذَلِكَ حَمْحَمَةٌ كَحَمْحَمَةِ الْفَرَسِ ". وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُرَخِّصُ فِي النَّخْرِ عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَسَأَلَتْ امْرَأَةٌ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ. فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يَأْمُرُنِي أَنْ أَنَخَرَ عِنْدَ الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ لَهَا: أَطِيعِي زَوْجَك.

وَعَنْ مَكْحُولٍ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ النَّاخِرَ وَالنَّاخِرَةَ إلَّا عِنْدَ الْوَقَاعِ» ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْزِعُ إذَا فَرَغَ قَبْلَهَا حَتَّى تَفْرُغَ) . يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، فَلَوْ خَالَفَ كُرِهَ لَهُ. الثَّالِثَةُ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ. بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا سُتْرَةَ عَلَيْهِمَا. لِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ) . وَتَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَرَافِقِ، وَلَوْ رَضِيَتَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: وَإِنْ أَسْكَنَهُمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ: جَازَ. إذَا كَانَ فِي مَسْكَنِ مِثْلِهَا. فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: الْمَنْعُ مِنْ جَمْعِ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ. كَمَا لَوْ كَانَا زَوْجَتَيْنِ. لِثُبُوتِ حَقِّهَا، كَالِاجْتِمَاعِ وَنَحْوِهِ. وَالسُّرِّيَّةُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاجْتِمَاعِ. قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُجَامِعُ إحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى) .

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ. وَلَوْ رَضِيَتَا بِهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقَطَعَا بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُحَدِّثُهَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ. أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: التَّحْرِيمَ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ، وَالْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ الْمُضِرِّ. قَوْلُهُ (وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهِ. فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَنْ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا قَامَ بِحَوَائِجِهَا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَبَسَتْهُ امْرَأَتُهُ لِحَقِّهَا: إنْ خَافَ خُرُوجَهَا بِلَا إذْنِهِ، أَسْكَنَهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْفَظُهَا غَيْرَ نَفْسِهِ: حُبِسَتْ مَعَهُ. فَإِنْ عَجَزَ، أَوْ خِيفَ حُدُوثُ شَرٍّ: أُسْكِنَتْ فِي رِبَاطٍ وَنَحْوِهِ. وَحَتَّى كَانَ خُرُوجُهَا مَظِنَّةً لِلْفَاحِشَةِ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ رِعَايَتُهُ

قَوْلُهُ (فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا، أَوْ مَاتَ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا لِأَجْلِ الْعِيَادَةِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: دَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزُورُ أَبَوَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهَا زِيَارَتُهُمَا. كَكَلَامِهِمَا. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فَإِنْ مَرِضَ بَعْضُ مَحَارِمِهَا، أَوْ مَاتَ " أَنَّهُ لَوْ مَرِضَ أَوْ مَاتَ غَيْرُ مَحَارِمِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ مَنْعَ أَبَوَيْهَا مِنْ زِيَارَتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُمَا مِنْ زِيَارَتِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَهُ مَنْعُهُمَا. قُلْت: الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ: إنْ عُرِفَ بِقَرَائِنِ الْحَالِ: أَنَّهُ يَحْدُثُ بِزِيَارَتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا لَهُ ضَرَرٌ: فَلَهُ الْمَنْعُ. وَإِلَّا فَلَا.

الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهَا طَاعَةُ أَبَوَيْهَا فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا، وَلَا زِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا. بَلْ طَاعَةُ زَوْجِهَا أَحَقُّ. الثَّالِثَةُ: لَيْسَ عَلَيْهَا عَجْنٌ، وَلَا خَبْزٌ، وَلَا طَبْخٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْبَلَدِ. وَخَرَّجَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوُجُوبَ، مِنْ نَصِّهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ لِحَاجَةِ الْخِدْمَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وُجُوبُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهَا. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ) وَلَا وَلِيُّهَا، أَوْ سَيِّدُهَا (إجَارَةَ نَفْسِهَا لِلرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ، بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ: لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ إنْ جَهِلَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الْأَوَّلِ. مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا. قُلْت: وَيَكُونُ الْأَوَّلُ اسْتَأْجَرَهَا لِلرَّضَاعِ. انْتَهَى. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ إجَارَتِهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَضَرَّ الْوَطْءُ بِاللَّبَنِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَفْسُدْ اللَّبَنُ. فَإِنْ أَفْسَدَ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَالْأَشْهَرُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا، إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَخْشَى عَلَيْهِ) . إنْ كَانَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَخْشَى عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَهَا ذَلِكَ إذَا شَرَطَتْهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُمَا: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا، إذَا انْتَفَى الشَّرْطَانِ وَهِيَ فِي حِبَالِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَلَفْظُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِيهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، وَالْوَجِيزِ هُنَا كَخِدْمَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ " فَقَالَ " وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ ". وَجَزَمَ بِهِ هُنَاكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ: فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ " فَيَكُونُ عُمُومُ كَلَامِهِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا هُنَاكَ. وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا هُنَا فِي الشَّرْحِ.

وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي " بَابِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ) . غَيْرُ الزَّوْجِ الطِّفْلِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ ". أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، إذَا كَفَى الْأُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِيهِمَا أَيْضًا. وَقَالَ: لَمَّا عَلَّلَ الْقَاضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ " لِأَنَّ حَقَّهُنَّ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْقَسْمِ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَى مَنْ شَاءَ " قَالَ: مُوجِبُ هَذِهِ الْعِلَّةِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ لِلْوَاحِدَةِ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ. وَيَبِيتُ الْبَاقِيَ عِنْدَ الْأُخْرَى. انْتَهَى. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ ". وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ يَكُونُ فِي الْمَبِيتِ لَيْلَةً، وَلَيْلَةً فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَرْضَيْنَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: لَهُ أَنْ يُقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، فَهِيَ كَاللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ. لَكِنْ

الْأَوْلَى لَيْلَةٌ وَلَيْلَةٌ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ الْبُدَاءَةُ بِإِحْدَاهُنَّ، وَلَا السَّفَرُ بِهَا، إلَّا بِقُرْعَةٍ) . يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: إذَا رَضِيَ الزَّوْجَاتُ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مَعَهُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا قُرْعَةٍ نَعَمْ: إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِهَا، وَأَرَادَ غَيْرَهَا: أَقْرَعَ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ. بَلْ يُسْتَحَبُّ) . وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي الْجِمَاعِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدَعَهُ عَمْدًا، يُبْقِي نَفْسَهُ لِتِلْكَ؟ . فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُقْسِمُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُقْسِمُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا، أَوْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَلَوْ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ. فَقِيلَ: يُتِمُّ لِلْحُرَّةِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ بِقَطْعٍ أَوْ اسْتِدْرَاكٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ عَتَقَتْ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا: أَضَافَ إلَى لَيْلَتِهَا لَيْلَةً أُخْرَى.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا: اسْتَأْنَفَ مُدَّةَ الْقَسْمِ مُتَسَاوِيًا، وَلَمْ يَقْضِ لَهَا مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ حَصَلَتْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا. وَإِنْ عَتَقَتْ، وَقَدْ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً: لَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا. انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَزَادَ: إنْ عَتَقَتْ بَعْدَ نَوْبَتِهَا: بَدَأَ بِهَا أَوْ بِالْحُرَّةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا أَوْ قَبْلَهَا: أَضَافَ إلَى لَيْلَتِهَا لَيْلَةً أُخْرَى. وَإِنْ عَتَقَتْ بَعْدَ مُدَّتِهَا: اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ مُتَسَاوِيًا. تَنْبِيهٌ هَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. أَعْنِي: أَنَّ الْأَمَةَ إذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: لَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَإِذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: فِيهَا الْخِلَافُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلِأَمَةٍ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: كَقَسْمِهَا. وَفِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: يُتِمُّهَا عَلَى الرِّقِّ. بِعَكْسِ مَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَعَلَ لَهَا إذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ سَابِقَةٍ: قَسْمَ حُرَّةٍ. وَإِذَا عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ حُرَّةٍ مَسْبُوقَةٍ: أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى الرِّقِّ. وَرَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَقَدَّمَ صَوَّبَهُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ: مَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي نَوْبَتِهَا أَوْ فِي نَوْبَةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ: فَلَهَا قَسْمُ حُرَّةٍ. وَإِنْ عَتَقَتْ فِي نَوْبَةِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ: فَوَجْهَانِ. فَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: جَعَلَا قَوْلَهُ " وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ " " وَهِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ " عَائِدًا إلَى الْأَمَةِ، لَا إلَى الْحُرَّةِ. وَجَعَلَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ: عَائِدًا إلَى الْحُرَّةِ، لَا إلَى الْأَمَةِ. وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ فِي بَادِي الرَّأْيِ.

وَصَوَّبَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى " الْحُرَّةِ " كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَخَطَّأَ مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَتَبَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي قُضَاةِ مِصْرَ كُرَّاسَةً فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: قَوْلُ الشَّارِحِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. فَائِدَةٌ يَطُوفُ بِمَجْنُونٍ مَأْمُونٍ وَلِيُّهُ وُجُوبًا. وَيَحْرُمُ تَخْصِيصٌ بِإِفَاقَتِهِ. وَإِنْ أَفَاقَ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ: فَفِي قَضَاءِ يَوْمِ جُنُونِهِ لِلْأُخْرَى وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَضَاءُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَيُقْسِمُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ) . وَكَذَا مَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ، وَالْمُحْرِمَةُ، وَمَنْ سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، وَالزَّمِنَةُ، وَالْمَجْنُونَةُ الْمَأْمُونَةُ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَتْ تُوطَأُ قَسَمَ لَهَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً قَسَمَ لَهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ فِي لَيْلَتِهَا إلَى غَيْرِهَا: لَمْ يَجُزْ إلَّا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ عِنْدَهَا: لَمْ يَقْضِ. وَإِنْ لَبِثَ، أَوْ جَامَعَ: لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي وَطْئًا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِيمَنْ دَخَلَ نَهَارًا لِحَاجَةٍ، أَوْ لَبِثَ: وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ جَامَعَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ " أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ، وَنَحْوَهُ: لَا يَقْضِي. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقْضِي كَمَا لَوْ جَامَعَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَيْلَةَ صَيْفٍ عَنْ لَيْلَةِ شِتَاءٍ، وَعَكْسُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَا يَقْضِي لَيْلَةَ صَيْفٍ عَنْ شِتَاءٍ. انْتَهَى. وَيَقْضِي أَوَّلَ اللَّيْلِ عَنْ آخِرِهِ، وَعَكْسُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ مِثْلُ الزَّمَنِ الَّذِي فَوَّتَهُ فِي وَقْتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يَأْتِيَ نِسَاءَهُ، وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ. فَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدٌ مِنْهُنَّ سَقَطَ حَقُّهَا. وَلَهُ دُعَاءُ الْبَعْضِ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَأْتِي إلَى الْبَعْضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَدْعُو الْكُلَّ، أَوْ يَأْتِي الْكُلَّ. فَعَلَى هَذَا: لَيْسَتْ الْمُمْتَنِعَةُ نَاشِزًا. انْتَهَى. وَالْحَبْسُ كَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ دَعَاهُنَّ: لَمْ يَلْزَمْ، مَا لَمْ يَكُنْ سَكَنَ مِثْلِهِنَّ. قَوْلُهُ (وَمَتَى سَافَرَ بِقُرْعَةٍ: لَمْ يَقْضِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا.

جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، فِي غَيْرِ سَفَرِ النَّقْلَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَقْضِي مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَقْضِي فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، فِي الْقَضَاءِ فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ: الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَقْضِي فِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ دُونَ الْبَعِيدِ. عَلَى مَا يَأْتِي. فَائِدَةٌ يَقْضِي مَا تَخَلَّلَهُ السَّفَرُ، أَوْ مَا يَعْقُبُهُ مِنْ الْإِقَامَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّرْغِيبِ: إنْ أَقَامَ فِي بَلْدَةٍ مُدَّةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَمَا دُونَ: لَمْ يَقْضِ. وَإِنْ زَادَ: قَضَى الْجَمِيعَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ أَيْضًا: إنْ أَزْمَعَ عَلَى الْمُقَامِ قَضَى مَا أَقَامَهُ، وَإِنْ قَلَّ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْقَصِيرِ حُكْمُ السَّفَرِ الطَّوِيلِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقْضِيَ لِلْبَوَاقِي فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْبُلْغَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ: لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْأُخْرَى) . يَعْنِي مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، إذَا لَمْ تَرْضَ الضَّرَّةُ بِسَفَرِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي زَمَنَ سَيْرِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَقْضِي زَمَنَ سَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ، أَوْ مِنْ الْمَبِيتِ عِنْدَهُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ: سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ) . أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ النَّفَقَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِيمَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُقُوطُ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، فِيمَا إذَا كَانَتْ قَدْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَيَأْتِي هَذَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. أَحَدُهُمَا: سُقُوطُ حَقِّهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ التَّصْحِيحُ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَالْخِرَقِيِّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. ذَكَرَهُ فِي مَكَانَيْنِ مِنْهُ.

وَقِيلَ: يَسْقُطُ الْقَسْمُ وَحْدَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَيَأْتِي فِي " كِتَابِ النَّفَقَاتِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ، أَمْ لَا؟ " قَوْلُهُ (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا بِإِذْنِهِ وَلَهُ، فَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْأَمَةِ إذْنُ السَّيِّدِ، لِأَنَّ وَلَدَهَا لَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ " خُصَّ بِهَا مَنْ شِئْت " لَأَشْبَهَ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورِثُ الْغَيْظَ، بِخِلَافِ تَخْصِيصِهَا وَاحِدَةً. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تَصِحُّ هِبَةُ ذَلِكَ بِمَالٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقِيَاسُ فِي الْمَذْهَبِ: جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ سَائِرِ حُقُوقِهَا، مِنْ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ.

وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ لَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ لِتَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. [وَقِيلَ: إنْ وَهَبَتْهُ لَهُ: جَازَ، وَلَهُنَّ: لَمْ يَجُزْ. وَالْمُرَادُ فِيهِمَا: إلَّا بِإِذْنِهِمَا مَعَهَا، أَوْ بِإِذْنِ مَنْ عَلَيْهَا فِيهِ تَطْوِيلٌ فِي الزَّمَنِ، دُونَ غَيْرِهَا. وَهُوَ أَظْهَرُ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَوْ وَهَبَتْ رَابِعَةٌ لَيْلَتَهَا لِثَانِيَةٍ، فَقِيلَ: يَطَأُ ثَانِيَةً، ثُمَّ أُولَى ثُمَّ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً. وَقِيلَ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى أَوَّلًا، ثُمَّ يُوَالِي الثَّانِيَةَ لَيْلَتَهَا وَلَيْلَةَ الرَّابِعَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَمَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ عَادَ حَقُّهَا) . وَلَوْ كَانَ رُجُوعُهَا فِي بَعْضِ لَيْلَتِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَا يَقْضِيهَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ تَتِمَّةِ اللَّيْلَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَقْضِيهَا. وَلَهُ نَظَائِرُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ بَذْلُ قَسْمِهَا وَنَفَقَتِهَا وَغَيْرِهِمَا لِيُمْسِكَهَا. وَلَهَا الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا يَتَجَدَّدُ شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: لَزِمَ ذَلِكَ وَلَا مُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَمَا لَوْ صَالَحَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَالْأَمْوَالِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ. وَمِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ " إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ " انْتَهَى. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. كَذَا قَالَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَسَمَ لِاثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ. ثُمَّ تَرَتَّبَ لَهُ رَابِعَةً إمَّا بِعَوْدٍ فِي هِبَةٍ، أَوْ رُجُوعٍ عَنْ نُشُوزٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ [أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ بُلُوغِ زَمَنِ وَطْءٍ، أَوْ زَوَالِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ اسْتِحَاضَةٍ، أَوْ مَانِعٍ مِنْ وَطْءٍ حِسًّا، أَوْ شَرْعًا، أَوْ عُرْفًا، أَوْ عَادَةً] وَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ. ثُمَّ جَعَلَ رُبُعَ الزَّمَنِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسْتَقْبَلِ لِلرَّابِعَةِ مِنْهُنَّ، وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلثَّالِثَةِ حَتَّى يُكْمِلَ حَقَّهَا. ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ التَّسْوِيَةَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، ثُمَّ نَكَحَ ثَالِثَةً: وَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ ثُمَّ لَيْلَةً لِلْمَظْلُومَةِ. ثُمَّ نِصْفَ لَيْلَةٍ لِلثَّالِثَةِ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا قَضَى حَقَّ الْجَدِيدَةِ بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ. فَوَفَّاهَا لَيْلَتَهَا ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْقَسْمَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ إذَا وَفَّى الثَّانِيَةَ نِصْفَهَا مِنْ حَقِّهَا وَنِصْفَهَا مِنْ حَقِّ الْأُخْرَى، فَيَثْبُتُ لِلْجَدِيدَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ نِصْفُ لَيْلَةٍ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَّتَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ فِي نِصْفِ لَيْلَةٍ. وَفِيهِ حَرَجٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ قَوْلَ الْقَاضِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبِيتُ نِصْفَهَا. بَلْ لَيْلَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَبَانَ الْمَظْلُومَةَ، ثُمَّ نَكَحَهَا وَقَدْ نَكَحَ جَدِيدَاتٍ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ. وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ كَيْفَ شَاءَ. وَتُسْتَحَبُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ: يُسَاوِي فِي حِرْمَانِهِنَّ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا: فَعَلَ، وَقَضَى لِلْبَوَاقِي) . أَنَّ الْخِيرَةَ لَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: أَوْ أَحَبَّ هُوَ أَيْضًا. قَوْلُهُ " فَعَلَ وَقَضَى لِلْبَوَاقِي " يَعْنِي: سَبْعًا سَبْعًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَقْضِي لِلْبَوَاقِي مِنْ نِسَائِهِ الْفَاضِلَ عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَكَلَامِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. فَيُقْسِمُ لِلْأَمَةِ الْبِكْرِ سَبْعًا. وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا كَالْحُرَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِلْأَمَةِ نِصْفُ الْحُرَّةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ: قُدِّمَ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا) . يَعْنِي: الْأُولَى دُخُولًا مِنْهُمَا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ فِعْلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ زُفَّتَا مَعًا: قُدِّمَ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، مَعَ الْكَرَاهَةِ لِهَذَا الْفِعْلِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَبْدَأُ بِالسَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ زُفَّتَا فَسَابِقَةٌ بِمَجِيءٍ. وَقِيلَ: بِعَقْدٍ، ثُمَّ قُرْعَةٍ. فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا زُفَّتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، أَوْ زُفَّتَا مَعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمَا إذَا زُفَّتَا مَعًا لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُمَا. سَافَرَ بِهَا. وَدَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ فِي قَسْمِ السَّفَرِ. فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْأَحْرَى، فَوَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَقْضِيهِ لِلْأُخْرَى فِي الْأَصَحِّ بَعْدَ قُدُومِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْضِي لِلْأُخْرَى شَيْئًا إذَا قَدِمَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُسَافِرَةِ مَعَهُ بِمُدَّةِ سَفَرِهَا، فَيُوَفِّيهَا إذَا قَدِمَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَتِهَا: أَثِمَ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ: قَضَى لَهَا لَيْلَتَهَا) . أَنَّهُ يَقْضِي لَهَا لَيْلَتَهَا وَلَوْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَبَانَ الْمَظْلُومَةَ ثُمَّ نَكَحَهَا وَقَدْ نَكَحَ جَدِيدَاتٍ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ كَمَا قَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا. قَوْلُهُ: (فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ) (وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا إيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهَا. وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، بِأَنْ لَا تُجِيبَهُ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً: وَعَظَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَصَرَّتْ: هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْغُنْيَةِ، وَالْمُحَرَّرِ: بِأَنَّهُ لَا يَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَلَامِ: فِيمَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَهْجُرُهَا فِي الْفِرَاشِ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهِ الْهَجْرَ فِي الْكَلَامِ وَدُخُولَهُ وَخُرُوجَهُ عَلَيْهَا: جَازَ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ أَصَرَّتْ: فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)

أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ضَرْبَهَا إلَّا بَعْدَ هَجْرِهَا فِي الْفِرَاشِ، وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَهُ ضَرْبُهَا أَوْ لَا. يَعْنِي: مِنْ حِينِ نُشُوزِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَى الْأَوَّلِ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] فَإِنْ نَشَزْنَ فَ {وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] فَإِنْ أَصْرَرْنَ فَ {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَفِيهِ تَعَسُّفٌ. قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ الْوَعْظَ وَالْهِجْرَانَ وَالضَّرْبَ عَلَى ظُهُورِ أَمَارَاتِ النُّشُوزِ عَلَى جِهَةِ التَّرْتِيبِ. قَالَ الْمَجْدُ: إذَا بَانَتْ أَمَارَاتُهُ زَجَرَهَا بِالْقَوْلِ، ثُمَّ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ وَالْكَلَامِ دُونَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يَضْرِبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَالْوَاوُ وَقَعَتْ لِلتَّرْتِيبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: عَشْرَةٌ فَأَقَلُّ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَضَرْبُهَا حَسَنَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ لِمَ ضَرَبَهَا؟ . [وَلَا يَتْرُكُهُ عَنْ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ لَهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقِيَاسُهُمَا: الْعَبْدُ، وَالدَّابَّةُ، وَالرَّعِيَّةُ، وَالْمُتَعَلِّمُ، فِيمَا يَظْهَرُ] . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ، الْأَوْلَى: تَرْكُ السُّؤَالِ إبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ [وَالْأَوْلَى] : أَنْ يَتْرُكَهُ عَنْ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ. انْتَهَى. فَالضَّمِيرُ فِي " تَرْكِهِ " عَائِدٌ إلَى الضَّرْبِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِيهِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَهُ عَنْ الصَّبِيِّ ".

وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ عَائِدًا إلَى السُّؤَالِ عَنْ سَبَبِ الضَّرْبِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَالْمُوقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ ذِكْرُ الْفُرُوعِ فِيهِ لِكَلَامِ التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَلَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ [لِمَ ضَرَبَهَا؟] . الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ تَعْزِيرَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. نَقَلَ مُهَنَّا: هَلْ يَضْرِبُهَا عَلَى تَرْكِ زَكَاةٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ ضَعْفٌ. لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَضْرِبُهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. قُلْت: قَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا: بِجَوَازِ تَأْدِيبِهَا عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ فَقَالَا: لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ فَرَائِضِ اللَّهِ. وَسَأَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا يَجُوزُ ضَرْبُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَقَالَ فِي الرَّجُلِ: لَهُ امْرَأَةٌ لَا تُصَلِّي يَضْرِبُهَا ضَرْبًا رَفِيقًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْشَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَةٍ لَا تُصَلِّي، وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا تَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظُلَمْ صَاحِبِهِ لَهُ: أَسْكَنَهُمَا الْحَاكِمُ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، لِيُشْرِفَ عَلَيْهِمَا، وَيَلْزَمَهُمَا الْإِنْصَافُ) . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ يَكْشِفُ عَنْهُمَا كَمَا يَكْشِفُ عَنْ عَدَالَةٍ وَإِفْلَاسٍ، مِنْ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ. انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِسْكَانَ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ: قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقُدَمَاءُ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْعَدَاوَةُ وَخِيفَ الشِّقَاقُ: بَعَثَ الْحَكَمَيْنِ، مِنْ غَيْرِ إسْكَانٍ إلَى جَانِبِ ثِقَةٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَجَا إلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ: بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ) وَيَكُونَانِ مُكَلَّفَيْنِ. اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ، وَالْعَدَالَةِ فِي الْحَكَمَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُرَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَجَمَاعَةٍ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، قَالَ الْقَاضِي: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا حُرَّيْنِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ: لَمْ تُعْتَبَرْ الْحُرِّيَّةُ. وَإِنْ كَانَا حَكَمَيْنِ: اُعْتُبِرَتْ الْحُرِّيَّةُ. وَقُدِّمَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ الْأَوْلَى فِي الْكَافِي.

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا فَقِيهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَمَتَى كَانَا حَكَمَيْنِ، اُشْتُرِطَ كَوْنَهُمَا فَقِيهَيْنِ. وَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ: جَازَ أَنْ يَكُونَا عَامِّيَّيْنِ. قُلْت: وَفِي الثَّانِي ضَعْفٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُشْتَرَطُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: اشْتِرَاطُ كَوْنِهِمَا ذَكَرَيْنِ. بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: بِجَوَازِ كَوْنِهَا أُنْثَى، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ) يَعْنِي الزَّوْجَيْنِ (لَمْ يُجْبَرَا) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ. لَا يُرْسِلَانِ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَتَوْكِيلِهِمَا. فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ: لَمْ يُجْبَرَا عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالشَّرِيفَ أَبَا جَعْفَرٍ، وَابْنَ الْبَنَّا: لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا. وَرَضِيَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا أَشْهَرُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ إنْ وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ فِي بَذْلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا، وَإِلَّا جَعَلَ حَاكِمٌ إلَيْهِمَا ذَلِكَ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا حَكَمَانِ يَفْعَلَانِ مَا يَرَيَانِ: مِنْ جَمْعٍ، أَوْ تَفْرِيقٍ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ. تَنْبِيهٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. مِنْهَا: لَوْ غَابَ الزَّوْجَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا: لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيَنْقَطِعُ عَلَى الثَّانِيَةِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقَطِعُ نَظَرُهُمَا أَيْضًا عَلَى الثَّانِيَةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ جُنَّا جَمِيعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا: انْقَطَعَ نَظَرَهُمَا عَلَى الْأُولَى. وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَى الْمَجْنُونِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: بِأَنَّ نَظَرَهُمَا يَنْقَطِعُ أَيْضًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ بَقَاءُ الشِّقَاقِ، وَحُضُورُ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَهُوَ شَرْطٌ. فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْحَكَمَيْنِ إلَّا فِي الْخُلْعِ خَاصَّةً، مِنْ وَكِيلِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا.

كتاب الخلع

[كِتَابُ الْخُلْعِ] فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي: مَعْنَى " الْخُلْعِ " فِرَاقُ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ بِعِوَضٍ، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَبِغَيْرِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ) فِي حَقِّهِ (فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ) . فَيُبَاحُ لِلزَّوْجَةِ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ الْحُلْوَانِيُّ بِالِاسْتِحْبَابِ. وَأَمَّا الزَّوْجُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ. وَأَلْزَمَ بِهِ بَعْضُ حُكَّامِ الشَّامِ الْمَقَادِسَةُ الْفُضَلَاءُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ، وَمَنْ تَابَعَهُ: أَجْوَدُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرَهُ، قَالَ: الْخُلْعُ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: جَائِزٌ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ " لِسُوءِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ " فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ النُّشُوزَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الرَّجُلِ، فَتَحْتَاجُ هِيَ أَنْ تُقَابِلَهُ. انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ: قَرِيبَةٌ مِنْ عِبَارَةِ الْخِرَقِيُّ. فَإِنَّ الْخِرَقِيَّ، قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَكْرَهُ أَنْ تَمْنَعَهُ مَا تَكُونُ عَاصِيَةً يَمْنَعُهُ. فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَعَتْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَوَقَعَ) . يَعْنِي: إذَا خَالَعَتْهُ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ حَتَّى إنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وُقُوعُ الْخُلْعِ مَعَ الْكَرَاهَةِ [كَالطَّلَاقِ أَوْ بِلَا عِوَضٍ] . انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ. وَأَنْكَرَ جَوَازَ الْخُلْعِ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ. وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ. وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَوْفَ قَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَلَا يَجُوزُ انْفِرَادُهَا بِهِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا إنْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ: فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا) . اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُخْتَلِعَةِ مَعَ زَوْجِهَا: أَحَدَ عَشَرَ حَالًا. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ كَارِهَةً لَهُ، مُبْغِضَةً لِخُلُقِهِ وَخَلْقِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ. وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا. فَالْخُلْعُ فِي هَذَا الْحَالِ مُبَاحٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الْحَالُ الثَّانِي: كَالْأَوَّلِ، وَلَكِنْ لِلرَّجُلِ مَيْلٌ إلَيْهَا وَمَحَبَّةٌ. فَهَذِهِ أَدْخَلَهَا الْقَاضِي فِي الْمُبَاحِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَخْتَلِعَ مِنْهُ، وَأَنْ تَصْبِرَ. قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَصْبِرَ " عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاخْتِيَارِ. وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَيُحْتَمَلُ دُخُولُ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَرَاهَةُ الْخُلْعِ فِي حَقِّ هَذِهِ مُتَوَجِّهَةٌ.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ، وَالْحَالُ مُسْتَقِيمَةٌ. فَالْمَذْهَبُ: وُقُوعُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَلَا يَقَعُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يَعْضُلَهَا أَوْ يَظْلِمَهَا، لِتَفْتَدِي مِنْهُ. فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِ. وَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. الْحَالُ الْخَامِسُ: كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، لَكِنَّهَا زَنَتْ. فَيَجُوزُ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ " هَلْ زِنَا الْمَرْأَةِ: يَفْسَخُ النِّكَاحَ؟ ". الْحَالُ السَّادِسُ: أَنْ يَظْلِمَهَا أَوْ يَعْضُلَهَا لَا لِتَفْتَدِي، فَتَفْتَدِيَ. فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: عَلَى صِحَّةِ الْخُلْعِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَجُوزُ. الْحَالُ السَّابِعُ: أَنْ يُكْرِهَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. الْحَالُ الثَّامِنُ: أَنْ يَقَعَ حِيلَةً لِحَلِّ الْيَمِينِ فَلَا يَقَعُ. وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ. الْحَالُ التَّاسِعُ: أَنْ يَضْرِبَهَا وَيُؤْذِيَهَا، لِتَرْكِهَا فَرْضًا أَوْ لِنُشُوزٍ. فَتُخَالِعُهُ لِذَلِكَ فَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجُوزُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَعْلِيلُ الْقَاضِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ نَشَزَتْ عَلَيْهِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ. الْحَالُ الْعَاشِرُ: أَنْ يَتَنَافَرَا أَدْنَى مُنَافَرَةً. فَذَكَرَهَا الْحَاوِي فِي قِسْمِ الْمَكْرُوهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْمُخَالَعَةُ.

الْحَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يَمْنَعَهَا كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ، لِتَخْتَلِعَ. فَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (فَأَمَّا إنْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ: فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا) . فَيَقَعَ رَجْعِيًّا. فَإِذَا رَدَّ الْعِوَضَ وَقُلْنَا: الْخُلْعُ طَلَاقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ رَجْعِيٌّ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَقَعُ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: إنَّمَا رَضِيَ بِالْفَسْخِ هُنَا بِالْعِوَضِ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْعِوَضُ لَمْ يَحْصُلْ الْمُعَوَّضِ. وَقِيلَ: يَقَعُ بَائِنًا إنْ قُلْنَا: يَصِحُّ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تَنْبِيهٌ آخَرُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي " إذَا تَخَالَعَ الذِّمِّيَّانِ عَلَى مُحَرَّمٍ " عِنْدَ تَخَالُعِ الْمُسْلِمَيْنِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ: دَفَعَ الْمَالَ إلَى وَلِيِّهِ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا: دَفَعَ إلَى سَيِّدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ: هَذَا أَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْقَبْضُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ خُلْعُهُ.

فَعَلَى هَذَا: يَصِحُّ قَبْضُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَالْعَبْدُ. وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْعَبْدِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ صَحَّ خُلْعُهُ: قَبَضَ عِوَضَهُ، عِنْدَ الْقَاضِي. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَحْكَامُ طَلَاقِهِ. فَائِدَةٌ فِي صِحَّةِ خُلْعِ الْمُمَيَّزِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: عَدَمُ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ هُنَا. وَقَدَّمُوا هُنَاكَ الْوُقُوعَ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ أَوْجَهَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لِلْأَبِ خُلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ طَلَاقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عِنْدِي عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا أَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَبِي الْمَجْنُونِ، وَسَيِّدِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَصِحَّةُ خُلْعِ أَبِي الْمَجْنُونِ وَطَلَاقِهِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِيَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ " طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ مَهْرِهَا " فَفَعَلَ بَانَتْ وَلَمْ يَبْرَأْ. وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: عَلَى جَهْلِ الزَّوْجِ، وَإِلَّا فَخُلْعٌ بِلَا عِوَضٍ. وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ " طَلِّقْهَا إنْ بَرِئَتْ مِنْهُ " لَمْ تَطْلُقْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ قَالَ " طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا " فَطَلَّقَ: بَانَتْ وَلَمْ يَبْرَأْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْأَبِ. وَعَنْهُ: يَرْجِعُ إنْ غَرَّهُ. وَهِيَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَرْجِعْ فَطَلَاقُهُ رَجْعِيٌّ. وَإِنْ قَالَ " إنْ أَبْرَأْتَنِي أَنْتَ مِنْهُ فَهِيَ طَالِقٌ " فَأَبْرَأَهُ: لَمْ تَطْلُقْ. وَقِيلَ: بَلَى، إنْ أَرَادَ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ.

قُلْتُ: أَوْ صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ لِصِغَرِهَا، وَبِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْإِذْنِ فِيهِ إنْ قُلْنَا: عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِيَدِهِ وَإِنْ قَالَ " قَدْ طَلَّقْتُهَا إنْ أَبْرَأْتَنِي مِنْهُ " فَأَبْرَأَهُ: طَلُقَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ فَسَادَ إبْرَائِهِ فَلَا. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الِابْنِ الصَّغِيرِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَمْلِكَ طَلَاقَهُ، إنْ مَلَكَ تَزْوِيجَهُ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ فِيمَا أَظُنُّ. وَتَقَدَّمَ " هَلْ يُزَوِّجُ الْوَصِيَّ الصَّغِيرَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ تَزْوِيجُهُ أَمْ لَا؟ " فِي مَكَانَيْنِ مِنْ بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ. أَحَدُهُمَا: عِنْدَ قَوْلِهِ " وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ ". وَالثَّانِي: عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إلَّا بِإِذْنِهَا ". قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ خُلْعُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَيْهِ: لَوْ فَعَلَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْمُبْهِجِ. نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِصَغِيرَةٍ وَنَدِمَ أَبَوَاهُمَا هَلْ تَرَى فِي فَسْخِهَا وَطَلَاقِهِمَا عَلَيْهِمَا شَيْئًا؟ قَالَ: فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَرْجُو. وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عِنْدِي عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ إذَا رَأَى لَهَا فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَالْحَظَّ. قُلْت: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَكَذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ مَا صَحَّ عَفْوُ الْأَبِ عَنْهُ فَهُوَ كَخُلْعِهِ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ؟) بِلَا خِلَافٍ (وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذَا صَحَّ بَذْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ فَسْخٌ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقُولُ الْأَجْنَبِيُّ لَهُ " اخْلَعْ " أَوْ " خَالِعْ زَوْجَتَك عَلَى أَلْفٍ " أَوْ " عَلَى سِلْعَتِي هَذِهِ " وَكَذَا إنْ قَالَ " عَلَى مَهْرِهَا، أَوْ سِلْعَتِهَا، وَأَنَا ضَامِنٌ " أَوْ " عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِهَا، وَأَنَا ضَامِنٍ " فَيُجِيبُهُ إلَيْهِ. فَيَصِحُّ مِنْهُ. وَيَلْزَمُ الْأَجْنَبِيَّ وَحْدَهُ بَذْلُ الْعِوَضِ. فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ حَيْثُ سَمَّى الْعِوَضَ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَعَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ: كَانَ فِي ذِمَّتِهَا، تُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) . جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِصِحَّةِ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ. إذْ الْمَذْهَبُ: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهَا كَمَا لَوْ مَنَعَهَا فَخَالَعَتْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ بَذْلُ الْعِوَضِ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَالِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنَّهُ إنْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهَا: صَحَّ. وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهَا: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: تُتْبَعُ بِالْعِوَضِ بَعْدَ عِتْقِهَا. قَالَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تُتْبَعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ: تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهَا. وَإِنْ وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. قَالَا: وَلِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا أُمُّهُ: فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْعَيْنَ. فَيَكُونُ رَاضِيًا بِغَيْرِ عِوَضٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ: بُطْلَانُ الْخُلْعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِوُقُوعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. فَائِدَةٌ يَصِحُّ خُلْعُ الْأَمَةِ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَالْعِوَضُ فِيهِ كَدِيَتِهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجْرِ " هَلْ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ، أَوْ بِرَقَبَتِهَا؟ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا: لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ فِي التَّبَرُّعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إذَا أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ. قُلْت: إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ بِإِذْنِهِ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا: لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ. وَوَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا) . يَعْنِي: إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ " الطَّلَاقِ " أَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ. فَأَمَّا إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ " الْخُلْعِ، أَوْ الْفَسْخِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ " وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ. فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ الْخُلْعُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِهِ بِعِوَضٍ. وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ. وَلَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فِي بَدَلِهِ.

وَمُرَادُهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا: إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. تَنْبِيهٌ مُرَادُهُ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهَا: الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِلسَّفَهِ، أَوْ الصِّغَرِ، أَوْ الْجُنُونِ. أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِلْفَلَسِ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ خُلْعُهَا، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْعِوَضِ إذَا فُكَّ عَنْهَا الْحَجْرُ وَأَيْسَرَتْ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَالْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ، إلَّا أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ " الْخُلْعِ، أَوْ الْفَسْخِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ " وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ: فَيَكُونُ فَسْخًا. لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ. لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاخْتِيَارِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَهُوَ فَسْخٌ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

تَنْبِيهٌ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الْخُلْعِ فَسْخًا: أَنْ لَا يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ: وَقَعَ طَلَاقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: هُوَ فَسْخٌ، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الْخُلْعِ فَسْخًا أَيْضًا: أَنْ لَا يُوقِعَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ. فَإِنْ أَوْقَعَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ: كَانَ طَلَاقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ فَسْخٌ، وَلَوْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَيْضًا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَقَالَ: عَلَيْهِ دَلَّ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ أَصْحَابُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ " رَأَيْت أَبِي كَانَ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ ". وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " الْخُلْعُ تَفْرِيقٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْخُلْعُ بِصَرِيحٍ طَلَاقٌ، أَوْ بِنِيَّةٍ: طَلَاقٌ بَائِنٌ. وَعَنْهُ: مُطْلَقًا. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَعَنْهُ: بِصَرِيحٍ خُلْعٌ: فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ عَدَدًا. وَعَنْهُ عَكْسُهُ بِنِيَّةِ طَلَاقٍ. انْتَهَى. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لِلْخُلْعِ أَلْفَاظٌ صَرِيحَةٌ فِي الْخُلْعِ، وَأَلْفَاظٌ كِنَايَةٌ فِيهِ فَصَرِيحُهُ: لَفْظُ " الْخُلْعِ " وَ " الْمُفَادَاةِ " بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا " الْفَسْخُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ. وَفِي الْوَاضِحِ: وَجْهٌ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ. وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ: فَالْإِبَانَةُ بِلَا نِزَاعٍ نَحْوُ " أَبَنْتُك " وَالتَّبْرِئَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَحْوُ " بَارَأْتُك " وَ " أَبْرَأْتُك " جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ " الْمُبَارَأَةُ ". وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: صَرِيحُهُ لَفْظُ " الْخُلْعِ، أَوْ الْفَسْخِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، أَوْ بَارَأْتُك " الثَّانِيَةُ: إذَا طَلَبَتْ الْخُلْعَ، وَبَذَلَتْ الْعِوَضَ. فَأَجَابَهَا بِصَرِيحِ الْخُلْعِ، أَوْ كِنَايَتِهِ: صَحَّ الْخُلْعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ مِنْ سُؤَالِ الْخُلْعِ، وَبَذْلِ الْعِوَضِ صَارِفَةٌ إلَيْهِ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَلَالَةَ حَالٍ: وَأَتَى بِصَرِيحِ الْخُلْعِ: وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. سَوَاءٌ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ. وَإِنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ: لَمْ يَقَعْ إلَّا بِنِيَّةٍ مِمَّنْ تَلَفَّظَ بِهِ مِنْهُمَا كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ صَرِيحِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ بِصَرِيحٍ. فَأَجَابَهَا بِصَرِيحٍ: وَقَعَ، وَإِلَّا وَقَفَ عَلَى نِيَّةِ مَنْ أَتَى مِنْهُمَا بِكِنَايَةٍ. الثَّالِثَةُ: يَصِحُّ تَرْجَمَةُ الْخُلْعِ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِنَا " الْخُلْعُ فَسْخٌ، أَوْ طَلَاقٌ " مَسْأَلَةُ مَا إذَا قَالَ " خَالَعْت يَدَكِ. أَوْ رِجْلَكِ عَلَى كَذَا " فَقَبِلَتْ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْخُلْعُ فَسْخٌ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ صَحَّ. كَمَا لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى يَدِهَا، أَوْ رِجْلِهَا. [الْخَامِسَةُ] : نَقَلَ الْجِرَاحِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُرُوعِ أَنَّ ابْنَ أَبِي الْمَجْدِ يُوسُفَ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْخُلْعِ وَفِي عِوَضِهِ. كَالْبَيْعِ وَثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَهُمَا فِي غَالِبِ أَحْكَامِهِمَا مِنْ عَدَمِ تَعْلِيقِهِمَا، وَاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ، وَالْمَجْلِسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيَاسُهُ الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ. وَأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنْ تَبْطُلَ الْبَيْنُونَةُ، أَوَالطَّلَاقُ: فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. كَمَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ فِيهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ لَهُ فِي بَعْضِ مُنَاظَرَاتِهِ: إنَّك أَخْطَأْت فِي النَّقْلِ عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ. وَإِنْ أُرِيدَ بَقَاؤُهُمَا دُونَ الْفَرْضِ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجَةِ، أَوْ تَبْرَأُ مِنْهُ. وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ: فَمُسَلَّمٌ، كَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ، وَصُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهَا. وَلِمَنْ جَهِلَ خُرُوجَ الْعِوَضِ، أَوْ الْبُضْعِ. وَعَنْهُ: الْخِيَارُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. إذْ لَا إقَالَةَ فِي الطَّلَاقِ لِلْخَبَرِ فِيهِ. وَقِيسَ عَلَيْهِ نَحْوُهُ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ إنْ جَهِلَهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَلَا. فَهُوَ حِينَئِذٍ تَبَرُّعٌ لَهَا، أَوْ لِلسَّائِلِ غَيْرِهَا بِالْعِوَضِ الْمَذْكُورِ. أَوْ [بِنَظِيرِهِ] . قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْخُلْعِ، طَلَاقٌ وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ. إلَّا إنْ قُلْنَا: هُوَ طَلْقَةٌ. وَيَكُونُ بِلَا عِوَضٍ [وَيَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا] وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ: لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ. فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَزَجِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَفِي الْأُخْرَى: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ. فَيَقَعُ رَجْعِيًّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى فِي الْخُلْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَلْغُو الْمُسَمَّى. وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَائِدَةٌ لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْخُلْعِ: صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَغَا الشَّرْطُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالشِّيرَازِيُّ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَعَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى فِي الْإِقَالَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فَسْخًا بِلَا عِوَضٍ إجْمَاعًا.

وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: جَوَازُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ: لَمْ يَقَعْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا. فَيَقَعُ رَجْعِيًّا) . يَعْنِي: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْخُلْعِ الطَّلَاقَ. أَوْ نَقُولَ: الْخُلْعُ طَلَاقٌ. تَنْبِيهٌ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ، كَانَ خُلْعًا وَلَا شَيْءَ لَهُ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ. مُرَادُهُ: مَا إذَا سَأَلَتْهُ. فَأَمَّا إذَا لَمْ تَسْأَلْهُ، وَقَالَ لَهَا " خَالَعْتُكِ " فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ. انْتَهَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا خِلَافَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ الْخُلْعَ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ. فَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ: فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ طَلَاقٌ يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ. وَلَا يَكُونُ فَسْخًا. وَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. فَائِدَةٌ لَا يَحْصُلُ الْخُلْعُ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ وَقَبُولِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ. فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَابْنُ شِهَابٍ إلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِقَبُولِ الزَّوْجِ لِلْعِوَضِ. وَأَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ بِعُكْبَرَا.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ هُرْمُزٍ، وَاسْتَفْتَى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يَتِمُّ بِقَبُولِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، إنْ صَحَّ بِلَا عِوَضٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. فَإِنْ فَعَلَ: كُرِهَ، وَصَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ، لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ، وَيَرُدُّ الزِّيَادَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَالْحُرِّ فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) . يَعْنِي: إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ تَحْرِيمَ ذَلِكَ. فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، عَلَى مَا مَرَّ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالْأَصْحَابُ. فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ شَيْءٌ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ إلَى الْمَهْرِ كَالنِّكَاحِ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ مَغْصُوبٌ: فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ

بِلَا رَيْبٍ. لَكِنْ هَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ، أَوْ يَكُونُ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ لِلْأَصْحَابِ. الْأُولَى: طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَالثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالشَّيْخَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى: قَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْخُلَاصَةِ. فَعَلَيْهَا تَبَيَّنَ مَجَّانًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ: صَحَّ. وَكَانَ لَهُ بَدَلُهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: إذَا تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ قِيمَتُهُ عِنْدَ أَهْلِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ. فَبَانَ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحَقًّا: فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا. فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَلَهُ مِثْلُهُ. وَيَصِحُّ الْخُلْعُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَانَ مَعِيبًا: فَلَهُ أَرْشُهُ، أَوْ قِيمَتُهُ. وَيَرُدُّهُ) . فَهُوَ بِالْخِيرَةِ فِي ذَلِكَ، تَغْلِيبًا لِلْمُعَاوَضَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: لَا أَرْشَ لَهُ مَعَ الْإِمْسَاكِ. كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْبَيْعِ، وَالصَّدَاقِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (فَبَانَ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحَقًّا) . يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَهَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ، أَوْ يَكُونُ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. الْأَوَّلُ: طَرِيقُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَالثَّانِي: طَرِيقُ الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ عَامَيْنِ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ: صَحَّ. فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتْ الدَّارُ: رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ) . مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالدَّارِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: رَجَعَ عَلَيْهَا بِأُجْرَةِ رَضَاعِهِ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ: رَجَعَ عَلَيْهَا بِأُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ. وَتُقَدَّرُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَقَالَ: يَرْجِعُ. قِيلَ: بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ. وَقِيلَ: بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَرْجِعُ بِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ يَسْتَحِقُّهُ يَوْمًا فَيَوْمًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَوْتُ الْمُرْضِعَةِ، وَجَفَافُ لَبَنِهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: كَمَوْتِ الْمُرْتَضِعِ فِي الْحُكْمِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَذَا كَفَالَةُ الْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَنَفَقَتُهُ. لَكِنْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ مَاتَ فِي الْكَفَالَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ كَفَالَةِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ: وَفِي اعْتِبَارِ ذِكْرِ قَدْرِ النَّفَقَةِ وَصِفَتِهَا وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ صَحَّ الْإِطْلَاقُ، فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُقِيمَ بَدَلَ الرَّضِيعِ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ تَكْفُلُهُ، فَأَبَتْ، أَوْ أَرَادَتْهُ هِيَ، فَأَبَى: لَمْ يَلْزَمَا. وَإِنْ أَطْلَقَ الرَّضَاعَ: فَحَوْلَانِ، أَوْ بَقِيَّتُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا: صَحَّ) وَسَقَطَتْ. هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ بِنَفَقَتِهَا فِي الْمَنْصُوصِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، الْآتِي قَرِيبًا: الْخُلْعُ بَاطِلٌ. وَقِيلَ: إنْ أَوْجَبْنَا نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ: صَحَّ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَإِلَّا فَهُوَ خُلْعٌ مَعْدُومٌ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةَ عَشَرَ: لَوْ اخْتَلَعَتْ الزَّوْجَةُ بِنَفَقَتِهَا. فَهَلْ يَصِحُّ جَعْلُ النَّفَقَةِ عِوَضًا لِلْخُلْعِ؟ قَالَ الشِّيرَازِيُّ: إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا: صَحَّ. وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرُونَ: يَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّفَقَاتِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَعَ حَامِلًا، فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا لِلْوَلَدِ حَتَّى تَفْطِمَهُ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إذَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا، وَلَهَا وَلَدٌ: فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِ إذَا فَطَمَتْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ. فَإِذَا فَطَمَتْهُ: فَلَهَا طَلَبُهُ بِنَفَقَتِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا صَحَّتْ الْمُخَالَعَةُ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ. وَهِيَ لِلْوَلَدِ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَالِكَةِ لَهَا. وَبَعْدَ الْوَضْعِ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا. فَأَمَّا النَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا مِنْ كِسْوَةِ الطِّفْلِ وَدُهْنِهِ، وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعَاوِضَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلَا فِي حُكْمِ مَا هُوَ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُ يُخَصِّصُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الصِّيغَةُ. فَيَقُولُ " خَلَعْتُك " أَوْ " فَسَخْتُ "

أَوْ " فَادَيْتُ عَلَى كَذَا " فَتَقُولُ " قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ " وَيَكْفِي ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَتَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَجْهُولِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْمُولُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَأَنَّهُ كَالْمَهْرِ. وَالْعَمَلُ وَالتَّفْرِيعُ: عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ مَا فِي بَيْتِهَا مِنْ الْمَتَاعِ: فَلَهُ مَا فِيهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شَيْءٌ: فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَأَقَلُّ مَا يُسَمَّى مَتَاعًا) . إنْ كَانَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ: فَهِيَ لَهُ. لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ كَانَ دُونَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَامِلَةً. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ مَا فِي يَدِهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ: فَلَهُ أَقَلُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. انْتَهَى.

وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مَتَاعٌ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَقَلُّ مَا يُسَمَّى مَتَاعًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِصَدَاقِهَا. وَقَالَهُ أَصْحَابُ الْقَاضِي أَيْضًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ تَغُرَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى حَمْلِ أَمَتِهَا، أَوْ مَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا: فَلَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ تَحْمِلَا: فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا شَيْءَ لَهُ. وَتَأَوَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ " عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالْمَتَاعِ. حَيْثُ يَرْجِعُ هُنَاكَ إذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا. وَهُنَا لَا يَرْجِعُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى لَهَا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْخُلْعُ هُنَا، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَابَعَهُ، مَا مَعْنَاهُ: وَإِنْ جَعَلَا الْعِوَضَ مَالًا يَصِحُّ مَهْرًا لِغَرَرٍ أَوْ جَهَالَةٍ. صَحَّ الْخُلْعُ بِهِ. إنْ صَحَحْنَا الْخُلْعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَوَجَبَ فِيمَا لَا يُجْهَلُ حَالًا وَمَآلًا كَثَوْبٍ وَدَارٍ وَنَحْوِهِمَا، أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. وَأَمَّا فِيمَا يَتَبَيَّنُ فِي الْمَالِ كَحَمْلِ أَمَتِهَا، وَمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا، وَآبِقٍ مُنْقَطِعٍ

خَبَرُهُ، وَمَا فِي بَيْتِهَا مِنْ مَتَاعٍ، أَوْ مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ: فَلَهُ مَا يَنْكَشِفُ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِمَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُهُ، إلَّا مَا كَانَ بِتَغْرِيرِهَا كَمَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ وَالدَّرَاهِمِ. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: بِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ. فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْخُلْعِ بِالْمُسَمَّى، كَمَا سَبَقَ لَكِنْ يَجِبُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لِمَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَرَّتْهُ، كَحَمْلِ الْأَمَةِ وَالشَّجَرِ. الثَّانِي: صِحَّتُهُ بِمَهْرِهَا فِيمَا يُجْهَلُ حَالًا وَمَآلًا، وَصِحَّتُهُ بِالْمُسَمَّى فِيمَا يُرْجَى تَبْيِينُهُ. فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ: رَجَعَ إلَى مَهْرِهَا. وَقِيلَ: إذَا لَمْ تَغُرَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. الثَّالِثُ: فَسَادُ الْمُسَمَّى، وَصِحَّةُ الْخُلْعِ بِقَدْرِ مَهْرِهَا. [وَقِيلَ: إذَا لَمْ تَغُرَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا] . الرَّابِعُ: بُطْلَانُ الْخُلْعِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. الْخَامِسُ: بُطْلَانُهُ بِالْمَعْدُومِ وَقْتَ الْعَقْدِ، كَمَا يُحْمَلُ شَجَرُهَا، وَصِحَّتُهُ مَعَ الْوُجُودِ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا. ثُمَّ هَلْ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ قَدْرُ الْمَهْرِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُتَبَيِّنِ مَآلًا، وَبَيْنَ غَيْرِهِ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ: فَلَهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى عَبْدًا. وَإِنْ قَالَ " إنْ أَعْطَيْتنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " طَلُقَتْ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ إيَّاهُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَمَلَكَ الْعَبْدَ. نَصَّ عَلَيْهِ) إذَا خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ: فَلَهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى عَبْدًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، فَلَهُ الْوَسَطُ إنْ قُلْنَا بِهِ فِي الْمَهْرِ. وَإِلَّا فَهَلْ لَهُ أَيُّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ، أَوْ قَدْرُ مَهْرِهَا، وَالْخُلْعُ أَبَاطِلٌ؟ يَنْبَنِي عَلَى مَا سَبَقَ. وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا " إنْ أَعْطَيْتِينِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ. فَلَوْ أَعْطَتْهُ مَعِيبًا، أَوْ دُونَ الْوَسَطِ: فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ. وَالْبَيْنُونَةُ بِحَالِهِمَا. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا مُدَبَّرًا، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَانَ مَغْصُوبًا أَوْ حُرًّا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ: أَوْ مُكَاتَبًا لَمْ تَطْلُقْ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى هَرَوِيٍّ، فَتُعْطِيهِ مَرْوِيًّا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ. وَقَدَّمَاهُ فِي آخَرَ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ. وَلَهُ قِيمَتُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا قَدْرُ مَهْرِهَا. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْخُلْعُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ قِيمَةُ الْحُرِّ كَأَنَّهُ عَبْدٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ: إنْ بَانَ مُكَاتَبًا فَلَهُ قِيمَتُهُ، وَإِنْ بَانَ حُرًّا، أَوْ مَغْصُوبًا: لَمْ تَطْلُقْ. كَقَوْلِهِ " هَذَا الْعَبْدَ " انْتَهَى. وَيَأْتِي نَظِيرُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. فِيمَا إذَا قَالَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِينِي هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ: طَلُقَتْ. وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ) تَغْلِيبًا لِلشَّرْطِ. هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَهُ الرَّدُّ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ بِالصِّفَةِ سَلِيمًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بَعْدَ أَنَّ قَدَّمَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا عَلَى ثَوْبٍ، فَخَرَجَ مَعِيبًا: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ أَرْشَ الْعَيْبِ، أَوْ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَيَرُدَّهُ. فَيَكُونُ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي رُجُوعِهِ بِأَرْشِهِ وَجْهَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ بَانَ مُسْتَحَقَّ الدَّمِ فَقُتِلَ: فَأَرْشُ عَيْبِهِ، وَقِيلَ: قِيمَتُهُ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ، فَوَجَدَهُ مُبَاحَ الدَّمِ بِقِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقُتِلَ: رَجَعَ عَلَيْهَا بِأَرْشِ الْعَيْبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) وَكَذَا لَوْ بَانَ حُرًّا وَهَذَا الْمَذْهَبُ،

جَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ وَلَهُ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا مَغْصُوبًا. وَجَزَمَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا، فَقَالَ: لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى عَبْدٍ فَبَانَ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ بَعْضَهُ: صَحَّ وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قِيمَةِ مَا خَرَجَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِينِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَأَعْطَتْهُ مَرَوِيًّا: لَمْ تَطْلُقْ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى مَرْوِيٍّ) بِأَنْ قَالَتْ " اخْلَعْنِي عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْمَرْوِيِّ " فَبَانَ هَرَوِيًّا: فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، إنْ وَقَعَ الْخُلْعُ [مُنَجَّزًا] عَلَى عَيْنِهِ. اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. [بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ] قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. [وَهَذَا] يَقْتَضِي حِكَايَةَ وَجْهَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْخُلْعِ الْمُنَجَّزِ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ إذَا بَانَتْ الصِّفَةُ الْمُعَيَّنَةُ مُخَالِفَةً، وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ فِيهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ الْمُؤَخَّرَ مِنْهَا فِيهَا: أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا وَلَا فِي بَعْضِهَا حِكَايَتُهُمَا فِي ذَلِكَ.

بَلْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ: أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ، أَوْ نَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ فِيهِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَرْشِ يَعْنِي: مَعَ الْإِمْسَاكِ أَوْ الرَّدِّ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ كَامِلَةً. ثُمَّ حَكَوْا رِوَايَةً أُخْرَى بِأَنَّهُ لَا أَرْشَ مَعَ إمْسَاكِهِ. وَلَمْ يَحْكِيَا غَيْرَهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ ذَكَرَا فِي بَابِ الْخُلْعِ مَسْأَلَةَ الصَّدَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ. وَقَدَّمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ إنْ بَانَ بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُعَيَّنَةِ. ثُمَّ حَكَيَا قَوْلًا بِأَنَّ لَهُ رَدَّهُ، وَأَخْذَ قِيمَتِهِ بِالصِّفَةِ، سَلِيمًا كَمَا لَوْ نَجَزَ الْخُلْعُ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى هَذَا: أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا فِي الْخُلْعِ الْمُنَجَّزِ، وَأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ، سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ " الْخُلْعِ " أَوْ " الطَّلَاقِ ". وَفِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ أَنَّهُ إنْ بَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ الْمُنَجَّزِ مَعِيبًا، أَوْ نَاقِصًا صِفَةً شُرِطَتْ فِيهِ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ إذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا كَمَا ذُكِرَ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَرَدِّهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ، اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الصَّدَاقِ. فَهَذَا هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِيهَا فِي الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ الْجَزْمِ بِهِ أَيْضًا فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْمُقَدَّمُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: إنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا فِيهَا حِينَئِذٍ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، الَّذِي جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا، مِنْهُمْ الْمُؤَلِّفُ. لَا أَنَّهُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْهُمَا عِنْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، تَبَعًا لِغَيْرِهِ. [وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] .

قَوْلُهُ (إذَا قَالَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي، أَوْ إذَا أَعْطَيْتِينِي، أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ " كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، أَيَّ وَقْتٍ أَعْطَتْهُ أَلْفًا: طَلُقَتْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَصِحُّ إبْطَالُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ كَالْكِتَابَةِ عِنْدَهُ. وَوَافَقَ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ. كَقَوْلِهِ " إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ". وَقَالَ: التَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ إيقَاعُ الْجَزَاءِ: إنْ كَانَ مُعَاوَضَةً، فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً: فَلَازِمٌ، وَإِلَّا فَلَا. فَلَا يَلْزَمُ الْخُلْعُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلَا الْكِتَابَةِ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: التَّعْلِيقُ لَازِمٌ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ. انْتَهَى. وَيَأْتِي هَذَا وَغَيْرُهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " أَيَّ وَقْتٍ أَعْطَتْهُ أَلْفًا طَلُقَتْ " بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمُرَادُهُ: أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَازِنَةً بِإِحْضَارِهِ. وَلَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً بِالْعَدَدِ وَازِنَتُهَا فِي قَبْضِهِ وَمِلْكِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ، فِي " إنْ أَقْبَضْتِينِي " فَأَحْضَرَتْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ. فَلَوْ قَبَضَهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ. فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا. أَمْ لَا يَمْلِكُهُ. فَيَقَعُ رَجْعِيًّا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت الصَّوَابُ: أَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقِيلَ: يَكْفِي عَدَدٌ مُتَّفَقٌ بِرَأْسِهِ، بِلَا وَزْنٍ. لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. فَلَا يَكْفِي وَازِنَةٌ نَاقِصَةٌ عَدَدًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَنِنَا وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزَّكَاةِ: يُقَوِّيهِ. وَالسَّبِيكَةُ لَا تُسَمَّى دَرَاهِمُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ " اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ " أَوْ " طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ ") . وَكَذَا لَوْ قَالَتْ " وَلَك أَلْفٌ إنْ طَلَّقْتنِي، أَوْ خَالَعْتَنِي " أَوْ " إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ " فَفَعَلَ: بَانَتْ. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مِنْ الزَّوْجِ أَيْضًا ذِكْرُ الْعِوَضِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ. يَعْنِي: مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُجِيبَهَا عَلَى الْفَوْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. لِقَوْلِهِ " فَفَعَلَ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَيَّدَهُ بِالْمَجْلِسِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ: بَانَتْ، إنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ. وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. وَقِيلَ: لِمَنْ قَالَتْ " اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ " فَقَالَ فِي الْمَجْلِسِ " طَلَّقْتُك " طَلُقَتْ مَجَّانًا. انْتَهَى. وَقَيَّدَهُ بِالْمَجْلِسِ أَيْضًا فِي التَّرْغِيبِ. فِي قَوْلِهَا " إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ " فَقَالَ " خَالَعْتُكِ " أَوْ " طَلَّقْتُك " انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْفَوْرِيَّةُ. بَلْ يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ. الثَّانِيَةُ: لَهَا أَنْ تَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهَا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ. فَيَمْتَنِعُ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضِ لِيَقَعَ رَجْعِيًّا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي " خَلَعْتُك " أَوْ " اخْلَعْنِي " وَنَحْوِهِمَا، عَلَى كَذَا: يُعْتَبَرُ

الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ، إنْ قُلْنَا: الْخُلْعُ فَسْخٌ بِعِوَضٍ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ مِنْهُ مُجَرَّدٌ: فَكَالْإِبْرَاءِ وَالْإِسْقَاطِ، لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ قَبُولٌ وَلَا عِوَضٌ. فَتَبِينُ بِقَوْلِهِ " فَسَخْت " أَوْ " خَلَعْت " الثَّالِثَةُ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِقَوْلِهِ " إنْ بَذَلْت لِي كَذَا فَقَدْ خَلَعْتُك " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي " بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ " وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِشَرْطِ. ذِكْرِهِ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُبْهِجِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ: لَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ: إذَا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ فَسَخَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَتَعْلِيقِ الْخُلْعِ وَهُوَ فَسْخٌ. عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ. فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ كَالْبَيْعِ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَوْلُهَا " إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ كَذَا، أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ " كَ " إنْ طَلَّقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ " وَأَوْلَى. وَلَيْسَ فِيهِ النِّزَاعُ فِي تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ. أَمَّا لَوْ الْتَزَمَ دَيْنًا، لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ: كَ " إنْ تَزَوَّجْت فَلَكَ فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ " أَوْ " جَعَلْت لَك فِي ذِمَّتِي أَلْفًا " لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. قَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ، فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُهُ " لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِقَوْلِهِ: إنْ بَذَلْت لِي كَذَا " قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مَا نَصُّهُ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِشَرْطٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُبْهِجِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ. قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، إذَا مَضَى شَهْرٌ فَقَدْ فَسَخَهَا: أَنَّهُ يَصِحُّ، كَتَعْلِيقِ الْخُلْعِ. وَهُوَ فَسْخٌ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

فَأَقَرَّ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ هُنَاكَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ. وَجَزَمَ هُنَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ. فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ كَالْبَيْعِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ " فَطَلَّقَهَا قَبْلَهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَتْ " مِنْ الْآنَ إلَى شَهْرٍ " فَطَلَّقَهَا قَبْلَهُ: اسْتَحَقَّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَهْرَ مِثْلِهَا الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ " فَقَالَ " خَلَعْتُك " فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ اسْتَحَقَّهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ خُلْعٌ بِلَا عِوَضٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَصِحُّ. وَلَهُ الْعِوَضُ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ تَمْلِكَ نَفْسَهَا بِالطَّلْقَةِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْخُلْعِ. وَعَكَسَ الْمَسْأَلَةَ: بِأَنْ قَالَتْ " اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ " فَقَالَ " طَلَّقْتُك " يَسْتَحِقُّهَا. إنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ قَالَتْ " اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ " فَقَالَ فِي الْمَجْلِسِ " طَلَّقْتُك " طَلُقَتْ مَجَّانًا كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ: فَفِي وُقُوعِهِ رَجْعِيًّا احْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ " فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا: اسْتَحَقَّهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ " اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَإِنْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ " أَوْ " عَلَى أَلْفٍ " فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ " أَخَذَهَا. وَالْأَقْوَى، إنْ رَضِيَتْ: أَخَذَهَا وَإِنْ أَبَتْ: لَمْ تَطْلُقْ انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ " فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ " بَانَتْ بِالْأُولَى. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا. قُلْت: هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَالْأَوَّلُ مُشْكِلٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا " طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ " فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ " فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: تَطْلُقُ هُنَا وَاحِدَةً. وَمَا قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ بَعِيدٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. وَخَالَفَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: تَطْلُقُ هُنَا ثَلَاثًا، بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَاوَ: لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ. ثُمَّ نَاقَضَ، فَذَكَرَ فِي نَظِيرَتِهَا: أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ وَافَقَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَخَالَفَهُ فِي بَعْضِهَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا قَالَهُ سَهْوٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَبَيْنَ قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ". وَهُوَ طَرِيقُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ذَكَرَ الْأَلْفَ عَقِيبَ الثَّانِيَةِ: بَانَتْ بِهَا. وَالْأُولَى رَجْعِيَّةٌ. وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ " طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ " فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً: لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَوَقَعَتْ رَجْعِيَّةً) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ) . وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَتَقَعُ بَائِنَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ. فَفَعَلَ: اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَهُ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ) وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ مُكَلَّفَةٌ) يَعْنِي رَشِيدَةً (وَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ) . يَعْنِي: وَكَانَتْ مُمَيِّزَةً (فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إنْ شِئْتُمَا. فَقَالَتَا: قَدْ شِئْنَا: لَزِمَ الْمُكَلَّفَةَ نِصْفُ الْأَلْفِ. وَطَلُقَتْ بَائِنًا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهَا نِصْفُ الْأَلْفِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ: يُقَسِّطُ الْأَلْفَ عَلَى قَدْرِ مَهْرَيْهِمَا. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا مَشِيئَةَ لَهَا. فَعَلَى هَذَا: لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: كَذَلِكَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِلسَّفَهِ، حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتَاهُ " طَلِّقْنَا بِأَلْفٍ " فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا: بَانَتْ بِقِسْطِهَا مِنْ الْأَلْفِ. وَلَوْ قَالَتْهُ إحْدَاهُمَا: فَطَلَاقُهُ رَجْعِيٌّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: لَا يَلْزَمُ الْبَاذِلَةَ هُنَا شَيْءٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ لَا تُطَلِّقَ ضَرَّتِي " أَوْ " عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا " صَحَّ شَرْطُهُ وَعِوَضُهُ. فَإِنْ لَمْ يَفِ: اسْتَحَقَّ فِي الْأَصَحِّ الْأَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ الْمُسَمَّى. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ: طَلُقَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) . يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا كَالشَّرْطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ إذَا قَبِلَتْ: فَتَارَةً تَقْبَلُ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَارَةً لَا تَقْبَلُ. فَإِنْ قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ: بَانَتْ مِنْهُ وَاسْتَحَقَّهُ. وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُغْنِي: كَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا. فَأَنْتِ طَالِقٌ " كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فِي الْمَجْلِسِ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ مَجَّانًا رَجْعِيًّا. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. بَلْ قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. [وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي] . وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَخْتَارَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَمْ أَرَهُ فِي غَيْرِهِمَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ التَّخْرِيجُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَطْلُقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَرَجَ مِنْ نَظِيرَتِهَا فِي الْعِتْقِ: عَدَمُ الْوُقُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَلَى أَلْفٍ " أَوْ " بِأَلْفٍ " فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا كَالشَّرْطِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ إنْ قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ: بَانَتْ مِنْهُ. وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ. وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا، كَالْأُولَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ

وَجَعَلَهُ فِي الْمُغْنِي: كَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: إذَا جَعَلْنَاهُ رَجْعِيًّا بِلَا قَبُولٍ، فَكَذَلِكَ إذَا قَبِلَ. وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ فِي قَوْلِهِ " بِأَلْفٍ ". (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَطْلُقَ حَتَّى تَخْتَارَ، فَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ) . وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ، الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَا تَطْلُقُ. إلَّا إذَا قَالَ " بِأَلْفٍ " فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَخْتَارَ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهُ قَالَ: لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِهِ " عَلَى أَلْفٍ " حَتَّى تَخْتَارَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَرَجَ عَدَمُ الْوُقُوعِ مِنْ نَظِيرَتِهِنَّ فِي الْعِتْقِ. [وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا إنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا فِي قَوْلِهِ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ " نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَطْلُقُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ. وَتَطْلُقُ فِي الْأَخِيرَةِ] . فَائِدَةٌ: لَا يَنْقَلِبُ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ بَائِنًا بِبَذْلِهَا الْأَلْفَ فِي الْمَجْلِسِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقِيلَ: بَلْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعَ أَنَّ " عَلَى " لِلشَّرْطِ اتِّفَاقًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَيْسَتْ لِلشَّرْطِ وَلَا لِلْمُعَاوَضَةِ. لِعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ " بِعْتُك ثَوْبِي عَلَى دِينَارٍ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا: فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، أَوْ مِيرَاثُهُ مِنْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى مَهْرِهَا: فَلِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا: لَمْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا. وَإِنْ خَالَعَهَا فِي مَرَضِهِ، أَوْ حَابَاهَا: فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) . قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْهِبَةِ " إذَا عَاوَضَ الْمَرِيضُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لِلْوَارِثِ وَغَيْرِهِ " وَ " إذَا حَابَى وَارِثَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ فِي خُلْعِ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا. فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا زَادَ: صَحَّ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمَهْرِ: رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ) وَيَصِحُّ الْخُلْعُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَحَدُ الْأَقْوَالِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ قَبُولِهِ نَاقِصًا وَبَيْنَ رَدِّهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِلْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ مِثْلِهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ. وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَصَحَّحَهُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي. وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ، وَالثَّالِثَ، وَالرَّابِعَ فِي الْفُرُوعِ. وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ فَائِدَةٌ: لَوْ خَالَعَ وَكِيلُهُ بِلَا مَالٍ: كَانَ الْخُلْعُ لَغْوًا مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ صَحَّ الْخُلْعُ بِلَا عِوَضٍ، وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا. وَأَمَّا وَكِيلُهَا: فَيَصِحُّ خُلْعُهُ بِلَا عِوَضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْعِوَضَ فَنَقَصَ مِنْهُ: لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ. قَالَ فِي الْفَائِدَةِ الْعِشْرِينَ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا دُونَ، أَوْ بِمَا عَيَّنَتْهُ فَمَا دُونَ: صَحَّ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ زَادَ: لَمْ يَصِحَّ) .

هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ. وَجَعَلَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ الْمَذْهَبَ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَتَبْطُلَ الزِّيَادَةُ يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الْوَكِيلَ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنِ، وَتَصِحُّ فِي غَيْرِهِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ، وَتَلْزَمُ الْوَكِيلَ الزِّيَادَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَلَا شَيْءَ عَلَى وَكِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ الْعَقْدَ لَهَا، لَا مُطْلَقًا وَلَا لِنَفْسِهِ. بِخِلَافِ الشِّرَاءِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا الثَّانِيَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إذَا وَكَّلَتْهُ وَأَطْلَقَتْ: لَا يَلْزَمُهَا إلَّا مِقْدَارُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى مَا عَيَّنَتْ لَهُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ الزِّيَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يَلْزَمُهَا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ الْمُسَمَّى فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَفَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ جِنْسًا، أَوْ حُلُولًا، أَوْ نَقْدَ بَلَدٍ فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ، فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَ الْوَكِيلَ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ، وَيَكُونُ لَهُ مَا خَالَعَ بِهِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ وَكِيلُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَاحِدًا، وَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ: كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النِّكَاحِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْخُلْعِ وَكِيلٌ وَاحِدٌ. وَخَرَجَ جَوَازُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَخَالَعَا: تَرَاجَعَا بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُقُوقِ) . يَعْنِي: حُقُوقَ النِّكَاحِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ. وَاسْتَثْنَى الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ. زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمْ وَبَقِيَّةُ مَا خُولِعَ بِبَعْضِهِ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَعَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ) يَعْنِي حُقُوقَ النِّكَاحِ. أَمَّا الدُّيُونُ وَنَحْوُهَا: فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِيَةُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ تَخَالَعَا) أَنَّهُمَا لَوْ تَطَالَقَا تَرَاجَعَا بِجَمِيعِ الْحُقُوقِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْعِوَضِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ تَأْجِيلِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، مَعَ يَمِينِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ.

وَيَتَخَرَّجُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ. خَرَّجَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. حَكَاهَا الْقَاضِي أَيْضًا. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَهْرَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَحَالَفَا، إنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ طَلَاقٍ، وَيَرْجِعَا إلَى الْمَهْرِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ، وَإِلَّا إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِصِفَةٍ، ثُمَّ خَالَعَهَا) أَوْ أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ أَوْ دُونَهَا (فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ. ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، فَوُجِدَتْ الصُّفَّةُ) طَلُقَتْ نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَطْلُقَ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْعِتْقِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ. وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ فِي التَّرْغِيبِ: الطَّلَاقُ أَوْلَى مِنْ الْعِتْقِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رِوَايَةً. وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَحَكَاهُ أَيْضًا قَوْلًا. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، فِي كِتَابِهِ " الطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ " فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ قَالَ " إنْ بِنْتِ مِنِّي، ثُمَّ تَزَوَّجْتُك، فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَبَانَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ احْتِمَالًا: لَا يَقَعُ، كَتَعْلِيقِهِ بِالْمِلْكِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ " إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " إنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ تَغْلِيظًا عَلَيْهَا فِي أَنْ لَا تَعُودَ إلَيْهِ: فَمَتَى عَادَتْ إلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا، طَلُقَتْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ: عَادَتْ. رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةً: أَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعُودُ مُطْلَقًا. يَعْنِي سَوَاءٌ وُجِدَتْ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، أَوْ لَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مِنْهَاجِ الشَّافِعِيَّةِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ عَيْنِ طَلَاقٍ. وَلَا يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّةَ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْآجُرِّيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَالَ: هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: هَذَا يُفْعَلُ حِيلَةً عَلَى إبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ. وَالْحِيَلُ خُدَعٌ لَا تُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خُلْعُ الْحِيلَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْفُرْقَةَ. وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ بَقَاءَ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا. كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ. وَالْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ نَقِيضُ مَقْصُودِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَيَقَعُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَيَحْرُمُ الْخُلْعُ حِيلَةً، وَيَقَعُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَذَّ فِي الرِّعَايَةِ، فَذَكَرَهُ. قُلْت: غَالِبُ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَكَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. فَفِي هَذَا الْقَوْلِ فَرَجٌ لَهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. وَنَصَرَهُ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَصْدَ الْمُحَلِّلِ التَّحْلِيلَ، وَقَصْدَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَصْدًا مُحَرَّمًا كَبَيْعِ عَصِيرٍ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا: عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ. فَيُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُخْرَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ بِذَلِكَ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مُطَلِّقِ أَجْنَبِيَّةٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [فَلَوْ لَقَى امْرَأَتَهُ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً. فَقَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ " فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَقَعُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَقَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: دُيِّنَ وَلَمْ يَقْبَلْ حُكْمًا. انْتَهَى] . وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَوْ خَالَعَ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخُلْعِ، مُعْتَقِدًا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ، أَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا زَوَالَ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ: فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ بِظَنِّهِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ يَأْتِيَانِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. قُلْت: وَمِمَّا يُشْبِهُ أَصْلَ هَذَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي الصَّوْمِ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَاعْتَقَدَ الْفِطْرَ بِهِ، ثُمَّ جَامَعَ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: حُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي. وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ. مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ، وَالْآجُرِّيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. بَلْ قَالُوا عَنْ غَيْرِ ابْنِ بَطَّةَ إنَّهُ لَا يَقْضِي أَيْضًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خُلْعُ الْيَمِينِ هَلْ يَقَعُ رَجْعِيًّا، أَوْ لَغْوًا، وَهُوَ أَقْوَى؟ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ ضِدَّهُ كَالْمُحَلِّلِ. [الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ مِنْ نُجُومِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلًا. فَقَالَ: فَصْلٌ. وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالَ كِتَابَتِهِ ظَاهِرًا. فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ " أَنْتَ حُرٌّ " أَوْ قَالَ " هَذَا حُرٌّ " ثُمَّ بَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا: لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا حَصَلَ لَهُ بِالْأَدَاءِ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ قَصَدَ بِذَلِكَ عِتْقَهُ، وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَهُوَ أَخْبَرَ بِمَا نَوَى. انْتَهَى] الثَّالِثَةُ: لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ، ثُمَّ اسْتَفْتَى، فَأُفْتَى بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ: لَمْ يُؤَاخَذْ بِإِقْرَارِهِ لِمَعْرِفَةِ مُسْتَنَدِهِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي إقْرَارِهِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ. [لِأَنَّ] حَلِفَهُ عَلَى الْمُسْتَنَدِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يُعْلَمْ ضِمْنًا فَهُوَ وَسِيلَةٌ لَهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ، لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَهُ، بِمَعْنَى تَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ عِلَّةً فَاعِلَةً لَا سَبَبِيَّةً، وَوَسِيلَةً. وَدَلِيلُهُ: قِصَّةُ " بَانَتْ سُعَادُ " حَيْثُ أَقَرَّ بِذَلِكَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِإِسْلَامِهِ دُونَهَا. فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ بِأَنَّهَا لَمْ تَبِنْ. وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّهَا وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدِ الْإِسْلَامِ. وَذَلِكَ قَرِينَةُ جَهْلِهِ بِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إنْشَاءَهُ، وَإِلَّا لَمَا نَدِمَ عَلَيْهِ مُتَّصِلًا بِهِ. وَإِنَّمَا نَدِمَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، لِتَوَهُّمِهِ صِحَّةَ وُقُوعِهِ. وَقِيَاسُهُ الْخُلْعُ. وَبَقِيَّةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ، أَوْ الْغَالِبِ لَهُ فِيهَا حَقٌّ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَحَقُّ غَيْرِهِ عَلَى الْمُشَاحَّةِ بِدَلِيلِ مُسَامَحَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِهَجْرِهِ لَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَهُوَ حَرْبِيٌّ، وَهُوَ الشَّاعِرُ الصَّحَابِيُّ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ قَبْلَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَخَاهُ مَالِكَ بْنَ زُهَيْرٍ، فَأَتَى إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. فَأَسْلَمَ. فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسْلِمٌ مَعَهُ. فَامْتَدَحَهُ بِالْبُرْدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِصَّةِ. وَحَقُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَقِّ اللَّهِ. بِدَلِيلِ سَهْمِ خُمُسِ الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَكَسْبِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. [الرَّابِعَةُ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ] قُلْت: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُقَوِّيهِ: مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ ظَاهِرًا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حُرٌّ، ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ فِي بَابِ الْكِنَايَةِ. الْخَامِسَةُ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إعْلَامُ الْمُسْتَفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ، إنْ كَانَ أَهْلًا لِلرُّخْصَةِ كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ، وَالْخُلْعَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ جَاءُوهُ بِفَتْوَى فَلَمْ تَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ. فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَلْقَةِ الْمَدَنِيِّينَ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ الْمُسْتَفْتِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ فَلَهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى صَاحِبِ مَذْهَبٍ لَهُ فِيهِ رُخْصَةٌ. وَذَكَرَ فِي طَبَقَاتِهِ: قَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ فِي الْمَسَائِلِ، فَهَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ . فَقَالَ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُتَّبَعًا أَرْشَدَهُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ. قِيلَ لَهُ: فَيُفْتِي بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَهَؤُلَاءِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ. انْتَهَى. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ، فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِي. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

كتاب الطلاق

[كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ) . وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ، أَوْ بَعْضِهِ بِوُقُوعِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَقَاتِ، أَوْ بَعْضِهَا. وَقِيلَ: هُوَ تَحْرِيمٌ بَعْدَ تَحْلِيلٍ كَالنِّكَاحِ: تَحْلِيلٌ بَعْدَ تَحْرِيمٍ. قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَيُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ ضَرَرٌ) . اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ. وَهِيَ: الْإِبَاحَةُ، وَالِاسْتِحْبَابُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْوُجُوبُ، وَالتَّحْرِيمُ. فَالْمُبَاحُ: يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. لِسُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِسُوءِ عِشْرَتِهَا، وَكَذَا لِلتَّضَرُّرِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْغَرَضِ. بِهَا. فَيُبَاحُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَالْمَكْرُوهُ: إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: يُبَاحُ. فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. وَالْمُسْتَحَبُّ: وَهُوَ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْمَرْأَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا مِثْلَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. وَكَوْنِهَا غَيْرَ عَفِيفَةٍ. وَلَا يُمْكِنُ إجْبَارُهَا عَلَى فِعْلِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهَذِهِ يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَجِبُ. لِكَوْنِهَا غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَلِتَفْرِيطِهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ: هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُفَرِّطَةً فِي حَقِّ زَوْجِهَا وَلَا تَقُومُ بِحُقُوقِهِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: زِنَى الْمَرْأَةِ لَا يَفْسَخُ النِّكَاحَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْكِرُ زَوْجَ أُخْتِهِ يُحَوِّلُهَا إلَيْهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. الثَّانِيَةُ: إذَا تَرَكَ الزَّوْجُ حَقَّ اللَّهِ. فَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالزَّوْجِ. فَتَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِالْخُلْعِ وَنَحْوِهِ. وَالْمُحَرَّمُ: وَهُوَ طَلَاقُ الْحَائِضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ. وَالْوَاجِبُ: وَهُوَ طَلَاقُ الْمُولِي بَعْدَ التَّرَبُّصِ. إذَا أَبَى الْفَيْئَةَ، وَطَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ إذْ رَأَيَا ذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ هُنَا. وَالرَّابِعُ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ. وَالْخَامِسُ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ. فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ الطَّلَاقُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجِبُ الطَّلَاقُ إذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِهِ وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ عَدْلًا.

وَأَمَّا إذَا أَمَرَتْهُ أُمُّهُ: فَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُعْجِبُنِي طَلَاقُهُ. وَمَنَعَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْهُ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ السُّرِّيَّةِ: إنْ خِفْت عَلَى نَفْسِك. فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَكَذَا نَصَّ فِيمَا إذَا مَنَعَاهُ مِنْ التَّزْوِيجِ. قَوْلُهُ (وَمِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ الْعَاقِلِ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَالْأَصْحَابُ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، وَالْأَثْرَمُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَحَرْبٌ، وَالْمَيْمُونِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ. كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَقَعُ طَلَاقُ الْمُمَيِّزِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ، وَالْبَغْدَادِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ إلَّا مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ. نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا بَلَغَ عَشْرًا يَتَزَوَّجُ، وَيُزَوِّجُ وَيُطَلِّقُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: فِي طَلَاقِ مُمَيِّزٍ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ ابْنِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ الشَّارِحُ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: تَحْدِيدُ مَنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ بِكَوْنِهِ يَعْقِلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَرَوَى أَبُو الْحَارِثِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ مَا بَيْنَ عَشْرٍ إلَى ثِنْتَيْ عَشَرَةَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِمَّنْ لَهُ دُونَ الْعَشْرِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْخُلْعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " هَلْ يَصِحُّ طَلَاقُ الْأَبِ لِزَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ؟ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمُبَرْسَمِ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) . هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ ذَكَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونَ بَعْدَ أَنْ أَفَاقَا أَنَّهُمَا طَلَّقَا: وَقَعَ الطَّلَاقُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ، وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ: فَلَا يَقَعُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمُبَرْسَمُ، وَالْمَمْسُوسُ إنْ عَقَلَا الطَّلَاقَ: لَزِمَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ غَشِيَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: إنْ غَيَّرَهُ الْغَضَبُ، وَلَمْ يُزِلْ عَقْلَهُ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَأَوْقَعَهُ وَهُوَ يَكْرَهُهُ لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ

صَحِيحٌ. فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ كَالسَّكْرَانِ: فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالْحَلْوَانِيُّ، فِي كِتَابٍ الْوَجْهَيْنِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَقَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ فِي الْأَشْهَرِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ: هَذَا الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي، وَزَادِ الْمُسَافِرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ. وَهُوَ مِنْهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَدِلَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَظْهَرُ.

نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: كُنْت أَقُولُ: يَقَعُ، حَتَّى تَبَيَّنْته. فَغَلَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إنَّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً. وَاَلَّذِي يَأْمُرُ بِهِ: أَتَى بِاثْنَتَيْنِ. حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَأَبَاحَهَا لِغَيْرِهِ. وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّهَا آخِرُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْأُصُولِ: هَذَا أَشْبَهُ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي التَّحْقِيقِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ تَوَقَّفَ. فَلِلْأَصْحَابِ قَوْلَانِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقُّفُهُ لِقُوَّةِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَلَمْ يَقْطَعْ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَحَيْثُ قَالَ بِقَوْلٍ فَقَدْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطَعَ بِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ تُخَرَّجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَا بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ، وَرِدَّتُهُ، وَإِقْرَارُهُ، وَنَذْرُهُ، وَغَيْرُهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. اعْلَمْ أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ: رِوَايَاتٌ صَرِيحَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهَا، فَهُوَ كَالصَّاحِي فِيهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: السَّكْرَانُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ عَمْدًا، فَهُوَ كَالصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِيمَا عَلَيْهِ، فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، بِخِلَافِ مَنْ سَكِرَ بِبَنْجٍ، وَنَحْوِهِ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَاخَذٍ بِهَا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إقْرَارِهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَكَذَا قَدَّمَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْإِقْرَارِ. عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ كَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ، وَكَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ. وَالرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ فِي الْحُدُودِ كَالصَّاحِي. وَفِي غَيْرِهَا كَالْمَجْنُونِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ مِثْلَ قَتْلِهِ وَعِتْقِهِ، وَغَيْرِهِمَا كَالصَّاحِي. وَفِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَنِكَاحِهِ، وَمُعَاوَضَاتِهِ كَالْمَجْنُونِ. حَكَاهَا ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْبَرْزَاطِيِّ. فَقَالَ: لَا أَقُولُ فِي طَلَاقِهِ شَيْئًا. قِيلَ لَهُ: فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ: فَغَيْرُ جَائِزٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَنَقَلَ عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ مَا يَحْتَمِلُ عَكْسَ الرِّوَايَةِ الْخَامِسَةِ. فَقَالَ " لَا أَقُولُ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَعِتْقِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ ". وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَقَطْ. حَكَاهَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي قَتْلِهِ فِي " بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: حَدُّ السَّكْرَانِ الَّذِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ الَّذِي يَخْلِطُ فِي كَلَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ، وَيَسْقُطُ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ

لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. فَقَالَ: السَّكْرَانُ الَّذِي إذَا وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي ثِيَابِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا، أَوْ وَضَعَ نَعْلَهُ فِي نِعَالِهِمْ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. وَإِذَا هَذَى فِي أَكْثَرِ كَلَامِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَكْفِي تَخْلِيطُ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ حَدِّ السُّكْرِ. وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَخْتَلُّ فِي كَلَامِهِ الْمَنْظُومِ، وَيُبِيحُ بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَزَعَمَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: أَنَّ النِّزَاعَ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ فِي النَّشْوَانِ. فَأَمَّا الَّذِي تَمَّ سُكْرُهُ، بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ: فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ: وَالْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ جَعَلُوا النِّزَاعَ فِي الْجَمِيعِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا تَصِحُّ عِبَادَةُ السَّكْرَانِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ " لِلْخَبَرِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّالِثَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السَّكْرَانِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ آثِمًا فِي سُكْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَإِنَّ قَوْلَهُ " فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ".

فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّكْرِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: فَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لَمَا فِيهِ مِنْ اللَّذَّةِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُخْتَارِ، لِسُقُوطِ الْمَأْثَمِ عَنْهُ وَالْحَدِّ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ " إنَّ الْإِكْرَاهَ يُؤَثِّرُ فِي شُرْبِهَا " فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا يُؤَثِّرُ الْإِكْرَاهُ فِي شُرْبِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُخْتَارِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) . اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ أَلْحَقُوا بِالسَّكْرَانِ: مَنْ شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. كَالْمُزِيلَاتِ لِلْعَقْلِ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبَنْجِ، وَنَحْوِهِ فَجَعَلُوا فِيهِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي السَّكْرَانِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَمَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي السَّكْرَانِ أَطْلَقَهُ هُنَا، إلَّا صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ. فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْوُقُوعِ مِنْ السَّكْرَانِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا، وَصَحَّحَ فِي التَّصْحِيحِ الْوُقُوعَ فِيهِمَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ كَالسَّكْرَانِ. قَالَ: لِأَنَّهُ قَصَدَ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فَسَكِرَ: لَمْ يَقَعْ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ: نَظَرْت. فَإِنْ تَدَاوَى بِهِ: فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْمَجْنُونِ. وَإِنْ تَنَاوَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: كَانَ حُكْمُهُ كَالسَّكْرَانِ. وَالتَّدَاوِي حَاجَةٌ. انْتَهَى. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَنَاوَلَهُ لِحَاجَةٍ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَنَاوُلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، إذَا زَالَ الْعَقْلُ بِهِ: كَالْمَجْنُونِ، لَا يَقَعُ طَلَاقُ مَنْ تَنَاوَلَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ فِيهِ. وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّكْرَانِ. فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: لَا يَقَعُ مِنْ زَائِلِ الْعَقْلِ إلَّا بِمُسْكِرٍ مُحَرَّمٍ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَطَلَاقُ الزَّائِلِ الْعَقْلِ بِلَا سُكْرٍ، لَا يَقَعُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ أَثِمَ بِسُكْرٍ وَنَحْوِهِ، فَرِوَايَتَانِ. ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالْبَنْجِ: الْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ. وَأَبُو الْعَبَّاسِ يَرَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ. حَتَّى فِي إيجَابِ الْحَدِّ. [وَهُوَ الصَّحِيحُ، إنْ أَسْكَرَتْ أَوْ كَثِيرُهَا، وَإِلَّا حُرِّمَتْ، وَعُزِّرَ فَقَطْ فِيهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ طَهُرَتْ] .

وَفَرَّقَ أَبُو الْعَبَّاسِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَنْجِ. بِأَنَّهَا تُشْتَهَى وَتُطْلَبُ فَهِيَ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْبَنْجِ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ لَهَا وَطَلَبِهَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ ضَرَبَ بِرَأْسِهِ فَجُنَّ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَعَلَّلَهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ: لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ذَا سُلْطَانٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ أَخْذِ الْمَالِ، وَنَحْوِهِ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ: فَهُوَ إكْرَاهٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَذَابِ، كَالضَّرْبِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ السَّاقِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي تَهْدِيدِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يَقَعُ إذَا هَدَّدَ بِهِمَا. وَعَنْهُ: إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ، فَإِكْرَاهٌ. وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: التَّهْدِيدُ بِالْقَتْلِ إكْرَاهٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَزَادَ: وَقَطْعِ طَرَفٍ. كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَادِرًا بِسُلْطَانٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَهَرَبِهِ وَاخْتِفَائِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ. زَادَ فِي الْكَافِي: وَالْإِخْرَاجَ مِنْ الدِّيَارِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ: الْحَبْسَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا الضَّرْبُ الْيَسِيرُ: فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ: فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ. وَإِنْ كَانَ فِي ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا بِصَاحِبِهِ وَغَضًّا لَهُ، وَشُهْرَةً لَهُ فِي حَقِّهِ: فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. انْتَهَيَا. فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ وَالْإِخْرَاقُ: فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إخْرَاقُ مَنْ يُؤْلِمُهُ ذَلِكَ: إكْرَاهٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ.

قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ. فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا رِوَايَةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، مِمَّنْ يَتَأَلَّمُ بِالشَّتْمِ أَوْ لَا يَتَأَلَّمُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ مُكْرَهٍ، لَا بِشَتْمٍ وَتَوَعُّدٍ لِسُوقَةٍ الثَّانِيَةُ: ضَرْبُ وَلَدِهِ وَحَبْسُهُ وَنَحْوُهُمَا: إكْرَاهٌ لِوَالِدِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْوَالِدِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ ضَرْبَ وَالِدِهِ وَنَحْوَهُ وَحَبْسَهُ: كَضَرْبِ وَلَدِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَوَجَّهُ تَعْدِيَتُهُ إلَى كُلِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَعْدِيَتُهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً، مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ: كَانَ إكْرَاهًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: بَلْ هُوَ مِنْهُ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ. [ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ وَاضِحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ] الرَّابِعَةُ: يَنْبَغِي لِلْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ، وَطَلَّقَ: أَنْ يَتَأَوَّلَ. فَإِنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بِلَا عُذْرٍ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَطْلُقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ نَوَى الْمُكْرَهُ ظُلْمًا غَيْرَ الظَّاهِرِ: نَفَعَهُ

تَأْوِيلُهُ. وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ جَهْلًا أَوْ دَهْشَةً: لَمْ يَضُرَّهُ. وَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا نِزَاعَ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَلِابْنِ حَمْدَانَ: احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. انْتَهَى. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُبْهَمَةٍ. فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَقَعُ لَغْوًا، أَوْ يَقَعُ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. [يَعْنِي أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ: هَلْ هُوَ لَغْوٌ، لَا حُكْمَ لَهُ، أَوْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ، إنْ نَوَى الطَّلَاقَ: وَقَعَ. وَإِلَّا فَلَا؟ وَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ صَرِيحًا فِيهِمَا] . الْخَامِسَةُ: لَوْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ، دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَقَعَ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أُكْرِهَ فَطَلَّقَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقِيلَ: لَا يَقَعُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: إنْ نَوَى وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا كَالْكِنَايَةِ. حَكَاهُمَا فِي الِانْتِصَارِ. وَحَكَى شَيْخُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ. أَوْرَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَذْهَبًا. السَّادِسَةُ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْعِتْقِ وَالْيَمِينِ وَنَحْوِهِمَا: كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ غَيْرُهَا مِثْلَهَا. قَوْلُهُ (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . قُلْت: وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: حَمَلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ وَلِمَنْ اعْتَقَدَ فَسَادَ النِّكَاحِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ النِّكَاحِ، إمَّا بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ. فَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ بُطْلَانَهُ: فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فِيهِ. فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فِي الْحَيْضِ. وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.

فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ. وَإِنْ بَعُدَ بِهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِالْوُقُوعِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ: صَحَّ طَلَاقُهُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ صَحَّ طَلَاقُ مُمَيِّزٍ: صَحَّ تَوْكِيلُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي: وَلَوْ صَحَّ طَلَاقُهُ: لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. ذَكَرَهُ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ لَهُ الزَّوْجُ حَدًّا) : أَوْ يَفْسَخَ، أَوْ يَطَأَ. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَطْءَ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَنْعَزِلُ بِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. وَقَالَ: فِي بُطْلَانِهَا بِقُبْلَةٍ خِلَافٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يُجْعَلَ إلَيْهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إنْ لَمْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ وَمَا شَاءَ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَكَّلَهُ فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَوْ وَكَّلَهُ فِي وَاحِدَةٍ، فَطَلَّقَ ثَلَاثًا: طَلُقَتْ وَاحِدَةً، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ خَيَّرَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: مَلَكَ اثْنَتَيْنِ فَأَقَلَّ، وَلَا يَمْلِكُ بِالْإِطْلَاقِ تَعْلِيقًا. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِهِ أَيْضًا " هَلْ يَقَعُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْكِنَايَةِ إذَا وَكَّلَهُ بِالصَّرِيحِ، أَمْ لَا؟ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِيهِ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، إلَّا بِإِذْنِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ: وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) . فَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ أَكْثَرَ: فَوَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْمُطَلِّقِ الطَّلَاقُ وَقْتَ بِدْعَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ وَلَمْ يَقَعْ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَيَقَعُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. حَيْثُ قَالَ " وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ ". وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَكَالَةِ قَبْلَ إيقَاعِ الْوَكِيلِ الطَّلَاقَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْأَزَجِيُّ، فِي عَزْلِ الْمُوَكِّلِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: وَكَذَا دَعْوَى عِتْقِهِ وَرَهْنِهِ وَنَحْوِهِ. وَعَادَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ ذِكْرُ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَكِنَايَتِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " أَمْرُك بِيَدِك " وَنَحْوِهِ . قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَلَهَا ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ) . إذَا قَالَ لَهَا " طَلِّقِي نَفْسَك " صَحَّ ذَلِكَ. كَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِيهِ بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ نَوَى عَدَدًا، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى. وَإِنْ أَطْلَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ: لَمْ تَمْلِكْ إلَّا وَاحِدَةً، عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ " لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك. فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي ". وَيَأْتِي هُنَاكَ مَا تَمْلِكُ بِقَوْلِهِ لَهَا " طَلَاقُك بِيَدِك، أَوْ وَكَّلْتُك فِي الطَّلَاقِ " وَصِفَةُ طَلَاقِهَا، وَفُرُوعٌ أُخَرُ مُسْتَوْفَاةٌ مُحَرَّرَةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِ الْوَكَالَةِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الْوَكَالَةِ، كَالْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ. وَكَ " أَمْرُك بِيَدِك " وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَرَجَّحَهُ فِي الْكَافِي.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " طَلِّقِي نَفْسَك " تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك. أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك، هَلْ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ لَا؟ " وَتَأْتِي أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ.

باب سنة الطلاق وبدعته

[بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ] قَوْلُهُ (السُّنَّةُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ: كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ جَمْعِ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: طَلَاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَيْضَتِهَا، أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ. وَيَقَعُ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ طَلَاقَهَا فِي حَيْضِهَا أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ أَيْضًا: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ طَلَاقَ الْمُجَامَعَةِ مَكْرُوهٌ، وَطَلَاقَ الْحَائِضِ مُحَرَّمٌ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ " إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا. فَإِنْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا: فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ: احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَحْصُلُ النَّدَمُ. فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مُسْتَبِينًا: فَقَدْ طَلَّقَ وَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ. فَلَا يَخَافُ أَمْرًا يَتَجَدَّدُ مَعَهُ النَّدَمُ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: كَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. يَعْنِي: أَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ وَمُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ. وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، إلَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْقُرُوءَ: الْأَطْهَارُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ مِنْ الْحَيْضِ: هِيَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ. وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ. فَقَالَ: لِكَوْنِهِ فِي زَمَنِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ النَّهْيُ عَنْهُ. فَلَا يُبَاحُ إلَّا وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَهُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي تَتَعَقَّبُهُ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ: هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ إيَّاهُ، أَوْ لِحَقِّهَا. فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ. لَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ خُلْعَ الْحَائِضِ زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَطَلَاقَهَا بِسُؤَالِهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَا بِدْعَةٌ. ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا سُنَّةَ لِخُلْعٍ وَلَا بِدْعَةَ. بَلْ لِطَلَاقٍ بِعِوَضٍ.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْحَيْضِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ ". الرَّابِعَةُ: الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ جَمْعِ الثَّلَاثِ: سَدُّ الْبَابِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَدَمُ الْمَخْرَجِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَلْ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهَا. أَوْ تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؟ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ تَحْرِيمُ جَمْعِ الطَّلْقَتَيْنِ. الْخَامِسَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تَحَمُّلُ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، قَالَ: وَكَذَا وَطْؤُهَا فِي غَيْرِ الْقُبُلِ، لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُهَا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ؛ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. ذَكَرَهَا فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا وَطِئَ فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْحَيْضِ. اخْتَارَهَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِقِيَامِهَا، فَقَامَتْ حَائِضًا، فَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ طَلَاقٌ مُبَاحٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَدِمَ فِي حَيْضِهَا: فَبِدْعَةٌ، وَلَا إثْمَ.

قُلْت: مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، بَلْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ، وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَا كَانَ عَلَّقَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَقَعُ. الثَّانِيَةُ: طَلَاقُهَا فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لِلرَّجْعَةِ بِدْعَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ يَجُوزُ. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: كُرِهَ. وَفِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَأَبِي دَاوُد، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ صَدَقَةَ، وَأَبِي الْحَارِثِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ. وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهَا فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ الطُّوفِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ. وَعَنْهُ: الْجَمْعُ فِي الطُّهْرِ بِدْعَةٌ، وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَطْهَارِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ سُنَّةٌ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكُونُ الطَّلَاقُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مَكْرُوهًا. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: هُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً قَبْلَ الرَّجْعَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ طَلَّقَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ: لَمْ يَكُنْ بِدْعَةً بِحَالٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةَ تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَفْرُغَ الْعِدَّةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ: فَمَا إذَا رَجَعَ. قَالَ: لِأَنَّهُ طُولُ الْعِدَّةِ، وَأَنَّهُ مَعْنَى نَهْيِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ طَلَاقَهَا اثْنَتَيْنِ لَيْسَ كَطَلَاقِهَا ثَلَاثًا. وَهُوَ صَحِيحٌ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَالَ: وَقَدْ يَحْسُنُ بِنَاءُ رِوَايَتَيْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ عَلَى أَصْلٍ قَالَهُ أَبُو يَعْلَى فِي تَعْلِيقِهِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْمُنَى، وَهُوَ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ سُنَّةً. انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ: هَلْ هِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهَا، أَوْ تَضْيِيعُ الطَّلَاقِ لَا فَائِدَةَ لَهُ؟ فَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ جَمْعُ الطَّلْقَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ أَنْ رَاجَعَهَا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِلَا نِزَاعٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً قَبْلَ رَجْعَةٍ وَاحِدَةٍ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بَلْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَصْحَابُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَوْقَعَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ ثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةٍ، قَبْلَ رَجْعَةٍ: طَلْقَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَحَكَى عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً. بَلْ وَاحِدَةً فِي الْمَجْمُوعَةِ أَوْ الْمُتَفَرِّقَةِ عَنْ جَدِّهِ الْمَجْدِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانًا سِرًّا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الطَّبَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ إذَنْ. فَلَا يَصِحُّ كَالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. [وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِرَاقُهَا، لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ بِخُلْعٍ بِعِوَضٍ يُعَارِضُ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَنِيَّتَهُ، فَضْلًا عَنْ حُصُولِهِ بِنَفْسِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلَقَاتٍ] وَقَالَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ: إنَّمَا جَعَلَهُ

لِإِكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ، لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ. فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ، مِنْ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهَا وَأَظْهَرُوهُ: سَاغَتْ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً. انْتَهَى. [وَاخْتَارَهُ الْحِلِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. لِحَدِيثٍ صَحِيحٍ فِي مُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. فَعَلَيْهِ: لَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا، إنْ امْتَنَعَ صِدْقُهُ، وَإِلَّا فَظَاهِرًا فَقَطْ] . وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ، فِي الْهُدَى وَغَيْرِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَقَلَهُ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُمَا كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى لُزُومِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. وَشَذَّ طَاوُسٌ، وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: يَقَعُ وَاحِدَةً. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوقِعَ ثَلَاثًا مُجْتَمِعَةً فِي كَلِمَةٍ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي كَلِمَاتٍ ثَلَاثٍ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُغِيثٍ فِي وَثَائِقِهِ: أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْقَسِمُ. إلَى طَلَاقِ سُنَّةٍ، وَطَلَاقِ بِدْعَةٍ. فَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ: قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ. وَقَالَ بِهِ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ: ابْنُ زِنْبَاعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَقِيٍّ بْنِ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ، فَقِيهُ عَصْرِهِ، وَأَصْبَغُ بْنُ الْحُبَابِ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ. وَقَدْ يَخْرُجُ بِقِيَاسٍ مِنْ غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَهُ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِتَعَالِيلَ جَيِّدَةٍ. انْتَهَى. فَوُقُوعُ الْوَاحِدَةِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِكَوْنِهِ طَلَاقَ بِدْعَةٍ: لَا لِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا: فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ، إلَّا فِي الْعَدَدِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُنَّ لَيْسَ لِطَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ. فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا سُنَّةَ لَهُنَّ وَلَا بِدْعَةَ، لَا فِي الْعَدَدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: سُنَّةُ الْوَقْتِ تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ. وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. فَلَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ بِالْوَضْعِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ زَمَنُ بِدْعَةٍ. كَالْحَيْضِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُطَلِّقَ حَائِضًا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ: لَوْ قَالَ لِمَنْ اتَّصَفَتْ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً. وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً " وَقَعَ طَلْقَتَانِ. إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي غَيْرِ الْآيِسَةِ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ. فَيُدَيَّنُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَدِينُ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ، وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ طَلْقَةً فِي الْحَالِ، وَطَلْقَةً فِي ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ حَائِضًا: طَلُقَتْ إذَا طَهُرَتْ) .

سَوَاءٌ اغْتَسَلَتْ أَوْ لَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ مَبْنَى الْقَوْلَيْنِ: عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ إنْ قِيلَ: تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أُبِيحَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الطُّهْرِ. وَإِنْ قِيلَ: الرَّغْبَةُ عَنْهَا: لَمْ تُبِحْ رَجْعَتُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، لِمَنْعِهَا مِنْهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ. انْتَهَى وَيَأْتِي فِي " بَابِ الرَّجْعَةِ " مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ مَا " إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ: هَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا، أَمْ لَا "؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ. وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ: طَلُقَتْ إذَا أَصَابَهَا، أَوْ حَاضَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يَنْزِعُ فِي الْحَالِ بَعْدَ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، لِوُقُوعِ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ عَقِيبَ ذَلِكَ. فَإِنْ اسْتَدَامَ ذَلِكَ: حُدَّ الْعَالِمُ، وَعُذِرَ الْجَاهِلُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ زَمَنَ السُّنَّةِ وَقُلْنَا: الْجَمْعُ بِدْعَةٌ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ مِنْ أَنَّ جَمْعَ طَلْقَتَيْنِ بِدْعَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ. يُصِبْهَا فِيهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) .

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَفِي الْأُخْرَى: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً. وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي طُهْرَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ إنْ أَمْكَنَ. وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. وَعَنْهُ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِنَّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَب، وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرُهُمْ: وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ يَكُونُ سُنَّةً. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَإِذَا طَهُرَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي نِكَاحَيْنِ آخَرَيْنِ، أَوْ بَعْدَ رَجْعَتَيْنِ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْقَوْلَ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ " قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَقَعُ عَلَيْهَا السَّاعَةَ وَاحِدَةٌ. فَلَوْ رَاجَعَهَا تَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى أُخْرَى، وَمَا يُعْجِبُنِي قَوْلُهُمْ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا لِوَصْفِهِ الثَّلَاثَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ. فَأَلْغَى الصِّفَةَ، وَأَوْقَعَ الثَّلَاثَ كَمَا لَوْ قَالَ لِحَائِضٍ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. فَإِنَّهُ قَالَ: يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " لِلسُّنَّةِ ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَلْغَى قَوْلَهُ " لِلسُّنَّةِ "

وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ فِي الْحَالِ، حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا. مُجَامَعَةً أَوْ غَيْرَ مُجَامَعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَلْغَى قَوْلَهُ " لِلسُّنَّةِ " بَقِيَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَهُوَ مُوجِبٌ لِمَا ذَكَرَهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْبِدْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ. وَالْأُخْرَى: مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ، فَحَيْثُ جَمَعَ الزَّوْجُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ السُّنَّةِ: كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً فِي إرَادَتِهِ السُّنَّةَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. فَلَا تُلْحَظُ فِي الثَّلَاثِ السُّنَّةُ، لِعَدَمِ إرَادَتِهِ لَهُ. وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَيُلْحَظُ السُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ، لِإِرَادَتِهِ لَهُ. فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. نِصْفُهَا لِلسُّنَّةِ، وَنِصْفُهَا لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ، وَطَلُقَتْ الثَّالِثَةَ فِي ضِدِّ حَالِهَا الرَّاهِنَةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَطْلُقُ الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ، لِتَبْعِيضِ كُلِّ طَلْقَةٍ. انْتَهَى. وَكَذَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ " وَأَطْلَقَ. وَلَوْ قَالَ " طَلْقَتَانِ لِلسُّنَّةِ، وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ " أَوْ عَكَسَهُ. فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ. فَإِنْ أَطْلَقَ ثُمَّ قَالَ " نَوَيْت ذَلِكَ " إنْ فَسَّرَ نِيَّتَهُ بِمَا يَقَعُ فِي الْحَالِ: طَلُقَتْ وَقُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ. وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا يُوقِعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُؤَخِّرُ اثْنَتَيْنِ: دُيِّنَ. وَيُقْبَلُ فِي الْحَكَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَظْهَرُ.

وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِأَخَفَّ مِمَّا يَلْزَمُهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ " طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ طَلْقَةٌ، وَيَتَأَخَّرَ اثْنَتَانِ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ، وَهِيَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ. فَتَطْلُقَ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ تُسْتَثْنَى الْحَائِضُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ) . وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ (فَهَلْ تَطْلُقُ فِي الْحِلِّ طَلْقَةً؟) . أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ طَلْقَةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْبُلْغَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَطْلُقُ إلَّا فِي طُهْرٍ بَعْدَ حَيْضٍ مُتَجَدِّدٍ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: حُكْمُ الْحَامِلِ كَحُكْمِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا الْآيِسَةُ: فَتَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَأَجْمَلَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " أَقْرَبَ الطَّلَاقِ، وَأَعْدَلَهُ، وَأَكْمَلَهُ، وَأَفْضَلَهُ، وَأَتَمَّهُ، وَأَسَنَّهُ " وَنَحْوَهُ. وَكَذَا قَوْلُهُ " طَلْقَةً جَلِيلَةً، أَوْ سُنِّيَّةً " وَنَحْوَهُ. وَإِنْ قَالَ " أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجَهُ " وَكَذَا " أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَأَرْدَأَهُ، أَوْ أَنْتَنَهُ " وَنَحْوَهُ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ " لِلْبِدْعَةِ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحْسَنَ أَحْوَالِك أَوْ أَقْبَحَهَا: أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً " فَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ نَوَى بِأَحْسَنِهِ: زَمَنَ الْبِدْعَةِ، لِشَبَهِهِ بِخُلُقِهَا الْقَبِيحِ، أَوْ بِأَقْبَحِهِ: زَمَنَ السُّنَّةِ. لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا وَنَحْوِهِ: فَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا أَيْضًا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ قَالَ فِي أَحْسَنِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ " أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " وَفِي أَقْبَحِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ " أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ " قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَغْلَظِ عَلَيْهِ، وَدُيِّنَ فِي الْأَخَفِّ. وَهَلْ يُقْبَلُ حُكْمًا؟ خَرَجَ فِيهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ " وَهِيَ حَائِضٌ. أَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فِي الْحَالِ " وَهِيَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ. بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا.

باب صريح الطلاق وكنايته

[بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ] ِ فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " امْرَأَتِي طَالِقٌ " وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ. أَوْ قَالَ " عَبْدِي حُرٌّ " أَوْ " أَمَتِي حَرَّةٌ " وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ: طَلُقَ جَمِيعُ نِسَائِهِ. وَعَتَقَ جَمِيعُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ: أَنَّهُ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدَةٌ. وَتَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ بَعْدَ قَوْلُهُ " وَإِنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ ". قَوْلُهُ (وَصَرِيحُهُ لَفْظُ " الطَّلَاقِ " وَمَا يَتَصَرَّفُ مِنْهُ) . يَعْنِي أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ: هُوَ لَفْظُ " الطَّلَاقِ " وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، لَا غَيْرُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ " الطَّلَاقُ " وَ " الْفِرَاقُ " وَ " السَّرَاحُ " وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَصَرَهُ الْقَاضِي. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ.

قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ " أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ " لَيْسَتْ صَرِيحَةً. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا مَاضِيًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي " طَلَّقْتُك ". وَقِيلَ: " طَلَّقْتُك " لَيْسَتْ صَرِيحَةً أَيْضًا. بَلْ كِنَايَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْإِنْشَاءُ وَالْخَبَرُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ إنْشَاءٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ الصِّيَغُ إنْشَاءٌ، مِنْ حَيْثُ إنَّهَا هِيَ الَّتِي أَثْبَتَتْ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ. وَهِيَ إخْبَارٌ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ. وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ فِي " أَنْتِ الطَّلَاقُ " أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ. وَقِيلَ: إنَّ لَفْظَ " الْإِطْلَاقِ " نَحْوَ قَوْلِهِ " أَطْلَقْتُك " صَرِيحٌ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْبُلْغَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ. فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتَ طَالِقٌ " بِفَتْحِ التَّاءِ: طَلُقَتْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَطْلُقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْخِلَافُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ " كُلَّمَا قُلْتُ لِي شَيْئًا، وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ

ثَلَاثًا " فَهَذِهِ وَقَعَتْ زَمَنَ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. فَأَفْتَى فِيهَا بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إذَا عَلَّقَهُ، بِأَنْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنَا طَلَّقْتُك ". وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: طَلُقَتْ، وَلَوْ عَلَّقَهُ. وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: بِأَنَّهَا تَطْلُقُ إذَا قَالَ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَقَالَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إذَا قَالَهُ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ: تَطْلُقُ. وَإِنْ فَتْحَ التَّاءَ مُذَكِّرًا. فَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ. فَسَقَطَ حُكْمُ اللَّفْظِ. نَقَلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ: حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَالَ: وَلَمْ أَجِدْهَا فِي التَّنْبِيهِ. وَذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ جَرِيرٍ لِابْنِ عَقِيلٍ، فَاسْتَحْسَنَهُ. وَقَالَ: لَوْ فَتَحَ التَّاءَ تَخْلُصُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ تَخْلُصُ. وَبَقِيَ مُعَلَّقًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ التَّمَادِي إلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَرِينَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنْ وَجْهَيْ ابْنِ جَرِيرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ: تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَتَغَدَّى " وَنِيَّتُهُ غَدَاءُ يَوْمِهِ: قَصُرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُهُ " وَنِيَّتُهُ: تَخْصِيصُ الْكَلَامِ بِمَا يَكْرَهُهُ: لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَلَّمَهُ بِمَا يُحِبُّهُ. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَعَلَّلَهُ بِتَعَالِيلَ جَيِّدَةٍ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. الثَّالِثَةُ: مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ أَيْضًا: إذَا قِيلَ لَهُ " أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَك؟ " قَالَ. " نَعَمْ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي هُنَا، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: الْأَمْرُ وَالْمُضَارِعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ. وَكَذَا قَوْلُهُ " أَنْتِ مُطْلِقَةٌ " بِكَسْرِ اللَّامِ، اسْمُ فَاعِلٍ. قَوْلُهُ (فَمَتَى أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ: وَقَعَ. نَوَاهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) . أَمَّا إذَا نَوَاهُ: فَلَا نِزَاعَ فِي الْوُقُوعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَقَعُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ، أَوْ قَرِينَةِ غَضَبٍ، أَوْ سُؤَالِهَا وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ الْهَازِلِ وَاللَّاعِبِ كَالْجَادِّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَصَرَّحُوا بِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ. قَالَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: لَا يَقَعُ مِنْ النَّائِمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَا مِنْ الْحَاكِي عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا مِنْ الْفَقِيهِ الَّذِي يُكَرِّرُهُ، وَلَا مِنْ الزَّائِلِ الْعَقْلِ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ السَّكْرَانِ وَنَحْوِهِ، عَلَى الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " مِنْ وَثَاقٍ. أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ " طَاهِرٌ " فَسَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " مُطَلَّقَةٌ " مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ: لَمْ تَطْلُقْ.: دُيِّنَ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يُدَيَّنُ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَالْحَلْوَانِيُّ. كَالْهَازِلِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ، أَوْ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ. فَلَا يُقْبَلُ) . قَوْلًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. إلَّا فِي قَوْلِهِ " أَرَدْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي " وَكَانَ كَذَلِكَ. فَأَطْلَقَ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَفِيمَا إذَا قَالَ " أَرَدْت أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي " وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ كَانَ وُجِدَ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا ". فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ " إنْ قُمْتِ " فَتَرَكَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ ": " إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ " أَرَدْت إنْ قُمْتِ " وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ هُنَا.

قَوْلُهُ (وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَرَادَ الْكَذِبَ: طَلُقَتْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَطْلُقُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ. وَتَقَدَّمَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ " كُنْتُ طَلَّقْتُهَا ". وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قِيلَ لَهُ " امْرَأَتُكَ طَالِقٌ؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " أَوْ " أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ " فَقَالَ " قَدْ طَلَّقْتُهَا " فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت أَنِّي طَلَّقْتهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ: دُيِّنَ. وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، إنْ كَانَ وُجِدَ. قَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ " أَأَخْلَيْتَهَا؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " فَكِنَايَةٌ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ، ثُمَّ اسْتَفْتَى. فَأَفْتِي بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ: لَمْ يُؤَاخَذْ بِإِقْرَارِهِ، لِمَعْرِفَةِ مُسْتَنَدِهِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي إقْرَارِهِ ذَلِكَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ الْخُلْعِ " أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِعَالِمٍ بِالنَّحْوِ " أَلَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُكَ؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " لَمْ تَطْلُقْ. وَإِنْ قَالَ " بَلَى " طَلُقَتْ. ذَكَرَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ " بَابِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ " وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَاكَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ. وَالصَّوَابُ: التَّفْرِقَةُ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَك امْرَأَةٌ؟ قَالَ: لَا. وَأَرَادَ الْكَذِبَ، لَمْ تَطْلُقْ) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ الْكَذِبَ: أَنَّهَا تَطْلُقُ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ " لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ " أَوْ " لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ " وَنَوَى الطَّلَاقَ. وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: إذَا قِيلَ " أَلَك امْرَأَةٌ؟ " فَقَالَ " لَا " لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَأَخَذَ الْمَجْدُ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ. وَلَوْ نَوَى يَكُونُ لَغْوًا. وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ الْجَوَابِ. فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: مَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ: هَلْ تُؤَكِّدُ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ، أَوْ لَا تُؤَكِّدُ إلَّا الْخَبَرَ. فَتَتَعَيَّنُ خَبَرِيَّةُ هَذَا. فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: ذَلِكَ كِنَايَةٌ. وَإِنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (لَطَمَ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَطْعَمَهَا، أَوْ سَقَاهَا) وَكَذَا لَوْ أَلْبَسَهَا ثَوْبًا، أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ دَارِهَا. أَوْ قَبَّلَهَا. وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ " هَذَا طَلَاقُك " طَلُقَتْ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ: أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ طَلَاقَهَا أَوْ لَا. فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقَهَا: طَلُقَتْ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ: وَقَعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ صَرِيحٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ: مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَقَعُ. نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: فَهُوَ صَرِيحٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِيهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَنْوِيَهُ. قَالَ الْقَاضِي: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَنْوِيَهُ. نَقَلَهُ فِي الْبُلْغَةِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ كِفَايَةٌ، وَنَصَرَاهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْخِلَافِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَيَكُونُ اللَّطْمُ قَائِمًا مَقَامَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْوُقُوعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَوْ فَسَّرَهُ بِمُحْتَمَلِ غَيْرِهِ: قُبِلَ. وَقَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا فَهَذَا، قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: لَوْ أَطْعَمَهَا، أَوْ سَقَاهَا. فَهَلْ هُوَ كَالضَّرْبِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِك: دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ: أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُصَنَّفِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ فِي الْحَكَمِ. فَائِدَةٌ: لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً، أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا، أَوْ آلَى، ثُمَّ قَالَ سَرِيعًا لِضَرَّتِهَا: " أَشْرَكْتُك مَعَهَا " أَوْ " أَنْتِ مِثْلُهَا " أَوْ " أَنْتِ كَهِيَ " أَوْ " أَنْتِ شَرِيكَتُهَا " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الضَّرَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الظِّهَارِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ فِيهِمَا كِنَايَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ: فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُولِيًا مِنْ الضَّرَّةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي حَقِّ الضَّرَّةِ أَيْضًا. فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَعَنْهُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ. فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا إنْ نَوَاهُ. وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْإِيلَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ. أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ. أَوْ لَا يَلْزَمُك شَيْءٌ: طَلُقَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ " وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَعْنِي فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ " فَقَطْ. وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك " أَوْ " طَالِقٌ طَلْقَةً لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا، أَوْ طَالِقٌ وَاحِدَةً، أَوْ لَا: لَمْ يَقَعْ) . أَمَّا إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ. وَأَمَّا إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا " فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: عَدَمَ الْوُقُوعِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَرَدَّا قَوْلَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي هَذِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، فَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ) (كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ) . يَعْنِي: صَرِيحَ الطَّلَاقِ (وَنَوَى الطَّلَاقَ: وَقَعَ) . إذَا كَتَبَ صَرِيحَ الطَّلَاقِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ: وَقَعَ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ إمَّا صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ. وَقَدْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَغْوٌ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. بِنَاءً عَلَى إقْرَارِهِ بِخَطِّهِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْوِلَايَةِ بِالْخَطِّ. وَصِحَّةُ الْحُكْمِ بِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِخَطِّهِ شَيْءٌ، وَلَوْ نَوَاهُ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَطَّ بِالْحَقِّ لَيْسَ إقْرَارًا شَرْعِيًّا فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. قُلْتُ: النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ بِذَلِكَ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي حَدِّ الْإِقْرَارِ: أَنَّهُ إظْهَارُ الْحَقِّ لَفْظًا أَوْ كِنَايَةً. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي: مَا تَقُولُونَ فِي الْعُقُودِ، وَالْحُدُودِ، وَالشَّهَادَاتِ: هَلْ تَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ؟

قِيلَ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: تَثْبُتُ. وَهِيَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَثْبُتَ جَمِيعُهَا. لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَثْبُتَ؛ لِأَنَّهُ لَا كِنَايَةَ لَهَا، فَقَوِيَتْ. وَلِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ كِنَايَةٌ، فَضَعُفَا. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَدْرِي أَرَادَ صِحَّتَهَا بِالْكِنَايَةِ، أَوْ تَثْبِيتَهَا بِالظَّاهِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. خَرَّجَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: هُوَ أَيْضًا صَرِيحٌ. فَيَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: أَدْخَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي الصَّرِيحِ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَقَعَ، عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ. فَلَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. تَقَدَّمَ تَخْرِيجٌ بِأَنَّهُ لَغْوٌ مَعَ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ. أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ: لَمْ يَقَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. يَعْنِي: أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ كَتَبَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ، وَنَوَى أَنْ يَغُمَّ أَهْلَهُ قَالَ: قَدْ عَمِلَ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ: لِأَنَّهُ أَرَادَ غَمَّ أَهْلِهِ بِتَوَهُّمِ الطَّلَاقِ، دُونَ حَقِيقَتِهِ. فَلَا يَكُونُ نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: تُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: قُبِلَ حُكْمًا. عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَجْوَدُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: قُبِلَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةِ: لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَبِينُ: لَمْ يَقَعْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَقَعُ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ كَتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ خَطٌّ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ لَمْ يَقَعْ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي الْوَجْهَ لِأَبِي حَفْصٍ، فِيمَا إذَا كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَبِينُ هُنَا. فَالصُّورَةُ الْأُولَى: صِفَةُ الْمَكْتُوبِ بِهِ. وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: صِفَةُ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ. فَأَجْرَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ فِي الْمَكْتُوبِ بِهِ. قُلْت: الشَّارِحُ مَثَّلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِصِفَةِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَهُ بِأُصْبُعِهِ عَلَى وِسَادَةٍ، أَوْ فِي الْهَوَاءِ. وَكَذَا قَالَ النَّاظِمُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ، وَقَصَدَ الْقِرَاءَةَ: فَفِي قَبُولِهِ حُكْمًا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. فِيمَا إذَا قَصَدَ تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. الثَّالِثَةُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَحْدَهُ بِالْإِشَارَةِ. فَلَوْ فَهِمَهَا الْبَعْضُ فَكِنَايَةٌ. وَتَأْوِيلُهُ مَعَ صَرِيحٍ كَالنُّطْقِ. وَكِنَايَتُهُ طَلَاقٌ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ لَفْظٍ إلَّا فِي الْكِنَايَةِ، وَالْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ فِي لِسَانِ الْعَجَمِ " بِهِشْتَمٌ " بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ. فَإِنْ قَالَهُ الْعَرَبِيُّ، وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ، أَوْ نَطَقَ الْأَعْجَمِيُّ بِلَفْظِ " الطَّلَاقِ " وَهُوَ لَا يَفْهَمُهُ: لَمْ يَقَعْ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ نَوَى مُوجِبَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

أَحَدِهِمَا: لَا يَقَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: يَقَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَيَقَعُ طَلَاقُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَهُ الْعَجَمِيُّ: وَقَعَ مَا نَوَاهُ. فَإِنْ زَادَ " بِسَيَّارٍ " بِأَنْ قَالَ " أَنْتِ بِهِشْتَمٌ بِسَيَّارٍ " طَلُقَتْ ثَلَاثًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بِالْفَارِسِيَّةِ: عَلَى مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مِثْلَ كَلَامٍ عَرَبِيٍّ. قَوْلُهُ (وَالْكِنَايَاتُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ سَبْعَةٌ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ. وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَأَنْتِ الْحَرَجُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي أَنَّهَا السَّبْعَةُ. وَكَذَا " أَعْتَقْتُك " وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ " أَبَنْتُك " كَ " أَنْتِ بَائِنٌ " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ " أَبَنْتُك " مِثْلُ " بَائِنٌ " وَيُحْتَمَلُ " أَظْهَرْتُك " كَمَا يُحْتَمَلُ " خَلِيَّةٌ " مِنْ حَيِّزِهِ.

قُلْنَا: قَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ " أَبَنْتُك " وَلِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْإِبَانَةِ مِنْ " خَلِيَّةٌ " فَاسْتَوَى تَصْرِيفُهُ؛ وَلِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي " أَطْلَقْتُك " وَجْهَيْنِ، لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ. فَإِنْ وُجِدَ مِثْلُهُ: جَوَّزْنَاهُ. انْتَهَى. وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ " لَا حَاجَةَ لِي فِيك " وَ " بَابُ الدَّارِ لَك مَفْتُوحٌ " كَ " أَنْتِ بَائِنٌ ". وَجَعَلَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ " أَنْتِ مُخَلَّاةٌ " كَ " أَنْتِ خَلِيَّةٌ ". وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ " مُخَلَّاةٍ " بِطَلْقَةٍ. وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِلزَّوْجِ " خَلِّهَا بِطَلْقَةٍ ". وَأَيْضًا: فَإِنَّ " الْخَلِيَّةَ " هِيَ الْخَالِيَةُ مِنْ زَوْجٍ. وَ " الرَّجْعِيَّةُ " لَيْسَتْ خَالِيَةً. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، فَإِنْ قِيلَ " مُخَلَّاةٌ " وَ " خَلَّيْتُك " وَ " خَلِيَّةٌ " بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَلِمَ أَلْحَقْتُمُوهَا بِالْخَفِيَّةِ؟ قُلْنَا: قَدْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، مِثْلَ " مُطَلَّقَةٌ " وَ " طَلَّقْتُك " وَ " طَالِقٌ " وَلَكِنْ تَرَكْنَاهُ لِلتَّوْقِيفِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَلَمْ نَجِدْهُمْ ذَكَرُوا إلَّا " خَلِيَّةً " انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك ". وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: هِيَ صَرِيحَةٌ فِي طَلْقَةٍ، كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ فِيمَا زَادَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَرِيحَةٌ فِي الْإِيقَاعِ، كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ. فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ. انْتَهَى. قُلْتُ: فَيُعَايَى بِهَا.

وَعَنْهُ: تَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَعَنْهُ: أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتِ حُرَّةٌ " لَيْسَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. بَلْ مِنْ الْخَفِيَّةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ " أَعْتَقْتُك " لَيْسَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَخَفِيَّةٌ: نَحْوَ: اُخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَذُوقِي، وَتَجَرَّعِي، وَخَلَّيْتُك، وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ، وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ، وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي، وَاعْتَزِلِي. وَمَا أَشْبَهُهُ) . كَ " لَا حَاجَةَ لِي فِيك " وَ " مَا بَقِيَ شَيْءٌ " وَ " أَغْنَاك اللَّهُ " وَ " اللَّهُ قَدْ أَرَاحَك مِنِّي " وَ " جَرَى الْقَلَمُ " وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ: فِي " أَنْتِ مُخَلَّاةٌ ". وَعَنْهُ: أَنَّ " اعْتَدِّي " وَ " اسْتَبْرِئِي " لَيْسَتَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا قَالَتْ لَهُ " طَلِّقْنِي " فَقَالَ " إنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَك " هَذَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، أُسْنِدَتْ إلَى دَلَالَتَيْ الْحَالِ، وَهِيَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ، وَسُؤَالُهَا إيَّاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ نَوَى: وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ. لِأَنَّ قَوْلَهُ " اللَّهُ قَدْ طَلَّقَكِ " إنْ أَرَادَ بِهِ شَرَعَ طَلَاقَك، وَأَبَاحَهُ: لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقَ، وَأَرَادَهُ وَشَاءَهُ: فَهَذَا يَكُونُ طَلَاقًا. فَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: إذَا قَالَ " فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " قَالَ: إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُ دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ. فَأَرْجُو أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَلَمْ يَجْعَلْهُ شَيْئًا مَعَ نِيَّةِ الدُّعَاءِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ شَيْءٌ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، أَوْ الْإِطْلَاقِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِرَاقَ صَرِيحٌ، أَوْ لِلْقَرِينَةِ. قَالَ: وَيُوَافِقُ هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ فِي " إنْ أَبْرَأْتِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَتْ " أَبْرَأَك اللَّهُ مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ " فَظَنَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، فَطَلَّقَ. فَقَالَ: يَبْرَأُ. فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ: الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ. وَظَهَرَ أَنَّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ. هَلْ يُعْمَلُ بِالْإِطْلَاقِ لِلْقَرِينَةِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ. أَمْ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ؟ وَنَظِيرُ ذَلِكَ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَك " أَوْ " قَدْ أَقَالَك " وَنَحْوَ ذَلِكَ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِك، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْت، وَحَلَلْتُ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ. وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك. هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ، أَوْ خَفِيَّةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا " الْحَقِي بِأَهْلِك " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: خَفِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الظَّاهِرَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَقِيلَ. هِيَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ.

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ، فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ خَفِيَّةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّ " حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ " وَ " تُزَوِّجِي مَنْ شِئْتِ " وَ " حَلَلْتِ لِلْأَزْوَاجِ " مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ " لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك " وَ " لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك " خَفِيَّةٌ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا فِي قَوْلِهِ " غَطِّ شَعْرَك " وَ " تَقَنَّعِي " وَفِي " الْفِرَاقِ، وَالسَّرَاحِ " وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الصَّرَائِحِ. أَحَدُهُمَا: هُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: هُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ: أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَّلَاقَ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ: أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الطَّلَاقَ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بُعْدٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلَّفْظِ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُقَارِنَ أَوَّلَ اللَّفْظِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَمِنْ شَرْطِهَا: مُقَارَنَةُ أَوَّلِ اللَّفْظِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ طَلَاقٌ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَهُ، أَوْ مَعَ أَوَّلِ اللَّفْظِ، أَوْ جُزْءٍ غَيْرَهُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي حَالِ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالنِّيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: طَلُقَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُخْتَارِ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْفُرْقَةِ إلَّا نَادِرًا. نَحْوَ قَوْلِهِ " أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ " أَوْ " اعْتَدِّي " أَوْ " اسْتَبْرِئِي رَحِمَك " أَوْ " حَبْلُك عَلَى غَارِبِك " أَوْ " أَنْتِ بَائِنٌ " وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَقَعُ فِي حَالِ الْغَضَبِ. وَجَوَابُ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، نَحْوَ " اُخْرُجِي " وَ " اذْهَبِي " وَ " رُوحِي " وَ " تَقَنَّعِي " لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: الْفَرْقَ، فَقَالَ: وَالْأَوْلَى فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ الطَّلَاقِ، نَحْوَ " اُخْرُجِي " وَ " اذْهَبِي " وَ " رُوحِي " أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ الطَّلَاقَ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ: دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ مَعَ سُؤَالِهَا، أَوْ خُصُومَةٍ وَغَضَبٍ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى نَوَى بِالْكِنَايَاتِ الطَّلَاقَ: وَقَعَ بِالظَّاهِرَةِ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْمُخْتَارُ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَيَدِينُ فِيهِ. فَعَلَيْهَا: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا: وَقَعَ وَاحِدَةً. وَفِي قَبُولِهِ فِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. وَيَكُونُ رَجْعِيًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ) (يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً) . وَهُنَّ أَوْجَهُ مُطْلَقَةً فِي الْمُذْهَب، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: وَكَذَلِكَ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ " أَوْ " طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ " أَوْ " أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا رَجْعَةٍ " قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا رَجْعَةٍ " فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً " أَوْ " وَاحِدَةً بَتَّةً " وَقَعَ رَجْعِيًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً. وَعَنْهُ: يَقَعُ ثَلَاثًا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً " أَنَّهَا تَقَعُ. ثُمَّ قَالَ: وَعَنْهُ رَجْعِيَّةً. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا " وَقَعَ ثَلَاثٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةً " يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاحِدَةَ بِالثَّلَاثِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَ الثَّلَاثَ بِالْوَاحِدَةِ. فَوَقَعَتْ الثَّلَاثُ، وَلَغَا الْوَصْفُ. وَهُوَ أَصَحُّ. الرَّابِعَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْ يُفْتِيَ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَتَوَقَّفَ. وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا نِزَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْخَفِيَّةَ يَقَعُ بِهَا مَا نَوَاهُ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَتَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمُجَرَّدِ

وَاسْتَثْنَى الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَوْلَهُ " أَنْتِ وَاحِدَةٌ " فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ. وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: يَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا: وَقَعَ وَاحِدَةٌ) . يَعْنِي: رَجْعِيَّةً، إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا. وَإِلَّا بَائِنَةً. قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ، نَحْوَ " كُلِي " وَ " اشْرَبِي " وَ " اُقْعُدِي " وَ " اقْرَبِي " وَ " بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك " وَ " أَنْتِ مَلِيحَةٌ " أَوْ " قَبِيحَةٌ " فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ فِي " كُلِي " وَ " اشْرَبِي ". وَتَقَدَّمَ: إذَا قَالَ لَهَا " لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ " أَوْ " لَيْسَتْ لِي امْرَأَةٌ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَك امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا ". قَوْلُهُ (وَكَذَا) (قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ) . يَعْنِي: لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ. وَإِنْ نَوَاهُ. (فَإِنْ زَادَ، فَقَالَ " أَنَا مِنْك طَالِقٌ " فَذَلِكَ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَيَقَعُ إذًا. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ نَوَى إيقَاعَهُ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَنَا مِنْك بَائِنٌ " أَوْ " حَرَامٌ " فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . (وَ) كَذَا قَوْلُهُ (أَنَا مِنْك بَرِيءٌ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَابْنِ رَزِينٍ. أَحَدُهُمَا: هُوَ لَغْوٌ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فِي قَوْلِهِ " أَنَا مِنْك بَرِيءٌ ". وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ كِنَايَةٌ. صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَب، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، فِي الْجَمِيعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، فِي الْأُولَتَيْنِ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَتَوَقَّفَ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ " مِنْك " فَقَالَ " أَنَا بَائِنٌ " أَوْ " حَرَامٌ " فَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي فِيهَا وَجْهَيْنِ: هَلْ هُمَا كِنَايَةٌ، أَوْ لَغْوٌ؟ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا مَعَ حَذْفِهِ " مِنْك " بِالنِّيَّةِ فِي احْتِمَالٍ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. انْتَهَى. قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَغْوٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " أَوْ " مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ " فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) . وَكَذَا قَوْلُهُ (الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ) . إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ ظِهَارٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمُذْهَب. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرُهُمْ.

وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ. حَتَّى نَقَلَ حَنْبَلٌ، وَالْأَثْرَمُ " الْحَرَامَ " ثَلَاثٌ. حَتَّى لَوْ وَجَدْت رَجُلًا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ: فَرَّقْت بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ كَرَاهَةُ الْفُتْيَا بِالْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الظِّهَارِ. فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا. وَإِنْ نَوَى يَمِينًا، أَوْ طَلَاقًا: انْصَرَفَ إلَيْهِ، لِاحْتِمَالِهِ لِذَلِكَ. انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ يَمِينٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْيَمِينِ. فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، أَوْ الظِّهَارَ: انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ) . هَذَا الْأَشْهَرُ فِي الْمُذْهَب. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمُذْهَب.

وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " فِي بَابِ الظِّهَارِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَنَوَى: فِي حُرْمَتِك عَلَى غَيْرِي، فَكَطَلَاقٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " عَلَيَّ الْحَرَامُ " أَوْ " يَلْزَمُنِي الْحَرَامُ " أَوْ " الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي " فَهُوَ لَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ. وَفِيهِ مَعَ قَرِينَةٍ أَوْ نِيَّةٍ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ". ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَدَّمَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهَانِ إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، وَأَنَّ الْعُرْفَ قَرِينَةٌ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الظِّهَارِ. قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ ". فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبِ أَنَّهُ طَلَاقٌ بِالْإِنْشَاءِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا مُطْلَقًا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ: إنْ حَرُمَتْ الرَّجْعِيَّةُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا " طَلُقَتْ وَاحِدَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبِ إنَّهُ طَلَاقٌ بِالْإِنْشَاءِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ " وَقُلْنَا: الْحَرَامُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ: فَهَلْ يَلْغُو تَفْسِيرُهُ، وَيَكُونُ ظِهَارًا. أَوْ يَصِحُّ، وَيَكُونُ طَلَاقًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرَتِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " فِرَاشِي عَلَيَّ حَرَامٌ " فَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ: فَظِهَارٌ. وَإِنْ نَوَى فِرَاشَهُ: فَيَمِينٌ.

نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ " وَقَعَ مَا نَوَاهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ، سِوَى الظِّهَارِ. جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ظِهَارًا، كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ". وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ ظِهَارًا كَمَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ " أَوْ " كَظَهْرِ أَبِي " انْتَهَيَا. فَائِدَةٌ: لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا: وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَقَالَا: لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا، أَوْ يَمِينًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ ظِهَارًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: هَذِهِ أَشْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ يَمِينًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ " حَلَفْت بِالطَّلَاقِ " وَكَذَبَ: لَزِمَهُ إقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْفُرُوعِ: لَزِمَ حُكْمًا. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " قُبَيْلَ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْإِرْشَادِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَمْرُك بِيَدِك " فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا. وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ. وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِرَارًا. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ فِي يَدِهَا، مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ. كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا " اخْتَارِي نَفْسَك " لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ فِي " اخْتَارِي " غَيْرِ مُكَرَّرٍ: يَقَعُ ثَلَاثًا. وَعَنْهُ: إنْ خَيَّرَهَا. فَقَالَتْ " طَلَّقْت نَفْسِي " تَطْلُقُ ثَلَاثًا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْخِيَارِ. بِأَنْ قَالَ " اخْتَارِي، اخْتَارِي، اخْتَارِي " فَإِنْ نَوَى إفْهَامَهَا، وَلَيْسَ نِيَّتُهُ ثَلَاثًا: فَوَاحِدَةٌ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا: فَثَلَاثٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَاحِدَةٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَعَنْهُ: ثَلَاثًا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَالْأَكْثَرِينَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. جَوَابًا لِكِلَيْهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّرَاخِي. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، فَرَدَّتْهُ، أَوْ رَجَعَ فِيهِ، أَوْ وَطِئَهَا: بَطَلَ خِيَارُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى. يَعْنِي: مِنْ حَيْثُ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِ أَيْضًا. قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا. فَلَا يُتَّجَهُ التَّخْرِيجُ. وَقِيلَ: الْوَطْءُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَفْظُهُ " الْأَمْرِ " وَ " الْخِيَارِ " كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ) . لَفْظُ " الْأَمْرِ " مِنْ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَلَفْظَةُ " الْخِيَارِ " مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ. يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَكَوْنُهُ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قَدْرِ مَا يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةَ لَا يَحْتَاجُ الْوُقُوعُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ. فَكَذَا لَفْظَةُ الْأَمْرِ هُنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ نَحْوَ " اخْتَرْت نَفْسِي ". افْتَقَرَ إلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا) . فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ، بِأَنْ قَالَتْ (طَلَّقْت نَفْسِي) : (وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) . لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ لَهَا بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ، كَقَوْلِهِ لَهَا " اخْتَارِي نَفْسَك " أَوْ " أَمْرُك بِيَدِك " فَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا. فَإِنْ أَوْقَعَتْهُ بِالصَّرِيحِ، كَقَوْلِهَا " طَلَّقْت نَفْسِي " فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْوُقُوعِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا. فَقَالَتْ " طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا " أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا. وَحَكَى فِي التَّرْغِيبِ فِي الْوُقُوعِ وَجْهَيْنِ، فِيمَا إذَا أَتَى الزَّوْجُ بِالْكِنَايَةِ. وَأَوْقَعَتْ هِيَ بِالصَّرِيحِ، كَعَكْسِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا.

فَوَائِدُ: إحْدَاهَا: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِيقَاعِ الْوَكِيلِ بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ. وَفِي وُقُوعِهِ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ مِمَّنْ وَكَّلَ فِيهِ بِصَرِيحٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَكَذَا عَكْسُهُ فِي التَّرْغِيبِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قُلْتُ: الصَّوَابُ الْوُقُوعُ كَالْمَرْأَةِ. الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ هَلْ تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ بِأَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ إيقَاعِ وَكِيلِهِ، أَمْ لَا؟ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. الثَّالِثَةُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا " اخْتَرْت " وَلَوْ نَوَتْ، حَتَّى تَقُولَ " نَفْسِي " أَوْ " أَبَوَيْ " أَوْ " الْأَزْوَاجَ ". وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ. إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ. وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) . لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " طَلِّقِي نَفْسَك " فَقَالَتْ " اخْتَرْتُ نَفْسِي " وَنَوَتْ الطَّلَاقَ: وَقَعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَوَجْهٌ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عَكْسُهَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْهَا) .

إمَّا بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، إنْ نَوَاهَا هُوَ وَنَوَتْهَا هِيَ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ قَالَ " لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا " طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِنِيَّتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ لَمْ تَنْوِهَا. وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً. وَلَوْ نَوَتْ ثَلَاثًا. الثَّانِيَةُ: هَلْ قَوْلُهُ " طَلِّقِي نَفْسَك " مُخْتَصٌّ بِالْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ " اخْتَارِي نَفْسَك، أَوْ عَلَى التَّرَاخِي " كَأَمْرُك بِيَدِك "؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي. وَهُوَ الصَّحِيحُ. رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي فِي الْجَمِيعِ. يَعْنِي فِي " الْأَمْرِ " وَ " الِاخْتِيَارِ " وَ " الطَّلَاقِ ". وَحُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ إذَا وَكَّلَ حُكْمُهَا فِيمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا إلَّا فِي التَّرَاخِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ. فَلْيُعَاوَدْ. الرَّابِعَةُ: تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهِ " طَلَاقُك بِيَدِك " أَوْ " وَكَّلْتُك فِي الطَّلَاقِ "

مَا تَمْلِكُ بِقَوْلِهِ لَهَا " أَمْرُك بِيَدِك " فَلَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا " أَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ " أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ " أَوْ " طَلَّقْتُك " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: يَقَعُ بِالنِّيَّةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: صِفَةُ طَلَاقِهَا " طَلَّقْتُ نَفْسِي " أَوْ " أَنَا مِنْك طَالِقٌ " وَإِنْ قَالَتْ " أَنَا طَالِقٌ " لَمْ يَقَعْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ " فَإِنْ قَبِلُوهَا، فَوَاحِدَةٌ) . يَعْنِي: رَجْعِيَّةً. نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ رَدُّوهَا فَلَا شَيْءَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. (وَعَنْهُ: إنْ قَبِلُوهَا: فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا: فَوَاحِدَةٌ) . يَعْنِي: رَجْعِيَّةً. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: إنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا: فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: يَقَعُ مَا نَوَاهُ. فَوَائِدُ: الْأُولَى: تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ. وَيَقَعُ أَقَلُّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَبِكُلِّ حَالٍ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ. فَتَقْدِيرُهُ، مَعَ النِّيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ رَضِيَ أَهْلُك، أَوْ رَضِيَ فُلَانٌ. انْتَهَى.

باب ما يختلف به عدد الطلاق

وَعَنْهُ: لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فِي الْهِبَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ، كَانَ لَغْوًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً كَالْهِبَةِ: وَجْهَانِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَوَى بِالْهِبَةِ، وَالْأَمْرِ، وَالْخِيَارِ الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ: وَقَعَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الرَّابِعَةُ: مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا: التَّلَفُّظُ بِهِ. فَلَوْ طَلَّقَ فِي قَلْبِهِ: لَمْ يَقَعْ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ، مَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، أَوْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ كَقِرَاءَةِ صَلَاةٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ ". الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا) (قَالَ " وَهَبْتُك لِنَفْسِك ") . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُنَازَعُ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا حُكْمَ لَهُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ نَفْسِهَا أَوْ أَهْلِهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ] ِ قَوْلُهُ (يَمْلِكُ الْحَرُّ ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا نَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَشْهَرُهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّسَاءِ، فَيَمْلِكُ زَوْجُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَزَوْجُ الْأَمَةِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا، فَعَلَيْهَا يُعْتَبَرُ طَرَيَان الرِّقِّ بِالْمَرْأَةِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفَةٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ مُطْلَقًا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَلَّقَ الْعَبْدُ الثَّلَاثَ بِشَرْطٍ، فَوُجِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَيَمْلِكُ الثَّالِثَةَ، وَإِنْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِعِتْقِهِ لَغَتْ الثَّالِثَةُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَغَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بَلْ تَقَعُ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَلَّقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ مَلَكَ تَمَامَ الثَّلَاثِ، وَلَوْ عَلَّقَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ أَوْ عَتَقَا: مَعًا لَمْ يَمْلِكْ ثَالِثَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَوْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَمْلِكْ نِكَاحَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا طَلْقَةً ثَالِثَةً فَتَحِلُّ لَهُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ حُرًّا حَالَ الزَّوَاجِ، ثُمَّ صَارَ رَقِيقًا بِأَنْ يَلْحَقَ الذِّمِّيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَرَقُّ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ وَقُلْنَا: يَنْكِحُ عَبْدٌ حُرَّةً نَكَحَهَا هُنَا، وَبَقِيَ لَهُ طَلْقَةٌ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ، قُلْتُ: وَيَأْتِي عَكْسُ ذَلِكَ، بِأَنْ تَلْحَقَ الذِّمِّيَّةُ دَارَ الْحَرْبِ، ثُمَّ تُسْتَرَقُّ وَكَانَ زَوْجُهَا مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ هَلْ يَمْلِكُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا أَوْ طَلْقَتَيْنِ؟ . فَائِدَةٌ: الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْحُرِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: هُوَ كَالْقِنِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوْ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ) ، وَكَذَا قَوْلُهُ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي " أَوْ " يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ " أَوْ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " وَنَحْوُهُ وَنَوَى الثَّلَاثَ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى الثَّلَاثَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتِ الطَّلَاقُ " أَوْ " الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ " أَوْ " يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ " أَوْ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ " وَنَحْوُهُ: صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ، مُنْجَزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، لَكِنْ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ، أَوْ فِي وَاحِدَةٍ؟ يَأْتِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: ذَلِكَ كِنَايَةٌ،

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَبِعَهُ فِي الْأُصُولِيَّةِ لَوْ نَوَى بِهِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، فَهَلْ يَقَعُ بِهِ مَا نَوَاهُ خَاصَّةً، أَوْ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي الثَّلَاثِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ لِلْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْلَهُ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي " وَنَحْوُهُ يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَالْأُمَمِ وَالْفُقَهَاءِ، وَخَرَّجَهُ عَلَى نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ خِلَافُ صَرِيحِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: إنْ حَلَفَ بِهِ نَحْوَ " الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ " وَنَوَى النَّذْرَ: كَفَّرَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَنَصَرَهُ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، هُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ أَخَا الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ عَدَمَ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ وُقُوعِ وَاحِدَةِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، صَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَنَصَّ عَلَيْهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ مُهَنَّا، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْوَاضِحِ: أَنْتِ طَلَاقٌ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ، وَقَالَ مَعْنَاهُ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ

الثَّانِيَةُ: سَأَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْقَاضِيَ يَعْقُوبَ أَبَا يُوسُفَ الْحَنَفِيَّ وَالْكِسَائِيَّ عَنْ رَفْعِ " ثَلَاثٍ " وَنَصْبِهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرَقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرَقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مَقْدَمُ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ فِيهِمَا؟ فَقَالَا: إنْ رَفَعَ " ثَلَاثًا " الْأُولَى طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَلَاقٌ " وَأَطْلَقَ، فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِأَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ الْعَزِيمَةَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَقَالَ الْجَمَّالُ بْنُ هِشَامٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ مَا نَصُّهُ: وَأَقُولُ إنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ، أَمَّا الرَّفْعُ: فَلِأَنَّ أَلْ فِي " الطَّلَاقِ " إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ نَحْوُ: زَيْدٌ الرَّجُلُ، أَيْ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ الْمُعْتَدُّ بِهِ فِي الرِّجَالِ، وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرَى، كَمِثْلِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] . أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَتُهُ ثَلَاثٌ، وَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ، كَالْحَيَوَانِ إنْسَانٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ، إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانًا، وَلَا كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً أَوْ ثَلَاثًا، فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ: تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ: تَقَعُ الْوَاحِدَةُ، كَمَا قَدْ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا النَّصْبُ: فَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا بِهِ أَوْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَوْ مَصْدَرًا، وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ، إذْ الْمَعْنَى: فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ " وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ " أَوْ لِكَوْنِهِ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي " عَزِيمَةٌ " وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا، فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ، وَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، فَأَمَّا الَّذِي قَدْ نَوَاهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ بِقَوْلِهِ فِي شَعْرِهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ: فَهُوَ الثَّلَاثُ

بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مِنْ قَوْلِهِ فِي شِعْرِهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فِي مَحَلِّ الثَّلَاثِ بِلَا تَزْوِيجٍ، أَوْ كِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ عَكَسَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ أَطْلَقَ: فَاحْتِمَالَانِ أَظْهَرُهُمَا يُعْمَلُ بِالْيَقِينِ، وَالْوَرَعُ الْتِزَامُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بِإِيقَاعِهِ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَتَمَامُ الثَّلَاثِ، فَلَا يَزُولُ الشَّكُّ فِيهِمَا. انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي وَنَحْوُهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا " وَفَعَلَهُ، وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ أَوْ التَّخْصِيصَ، عَمِلَ بِهِ، وَمَعَ فَقْدِ السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ تَارَةً فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً فِي مَحَلِّهِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُمُومَ الطَّلَاقِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَصْدَرِ لِأَفْرَادِهِ، وَعُمُومُ الزَّوْجَاتِ يُشْبِهُ عُمُومَ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولَاتِهِ، وَعُمُومُهُ لِأَفْرَادِهِ أَقْوَى مِنْ عُمُومِهِ لِمَفْعُولَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ بِذَاتِهِ عَقْلًا وَلَفْظًا، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَفْعُولَاتِهِ بِوَاسِطَةٍ، مِثَالُهُ: لَفْظُ " الْأَكْلِ " وَ " الشُّرْبِ " فَإِنَّهُ يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ عُمُومِ الْمَأْكُولِ إذَا كَانَ عَامًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِهِ لِأَفْرَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ عُمُومُهُ لِمَفْعُولَاتِهِ، ذَكَرَ مَضْمُونَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوَّى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِجَمِيعِ الزَّوْجَاتِ دُونَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجَاتِ الْمُتَعَدِّدَاتِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ قَالَ " إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ " وَقَعَ بِالْكُلِّ وَبِمَنْ بَقِيَ، وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرْأَةَ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ الرِّوَايَتَيْنِ،

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْأُخْرَى وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَقَالَ: عَلَيْهَا الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَقِيلَ: هِيَ أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَصَادَفَ قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " مَوْتَهَا، أَوْ قَارَنَهُ: وَقَعَ وَاحِدَةً، وَعَلَى الْأُولَى ثَلَاثٌ، لِوُجُودِ الْمُفَسِّرِ فِي الْحَيَاةِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا " أَوْ " طَالِقٌ الطَّلَاقَ " وَنَوَى ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ فِي الْأُولَى طَلْقَةً، كَذَا فِي الثَّانِيَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: بَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْقَعَ طَلْقَةً، ثُمَّ قَالَ " جَعَلْتهَا ثَلَاثًا " وَلَمْ يَنْوِ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ بَعْدَهَا فَوَاحِدَةٌ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَنَوَى ثَلَاثًا، لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ،

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالْفُرُوعِ، فَقَالَ: طَلُقَتْ وَاحِدَةً فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: تَطْلُقُ هُنَاكَ وَاحِدَةً، فَهُنَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً بِطَرِيقِ أَوْلَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِعَدَدِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ، قُبِلَ مِنْهُ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، لَكِنْ إذَا لَمْ يَقُلْ " هَكَذَا " بَلْ أَشَارَ فَقَطْ: فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْجَوَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّرْغِيبِ، فَقَالَ: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ ثَلَاثًا: طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَالثَّانِيَةَ ثَلَاثًا) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ هَذِهِ " طَلُقَتَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ " هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، وَهَذِهِ طَالِقٌ " وَقَعَ بِالثَّالِثَةِ وَإِحْدَى الْأُولَتَيْنِ كَ " هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، بَلْ هَذِهِ طَالِقٌ "، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْأُولَى وَالْأُخْرَيَيْنِ، كَ " هَذِهِ بَلْ هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ "،

وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْأُولَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ أَوْ مُنْتَهَاهُ، أَوْ طَالِقٌ كَأَلْفٍ أَوْ بِعَدَدِ الْحَصَا، أَوْ الْقَطْرِ، أَوْ الرِّيحِ، أَوْ الرَّمْلِ، أَوْ التُّرَابِ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا) ، أَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَكْثَرِ الطَّلَاقِ: فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " كَأَلْفٍ "، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: يَأْثَمُ بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ، وَالْكَافِي وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعٍ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَقْصَى الطَّلَاقِ " طَلُقَتْ ثَلَاثًا، كَ " مُنْتَهَاهُ وَغَايَتِهِ "، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَ " أَشَدِّهِ وَأَطْوَلِهِ وَأَعْرَضِهِ "

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى كَأَلْفٍ فِي صُعُوبَتِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحَكَمِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَكَّةَ " وَلَمْ يَنْوِ بُلُوغَهَا: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْكَلَامُ عَلَى جِهَةٍ صَحِيحَةٍ، وَهُوَ إمَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ إلَى مَكَّةَ، أَوْ إذَا خَرَجْتِ إلَى مَكَّةَ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ: لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالدُّخُولِ إلَيْهَا، وَهَذَا أَوْلَى لِبَقَاءِ نَفْيِ النِّكَاحِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي: كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ مَا لَوْ قَالَ " إنْ خَرَجْتِ إلَى الْعُرْسِ أَوْ إلَى الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَخَرَجَتْ إلَى ذَلِكَ تَقْصِدُهُ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مَكَّةَ " طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدُّ الطَّلَاقِ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِي آخِرِ الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي " أَشَدِّ الطَّلَاقِ " كَ " أَقْبَحِ الطَّلَاقِ " يَقَعُ طَلْقَةً فِي الْحَيْضِ، أَوْ ثَلَاثًا عَلَى احْتِمَالِ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ: كَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَ أَشَدِّ الطَّلَاقِ وَأَهْوَنِ الطَّلَاقِ؟ . قَوْلُهُ (أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ، أَوْ مِلْءَ الدُّنْيَا: طَلُقَتْ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا) ،

بِلَا نِزَاعٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ: طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَخَرَّجَ وَجْهً بِأَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ نَوَيْتهَا، مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ إلْغَاءً لِلطَّرَفَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ، وَنَوَى طَلْقَةً مَعَ طَلْقَتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ وَنَوَاهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، (وَعِنْدَ الْقَاضِي تَطْلُقُ وَاحِدَةً) ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ: وَإِنْ قَالَ " وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ " لَزِمَ الْحَاسِبَ اثْنَتَانِ، وَغَيْرَهُ ثَلَاثٌ وَلَمْ يُفَصِّلْ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْحَاسِبُ أَوْ غَيْرُهُ: أَرَدْت وَاحِدَةً، قُبِلَ قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَصَرُوهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ امْرَأَةُ الْحَاسِبِ اثْنَتَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ: وَقَعَ بِامْرَأَةِ الْحَاسِبِ طَلْقَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، قَوْلُهُ (وَبِغَيْرِهَا طَلْقَةٌ) يَعْنِي بِغَيْرِ امْرَأَةِ الْحَاسِبِ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابَ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا) وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ امْرَأَةُ الْعَامِّيِّ ثَلَاثًا دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ عُرْفٌ بِهَذَا اللَّفْظِ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ: إنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ مِمَّنْ عُرْفُهُمْ أَنَّ " فِي "، هَاهُنَا بِمَعْنَى " مَعَ "

وَقَعَتْ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِمْ، وَالظَّاهِرُ: إرَادَتُهُ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِهِ. انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهَذَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ " طَلُقَتْ طَلْقَةً بِكُلِّ حَالٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلُ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ " وَجَهِلَ عَدَدَهُ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقِيلَ: بَلْ تَطْلُقُ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ، قَوْلُهُ (إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ: طَلُقَتْ طَلْقَةً) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ " لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ إرَادَةَ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ مِنْهُمَا، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ " طَلُقَتْ طَلْقَةً جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْأَثْرَمِ، وَأَبِي الْحَارِثِ، وَأَبِي دَاوُد، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ اشْتَرَطَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ النِّيَّةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيَسْتَدْعِي قَصْدَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِالضَّرُورَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ. انْتَهَى. وَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ " إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا رُبْعَ طَلْقَةٍ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ)

وَإِذَا قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ " طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ قَالَ " ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ " فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ كَنِصْفَيْ ثِنْتَيْنِ، أَوْ نِصْفِ ثِنْتَيْنِ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ جَزَمَ بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ طَلْقَتَيْنِ " وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهَا: أَنَّهَا تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ النَّاسِخِ، أَوْ مِنْ تَخْرِيجٍ غَلَطٍ، أَوْ يَكُونُ عَلَى هَذَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ " فَثِنْتَانِ كَنِصْفَيْ ثِنْتَيْنِ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ كَنِصْفِ ثِنْتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ " ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ: خَمْسَةُ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةُ أَثْلَاثِ طَلْقَةٍ وَنَحْوُهُ كَثَلَاثَةِ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَ النَّاظِمُ: وَلَيْسَ بِمُبْعَدٍ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَوَجَّهَ مِثْلُهَا " ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ثِنْتَيْنِ " وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَقَعُ ثِنْتَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، ثُلُثَ طَلْقَةٍ، سُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ: طَلُقَتْ طَلْقَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الْأُولَى، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ فِي الثَّالِثَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: تَقَعُ ثَلَاثًا فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي مَا لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ إذَا جَمَعَ، قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ) كَذَا قَوْلُهُ (عَلَيْكُنَّ طَلْقَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا: وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعَنْهُ: إذَا قَالَ " أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ ثَلَاثًا " مَا أَرَى إلَّا قَدْ بِنَّ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَعَنْهُ: إنْ أَوْقَعَ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَإِنْ أَوْقَعَ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَثَلَاثٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَالْأَقْوَى يَقَعُ ثَلَاثَةً فِي غَيْرِ الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ خَمْسًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ) كَذَا لَوْ أَوْقَعَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، أَوْ ثَمَانِيًا، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَإِنْ أَوْقَعَ تِسْعًا فَأَزْيَدَ فَثَلَاثٌ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً " فَثَلَاثٌ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ، عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ طَرِيقُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: حُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ " بَيْنَكُنَّ، أَوْ عَلَيْكُنَّ ثَلَاثًا " قَالَ: وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْرَبُ إلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: نِصْفُك، أَوْ جَزْءٌ مِنْك أَوْ إصْبَعُكِ أَوْ أُذُنُك طَالِقٌ: طَلُقَتْ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ قَالَ " إصْبَعُكِ أَوْ يَدُك طَالِقٌ " وَلَا يَدَ لَهَا وَلَا إصْبَعَ، أَوْ قَالَ " إنْ قُمْت فَيَمِينُك طَالِقٌ " فَقَامَتْ بَعْدَ قَطْعِهَا، فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ، أَوْ بِطَرِيقِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ؟ كَذَا قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى عُضْوٍ، فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهَا جُمْلَةً، تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي أَوْ عَلَى الْعُضْوِ [أَوْ الْبَعْضِ] نَظَرًا لِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، ثُمَّ يَسَرِي تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَبُنِيَ عَلَيْهِمَا الْمَسْأَلَةُ. إحْدَاهُمَا: تَطْلُقُ [فِيهِمَا] جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَالثَّانِي: لَا تَطْلُقُ بِهِمَا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا تَطْلُقُ فِي الْأُولَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: دَمُك طَالِقٌ، طَلُقَتْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَشَرْحِ الْمُحَرَّرِ، وَالشَّارِحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ النَّاظِمُ هَذَا أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا تَطْلُقُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " لَبَنُكِ أَوْ مَنِيُّكِ طَالِقٌ " فَقِيلَ: هُمَا كَالدَّمِ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنِيٌّ كَدَمٍ، وَقِيلَ: بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي اللَّبَنِ، [نُسِبَ تَقْدِيمُهُ إلَى صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِيهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اللَّبَنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: إنَّهُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ مَدْلُولُهُ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِسِنٍّ وَظُفْرٍ وَشَعْرٍ، وَقِيلَ: وَسَوَادٍ، وَبَيَاضٍ، وَلَبَنٍ، وَمَنِيٍّ كَدَمٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. انْتَهَى. فَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ " وَلَبَنٌ وَمَنِيٌّ " مَرْفُوعَانِ اسْتِئْنَافًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ فِي الْفُرُوعِ ذِكْرُ حُكْمِ الدَّمِ، بَلْ الظَّاهِرُ جَرُّهُمَا عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ، وَيُؤَيِّدُهُ الْجَزْمُ فِي الْمُغْنِي فِيهَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي اللَّبَنِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ، كَمَا نَقَلْته

عَنْهُ هُنَا، وَعَنْهُ جَزَمَ الْمُسْتَوْعِبُ. حَيْثُ قَاسَ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ وَالسِّنَّ وَالدَّمْعَ وَالْعَرَقَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ بِهَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي اللَّبَنِ فَفِي الْمَنِيِّ، كَذَلِكَ أَيْضًا، لِاشْتِرَاكِهِمَا عِنْدَ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي الْحُكْمِ وَيَأْتِي أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ، نَظَرًا لِلتَّقْدِيرَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي حِلِّ قَوْلِ الْفُرُوعِ، فَلْيُتَأَمَّلْ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: شَعْرُكِ أَوْ ظُفْرُكِ أَوْ سِنُّكِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَوَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " سَوَادُكِ أَوْ بَيَاضُكِ طَالِقٌ " لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ [وَغَيْرِهِ] ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، قَوْلُهُ (وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الرِّيقِ وَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْحَمْلِ: لَمْ تَطْلُقْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَلْ يَقَعُ وَيَسْقُطُ الْقَوْلُ بِإِضَافَتِهِ إلَى صِفَةٍ كَسَمْعٍ وَبَصَرٍ؟ [وَنَحْوِهِمَا] إنْ قُلْنَا تَسْمِيَةُ [الْكُلِّ] الْجُزْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ [كِنَايَةً أَوْ مَجَازًا] وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ [يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ] صَحَّ، وَإِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: رُوحُك طَالِقٌ طَلُقَتْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَإِنْ قَالَ " رُوحُك طَالِقٌ " وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَطْلُقُ) فَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَ [لَا] ظِهَارٌ، وَ [لَا] عِتْقٌ، وَ [لَا] حَرَامٌ بِذِكْرِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالرُّوحِ، وَبِذَلِكَ أَقُولُ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مُبْهَمًا أَوْ مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا أَوْ عُضْوًا، طَلُقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: وَكَذَا الرُّوحُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَرُدُّهُ مَا نَقَلَهُ [آنِفًا وَمَا نَقَلَهُ] هُوَ عَنْهُ [فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَيْضًا] ، ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ بْنِ مَغْلِيٍّ: أَنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا يَغْلِبُ عَلَى صَاحِبِ الْفُرُوعِ [فِي الْكَلَام] يَعْنِي قَوْلَهُ: " وَكَذَا الرُّوحُ " وَأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " جُزْءًا مُعَيَّنًا " وَأَنَّ مُرَادَهُ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِالرُّوحِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّهُ وَهَمَ فِي عَزْوِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ: قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ أَبِي بَكْرٍ سَهْوٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالنَّصُّ عَدَمُ الْوُقُوعِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، [وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ فِي الْفُرُوعِ " وَكَذَا الرُّوحِ إلَى آخِرِهِ " إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ أَوَّلَهُ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ فِيهِ هُوَ قَوْلُهُ " بِخِلَافِ زَوْجَتِك بَعْضُ وَلِيَّتِي " أَيْ فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى: الْمُشَبَّهَةُ بِهَا فِيهِ لَهَا، فَالتَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ مَنْطِقُ الِانْتِفَاءَيْنِ حِينَئِذٍ، فَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي الْفُرُوعِ هُوَ الْوُقُوعَ فِي الرُّوحِ، كَذَا مَسْأَلَةُ الْحَيَاةِ الْآتِيَةِ بَعْدَهَا

إنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ فِيهِ " وَكَذَا الْحَيَاةُ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَكَذَا الرُّوحُ " وَقِيلَ: إنَّهُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ " وَكَذَا الرُّوحُ " فَيَكُونُ قَدْ حُكِيَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيهَا، وَالرَّاجِحُ فِيهِ عَدَمُ الْوُقُوعِ عِنْدَهُ، كَمَا جَعَلَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِيهَا، خِلَافًا لَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ الْجَزْمِ بِالْوُقُوعِ] . فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ قَالَ " حَيَاتُك طَالِقٌ " طَلُقَتْ [كَبَقَائِك أَوْ نَفْسِك بِسُكُونِ الْفَاءِ لَا بِفَتْحِهَا فَإِنَّهُ كَرِيحِك وَهَوَائِك وَرَائِحَتِك، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَجَعَلَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِيهِ، وَكَمَسْأَلَةِ الرُّوحِ وَالدَّمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا كَالْوُقُوعِ كَمَا ذَكَرَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِيهَا الْخِلَافَ كَالرُّوحِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْهَبُ فِيهَا كُلِّهَا عَدَمَ الْوُقُوعِ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهِمَا كَالرَّائِحَةِ لِكَوْنِهَا أَعْرَاضًا وَالْحَيَاةُ عَرَضٌ بِاتِّفَاقِ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالْبَقَاءِ وَالرَّوْحِ وَالرُّوحِ وَالرَّائِحَةِ وَالرِّيحِ وَالْهَوَاءِ، بِخِلَافِ الرُّوحِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَكَمَا هُوَ فِي كُتُبِ غَيْرِنَا، كَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ الْحَيَاةُ عَرَضٌ كَالْهَوَاءِ لَا يَسْتَغْنِي الْحَيَوَانُ عَنْهَا كَالرُّوحِ وَالدَّمِ، وَالْبَقَاءِ وَالنَّفْسِ بِالسُّكُونِ لَا بِالْفَتْحِ بِخِلَافِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَعِيشُ بِدُونِهَا لَا بِدُونِ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا جَمِيعًا] . الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُنَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا، أَوْ بِهَذَا الْبَلَدِ " صَحَّ وَيُكْمِلُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعُقُودِ. انْتَهَى. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَضَعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِكَوْنِهَا شَبِيهَةً بِتَطْلِيقِ عُضْوٍ مِنْهَا، فَكَمَا أَنَّهَا تَطْلُقُ كُلُّهَا بِتَطْلِيقِ عُضْوٍ مِنْهَا [أَوْ بِبَعْضِهَا] فَكَذَلِكَ تَطْلُقُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ وَالْبُلْدَانِ، فِي قَوْلِهِ " بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعُقُودِ " نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَالْفُسُوخِ، الثَّالِثَةُ: حُكْمُ الْعِتْقِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُكْمُ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ التَّأْكِيدَ أَوْ إفْهَامَهَا) وَيُشْتَرَطُ فِي التَّأْكِيدِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَجْهٌ كَالْإِقْرَارِ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فِي قَوْلِهِ " اعْتَدِّي اعْتَدِّي " مَرَّتَيْنِ، فَأَرَادَ الطَّلَاقَ: هِيَ طَلْقَةٌ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ: أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّكْرَارَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَا فِعْلَ كَذَا، وَكَرَّرَهُ: لَمْ يَقَعْ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ " إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا، وَحَكَى الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ إجْمَاعًا وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الشَّرْطِ الْجَزَاءُ، فَيَقَعُ الثَّلَاثَ مَعًا لِلتَّلَازُمِ، وَلَا رَبَطَ لِلْيَمِينِ، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى لَمْ يُقْبَلْ، وَوَقَعَ ثَلَاثًا لِعَدَمِ اتِّصَالِ التَّأْكِيدِ، وَإِنْ أَكَّدَ الثَّانِيَةَ بِالثَّالِثَةِ صَحَّ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، جَزَمَ بِهِ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ، " أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ " طَلُقَتْ وَاحِدَةً مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي

التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ إنْ أَطْلَقَ تَكَرَّرَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ " قُبِلَ أَيْضًا قَصْدُ التَّأْكِيدِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَحْكَامَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ: وَالتَّفْصِيلُ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَصَدَ التَّأْكِيدَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ " وَقَالَ " أَرَدْت تَأْكِيدَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ " أَرَدْت تَأْكِيدَ الثَّانِيَةِ بِالثَّالِثَةِ " دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قُبِلَ مِنْهُ لِمُطَابَقَتِهَا لَهَا فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا مَعًا، وَجَزَمَ بِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ، فَإِنْ غَايَرَ بَيْنَ الْأَحْرُفِ، مِثْلُ إنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ " أَوْ " ثُمَّ طَالِقٌ " أَوْ " فَطَالِقٌ " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي إرَادَةِ التَّأْكِيدِ قَوْلًا وَاحِدًا. الرَّابِعَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَنْتِ مُفَارَقَةٌ " وَقَالَ: أَرَدْت تَأْكِيدَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، قُبِلَ قَوْلُهُ، جُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ أَتَى بِالْوَاوِ فَقَالَ " أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَمُسَرَّحَةٌ، وَمُفَارَقَةٌ " فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ التَّأْكِيدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ عَدَمَ الْقَبُولِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَةً، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ، طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ، وُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ " لَا أَعْلَمُ

فِيهِ خِلَافًا [إلَّا رِوَايَةً فِي الْمُحَرَّرِ بِوُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ "] وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَتَيْنِ " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَةً " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ، أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي " بَعْدَهَا طَلْقَةٌ " وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا قُلْنَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ، هَلْ يَقَعَانِ مَعًا، أَوْ مُتَعَاقِبَتَانِ، فِيمَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا؟ وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَهَا طَلْقَةً فِي نِكَاحٍ آخَرَ وَزَوْجٍ آخَرَ: دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ قِيلَ: يُقْبَلُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ إنْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَجَدَ،

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " بَعْدَهَا طَلْقَةٌ " سَأُوقِعُهَا: دُيِّنَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَفِي قَبُولِهِ فِي الْبَاطِنِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. قُلْتُ: الصَّوَابُ الْقَبُولُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، بَانَتْ بِالْأُولَى، وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا) يَعْنِي: فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ " وَكَذَا حُكْمُ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ " فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يَقَعَانِ مَعًا، فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ " طَلْقَةٌ بَعْدَ طَلْقَةٍ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَزَادَ عَلَيْهَا " قَبْلَ طَلْقَةٍ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) حَتَّى تَبِينَ بِطَلْقَةٍ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَصَرَهُ الشَّارِحُ،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ) وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْأَصَحُّ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الْبَنَّا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ: طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ) وُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ " لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ " لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْأَثْرَمِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ لِلتَّرْتِيبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: تَبِينُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْأُولَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ: وَفِي بِنَاءِ ابْنِ أَبِي مُوسَى نَظَرٌ، بَلْ الْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ أَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى: أَنَّهَا إنْشَاءٌ، وَالْإِنْشَاءَاتُ يَتَرَتَّبُ مَعْنَاهَا عَلَى ثُبُوتِ لَفْظِهَا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهُ أَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ (وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ فِي هَذَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ، أَوْ كَرَّرَهُ، فَلَوْ قَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ " فَدَخَلَتْ

الدَّارَ: طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: ذَهَبَ الْقَاضِي إلَى وُقُوعِ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ، بِهَا وَتَبْقَى الثَّالِثَةُ مُعَلَّقَةٌ: بِالدُّخُولِ، قَالَا: وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَأَبْطَلَاهُ، وَقَالَا أَيْضًا: ذَهَبَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ " أَوْ " طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ " وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ إلَى أَنْ غَيَّرَ الْمَدْخُولَ بِهَا: تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ دُخُولِ الدَّارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ يَعْنِي: بِهِ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: أَنَّ " ثُمَّ " كَسَكْتَةٍ لِتَرَاخِيهَا، فَيَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ طَلْقَةٌ، فَيَقَعُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا إذَنْ ثِنْتَانِ، وَطَلْقَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِالشَّرْطِ، إنْ تَقَدَّمَ فَبِالْأُولَى، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَبِالْأَخِيرَةِ وَيَقَعُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: الثَّانِيَةُ مُنَجَّزَةٌ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَالثَّالِثَةُ لَغْوٌ، وَالْأُولَى مُعَلَّقَةٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَطَلْقَةٌ مُنَجَّزَةٌ، وَالْبَاقِي لَغْوٌ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْأُولَى. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ إنَّ الْقَاضِي أَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ، وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: إنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَطَلْقَةٌ مُنَجَّزَةٌ، وَإِنْ قَدَّمَ لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَةٌ بِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ إجْمَاعًا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا مِنْ قَوْلِهِ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَا فِعْلُ كَذَا " وَكَرَّرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالتَّعْلِيقِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

باب الاستثناء في الطلاق

[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ] ِ قَوْلُهُ (حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ) وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَكِنْ أَكْثَرُ أَجْوِبَتِهِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ خَصُّوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، دُونَ عَدَدِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَمِنْهُمْ مِنْ حُكِيَ عَنْهُ إبْطَالُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ مُطْلَقًا، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَطَعَ فِي الْفُرُوعِ بِالْأَوَّلِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَ " أَرْبَعَتُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ " لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَشْبَهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَرْبَعِ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِنَّ، وَلَوْ قَالَ " أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ " صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءٌ، مَا دُونَ النِّصْفِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا قَالَ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي أُصُولِهِ: وَاسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَقَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ، وَالْأَقَارِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَصَاحِبِ التَّرْغِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا،

قَوْلُهُ (وَفِي النِّصْفِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: الصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمَا " لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مِثْلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ النَّاظِمُ: الْفَسَادُ أَجْوَدُ، وَنَقَلَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَنَصَرَهُ شَارِحُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الطُّوفِيِّ، وَهُوَ صَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ. تَنْبِيهٌ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ حَكَوْا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ وَالْخُلَاصَةِ: هُمَا رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رِوَايَةً بِالْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ، أَوْ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ اثْنَتَانِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: لَوْ قِيلَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ " خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا " وَإِنْ أَوْقَعْنَا فِي الْأُولَى طَلْقَتَيْنِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ لَنَا وَجْهًا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعُودُ إلَّا إلَى مَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ هُنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا، فَلَا يَصِحُّ، فَكَأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا " بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى اثْنَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا رُبْعَ طَلْقَةٍ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ) مَبْنِيَّيْنِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً، فَهَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ

أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، وَاسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا أَجَزْنَا النِّصْفَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ وَقَعَ الثَّلَاثُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً " طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الْوَاحِدَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَاحِدَةً، فَيَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي، وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ طَلْقَةٍ فِي حَقِّهَا؛ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا فَيَقَعُ، فَيُقْبَلُ ذَلِكَ فِي إيقَاعِ طَلَاقِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُ فِي نَفِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً: طَلُقَتْ ثَلَاثًا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً [إلَّا وَاحِدَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ] ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَانِ) وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الْجَمِيعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ،

لَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَتَيْنِ: قَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ وَقَطَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْعَطْفِ لَا يَعُودُ إلَّا إلَى الْأَخِيرَةِ، فَإِذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً " طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ فِي الْمُغْنِي لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بِوُقُوعِ طَلْقَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً " كَمَا قَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَيْضًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي هَذِهِ وَفِي الْجَمِيعِ، وَاخْتَارَ الشَّارِحُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْبَاقِي، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْأُولَى، وَفِي قَوْلِهِ " طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً "، فَإِذَا قُلْنَا: تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ " طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً " لَوْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْمَجْمُوعِ: دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ قَالَ: دُيِّنَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ [قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي التَّهْذِيبِ: كُلُّ مَوْضِعٍ فَسَّرَ قَوْلَهُ فِيهِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، دُونَ الْحُكْمِ. انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ] . قُلْتُ: الصَّوَابُ قَبُولُهُ، [قَالَ الشَّيْخُ فِي مُخْتَصَرِهِ هِدَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ اسْتِثْنَاءَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثَّلَاثِ: قُبِلَ، وَهَذَا الْجَزْمُ مِنْ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ مَعَ إطْلَاقِ أَبِي الْخَطَّابِ لِلْخِلَافِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَحْسَنُ مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ الْقَبُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ]

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَاثْنَتَيْنِ، إلَّا اثْنَتَيْنِ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا " جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ اثْنَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَقْيَسُ، وَإِنْ قَالَ " اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ، إلَّا وَاحِدَةً " فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِ، وَقَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَمْلِكُهُ، وَأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَتَيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَبْدَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالَيْنِ، أَحَدَهُمَا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً "، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ) ، أَمَّا فِي الْحُكْمِ: فَلَا يُقْبَلُ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ السَّامِرِيُّ فِي فُرُوقِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُدَيَّنُ، وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ،

قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي صَرِيحِ النُّطْقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ، لَمْ تَطْلُقْ) فَيُقْبَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَوْلًا وَاحِدًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " نِسَائِي الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ " وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ: طَلُقَتْ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَلَمْ تَطْلُقْ فِي الْبَاطِنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْخِرَقِيُّ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَالَ " أَرْبَعَتُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ " لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَشْبَهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ وَأَوْقَعَ، وَصَحَّ " أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ " وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِمَا: اتِّصَالُ مُعْتَادٍ لَفْظًا وَحُكْمًا كَانْقِطَاعِهِ بِتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ،

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا نِيَّتُهُ قَبْلَ تَكْمِيلِ مَا أَلْحَقَهُ بِهِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، [وَقِيلَ: يَصِحُّ بَعْدَ تَكْمِيلِ مَا أَلْحَقَهُ بِهِ] قَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: لَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ النِّيَّةَ، وَبِالِاسْتِثْنَاءِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: مَحَلُّهُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ تَوْجِيهًا مِنْ عِنْدِهِ، وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَقِيلَ لَهُ " أَلَك امْرَأَةٌ سِوَى هَذِهِ؟ فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: إلَّا فُلَانَةَ؟ قَالَ: إلَّا فُلَانَةَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْنِهَا " فَأَبَى أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ، وَيَأْتِي فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ: إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

باب الطلاق في الماضي والمستقبل

[بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ] ِ قَوْلُهُ (إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك يَنْوِي الْإِيقَاعَ: وَقَعَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِقَصْدِ وُقُوعِهِ أَمْسِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي وَحَفِيدُهُ كَمَسْأَلَةٍ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ إلَّا نِيَّةً، وَعَنْهُ: يَقَعُ إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمْسِ، نَقَلَ مُهَنَّا: إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ " وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ، فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ بِالْأَمْسِ: طَلُقَتْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ: لَمْ يَقَعْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَقَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَيَلْغُو ذِكْرُ " أَمْسِ "، وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَقَعُ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ " وَيَقَعُ إذَا قَالَ " قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ "، قَالَ الْقَاضِي: رَأَيْته بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ فِي جَزْءٍ مُفْرَدٍ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَانِيًا فَيَبِينُ وُقُوعُهُ الْآنَ،

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ " أَمْسِ " لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَقَبْلَ تَزَوُّجِهَا مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا، وَهَذَا الْوَقْتُ قَبْلَهُ، فَوَقَعَ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا، أَوْ طَلَّقْتُهَا أَنَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا: قُبِلَ مِنْهُ إذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: فَيُدَيَّنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُدَيَّنُ فِيهِمَا بَاطِنًا، حَكَاهَا الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ قَرِينَةٌ، مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: قُبِلَ حُكْمًا، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ أَوْ نَقْصٌ مِنْ الْكَاتِبِ، وَإِنَّمَا هَذَا الشَّرْطُ عَلَى التَّخْرِيجِ الْآتِي، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ إذَا قُلْنَا: تَطْلُقُ بِلَا نِيَّةٍ: أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ فِي الْحُكْم إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ " مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي "،

وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ، فَلْيُعَاوَدْ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَكَمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " قُبِلَ مِنْهُ إذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ " أَيْ وُجُودَهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي قَبْلَهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ [وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ] ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا أَمْكَنَ، [قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ مُطْلَقًا] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، [وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَيْضًا ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ إنْ تَدَاعَيَا عِنْدَهُ، أَوْ لَا مُطْلَقًا، أَوْ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ دُونَ التَّدَيُّنِ بَاطِنًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ إمْكَانِ الصَّوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ شَيْءٌ مُطْلَقًا، وَبَيْنَ الْوُجُودِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ اُشْتُرِطَ ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ عِنْدَ الْحَاكِمِ، لِلْحُكْمِ أَوْ التَّدَيُّنِ مَثَلًا، فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، خِلَافًا لِمَنْ يَجْعَلُ الْخُلْفَ لَفْظِيًّا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ] ، قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ خَرِسَ، قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ فَهَلْ تَطْلُقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَطْلُقُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ،

فَإِنْ قِيلَ: تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَاكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: لَمْ تَطْلُقْ هُنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ النِّيَّةُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهَا، وَإِنْ قِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَا، طَلُقَتْ هُنَاكَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ، فَقَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ: لَمْ تَطْلُقْ) كَذَا إذَا قَدِمَ مَعَ الشَّهْرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَمْ تَطْلُقْ، بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقِيلَ: هُمَا كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ " وَجَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَزَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِتَحْرِيمِ وَطِئَهَا مِنْ حِينِ عَقْدِ الصِّفَةِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا مِنْ حِينِ عَقْدِ هَذِهِ الصِّفَةِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَأْتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَهْرَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ: تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ) بِلَا نِزَاعٍ، وَكَانَ وَطْؤُهُ مُحَرَّمًا، فَإِنْ كَانَ وَطِئَ: لَزِمَهُ الْمَهْرُ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، قُلْتُ: فَيُعَايَى بِهَا

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ بِيَوْمٍ، وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الشَّهْرِ بِيَوْمَيْنِ: صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ) وَهَذَا صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَادِفْهَا إلَّا بَائِنًا، وَالْبَائِنُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ: وَقَعَ الطَّلَاقُ دُونَ الْخُلْعِ) بِلَا خِلَافٍ عَلَيْهَا، لَكِنْ إذَا لَمْ يَقَعْ الْخُلْعُ: تَرْجِعُ بِالْعِوَضِ. وَقَوْلُهُ (وَكَانَ كَالطَّلَاقِ بَائِنًا) احْتِرَازًا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ مُطْلَقًا، أَعْنِي قَبْلَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ، مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. الثَّالِثَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " لَكِنْ لَا إرْثَ لِبَائِنٍ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَوْ قَالَ " إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ " لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بَعْدَهُ، فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ لِمُضِيِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: تَطْلُقُ فِي جَزْءٍ يَلِيهِ مَوْتُهُ، كَقُبَيْلِ مَوْتِي. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِي: لَمْ تَطْلُقْ) بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: الْوُقُوعُ هُنَا فِي قَوْلِهِ " مَعَ مَوْتِي " لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مَعَ الْحُكْمِ بِالْبَيْنُونَةِ، فَإِيقَاعُهُ مَعَ سَبَبِ الْحُكْمِ أَوْلَى. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ مَوْتِي " فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ فِي أَوَّلِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. الثَّانِي: لَا تَطْلُقُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ " فَبِمَوْتِ إحْدَاهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى إذَنْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَقْتَ يَمِينِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا مَاتَ أَبِي أَوْ اشْتَرَيْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ أَوْ اشْتَرَاهَا: لَمْ تَطْلُقْ) وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالنَّظْمِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: طَلُقَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَوَاعِدِ ابْنِ رَجَبٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةُ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَمَاتَ الْأَبُ أَوْ اشْتَرَاهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: لَمْ تَطْلُقْ وَجْهًا وَاحِدًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةُ، فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: لَوْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ لَهَا " إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ مَلَكَهَا: لَمْ تَطْلُقْ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ ابْنَ حَامِدٍ يُلْزِمُهُ الْقَوْلَ هُنَا بِالْوُقُوعِ لِاقْتِرَانِهِ بِالِانْفِسَاخِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَوْ كَانَ قَالَ " إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَقُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ لِلْمُشْتَرِي: لَمْ تَطْلُقْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ احْتِمَالٌ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَنْتَقِلُ زَمَنُ الْخِيَارِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَ أَبُوهُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مَعًا) إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانَ الْمَيِّتِ، أَوْ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ لَأَطِيرَنَّ، أَوْ إنْ لَمْ أَصْعَدْ السَّمَاءَ وَنَحْوَهُ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) هَذَا تَعْلِيقٌ بِعَدَمِ وُجُودِ الْمُسْتَحِيلِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ " إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ الْكُوزِ " وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ " إنْ لَمْ أَطِرْ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَحَكَى فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ، وَفِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً: تَطْلُقُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَقِيلَ: إنْ وَقَّتَهُ كَقَوْلِهِ " لَأَطِيرَنَّ الْيَوْمَ " وَنَحْوَهُ: طَلُقَتْ فِي آخِرِ وَقْتِهِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَطْلَقَ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ مَوْتَهُ حَنِثَ وَإِلَّا، فَلَا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ الْحَيَاةِ الْفَانِيَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " لَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ " فَهُوَ كَقَوْلِهِ " لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ "، قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ شَاءَ الْمَيِّتُ أَوْ الْبَهِيمَةُ) هَذَا تَعْلِيقٌ بِوُجُودِ مُسْتَحِيلٍ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ قِسْمَانِ: مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، وَمُسْتَحِيلٌ لِذَاتِهِ، فَالْمُسْتَحِيلُ عَادَةً: كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا طِرْتِ " أَوْ " إنْ طِرْتِ " أَوْ " لَا شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ " وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ " إنْ قَلَبْتِ الْحَجَرَ ذَهَبًا " وَنَحْوَهُ، وَالْمُسْتَحِيلُ لِذَاتِهِ: كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَدَدْتِ أَمْسِ " أَوْ " جَمَعْتِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ " أَوْ " شَرِبْتِ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ " وَلَا مَاءَ فِيهِ وَنَحْوُهُ، فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا تَطْلُقُ بِهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَطْلُقُ فِي الْأُخَرِ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ،

وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ، لَا فِي الْمُحَالِ فِي الْعَادَةِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْحَرَامِ وَالظِّهَارِ وَالنَّذْرِ: حُكْمُ الطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى: فَكَذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلَهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، أَحَدُهُمَا: لَا تَطْلُقُ مُطْلَقًا، بَلْ هُوَ لَغْوٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالثَّانِي: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: طَلُقَتْ. انْتَهَى. وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي غَدٍ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ هُنَا، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَخْرِيجِهِ عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ مُسْتَحِيلٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْحَالِ. انْتَهَى. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ الْقَاضِي قَوْلَيْنِ: عَدَمَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا، وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَنْهُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ، وَالشِّيعَةِ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى " فَقَالَ الْقَاضِي فِي الدَّعَاوَى مِنْ حَوَاشِي التَّعْلِيقِ: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، لِاسْتِحَالَةِ الصِّفَةِ، لِأَنَّهُ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ: وَلِقَصْدِهِ التَّأْكِيدَ. انْتَهَى. قُلْتُ: وَيَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ " لِاسْتِحَالَةِ الصِّفَةِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ، بَلْ هَذِهِ أَوْلَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَمْ أَرَهَا لِلْأَصْحَابِ، وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنِ الصَّبَّاغِ وَالدَّامَغَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ الصَّبَّاغِ: وَسَمِعْتُ مِنْ رَجُلٍ فَقِيهٍ كَانَ يَحْضُرُ عِنْدَ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَدْ أَوْقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: لَا بَأْسَ بِهَذَا الْقَوْلِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، أَوْ فِي رَجَبٍ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ، وَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَوْلِ " طَلُقَتْ أَيْضًا بِأَوَّلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ إلَّا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ،

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْته فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ دُيِّنَ) إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَالَ " أَرَدْتُ فِي آخِرِ ذَلِكَ " فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يُدَيَّنُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا دُيِّنَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَالَ إلَيْهِ النَّاظِمُ، قُلْتُ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَمَّا مَا عَدَا هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَنَّهُ يُدَيَّنُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: دُيِّنَ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: دُيِّنَ فِي الْأَظْهَرِ، قَالَ فِي الْحَاوِي: دُيِّنَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يُدَيَّنُ، وَقَدَّمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ كَذَا " وَقَالَ: أَرَدْت آخِرَهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي فِيمَا عَدَا الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا فِي الْجَمِيعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا، أَوْ شَهْرَ كَذَا "، أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ النَّظْمِ، وَابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ

وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: دُيِّنَ فِيهِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إذَا قَالَ " غَدًا أَوْ يَوْمَ كَذَا " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: فَائِدَةٌ مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّ ... هـ وَمَا زَالَ عِنْدَهُ إحْسَانُ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هَذَا. وَالثَّانِي: بَعْدَمَا بَعْدَ بَعْدِهِ. وَالثَّالِثُ: قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ. وَالرَّابِعُ: بَعْدَمَا قَبْلَ قَبْلِهِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ مُتَقَابِلَةٌ. الْخَامِسُ: قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ. السَّادِسُ: بَعْدَمَا قَبْلَ بَعْدِهِ. السَّابِعُ: بَعْدَمَا بَعْدَ قَبْلِهِ. الثَّامِنُ: قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ. وَتَلْخِيصُهَا: أَنَّك إنَّ قَدَّمْتَ لَفْظَةَ " بَعْدَ " جَاءَ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّهَا بَعْدُ. الثَّانِي: بَعْدَانِ وَقَبْلُ. الثَّالِثُ: قَبْلَانِ وَبَعْدُ. الرَّابِعُ: بَعْدَانِ بَيْنَهُمَا قَبْلُ، وَإِنْ قَدَّمْتَ لَفْظَةَ " قَبْلُ " فَكَذَلِكَ،

وَضَابِطُ الْجَوَابِ عَنْ الْأَقْسَامِ، أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الْأَلْفَاظُ، فَإِنْ كَانَتْ " قَبْلُ " وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ رَمَضَانُ بِثَلَاثَةِ شُهُورٍ، فَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذِي الْحِجَّةِ " لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ قَبْلِ قَبْلِهِ، فَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ قَبْلَهُ طَلُقَتْ فِي شَوَّالٍ، وَلَوْ قَالَ " قَبْلَ قَبْلِهِ " طَلُقَتْ فِي ذِي الْقِعْدَة، وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا " بَعْدُ " طَلُقَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرٍ يَكُونُ رَمَضَانُ بَعْدَ بَعْدِ بَعْدِهِ، وَلَوْ قَالَ " رَمَضَانُ بَعْدَهُ " طَلُقَتْ فِي شَعْبَانَ، وَلَوْ قَالَ " بَعْدَ بَعْدِهِ " طَلُقَتْ فِي رَجَبٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظُ وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ فَضَابِطُهَا: أَنَّ كُلَّ مَا اُجْتُمِعَ فِيهِ " قَبْلُ، وَبَعْدُ " فَأَلْغِهِمَا، نَحْوُ " قَبْلَ بَعْدِهِ " وَ " بَعْدَ قَبْلِهِ " وَاعْتَبِرْ الثَّالِثَ، فَإِذَا قَالَ " قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ " أَوْ " بَعْدَمَا قَبْلَ قَبْلِهِ " فَأَلْغِ اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا " بَعْدَهُ رَمَضَانُ " فَيَكُونُ شَعْبَانَ، وَفِي الثَّانِي: كَأَنَّهُ قَالَ " قَبْلَهُ رَمَضَانُ " فَيَكُونُ شَوَّالًا، وَإِنْ تَوَسَّطَتْ لَفْظَةٌ بَيْنَ مُضَادَّيْنِ لَهَا نَحْوُ " قَبْلَ بَعْدِ قَبْلِهِ " وَ " بَعْدَ قَبْلِ بَعْدِهِ " فَأَلْغِ لَفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَيَكُونُ شَوَّالًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي شَهْرٍ قَبْلَهُ رَمَضَانُ، وَشَعْبَانُ فِي الثَّانِيَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ " بَعْدَهُ " رَمَضَانُ، وَإِذَا قَالَ " بَعْدَ بَعْدِ قَبْلِهِ " أَوْ " قَبْلَ قَبْلِ بَعْدِهِ " وَهِيَ تَمَامُ الثَّمَانِيَةِ طَلُقَتْ فِي الْأُولَى فِي شَعْبَانَ، كَأَنَّهُ قَالَ: بَعْدَهُ رَمَضَانُ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي شَوَّالٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَبْلَهُ رَمَضَانُ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا " أَوْ " أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ بَعْدَ غَدٍ " طَلُقَتْ فِي أَسْبَقِ الْوَقْتَيْنِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ،

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ، أَوْ فِي الْيَوْمِ، وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ، فَهَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، أَوْ وَاحِدَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ " ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَصَحَّحَ هَذَا الْوَجْهَ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ " ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الِانْتِصَارِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي الْأُولَى وَاحِدَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبُ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْأُولَى، وَقَدَّمُوهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَخْرُجَ " أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ " أَوْ " فِي كُلِّ يَوْمٍ " عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا قَالَ " إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ، فِي فَصْلِ تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهَا هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ: طَلُقَتْ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرِهِمْ،

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَطْلُقُ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَسْقَطَ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ فَقَطْ، فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك " فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَقَطْ، فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ " طَلُقَتْ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ فِي آخِرِهِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ، فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك " فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ " أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ " وَلَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ وَجْهًا وَجَزَمَ بِهِ أَوَّلًا أَنَّ إحْدَاهُنَّ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَالْبَوَاقِي طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَّلَهُ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا قُرْعَةُ الثَّلَاثِ حُرِّمَتْ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ غُدْوَةً، وَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهَا) يَعْنِي: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (فَهَلْ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ) ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، أَحَدُهُمَا: وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، وَأَمَّا " إذَا قَدِمَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَوْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، أَوْ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا " فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: تَطْلُقُ عَقِيبَ قُدُومِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، كَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَدِمَ وَهِيَ حَيَّةٌ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ: لَمْ تَطْلُقْ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ

غَدًا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَقَدِمَ وَقَدْ أَكَلَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُ [قَدْ] انْعَقَدَ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ " فَقَدِمَ فِيهِ طَلُقَتْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَوْتِهَا وَعَدَمِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَقِيبَ قُدُومِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: مَحَلُّ هَذَا إذَا قَدِمَ وَالزَّوْجَانِ حَيَّانِ. فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَالزَّوْجَانِ حَيَّانِ، طَلُقَتْ قَوْلًا وَاحِدًا، لَكِنْ فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ وَقْتُ قُدُومِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الشَّارِحُ فِي بَحْثِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا: طَلُقَتْ الْيَوْمَ وَاحِدَةً، إلَّا أَنْ يُرِيدَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا، فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَإِنْ أَرَادَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَنِصْفَهَا غَدًا: طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَاقِيهَا غَدًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ) وَكَذَا إلَى حَوْلٍ (طَلُقَتْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ) ، يَعْنِي فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ مَعَ النِّيَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَكَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ إلَى مَكَّةَ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ " وَإِنْ قَالَ " بَعْدَ مَكَّةَ " وَقَعَ فِي الْحَالِ،

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ) هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ (أَوْ أَوَّلِ آخِرِهِ) ، يَعْنِي لَوْ قَالَ " أَنْتَ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ آخِرِ الشَّهْرِ " طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ) ، قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ: تَطْلُقُ بِالزَّوَالِ مِنْهُ يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ، إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَاقِصًا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْرُمُ وَطْؤُهُ فِي تَاسِعٍ وَعِشْرِينَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ لَا يَحْرُمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: فِي آخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ) ،

هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِطُلُوعِ فَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: طَلُقَتْ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ) ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ، أَوْ أَوَّلِهِ " وَأَرَادَ أَحَدَهُمَا دُيِّنَ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي الْحُكْمِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الثَّلَاثُ اللَّيَالِي الْأُوَلُ تُسَمَّى غُرَرًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ إذَا مَضَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيُكَمَّلُ الشَّهْرُ الَّذِي حَلَفَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: يُكَمَّلُ الْكُلُّ بِالْعَدَدِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْإِجَارَةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِذَا آجَرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ سَنَةٍ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: إذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ) ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ،

قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَشَارَ، فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. " فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَرَدْت بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا " دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةٌ: طَلُقَتْ الْأُولَى فِي الْحَالِ، وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا: دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا بَقِيَتْ فِي عِصْمَتِهِ، أَمَّا لَوْ بَانَتْ مِنْهُ، وَدَامَتْ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَلَوْ نَكَحَهَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ الثَّانِيَةِ: وَقَعَتْ الطَّلْقَةُ عَقِبَ الْعَقْدِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: اقْتَضَى قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَقِبَ تَزَوُّجِهِ بِهَا إذَا

تَزَوَّجَهَا فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ جَزْءٌ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي جَعَلَهَا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، قَالَ: وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ: طَلُقَتْ بِدُخُولِ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ. انْتَهَى. وَمَحَلُّ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ: فَتَنْحَلُّ الصِّفَةُ بِوُجُودِهَا فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، فَلَا تَعُودُ بِحَالٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ السِّنِينَ الْمُحَرَّمَ: دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدُمُ زَيْدٌ، فَقَدِمَ لَيْلًا: لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ، فَتَطْلُقُ) ، بِلَا خِلَافٍ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ لَا تَطْلُقُ بِقُدُومِهِ لَيْلًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ: فَكَنِيَّةِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: كَنِيَّةِ النَّهَارِ، يَعْنُونَ أَنَّ الْمُقَدَّمَ أَنَّهَا تَطْلُقُ مَعَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فَقَدِمَ لَيْلًا " أَنَّهُ لَوْ قَدِمَ نَهَارًا طَلُقَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ إذَا قَدِمَ حَيًّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ،

وَقَالَ الْخَلَّالُ: يَقَعُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ الْقَادِمُ مِمَّنْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْقُدُومِ بِيَمِينِهِ كَالسُّلْطَانِ، وَالْحَاجِّ وَالْأَجْنَبِيِّ، حَنِثَ، وَلَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُ، وَلَا جَهْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ بِالْيَمِينِ مِنْ الْقُدُومِ كَقَرَابَةٍ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ غُلَامٍ لِأَحَدِهِمَا، فَجَهِلَ الْيَمِينَ، أَوْ نَسِيَهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، فِيهِ رِوَايَتَانِ، كَذَلِكَ هُنَا عَلَى مَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَطْلُقُ عَقِيبَ قُدُومِهِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: الْإِرْثُ وَعَدَمُهُ، وَتَقَدَّمَ " إذَا قَدِمَ وَقَدْ مَاتَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ " فِي هَذَا الْبَابِ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: تَطْلُقُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ، أَمَّا مَعَ النِّيَّةِ فَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهَا بِلَا إشْكَالٍ.

باب تعليق الطلاق بالشروط

[بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ] ِ فَائِدَةٌ: يَصِحُّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ مَعَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ، وَكَذَا إنْ تَأَخَّرَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: يُتَنَجَّزُ إنْ تَأَخَّرَ الشَّرْطُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ فِي الْعِتْقِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَأَخَّرَ الْقَسَمُ: كَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَأَفْعَلَنَّ " كَالشَّرْطِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يُلْحَقُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَكَرَّرَهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ عَقِيبَ الرَّابِعَةِ " إنْ قُمْت " طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ مَا لَا يَمْلِكُ بِشَرْطٍ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ " بَابِ مَا يُخْتَلَفُ بِهِ عَدُّ الطَّلَاقِ " مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ، أَوْ إنْ تَزَوَّجْت الْمَرْأَةَ فَهِيَ طَالِقٌ: لَمْ تَطْلُقْ إذَا تَزَوَّجَهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. (وَعَنْهُ: تَطْلُقُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ صِحَّةُ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ " مَنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ " أَوْ قَوْلُهُ لِعَتِيقَتِهِ " إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ قَوْلُهُ لِرَجْعِيَّتِهِ " إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ لِعَتِيقَتِهِ " إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ لِامْرَأَتِهِ " إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك عَمْرَةَ، أَوْ غَيْرَهَا، فَهِيَ طَالِقٌ " فَتَزَوَّجَهُمَا طَلُقَتَا، ثُمَّ قَالَ قُلْت: إنْ صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، وَإِلَّا فَلَا، فَجَزَمَ بِالْوُقُوعِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَفَرَّقَ مِنْ عِنْدِهِ، وَجَزَمَ بِهِمَا غَيْرُهُ، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ تَعْلِيقَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَتَعْلِيقِهِ عِتْقًا بِمِلْكٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ: لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ وُجُودِهِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (وَعَنْهُ: تَطْلُقُ) مَعَ تَيَقُّنِ وُجُودِ الشَّرْطِ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَخَصَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرَّاوِيَةَ بِالثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَضُرُّهُ كَمُتْعَةٍ. تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِهِ " لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ وُجُودِهَا " إشْعَارٌ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُمْكِنٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَأَمَّا مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ فَيُذْكَرُ فِي أَمَاكِنِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ خِلَافٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: عَجَّلْت مَا عَلَّقْته لَمْ يَتَعَجَّلْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ بَحْثِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ: فِيمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ نَظَرٌ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ دُيِّنَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ: لَزِمَ، وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ قَاطِبَةً، وَقَطَعُوا بِهِ، وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْوَاضِحِ رِوَايَةً بِجَوَازِ فَسْخِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ فِي طَلَاقٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، قُلْت: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: لَوْ قَالَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي "

أَوْ " إذَا أَعْطَيْتِينِي " أَوْ " مَتَى أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " أَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ جِهَتِهِ، كَالْكِتَابَةِ عِنْدَهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَوَافَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ، كَ " إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ "، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّعْلِيقُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ إيقَاعَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ مُعَاوَضَةً فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً فَلَازِمٌ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْخُلْعُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَلَا الْكِنَايَةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ " التَّعْلِيقُ لَازِمٌ " دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْخُلْعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَحُكْمِهِ بِكَلَامٍ مُنْتَظِمٍ، نَحْوُ " أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ قُمْت " لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَقْطَعُهُ، كَسَكْتَةٍ وَتَسْبِيحَةٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت إنْ قُمْت، دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قُلْت: صَرَّحَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا هُوَ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَلَكِنْ حَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَقَالَ وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ. انْتَهَى. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " إذَا قَالَ لَهَا:

أَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ " أَرَدْت مِنْ وِثَاقٍ " أَوْ " أَنْ أَقُولَ: طَاهِرٌ فَسَبَقَ لِسَانِي " أَوْ " أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ ". قَوْلُهُ (وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ سِتَّةٌ: إذْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَنْ، وَأَيُّ، وَكُلَّمَا) ، أَدَوَاتُ الشَّرْطِ سِتٌّ لَا غَيْرُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ " أَوْ " عَلَى أَلْفٍ " أَوْ " بِأَلْفٍ " أَنَّ ذَلِكَ كَ " إنْ أَعْطَيْتِينِي أَلْفًا " عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا " كُلَّمَا ") بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي " مَتَى " وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا: لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. فَائِدَةٌ " مَنْ " وَ " أَيُّ " الْمُضَافَةُ إلَى الشَّخْصِ: يَقْتَضِيَانِ عُمُومَ ضَمِيرِهِمَا فَاعِلًا كَانَ أَوْ مَفْعُولًا. قَوْلُهُ (وَكُلُّهَا عَلَى التَّرَاخِي إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ لَمْ) ، وَكَذَا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ نِيَّةِ الْفَوْرِيَّةِ أَيْضًا أَوْ قَرِينَةٍ، فَأَمَّا إذَا نَوَى الْفَوْرِيَّةَ أَوْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ: فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ تَجَرَّدَتْ عَنْ " لَمْ "،

قَوْلُهُ (فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ) ، يَعْنِي إذَا اتَّصَلَ بِالْأَدَوَاتِ " لَمْ " صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ نَوَى التَّرَاخِيَ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ: كَانَتْ لَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ، إلَّا " إنْ ") ، هَذَا الْمَذْهَبُ فِي " إنْ " مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَعَنْهُ يَحْنَثُ بِعَزْمِهِ عَلَى التَّرْكِ، جَزَمَ بِهِ، فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَصْدِ وَالْقَصْدُ هُوَ النِّيَّةُ، وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، فَأَثَّرَ فِيهِ، تَعْيِينُ النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ إذَا نَوَى قَطْعَهَا: ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. قَوْلُهُ (وَفِي " إذَا " وَجْهَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. أَحَدُهُمَا: هِيَ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي التَّمْثِيلِ " إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ " كَانَ عَلَى التَّرَاخِي فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، فَأَطْلَقَا أَوَّلًا، وَصَحَّحَا هُنَا. تَنْبِيهٌ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ بَاقِيَ الْأَدَوَاتِ غَيْرُ " إنْ " وَ " إذَا " عَلَى الْفَوْرِ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهَا " لَمْ " وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي " كُلَّمَا " وَ " مَتَى " وَ " أَيِّ " الْمُضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ، وَأَمَّا " أَيُّ " الْمُضَافَةُ إلَى الشَّخْصِ وَ " مَنْ " فَفِيهِمَا وَجْهَانِ،

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ إذَا اتَّصَلَتْ بِهِمَا " مَنْ وَلَمْ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا عَلَى التَّرَاخِي، نَصَرَهُ النَّاظِمُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ " مَنْ " عَلَى التَّرَاخِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا " لَمْ "، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهَانِ فِي " مَهْمَا " فَإِنْ اقْتَضَتْ الْفَوْرِيَّةَ فَهِيَ كَ " مَتَى " قَوْلُهُ (فَإِذَا قَالَ: إنْ قُمْت، أَوْ إذَا قُمْت، أَوْ مَنْ قَامَ مِنْكُنَّ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ قُمْت، أَوْ مَتَى قُمْت، أَوْ كُلَّمَا قُمْت، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى قَامَتْ طَلُقَتْ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ تَكَرَّرَ الْقِيَامُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الطَّلَاقُ، إلَّا فِي " كُلَّمَا " وَفِي " مَتَى " فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَرِيبًا، وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْت رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ كُلَّمَا أَكَلْت نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَوْ جَعَلَ مَكَانَ " كُلَّمَا " " إنْ أَكَلْت " لَمْ تَطْلُقْ إلَّا اثْنَتَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَاتٍ ثَلَاثٍ، فَاجْتَمَعْنَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ رَأَيْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْت

أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا أَسْوَدَ فَقِيهًا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً مَعَ الْإِطْلَاقِ، ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا: لَمْ تَطْلُقْ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ مَتَى عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالْكُلِّيَّةِ حَنِثَ حَالَ عَزْمِهِ، ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ رِوَايَةً يَقَعُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَنْوِ وَقْتًا، فَإِنْ نَوَى وَقْتًا، أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ بِفَوْرِيَّةٍ: تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: إذَا قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ " أَوْ " طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك " أَوْ " طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ " فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلَاقًا بَائِنًا: لَمْ يَرِثْهَا إذَا مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ هِيَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ لَا تَرِثُهُ مِنْ تَعْلِيقِهِ فِي صِحَّتِهِ عَلَى فِعْلِهَا فَيُوجَدُ فِي مَرَضِهِ قَالَ: وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ،

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فِي إرْثِهِمَا رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الصِّحَّةِ، وَالطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: يُمْنَعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ: طَلُقَتْ) ، وَ " مَتَى " مِثْلُ " أَيِّ " فِي ذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ هُنَا " مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا " مِثْلَ قَوْلِهِ " أَيُّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْك " وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ " مَنْ " كَ " إنْ لَمْ أُطَلِّقْك " عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَلْ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ كَ " أَيِّ " وَ " مَتَى " وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي، نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِنَا فِي " إذَا " هَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي إذَا اتَّصَلَتْ بِهَا " لَمْ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْعَامِّيُّ: أَنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَهُوَ شَرْطٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، كَنِيَّتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الدَّارِ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَهُ عَارِفٌ بِمُقْتَضَاهُ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) ، يَعْنِي إنْ كَانَ وُجِدَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَحُكِيَ عَنْ الْخَلَّالِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا) ، وَفِيهِ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ يَقَع فِي الْحَالِ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ، سَوَاءٌ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، مِنْ عَارِفٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَطْلُقُ إذَا لَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا لِعِلَّةٍ، فَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِدُونِهَا، وَكَذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ " زَنَتْ زَوْجَتُك " فَقَالَ " هِيَ طَالِقٌ " ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزْنِ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَجَعَلَ السَّبَبَ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ وَأَوْلَى، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ جَوَابًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوَاوَ كَالْفَاءِ، نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْجَزَاءَ، أَوْ أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ قِيَامَهَا

وَطَلَاقَهَا شَرْطَيْنِ لِشَيْءٍ، ثُمَّ أَمْسَكْت: دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَظَاهِرِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ: الْقَبُولُ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ: أَرَدْت إقَامَةَ الْوَاوِ مَقَامَ الْفَاءِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " إنْ قُمْت أَنْتِ طَالِقٌ " مِنْ غَيْرِ فَاءٍ وَلَا وَاوٍ: كَانَ كَوُجُودِ الْفَاءِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ نَوَى الشَّرْطَ وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْحَالِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ " وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قُلْتُ: الصَّوَابُ عَدَمُ الْقَبُولِ، وَإِنْ قَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْت الْأُخْرَى " فَمَتَى دَخَلْت الْأُولَى طَلُقَتْ، سَوَاءٌ دَخَلَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَا، وَلَا تَطْلُقُ الْأُخْرَى، وَإِنْ قَالَ " أَرَدْت جَعْلَ الثَّانِي شَرْطًا لِطَلَاقِهَا أَيْضًا " طَلُقَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنْ قَالَ " أَرَدْتُ دُخُولَ الثَّانِيَةِ شَرْطًا لِدُخُولِ الثَّانِيَةِ " فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَهُ، وَإِنْ قَالَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ " أَوْ " إنْ دَخَلْت هَذِهِ الْأُخْرَى، فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، فَقَدْ قِيلَ: لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِهِمَا، قَالَا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَطْلُقَ بِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ،

وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ قُمْت " كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " إنْ قُمْت " قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ الْكَافِي، وَقِيلَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ " أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَهَا جَوَابًا " دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ قُمْت فَقَعَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إنْ قَعَدْت إذَا قُمْت، أَوْ إنْ قَعَدْت إنْ قُمْت: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدُ) ، كَذَا قَوْلُهُ " إنْ قَعَدْت مَتَى قُمْت " وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَيُسَمِّيهِ النُّحَاةُ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ، فَيَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ، فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " إنْ أَعْطَيْتُك، إنْ وَعَدْتُك، إنْ سَأَلْتِينِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ " لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَسْأَلَهُ، ثُمَّ يَعِدُهَا، ثُمَّ يُعْطِيهَا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ سَأَلْتِينِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَفَوَائِدِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرِهِمْ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الشَّرْطُ بِ " إذَا " كَانَ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بِ " إنْ " كَانَ كَالْوَاوِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " إنْ قَعَدْت إنْ قُمْت " كَقَوْلِهِ " إنْ قَعَدْت وَقُمْت " عِنْدَهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا، فَتَطْلُقُ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا وُجِدَا، قَالَ: لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْرِفُونَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ،

وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي " الْفَاءِ، وَثُمَّ " رِوَايَةً كَالْوَاوِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " إنْ قُمْت فَقَعَدْت، أَوْ ثُمَّ قَعَدْت " كَقَوْلِهِ " إنْ قُمْت وَقَعَدْت " عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ قُلْنَا بِالتَّرْتِيبِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطَيْنِ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ قُمْت وَقَعَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بَعِيدَةٌ جِدًّا تُخَالِفُ الْأُصُولَ، وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفَ، وَعَامَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَجْهًا، بَنَاهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، وَخَرَّجَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَوْلًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا قُمْت وَقَعَدْت " قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ قُمْت أَوْ قَعَدْت فَأَنْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا) ،

بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ، لَا قُمْت وَلَا قَعَدْت " فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَيْضِ (إذَا قَالَ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ) يَعْنِي: تَطْلُقُ مِنْ حِينِ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: طَلُقَتْ بِأَوَّلِ حَيْضٍ مُتَيَقَّنٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْفُنُونِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: تَطْلُقُ بِتَبَيُّنِهِ بِمُضِيِّ أَقَلِّهِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: طَلُقَتْ بِأَوَّلِ جَزْءٍ تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الدَّمُ أَقَلَّ الْحَيْضِ: اسْتَقَرَّ وُقُوعُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرُ) ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ غُسْلُهَا، بَلْ مُجَرَّدُ مَا تَطْهُرُ تَطْلُقُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً مِنْ أَوَّلِ حَيْضَةِ مُسْتَقْبَلَةٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ) ، احْتَمَلَ أَنْ تَعْتَبِرَ نِصْفَ عَادَتِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ. (وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا مَتَى طَهُرَتْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ " نِصْفَ حَيْضَةٍ ") فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ " إنْ حِضْت "، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْقَاضِي، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، فَيَتَعَلَّقُ طَلَاقُهَا بِأَوَّلِ الدَّمِ، وَقِيلَ: يَلْغُو النِّصْفُ، وَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ " إنْ حِضْت حَيْضَةً "، وَقِيلَ: إذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا: طَلُقَتْ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ، وَهَذَا فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: إذَا قَالَ " إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَمَضَتْ حَيْضَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَقَعَ لِنِصْفِهَا، وَفِي وُقُوعِهِ ظَاهِرًا بِمُضِيِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَنِصْفٍ أَوْ لِنِصْفِ الْعَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهُ قَوْلًا: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَتْ: حِضْت وَكَذَّبَهَا: قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا) ،

هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، فَتُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ، فَيَخْتَبِرْنَهَا بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي الْفَرَجِ زَمَنَ دَعْوَاهَا الْحَيْضَ، فَإِنْ ظَهَرَ دَمٌ: فَهِيَ حَائِضٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ تُسْتَحْلَفُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، يَأْتِيَانِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَإِنْ حِضْت فَأَنْتِ وَضَرَّتُك طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت، وَكَذَّبَهَا: طَلُقَتْ دُونَ ضَرَّتِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا تَطْلُقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَالضَّرَّةِ، فَتُخْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ إنْ أَمْكَنَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا عَمَلَ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: إنْ أَخْرَجَتْ عَلَى خِرْقَةٍ دَمًا: طَلُقَتْ الضَّرَّةُ، اخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي، وَالْخِلَافُ فِي يَمِينِهَا كَالْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ فِيمَا إذَا قَالَ (" كُلَّمَا حَاضَتْ إحْدَاكُنَّ فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ " فَقُلْنَ " قَدْ حِضْنَا " وَصَدَقَهُنَّ) (: طَلَّقَهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) ،

وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً: لَمْ تَطْلُقْ، وَطَلُقَتْ ضَرَّاتُهَا طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ: طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً، وَطَلُقَتْ الْمُكَذِّبَتَانِ طَلْقَتَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا: طَلُقَتْ الْمُكَذِّبَةُ ثَلَاثًا بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا، وَتَطْلُقُ أَيْضًا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا لَا تَطْلُقَانِ حَتَّى تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: تَطْلُقَانِ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ إحْدَاهُمَا، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقَانِ مُطْلَقًا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، وَقِيلَ: تَطْلُقَانِ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ تَطْلُقُ بِشُرُوعِهَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ، وَهِيَ " إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ الْكَلَامُ إلَّا بِارْتِكَابِ مَجَازٍ، إمَّا بِارْتِكَابِ مَجَازِ الزِّيَادَةِ، أَوْ بِارْتِكَابِ مَجَازِ النُّقْصَانِ، فَارْتِكَابُ مَجَازِ النُّقْصَانِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْحَذْفَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ الزِّيَادَةِ "، كَرَّرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ، عَلَى هَذَا: إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً، وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ فِي الْمَسْأَلَةِ: مَبْنِيٌّ عَلَى ارْتِكَابِ مَجَازِ الزِّيَادَةِ، فَيَلْغُو قَوْلُهُ " حَيْضَةً وَاحِدَةً " لِأَنَّ حَيْضَةً وَاحِدَةً مِنْ امْرَأَتَيْنِ مُحَالٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ.

قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ (إذَا قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا) ، بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ تُوطَأُ، أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ، إنْ لَمْ تَكُنْ تُوطَأُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، إلَّا أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ، وَتَلِدُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ أَوَّلِ وَطْئِهِ: فَلَا تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَقَعُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمَنْصُوصِ عَنْهُ: أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ الْحَمْلُ أَوْ خَفِيَ، فَوَلَدَتْ لِغَالِبِ الْمُدَّةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ: طَلُقَتْ بِكُلِّ حَالٍ، صَحَّحَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْجَامِعِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهِيَ بِالْعَكْسِ) ، فَتَطْلُقُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا تَطْلُقُ فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَا تَطْلُقُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَطْلُقُ فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: بِعَدَمِ الْعَكْسِ فِي الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، لِئَلَّا يَزُولَ يَقِينُ النِّكَاحِ بِشَكِّ الطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا لَا يَقَعُ هُنَا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَقَعُ ثُمَّ يَقَعُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا ضِدُّهَا، إلَّا إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَهَلْ يَقَعُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَالثَّانِي: لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) ، يَعْنِي: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا مُنْذُ حَلَفَ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَقِيبَ الْيَمِينِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ التَّحْرِيمَ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى يَظْهَرَ حَمْلٌ، أَوْ تَسْتَبْرِئَ، أَوْ تَزُولَ الرِّيبَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إنْ كَانَ بَائِنًا "، أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَهُوَ صَحِيحٌ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي التَّحْرِيمَ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا، سَوَاءٌ قُلْنَا: الرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ، أَوْ مُحَرَّمَةٌ

الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ مَوْجُودَةٍ، أَوْ مُسْتَقْبَلَةٍ، أَوْ مَاضِيَةٍ لَمْ يَطَأَ بَعْدَهَا، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَمَنْ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ مَوْجُودَةٍ، وَلَا مَاضِيَةٍ، وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَصْحَابِنَا. فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ قَالَ " إذَا حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ " لَمْ يَقَعْ إلَّا بِحَمْلٍ مُتَجَدِّدٍ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمُوا بِهِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ قَدَّمَ أَنَّهَا إذَا بَانَتْ حَامِلًا تَطْلُقُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْحَابُ، بَلْ جَعَلُوهُ خَطَأً، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَطَأُ حَتَّى تَحِيضَ، ثُمَّ يَطَأُ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَعَنْهُ: يَجُوزُ أَكْثَرَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِهَا مَرَّةً فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: هَلْ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كُنْت حَامِلًا بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى طَلُقَتْ ثَلَاثًا)

بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَطَلْقَةً، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ: فَقَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَجْهًا، وَقِيلَ: تَطْلُقُ طَلْقَةً فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ إنْ كُنْت حَامِلًا " " إنْ كَانَ حَمْلُك " لَمْ تَطْلُقْ إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَطْلُقُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ حَمْلَهَا لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، بَلْ بَعْضُهُ هَكَذَا وَبَعْضُهُ هَكَذَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْ غَزْلِهَا. الثَّالِثَةُ: يَسْتَحِقُّ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى الْوَصِيَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، بِأَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى " إنْ كُنْت حَامِلًا بِذِكْرٍ فَلَهُ مِائَةٌ، وَإِنْ كُنْت حَامِلًا بِأُنْثَى فَلَهَا مِائَتَانِ " فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى: اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ وَصِيَّتَهُ، وَيَقُولُ فِي الثَّانِيَةِ " إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرٌ فَلَهُ مِائَةٌ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ مِائَتَانِ " فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى: لَمْ يَسْتَحِقَّا شَيْئًا مِنْ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْوِلَادَةِ (إذَا قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، ثُمَّ أُنْثَى: طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَبَانَتْ بِالثَّانِي، وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) ،

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قُلْتُ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ بِهِ، يَعْنِي: بِالثَّانِي أَيْضًا، وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ وِلَادَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: وَفِيهَا نَظَرٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: هَذَا عَلَى نِيَّةِ الرَّجُلِ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَطْلِيقَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ وِلَادَةً وَاحِدَةً، وَأَنْكَرَ قَوْلَ سُفْيَانَ: إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا بِالْأَوَّلِ مَا عَلَّقَ بِهِ، وَتَبِينُ بِالثَّانِي، وَلَا تَطْلُقُ بِهِ، كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَرِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ أَصَحُّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى حَمْلٍ وَاحِدٍ، وَوِلَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَكَرًا مَرَّةً وَأُنْثَى أُخْرَى نُوِّعَ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ هَذَا الْحَمْلَ ذَكَرًا وَأُنْثَى لَمْ يَقَعْ بِهِ الْمُعَلَّقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا، بَلْ الْمُعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إيقَاعَ أَحَدِ الطَّلَاقَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدَّدَهُ لِتَرَدُّدِ كَوْنِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ أَكْثَرَ الطَّلَاقَيْنِ إذْ كَانَ الْقَصْدُ تَطْلِيقَهَا بِهَذَا الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، لَكِنَّهُ أَوْقَعَ بِوِلَادَةِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَيَقَعُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُعَلَّقَيْنِ. انْتَهَى

ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بَعْدَ وَضْعِ الثَّانِي، وَصَرَّحَ النَّاظِمُ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ الثَّانِي تَطْلُقُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِدَّةٍ مُتَعَقِّبَةٍ، وَعَلَى هَذَا يُعَايَى بِهَا، فَيُقَالُ عَلَى أَصْلِنَا طَلَاقٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَا مَانِعَ، وَالزَّوْجَانِ مُكَلَّفَانِ، لَا عِدَّةَ فِيهِ، وَيُعَايَى بِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَيُقَالُ: طَلَاقٌ بِلَا عِوَضٍ دُونَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: عِدَّةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَسْبِقُ الْبَيْنُونَةَ، فَلَمْ تَخْلُ مِنْ عِدَّةٍ مُتَعَيِّنَةٍ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: تَطْلُقُ الثَّالِثَةُ لِقُرْبِ زَمَانِ الْبَيْنُونَةِ، وَالْوُقُوعِ، فَلَمْ يُجْعَلْ زَمَانُهَا زَمَانَهَا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النُّكَتِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: (فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، ثُمَّ أُنْثَى) ، احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَلَدَتْهُمَا مَعًا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، غَيْرَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَمُرَادُهُ أَيْضًا: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ. فَالثَّانِي: حَمْلٌ مُسْتَأْنَفٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَحْبَلَ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَلَدٍ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرُهُ فِي الْحَامِلِ لَا تَحِيضَ، وَفِي الطَّلَاقِ بِهِ الْوَجْهَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةٌ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ،

وَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ لِثُبُوتِ وَطْئِهِ بِهِ، فَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوَطْءِ الْمُحَصِّلِ لِلرَّجْعَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَشْكَلَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهَا، وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِيَقِينٍ، وَلَغَا مَا زَادَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا أَظْهَرُ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا) ، قَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إلْحَاقِ الطَّلَاقِ لِأَجْلِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَبَهَةِ، فَمَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ هُنَا: جَعَلَ التَّعْيِينَ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَجَعَلَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَازِمًا لِذَلِكَ، وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِهَا هُنَا هُوَ اللَّازِمُ، وَهُوَ الْوُقُوعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِيهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، انْتَهَى. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا قَالَ " إنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَأَلْقَتْ مَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ قَالَتْ " قَدْ وَلَدْت " فَأَنْكَرَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، قَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: هَذَا إنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْحَمْلِ،

وَإِنْ شَهِدَ النِّسَاءُ بِمَا قَالَتْ: طَلُقَتْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْمَشْهُورُ الْوُقُوعُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَتَبِعَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْمَوَاهِبِ الْعُكْبَرِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْأَكْثَرُونَ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ إذَا كَانَ مِثْلُهَا يَلِدُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَطْلُقَ حَتَّى يَشْهَدَ مِنْ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً الطَّلَاقُ بِشَهَادَتِهِ، كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا غَصَبَ، أَوْ لَا غَصَبَ كَذَا، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ بِرَجُلِ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ: لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالسَّامِرِيُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: عِنْدِي أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ مَنْ عَفَا عَنْ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فِي الطَّلَاقِ: أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِرَجُلَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي كِتَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ رِوَايَتَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مَعًا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، إنْ وَلَدَتْهُمْ مُتَعَاقِبِينَ طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي، وَلَا تَطْلُقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ " إنْ وَلَدْت "، وَلَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك " لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " وَلَدًا " بَلْ قَالَ " كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ: طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ نَجَّزَهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ، إذْ التَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَعْلِيقٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ لَوْ قَالَ " عَنَيْت بِقَوْلِي هَذَا: أَنَّكِ تَكُونِينَ طَالِقًا بِمَا أَوْقَعْته عَلَيْك، وَلَمْ أُرِدْ إيقَاعَ طَلَاقٍ سِوَى مَا بَاشَرْتُك بِهِ " دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ [يُخَرَّجُ] عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِشَرْطِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يُعَلِّلْ فِي الْكَافِي بِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ فِي تَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ " وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ " إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقَةَ. وَمُرَادُهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ " كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا " إذَا وَقَعَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ رَجْعِيَّتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ " كُلَّمَا أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَهُوَ كَقَوْلِهِ " كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ،

وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقٌ بِصِفَةٍ عَقَدَهَا قَبْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهَا: لَمْ تَطْلُقْ غَيْرَهُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَقَعَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعِنْدِي أَنَّ حُكْمَ مَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِصِفَةِ عَقْدِهَا قَبْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ كَمَا قَالَ، وَحُكْمُ مَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِصِفَةِ عَقْدِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ: حُكْمُ طَلَاقِهِ الْمُنَجَّزِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي أَوْ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا نَصَّ فِيهَا) ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَطْلُقُ بِالطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ، وَيَلْغُو مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قِيَاسُ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَبِي بَكْرٍ، فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ مُطْلَقًا، قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَنُسِبَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إلَيْهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ يَقَعُ بِالْمُنَجَّزِ وَاحِدَةً، ثُمَّ يُتَمِّمُ مِنْ الْمُعَلَّقِ، عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً، وَقِيلَ: تَقَعُ الثَّلَاثُ مَعًا، فَتَطْلُقُ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا ثَلَاثًا، وَقِيلَ: تَقَعُ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ، فَيَقَعُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا ثَلَاثًا أَيْضًا.

فَوَائِدُ. إحْدَاهَا: لَوْ قَالَ " إنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا " أَوْ " إنْ أَبَنْتُك " أَوْ " فَسَخْت نِكَاحَك " أَوْ " رَاجَعْتُك " أَوْ " إنْ ظَاهَرْت " أَوْ " آلَيْتُ مِنْك " أَوْ " لَاعَنْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا " فَفَعَلَ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تَلْغُو صِفَةُ الْقَبْلِيَّةِ، وَفِي إلْغَاءِ الطَّلَاقِ مِنْ أَصْلِهِ الْوَجْهَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ الْأَوْجَهُ، يَعْنِي: فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ فِي " أَبَنْتُك وَفَسَخْت نِكَاحَك " بَلْ تَبِينُ بِالْإِبَانَةِ وَالْفَسْخِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَا مَعًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ فِي الظِّهَارِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ، إذَا صَحَّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي وَجْهٍ، كَذَا فِي اللِّعَانِ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عَلَى تَفْرِيقِ حَاكِمٍ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " كُلَّمَا طَلَّقْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ لِلضَّرَّةِ، ثُمَّ طَلَّقَ الْأُولَةَ: طَلُقَتْ الضَّرَّةُ طَلْقَةً بِالصِّفَةِ، وَالْأُولَةَ اثْنَتَيْنِ، طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَوُقُوعُهُ بِالضَّرَّةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا طَلَاقًا بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقًا ثَانِيًا، وَإِنْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ طَلْقَتَانِ طَلُقَتْ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ " إنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ، فَعَمْرَةُ طَالِقٌ " أَوْ " كُلَّمَا طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ " إنْ طَلَّقْتُ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ " أَوْ " كُلَّمَا طَلَّقْتُ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ " فَحَفْصَةُ كَالضَّرَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَعَكْسُ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلُهُ لِعَمْرَةَ " إنْ طَلَّقْتُك فَحَفْصَةُ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ لِحَفْصَةَ " إنْ طَلَّقْتُك فَعُمْرَةُ طَالِقٌ " فَحَفْصَةُ هُنَا كَعَمْرَةَ هُنَاكَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: أَرَى مَتَى طَلُقَتْ عَمْرَةُ طَلُقَتْ بِالْمُبَاشَرَةِ

وَطَلُقَتْ بِالصِّفَةِ أَنْ يَقَعَ عَلَى حَفْصَةَ أُخْرَى بِالصِّفَةِ فِي حَقِّ عَمْرَةَ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَيْهِمَا، وَأَنَّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي " كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَوُجِدَ رَجْعِيًّا يَقَعُ الثَّلَاثُ، يُعْطَى اسْتِيفَاءُ الثَّلَاثِ فِي حَقِّ عَمْرَةَ؛ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَطَلْقَةً بِالصِّفَةِ، وَالثَّالِثَةَ بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي طَلَاقِ عَمْرَةَ الْمُعَلَّقِ بِطَلَاقِ حَفْصَةَ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَلَّقَ ثَلَاثًا بِتَطْلِيقٍ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً: طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَأَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ: فَيَقَعُ مَا نَجَّزَهُ، وَأَمَّا طَلَاقُهَا بِعِوَضٍ: فَلَا يَقَعُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا طَلَّقْت اثْنَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا طَلَّقْت ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكُلَّمَا طَلَّقْت أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ جَمِيعًا: عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: عَشَرَةً، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ: وَهُوَ خَطَأٌ، قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ،

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْتَقَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَبْعَةَ عَشَرَ، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ عِشْرُونَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ أَيْضًا فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ الشَّارِحُ أَيْضًا: وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ) ، يَعْنِي: فِي جَمِيعِ الْأَوْجُهِ، فَيُؤَاخَذُ بِمَا نَوَى. فَائِدَةٌ: لَوْ جَعَلَ مَكَانَ " كُلَّمَا " " إنْ " لَمْ يُعْتَقْ إلَّا أَرْبَعٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: يُعْتَقُ عَشَرَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَدَاخُلِ الصِّفَاتِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " إنْ أَكَلْت رُمَّانَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أَكَلْت نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ "، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ هُنَاكَ إلَّا وَاحِدَةً. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا أَتَاك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهَا: إذَا أَتَاك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ) ، أَنَّهُ لَوْ أَتَى بَعْضُ الْكِتَابِ، وَفِيهِ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَنْمَحِ ذِكْرُهُ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، قَالَ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ: فَإِنْ أَتَاهَا، وَقَدْ ذَهَبَتْ حَوَاشِيهِ، أَوْ مُحِيَ مَا فِيهِ، سِوَى الطَّلَاقِ: طَلُقَتْ، وَإِنْ ذَهَبَ الْكِتَابُ إلَّا مَوْضِعَ الطَّلَاقِ: فَوَجْهَانِ

قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّكِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ: دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: دُيِّنَ بَاطِنًا، وَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: دُيِّنَ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ كَتَبَ إلَيْهَا " إذَا قَرَأْت كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقُرِئَ عَلَيْهَا وَقَعَ، إنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ كَانَتْ تُحْسِنُ: فَوَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلْفِ (إذَا قَالَ: إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت، أَوْ دَخَلْت الدَّارَ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) ، اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، ثُمَّ أَعَادَهُ، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وَفِي ذَلِكَ لِلشَّرْطِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ، وَالْأَصَحُّ: أَوْ تَصْدِيقُ خَبَرٍ، أَوْ تَكْذِيبُهُ، سِوَى تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهَا، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ طُهْرٍ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ طَلْقَةً فِي مَرَّةٍ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يَسْتَثْنِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَ الْعَمَلَ بِعُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ وَقَصْدِهِ فِي مُسَمَّى الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ مُوجَبُ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأُصُولِهِ،

قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلْفِ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ، فَهَلْ هُوَ حَلِفٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) ، يَعْنِي: إنْ قَالَ " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك: فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ "، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِحَلِفٍ، فَيَكُونُ شَرْطًا مَحْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْبُلْغَةِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ حَلِفٌ، فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعَادَهُ مَرَّةً أُخْرَى طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَعَادَهُ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا) ، إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِإِعَادَتِهِ إفْهَامَهَا، فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إفْهَامَهَا: لَمْ تَطْلُقْ سِوَى الْأُولَى، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ آخِرَ الْفَصْلِ مُسْتَوْفًى لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَأَعَادَهُ: طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ

بِهَا فَأَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) يَعْنِي: بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى (لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَائِنَ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ، وَكَذَا جَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا: أَنَّ التَّعْلِيقَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ تَطْلُقُ كَالْأُخْرَى طَلْقَةً طَلْقَةً، وَلَوْ جَعَلَ " كُلَّمَا " بَدَلَ " إنْ " طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، طَلُقَتْ عَقِبَ حَلِفِهِ ثَانِيًا، وَطَلْقَتَيْنِ لَمَّا نَكَحَ الْبَائِنَ وَحَلَفَ بِطَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ " كُلَّمَا " لِلتَّكْرَارِ، قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُغْنِي فِي " كُلَّمَا قَالَ مَا تَقَدَّمَ " ذَكَرَهُ فِي " إنْ " وَكَذَا فَرَضَهَا فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ وَإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ " ثُمَّ قَالَهُ ثَانِيًا: طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً، عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ، وَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي انْعِقَادِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَنْعَقِدُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ الْآتِيَةِ، وَالثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي، فَإِنْ أَعَادَهُ ثَالِثًا قَبْلَ تَجْدِيدِ نِكَاحِ الْبَائِنِ: لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ،

فَإِنْ تَزَوَّجَ الْبَائِنَ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَحْدَهَا، فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تَطْلُقُ، وَتَطْلُقُ الْأُخْرَى طَلْقَةً، لِوُجُودِ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ، وَالْحَلِفُ بِطَلَاقِ الْبَائِنَةِ بَعْدَ طَلَاقِهَا، فَكَمُلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْأُولَى، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً طَلْقَةً، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، فَقَالَ " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ " ثُمَّ أَعَادَهُ: لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ " طَلُقَتْ عَمْرَةُ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ هَذَا " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ " لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ " إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ " طَلُقَتْ حَفْصَةُ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ (إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَحَقَّقَ ذَلِكَ، أَوْ زَجَرَهَا، فَقَالَ: تَنَحِّي، أَوْ اُسْكُتِي، أَوْ قَالَ: إنْ قُمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ. قَوْلُهُ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الْكَلَامَ الْمُنْفَصِلَ عَنْهَا) ، قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، [وَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ إذَا قَالَ " إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعَادَهُ "] .

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: إنْ بَدَأْتُك بِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْنَثَ بِبُدَاءَتِهِ إيَّاهَا بِالْكَلَامِ وَفِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِلْمُصَنِّفِ، قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ، لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ، أَوْ كَاتَبَتْهُ، أَوْ رَاسَلَتْهُ: حَنِثَ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّشَاغُلِ وَالْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، كَتَكْلِيمِهَا غَيْرَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ تَقْصِدُهُ بِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إذَا كَاتَبَتْهُ أَوْ رَاسَلَتْهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، كَنِيَّةِ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرْسَلَتْ إنْسَانًا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ، فَجَاءَ الرَّسُولُ فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ: لَمْ يَحْنَثْ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَشَارَتْ إلَيْهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ أَشَارَتْ بِيَدٍ أَوْ بِعَيْنٍ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْنَثُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ أَوْ أَصَمَّ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهَا كَلَّمَتْهُ أَوْ مَجْنُونًا يَسْمَعُ كَلَامَهَا: حَنِثَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْأَصَمِّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهَا السَّكْرَانَ فَقَطْ، وَأَطْلَقَ فِي السَّكْرَانِ وَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. فَائِدَةٌ: كَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ كَلَّمَتْ صَبِيًّا يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُكَلَّمٌ: حَنِثَ، فَأَمَّا إنْ جُنَّتْ هِيَ وَكَلَّمَتْهُ: لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ لِكَلَامِهَا حُكْمٌ، وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى: حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الصَّاحِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ،

وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْلَ لَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ نَائِمًا: لَمْ يَحْنَثْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْنَثُ، وَذَكَرَهُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ كَلَّمْتُمَا هَذَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا مِنْهُمَا: طَلُقَتَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى تُكَلِّمَا جَمِيعًا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ الشَّارِحِ: وَهُوَ أَوْلَى، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَالْأَقْوَى لَا يَقَعُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ نُحْنِثْهُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ، فَأَمَّا إنْ حَنَّثْنَاهُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ: حَنَّثْنَاهُ هُنَا، قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ " إذَا وَجَدْنَا جُمْلَةً ذَاتَ أَعْدَادٍ مُوَزَّعَةٍ

عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى، فَهَلْ تَتَوَزَّعُ أَفْرَادُ الْجُمْلَةِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى أَفْرَادِ الْأُخْرَى، أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى؟ " وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. فَمِثَالُ مَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى، فَيُقَابَلُ كُلُّ فَرْدٍ كَامِلٍ بِفَرْدِ يُقَابِلُهُ إمَّا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ، أَوْ دَلَالَةِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا لِاسْتِحَالَةِ مَا سِوَاهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتَيْهِ " إنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ " فَإِذَا أَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا: طَلُقَتْ، لِاسْتِحَالَةِ أَكْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ الرَّغِيفَيْنِ، أَوْ يَقُولُ لِعَبْدَيْهِ " إنْ رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا، أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا، أَوْ تَقَلَّدْتُمَا سَيْفَيْكُمَا، أَوْ دَخَلْتُمَا بِزَوْجَتَيْكُمَا، فَأَنْتُمَا حُرَّانِ " فَمَتَى وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رُكُوبُ دَابَّتِهِ، وَلُبْسُ ثَوْبِهِ، وَتَقَلُّدُ سَيْفِهِ، أَوْ الدُّخُولُ بِزَوْجَتِهِ: تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَذَا عُرْفِيٌّ، وَفِي بَعْضِهِ شَرْعِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمِثَالُ مَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى: أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ " إنْ كَلَّمْتُمَا زَيْدًا، أَوْ كَلَّمْتُمَا عَمْرًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ " فَلَا تَطْلُقَانِ حَتَّى تُكَلِّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا زَيْدًا وَعَمْرًا. الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِ التَّوْزِيعَيْنِ، فَهَلْ يُحْمَلُ التَّوْزِيعُ عِنْدَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَالْأَشْهَرُ: أَنْ يُوَزَّعَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى إذَا أَمْكَنَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ مَسَائِلِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَالْوَقْفِ، وَالرِّبَا، وَالرَّهْنِ وَغَيْرِهِ.

وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا مِنْ الْقَاعِدَةِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ أَمَرْتُك فَخَالَفْتِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا فَخَالَفَتْهُ: لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ لَمْ تَعْرِفْ حَقِيقَهُ الْأَمْرِ وَالنَّهْي: حَنِثَ، قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ وَالتَّحْقِيقِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مِثْلُ قَوْلِهِ " إنْ نَهَيْتُك فَخَالَفْتِينِي: فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَأَمَرَهَا وَخَالَفَتْهُ، لَمْ يَذْكُرْهَا الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ مُؤَثِّرٍ لِيَمْتَنِعَ التَّخْرِيجُ. انْتَهَى. قُلْت: عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ حَالٍ: بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ. انْتَهَيَا. وَقَدْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ الْأُصُولِيُّونَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَهُ ثَانِيًا: طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ

قَالَهُ ثَالِثًا: طَلُقَتْ ثَانِيَةً، وَإِنْ قَالَهُ رَابِعًا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَتَبِينُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِطَلْقَةٍ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ وَلَا الثَّالِثَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِنْدِي: تَنْعَقِدُ الثَّانِيَةُ، بِحَيْثُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَكَلَّمَهَا: طَلُقَتْ، إلَّا عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ: تَنْحَلُّ الصِّفَةُ مَعَ الْبَيْنُونَةِ، فَإِنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهَا، وَلَا يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لِعَدَمِ إمْكَانِ إيقَاعِهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ السَّابِقَةِ فَإِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ فِيهِمَا، كَمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَمَّا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: فَلَا وَجْهَ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا مَعْنَى يَقْتَضِيهِ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّفْرِقَةِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا " إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ أَعَادَهُ: طَلُقَتْ بِالْإِعَادَةِ، لِأَنَّهَا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَعَلَّلَهُ فَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْإِعَادَةِ ثَانِيًا، فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ ثَانِيَةٌ، أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَنْعَقِدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَالْخِلَافِ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ،

كَالْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَلَهُ مَأْخَذَانِ، وَذَكَرَهُمَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقِفُ وُقُوعُهُ عَلَى تَمَامِ الْإِعَادَةِ. قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ (إذَا قَالَ: إذَا خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي، أَوْ إلَّا بِإِذْنِي، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك، فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ: طَلُقَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. قُلْتُ: وَهُوَ قَوِيٌّ، كَإِذْنِهِ فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا شَاءَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ مَرَّةً أَوْ مُطْلَقًا، أَوْ أَذِنَ بِالْخُرُوجِ لِكُلِّ مَرَّةٍ، فَقَالَ " اُخْرُجِي مَتَى شِئْت " لَمْ يَكُنْ إذْنًا إلَّا لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " اُخْرُجِي كُلَّمَا شِئْت " يَكُونُ إذْنًا عَامًا، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَخَرَجَتْ: طَلُقَتْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا أَشْهَرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَطْلُقَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ: أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ: وَلِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ دَعْوَاهُ الْإِذْنَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الظَّاهِرِ، فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ تَطْلُقْ، قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ " فَمَاتَ زَيْدٌ: لَمْ يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحَنَّثَهُ الْقَاضِي، وَجَعَلَ الْمُسْتَثْنَى مَحْلُوفًا عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَذِنَ لَهَا، فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى نَهَاهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تَطْلُقُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالثَّانِي: لَا تَطْلُقُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: لَا تَطْلُقُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: لَا يَقَعُ إذَا أَذِنَ لَهَا ثُمَّ نَهَى وَجَهِلَتْهُ، قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ خَرَجْت إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْحَمَّامَ وَغَيْرَهُ: طَلُقَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ،

وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ ثُمَّ عَدَلَتْ إلَى غَيْرِهِ طَلُقَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَطْلُقَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ (إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ شِئْت، أَوْ كَيْف شِئْت، أَوْ حَيْثُ شِئْت، أَوْ مَتَى شِئْت: لَمْ تَطْلُقْ، حَتَّى تَقُولَ: قَدْ شِئْت، سَوَاءٌ شَاءَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَلَوْ شَاءَتْ كَارِهَةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَالِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ " إنْ " بِالْمَجْلِسِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ إذَا قَالَ " كَيْفَ شِئْت " أَوْ " حَيْثُ شِئْت " دُونَ غَيْرِهِمَا. فَائِدَةٌ: لَوْ رَجَعَ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا: لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَبَقِيَّةِ التَّعَالِيقِ،

وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَاخْتَارِي، وَأَمْرُك بِيَدِك. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ أَبُوك: لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَشَاءَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْتُ: هُوَ بَعِيدٌ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّرَاخِي، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ، إنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَشَاءَهُمَا " وَلَا نِيَّةَ: وَقَعَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَقَعَانِ، وَلَوْ تَعَذَّرَتْ الْإِشَاءَةُ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَوْ غَابَ، وَحَكَاهُ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ: لَمْ تَطْلُقْ) ، أَمَّا إذَا مَاتَ أَوْ جُنَّ: فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَمْ يَقَعْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ [فِي الْهِدَايَةِ] وَابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَأَمَّا الْأَخْرَسُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ فَهِيَ كَنُطْقِهِ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقِيلَ: إنْ خَرِسَ بَعْدَ يَمِينِهِ: لَمْ تَطْلُقْ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَابَ: لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: تَطْلُقُ، وَحَكَاهُ فِي الْمُنْتَخَبِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانُ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي طَلَاقِهِ) ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا: عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَإِنْ وَقَعَ هُنَاكَ، وَفَرَّقَا بَيْنَهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْمَشِيئَةَ، فَشَاءَ: طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ إذَا شَاءَ تَطْلُقُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ كَطَلَاقِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ عَلَى زَوْجَتِهِ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ: وَإِنْ شَاءَ مُمَيِّزٌ فَكَطَلَاقِهِ، وَجَزَمَ بِالْوُقُوعِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا تَطْلُقُ، كَطَلَاقِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَمَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ خَرِسَ: طَلُقَتْ) ، إذَا مَاتَ أَوْ جُنَّ: طَلُقَتْ بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي وَقْتِ الْوُقُوعِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِي: تَطْلُقُ آخِرَ حَيَاتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. الثَّالِثُ: يَتَبَيَّنُ حِنْثُهُ مِنْ حِينِ حَلَفَ، وَذَكَرَ لِلْقَاضِي فِي " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ زَيْدٌ " يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَأَمَّا إذَا خَرِسَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إشَارَتَهُ الْمَفْهُومَةَ كَنُطْقِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ حَصَلَ خَرَسُهُ بَعْدَ يَمِينِهِ: فَلَيْسَ كَنُطْقِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ النَّاظِمُ: لَوْ قِيلَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ إلَى حِينِ الْمَوْتِ: لَمْ يَكُنْ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ ثَلَاثًا، فَشَاءَ ثَلَاثًا: طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ،

وَفِي الْآخِرِ لَا تَطْلُقُ يَعْنِي لَا تَطْلُقُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا " فَشَاءَتْ ثَلَاثًا، وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ هُنَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، أَوْ تَشَائِي وَاحِدَةً " فَيَشَاءُ زَيْدٌ أَوْ هِيَ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ: طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ: عَتَقَتْ) وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ الْجَمَاعَةُ، مِنْهُمْ: ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَنْبَلٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، وَأَبُو النَّضْرِ، وَالْأَثْرَمُ، وَأَبُو طَالِبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ، قُلْتُ: مِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ: عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ هَانِئٍ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ،

حَكَاهُ عَنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَطَعَ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْغَلَطِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَقَعُ الطَّلَاقُ دُونَ الْعِتْقِ، وَعَنْهُ: لَا يَقَعَانِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَيْمَانِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ مَعْنَاهُ: هِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ هَذَا، وَاَللَّهُ لَا يَشَاؤُهُ إلَّا بِتَكَلُّمِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّطْلِيقِ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ " وَلَيْسَ قَوْلُهُ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَعْلِيقًا، بَلْ تَأْكِيدٌ لِلْوُقُوعِ وَتَحْقِيقٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ: لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ طَلَاقِهَا حِينَئِذٍ، وَكَذَا إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَنْ يَقَعَ هَذَا الطَّلَاقُ الْآنَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعَلَّقًا أَيْضًا عَلَى الْمَشِيئَةِ، فَإِذَا شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَهُ، فَيَقَعُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَشَاءُ اللَّهُ وُقُوعَهُ حَتَّى يُوقِعَهُ ثَانِيًا. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، لَوْ قَالَ " يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " تَطْلُقُ، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالْوُقُوعِ مِنْ قَوْلِهِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَفِي الرِّعَايَةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ: طَلُقَتْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِتَضَادِّ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، فَلَغَا تَعْلِيقُهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَدَخَلَتْ، فَهَلْ تَطْلُقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي. أَحَدُهُمَا: لَا تَطْلُقُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَالَ: لَا تَطْلُقُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَطْلُقُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: أَصَحُّهُمَا تَطْلُقُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: إنْ نَوَى رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الْفِعْلِ لَمْ يَقَعْ، كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا فَعَلْت، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، يَعْنِي فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إذَا نَوَى رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ يُوجَدُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقَدْ وُجِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ وُقُوعِهِ؟ . انْتَهَى.

وَقَدْ حَرَّرَ الْعَلَامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي صِيغَةِ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَدْخُلِينَ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَوْ " أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلِنَّ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَنَحْوِهِ لِلْأَصْحَابِ سَبْعُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، أَوْ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كَأَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْحَلِفِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَفِي التَّعْلِيقِ عَلَى شَرْطٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعُ، دُونَ التَّعْلِيقِ عَلَى شَرْطٍ يُقْصَدُ بِهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَتَّةً، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صِيغَةِ التَّعْلِيقِ إذَا قَصَدَ رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الطَّلَاقِ، أَوْ أَطْلَقَ، فَأَمَّا إنْ رَدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا إنْ حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ، الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ رَدَّهَا إلَى الطَّلَاقِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَاسْتَثْنَى فِيهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ: فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ إلَى الطَّلَاقِ، وَإِنْ رَدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى الْفِعْلِ نَفَعَهُ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُوَافِقُ طَرِيقَةَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، إلَّا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَهَا فِي أَنَّهُ إذَا عَادَ

الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَنْفَعْ، كَمَا لَا يَنْفَعُ فِي الْمُنَجَّزِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ. الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولَتَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ نَفْيًا: لَمْ تَطْلُقْ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَمْ يَفْعَلْهُ، فَلَا يَحْنَثُ، فَإِنْ كَانَ إثْبَاتًا حَنِثَ، نَحْوُ " إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ "، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الطَّرِيقَةُ السَّادِسَةُ: طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عِنْدِي فِيهَا تَفْصِيلٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَضْمُونُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ. الَّتِي هِيَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الطَّلَاقِ، انْبَنَى الْحُكْمُ عَلَى عِلَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا: لَمْ يَقَعْ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: دُخُولُ الدَّارِ مَثَلًا، وَالْأُخْرَى: الْمَشِيئَةُ، وَمَا وُجِدَتَا، فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ عِلْمُنَا بِوُجُودِ مَشِيئَةِ اللَّهِ لِوُجُودِ لَفْظِ الطَّلَاقِ: انْبَنَى عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَتَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَشَاءَ زَيْدٌ " فَدَخَلَتْ وَلَمْ يَشَأْ زَيْدٌ، فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، كَذَا هُنَا يُخْرَجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَمَّا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهِيَ دُخُولُ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْنَا: قَدْ عَلِمْنَا مَشِيئَةَ الطَّلَاقِ: وَقَعَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ جَمِيعًا،

وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ نَعْلَمْ مَشِيئَتَهُ: انْبَنَى عَلَى مَا إذَا عَلَّقَهُ عَلَى صِفَتَيْنِ فَوُجِدَ إحْدَاهُمَا، وَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. الطَّرِيقَةُ السَّابِعَةُ: طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِدُونِ وُجُودِ الصِّفَةِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِهَا: فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَهِيَ أَضْعَفُ الطُّرُقِ وَذَكَرَ فَسَادَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ، أَوْ مَشِيئَتِهِ: طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ: دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ حُكْمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: دُيِّنَ بَاطِنًا. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إنْ رَضِيَ أَبُوك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَ " مَا رَضِيت " ثُمَّ قَالَ " رَضِيت " طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ، فَكَانَ مُتَرَاخِيًا، ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، وَقَالَ: قَالَ قَوْمٌ يَنْقَطِعُ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ " إنْ كَانَ أَبُوك يَرْضَى بِمَا فَعَلْته فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَ " مَا رَضِيت "

ثُمَّ قَالَ " رَضِيت " طَلُقَتْ، لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى رِضًى مُسْتَقْبَلٍ وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلَافِ " إنْ كَانَ أَبُوك رَاضِيًا بِهِ "؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: أَنَا أُحِبُّهُ) ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهَا، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْأُولَى، وَصَحَّحَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَالْأَوْلَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً "، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ: لِاسْتِحَالَتِهِ عَادَةً، كَقَوْلِهِ " إنْ كُنْت تَعْتَقِدِينَ أَنَّ الْجَمَلَ يَدْخُلُ فِي خُرْمِ الْإِبْرَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَتْ " أَعْتَقِدُهُ " فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يُجَوِّزُهُ، فَضْلًا عَنْ اعْتِقَادِهِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ مُطْلَقًا، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِهِ " إنَّ كُنْت تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِك " وَإِنْ طَلُقَتْ فِي الْأُولَى، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " إنْ كُنْت تُبْغِضِينَ الْجَنَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَتْ " أَنَا أَبْغَضُهَا " وَكَذَا لَوْ قَالَ " إنْ كُنْت تُبْغِضِينَ الْحَيَاةَ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا تُحِبُّهُ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

فصل مسائل متفرقة قال أنت طالق إذا رأيت الهلال

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَتُهُ " أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي " فَقَالَ " إنْ كُنْت تُرِيدِينَ " أَوْ " إذَا أَرَدْت أَنْ أُطَلِّقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَظَاهِرُ الْكَلَامِ: يَقْتَضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إيقَاعَهُ، لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَنَصَرَ الثَّانِيَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقِيَمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. [فَصْلٌ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ] قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ) (إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ: طَلُقَتْ إذَا رُئِيَ) أَوْ أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا، فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَرَاهُ) ، إذَا نَوَى حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَرَاهُ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَيُدَيَّنُ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ حُكْمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ بِقَرِينَةٍ. تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " طَلُقَتْ إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ " أَنَّهَا تَطْلُقُ إذَا رُئِيَ، سَوَاءٌ رُئِيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا رُئِيَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

الثَّانِي: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ " مَتَى تَطْلُقُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقَمَرَ: لَمْ تَطْلُقْ، وَهَلْ يُقْمِرُ بَعْدَ ثَالِثَةٍ؟ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَوْ بِاسْتِدَارَتِهِ، أَوْ بِبُهْرِ ضَوْئِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَبْهَرُ ضَوْءُهُ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ، حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ رَأَيْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَرَأَتْهُ وَلَوْ مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَلَوْ رَأَتْهُ فِي مَاءٍ أَوْ فِي زُجَاجٍ شَفَّافٍ: طَلُقَتْ، إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ رَأَتْهُ مُكْرَهَةً: لَمْ تَطْلُقْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَلَوْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ: لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ جَالَسَتْهُ، وَهِيَ عَمْيَاءُ: لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ امْرَأَتَاهُ: طَلُقَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّادِقَةَ وَحْدَهَا، فَتَطْلُقُ وَحْدَهَا) ، أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَتَاهُ مَعًا تَطْلُقَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) ، يَعْنِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ،

كَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إنْ أَخْبَرَتَاهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِمَا عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَيُسَمَّى خَبَرًا وَإِنْ تَكَرَّرَ، وَالْبِشَارَةُ الْقَصْدُ بِهَا السُّرُورُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ الصِّدْقِ، وَيَكُونُ مِنْ الْأُولَى لَا غَيْرُ، وَقِيلَ: تَطْلُقَانِ مَعَ الصِّدْقِ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " إنْ لَبِسْت ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى مُعَيَّنًا: دُيِّنَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يُدَيَّنُ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَخَرَّجَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَشَذَّ طَائِفَةٌ فَحَكَوْا الْخِلَافَ فِي تَدْيِينِهِ فِي الْبَاطِنِ، مِنْهُمْ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْأَيْمَانِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَيُقْبَلُ حُكْمًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " ثَوْبًا " فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَدَّمَهُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ حُكْمًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحِيَلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا لُبْسَ " وَنَوَى مُعَيَّنًا: دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، سَوَاءٌ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ قَرِبْت دَارِ أَبِيك بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ قَرِبْت فَأَنْتِ

طَالِقٌ " لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَدْخُلَهَا، وَإِنْ قَالَ " إنْ قَرُبْت " بِضَمِّ الرَّاءِ طَلُقَتْ بِوُقُوفِهَا تَحْتَ فِنَائِهَا وَلُصُوقِهَا بِجِدَارِهَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا) وَكَذَا جَاهِلًا (حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرُوهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، ذَكَرُوهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: إنَّ رُوَاتِهَا بِقَدْرِ رُوَاةِ التَّفْرِيقِ، وَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ حَالِفًا لَا مُعَلَّقًا، وَالْحِنْثُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْمَحْلُوفِ بِهِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ أَيْضًا، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَقَالَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا " فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ، أَوْ

لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ قَضَاهُ حَقَّهُ: فَفَارَقَهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ بَرَّ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ) ، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِزَيْدٍ ثَوْبًا، فَوَكَّلَ زَيْدٌ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ، فَدَفَعَهُ إلَى الْحَالِفِ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَهِيَ كَالنَّاسِي، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ يَحْسَبُهُ أَجْنَبِيًّا، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ فِيمَا إذَا " حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ " فَدَخَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ " لَا فَارَقَهُ إلَّا بِقَبْضِ حَقِّهِ " فَقَبَضَهُ فَفَارَقَهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ فَفَارَقَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ، أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَهِلَهُ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَخَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْحَوَالَةِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الضَّمَانِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَضَاءِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: لَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُ وَقُلْنَا: يَحْنَثُ كَالنَّاسِي فَهَلْ يَحْنَثُ هُنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَنْوِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ فَرِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَحْنَثُ، وَإِنْ قَصَدَ حَنِثَ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِثْلُهَا الدُّخُولُ عَلَى فُلَانٍ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَنَوَى السَّلَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، أَوْ كَلَامَهُمْ: حَنِثَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى السَّلَامَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ كَلَامَ غَيْرِهِ: لَمْ يَحْنَثْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ وَقَصَدَ مَنْعَهُ كَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، وَنَحْوِهِمَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا: فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ هُنَاكَ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ لَمْ يَحْنَثْ النَّاسِي، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلْنَهُ فَخَالَفَهُ: لَمْ يَحْنَثْ إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَمْرِ وَلَا يَجِبُ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوُقُوفِهِ فِي الصَّفِّ وَلَمْ يَقِفْ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْسَمَ لَيُخْبِرَنَّهُ بِالصَّوَابِ وَالْخَطَأِ لَمَّا فَسَّرَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ " لَا تُقْسِمْ " لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِقْسَامَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَتْمِ وَقَالَ أَيْضًا: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ فَكَالنَّاسِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَدَمُ حِنْثِهِ هُنَا أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِمَنْعِهِمْ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ، وَفَعَلُوهُ كُرْهًا: لَمْ يَحْنَثْ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا: وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ كَالسُّلْطَانِ، وَالْحَاجِّ اسْتَوَى الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالْإِكْرَاهُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي السُّلْطَانِ، الثَّالِثَةُ: لَوْ فَعَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. كَالنَّائِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي،

وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا: لَمْ يَحْنَثْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا تَأْخُذُ حَقَّك مِنِّي " فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، أَوْ أَخْذِهِ مِنْهُ قَهْرًا: حَنِثَ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَعَلَ الْأَخْذَ مُخْتَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ تَخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا، خَرَّجَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ قَرِينَةٌ، قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ بَعْضَهُ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ، فَبَاعَ نِصْفَهُ وَوَهَبَ نِصْفَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، فَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى التَّحْنِيثِ كَمَسْأَلَةِ الْغَزْلِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ اخْتَارَا عَدَمَ التَّحْنِيثِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةِ الْغَزْلِ وَغَيْرِهَا الْحِنْثَ، كَالْجَمَاعَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا " وَلَمْ يَقُلْ " ثَوْبًا " فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ " لَا آكُلُ طَعَامًا اشْتَرَتْهُ " فَأَكَلَ طَعَامًا شُورِكَتْ فِي شِرَائِهِ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ نَسَجَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، أَوْ اشْتَرَيَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا،

إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِي الشِّرَاءِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرِهِمْ فِي الْجَمِيعِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ: يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، كَمَا حَكَى فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُهُ شَيْئًا فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ فَأَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ: حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ مِثْلَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ أَقَلَّ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ بَاعَهُ: حَنِثَ بِأَكْلِهِ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَالثَّانِيَةُ: الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالسَّلَمُ وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ: شِرَاءٌ.

باب التأويل في الحلف

[بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ] ِ تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا فَلَهُ تَأْوِيلُهُ) ، أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَلَا مَظْلُومًا يَنْفَعُهُ تَأْوِيلُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَنْفَعُهُ تَأْوِيلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَنْعُ مِنْ الْيَمِينِ بِهِ، وَيَأْتِي مَا يُشْبِهُ هَذَا قَرِيبًا فِي التَّعْرِيضِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: قَوْلُهُ " وَإِنْ " لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا فَلَهُ تَأْوِيلُهُ " فَعَلَى هَذَا: يَنْوِي بِاللِّبَاسِ: اللَّيْلَ، وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ: الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ: السَّمَاءَ وَبِالْأُخُوَّةِ: أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرْت فُلَانًا: أَيْ مَا قَطَعْت ذَكَرَهُ، وَمَا رَأَيْته: أَيْ مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ، وَبِنِسَائِيِّ طَوَالِقُ: أَيْ نِسَاؤُهُ الْأَقَارِبُ مِنْهُ، وَبِجَوَارِيَّ أَحْرَارٌ: سُفُنَهُ، وَبِمَا كَاتَبْت فُلَانًا: مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ، وَبِمَا عَرَفْته: جَعَلْته عَرِيفًا، وَلَا أَعْلَمْته أَوْ أَعْلَمَ السَّفَهَ، وَلَا سَأَلْته حَاجَةً، وَهِيَ الشَّجَرَةُ الصَّغِيرَةُ، وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً، وَهِيَ الْكُبَّةُ مِنْ الْغَزْلِ، وَلَا فَرُّوجَةً، وَهِيَ الدُّرَّاعَةُ، وَلَا فِي بَيْتِي فِرَاشٌ، وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا حَصِيرٌ، وَهُوَ الْحَبْسُ، وَلَا بَارِيَةٌ، وَهِيَ السِّكِّينُ الَّتِي يُبْرَى بِهَا، وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَيَعْنِي بِهِ الْبَاقِي، كَذَا مَا أَخَذْت مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ خِلَافُهُ إذَا عَنَاهُ بِيَمِينِهِ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ زِيَادَاتٌ عَلَى هَذَا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ بِلَا حَاجَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ،

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهُ. لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَتَدْلِيسِ الْبَيْعِ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّدْلِيسَ، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَالْمَنْصُوصُ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مَعَ الْيَمِينِ، وَيُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ مَعَ قُرْبِ الِاحْتِمَالِ مِنْ الظَّاهِرِ، وَلَا يُقْبَلُ مَعَ بُعْدِهِ، وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، يَعْنِي سَوَاءً قَرُبَ الِاحْتِمَالُ أَوْ تَوَسَّطَ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي أَوَّلِ بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ وَالزُّبْدَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (فَإِذَا أَكَلَ تَمْرًا فَحَلَفَ لَتُخْبِرِنِّي بِعَدَدِ مَا أَكَلْت أَوْ لَتُمَيِّزَنَّ نَوَى مَا أَكَلْت فَإِنَّهَا تُفْرِدُ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا وَتَعُدُّ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَدَدٍ يَتَحَقَّقُ دُخُولُ مَا أَكَلَ فِيهِ) ، قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَالَ وَقِيلَ: إنْ نَوَاهُ وَإِلَّا حَنِثَ. وَاعْلَمْ أَنَّ غَالِبَ هَذَا الْبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالْحِيَلِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْحِيَلَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، وَلَا يَبَرُّ بِهَا، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَسَائِلَ، مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ " لَيَطَأَنَّهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ " ثُمَّ سَافَرَ، وَوَطِئَهَا، فَنَصُّهُ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حِيلَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ احْتَالَ بِحِيلَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ، وَنُقِلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ: نَحْنُ لَا نَرَى الْحِيلَةَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ،

فَقَالَ لَهُ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ عَلَى دَرَجَةِ سُلَّمٍ " إنْ صَعِدْت أَوْ نَزَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالُوا: تُحْمَلُ عَنْهُ، أَوْ تَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا حِيلَةً، هَذَا هُوَ الْحِنْثُ بِعَيْنِهِ. وَقَالُوا: إذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ بِسَاطًا فَوَطِئَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَحُمِلَ وَأُدْخِلَ إلَيْهَا طَائِعًا، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: جُمْلَةُ مَذْهَبِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ فِي الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِمَا وَرَدَ بِهِ سَمْعٌ، كَنِسْيَانٍ وَإِكْرَاهٍ وَاسْتِثْنَاءٍ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَقَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ التَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ حُكْمِ الْيَمِينِ، وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ " لَعَنْ اللَّهُ صَاحِبَ الْمَرَقِ لَقَدْ احْتَالَ حَتَّى أَكَلَ " وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيَطَأَنَّهَا الْيَوْمَ، فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ، أَوْ لَيَسْقِيَنَّ ابْنَهُ خَمْرًا لَا يَفْعَلُ، وَتَطْلُقُ، فَهَذِهِ نُصُوصُهُ، وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مَذْكُورَةً فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَعْظَمُهُمْ فِي ذَلِكَ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ فِيهِمَا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَعْضَهَا، قُلْتُ: الَّذِي نَقْطَعُ بِهِ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْحِنْثِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ مَا يُخَالِفُهَا، وَلَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَنَحْنُ نَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَخْلُو كِتَابُنَا مِنْهُ، فِي آخِرِ الْبَابِ، تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ.

فَمِنْ ذَلِكَ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَةٍ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يُدْخِلُهُ بَارِيَةً، فَإِنَّهُ يُدْخِلُهُ قَصَبًا فَيَنْسِجُهُ فِيهِ) ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَالَ وَقِيلَ: إنْ أَدْخَلَ بَيْتَهُ قَصَبًا لِذَلِكَ فَنُسِجَتْ فِيهِ: حَنِثَ، وَإِنْ طَرَأَ قَصْدُهُ وَحَلِفُهُ وَالْقَصَبُ فِيهِ فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرِطْلِ مِلْحٍ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَلَا يَجِدُ طَعْمَ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ يَسْلُقُ فِيهِ بَيْضًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا، وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ، فَوَجَدَهُ بَيْضًا وَتُفَّاحًا، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مِنْ الْبَيْضِ نَاطِفًا، وَمِنْ التُّفَّاحِ شَرَابًا) ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سُلَّمٍ فَحَلَفَ " لَا صَعِدْت إلَيْك، وَلَا نَزَلْت إلَى هَذِهِ، وَلَا أَقَمْت مَكَانِي سَاعَةً " فَلْتَنْزِلْ الْعُلْيَا وَلْتَصْعَدْ السُّفْلَى، فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ، وَإِنْ حَلَفَ " لَا أَقَمْت عَلَيْهِ، وَلَا نَزَلْت مِنْهُ، وَلَا صَعِدْت فِيهِ " فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا أَقَمْت فِي هَذَا الْمَاءِ، وَلَا خَرَجْت مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَحْنَثْ إذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ) ، قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ حَنِثَ بِقَصْدٍ أَوْ سَبَبٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنْ كَانَ فِي مَاءٍ جَارٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ: لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ: إنْ نَوَى الْمَاءَ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا حَنِثَ، كَمَا لَوْ قَصَدَ خُرُوجَهَا مِنْ النَّهْرِ، أَوْ أَفَادَتْ قَرِينَةٌ.

قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابٍ آخَرَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي هِيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ يَمِينِهِ تَقْتَضِي خُرُوجَهَا مِنْ النَّهْرِ أَوْ إقَامَتَهَا فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا حُمِلَ مِنْهُ مُكْرَهًا) ، هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ حِيلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ مَا لِفُلَانٍ عِنْدَك وَدِيعَةٌ، كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَإِنَّهُ يَعْنِي بِمَا " الَّذِي " وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ) ، وَيَبَرُّ، أَيْضًا إذَا نَوَى غَيْرَ الْوَدِيعَةِ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ أَثِمَ، وَهُوَ دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا، وَيُكَفِّرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَعَزَّاهُمَا الْحَارِثِيُّ إلَى فَتَاوَى أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَرَهُمَا فِيهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَجُوزُ جَحْدُهَا، بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهُ، كَخَوْفِهِ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقٍ، بَلْ يَضْمَنُ بِدَفْعِهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا، فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا، وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَهُ مَا فُلَانٌ هَاهُنَا) ، وَعَنِيَ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا: بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الْمَرُّوذِيُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، بَلْ تَبَسَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَةٍ: لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ بِقَصْدٍ أَوْ سَبَبٍ.

فَوَائِدُ. مِمَّا ذَكَرَ هَهُنَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لَوْ كَانَ فِي فَمِهَا رُطَبَةٌ، فَقَالَ " إنْ أَكَلْتِيهَا، أَوْ أَلْقَيْتِيهَا، أَوْ أَمْسَكْتِيهَا، فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَإِنَّهَا تَأْكُلُ بَعْضَهَا وَتَرْمِي الْبَاقِيَ، وَلَا تَطْلُقُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى مَنْ حَلَفَ " لَا يَفْعَلُ شَيْئًا " فَفَعَلَ بَعْضَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ حَلَفَ " لَتَصْدُقَنَّ: هَلْ سَرَقْت مِنِّي أَمْ لَا؟ " وَكَانَتْ قَدْ سَرَقَتْ، فَقَالَتْ " سَرَقْت مِنْك مَا سَرَقْت مِنْك " لَمْ تَطْلُقْ. . فَإِنْ قَالَ " إنْ قُلْتِ لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَك مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَقَالَتْ " أَنْتِ طَالِقٌ " بِكَسْرِ التَّاءِ فَقَالَ مِثْلُهَا، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَتَعَذَّرُ: لَمْ تَطْلُقُ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ إذَا كَسَرَ التَّاءَ أَوْ فَتَحَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ " مُسْتَوْفًى، فَلْيُعَاوَدْ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ سَأَلْتِينِي الْخُلْعَ وَلَمْ أَخْلَعْك عَقِبَ سُؤَالِك " فَقَالَتْ " عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَسْأَلْك الْخُلْعَ الْيَوْمَ "، فَخَلَاصُهَا: أَنْ تَسْأَلَهُ الْخُلْعَ فِي الْيَوْمِ، فَيَقُولُ الزَّوْجُ " قَدْ خَلَعْتُك عَلَى مَا بَذَلْت إنْ فَعَلْت الْيَوْمَ كَذَا " فَتَقُولُ الزَّوْجَةُ " قَدْ قَبِلْت " وَلَا تَفْعَلُ هِيَ مَا عَلَّقَ خَلْعَهَا عَلَى فِعْلِهِ، فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى خِمَارَيْنِ، وَلَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، فَحَلَفَ " لَتَخْتَمِرَنَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ الشَّهْرِ " اخْتَمَرَتْ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَأَخَذَتْهُ الصُّغْرَى مِنْ الْكُبْرَى إلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَاخْتَمَرَتْ الْكُبْرَى بِخِمَارِ الْوُسْطَى بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. وَكَذَا رُكُوبُهُنَّ لِبَغْلَيْنِ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ، فَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْسِمَنَّ بَيْنَهُنَّ ثَلَاثِينَ قَارُورَةً: عَشْرًا مَمْلُوءَةً، وَعَشْرًا فَارِغَةً، وَعَشْرًا مُنَصَّفَةً، قَلَبَ كُلَّ مُنَصَّفَةٍ فِي أُخْرَى " فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ مَمْلُوءَةٌ وَخَمْسَةٌ فَارِغَةٌ.

فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ نَعْجَةً: عَشْرٌ نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ سَخْلَاتٍ، وَعَشْرٌ نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، وَعَشْرٌ نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَةً، ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ " لَيَقْسِمَنَّهَا بَيْنَهُنَّ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ السِّخَالِ وَأُمَّهَاتِهِنَّ " فَإِنَّهُ يُعْطِي إحْدَاهُنَّ الْعَشْرَ الَّتِي نَتَجَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَخْلَتَيْنِ، وَيَقْسِمُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ مَا بَقِيَ بِالسَّوِيَّةِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسٌ مِمَّا نِتَاجُهَا ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ مِمَّا نِتَاجُهَا وَاحِدَةٌ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا شَرِبْت هَذَا الْمَاءَ، وَلَا أَرَقْتِيهِ، وَلَا تَرَكْتِيهِ فِي الْإِنَاءِ، وَلَا فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُك " فَإِذَا طَرَحَتْ فِي الْإِنَاءِ ثَوْبًا فَشَرِبَ الْمَاءَ، ثُمَّ جَفَّفَتْهُ بِالشَّمْسِ: لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ " لَتَقْسِمَنَّ هَذَا الدُّهْنَ نِصْفَيْنِ، وَلَا تَسْتَعِيرُ كَيْلًا وَلَا مِيزَانًا " وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فِي ظَرْفٍ، وَمَعَهُ آخَرُ يَسْعَ خَمْسَةً وَآخَرُ يَسْعَ ثَلَاثَةً، أَخَذَ بِظَرْفِ الثَّلَاثَةِ مَرَّتَيْنِ، وَأَلْقَاهُ فِي ظَرْفِ الْخَمْسَةِ، وَتَرَكَ الْخَمْسَةَ فِي ظَرْفِ الثَّمَانِيَةِ، وَمَا بَقِيَ فِي الثُّلَاثِيِّ يَضَعُهُ فِي الْخُمَاسِيِّ، ثُمَّ مَلَأَ الثُّلَاثِيَّ مِنْ الثُّمَانِيِّ وَأَلْقَاهُ فِي الْخُمَاسِيِّ، فَيَصِيرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الثُّمَانِيِّ أَرْبَعَةٌ. وَإِنْ وَرَدَ الشَّطَّ أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرَ، مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ، وَالسَّفِينَةُ لَا تَسَعُ غَيْرَ اثْنَيْنِ فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ " لَا رَكِبَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ رَجُلٍ فَأَكْثَرَ إلَّا وَأَنَا مَعَهَا " فَإِنَّهُ يَعْبُرُ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ، ثُمَّ يَصْعَدُ زَوْجُهَا وَتَعُودُ هِيَ، فَتَعْبُرُ أُخْرَى، وَتَصْعَدُ الْأُولَى إلَى زَوْجِهَا، وَتَعُودُ الثَّانِيَةُ فَتَعْبُرُ بِزَوْجِهَا فَيَصْعَدُ، وَتَعُودُ امْرَأَتُهُ فَتَعْبُرُ الثَّالِثَةُ، وَتَصْعَدُ هِيَ إلَى زَوْجِهَا، وَتَعُودُ الثَّالِثَةُ فَيَعْبُرُ زَوْجُهَا، فَيَصْعَدُ هُوَ وَتَعُودُ هِيَ، فَتَعْبُرُ الرَّابِعَةُ وَتَصْعَدُ الثَّالِثَةُ إلَى زَوْجِهَا، وَتَعُودُ الرَّابِعَةُ، فَيَعْبُرُ زَوْجُهَا فَيَصْعَدَانِ مَعًا، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَتَخَلَّصُونَ وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ " لَا قَرُبْت جَانِبَ النَّهْرِ، وَفِيهِ رَجُلٌ إلَّا وَأَنَا مَعَك " فَتَعْبُرُ امْرَأَتَانِ، فَتَصْعَدُ إحْدَاهُمَا، وَتَرْجِعُ الْأُخْرَى فَتَأْخُذُ الثَّالِثَةُ وَتَرْجِعُ

إلَى زَوْجِهَا، وَيَنْزِلُ زَوْجَا الْمَرْأَتَيْنِ فَيَصْعَدَانِ إلَيْهِمَا، وَيَنْزِلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ فَيَعْبُرَانِ فَتَصْعَدُ امْرَأَتُهُ، وَيَنْزِلُ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ فَيَعْبُرَانِ، وَتَنْزِلُ الْمَرْأَةُ الثَّالِثَةُ فَتَعْبُرُ بِالْمَرْأَتَيْنِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَيَصْعَدْنَ الثَّلَاثُ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ قَالَ " فَإِنْ وَلَدْت وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ، أَوْ أُنْثَيَيْنِ، أَوْ حَيَّيْنِ أَوْ مَيِّتَيْنِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ، فَلَمْ تَطْلُقْ، فَقَدْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُقِرُّ عَلَى سَارِقٍ " وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَسُئِلَ عَنْ خَصْمِهِ فَسَكَتَ، وَعَلِمَ بِهِ: لَمْ يَحْنَثْ، قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يَحْنَثُ إنْ سَأَلَهُ الْوَالِي عَنْ قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ؟ فَبَرَّأَهُمْ وَسَكَتَ يُرِيدُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ حَقِيقَةَ النُّطْقِ وَالْغَمْزِ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ فِي شَعْبَانَ بِالثَّلَاثِ أَنْ يُجَامِعَهَا فِي نَهَارِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَدَخَلَ رَمَضَانُ، فَالْحِيلَةُ: أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، فَإِنْ حَاضَتْ: وَطِئَ وَكَفَّرَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَاب الْحَيْضِ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ، وَيُطَلِّقُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنِّي أُحِبُّ الْفِتْنَةَ، وَأَكْرَهُ الْحَقَّ، وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَهُ عَيْنِي، وَلَا أَخَافُ مِنْ اللَّهِ، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ، وَأَنَا عَدْلٌ مُؤْمِنٌ مَعَ ذَلِكَ: لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، فَهَذَا رَجُلٌ يُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] وَيَكْرَهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ حَقٌّ، وَيَشْهَدُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَلَا يَخَافُ مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ.

وَإِنْ حَلَفَ أَنَّ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ، فَقَالَتْ " قَدْ حَرُمْت عَلَيْك، وَتَزَوَّجْت بِغَيْرِك، وَأَوْجَبْت عَلَيْك أَنْ تَنْفُذَ إلَيَّ بِنَفَقَتِي وَنَفَقَةِ زَوْجِي " وَتَكُونُ عَلَى الْحَقِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ امْرَأَةٌ زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ مَمْلُوكٍ، ثُمَّ بَعَثَ الْمَمْلُوكَ فِي تِجَارَةٍ، وَمَاتَ الْأَبُ، فَإِنَّ الْبِنْتَ تَرِثُهُ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْعَبْدِ، وَتَقْضِي الْعِدَّةَ، وَتَتَزَوَّجُ بِرَجُلٍ فَتَنْفُذُ إلَيْهِ: ابْعَثْ لِي مِنْ الْمَالِ الَّذِي مَعَك، فَهُوَ لِي، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ: إحْدَاهُمَا فِي الْغُرْفَةِ، وَالْأُخْرَى فِي الدَّارِ، فَصَعِدَ فِي الدَّرَجَةِ، فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ " إلَيَّ " فَحَلَفَ " لَا صَعِدْت إلَيْك، وَلَا نَزَلْت إلَيْك، وَلَا أَقَمْت مَقَامِي سَاعَتِي " فَإِنَّ الَّتِي فِي الدَّارِ تَصْعَدُ، وَاَلَّتِي فِي الْغُرْفَةِ تَنْزِلُ، وَلَهُ أَنْ يَصْعَدَ وَيَنْزِلَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ " لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ، وَلَا وَطِئْتُك إلَّا فِيهِ " فَلَبِسَهُ وَوَطِئَهَا: لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ " لَيُجَامِعَنَّهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ " فَنَقَبَ السَّقْفَ فَانْفَرَجَ مِنْهُ رَأْسُ الرُّمْحِ يَسِيرًا، وَجَامَعَهَا: عَلَيْهِ بَرَّ، وَإِنْ حَلَفَ " لَتُخْبِرَنَّهُ بِشَيْءٍ رَأْسُهُ فِي عَذَابٍ، وَأَسْفَلُهُ فِي شَرَابٍ، وَوَسَطُهُ فِي طَعَامٍ، وَحَوْلُهُ سَلَاسِلُ وَأَغْلَالٌ، وَحَبْسُهُ فِي بَيْتٍ صَغُرَ " فَهُوَ فَتِيلَةُ الْقِنْدِيلِ، وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ " يَطَأُ فِي يَوْمٍ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلَا تَفُوتُهُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ " فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَهُ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَيَطَأُ بَعْدَهَا، وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُصَلِّي مَعَهُ، فَإِنْ حَلَفَ فِي يَوْمٍ " إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشْرَ رَكْعَةً، وَصَدَقَ " فَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ،

وَإِنْ قَالَ " تِسْعَةَ عَشَرَ " فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ إنْ وَجَبَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ " أَنَّهُ بَاعَ تَمْرًا، كُلَّ رِطْلٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَتِبْنًا كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَزَبِيبًا كُلَّ رِطْلٍ بِثَلَاثَةٍ، فَبَلَغَ الثَّمَنُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَالْوَزْنُ عِشْرُونَ رِطْلًا " وَبَرَّ، فَالتَّمْرُ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ رِطْلًا، وَالتِّبْنُ خَمْسَةٌ، وَالزَّبِيبُ رِطْلٌ، فَإِنْ حَلَفَ " أَنِّي رَأَيْت رَجُلًا يُصَلِّي إمَامًا بِنَفْسَيْنِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَنَظَرَ إلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ، فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَبَطَلَ صَوْمُهُ، وَصَلَاتُهُ، وَوَجَبَ جَلْدُ الْمَأْمُومِينَ، وَنَقْضُ الْمَسْجِدِ " وَهُوَ صَادِقٌ، فَهَذَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَشَهِدَ الْمَأْمُومَانِ بِوَفَاتِهِ، وَأَنَّهُ وَصَّى بِدَارِهِ أَنْ تُجْعَلَ مَسْجِدًا، وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ صَائِمًا، فَالْتَفَتَ فَرَأْي زَوْجَ الْمَرْأَةِ قَدْ قَدِمَ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: قَدْ خَرَجَ يَوْمُ الصَّوْمِ، وَدَخَلَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ هِلَالَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ، وَرُئِيَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا فَرَأَى الْمَاءَ بِقُرْبِهِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَحْرُمُ بِقُدُومِ الزَّوْجِ، وَصَوْمُهُ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ، وَصَلَاتُهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةِ، وَيُجْلَدُ الرَّجُلَانِ لِكَوْنِهِمَا قَدْ شَهِدَا بِالزُّورِ، وَيَجِبُ نَقْضُ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَا صَحَّتْ، وَالدَّارُ لِمَالِكِهَا. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ " لَا أَبْصَرْتُك إلَّا وَأَنْتَ لَابِسَةٌ عَارِيَّةٌ حَافِيَةٌ رَاجِلَةٌ رَاكِبَةٌ " فَأَبْصَرَهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ، فَإِنَّهَا تَجِيئُهُ بِاللَّيْلِ عُرْيَانَةَ حَافِيَةً رَاكِبَةً فِي سَفِينَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] ، وَ {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ، فَإِنْ حَلَفَ " أَنَّهُ رَأَى ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ، أَحَدُهُمْ: عَبْدٌ، وَالْآخَرُ مَوْلًى، وَالْآخَرُ عَرَبِيٌّ " وَبَرَّ، فَإِنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ أَمَةً، فَأَتَتْ بِابْنٍ، فَهُوَ عَبْدٌ، ثُمَّ كُوتِبَتْ فَأَدَّتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِابْنِ، فَتَبِعَهَا فِي الْعِتْقِ، فَهُوَ مَوْلًى، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْأَدَاءِ ابْنًا فَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِنْ حَلَفَ " أَنَّ خَمْسَةً زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، لَزِمَ الْأَوَّلَ الْقَتْلُ، وَالثَّانِيَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثَ الْجَلْدُ، وَالرَّابِعَ نِصْفُ الْجَلْدِ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْخَامِسَ شَيْءٌ " وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، فَالْأَوَّلُ ذِمِّيٌّ، وَالثَّانِي مُحْصَنٌ، وَالثَّالِثُ بِكْرٌ، وَالرَّابِعُ عَبْدٌ. وَالْخَامِسُ حَرْبِيٌّ.

فَوَائِدُ فِي الْمَخَارِجِ مِنْ مَضَايِقِ الْأَيْمَانِ، وَمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ حَالَ عَقْدِ الْيَمِينِ وَمَا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْحِنْثِ. إذَا أَرَادَ تَخْوِيفَ زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا، فَقَالَ لَهَا " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي " وَنَوَى بِقَلْبِهِ: طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ مِنْ الْعَمَلِ الْفُلَانِيِّ كَالْخِيَاطَةِ، وَالْغَزْلِ، أَوْ التَّطْرِيزِ وَنَوَى بِقَوْلِهِ " ثَلَاثًا " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ خَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا فِي الْحُكْمِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، قُلْتُ: الصَّوَابُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا نَوَى بِقَوْلِهِ " طَالِقٌ " الطَّالِقُ مِنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُطْلِقُهَا الرَّاعِي وَحْدَهَا أَوَّلَ الْإِبِلِ إلَى الْمَرْعَى، وَيَحْبِسُ لَبَنَهَا وَلَا يَحْلُبُهَا إلَّا عِنْدَ الْوُرُودِ، أَوْ نَوَى بِالطَّالِقِ النَّاقَةَ الَّتِي يَحِلُّ عِقَالُهَا، وَكَذَا إنْ نَوَى " إنْ خَرَجَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ " أَوْ " إنْ خَرَجَتْ، وَعَلَيْهَا ثِيَابُ خَزٍّ أَوْ إبْرَيْسِمَ " أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَتْ عُرْيَانَةَ، أَوْ رَاكِبَةً بَغْلًا أَوْ حِمَارًا، أَوْ إنْ خَرَجَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَمَتَى خَرَجَتْ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي نَوَاهَا: لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَبِسْت " وَنَوَى ثَوْبًا دُونَ ثَوْبٍ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِعَتَاقٍ، وَكَذَا إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَفِيرَةِ شَعْرِهَا، وَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى مُخَاطَبَةَ الضَّفِيرَةِ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَعْرِ عَبْدِهِ، وَقَالَ " أَنْتَ حُرٌّ " وَنَوَى مُخَاطَبَةَ الشَّعْرِ،

أَوْ " إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ " أَوْ " إنْ سَرَقْت مِنِّي " أَوْ " إنْ خُنْتِينِي فِي مَالٍ " أَوْ " إنْ أَفْشَيْت سِرِّي " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ مَنَعَهَا مِنْهُ، فَلَهُ نِيَّتُهُ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ ظَالِمٌ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا لِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ بِهِ، فَحَلَفَ وَنَوَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا: لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ " قُلْ: زَوْجَتِي، أَوْ كُلُّ زَوْجَةٍ لِي طَالِقٌ، إنْ فَعَلَتْ كَذَا "، أَوْ " إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا " فَقَالَ: وَنَوَى زَوْجَتَهُ الْعَمْيَاءَ، أَوْ الْيَهُودِيَّةَ، أَوْ كُلَّ زَوْجَةٍ لَهُ عَمْيَاءَ، أَوْ يَهُودِيَّةٍ، أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، أَوْ عَوْرَاءَ، أَوْ خَرْسَاءَ، أَوْ حَبَشِيَّةٍ، أَوْ رُومِيَّةٍ، أَوْ مَكِّيَّةً، أَوْ مَدَنِيَّةٍ، أَوْ خُرَاسَانِيَّةٍ، أَوْ نَوَى كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجْتهَا بِالصِّينِ، أَوْ بِالْبَصْرَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَمَتَى لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَاهَا، وَكَانَ لَهُ زَوْجَاتٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَا حُكْمُ الْعَتَاقِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ " نِسَاؤُهُ طَوَالِقُ " وَنَوَى بِنِسَائِهِ بَنَاتِهِ، أَوْ عَمَّاتِهِ، أَوْ خَالَاتِهِ لِلْآيَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَكَذَا إنْ قَالَ " إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا " وَنَوَى: إنْ كُنْت فَعَلْته بِالصِّينِ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا: لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ أَحْلَفَهُ مَعَ الطَّلَاقِ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ، فَحَلَفَ وَنَوَى جِنْسًا مِنْ الْأَمْوَالِ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ مِنْهُ شَيْءٌ: لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ أَحْلَفَهُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ، فَقَالَ " عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ " وَنَوَى بِقَوْلِهِ " بَيْتُ اللَّهِ " مَسْجِدَ الْجَامِعِ، وَبِقَوْلِهِ " الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ " الْمُحْرِمَ الَّذِي بِمَكَّةَ لِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ، ثُمَّ وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ " يَلْزَمُهُ تَمَامُ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. فَإِنْ ابْتَدَأَ إحْلَافَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ " قُلْ: وَاَللَّهِ " فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ " هُوَ

اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " وَيُدْغِمُ الْهَاءَ فِي الْوَاوِ حَتَّى لَا يَفْهَمَ مُحَلِّفُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُحَلِّفُ: أَنَا أَحْلِفُك بِمَا أُرِيدُ، وَقُلْ أَنْتَ " نَعَمْ " كُلَّمَا ذَكَرْت أَنَا فَصْلًا وَوَقَفْت، فَقُلْ: أَنْتَ " نَعَمْ " وَكَتَبَ لَهُ نُسْخَةَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَصَدَقَةِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ، فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ " نَعَمْ " بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، وَلَا يَحْنَثُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: الْيَمِينُ الَّتِي أُحَلِّفُك بِهَا لَازِمَةٌ لَك قُلْ " نَعَمْ " أَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ " الْيَمِينُ الَّتِي تُحَلِّفُنِي بِهَا لَازِمَةٌ لِي " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْيَمِينِ يَدَهُ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لَك " أَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْأَيْمَانِ الْأَيْدِي الَّتِي تَنْبَسِطُ عِنْدَ أَخْذِ الْأَيْدِي، وَيُصَفِّقُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ " وَالْيَمِينُ يَمِينِي، وَالنِّيَّةُ نِيَّتُك " فَقَالَ، وَنَوَى بِيَمِينِهِ: يَدَهُ، وَبِالنِّيَّةِ: الْبِضْعَةَ مِنْ اللَّحْمِ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: قُلْ " إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا، فَامْرَأَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي "، فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِالظَّهْرِ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ، فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ إبْطَالِ الْحِيَلِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ " قُلْ: فَأَنَا مُظَاهِرٌ مِنْ زَوْجَتِي " فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ " مُظَاهِرٌ " مُفَاعِلٌ مِنْ ظَهْرِ الْإِنْسَانِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ " ظَاهَرْتهَا فَنَظَرْت أَيَّنَا أَشَدَّ ظَهْرًا " قَالَ " وَالْمُظَاهِرُ " أَيْضًا: الَّذِي قَدْ لَبِسَ حَرِيرَةً بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَثَوْبًا بَيْنَ ثَوْبَيْنِ، فَأَيَّ ذَلِكَ نَوَى فَلَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: قُلْ " وَإِلَّا فَقَعِيدَةُ بَيْتِي الَّتِي يَجُوزُ عَلَيْهَا أَمْرِي طَالِقٌ " أَوْ " هِيَ حَرَامٌ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْقَعِيدَةِ: نَسِيجَةً تُنْسَجُ كَهَيْئَةِ الْعَبَاءَةِ، فَلَهُ نِيَّتُهُ،

فَإِنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَمَالِي عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ " فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ " مَالَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ " مِنْ دَيْنٍ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ " فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِالْمَمْلُوكِ الدَّقِيقِ الْمَلْتُوتِ بِالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ. فَإِنْ قَالَ: قُلْ " فَكُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ " فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِالْحُرِّ غَيْرِ ضِدِّ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَشْيَاءُ، فَالْحُرُّ: اسْمٌ لِلْحَيَّةِ الذَّكَرِ، وَالْحُرُّ أَيْضًا: الْفِعْلُ الْجَمِيلُ، وَالْحُرُّ أَيْضًا مِنْ الرَّمْلِ: الَّذِي مَا وُطِئَ، فَإِنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَكُلُّ جَارِيَةٍ لِي حُرَّةٌ " فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِالْجَارِيَةِ السَّفِينَةَ، وَالْجَارِيَةُ أَيْضًا: الْعَادَةُ الَّتِي جَرَتْ، فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى بِالْحُرَّةِ الْأُذُنَ، فَإِنَّهَا تُسَمَّى حُرَّةً، وَالْحُرَّةُ أَيْضًا: السَّحَابَةُ الْكَثِيرَةُ الْمَطَرِ، وَالْحُرَّةُ أَيْضًا: الْكَرِيمَةُ مِنْ النُّوقِ، فَأَيُّ ذَلِكَ نَوَى فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْأَحْرَارِ: الْبَقْلَ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ: قُلْ " وَإِلَّا فَجَوَارِيَّ حَرَائِرُ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْحَرَائِرِ الْأَيَّامَ، فَلَهُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تُسَمَّى حَرَائِرَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: قُلْ " كُلُّ شَيْءٍ فِي مِلْكِي صَدَقَةٌ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْمِلْكِ مَحَجَّةَ الطَّرِيقِ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: قُلْ " جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ مِنْ عَقَارٍ وَدَارٍ وَضَيْعَةٍ، فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْوَقْفِ السِّوَارَ مِنْ الْعَاجِ: فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَعَلَيَّ الْحَجُّ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْحَجِّ أَخْذَ الطَّبِيبِ مَا حَوْلَ الشَّجَّةِ مِنْ الشَّعْرِ: فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ قُلْ " وَإِلَّا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْحَجَّةِ الْقُصَّةَ

مِنْ الشَّعْرِ الَّذِي حَوْلَ الشَّجَّةِ، وَنَوَى بِالْعُمْرَةِ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، فَلَهُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى مُعْتَمِرًا، وَكَذَا إنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَعَلَيَّ حِجَّةٌ " بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَنَوَى بِهَا شَحْمَةَ الْأُذُنِ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَلَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً " فَقَالَ، وَنَوَى بِالصَّوْمِ ذَرْقَ النَّعَامِ، أَوْ النَّوْعَ مِنْ الشَّجَرِ، وَنَوَى بِالصَّلَاةِ بَيْتًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ يُصَلُّونَ فِيهِ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: قُلْ " وَإِلَّا فَمَا صَلَّيْت لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى " فَقَالَ، وَنَوَى بِقَوْلِهِ " صَلَّيْت " أَيْ أَخَذْت بَصَلِيِّ الْفَرَسِ، وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِخَاصِرَتِهِ إلَى فَخِذَيْهِ، أَوْ نَوَى بِصَلَّيْتُ: أَيْ شَوَيْت شَيْئًا فِي النَّارِ، فَلَهُ نِيَّتُهُ، قُلْتُ: أَوْ يَنْوِي بِ " مَا " النَّافِيَةِ، وَكَذَا إنْ قَالَ قُلْ " وَإِلَّا فَأَنَا كَافِرٌ بِكَذَا وَكَذَا " فَقَالَ، وَنَوَى بِالْكَافِرِ الْمُسْتَتَرِ الْمُتَغَطَّى، أَوْ السَّاتِرِ الْمُغَطِّي، فَلَهُ نِيَّتُهُ.

فَوَائِدُ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي يَسْتَحْلِفُ بِهَا النِّسَاءُ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا اسْتَحْلَفَتْهُ زَوْجَتُهُ: أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَحَلَفَ وَنَوَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، فَلَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ أَرَادَتْ إحْلَافَهُ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا، أَوْ " إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فُلَانَةَ، فَهِيَ طَالِقٌ " وَقُلْنَا يَصِحُّ، عَلَى رِوَايَةٍ تَقَدَّمَتْ، أَوْ أَرَادَتْ إحْلَافَهُ بِعِتْقِ كُلِّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا عَلَيْهَا، وَقُلْنَا: يَصِحُّ عَلَى رَأْيٍ، فَإِذَا قَالَ " كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك، وَكُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا " وَنَوَى جِنْسًا مِنْ الْأَجْنَاسِ، أَوْ مِنْ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهَا، أَوْ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ بِعَيْنِهِ، فَمَتَى تَزَوَّجَ أَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي نَوَاهَا: لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ نَوَى " كُلَّ زَوْجَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك " أَيْ عَلَى طَلَاقِك، أَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ " عَلَيْك " أَيْ عَلَى رَقَبَتِك، أَيْ تَكُونُ رَقَبَتُك صَدَاقًا لَهَا، فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْم؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ إبْطَالِ الْحِيَلِ، فَإِنْ أَحَلَفْته بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَطَؤُهَا غَيْرَهَا، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا، فَأَيُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَوَطِئَهَا لَا تَطْلُقُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ " كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ " وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ، ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا، فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ أَوْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَلَا مُضَافَةٌ إلَى مِلْكٍ، فَلَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ " كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَأَطَؤُهَا " أَوْ " كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا فَأَطَؤُهَا ". قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ " إنْ دَخَلْت دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ دَارِهِ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَكَذَا إنْ قَالَ لِأَمَةِ غَيْرِهِ " إنَّ ضَرَبْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ " ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَضَرَبَهَا: فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ،

فَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ وَقْتَ الْيَمِينِ زَوْجَاتٌ أَوْ جَوَارٍ، وَقَالَتْ لَهُ: قُلْ " كُلُّ امْرَأَةٍ أَطَؤُهَا غَيْرَك طَالِقٌ، أَوْ حُرَّةٌ " وَقَالَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَأَيُّ زَوْجَةٍ وَطِئَ غَيْرَهَا مِنْهُنَّ طَلُقَتْ، وَأَيُّ جَارِيَةٍ وَطِئَهَا مِنْهُنَّ: عَتَقَتْ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ " كُلَّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا وَكُلَّ امْرَأَةٍ أَطَؤُهَا غَيْرَك " بِرِجْلِي يَعْنِي يَطَؤُهَا بِرِجْلِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ غَيْرِهَا، زَوْجَةً كَانَتْ أَوْ سُرِّيَّةً، فَإِنْ أَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا فِي جَوَارِيهِ، وَخَافَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يُصَدِّقُهُ فِيمَا نَوَاهُ، فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَبِيعَ جَوَارِيهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، وَيُشْهِدُ عَلَى بَيْعِهِنَّ شُهُودًا عُدُولًا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْلِفُ بِعِتْقِ كُلِّ جَارِيَةٍ يَطَؤُهَا مِنْهُنَّ، فَيَحْلِفُ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ، وَيُشْهِدُ عَلَى وَقْتِ الْيَمِينِ شُهُودَ الْبَيْعِ لِيَشْهَدُوا لَهُ بِالْحَالَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ أَشْهَدَ غَيْرَهُمْ وَأَرَّخَ الْوَقْتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَصْلِ مَا يَتَمَيَّزُ كُلُّ وَقْتٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ: كَفَاهُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ الْيَمِينِ يُقَايِلُ مُشْتَرِيَ الْجَوَارِي، أَوْ يَعُودُ وَيَشْتَرِيهِنَّ مِنْهُ، وَيَطَؤُهُنَّ وَلَا يَحْنَثُ. فَإِنْ رَافَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ بِالْيَمِينِ بِوَطْئِهِنَّ: أَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْيَمِينِ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ قَالَتْ لَهُ: قُلْ " كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا فَأَطَؤُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ " فَلْيَقُلْ ذَلِكَ، وَيَنْوِي بِهِ الِاسْتِفْهَامَ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الْحَلِفَ، فَلَا يَحْنَثُ، ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَنْ تَابَعَهُ، قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِنَا أَبِي حَكِيمِ، قَالَ: حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إلَى بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ فَاسْأَلْهُ، ثُمَّ ائْتِنِي فَأَخْبِرْنِي، فَذَهَبَ فَسَأَلَهُ؟

فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: إذَا أَفْطَرَ أَهْلُك فَاقْعُدْ مَعَهُمْ وَلَا تُفْطِرُ، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ فَكُلْ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلُمُّوا إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» فَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كِفَايَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

باب الشك في الطلاق

[بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ] ِ فَوَائِدُ. إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (إذَا شَكَّ: هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ لَمْ تَطْلُقْ) ، بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَابَعَهُ: الْوَرَعُ الْتِزَامُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ رَجْعِيًّا: رَاجَعَ امْرَأَتَهُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِلَّا جَدَّدَ نِكَاحَهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ شَكَّ فِي طَلَاقِ ثَلَاثٍ: طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا: فَيَقِينٌ نِكَاحُهُ بَاقٍ، فَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَكَّ فِي شَرْطِ الطَّلَاقِ: لَمْ يَلْزَمْهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مَعَ شَرْطٍ عَدَمِيٍّ، نَحْوَ " لَقَدْ فَعَلْت كَذَا " أَوْ " إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ الْيَوْمَ " فَمَضَى وَشَكَّ فِي فِعْلِهِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا ثُمَّ نَسِيَهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبِرِّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَوْقَعَ بِزَوْجَتِهِ كَلِمَةً وَجَهِلَهَا، وَشَكَّ: هَلْ هِيَ طَلَاقٌ، أَوْ ظِهَارٌ؟ فَقِيلَ: يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، قَالَ فِي الْفُنُونِ: لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ الْمُطَلَّقَةَ، فَيَخْرُجُ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: لَغْوٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُنُونِ. كَمَنِيٍّ وُجِدَ فِي ثَوْبٍ لَا يُدْرَى مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ؟ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ: مَنْ حَلَفَ يَمِينًا، ثُمَّ جَهِلَهَا،

يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَغْوٌ: قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ حَلَفَ بِيَمِينٍ: لَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ: لَيْتَ أَنَّك إذَا دَرَيْت دَرَيْت أَنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، فَقَالَ: وَالْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِيَمِينٍ لَا يَدْرِي مَا هِيَ: طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَسْتَيْقِنَ، وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْرَعُ، فَمَا خَرَجَ بِالْقُرْعَةِ لَزِمَهُ، قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ كُلِّ يَمِينٍ شَكَّ فِيهَا وَجَهِلَهَا، ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ: أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَتَوَقَّفَ فِيهَا، ثُمَّ نَظَرَ، فَإِذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا: الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَيُّ يَمِينٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَهِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، قَالَ: ثُمَّ وَجَدْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ هَذِهِ الْيَمِينِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ. انْتَهَى. قُلْتُ: فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَةً: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَرِوَايَةُ: أَنَّهُ لَغْوٌ، يُؤَيِّدُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ: الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ " وَلَا نِيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، فَثَبَتَ الْيَقِينُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ: بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، خِلَافَ الْخِرَقِيِّ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ،

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا حَلَّتْ لَهُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: تَصِحُّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا طَلَّقَ، فَلَمْ يَدْرِ: أَوَاحِدَةً طَلَّقَ، أَمْ ثَلَاثًا؟ لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ؛ لِشَكِّهِ فِي حِلِّهِ بَعْدَ حُرْمَتِهِ، فَتُبَاحُ الرَّجْعَةُ، وَلَمْ يَبُحْ الْوَطْءُ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَحَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ، فِي تَعْلِيلِ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ سَبَبَ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ثَلَاثًا: فَقَدْ حَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدَةً: فَقَدْ حَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِدُونِ عَقْدٍ جَدِيدٍ، فَالرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ: لَا يَحْصُلُ بِهَا الْحِلُّ إلَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَطْ، فَلَا يُزِيلُ الشَّكَّ مُطْلَقًا، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ تَيَقُّنَ سَبَبِ وُجُودِ التَّحْرِيمِ، مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ هَذَا الْمَانِعِ مِنْهُ، يَقُومُ مَقَامَ تَحَقُّقِ وُجُودِ الْحُكْمِ مَعَ الشَّكِّ وَوُجُودِ الْمَانِعِ فَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُ السَّبَبِ، كَمَا يُعْمَلُ بِالْحُكْمِ وَيُلْغَى الْمَانِعُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، كَمَا يُلْغَى مَعَ تَيَقُّنِ وُجُودِ حُكْمِهِ. قَالَ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ فِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ تَيَقَّنَ التَّحْرِيمَ وَشَكَّ فِي التَّحْلِيلِ، فَظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، لِمَا ذَكَرْنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (كَذَلِكَ قَالَ يَعْنِي الْخِرَقِيَّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً: مُنِعَ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ الَّتِي وَقَعَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ حَتَّى يَأْكُلَ التَّمْرَ كُلَّهُ) ،

وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْبَنَّا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْحِلِّ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ أَكَلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا شَكَّ، هَلْ أُكِلَتْ أَمْ لَا؟ أَمَّا إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَكَلَهَا: فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ أَكْلِهَا: لَمْ يَحْنَثْ قَوْلًا وَاحِدًا فِيهِمَا. فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ شَيْءٍ، وَشَكَّ فِي وُجُودِهِ: فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَالثَّانِي: يَقَعُ، وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، يَنْوِي وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ وَحْدَهَا) بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أُخْرِجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ فِي تَعْلِيقِهِ، وَأَبَا مُحَمَّدٍ، وَجَمَاعَةً: لَا يَذْكُرُونَ خِلَافًا. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا،

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ: يُعَيِّنُهَا الزَّوْجُ، وَذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا، فِي الْعِتْقِ أَيْضًا، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّةً فِيهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ التَّعْيِينِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَيْسَ الْوَطْءُ تَعَيُّنِيٌّ لِغَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: أَنَّ الْعِتْقَ كَذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي. الثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالتَّعْيِينِ، بَلْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ بِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ مَاتَ أَقْرَعَ وَارِثُهُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ بِالطَّلَاقِ، فَحُكْمُهَا فِي الْمِيرَاثِ: حُكْمُ مَا لَوْ عَيَّنَهَا بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُمَا، قَالَهُ الشَّارِحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ مَاتَ أَقْرَعَ وَارِثُهُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ مَاتَ فَوَارِثُهُ كَهُوَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ وَتَرِثُ الْبَوَاقِيَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ يُقْرِعُونَ بَيْنَهُنَّ، وَالْمُصَنِّفُ يُوَافِقُ عَلَى الْقُرْعَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهَا فِي الْمَنْسِيَّةِ

الرَّابِعَةُ: إذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ مَاتَ هُوَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَكَذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْإِقْرَاعُ إذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: هَلْ لِلْوَرَثَةِ الْبَيَانُ مُطْلَقًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ صَحَّ بَيَانُهُمْ فَعَيَّنُوا الْمَيِّتَةَ: قَبِلَ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ عَيَّنُوا الْحَيَّةَ: حَلَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ طَلَاقَ الْمَيِّتَةِ، الْخَامِسَةُ: إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَتَانِ، أَوْ إحْدَاهُمَا: عُيِّنَ الْمُطَلَّقُ لِأَجَلِ الْإِرْثِ، فَإِنْ كَانَ نَوَى الْمُطَلَّقَةَ: حَلَفَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى: أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا، وَوَرِثَهَا، أَوْ الْحَيَّةَ، وَلَمْ يَرِثْ الْمَيِّتَةَ، وَإِنْ كَانَ مَا نَوَى إحْدَاهُمَا: أَقْرَعَ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ يُعَيِّنُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ عَيَّنَ الْحَيَّةَ لِلطَّلَاقِ: صَحَّ، وَحَلَفَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتَةِ: أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَوَرِثَهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا لِلطَّلَاقِ: لَمْ يَرِثْهَا، وَحَلَفَ لِلْحَيَّةِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ لَهُمَا مَا إذَا مَاتَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ. السَّادِسَةُ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ، أَوْ أَمَتَيْهِ " إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ غَدًا " فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْغَدِ: طَلُقَتْ، وَعَتَقَتْ الْبَاقِيَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ وَلَا تُعْتَقُ إلَّا بِقُرْعَةٍ تُصِيبُهَا كَمَوْتِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَأُنْسِيَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي: أَنَّ الْمَنْسِيَّةَ تُخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا، وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا. كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِي مِنْ نِسَائِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْبَوَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، فَعَلَى اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ: يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ، وَكَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ قَبْلَ الْقُرْعَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ رُدَّتْ إلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ، أَوْ تَكُونَ) أَيْ الْقُرْعَةُ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ الْمَرْأَتَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ: أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ ذَكَرَ الْمُطَلِّقُ أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ غَيْرُ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ: طَلُقَتْ وَرَجَعَتْ إلَيْهِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَارَ طَائِرٌ فَقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ،

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ فَهِيَ كَالْمَنْسِيَّةِ) ، يَعْنِي: فِي الْخِلَافِ وَالْمَذْهَبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ " وَقَالَ آخَرُ " إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ " وَلَمْ يَعْلَمَاهُ: لَمْ تَطْلُقَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْوَطْءُ، إلَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَحَدِهِمَا خَطَأَ الْآخَرِ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا، نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ " فَلْيَتَّقِيَا الشُّبْهَةَ " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى يَقِينِ نِكَاحِهِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ لِحِلِّ زَوْجَتِهِ، شَاكٌّ فِي تَحْرِيمِهَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ: إنْ اعْتَقَدَ أَحَدُهُمَا خَطَأَ الْآخَرِ: فَلَهُ الْوَطْءُ، وَإِنْ شَكَّ وَلَمْ يَدْرِ: كَفَّ حَتْمًا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقِيلَ: وَرَعًا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إمْسَاكُهُ عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي الْعَبِيدِ كَوَطْئِهِ، وَلَا حِنْثَ، وَاخْتَارَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْإِيضَاحِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَيُقْرَعُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الْمَنْصُوصُ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ: وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ احْتِمَالًا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِمَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَهُ،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْمُعْتِقِ، يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَّامًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ: لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ) ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قُلْتُ: لَوْ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَتَمَشَّى عَلَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَكْلِ التَّمْرَةِ، لَمَا كَانَ بَعِيدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، فَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَاهُ: لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ هُوَ الْقَوْلُ بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ: لَوْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ فَفِيهِمَا الْوَجْهَانِ، وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ هُنَا: أَنْ يَكُفَّ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ الْآخَرِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَالَهُ فِي الرَّابِعَةَ عَشْرَ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَعْتِقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْوَلَاءِ، وَالنِّهَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَعْتِقُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إنْ كَانَا تَكَاذَبَا قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَعْتِقُ إذَا تَكَاذَبَا، وَإِلَّا يُعْتَقُ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَتَبِعَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَذَكَرَ هَذِهِ وَنَظِيرَتَهَا فِي الطَّلَاقِ، فِي آخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: وَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ وَقَعَتْ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عَبْدِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ فَالْوَلَاءُ لَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْوَلَدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ أَبَوَانِ وَأَوْلَى. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُوسِرَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا " إنْ كَانَ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ " وَقَالَ الْآخَرُ " إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ " عَتَقَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَمِيزُ بِالْقُرْعَةِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: سَلْمَى طَالِقٌ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سَلْمَى: طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ: دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَهُمَا وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَقَالَ لِحَمَاتِهِ " ابْنَتُك طَالِقٌ " وَقَالَ " أَرَدْت ابْنَتَك الْأُخْرَى الَّتِي لَيْسَتْ بِزَوْجَتِي " فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد فَمَنْ لَهُ امْرَأَتَانِ اسْمُهُمَا وَاحِدٌ، مَاتَتْ إحْدَاهُمَا، فَقَالَ " فُلَانَةُ طَالِقٌ، يَنْوِي الْمَيِّتَةَ " فَقَالَ: الْمَيِّتَةُ تَطْلُقُ؟ ،،

كَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ حُكْمًا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَفِي الِانْتِصَارِ خِلَافٌ فِي قَوْلِهِ لَهَا وَلِرَجُلٍ " إحْدَاهُمَا طَالِقٌ " هَلْ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ؟ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَادَى امْرَأَتَهُ، فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ: طَلُقَتَا) ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، قَالَهُ الشَّارِحُ، وَالْأُخْرَى: تَطْلُقُ الَّتِي نَادَاهَا فَقَطْ، نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ غَيْرُ الْمُنَادَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ: أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُمَا تَطْلُقَانِ جَمِيعًا، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَزَعَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الْمُجِيبَةَ إنَّمَا تَطْلُقُ ظَاهِرًا، قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا غَيْرُهَا، وَأَرَدْت طَلَاقَ الْمُنَادَاةِ: طَلُقَتَا مَعًا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقَ الثَّانِيَةِ: طَلُقَتْ وَحْدَهَا) ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً فَظَنَّهَا امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ) ،

أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّهَا، بَلْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، سَوَاءٌ سَمَّاهَا أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً عَكَسَ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ " فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْأُصُولِيَّةِ، وَهُمَا أَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا، وَبَنَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أَمْ لَا؟ ، قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا هَذَا عَلَى الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِأَهْلِيَّةِ الْمَحَلِّ، وَلَا يُطْرَدُ مَعَ الْعِلْمِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَقَعُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَقَعُ، جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ [دُيِّنَ] وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا، كَذَا حُكْمُ الْعِتْقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ " يَا غُلَامُ أَنْتَ حُرٌّ " يُعْتَقُ الَّذِي نَوَاهُ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ عَبْدًا وَزَوْجَةً، فَبَانَ لَهُ.

باب الرجعة

[بَابُ الرَّجْعَةِ] ِ قَوْلُهُ (إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، أَوْ الْعَبْدُ وَاحِدَةً، بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) ، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرَّجْعَةِ إلَّا مَنْ أَرَادَ إصْلَاحًا وَأَمْسَكَ بِمَعْرُوفٍ، فَلَوْ طَلَّقَ إذًا فَفِي تَحْرِيمِهِ الرِّوَايَاتُ، وَقَالَ: الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَهُ لَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْبَائِنَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الشَّارِعَ مَلَّكَ الْإِنْسَانَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ: فَقَدْ تَنَاقَضَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا " أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا: يَمْلِكُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ. لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِمَنْزِلِهِ الدُّخُولِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا رَجْعَةَ بِالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ. فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَلِيَّ الْمَجْنُونِ يَمْلِكُ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا. قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَعْتهَا، أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا، أَوْ أَمْسَكْتهَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ وَنَحْوَهَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ زَادَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ " لِلْمَحَبَّةِ " أَوْ " الْإِهَانَةِ " وَلَا نِيَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: الصَّرِيحُ مِنْ ذَلِكَ: لَفْظُ " الرَّجْعَةِ " وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَاحْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتهَا، أَوْ تَزَوَّجْتهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ [الْقَاضِي] وَابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ مَعَ نِيَّةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: فَنَكَحْتهَا وَتَزَوَّجْتهَا كِنَايَةٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِكِنَايَةٍ، نَحْوَ " أَعَدْتُك " أَوْ " اسْتَدَمْتُكِ؟ " فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَنْوِي فِي قَوْلِهِ " أَعَدْتُك " أَوْ " اسْتَدَمْتُكِ " فَقَطْ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: إنَّ اشْتَرَطْنَا الْإِشْهَادَ فِي الرَّجْعَةِ: لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا بِالْكِنَايَةِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ،

وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَعُزِيَتْ إلَى اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا فِي تَعَالِيقِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنْ أَشْهَدَ وَأَوْصَى الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهَا: فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي " إذَا ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ، يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ) ، وَكَذَا اللِّعَانُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ،

وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ بِتَحْرِيمِ الرَّجْعِيَّةِ: أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ حِينِ الرَّجْعَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجِيءُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ بِالِاحْتِسَابِ: فَلَا يَتَمَشَّى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ " أَنَّ لَهَا الْقَسْمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا قَسْمَ لَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا أُخِذَ الْوَلَدُ مِنْ الْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ ". قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ) (لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا وَالْخَلْوَةُ وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَشَرَّفَ لَهُ وَتَتَزَيَّنَ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ: حِلُّهَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً حَتَّى يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا: هَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَبَنَاهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ،

أَمَّا إنْ قُلْنَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ: فَكَلَامُ الْمَجْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي التَّعَلُّقِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِعْلَانِ الرَّجْعَةِ، وَالتَّسْرِيحِ وَالْإِشْهَادِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ عِنْدَهُ، لَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْفُرْقَةِ. قَوْلُهُ (وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، نَوَى الرَّجْعَةَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ إلَّا مَعَ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا نَوَى بِوَطْئِهِ الرَّجْعَةَ كَانَتْ رَجْعَةً، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ مُخْتَلِفُونَ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ هَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ الرَّجْعِيَّةِ أَمْ مُطْلَقٌ؟ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْجَامِعِ، وَجَمَاعَةٌ عَدَمُ الْبِنَاءِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَيَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْبِنَاءُ، فَإِنْ قُلْنَا الرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ: حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ مُبَاحَةٍ: لَمْ تَحْصُلْ، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَهَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَأْخَذُهُمَا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ الْخِلَافُ فِي وَطْئِهَا: هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُحَرَّمٌ؟ وَالصَّحِيحُ: بِنَاؤُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ لِلرَّجْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا عِبْرَةَ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَلَا عَدَمِهِ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ كَانَ رَجْعَةً. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالرَّجْعَةِ: لَا تَحْصُلُ بِوَطْئِهِ، وَأَنَّ وَطْئَهَا غَيْرُ مُبَاحٍ، جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ لَهَا الْمَهْرَ إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ إنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمَهْرُ، سَوَاءٌ ارْتَجَعَهَا أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ، سَوَاءٌ ارْتَجَعَهَا أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا أَوْ لَمْ تَحْصُلْ، اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزُّبْدَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَى الْمُكْرَهِ وَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ) ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ، يَعْنِي إذَا قُلْنَا: تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، أَمَّا مُبَاشَرَتُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا: فَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي: تُخَرَّجُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ مِنْ نَصِّهِ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ تَحْصُلُ بِهَا الرَّجْعَةُ، قَالَ: فَاللَّمْسُ وَنَظَرُ الْفَرْجِ أَوْلَى. انْتَهَى. وَأَمَّا الْخَلْوَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْخَلْوَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْخُلَاصَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، أَنَّ قَوْلَهُ " نَصَّ عَلَيْهِ " يَشْمَلُ الْخَلْوَةَ،

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ فَقَطْ. قُلْت: وَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْخَلْوَةِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجْهَيْنِ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِإِنْكَارِ الطَّلَاقِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ) ، فَلَوْ قَالَ " رَاجَعْتُك إنْ شِئْت " أَوْ " كَمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك " لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ عَكَسَ، فَقَالَ " كُلَّمَا رَاجَعْتُك فَقَدْ طَلَّقْتُك " صَحَّ وَطَلُقَتْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ) (الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ) ، إنْ قُلْنَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ: لَمْ يَصِحَّ الِارْتِجَاعُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُتَعَجَّلُ، فَجَزَمَ، الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ الِارْتِجَاعَ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي: إنْ قُلْنَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ: لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ، قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الرَّجْعَةِ فِي الْإِحْرَامِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ: فَهَلْ لَهُ رَجَعْتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ،

ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَهُ فِي الْعِدَّةِ. إحْدَاهُمَا: لَهُ رَجْعَتُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَهُ ارْتِجَاعُهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا، بَلْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ لَهُ رَجْعَتَهَا وَلَوْ فَرَطَتْ فِي الْغُسْلِ سِنِينَ، حَتَّى قَالَ بِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي عِشْرِينَ سُنَّةً، وَذَكَرَهَا ابْنُ الْقِيَمِ فِي الْهُدَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، وَيَأْتِي حِكَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ: يَمْضِي وَقْتُ صَلَاةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَحِلِّهَا لِزَوْجِهَا بِالرَّجْعَةِ،

أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ انْقِطَاعِ نَفَقَتِهَا، وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا، وَانْتِفَاءِ الْمِيرَاثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَيَحْصُلُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَذَلِكَ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ حُكْمِ الصَّحَابَةِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلًّا لِلْخِلَافِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَوَضَعَتْ وَلَدًا، وَبَقِيَ مَعَهَا آخَرُ: فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ وَضْعِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا بَعْدَ وَضْعِ الْجَمِيعِ، وَقَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ النِّفَاسِ؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ رَجْعَتُهَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا، وَتُبَاحُ لِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ طَهُرَتْ مِنْ النِّفَاسِ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْعِدَدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا بَانَتْ، وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَتَعُودُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ أَوْ قَبْلَهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: إنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ: رَجَعَتْ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَتُلَقَّبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْهَدْمِ، وَهُوَ أَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي: هَلْ يَهْدِمُ نِكَاحَ الْأَوَّلِ، أَمْ لَا؟ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ

فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا: رُدَّتْ إلَيْهِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي، إنْ كَانَ أَصَابَهَا، نَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَلْ تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الْمَهْرَ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. أَحَدُهُمَا: تَضْمَنُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبِضْعِ مُتَقَوِّمٌ. وَالثَّانِي: لَا تَضْمَنُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّضَاعِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا: لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لَكِنْ إنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ: لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا، لَكِنْ مَتَى بَانَتْ مِنْهُ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ، إلَّا أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا. فَائِدَةٌ: لَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ لَهُ إنْ صَدَّقَتْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ صَدَّقَتْهُ: لَزِمَهَا لِلثَّانِي مَهْرُهَا أَوْ نِصْفُهُ،

وَهَلْ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهِيَ فِي نِكَاحِ الثَّانِي فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ: لَمْ يَرِثْهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي بِالْإِرْثِ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي: لَمْ تَرِثْهُ لِإِنْكَارِهَا صِحَّةَ نِكَاحِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَلَا يُمَكَّنُ مَنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهَا وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قُبِلَ قَوْلُهَا إذَا كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنْ تَدَّعِيَهُ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: إذَا ادَّعَتْهُ الْحُرَّةُ بِالْحَيْضِ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَجَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا: الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. كَخِلَافِ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: قَبُولُ قَوْلِهَا مُطْلَقًا إذَا كَانَ مُمْكِنًا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ مِنْ الْأَقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إذَا قُلْنَا الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلِلْأَمَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَحْظَةٌ،

وَإِنْ قُلْنَا الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَلِلْأَمَةِ سَبْعَ عَشَرَ وَلَحْظَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ وَلِلْأَمَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَلِلْأَمَةِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَحْظَتَانِ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةً، إنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ وَإِنَّ أَقَلَّهَا يَوْمٌ، وَإِنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي أَقَلِّهِمَا مَرَّتَيْنِ، وَاللَّحْظَةُ الْمَذْكُورَةُ بِقُرْءٍ: لَحْظَةٌ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ فِي وَجْهٍ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي سَلْخِ طُهْرٍ وَقُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ: فَفِي ثَلَاثِ حِيَضٍ وَطُهْرَيْنِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَحْظَةٍ مِنْ حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ فِي وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي سَلْخِ حَيْضَةٍ وَقُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ فَفِي ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ وَلَحْظَةٍ فِي وَجْهٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَأَقَلُّ عِدَّةِ الْأَمَةِ: أَقَلُّ الْحَيْضِ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ: مَرَّةً وَلَحْظَةً مِنْ طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ بِلَا وَطْءٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْقُرْءَ حَيْضَةٌ،

وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ، فَأَقَلُّهُمَا وَلَحْظَةٌ مِنْ طُهْرٍ طَلَّقَ فِيهِ بِلَا وَطْءٍ، وَلَحْظَةٌ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْت رَاجَعْتُك فَأَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، قَوْلُهُ (فَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُك، فَقَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، قَالَ فِي الْوَاضِحِ فِي الدَّعَاوَى: نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: مَا ذَكَرْته أَوَّلًا، فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، قَوْلُهُ (وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا: قُدِّمَ قَوْلُهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ [وَالْمُحَرَّرِ] وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَةٌ: مَتَى قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا، فَمَعَ يَمِينِهَا عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا يَمِينٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَاوِي، وَكَذَا لَوْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهَا بِالنُّكُولِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ: يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ إذَا نَكَلَتْ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَطَأَ فِي الْقُبُلِ) ، إذَا كَانَ مَعَ انْتِشَارٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَأَدْنَى مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ: تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) ، وَلَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، أَوْ مَجْنُونًا أَوْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْخَصِيِّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُنْزِلُ،

وَقِيلَ: لَا تَحِلُّ بِوَطْءِ نَائِمٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ، وَقِيلَ: لَا يُحِلُّهَا وَطْءُ مُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ، وَقِيلَ: لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً لَمْ يُحِلَّهَا، فَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ مَعَ الْإِثْمِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا، وَبَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَأَوْلَجَهُ) (أَحَلَّهَا) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَأَوْلَجَ قَدْرَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: لَا يُحِلُّهَا إلَّا بِإِيلَاجِ كُلِّ الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ (أَوْ) (وَطِئَهَا مُرَاهِقٌ) (أَحَلَّهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ اثْنَيْ عَشْرَ سُنَّةً، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ: عَشْرُ سِنِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ اللِّعَانِ أَقَلُّ سِنٍّ يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ لِلْغُلَامِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) (لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَبِ. كَالنِّكَاحِ الْبَاطِلِ، وَفِي الرِّدَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يُحِلَّهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ،

وَقِيلَ: تَحِلُّ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، فَيَجِيءُ عَلَيْهِ إحْلَالُهَا بِنِكَاحِ الْمُحَلَّلِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، الْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجٌ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ) وَكَذَا فِي صَوْمِ فَرْضٍ (أَحَلَّهَا) ، هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ لِمَرَضٍ أَوْ ضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ لِقَبْضِ مَهْرٍ وَنَحْوِهِ أَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِمَعْنًى فِيهَا، بَلْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا نُسَلِّمُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَّلَهُ بِالتَّحْرِيمِ، فَنَطْرُدُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ كَالصَّلَاةِ فِي دَارِ غَصْبٍ، وَثَوْبِ حَرِيرٍ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ نَكَحَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ فَخَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ، وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَهَلْ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُحِلُّهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا) (لَمْ تَحِلَّ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَحِلَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، سَوَاءٌ عَتَقَا أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ: لَمْ يَمْلِكْ نِكَاحَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ تَتِمَّةَ الثَّلَاثِ إذَا عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ. كَكَافِرٍ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَكَذَا تَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي عِتْقِهِمَا مَعًا، فَعَلَيْهَا: يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّقَ الْعَبْدُ طَلَاقًا ثَلَاثًا بِشَرْطٍ، فَوَجَدَ الشَّرْطَ بَعْدَ عِتْقِهِ: لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَبْقَى لَهُ طَلْقَةٌ. كَمَا لَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِعِتْقِهِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ " فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُهَا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَاكَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ، فَأَتَتْهُ فَذَكَرَتْ: أَنَّهَا نَكَحَتْ

مَنْ أَصَابَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا: فَلَهُ نِكَاحُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا وَإِلَّا فَلَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً بِالثِّقَةِ وَالدِّيَانَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي الْوَطْءِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَنْصِيفِ الْمَهْرِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي الْوَطْءِ مَقْبُولٌ، وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحَ حَاضِرٍ وَإِصَابَتَهُ، فَأَنْكَرَ الْإِصَابَةَ: حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَحِلُّ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ بَعْدَمَا مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَتْ حَاضِرًا وَفَارَقَهَا، وَادَّعَتْ إصَابَتَهُ، وَهُوَ مُنْكِرُهَا، انْتَهَوْا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى: وَهَذَانِ الْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ جِدًّا. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَاكِمًا، وَادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا: كَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إنْ ظَنَّ صِدْقَهَا. كَمُعَامَلَةِ عَبْدٍ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَعْرِفُ.

باب الإيلاء

[بَابُ الْإِيلَاءِ] ِ فَائِدَةٌ: الْإِيلَاءُ مُحَرَّمٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْبَابِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) ، امْرَأَتُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً، عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَتُطَالَبُ الصَّغِيرَةُ، وَالْمَجْنُونَةُ، عِنْدَ تَكْلِيفِهِمَا، وَيَأْتِي حُكْمُ الرَّتْقَاءِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الْجُبِّ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ: الْحَلِفُ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَمَتَهُ، أَوْ أَجْنَبِيَّةً مُطْلَقًا، أَوْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا: لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُ: الصِّحَّةَ مِنْ الظِّهَارِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَخَرَّجَهَا الْمَجْدُ بِشَرْطِ إضَافَتِهِ إلَى النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ) ، بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ إيلَاءِ الرَّجْعِيَّةِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ) (تَرَكَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) (لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، لَكِنْ إنْ) (تَرَكَهُ) (مُضِرًّا بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَهَلْ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. إحْدَاهُمَا: تُضْرَبُ لَهُ مُدَّتُهُ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ،

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا أَوْلَى قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا حُكْمُ مَنْ ظَاهَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي آخِرَ الْبَابِ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَزْوِيجِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ مُضَارَّةٍ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالْمُفْرَدَاتِ: عِنْدِي إنْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمَتَى حَصَلَ إضْرَارُهَا بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ قَصْدِ الْإِضْرَارِ: تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ، وَذَكَرَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الضَّرَرُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ: كَانَ حُكْمُهُ كَالْعِنِّينِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِ تَزْوِيجِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ حُصُولَ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ مُقْتَضٍ لِلْفَسْخِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِقَصْدٍ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَ عَجْزِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْعَاجِزِ. وَأَلْحَقَهُ بِمَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَلَفْظِهِ الصَّرِيحِ، وَقَوْلِهِ: وَلَا أَدْخَلْت ذَكَرِي فِي فَرْجِك) ، لَمْ يُدَيَّنْ فِيهِ، قَوْلُهُ (وَلِلْبِكْرِ خَاصَّةً: لَا افْتَضَضْتُك: لَمْ يُدَيَّنْ فِيهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: وَتَخْتَصُّ الْبِكْرُ بِلَفْظَيْنِ، وَهُمَا " وَاَللَّهِ لَا افْتَضَضْتُك " وَلَا " أَبْتَنِي بِك " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمَا: يُشْتَرَطُ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا عَرَبِيٌّ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا غَيْرُهُ: دُيِّنَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قُلْت: لَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك، أَوْ لَا جَامَعْتُك، أَوْ لَا بَاضَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاشَرْتُك، أَوْ لَا بَاعَلْتُكِ، أَوْ لَا قَرَبْتُكِ، أَوْ لَا مَسَسْتُكِ، أَوْ لَا أَتَيْتُك، أَوْ لَا اغْتَسَلْت مِنْك: فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي " لَا اغْتَسَلْت مِنْك " أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَهُوَ فِي الْحِيلَةِ فِي الْيَمِينِ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ " الْإِبْضَاعُ " الْمَنَافِعُ الْمُبَاحَةُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، دُونَ عُضْوٍ مَخْصُوصٍ، مِنْ فَرْجٍ مَخْصُوصٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُتَفَقِّهُ وَ " الْمُبَاضَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْمُتْعَةِ بِهِ وَالْمُتَفَقِّهَةُ تَقُولُ " مَنَافِعُ الْبُضْعِ ". قَوْلُهُ (وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِيهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ) . شَمِلَ مَسَائِلَ.

مِنْهَا: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كِنَايَةٌ، فَمِنْ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " وَاَللَّهِ لَا غَشِيتُك " فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْحُكْمِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: هِيَ كِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " وَاَللَّهِ لَا أَفْضَيْت إلَيْك " صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: هِيَ كِنَايَةٌ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَمِنْهَا: " وَاَللَّهِ لَا لَمَسْتُك " صَرِيحٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَيُدَيَّنُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّ " الْمُلَامَسَةَ " اسْمٌ لِالْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ، وَفِي الِانْتِصَارِ " لَمَسْتُمْ " ظَاهِرٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ، وَ " لَامَسْتُمْ " ظَاهِرٌ فِي الْجِمَاعِ، فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْقَرَائِنَ كَالْآيَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ قَوْلَهُ " وَاَللَّهِ لَا افْتَرَشْتُكِ " صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ مُولِيًا بِهَا إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ: فَمِنْهَا قَوْلُهُ " وَاَللَّهِ لَا ضَاجَعْتُك، وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت عَلَيْك، وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت عَلَيَّ، وَاَللَّهِ لَا قَرُبْت فِرَاشَك، وَاَللَّهِ لَا بِتُّ عِنْدَك " وَنَحْوَهَا. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) ،

وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِ الدَّعْوَى بِهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِاللِّعَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ: لَمْ يَصِرْ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ عَنْهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ يَكُونُ مُولِيًا بِذَلِكَ وَبِتَحْرِيمِ الْمُبَاحِ، وَنَحْوِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَبِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْزَمَ بِالْيَمِينِ حَقٌّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَعَنْهُ يَكُونُ مُولِيًا بِحَلْفِهِ بِيَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ، كَنَذْرٍ وَظِهَارٍ وَنَحْوِهِمَا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي، فَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا بِوَطْئِهَا: يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ، وَمَتَى أَوْلَجَ، أَوْ تَمَّمَ، أَوْ لَبِثَ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَفِي الْمَهْرِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا مَهْرَ وَلَا نَسَبَ،

وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَجَزَمَ بِهِ التَّرْغِيبِ، وَفِيهِ: وَيُعَزَّرُ جَاهِلٌ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِنْ نَزَعَ فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ، لِأَنَّهُ تَارِكٌ، وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ، فَإِنْ جَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ: فَالْمَهْرُ وَالنَّسَبُ، وَلَا حَدَّ: وَالْعَكْسُ بِعَكْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَالْحَدُّ، وَلَا نَسَبَ، وَإِنْ عَلِمَتْهُ فَالْحَدُّ وَالنَّسَبُ، وَلَا مَهْرَ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَيُؤَدَّبَانِ، وَقِيلَ: لَا حَدَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ طَرْدُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَتَعْزِيرُ جَاهِلٍ فِي نَظَائِرِهِ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِي جَاهِلَيْنِ وَطِئَا أَمَتَهُمَا: يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَا. فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا بِوَطْئِهَا فَفِي إيلَائِهِ الرِّوَايَتَانِ، فَلَوْ وَطِئَهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَالرِّوَايَتَانِ فِي قَوْلِهِ " إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ " فَإِنْ صَحَّ فَأَبَانَ الضَّرَّةَ: انْقَطَعَ، فَإِنْ نَكَحَهَا وَقُلْنَا: تَعُودُ الصِّفَةُ عَادَ الْإِيلَاءُ، وَيُنَدَّدُ عَلَى الْمُدَّةِ، وَالرِّوَايَتَانِ فِي " إنْ وَطِئْت وَاحِدَةً فَالْأُخْرَى طَالِقٌ "، وَمَتَى طَلَّقَ الْحَاكِمُ هُنَا طَلَّقَ عَلَى الْإِبْهَامِ، وَلَا مُطَالَبَةَ، فَإِذَا عُيِّنَتْ بِقُرْعَةٍ: سُمِعَتْ دَعْوَى الْأُخْرَى. وَقَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ) (يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ،

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ أَيْضًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ. قَوْلُهُ (أَوْ) (يُعَلِّقُهُ عَلَى شَرْطٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا) (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، أَوْ مَا عِشْت) ، فَيَكُونُ مُولِيًا بِذَلِكَ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى تَحْبَلِي؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إذَا لَمْ يَطَأْهَا) ، فَيَكُونُ مُولِيًا بِذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " حَتَّى تَحْبَلِي " وَهِيَ مِمَّنْ يَحْبَلُ مِثْلُهَا: لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَإِنْ قَالَ " حَتَّى تَحْبَلِي " وَهِيَ مِمَّنْ يَحْبَلُ مِثْلُهَا فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ، أَوْ وَطِئَ وَحَمَلْنَا يَمِينَهُ عَلَى حَبْلٍ جَدِيدٍ صَارَ مُولِيًا، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " حَتَّى تَحْبَلِي " وَلَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَهَا وَحَمَلْنَا يَمِينَهُ عَلَى حَبْلٍ مُتَجَدِّدٍ فَهُوَ مُولٍ، وَإِلَّا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَ وَنِيَّتُهُ حَبْلٌ مُتَجَدِّدٌ: فَهُوَ مُولٍ،

وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيَكُونُ مُولِيًا بِحَبَلِ مَوْطُوءَةٍ قَصَدَهُ بِمُتَجَدِّدٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ آلَى مِمَّنْ يُظَاهِرُ مِنْهَا، أَوْ عَكْسُهُ: لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك) (لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ مُولِيًا فِي الْحَالِ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ صَارَ مُولِيًا بِوُجُودِهِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِي الْحَالِ، نَحْوُ قَوْلِهِ " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك إنْ شِئْت، أَوْ دَخَلْت الدَّارَ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً: لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك فِي السَّنَةِ إلَّا يَوْمًا: فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ

وَفِي الْآخِرِ يَصِيرُ مُولِيًا فِي الْحَالِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً بِالتَّنْكِيرِ إلَّا يَوْمًا " لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَصِيرُ مُولِيًا فِي الْحَالِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَصِيرُ مُولِيًا هُنَا، وَإِنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مُولٍ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: لَمْ يَصِرْ مُولِيًا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ مُولِيًا، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ عَلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ قَالَ " إذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك مُدَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك إنْ شِئْت، فَشَاءَتْ: صَارَ مُولِيًا) ، أَنَّهُ سَوَاءٌ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِي الْحَالِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: إلَّا أَنْ تَشَائِي، أَوْ إلَّا بِاخْتِيَارِك، أَوْ إلَّا أَنْ تَخْتَارِي) (لَمْ يَصِرْ مُولِيًا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ: صَارَ مُولِيًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ: صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ) ، فَيَحْنَثَ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ، وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا قَالَ " لَا وَطِئْت وَاحِدَةً مِنْكُنَّ " فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَالْأَصْحَابِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَرَدَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ، قَالَ: وَحَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ الْقَاضِي كَذَلِكَ، وَالْقَاضِي مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَبْقَى الْإِيلَاءُ لَهُنَّ فِي طَلَبِ الْفَيْئَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِوَطْئِهِنَّ،

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَقِيلَ: تَتَعَيَّنُ وَاحِدَةٌ بِقُرْعَةٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُخْرَجُ بِالْقُرْعَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُعَيِّنُ هُوَ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ: كَانَ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ، وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: يَبْقَى الْإِيلَاءُ لَهُنَّ فِي طَلَبِ الْفَيْئَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِوَطْئِهِنَّ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا: وَهُوَ أَصَحُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكُنَّ: فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَا يَصِيرُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا، فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ) ، صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ " فَيَجِيءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مُخَالِفٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا، فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ، بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ، وَعَلَيْهِ شَرْحُ ابْنِ مُنَجَّا، وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ أَصْلَ الْوَجْهَيْنِ الرِّوَايَتَانِ فِي فِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ: صَارَ مُولِيًا فِي الْحَالِ، وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ كَالْأُولَى، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ: لَمْ يَصِرْ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُنَّ فِي الْحَالِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَخَّرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ أَرَ مَا شَرَحَ عَلَيْهِ ابْنُ مُنَجَّا، مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَلِمَنْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكُنَّ " وَقُلْنَا: لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَأَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مُولٍ فِي الْحَالِ مِنْ الْجَمِيعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ، وَقَالَا: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَ مَأْخَذَ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: شَرَّكْتُكِ مَعَهَا: لَمْ يَصِرْ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ) ،

هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَذَكَرَهُ فِي بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ، وَعَنْهُ: يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهَا إنْ نَوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ "، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " وَيَأْتِي نَظِيرَتُهُمَا فِي الظِّهَارِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ " إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَقَالَ لِلْأُخْرَى " أَشْرَكْتُك مَعَهَا " وَنَوَى وَقُلْنَا: يَكُونُ إيلَاءً مِنْ الْأُولَى صَارَ مُولِيًا مِنْ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: صِحَّةَ إيلَاءِ مَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ " وَاَللَّهِ لَا وَطِئْت فُلَانَةَ " أَوْ " لَا وَطِئْتهَا إنْ تَزَوَّجْتهَا " مَعَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لَهُ بِوَطْئِهَا، وَخَرَّجَ أَيْضًا صِحَّةَ إيلَائِهِ بِشَرْطِ إضَافَتِهِ إلَى النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ فِي رِوَايَةٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، سَلِيمًا أَوْ خَصِيَّا، أَوْ مَرِيضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ) ، بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ بِجَبٍّ أَوْ شَلَلٍ: فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ)

وَكَذَا لَوْ كَانَتْ رَتْقَاءَ وَنَحْوَهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَأَوْرَدَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مَذْهَبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفَيْئَتُهُ: لَوْ قَدَرْت لَجَامَعْتُك. فَائِدَةٌ: عَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَلَفَ ثُمَّ جُبَّ: فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، قُلْت: الصَّوَابُ الْبُطْلَانُ، ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ صَحَّحَهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إيلَاءُ الصَّبِيِّ) ، إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَصِحَّ إيلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا صَحَّ إيلَاؤُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيلَاءُ الصَّبِيِّ وَلَا ظِهَارُهُ، ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ " عَلَى مَا يَأْتِي، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ: وَإِذَا قُلْنَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَهَلْ يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ أَمْ لَا؟ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَحَكَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَحَكَى فِي الْمَذْهَبِ فِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى.

وَالْوَجْهَانِ إنَّمَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِهِ وَعَدَمِهَا، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، فَإِنَّهُمَا لَمَّا حَكَيَا الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَاهُمَا، قَالَا: بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ، وَقَدْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَهُوَ وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ تَابِعَانِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ، وَإِنْ صَحَّ طَلَاقُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي إيلَاءِ السَّكْرَانِ وَجْهَانِ) ، بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ، عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرَّقِيقِ سَوَاءٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا فِي الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَوْلُ التَّابِعِينَ كُلِّهِمْ إلَّا الزُّهْرِيَّ وَحْدَهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ، فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا يَكُونُ عَلَى النِّصْفِ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، يَعْنِي: مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: تُضْرَبُ لِكَافِرٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ بِالرَّجُلِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ: اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ)

بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ (وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا: لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ) ، كَصِغَرِهَا وَجُنُونِهَا وَنُشُوزِهَا، وَإِحْرَامِهَا وَمَرَضِهَا وَحَبْسِهَا، وَصِيَامِهَا وَاعْتِكَافِهَا الْمَفْرُوضَيْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ. كَالْحَيْضِ، قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: تُضْرَبُ مُدَّتُهُ مِنْ الْيَمِينِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُدَّةِ مَانِعٌ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: مَجْنُونَةٌ لَهَا شَهْوَةٌ كَعَاقِلَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَرَأَ بِهَا: اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عِنْدَ زَوَالِهِ إلَّا الْحَيْضَ، فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِمُدَّتِهِ) ، إذَا طَرَأَ بِهَا عُذْرٌ، غَيْرُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَنَحْوِهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُسْتَأْنَفُ [الْمُدَّةُ] عِنْدَ زَوَالِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، فَلَا تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَيْضًا: فَإِنَّهَا تُحْتَسَبُ بِمُدَّتِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَفِي النِّفَاسِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَفِي الْبُلْغَةِ وَالْفُرُوعِ: رِوَايَتَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِي: يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ كَالْحَيْضِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (طَلَّقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ) (انْقَطَعَتْ) ، إنْ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا انْقَطَعَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَطِعُ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْقَطِعُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، قَوْلُهُ (فَإِنْ) (رَاجَعَهَا، أَوْ نَكَحَهَا إذَا كَانَتْ بَائِنًا اُسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ) ، هَذَا مَبْنِيٌّ فِي الرَّجْعَةِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ: فَلَا أَثَرَ لِرَجْعَتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ بَقِيَ بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الْمُدَّةِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ: سَقَطَ الْإِيلَاءُ وَإِلَّا ضُرِبَتْ لَهُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُكَمَّلُ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّ الْمُدَّةَ تُسْتَأْنَفُ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ، وَنَازَعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ:) (لَمْ تَمْلِكْ طَلَبَ الْفَيْئَةِ) .

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لِمَنْ بِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ طَلَبُ الْفَيْئَةِ بِالْقَوْلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ وَهُوَ مِمَّا يَعْجِزُ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ أُمِرَ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ، فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْت جَامَعْتُك) ، فَيَقُولُ لَهَا ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَحْسَنُ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَعَنْهُ: أَنَّ فَيْئَةَ الْمَعْذُورِ أَنْ يَقُولَ " فِئْت إلَيْك "، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: فَيْئَتُهُ حَكُّهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ الْجَهْدُ مِنْ تَفْتِيرِ الشَّهْوَةِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " أَمَرَ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ " يَعْنِي فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْت جَامَعْتُك "، هَذَا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا الْمَجْبُوبُ: فَإِنَّهُ يَقُولُ " لَوْ قَدَرْت جَامَعْت " زَادَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ " وَقَدْ نَدِمْت عَلَى مَا فَعَلْت "، قَوْلُهُ (ثُمَّ) (مَتَى قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ، أَوْ تَطْلُقُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ،

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ لَازِمُ قَوْلِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا فَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَمْ يُطَالَبْ بِالْفَيْئَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَخَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ " مَتَى قَدَرْت جَامَعْت "، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ، أَعْنِي: فِي صِفَةِ الْفَيْئَةِ وَانْبَنَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ إذَا قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ: هَلْ يَلْزَمُهُ؟ فَالْخِرَقِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يَقُولَانِ: يَلْزَمُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ لَا يَلْزَمُهُ. انْتَهَى. وَعِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ قَوْلِهِ " قَدْ فِئْت إلَيْك ". الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ مُظَاهِرًا، فَقَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً أَعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِي: أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ، أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ لِصَوْمِ شَهْرَيْ الظِّهَارِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَيُطَلِّقُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يَصُومُ فَيَفِيءُ. كَمَعْذُورٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ) (وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ:) (لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْفَيْئَةِ) ،

بِلَا نِزَاعٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (وَطِئَهَا فِي الْفَرَجِ وَطْئًا مُحَرَّمًا) (مِثْلَ أَنْ يَطَأَ فِي حَالِ الْحَيْضِ، أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ الْإِحْرَامِ، أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَدْ فَاءَ، لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِهِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَيْئَةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ وَطِئَهَا نَائِمًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِهَا، أَوْ مَجْنُونًا وَلَمْ نُحَنِّثْ الثَّلَاثَةَ أَوْ كَفَّرَ يَمِينَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْوَطْءِ: فَفِي خُرُوجِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ وَطِئَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَيَسْقُطُ الْإِيلَاءُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، وَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا، فَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَحْنَثُ، فَعَلَيْهَا: هَلْ يَسْقُطُ الْإِيلَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. كَالْمَجْنُونِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ وَطِئَهَا نَاسِيًا، أَوْ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَقُلْنَا: لَا يَحْنَثُ خَرَجَ مِنْ الْفَيْئَةِ، وَقِيلَ: لَا يَخْرُجُ، وَقَدِمَ فِيمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْوَطْءِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْفَيْئَةِ، وَقَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: يَخْرُجُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلٍ مُطْلَقًا.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَيُكَفِّرُ بِوَطْءٍ، وَلَوْ مَعَ إكْرَاهٍ وَنِسْيَانٍ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَبْلَ الْوَقْفِ: صَارَ كَالْحَالِفِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا إذَا مَضَتْ يَمِينُهُ قَبْلَ وَقْفِهِ. انْتَهَيَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْوَطْءِ فَوَطِئَ: فَقَدْ فَاءَ إلَيْهَا، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْوَطْءِ لَا يُتَصَوَّرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَفِئْ، وَأَعْفَتْهُ الْمَرْأَةُ: سَقَطَ حَقُّهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدُ كَسُكُوتِهَا، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تُعْفِهِ: أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ رَجْعَتُهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً، وَيَأْتِي طَلَاقُ الْحَاكِمِ إذَا قُلْنَا: يُطَلِّقُ هَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ، أَوْ بَائِنٌ؟ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ: حُبِسَ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ) (فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفِي الْأُخْرَى: يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَآبِيهَا وَطَلَاقٍ: يُحْبَسُ، ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً فَهُوَ كَطَلَاقِ الْمُولِي "، يَعْنِي: أَنَّهَا هَلْ تَقَعُ رَجْعِيَّةً، أَوْ بَائِنَةً؟ وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَقَعُ رَجْعِيَّةً، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: أَنَّ طَلَاقَ الْحَاكِمِ بَائِنٌ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ طَلَاقَ الْمُولِي رَجْعِيٌّ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ فِرْقَةَ الْحَاكِمِ تَكُونُ بَائِنًا، وَعَنْهُ: فِرْقَةُ الْحَاكِمِ كَاللِّعَانِ، فَتَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: امْتَنَعَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَالَ: وَالطَّرِيقَانِ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ فَسَخَ صَحَّ: ذَلِكَ) ، يَعْنِي: لَوْ طَلَّقَ الْحَاكِمُ ثَلَاثًا أَوْ فَسَخَ: صَحَّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ،

قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَ فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا، وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ، فَلَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ، وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ الْفَسْخُ، فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا، فَهُوَ فَسْخٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: طَلَاقٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّةَ مَا انْقَضَتْ، أَوْ أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَكَانَتْ ثَيِّبًا) (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالٌ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي عَدَم الْوَطْءِ، بِنَاءً عَلَى رِوَايَةٍ فِي الْعُنَّةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ طَلَّقَهَا فَهَلْ لَهُ رَجْعَةٌ، أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَفِي التَّرْغِيبِ احْتِمَالَانِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (كَانَتْ بِكْرًا، وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ عَدْلٌ) (فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِلَا نِزَاعٍ، قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ مَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؟) (عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فِي الثَّيِّبِ رِوَايَتَانِ، وَفِي الْبِكْرِ: وَجْهَانِ،

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَوْ ادَّعَى وَطْءَ الثَّيِّبِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَمِينَ هُنَا إذَا شَهِدَا بِالْبَكَارَةِ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ الْعِنِّينِ: فَإِنْ شَهِدَتْ بِمَا قَالَتْ: أُجِّلَتْ سَنَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ النَّاظِمُ: وَدَعْوَاهُ بُقْيَا الْوَقْتِ أَوْ وَطْءَ ثَيِّبٍ ... فَقَلِّدْهُ وَلْيَحْلِفْ عَلَى الْمُتَأَكِّدِ وَإِنْ تَكُ بِكْرًا ثُمَّ تَشْهَدْ عَدْلَةٌ ... بِعُذْرَتِهَا تُقْبَلْ وَتَحْلِفُ بِمُبْعَدٍ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْوَجْهَيْنِ يَشْمَلُ الْبِكْرَ إذَا شَهِدَ بِأَنَّهَا بِكْرٌ، وَأَنَّ فِيهَا وَجْهًا يُحَلِّفُهَا، وَهُوَ صَحِيحُ، ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ حِكَايَةَ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي التَّرْغِيبِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا شَهِدَ بِالْبَكَارَةِ امْرَأَةٌ قُبِلَ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي يَمِينِهَا وَجْهَانِ.

كتاب الظهار

[كِتَابُ الظِّهَارِ] ِ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ، أَوْ عُضْوًا مِنْهَا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ تَشْبِيهَ عُضْوٍ مِنْ امْرَأَتِهِ كَتَشْبِيهِهَا كُلِّهَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَيْسَ بِمُظَاهِرٍ حَتَّى يُشَبِّهَ جُمْلَةَ امْرَأَتِهِ. قَوْلُهُ (بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَوْ بِهَا، أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهَا، فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ كَوَجْهِ حَمَاتِي، أَوْ ظُهْرُك أَوْ يَدُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ خَالَتِي، مِنْ نَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ: حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إذَا أَضَافَهُ إلَى مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ السَّبَبُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي) ، وَكَذَا قَوْلُهُ (أَنْتِ عِنْدِي أَوْ مِنِّي، أَوْ مَعِي كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي: كَانَ مُظَاهِرًا) ، إنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ: كَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ أَطْلَقَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ،

وَعَنْهُ: لَيْسَ بِظِهَارٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، فَقَالَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ حَتَّى يَنْوِيَهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ: إنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الظِّهَارِ: فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِلَّا فَلَا، قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَرَدْت كَأُمِّي فِي الْكَرَامَةِ، أَوْ نَحْوَهُ) (دُيِّنَ) بِلَا نِزَاعٍ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَوَجْهَانِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْإِرْشَادِ، أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ حَتَّى يَنْوِيَهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي) (فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ) ، يَعْنِي: يَكُونُ كَقَوْلِهِ " أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي " هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَالْأَوْلَى: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِظِهَارٍ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ " عَلَيَّ " لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " أَنْتِ أُمِّي، أَوْ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي " وَأَطْلَقَ: فَلَا ظِهَارَ، وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: أَمَّا الْكِنَايَةُ: فَنَحْوُ قَوْلِهِ " أُمِّي، أَوْ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي " لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، أَوْ الْقَرِينَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى،

وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ: فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ قَالَ " أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُهَا فَصَرِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ظِهَارًا بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا قَرِينَةٍ، وَإِنْ قَالَ " نَوَيْت فِي الْكَرَامَةِ " دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ: عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ فِي الظِّهَارِ، وَقِيلَ: إنْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ مِثْلُهَا " وَلَمْ يَنْوِ الْكَرَامَةَ: فَمُظَاهِرٌ، وَإِنْ نَوَاهَا دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ أَسْقَطَ " عَلَيَّ " فَلَغْوٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ، وَمَعَ ذِكْرِ " الظَّهْرِ " لَا يُدَيَّنُ. انْتَهَيَا، فَذَكَرَ الطَّرِيقَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا) (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَتَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ ظِهَارٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ فِيمَا إذَا قَالَ " كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ " الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، عَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَاخْتَارَهُ فِيمَا إذَا قَالَ " كَظَهْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ " ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ، عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ: إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا تَحْرِيمٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَنْهُ: هُوَ ظِهَارٌ، إنْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي " أَوْ " كَظَهْرِ رَجُلٍ " نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَكَسَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ) (لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: يَكُونُ مُظَاهِرًا إذَا نَوَاهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ: وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهُوَ مُظَاهِرٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا، فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا، أَوْ مَا نَوَاهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ إذَا قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَأَطْلَقَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ ظِهَارٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ،

وَعَنْهُ: هُوَ يَمِينٌ، وَعَنْهُ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، حَتَّى نَقَلَ حَنْبَلٌ وَالْأَثْرَمُ: الْحَرَامُ ثَلَاثٌ حَتَّى لَوْ وَجَدْت رَجُلًا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: كَرَاهَةُ الْفُتْيَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ "، وَأَمَّا إذَا نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا، فَعَنْهُ: يَكُونُ ظِهَارًا أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " أَنْتِ حَرَامٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَا ظِهَارَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِابْنِ شَاقِلَا، وَابْنِ بَطَّةَ، وَابْنِ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَيَصِحُّ ظِهَارُ الصَّبِيِّ، حَيْثُ صَحَّحْنَا طَلَاقَهُ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: سِوَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَهُ وَبَيَّنَ الطَّلَاقَ،

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَالْأَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ظِهَارٌ، وَلَا إيلَاءٌ. لِأَنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ "، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ فِي " بَابِ الْأَيْمَانِ " وَتَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ: يَصِحُّ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ، لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الزُّورِ، وَحُصُولِ التَّكْفِيرِ، وَالْمَأْثَمِ، وَإِيجَابِ مَالٍ أَوْ صَوْمٍ، قَالَ: وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ، وَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِرَفْعِ الدَّعْوَى، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ صَحَّ طَلَاقُهُ، إلَّا الْمُمَيِّزَ فِي الْأَصَحِّ فِيهِ، وَقِيلَ: ظِهَارُ الْمُمَيِّزِ كَطَلَاقِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ مُرْتَدَّةٍ. قَوْلُهُ (مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ: وَكَافِرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ، لِتَعَقُّبِهِ كَفَّارَةً لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَرُدَّ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكَفِّرُ بِالْمَالِ لَا غَيْرُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ بِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ وَالْعِتْقِ،

وَإِذَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؟ قَالَ الدِّينَوَرِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي تَكْفِيرِ الذِّمِّيِّ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ: النِّيَّةُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُعْتَقُ أَيْضًا بِلَا نِيَّةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا: يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ الْمُرْتَدِّ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لِأَنَّ الظِّهَارَ مِنْ فُرُوعِ النِّكَاحِ، أَوْ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، وَالذِّمِّيُّ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَيَصِحُّ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، فَصَحَّ مِنْهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي الِانْتِصَارِ مِنْ وَكِيلٍ فِيهِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: شَمِلَ قَوْلُهُ " يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ " الْعَبْدُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْتِي حُكْمُ تَكْفِيرِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَالطِّفْلِ وَالزَّائِلِ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، أَوْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُكْرَهُ إذَا لَمْ تُصَحِّحْ طَلَاقَهُ، وَحُكْمُ ظِهَارِ السَّكْرَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ: لَمْ يَصِحَّ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، مِنْ رِوَايَةٍ فِيمَا إذَا ظَاهَرَتْ هِيَ مِنْ زَوْجِهَا الْآتِيَةِ، وَذَكَرَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ وَالتَّرْغِيبِ رِوَايَةً بِالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي: لَمْ تَكُنْ مُظَاهِرَةً) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، حَتَّى قَالَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ: لَمْ تَكُنْ مُظَاهِرَةً، رِوَايَةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ مُظَاهِرَةً، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، فَتُكَفِّرُ إنْ طَاوَعَتْهُ، وَإِنْ اسْتَمْتَعَتْ بِهِ، أَوْ عَزَمَتْ: فَكَمُظَاهِرٍ. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ ظِهَارٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا أَقَيْسُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ، وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَمِنْهَا: خَرَّجَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ) ، يَعْنِي: إذَا قُلْنَا: إنَّهَا لَيْسَتْ مُظَاهِرَةً، وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَعَلَيْهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ قَبْلَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا تُمَكِّنُهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ ظِهَارَ الرَّجُلِ صَحِيحٌ، وَظِهَارُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ، مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ مُظَاهِرَةً، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءً الْقُبْلَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ التَّمْكِينِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ: الْعَوْدُ التَّمْكِينُ. الثَّانِيَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَلَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِتَزْوِيجِهَا، مِثْلُ إنْ قَالَتْ " إنْ تَزَوَّجْت فُلَانًا، فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي "،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَهُوَ ظِهَارٌ، وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَغْوٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي: لَمْ يَطَأْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ) ، يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا يَطَؤُهَا إذَا تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى: صَحَّ فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ كَالطَّلَاقِ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالطَّلَاقِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ، وَالطَّلَاقُ حَلُّ عَقْدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحَكَمُ إذَا عَلَّقَهُ فَتَزَوَّجَهَا، بِأَنْ قَالَ " إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ فِي كُلِّ حَالٍ فَكَذَلِكَ) يَعْنِي إذَا قَالَ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ، (وَإِنْ أَرَادَ: فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ) ،

وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ أَنَّهَا كَالَّتِي قَبْلَهَا فِي أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَطَأُ إذَا تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: كَذَا إنْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَنَوَى أَبَدًا، وَإِنْ نَوَى فِي الْحَالِ فَلَغْوٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ "، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: هُوَ ظِهَارٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى " أَشْرَكْتُك مَعَهَا " أَوْ " أَنْتَ مِثْلُهَا " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى آخِرَ بَابِ الْإِيلَاءِ: إذَا قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا، وَفِي اعْتِبَارِ نِيَّتِهِ وَجْهَانِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ) ، إنْ كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ أَوْ الصِّيَامِ: حَرُمَ الْوَطْءُ إجْمَاعًا لِلنَّصِّ، إنْ كَانَ بِالْإِطْعَامِ: حَرُمَ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَرِوَايَتَيْهِ، وَالشَّرِيفُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إذَا كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرَجِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: أَشْهُرُهُمَا التَّحْرِيمُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ، نَقَلَهَا الْأَكْثَرُونَ، وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا أَظْهَرُهُمَا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ الْوَطْءُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَنْكَرَ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ الْعَزْمُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: الْعَوْدُ الْعَزْمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ رِوَايَةً، قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ الْأَثْرَمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْوَطْءُ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ: لَوْ عَزَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ: وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، فَرَّعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: الْعَوْدُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْعَازِمِ عَلَى الْوَطْءِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ، إلَّا أَبَا الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَزْمِ أَوْ طَلَّقَ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ: أَثِمَ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ وَطْئِهِ بِمَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ بَاقٍ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ تَلْزَمُ مَجْنُونًا بِوَطْئِهِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ كَفَّارَةٌ بِوَطْئِهِ، وَأَنَّهُ كَالْيَمِينِ، قَالَ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهَانِ كَإِيلَاءٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ: يَبْطُلُ الظِّهَارُ، وَتَحِلُّ لَهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَظِهَارِهِ مِنْ أَمَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَرَّرَ الظِّهَارَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ،

وَعَنْهُ: إنْ كَرَّرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ: فَكَفَّارَاتٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِع رِوَايَةً إنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ: فَكَفَّارَاتٌ، قَالَ: وَلَا أَظُنُّهُ إلَّا وَهْمًا، قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَهَا، وَقَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ الظِّهَارِ، مَا لَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ، أَوْ الْإِفْهَامَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي يَحْكِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ: إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ تَكَرَّرَتْ، وَإِلَّا لَمْ تُكَرَّرْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ مَأْخَذَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ أَيْمَانًا كَثِيرَةً، فَإِنْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْيَمِينِ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ بِكَلِمَاتٍ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إذَا ظَاهَرَ بِكَلِمَاتٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ عِنْدِي مَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا ظَاهَرَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: إنْ كَانَ بِكَلِمَاتٍ فِي مَجَالِسَ: فَكَفَّارَاتٌ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ) (، فَيَجِبُ عَلَيْهِ، تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ، عَدَمُ اسْتِطَاعَةِ الصَّوْمِ: إمَّا لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ يُخَافُ زِيَادَتُهُ أَوْ تَطَاوُلُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَوْ لِشَبَقٍ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ، أَوْ لِضَعْفِهِ عَنْ مَعِيشَةٍ تَلْزَمُهُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ: لِضَعْفٍ عَنْهُ، أَوْ كَثْرَةِ شُغْلٍ، أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ شَبَقٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ مِثْلُهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ، يَعْنِي: أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَعَنْهُ: أَنَّ كَفَّارَةَ رَمَضَانَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ " بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ". قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِثْلُهُمَا) ، يَعْنِي: أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ (إلَّا فِي الْإِطْعَامِ) (، فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْبُلْغَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفِ، فِي خِلَافَيْهِمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ، اخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَوْلُهُ (وَالِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَالْحَدِّ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَالْقَوَدِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا مَذْهَبُنَا الْمُخْتَارُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ شِهَابٍ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، حَيْثُ قَالَ: إذَا وَجَبَتْ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، فَعَلَيْهَا: إمْكَانُ الْأَدَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الزَّكَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعَلَيْهَا: إذَا وَجَبَتْ، وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَعْسَرَ: لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ، وَإِنْ وَجَبَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ، وَلَهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ، مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْعِتْقُ هُنَا هَدْيُ الْمُتْعَةِ أَوْلَى، وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا يُجْزِئُهُ عِتْقٌ، وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيمَنْ أَيْسَرَ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعَبْدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الِانْتِصَارِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَعَلَيْهَا أَيْضًا: وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الظِّهَارِ مِنْ حِينِ الْعَوْدِ، لَا وَقْتِ الْمُظَاهَرَةِ، وَوَقْتُهُ فِي الْيَمِينِ: مِنْ الْحِنْثِ، لَا وَقْتِ الْيَمِينِ، وَفِي الْقَتْلِ: زَمَنِ الزَّهُوقِ، لَا زَمَنِ الْجُرْحِ، وَتَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ: تَعْجِيلٌ لَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا لِوُجُودِ سَبَبِهَا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَحَكَاهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْخِرَقِيِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ " وَمَنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ "، إذْ ظَاهِرُهُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ كَانَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ قَالَ: وَمَا تَقَدَّمَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إلَى حِينِ التَّكْفِيرِ: لَا تُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: إنْ حَنِثَ عَبْدٌ: صَامَ، وَقِيلَ: أَوْ يُكَفِّرُ بِمَالٍ، وَقِيلَ: إنْ اُعْتُبِرَ أَغْلَظُ الْأَحْوَالِ،

وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ، وَابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ: لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ: لَوْ شَرَعَ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، أَوْ يَمِينٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ، فَالْمَذْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ قَوْلًا فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: أَنَّهُ كَالْعَبْدِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً، أَوْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا بِمَا هُوَ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا: لَزِمَهُ الْعِتْقُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَجَمَاعَةٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِالدَّيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَ مُطَالَبًا بِهِ: فَلَا تَجِبُ، وَغَيْرُهُمْ يُطْلِقُ الْخِلَافَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ، أَوْ دَارٌ يَسْكُنُهَا

أَوْ دَابَّةٌ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِهَا، أَوْ ثِيَابٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا، أَوْ كُتُبٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا) ، يَعْنِي: إذَا كَانَ ذَلِكَ صَالِحًا لِمِثْلِهِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَادِمٌ يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَيَشْتَرِي بِهِ رَقَبَتَيْنِ، يَسْتَغْنِي بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمَا، وَيَعْتِقُ الْأُخْرَى: لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثِيَابٌ فَاخِرَةٌ تَزِيدُ عَلَى مَلَابِسِ مِثْلِهِ، أَوْ دَارٌ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيه لِسُكْنَى مِثْلِهِ، قَالَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَدْنَى مَسْكَنٍ صَالِحٍ لِمِثْلِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ قَاسَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَاءِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَاءِ اللُّزُومَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا، وَأَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِنَسِيئَةٍ: لَزِمَهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ

وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، قَالَ فِي الشَّرْحِ: إذَا كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَأَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِنَسِيئَةٍ، فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِيمَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ، فَبُذِلَ لَهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي بَلَدِهِ وَجْهَيْنِ: اللُّزُومُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَعَدَمُهُ: اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، فَيُخَرَّجُ هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِذَلِكَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَكِنَّهُ دَيْنٌ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَحُكْمُ الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الْوَفَاءِ حُكْمُ الْمَالِ الْغَائِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا لَمْ تُبَعْ بِالنَّسِيئَةِ أَنَّهُ يَصُومُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: صَامَ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، حَتَّى أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيَّ، وَغَيْرَهُمْ جَزَمُوا بِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الظِّهَارِ لِلْحَاجَةِ، لِتَحْرِيمِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: يَصُومُ فِي الظِّهَارِ فَقَطْ، إنْ رَجَا إتْمَامَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَالِ،

وَقِيلَ: أَوْ لَمْ يَرْجُ، قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ شِرَاؤُهَا نَسِيئَةً، فَإِنْ كَانَ مَرْجُوَّ الْحُضُورِ قَرِيبًا: لَمْ يَجُزْ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا: لَمْ يَجُزْ الِانْتِقَالُ لِلصِّيَامِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الِانْتِظَارِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةٌ) ، بِلَا نِزَاعٍ لِلْآيَةِ (وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَلْ تُجْزِئُ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ مُطْلَقًا، أَوْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً، أَوْ ذِمِّيَّةً؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ عِتْقُ رَقَبَةٍ ذِمِّيَّةٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ، نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْحَرْبِيَّةُ وَالْمُرْتَدَّةُ اتِّفَاقًا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا تُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا، كَالْعَمَى) ، أَنَّ الْأَعْوَرَ يُجْزِئُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ، قَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قَوْلُهُ (وَشَلَلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعِهِمَا، أَوْ قَطْعِ إبْهَامِ الْيَدِ، أَوْ سَبَّابَتِهَا، أَوْ الْوُسْطَى، أَوْ الْخِنْصَرِ، أَوْ الْبِنْصِرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ) ، يَعْنِي: لَا يُجْزِئُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ إصْبَعُهُ مَقْطُوعَةً، فَأَرْجُو هَذَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ عِتْقُ الْمَرْهُونِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ يَسَارِ الرَّاهِنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ الْجَانِي، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَوْ قُتِلَ فِي الْجِنَايَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُجْزِئُ إنْ جَازَ بَيْعُهُ. فَائِدَةٌ: قَطْعُ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِ الْإِبْهَامِ، وَقَطْعُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ إصْبَعٍ كَقَطْعِهَا، وَقَطْعُ أُنْمُلَةٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ وَاحِدَةٌ مِنْ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ، أَوْ قُطِعَا مِنْ يَدَيْنِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا،

وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ إبْهَامَ الرِّجْلِ أَوْ سِبَابَتَهَا: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ قَطْعُ أَصَابِعِ الْقَدَمِ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ مِنْ الرِّجْلِ حُكْمُ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَيْئُوسُ مِنْهُ) ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَيْئُوسٍ مِنْهُ: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ أَيْضًا، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يُجْزِئُ مَرِيضٌ أَيِسَ مِنْهُ، أَوْ رُجِيَ بُرْؤُهُ، ثُمَّ مَاتَ فِي وَجْهٍ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَا يُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا " أَنَّ الزَّمِنَ وَالْمُقْعَدَ لَا يُجْزِئَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا النَّحِيفُ. قَوْلُهُ (وَلَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُجْزِئُ مَنْ جُهِلَ خَبَرُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَة، وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهًا، وَجَزَمَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ مَنْ جُهِلَ خَبَرُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ مُطْلَقًا أَمَّا إنْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ: كَوْنُهُ حَيًّا، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَلَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُجْزِئُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: حُكْمُ مَنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ. فَائِدَةٌ: لَا يُجْزِئُ الْأَخْرَسُ الْأَصَمُّ، وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَة، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ: الْإِجْزَاءَ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا كَانَ أَصَمَّ فَقَطْ ". قَوْلُهُ (وَلَا مَنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ،

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ. قَوْلُهُ (وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا تُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: تُجْزِئُ، قُلْت: وَيَجِيءُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ بَيْعِهَا الْإِجْزَاءُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا مُكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الصَّحِيحُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ،

قَالَ فِي النَّظْمِ: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ مُكَاتَبٌ بِحَالٍ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَأَطْلَقَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدًا لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ: نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَالْمَجْدُوعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْأَعْوَرِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ إفَاقَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَنْقِهِ: فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ خَنْقُهُ أَكْثَرَ: أَجْزَأَ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَالْأَصَمُّ وَالْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتُفْهَمُ إشَارَتُهُ) ، يُجْزِئُ عِتْقُ الْأَصَمِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: لَا تُجْزِئُ وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الَّذِي تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَيَفْهَمُ الْإِشَارَةَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ الْأَخْرَسُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَالْمُدَبَّرُ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَمُرَادُهُ: إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عِتْقُ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَقَطَعَ هُنَا بِإِجْزَاءِ عِتْقٍ مِنْ عَتْقٍ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ، فَمُرَادُهُ هُنَا: إذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، قَوْلُهُ (وَوَلَدُ الزِّنَا) ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُهُ كَامِلًا، خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَشْفَعُ مَعَ صِغَرِهِ لِأُمِّهِ، لَا أَبِيهِ،

قَوْلُهُ (وَالصَّغِيرُ) يَعْنِي: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ إعْتَاقُ الطِّفْلِ فِي الْكَفَّارَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ، فَيَجُوزُ عِتْقُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ، إنْ اشْتَرَطَ الْإِيمَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُجْزِئُ ابْنُ سَبْعٍ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُ إذَا صَامَ وَصَلَّى، وَقِيلَ: يُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سَبْعًا، وَنَقْل الْمَيْمُونِيُّ: يَعْتِقُ الصَّغِيرُ، إلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةً وَأَرَادَ الَّتِي قَدْ صَلَّتْ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: يُجْزِئُ إعْتَاقُ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ، فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ الْمَغْصُوبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي مَوْضِعٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي مَكَان آخَرَ: وَفِي مَغْصُوبٍ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَأَعْتَقَهُ: أَجْزَأَهُ، إلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ) ،

وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْإِجْزَاءَ مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ، قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَسَرَى: لَمْ يُجْزِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْزِئَهُ، يَعْنِي إذَا نَوَى عِتْقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ، كَعِتْقِهِ بَعْضَ عَبْدِهِ ثُمَّ بَقِيَّتَهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ غَيْرُ الْخَلَّالِ، وَأُبَيُّ بَكْرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى عِتْقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَرَ: أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ كَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَابْنِ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ رِوَايَتَيْنِ،

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا: أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا، أَوْ أُعْتِقَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ كَفَّارَتَيْنِ: أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِالثَّانِي نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي الْهَدْيِ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ، أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ أَمَةً وَعَبْدًا، بَلْ هَذِهِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا: أَجْزَأَ وَجْهًا وَاحِدًا، لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: لَوْ أَخْرَجَ فِي الزَّكَاةِ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ، وَزَادَ فِي التَّلْخِيصِ: لَوْ أَهْدَى نِصْفَيْ شَاتَيْنِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْهَدْيِ اللَّحْمُ، وَلِهَذَا أَجْزَأَ فِيهِ شِقْصٌ مِنْ بَدَنَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ هُنَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا) ، قَالَ الشَّارِحُ: يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَرُّ وَالْعَبْدُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ) ،

هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ: فِي الِاكْتِفَاءِ بِاللَّيْلَةِ الْأُولَى، وَالتَّجْدِيدُ كُلَّ لَيْلَةٍ: وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ، قُلْت: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِاللَّيْلَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّجْدِيدِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيُبَيِّتُ النِّيَّةَ، وَفِي تَعْيِينِهَا جِهَةَ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا، قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ التَّعْيِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَابِ النِّيَّةِ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نِيَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ، وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ لِلْحَاضِرَةِ، فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهَا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدِ، أَوْ الْفِطْرُ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ مَرَضٍ مَخُوفٍ، أَوْ فِطْرُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا: لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ) ، إذَا تَخَلَّلَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِطْرُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ، أَوْ حَيْضٌ، أَوْ جُنُونٌ: انْقَطَعَ التَّتَابُعُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِيدِ وَالْحَيْضِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَنْقَطِعُ إذَا تَخَلَّلَهُ رَمَضَانُ أَوْ يَوْمُ الْعِيدِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَعِيدٍ: بَنَى، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. انْتَهَى. وَإِذَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مَرَضٌ وَمَخُوفٌ: لَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ،

جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ: وَمَرَضٌ مَخُوفٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَإِذَا أَفْطَرَتْ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ، لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِذَا أَفْطَرَتْ لِأَجْلِ النِّفَاسِ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فِيمَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا) ، يَعْنِي: إذَا أَفْطَرَتَا لِخَوْفِهِمَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا: لَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَحْتَمِلَ أَنْ يَنْقَطِعَ، وَهُوَ لِلْقَاضِي، وَاخْتَارَهُ،

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، كَمَنْ وَطِئَ كَذَلِكَ، أَوْ خَطَأً، كَمَنْ أَكَلَ، يَظُنُّهُ لَيْلًا فَبَانَ نَهَارًا: لَمْ يَقْطَعْ التَّتَابُعَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْجَاهِلِ بِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَقْطَعُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ، أَوْ جَاهِلًا بِهِ، أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ: انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا، أَوْ قَضَاءً عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى: لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) بِلَا نِزَاعٍ، وَيَقَعُ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَفْسُدُ، أَوْ يَنْقَلِبُ نَقْلًا؟ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ غَيْرِ الْمَخُوفِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ،

قَالَ الشَّارِحُ: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِفِطْرِهِ فِي السَّفَرِ الْمُبِيحِ لَهُ، عَلَى الْأَظْهَرِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَرَضِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقْطَعُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقِيلَ: يَقْطَعُ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَقْطَعُ الْمَرَضُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا: انْقَطَعَ التَّتَابُعُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَيَأْبَى كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، وَعَنْهُ: لَا يَنْقَطِعُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا فِيهِمَا، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ وَطِئَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا [أَوْ نَهَارًا سَهْوًا: انْقَطَعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَإِنْ وَطِئَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا] . وَقِيلَ: أَوْ سَهْوًا، أَوْ نَهَارًا سَهْوًا: لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ، عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، فَاخْتَلَفَ تَصْحِيحُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا وَطِئَ لَيْلًا: هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا: أَنَّهُ يَنْقَطِعُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي النِّسْيَانِ،

وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ. انْتَهَى. قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مُتَابَعَتُهُ لِظَاهِرِ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: " إذَا وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا: انْقَطَعَ التَّتَابُعُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: لَا يَنْقَطِعُ "، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ قَوْلَهُ " نَاسِيًا " رَاجِعٌ إلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّهَارِ، فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيَّرَ الْعِبَارَةَ، فَحَصَلَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَيْلًا لَمْ يَنْقَطِعْ) ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهَا نَهَارًا نَاسِيًا، أَوْ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَنْقَطِعُ بِوَطْئِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِطْعَامِ وَالْعِتْقِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي الْإِطْعَامِ، وَمَنَعَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ، ثُمَّ سَلَّمَ الْإِطْعَامَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَالصَّوْمُ مُبْدَلٌ، كَوَطْءِ مَنْ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ فِي الْإِطْعَامِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي اسْتِمْتَاعِهِ بِغَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَنْقَطِعُ إنْ أَفْطَرَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لَزِمَهُ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُسْلِمًا) ، يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي الْمِسْكِينِ فِي دَفْعِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّاب جَوَازَ دَفْعِهَا إلَى الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ مِسْكِينًا مِنْ جَوَازِ عِتْقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ،

وَخَرَّجَ الْخَلَّالُ جَوَازَ دَفْعِهَا إلَى كَافِرٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، قَالَ الْقَاضِي: لَعَلَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الذِّمِّيِّ فِي الْكَفَّارَةِ. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ (صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ) ، هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، يَعْنِي: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ الْمَجْدُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْهُرُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الصَّغِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ أَوْ لَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي " بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُكَاتَبٍ) ، هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبُلْغَةِ،

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِقَوْلِهِ " أَحْرَارٌ "، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافَاتِهِمْ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا، فَبَانَ غَنِيًّا: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَالرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ حُكْمًا وَمَذْهَبًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ "، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا، لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيُجْزِيهِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْزِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يُجْزِيهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْإِجْزَاءُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ،

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَصَحَّحَهَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَقَالَ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَفَعَ إلَى مِسْكِينٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ: أَجْزَأَهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ، فَيُجْزِئُ عَنْ وَاحِدَةٍ، وَالْأُخْرَى: إنْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ عَدَمُ الرُّجُوعِ مِنْ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ (وَالْمُخَرَّجُ فِي الْكَفَّارَةِ: مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاقْتَصَرَ الْخِرَقِيُّ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَإِخْرَاجُ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ هُنَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ) ، وَكَذَا السَّوِيقُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُجْزِئُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُجْزِئُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذِهِ أَحْسَنُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، ذَكَرَهُ فِي " بَابِ الظِّهَارِ "، وَقَالَ فِي " بَابِ الْكَفَّارَاتِ " اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: يَقْرَبُ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِجْزَاءِ احْتِمَالًا: أَنَّ الْخُبْزَ أَفْضَلُ الْمُخْرَجَاتُ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ أَفْضَلَ الْمُخْرَجِ هُنَا الْبُرُّ، قَالَ: لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّمْرُ أَعْجَبُ إلَيَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذَلِكَ) ، أَجْزَأَهُ مِنْهُ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الْبُرِّ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يُجْزِئُ مُدٌّ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ كَالْبُرِّ، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ رِوَايَةً، وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا مِنْ الْخُبْزِ أَقَلُّ مِنْ رِطْلَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ) ، يَعْنِي: إذَا قُلْنَا: يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْخُبْزِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُدٌّ، فَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ رِطْلَيْنِ، وَكَذَا ضِعْفُهُ مِنْ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ، أَوْ غَدَّى الْمَسَاكِينَ أَوْ عَشَّاهُمْ: لَمْ يُجْزِئْهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِجْزَاءَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ " أَشْبِعْهُمْ " قَالَ " مَا أُطْعِمُهُمْ؟ " قَالَ: " خُبْزًا وَلَحْمًا إنْ قَدَرْتَ، أَوْ مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِكُمْ ". قَوْلُهُ (وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَالصِّيَامُ) ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْإِطْعَامِ وَالْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ، وَلَا يُجْزِئُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ فَقَطْ،

وَتَقَدَّمَ هَلْ تَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ أَمْ لَا؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ، فَنَوَى إحْدَاهَا: أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ) ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُ سَبَبِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ السَّبَبِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْقَاضِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا مِنْ جِنْسٍ، قَالَ: وَلِأَنَّ آحَادَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ سَبَبَهَا، كَتَيَمُّمِهِ، وَكَوَجْهٍ فِي دَمٍ نُسُكٍ، وَدَمٍ مَحْظُورٍ، وَكَعِتْقِ نَذْرٍ، وَعِتْقِ كَفَّارَةٍ فِي الْأَصَحِّ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَسِيَ سَبَبَهَا: أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ إنْ اتَّحَدَ السَّبَبُ: فَنَوْعٌ، وَإِلَّا جِنْسٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَفَّرَ مُرْتَدٌّ بِغَيْرِ الصَّوْمِ: لَمْ يَصِحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي آخِرِ " بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ ": " هَلْ تَسْقُطُ جَمِيعُ الْكَفَّارَاتِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا أَمْ لَا؟ وَحُكْمُ أَكْلِهِ مِنْ كَفَّارَاتِهِ، هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ ".

كتاب اللعان

[كِتَابُ اللِّعَانِ] ِ فَوَائِدُ الْأُولَى " اللِّعَانُ " مَصْدَرُ " لَاعَنَ " إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرَ، أَوْ لَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ اللَّعْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْخَامِسَةِ، إنْ كَانَ كَاذِبًا، وَقَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يَنْفَكَّانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا، فَتَحْصُلُ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَأَصْلُ " اللَّعْنِ " الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، يُقَالُ: لَعَنَهُ اللَّهُ، أَيْ أَبْعَدَهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا فَلَهُ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَلَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَيَثْبُتُ مُوجِبُهُمَا. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ " وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا " يَعْنِي: سَوَاءٌ قَذَفَهَا بِهِ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ. قَوْلُهُ " فَلَهُ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ " لَا نِزَاعَ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَهُ إسْقَاطُ بَعْضِهِ بِهِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ سَوْطٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ (وَصِفَتُهُ: أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ فَيَقُولَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنْ الزِّنَا) ، هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ،

وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الرَّمْيَ بِالزِّنَا، بَلْ يَقُولُ بَعْدَ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ " " لَقَدْ زَنَتْ زَوْجَتِي هَذِهِ "، وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَقِيلَ: يَقُولُ بَعْدَ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ " " إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ " فَقَطْ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ تَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) ، فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ بَعْدَ ذَلِكَ " فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا " فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، فَإِنَّ عِبَارَاتِهِمْ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَخَذَ ابْنُ هُبَيْرَةَ بِالْآيَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ الرَّجُلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي فِيمَا رَمْيَتُهَا بِهِ لَمِنْ الصَّادِقِينَ " ثُمَّ يُوقَفُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَيَقُولُ " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ " وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ " أَشْهَدُ " بِ " أُقْسِمُ، أَوْ " أَحْلِفُ " أَوْ لَفْظَةَ " اللَّعْنَةِ " بِ " الْإِبْعَادِ " أَوْ " الْغَضَبِ " بِ " السَّخَطِ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ النَّاظِمُ: وَيُلْغَى بِذَلِكَ عَلَى الْمُتَجَوَّدِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ، وَكَذَلِكَ صِيغَةُ " اللَّعْنَةِ " وَ " الْغَضَبِ " عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ لَفْظُ " الشَّهَادَةِ " لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَالشَّهَادَاتِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ " اللَّعْنَةِ " بِالْإِبْعَادِ أَوْ بِالْغَضَبِ: فَفِي الْإِجْزَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. ثَالِثُهَا: الْإِجْزَاءُ بِالْغَضَبِ لَا بِالْإِبْعَادِ، وَفِي إبْدَالِ لَفْظَةِ " أَشْهَدُ " بِ " أُقْسِمُ " أَوْ " أَحْلِفُ " وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يُجْزِئُ. انْتَهَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ بِتَبْدِيلِ لَفْظٍ بِمَا يُحَصِّلُ مَعْنَاهُ. وَأَمَّا إذَا أَبْدَلَتْ الْغَضَبَ بِاللَّعْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى اللِّعَانِ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إلَّا بِهَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا: لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ، وَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُهَا، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ، وَصِفَةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ أَوْ كِتَابَتُهُ: صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْن مُنَجَّا، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُ مَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأُيِسَ مِنْ نُطْقِهِ بِالْإِشَارَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ،

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي الْكَافِي: هُوَ كَالْأَخْرَسِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ اللِّعَانُ شَهَادَةٌ، أَوْ يَمِينٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الزَّوَائِدِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ يَمِينٌ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: هُوَ شَهَادَةٌ. قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ: أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: بِمَحْضَرِ أَرْبَعَةٍ فَأَزْيَدَ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ. انْتَهَى. قُلْت: لَعَلَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ: قَالَ " جَمَاعَةٍ " وَبَعْضُهُمْ قَالَ " أَرْبَعَةٍ " وَمُرَادُ مَنْ قَالَ " جَمَاعَةٍ " أَنْ لَا يَنْقُصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ غَايَرَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ صَرَّحَ فِي قَوْلِهِ " جَمَاعَةٍ " أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ:

فَمُسَلَّمٌ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (فِي الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: لَا يُسَنُّ تَغْلِيظُهُ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَخَصَّ فِي التَّرْغِيبِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ " الزَّمَانُ " بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ، وَ " الْمَكَانُ " بِمَكَّةَ، بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَبِالْمَدِينَةِ: عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ: عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ: فِي جَوَامِعِهَا، وَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي " بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى ". قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) ، يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ: أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ حُضُورَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُصَنِّفِ جَعَلَهُ سُنَّةً: انْتِفَاءُ الْوُجُوبِ، إذْ السُّنَّةُ فِي قَوْلِهِ " وَالسُّنَّةُ " أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا. فَائِدَةٌ: لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَتَلَاعَنَا بِحَضْرَتِهِ، فَقَالَ الشَّارِحُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اللِّعَانِ: أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ،

وَحَكَى شَيْخُنَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَضَاءِ يَعْنِي: فِي الْمُقْنِعِ إذَا تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا: نَفَذَ حُكْمُهُ فِي اللِّعَانِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ كَحَاكِمِ الْإِمَامِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُمَا إذَا حَكَّمَا رَجُلًا، هَلْ يَكُونُ كَالْحَاكِمِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً: بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ فَسْخِ الْخِيَارِ بِلَا حُضُورِ الْآخَرِ: لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ مَعَ غَيْبَتِهَا، وَتُلَاعِنُ هِيَ مَعَ غَيْبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: يُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَعَنْهُ: إنْ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: أَجْزَأَهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَاتٍ: أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِلِعَانٍ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ: يَبْدَأُ بِلِعَانِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ طَالَبْنَ جَمِيعًا وَتَشَاحَحْنَ: بَدَأَ بِإِحْدَاهُنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَاحَحْنَ: بَدَأَ بِلِعَانِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَلَوْ بَدَأَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ مَعَ الْمُشَاحَّةِ: صَحَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُكُنَّ بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا) ، هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " فِيمَا رَمَيْتُكُنَّ بِهِ مِنْ الزِّنَا " وَ " فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا " مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ صِفَةِ مَا يَقُولُ هُوَ وَتَقُولُ هِيَ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ هُنَاكَ فَكَذَا الْحُكْمُ هُنَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِ. انْتَهَى

وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إلَّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مَنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا ثُمَّ طَلَبَتْ: حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ إذَنْ فَلَا لِعَانَ لِتَعْزِيرٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الزَّوْجَةِ الْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ قَالَ: فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَسَاهُلٌ، وَبَيَّنَهُ، وَقَالَ وَعَنْهُ: لَا لِعَانَ بِقَذْفِ غَيْرِ مُحْصَنَةٍ إلَّا لِوَلَدٍ يُرِيدُ نَفْيَهُ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: يُلَاعِنُ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ كَتَعْزِيرٍ، وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: وَيَتَأَخَّرُ لِعَانُهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إذَا قَذَفَ زَوْجَةً مُحْصَنَةً بِزِنًا، حُدَّ بِطَلَبٍ: وَعُزِّرَ بِتَرْكٍ، وَيَسْقُطَانِ بِلِعَانٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَفِي الِانْتِصَارِ: فِي زَانِيَةٍ وَصَغِيرَةٍ لَا يَلْحَقُهَا عَارٌ بِقَوْلِهِ: فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَعَنْهُ: يُلَاعِنُ بِقَذْفِ غَيْرِ مُحْصَنَةٍ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَقَطْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَفِي الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: كُلُّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ لِعَانُهُ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ عَدْلٍ، وَالْمُلَاعِنَةُ: كُلُّ زَوْجَةٍ عَاقِلَةٍ بَالِغَةٍ، وَعَنْهُ: مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَفِيفَةٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك " حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ) ، إذَا قَذَفَ الْأَجْنَبِيَّةَ حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ، بِلَا نِزَاعٍ، وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ " زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَك " حُدَّ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَمْ يُلَاعِنْ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُلَاعِنُ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًى فِي النِّكَاحِ، أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ: لَاعَنَ لِنَفْيِهِ، وَإِلَّا حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعِنْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ أَصْحَابِنَا: إنْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي الزَّوْجِيَّةِ: لَاعَنَ، وَفِيهِ أَيْضًا: لَا يَنْتَفِي وَلَدٌ بِلِعَانٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، كَوَلَدِ أَمَتِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا: لَاعَنَهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَإِنْ قَذَفَهَا بِلَا وَلَدٍ [لَمْ] يُلَاعِنْهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، أَوْ الْمَجْنُونَةَ: عُزِّرَ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: صَحَّ اللِّعَانُ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ دُونَ الْبُلُوغِ، كَمَا تَقَدَّمَ،

فَإِذَا بَلَغَتْ مَنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، ثُمَّ طَلَبَتْهُ: حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: يُلَاعِنُ صَغِيرَةً لِتَعْزِيرٍ، وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ: وَيَتَأَخَّرُ لِعَانُهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إذَا قَذَفَ زَوْجَةً مُحْصَنَةً بِزِنًا: حُدَّ بِطَلَبٍ، وَعُزِّرَ بِتَرْكٍ، وَيَسْقُطَانِ بِلِعَانٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَفِي الِانْتِصَارِ فِي زَانِيَةٍ وَصَغِيرَةٍ لَا يَلْحَقُهُمَا عَارٌ بِقَوْلِهِ: فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، وَتَقَدَّمَ هَذَا قَرِيبًا بِزِيَادَةٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي جُنُونِهَا أَوْ قَبْلَهُ: لَمْ يُحَدَّ، وَفِي لِعَانِهِ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ مُكْرَهَةً: فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) إذَا قَالَ لَهَا: وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْخِرَقِيُّ إنَّمَا قَالَ " إذَا جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ، فَقَالَ " لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَيْسَ مِنِّي " فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ ". انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْهُ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَيَنْتَفِي بِلِعَانِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ حَامِدٍ، الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَفِي

رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيِّ، وَأَبِي الْبَرَكَاتِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَإِذَا قَالَ لَهَا " وُطِئْت مُكْرَهَةً " وَكَذَا " مَعَ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ "، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَهُ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: إنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ، وَإِلَّا فَلَا، فَيَنْتَفِي بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْبُلْغَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " وَطِئَك فُلَانٌ بِشُبْهَةٍ وَكُنْت عَالِمَةً " فَعِنْدَ الْقَاضِي هُنَا: لَا خِلَافَ أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي " فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) ، هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ،

وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَهُ، وَعَنْهُ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي " وَقُلْنَا: إنَّهُ لَا قَذْفَ بِذَلِكَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ " وَلَا أَقْذِفُك ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا، فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ) ، يَعْنِي: إذَا قَالَ لَهَا بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا " لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنْ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي، وَكَذَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي حِبَالِهِ، أَوْ لِسُرِّيَّتِهِ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي اللِّعَانِ وَعَدَمِهِ، وَكَلَامُهُ هُنَا فِي لُحُوقِ نَسَبِ الْوَلَدِ بِهِ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لِمُطَلَّقَتِهِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي حِبَالِهِ أَوْ لِسُرِّيَّتِهِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُشْهَدَ بِهِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ شُهِدَ بِهِ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، بِلَا نِزَاعٍ، وَتَكْفِي امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مَرْضِيَّةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: امْرَأَتَانِ، وَلَهَا نَظَائِرُ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَيَأْتِي، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ دُونَ السُّرِّيَّةِ وَالْمُطَلَّقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ: لَحِقَهُ نَسَبُهُمَا وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدِّ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَدُّ، وَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ بِاللِّعَانِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ تَوْأَمَيْهِ، وَنَفَى الْآخَرَ، وَلَاعَنَ لَهُ: لَا يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ، وَعِلَّةُ مَذْهَبِهِ: جَوَازُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَكِبَهُ. فَائِدَةٌ: التَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ أَخَوَانِ لِأُمٍّ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ يَتَوَارَثَانِ بِأُخُوَّةٍ أَبَوِيَّةٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ، أَوْ سَكَتَتْ: لَحِقَهُ النَّسَبُ، وَلَا لِعَانَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ) ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقِيلَ: يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ مُطْلَقًا كَدَرْءِ الْحَدِّ، وَقِيلَ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، نَقَلَ ابْنُ أَصْرَمَ فِيمَنْ رُمِيَتْ بِالزِّنَا فَأَقَرَّتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حَتَّى يُلَاعِنَ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَفَتْ عَنْهُ، أَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِأَرْبَعَةٍ سِوَاهُ، أَوْ قَذَفَ مَجْنُونَةً بِزِنًا قَبْلَهُ، أَوْ مُحْصَنَةً فَجُنَّتْ، أَوْ خَرْسَاءَ أَوْ نَاطِقَةً ثُمَّ خَرِسَتْ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَوْ صَمَّاءَ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي جُنُونِهَا أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ، وَفِي لِعَانِهِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَاعَنَ وَنَكَلَتْ الزَّوْجَةُ خُلِّيَ سَبِيلُهَا، وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) ، إذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ، وَنَكَلَتْ الْمَرْأَةُ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا انْتِفَاءُ الْحَدِّ عَنْهَا: فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهَا الْحَدُّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُحْبَسُ حَتَّى تُقِرَّ أَوْ تُلَاعِنَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْمُنَوِّرِ،

قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ بِعَنْهُ وَعَنْهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " تُحْبَسُ حَتَّى تُقِرَّ "، وَيَكُونُ إقْرَارُهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُقَامُ نُكُولُهَا مُقَامَ إقْرَارِهِ مَرَّةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَقَامَ النُّكُولَ مُقَامَ إقْرَارِهَا مَرَّةً، وَقَالَ: إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: لَزِمَهَا الْحَدُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَأَشْكَلَ تَوْجِيهُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَقَرَّتْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ نُكُولٍ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يُعْرَضُ لِلزَّوْجِ حَتَّى تُطَالِبَهُ الزَّوْجَةُ) ، فَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً، أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، أَوْ صَغِيرَةً أَوْ أَمَةً، فَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُشْرَعُ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، فَيَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُشْرَعَ اللِّعَانُ هُنَا، قَالَ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُشْرَعُ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ عَلَى أَكْثَرِ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْقَذْفِ، فَلَا يُشْرَعُ مَعَ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ كَالْحَدِّ،

وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّ الْحَدُّ بَيْنَهُمَا: ثَبَتَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ، أَحَدُهَا: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، أَوْ التَّعْزِيرُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ: سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْقَذْفُ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدِّ. قَوْلُهُ (الثَّانِي الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) ، يَعْنِي: تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ (بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا) ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ، فِيمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَعَنْهُ: لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ، وَابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُمْ، وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَبٍ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: فَيُعَايَى بِهَا، فَيُقَالُ: حُكْمٌ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ بِغَيْرِ طَلَبٍ، كَذَا أَحْكَامُ الْحِسْبَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَأَبِي بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرِهِمْ،

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِذَا تَلَاعَنَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ: لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْفُرْقَةِ، فَيَنْتَفِي الْوَلَدُ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ هُنَا، وَعَنْهُ: إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهِيَ أَظْهَرُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، شَذَّ بِهَا حَنْبَلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا غَيْرُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ " كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْهُ: تُبَاحُ لَهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، حَكَاهَا الشِّيرَازِيُّ، وَالْمَجْدُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَلَفَ نَقْلُ الْأَصْحَابِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ: نَقْلُ حَنْبَلٍ " إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ زَالَ تَحْرِيمُ الْفِرَاشِ، وَعَادَتْ مُبَاحَةً كَمَا كَانَتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ "، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ وَالتَّعْلِيقِ: " إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَرُدَّتْ إلَيْهِ "، فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي: نَقْلُ حَنْبَلٍ " إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ عَادَ فِرَاشُهُ كَمَا كَانَ "،

زَادَ فِي الْمُغْنِي " وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ، فَأَمَّا مَعَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا: فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ بِحَالٍ "، قَالَ: وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ فَلَا تَحْرِيمَ حَتَّى يُقَالَ: حَلَّتْ لَهُ. انْتَهَى. قُلْت: النَّظَرُ عَلَى كَلَامِهِ أَوْلَى، فَإِنَّ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ ظَاهِرُهَا: سَوَاءٌ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا أَوْ لَا، فَإِنَّهُ قَالَ " إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ وَعَادَ فِرَاشُهُ بِحَالِهِ "، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِتَمَامِ التَّلَاعُنِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مِنْ الْحَاكِمِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْفُرْقَةَ إنَّمَا اسْتَنَدَتْ لِلِّعَانِ، وَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ كَانَ اللِّعَانُ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْفُرْقَةُ، وَمَا نَشَأَ عَنْهَا، وَهُوَ التَّحْرِيمُ، قَالَ: وَأَعْرَضَ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَقَالَ: إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ فَسْخًا مُتَأَبِّدَ التَّحْرِيمِ، وَعَنْهُ: إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشِّيرَازِيُّ، فَحَكَى الرِّوَايَةَ بِإِبَاحَتِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) ، وَهِيَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَفِي بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَنْتَفِي إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ. وَعَنْهُ: لَا يَنْتَفِي إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْفُرْقَةِ، فَيَنْتَفِي حِينَئِذٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَتَى تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْتَفِيَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ. وَقَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّهُ خَرَّجَهُ مِنْ الْقَوْلِ: إنَّ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ يُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَحْدَهُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ. وَأَمَّا ذِكْرُ الْوَلَدِ فِي اللِّعَانِ: فَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُهُ فِي اللِّعَانِ، وَأَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ " هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي ". وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَنْتَفِي حَتَّى يَذْكُرَهُ هُوَ فِي اللِّعَانِ. فَإِذَا قَالَ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَيْتِ " يَقُولُ " وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي " وَتَقُولُ هِيَ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ. وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ ". وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ قَذَفَهَا، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا: لَمْ يَنْتَفِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ اللِّعَانُ. إمَّا صَرِيحًا، كَقَوْلِهِ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ زَنَتْ، وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي " وَتَقُولُ هِيَ بِالْعَكْسِ. وَإِمَّا ضِمْنًا بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ قَذَفَهَا بِزِنًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ اعْتَزَلَهَا حَتَّى وَلَدَتْ " أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهَا " أَوْ " فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا " وَنَحْوُهُ.

وَقِيلَ: يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ فِي اللِّعَانِ مِنْ الزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تُكَذِّبْهُ الْمَرْأَةُ فِي لِعَانِهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ نَفَى أَوْلَادًا: كَفَاهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ: لَمْ يَنْتَفِ حَتَّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ، وَيُلَاعِنُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ نَفْيُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي لِعَانِهِ. وَهِيَ فِي الْمُوجَزِ فِي نَفْيِهِ أَيْضًا. قَالَ الْخَلَّالُ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: هَذَا قَوْلٌ أَوَّلُ. وَذَكَرَ النَّجَّادُ: أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ مَنْصُورٍ الْمَذْهَبُ. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ اسْتِلْحَاقُهُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَصِحُّ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُلَاعِنُ لِدَرْءِ الْحَدِّ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: نَفْيُهُ لَيْسَ قَذْفًا بِدَلِيلِ نَفْيِهِ حَمْلَ أَجْنَبِيَّةٍ. فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ نَفْيِ الْوَلَدِ: أَنْ لَا يُوجَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ بِتَوْأَمِهِ، أَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ

فَسَكَتَ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ، أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إمْكَانِهِ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ) . اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ نَفْيِهِ: أَنْ يَنْفِيَهُ حَالَةَ عِلْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ تَأْخِيرُ نَفْيِهِ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِوَاحِدٍ فَأَكْثَرَ إنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ تَوْأَمَيْهِ وَنَفَى الْآخَرَ وَلَاعَنَ لَهُ: لَا يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ. وَعِلَّةُ مَذْهَبِهِ جَوَازُهُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَكِبَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ بِهِ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) . شَمِلَ بِمَنْطُوقِهِ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَائِلَ ذَلِكَ: حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ. أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَقِيهًا، وَادَّعَى ذَلِكَ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ هُنَا. وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ الْقَبُولَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرَهُ لِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْبَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ: لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: إنْ كَانَتْ مُدَّةُ ذَلِكَ تَتَطَاوَلُ، وَأَمْكَنَهُ التَّنْفِيذُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَبْعَثَ إلَيْهِ مَنْ يَسْتَوْفِي عَلَيْهِ اللِّعَانَ، فَلَمْ يَفْعَلْ: بَطَلَ نَفْيُهُ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشْهَدَ عَلَى نَفْيِهِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ خِيَارُهُ. وَقَطَعَا بِذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ قَوْلُهُ (وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفِيه: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَلَزِمَهُ الْحَدُّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُحْصَنَةً، أَوْ التَّعْزِيرُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَنْجَرُّ أَيْضًا نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إلَى جِهَةِ الْأَبِ كَالْوَلَاءِ. وَيَتَوَارَثَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْإِرْثِ وَجْهٌ، كَمَا لَا يَرِثُهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ. انْتَهَى قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ مُغَلَّى. وَلَعَلَّ " كَمَا " زَائِدَةٌ. فَيَصِيرُ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ لَا يَرِثُهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةٌ: لَا يُحَدُّ. وَسَأَلَهُ مُهَنَّا: إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ عَنْهُ الْقَذْفَ. انْتَهَى. وَلَوْ أَنْفَقَتْ الْمُلَاعِنَةُ عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ الْمَلَاعِنُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ: لِأَنَّهَا إنَّمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ لِظَنِّهَا أَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ: لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَ الْوَضْعِ بِضِدِّ مَا قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا.

الثَّانِيَةُ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ بِاسْتِلْحَاقِ وَرَثَتِهِ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْتِعَانِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَلْحَقُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَفَى مَنْ لَا يَنْتَفِي، وَقَالَ " إنَّهُ مِنْ زِنًا " حُدَّ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ، وَإِنْ لَاعَنَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ فِيمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ (مَنْ أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَهُ: يَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ. فَأَخَذَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالدُّخُولِ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِنْهُمْ وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَلْحَقُ بِمُطْلَقٍ إنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ حَتَّى يُوجَدَ الدُّخُولُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ فِي مُسْلِمٍ صَائِمٍ فِي رَمَضَانَ خَلَا بِزَوْجَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ، ثُمَّ طَلَّقَ، وَلَمْ يَطَأْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُمْكِنٍ لَحِقَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا، وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ) . وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ. وَيَأْتِي قَرِيبًا مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُولَدَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا) . وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ وَعَاشَ، وَإِلَّا لَحِقَهُ بِالْإِمْكَانِ كَمَا بَعْدَهَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا) . لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي فِي الْعُدَّةِ " هَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؟ " قُبِلَ قَوْلُهُ " وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ". قَوْلُهُ (أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ، ثُمَّ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا) لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا: إنْ أَقَرَّتْ بِفَرَاغِ الْعِدَّةِ، أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ عِتْقٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ فَوْقِ نِصْفِ سَنَةٍ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَقَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: إمْكَانُ وَطْءٍ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ ... فَعِنْدَنَا مُعْتَبَرٌ فِي الْمَذْهَبِ كَامْرَأَةٍ تَكُونُ فِي شِيرَازِ ... وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ فِي الْحِجَازِ فَإِنْ تَلِدْ لِسِتَّةٍ مِنْ أَشْهُرٍ ... مِنْ يَوْمِ عَقْدٍ وَاضِحًا فِي النَّظَرِ فَمُدَّةُ الْحَمْلِ مَعَ الْمَسِيرِ ... لَا بُدَّ أَنْ تَمْضِيَ فِي التَّقْدِيرِ

إنْ مَضَتَا بِهِ غَدًا مُلْتَحِقَا ... وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَافَقَا وَعِنْدَنَا فِي صُورَتَيْنِ حَقَّقُوا ... وَالْمُدَّتَانِ إنْ مَضَتْ لَا يَلْحَقُ مَنْ كَانَ كَالْقَاضِي وَكَالسُّلْطَانِ ... وَسَيْرُهُ لَا يَخْفَ عَنْ عِيَانِ أَوْ غَاصِبٍ صُدَّ عَنْ اجْتِمَاعٍ ... وَنَحْوِهِ فَامْنَعْ وَلَا تُرَاعِي تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ تَزَوَّجَهَا وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا: لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ " أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ، وَالْوَسِيلَةِ، وَالِانْتِصَارِ: وَلَوْ أَمْكَنَ، وَلَا يَخْفَ الْمَسِيرُ كَأَمِيرٍ وَتَاجِرٍ كَبِيرٍ. وَمَثَّلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِالسُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ مِثْلُهُ لَمْ يَقْضِ بِالْفِرَاشِ. وَهِيَ مِثْلُهُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ فِي وَالٍ وَقَاضٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَعَ عَمَلَهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ. فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَحِقَهُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ يَكُونُ صَبِيًّا دُونَ عَشْرِ سِنِينَ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ " أَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْعُمْدَةِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: لَا يَلْحَقُ النَّسَبُ مِنْ صَبِيٍّ لَهُ تِسْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَابْنُ تَمِيمٍ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يُولَدُ لِابْنِ تِسْعٍ. جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي " أَحْكَامِ إقْرَارِ الصَّبِيِّ " وَقَالَهُ الْقَاضِي: نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْكَافِي. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا لَهُ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ: عَشْرُ سِنِينَ. وَقِيلَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُولَدُ إلَّا لِابْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ حَتَّى يُعْلَمَ بُلُوغُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ إنْ شَكَّ فِيهِ بِهِ. وَلَا يَسْتَقِرُّ بِهِ مَهْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ بِهِ عِدَّةٌ وَلَا رَجْعَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ قَوْلٌ كَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ بِصَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ. قَوْلُهُ (أَوْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ، أَوْ الْأُنْثَيَيْنِ: لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ فِيمَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ. قَالَ: إنْ دَفَقَ. فَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَإِنْ شَكَّ فِي وَلَدِهِ أُرِيَ الْقَافَةَ. وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ خَصِيٍّ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مَجْبُوبًا لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَالْقَافَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَفِيهِ بُعْدٌ) . شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ خَصِيًّا بِأَنْ تُقْطَعَ أُنْثَيَاهُ وَيَبْقَى ذَكَرُهُ. فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مَجْبُوبًا، بِأَنْ يُقْطَعَ ذَكَرُهُ، وَتَبْقَى أُنْثَيَاهُ. فَقَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَلْحَقُ الْمَجْبُوبَ دُونَ الْخَصِيِّ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَزَوْجَةُ مَنْ لَمْ يُنْزِلْ الْمَاءَ عَادَةً ... لِجَبِّ الْفَتَى أَوْ لِاخْتِصَاءٍ لِيُبْعِد وَإِنْ جُبَّ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْفَتَى ... فَأُلْحِقْ لَدَى أَصْحَابِنَا فِي مُبْعَدِ . انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ جَبِّ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ لِغَيْرِهِ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ قُطِعَ إحْدَاهُمَا ". فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: لَوْ كَانَ عِنِّينًا لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ. انْتَهَيَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْحَقُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ) . مُنْذُ طَلَّقَهَا، يَعْنِي وَقَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ " وَإِنْ وَلَدَتْ الرَّجْعِيَّةُ بَعْدَ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ مُنْذُ طَلَّقَهَا، وَلِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ لَمْ تُخْبِرْ بِانْقِضَائِهَا أَصْلًا. فَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؟ ذَكَرُوا رِوَايَتَيْنِ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَإِنْ ادَّعَى الْعَزْلَ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ) مَتَى اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا. فَلَا يَنْتَفِي بِلِعَانٍ وَلَا غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: أَوْ يُرَى الْقَافَةَ. نَقَلَهُ الْفَضْلُ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَنْتَفِي بِالْقَافَةِ، لَا بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إذَا نَفَاهُ، وَأَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ وَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: إنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً ثُمَّ وَلَدَتْ: انْتَفَى عَنْهُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْوَلَدِ، ثُمَّ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً: لَمْ يَنْتَفِ. لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَرَادَ نَفْيَ وَلَدِ زَوْجَتِهِ بِلِعَانٍ بَعْدَ إقْرَارِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَوْلُهُ (أَوْ دُونَهُ) . أَيْ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ دُونَ الْفَرْجِ. فَهُوَ كَوَطْئِهِ فِي الْفَرْجِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ كَوَطْئِهِ فِي الْفَرْجِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْعَزْلَ) . يَعْنِي: لَوْ اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ أَوْ دُونَهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَزَلَ عَنْهَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَدَمَ إنْزَالِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ يَدَّعِي الْعَزْلَ أَوْ عَدَمَ إنْزَالِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَوَجْهَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْ الرِّيحِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهَذَا مِنْهُ يَدُلُّ أَنَّهُ أَرَادَ: وَلَمْ يَنْزِلْ فِي الْفَرْجِ. لِأَنَّهُ لَا رِيحَ يُشِيرُ إلَيْهَا إلَّا رَائِحَةَ الْمَنِيِّ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ إنْزَالِهِ، فَتَتَعَدَّى رَائِحَتُهُ إلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ فَتَعْلَقُ بِهَا كَرِيحِ الْكُشِّ الْمُلَقِّحِ لِإِنَاثِ النَّخْلِ.

قَالَ: وَهَذَا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِلْمٌ عَظِيمٌ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: جَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ الْوَاطِئُ دُونَ الْفَرْجِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ يَطَؤُهَا فِي الْفَرْجِ. وَهُوَ طَرِيقَةٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ، سَوَاءٌ قَالَ " كُنْت أَطَؤُهَا فِي الْفَرْجِ وَأَعْزِلُ عَنْهَا " أَوْ " لَمْ أُنْزِلْ " أَوْ " كُنْت أَطَأُ دُونَ الْفَرْجِ وَأَفْعَلُ ذَلِكَ " وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَفِيمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ نَظَرٌ. لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ يَمِينٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قُبِلَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ ادَّعَى عَدَمَ إنْزَالِهِ هَلْ يَحْلِفُ أَمْ لَا؟ قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: فَهُوَ وَلَدُهُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) .

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ) (لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْهُ) . أَيْ مِنْ الْبَائِعِ. فَهُوَ وَلَدُ الْبَائِعِ، سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، فَقِيلَ: يَلْحَقُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُرَى الْقَافَةَ. نَقَلَهُ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْفَضْلُ: هُوَ لَهُ. قُلْت: فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: فَالْقَافَةُ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ، وَالْمُشْتَرِي مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ، فَقِيلَ: يَكُونُ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: يُرَى الْقَافَةَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. ذَكَرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَتَجْتَنِب الزَّوْجَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الطِّيبَ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرَى لَهُ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي: لَحِقَهُ نَسَبُهُ. وَبَطَلَ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا: لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، فَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا حَتَّى بَاعَ: لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي.

وَقِيلَ: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ بِدَعْوَاهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَدَّعِهِ. وَكَذَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي: فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَكُونُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي مَعَ عَدَمِ لُحُوقِ النَّسَبِ بِالْبَائِعِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُشْتَرِي وَلَدًا لَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا أَنْ يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ مَعَ كَوْنِهِ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ: أَنَّهُ مَا بَاعَ حَتَّى اسْتَبْرَأَ وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي: أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا فَقَالَ: إنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: يَنْتَفِي النَّسَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الْمَشْهُورُ: لَا يَحْلِفُ. انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَوَائِدُ مِنْهَا: يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ كَعَقْدٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْحَقُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَجَدْت بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَلْحَقُ بِهِ. لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ، أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً. وَفِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فِيهِ شُبْهَةٌ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَقِيلَ إذَا لَمْ يُعْتَقَدْ فَسَادُهُ. وَفِي كَوْنِهِ كَصَحِيحٍ، أَوْ كَمِلْكِ يَمِينٍ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهَلْ يُلْحَقُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ بِالصَّحِيحِ، أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لَمْ يُلْحِقْهُ أَبُو بَكْرٍ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَمِنْهَا: لَوْ أَنْكَرَ وَلَدًا بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ مُطَلَّقَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ، فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ بِوِلَادَتِهِ: لَحِقَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: امْرَأَتَانِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا بِوِلَادَتِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. ثُمَّ هَلْ لَهُ نَفْيُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: نَقَلَ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْقَاضِي: يُصَدَّقُ فِيهِ، لِتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِشُبْهَةٍ مَعَ فِرَاشٍ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَبْعِيضَ الْأَحْكَامِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ " وَعَلَيْهِ نُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: أَمْرُهُ لِسَوْدَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالِاحْتِجَابِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَأَى قُوَّةَ شَبَهِهِ مِنْ الزَّانِي. فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ. أَوْ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ لِلزَّوْجِ حَجْبَ زَوْجَتِهِ عَنْ أَخِيهَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَا وَلَا فِرَاشَ لَحِقَهُ وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا: لَا يَلْحَقُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي نِكَاحِ الزَّانِيَةِ: يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا: يَلْحَقُهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: إذَا وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ: لَحِقَ الزَّوْجَ. لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. وَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنْ الْوَاطِئِ، فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ يُعْرَضُ عَلَى الْقَافَةِ. فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ لَحِقَهُ. وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ عَنْهُ. وَانْتَفَى عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ لِعَانٍ. وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِالزَّوْجِ لَحِقَ بِهِ. وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: يَمْلِكُ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فِي آخِرِ " بَابِ اللَّقِيطِ ". وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا: لَحِقَ بِهِمَا، وَلَمْ يَمْلِكْ الْوَاطِئُ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَهَلْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ نَفْيَهُ بِاللِّعَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

كتاب العدد

[كِتَابُ الْعِدَدِ] ِ قَوْلُهُ (كُلُّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ: فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَا بِهَا وَهِيَ مُطَاوَعَةٌ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ، كَالْإِحْرَامِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقٌ بِشَرْطِهِ الْآتِي. سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا أَوْ حِسِّيًّا. كَمَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: لَا عِدَّةَ بِخَلْوَةٍ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا عِدَّةَ بِخَلْوَةٍ مَعَ وُجُودِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ، كَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالِاعْتِكَافِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ فِي عِدَّةٍ بِخَلْوَةٍ كَصَدَاقٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحْكَامُ اسْتِقْرَارِ الصَّدَاقِ كَامِلًا بِالْخَلْوَةِ فِي الْفَوَائِدِ فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا لَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ بِخَلْوَةٍ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. بَلْ بِالْوَطْءِ كَالنِّكَاحِ الْبَاطِلِ إجْمَاعًا. وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ أَيْضًا: لَا عِدَّةَ بِالْمَوْتِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. وَيَأْتِي هَذَا قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ. فَائِدَةٌ: لَا عِدَّةَ بِتَحَمُّلِ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ، وَلَا بِالْقُبْلَةِ، وَلَا بِاللَّمْسِ مِنْ غَيْرِ

خَلْوَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه. وَقِيلَ: تَجِبُ الْعِدَّةُ بِذَلِكَ. وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِيمَا إذَا تَحَمَّلَتْ بِالْمَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ تَحَمَّلَتْ بِمَاءِ رَجُلٍ وَقِيلَ: أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِلَا خَلْوَةٍ فَوَجْهَانِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ كَانَ مَاءُ زَوْجِهَا اعْتَدَّتْ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهَا كَالْأَعْمَى وَالطِّفْلِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ طِفْلَةً. وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الطِّفْلُ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ. وَالطِّفْلَةُ مِمَّنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، لِبَقَاءِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأُمِّ فِي الْأَحْكَامِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَغُسْلُهَا مِنْ نِفَاسِهَا إنْ اُعْتُبِرَ غُسْلُهَا مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ. وَعَنْهُ: تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ الْأَزَجِيُّ بِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ: مِنْ الْأَوَّلِ. وَآخِرَهُ: مِنْهُ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْوِلَادَةِ تَتَعَلَّقُ بِأَحَدِ الْوَلَدَيْنِ. لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ وَانْقِضَاءَ الْعِدَّةِ تَعَلُّقٌ بِأَحَدِهِمَا لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. كَذَلِكَ مُدَّةُ النِّفَاسِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الرَّجْعَةِ " بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ ". قَوْلُهُ (وَالْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ: مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ) . اعْلَمْ أَنَّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ الْحَمْلِ: هُوَ مَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " فَمَا حَكَمْنَا هُنَاكَ بِأَنَّهَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ نَحْكُمُ هُنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ. وَمَا نَحْكُمُ هُنَاكَ بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ نَحْكُمُ هُنَا بِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهِ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ هُنَا بِالْمُضْغَةِ، وَإِنْ صَارَتْ بِهَا هُنَاكَ أُمَّ وَلَدٍ. نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ: أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَقَالَ: هَذَا الْمَنْصُوصُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ فِيهَا الْخِلْقَةُ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ: أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً بَانَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ: انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ: أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. فَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ ذَلِكَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِهِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَمَّا إذَا أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ دَمًا أَوْ عَلَقَةً: فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَأَجْرَى الْقَاضِي الْخِلَافَ فِي الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ الَّتِي لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا مَبْدَأُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ كَامْرَأَةِ الطِّفْلِ، وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ عَقِبَ الْعَقْدِ وَنَحْوِهِ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَفِيهِ بُعْدٌ. وَتَابَعَ أَبَا الْخَطَّابِ عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: تَنْقَضِي بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَةِ الطِّفْلِ، لِلُحُوقِهِ بِاسْتِلْحَاقِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّ هَذَا اخْتِيَارَ الْقَاضِي. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ أَتَتْ بِهِ امْرَأَةٌ بَائِنٌ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ: انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، كَالْمُلَاعِنَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ وَضَعَتْ وَلَدًا بَعْدَ مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَمْلِ: لَمْ يَلْحَقْ الزَّوْجَ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. وَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ. قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ سِنِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: سَنَتَانِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَشَرْحِهِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا قَبْلَ ذَلِكَ " إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، هَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ أَمْ لَا؟ " قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ: أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ.

وَقِيلَ: بَلْ ثَمَانُونَ وَلَحْظَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ إذَنْ مُضْغَةٌ غَيْرُ مُصَوَّرَةٍ. وَيُصَوَّرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: وَلَحْظَتَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ وَسَاعَتَيْنِ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) . يَعْنِي: غَيْرَ الْحَامِلِ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، إنْ كَانَتْ حَرَّةً. وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، إنْ كَانَتْ أَمَةً. يَعْنِي: عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. فَتَكُونُ: عَشْرَ لَيَالٍ وَخَمْسَ لَيَالٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ. وَكَذَا نَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ: الْيَوْمُ مُقَدَّمٌ قَبْلَ اللَّيْلَةِ، لَا يُجْزِئُهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةً. فَائِدَةٌ: مَنْ نِصْفُهَا حُرٌّ: عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ: اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ، وَسَقَطَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ بِأَطْوَلِهِمَا. قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ بَعِيدٌ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ فِي عِدَّةِ امْرَأَتِهِ: فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ تَلَافِي النِّكَاحَ بِالْإِسْلَامِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ كَافِرٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا: لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ عِدَّتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: اعْتَدَّتْ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ، مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ لَا غَيْرُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ. ذَكَرَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُجَرَّدِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ تَرِثُهُ. فَأَمَّا الْأَمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ: فَلَا يَلْزَمُهُمَا غَيْرُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، قَوْلًا وَاحِدًا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْبَائِنِ: فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا لِلْوَفَاةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ إنْ وَرِثَتْ مِنْهُ. اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَّقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ مَاتَ: لَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَهِيَ بَعْضُ مَا قَبْلَهَا فِيمَا يَظْهَرُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ طَلَّقَ بَعْضَ نِسَائِهِ مُبْهَمَةً، أَوْ مُعَيَّنَةً، ثُمَّ أُنْسِيَهَا، ثُمَّ مَاتَ: اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لِلْأَطْوَلِ مِنْهُمَا مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَابَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَانْتِفَاخِ الْبَطْنِ، وَانْقِطَاعِ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ تُنْكَحَ: لَمْ تَزَلْ فِي عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَوَالِهَا: لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ) . يَعْنِي: إذَا تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَابَةُ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ: لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ مُطْلَقًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَصِحُّ إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا ذَلِكَ بَعْدَ نِكَاحِهَا: لَمْ يَفْسُدْ) . إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَفْسُدْ قَوْلًا وَاحِدًا. لَكِنْ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الْعَقْدِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: فِيهَا وَجْهَانِ، كَالَّتِي بَعْدَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ ظَهَرَ بِهَا أَمَارَاتُ الْحَمْلِ قَبْلَ نِكَاحِهَا وَبَعْدَ شُهُورِ الْعِدَّةِ: أَنَّ نِكَاحَهَا فَاسِدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحِلُّ لَهَا النِّكَاحُ وَيَصِحُّ. لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَحِلِّ النِّكَاحِ، وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، فَلَا يَزُولُ مَا حَكَمْنَا بِهِ بِالشَّكِّ الطَّارِئِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: تَبَيَّنَّا فَسَادَ الْعَقْدِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا) (مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ) . كَالنِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِلْوَفَاةِ كَذَلِكَ. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِهِ: لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ مِنْ أَجْلِهِ وَجْهًا وَاحِدًا قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: ذَاتُ الْقُرْءِ الَّتِي فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَقُرْآنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَقِيَّةِ الْفُسُوخِ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. فَائِدَةٌ: الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا كَالْحُرَّةِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ: فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا. وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالْأَطْهَارِ. فَقَالَ فِي رِوَايَةِ النَّيْسَابُورِيِّ " كُنْت أَقُولُ: إنَّهُ الْأَطْهَارُ، وَأَنَا أَذْهَبُ الْيَوْمَ إلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ ". وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ " كُنْت أَقُولُ: الْأَطْهَارُ. ثُمَّ وُفِّقَتْ لِقَوْلِ الْأَكَابِرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ " رَأَيْت الْأَحَادِيثَ عَمَّنْ قَالَ " الْقُرْءُ الْحَيْضُ " مُخْتَلِفَةٌ، وَالْأَحَادِيثُ عَمَّنْ قَالَ " إنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ " أَحَادِيثُهَا صِحَاحٌ قَوِيَّةٌ ". فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ: حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَغْسِلَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ، الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا: قَالَ أَصْحَابُنَا: لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ ارْتِجَاعُهَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ الرَّجْعَةِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ، فَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إذَا فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ سِنِينَ حَتَّى قَالَ بِهِ شَرِيكُ الْقَاضِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ إحْدَى الرِّوَايَات. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، وَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الِاغْتِسَالِ مُدَّةً طَوِيلَةً. وَقَدْ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ مُتَعَمِّدَةً، فَيَنْبَغِي إنْ كَانَ الْغُسْلُ مِنْ أَقْرَائِهَا أَنْ لَا تَبِينَ وَإِنْ أَخَّرَتْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَقُولُ شَرِيكٌ.

وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تَحِلُّ بِمُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ فِي " بَابِ الرَّجْعَةِ ". وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ كَقَطْعِ الْإِرْثِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَاللِّعَانِ، وَالنَّفَقَةِ، وَغَيْرِهَا فَتَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَجَعَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْقُرُوءَ الْأَطْهَارُ: فَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ قُرْءًا. ثُمَّ إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ [وَالْأَمَةُ إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ] حَلَّتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَحِلُّ إلَّا بِمُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. فَعَلَى هَذَا: لَيْسَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ مِنْ الْعِدَّةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: مِنْهَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إنْ كُنَّ حَرَائِرَ، وَإِنْ كُنَّ إمَاءً فَشَهْرَانِ) . يَعْنِي يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ حِينِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كُنَّ إمَاءً: فَشَهْرَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: أَنَّ عِدَتَهُنَّ شَهْرَانِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ شَهْرٌ وَنِصْفٌ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: شَهْرٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (وَعِدَّةُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا: بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ) . عَلَى الرِّوَايَاتِ فِي الْأَمَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ أَنَّهَا كَحُرَّةٍ. قَوْلُهُ (وَحَدُّ الْإِيَاسِ: خَمْسُونَ سَنَةً) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ فِي بَابِ الْحَيْضِ. وَقَدَّمُوهُ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي بَابِ الْحَيْضِ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ هُنَا فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا: وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِينَ سَنَةً عَلَى الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي بَابِ الْحَيْضِ هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ حَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ. وَحَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ: سِتُّونَ سَنَةً. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ إنْ كَانَتْ مِنْ الْعَجَمِ وَالنَّبَطِ: فَإِلَى الْخَمْسِينَ، وَالْعَرَبُ إلَى السِّتِّينَ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: النَّبَطِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْعَرَبِ وَنَحْوِهِمْ. وَعَنْهُ: حَدُّهُ سِتُّونَ سَنَةً مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالتَّسْهِيلِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَالْقَاضِي. وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: بَعْدَ الْخَمْسِينَ حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي.

قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٌ لِغَيْرِ سَبَبٍ: فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً. وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا: فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ. لِأَنَّ دَلِيلَ الْحَيْضِ الْوُجُودُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ. وَهَذَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَعَنْهُ: بَعْدَ الْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُهُ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. فَعَلَيْهَا تَصُومُ وُجُوبًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ: اسْتِحْبَابًا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ سِنِّ الْحَيْضِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْحَيْضِ. فَلِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ اخْتِيَارَاتٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ فِي عِدَّتِهَا: انْتَقَلَتْ إلَى الْقُرْءِ وَيَلْزَمُهَا إكْمَالُهَا. وَهَلْ يُحْسَبُ مَا قَبْلَ الْحَيْضِ قُرْءٌ، إذَا قُلْنَا: الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُحْسَبُ قُرْءٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ ابْتَدَأَتْ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَتَبْدَأُ حَائِضٌ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ.

فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا. لِأَنَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضُ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَالطُّهْرُ الْمَاضِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِهِ فِي وَجْهٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْسَبُ قُرْءًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ يَئِسَتْ ذَاتُ الْقُرْءِ فِي عِدَّتِهَا: انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ الْآيِسَاتِ. وَإِنْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا: بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ: اعْتَدَّتْ سَنَةً. تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَثَلَاثَةٌ لِلْعِدَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَعْتَدُّ لِلْحَمْلِ أَكْثَرَ مُدَّتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَعْتَدَّ لِلْحَمْلِ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. فَائِدَةٌ: لَا تَنْتَقِضُ عِدَّتُهَا بِعَوْدِ الْحَيْضِ بَعْدَ السَّنَةِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إلَى الْحَيْضِ لِلْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَنْتَقِضُ، فَتَنْتَقِلُ إلَى الْحَيْضِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً: اعْتَدَّتْ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ، أَوْ لَمْ تَحِضْ: شَهْرَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قُلْنَا: عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا: عِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ، فَتَعْتَدُّ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ. وَإِنْ قُلْنَا: عِدَّتُهَا شَهْرٌ، فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ. وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي أَدْرَكَتْ وَلَمْ تَحِضْ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) . عِدَّةُ الْجَارِيَةِ الْحَرَّةِ الَّتِي أَدْرَكَتْ وَلَمْ تَحِضْ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَالْأَمَةُ شَهْرَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْآيِسَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ. لَكِنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ. خَالَفَ أَبُو طَالِبٍ أَصْحَابَهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عِدَّةَ الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِوَقْتِهَا، وَالْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَالْآيِسَةِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَعْتَدُّ سَنَةً كَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا تَعْتَدُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لَهَا عَادَةٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِذَلِكَ. وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَنَسِيَتْ وَقْتَهَا، فَعِدَّتُهَا: ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ ذَلِكَ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّتِي عَرَفَتْ مَا رَفَعَ الْحَيْضَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ رَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَعْتَدَّ بِهِ، إلَّا أَنْ تَصِيرَ آيِسَةً فَتَعْتَدَّ عِدَّةَ آيِسَةٍ حِينَئِذٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْأَثْرَمِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تَنْتَظِرُ زَوَالَهُ. ثُمَّ إنْ حَاضَتْ اعْتَدَّتْ بِهِ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِسَنَةٍ. ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِسَنَةٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ، أَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، أَوْ صَغِيرَةً: فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي أَمَةٍ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ تُسْتَبْرَأُ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٍ لِلْحَيْضِ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ عَلِمَتْ عَدَمَ عَوْدِهِ فَكَآيِسَةٍ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ سَنَةً. قَوْلُهُ (السَّادِسَةُ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ، كَاَلَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا فِي مِقْدَارِ تَرَبُّصِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ اعْتِدَادِهَا فِيمَا ظَاهِرُهُ الْهَلَاكُ كَالْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ " فِيمَا ظَاهِرُهُ الْهَلَاكُ حُكْمًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَلْيُعَاوَدْ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تَرَبُّصُ الْأَمَةِ كَالْحُرَّةِ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَتَرَبَّصُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ. وَرَوَاهُ أَبُو طَالِبٍ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. الثَّانِيَةُ: هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ. أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي. لِأَنَّهُ حُكِمَ بِوَفَاتِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ. فَصَارَتْ مُعْتَدَّةً لِلْوَفَاةِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ. قَالَهُ الْقَاضِي. لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينِ الْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ

هُنَا. وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَزَادَ: أَنَّ نَفَقَتَهَا لَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْعِدَّةِ. لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَوْ يُفَرِّقْ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. قُلْت: فَعَلَى الثَّانِي يُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَفْتَقِرُ إلَى ذَلِكَ. فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ ضَرَبَهَا الْحَاكِمُ لَهَا كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَفْتَقِرُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُعْتَبَرُ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْعِدَّةُ تَزَوَّجَتْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ. وَعَدَمُ افْتِقَارِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا لِلْوَفَاةِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُعْتَبَرُ فَسْخُ النِّكَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ. كَضَرْبِ الْمُدَّةِ. انْتَهَى.

وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ طَلَاقُ وَلِيِّهِ بَعْدَ اعْتِدَادِهَا لِلْوَفَاةِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ طَلَاقِ الْوَلِيِّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ: نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ. فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ: صَحَّ طَلَاقُهُ) . لِبَقَاءِ نِكَاحِهِ. وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا: صَحَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ بَاطِنًا. فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا ظِهَارُهُ وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً. قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ " رِوَايَةً ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْإِرْثُ عَلَى الْخِلَافِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ قَبْلَ الزَّمَانِ الْمُعْتَبَرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا الْعِدَّةُ: فَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ قَوْلَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: عَدَمُ الصِّحَّةِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَانَ مَوْتُهُ وَقْتَ الْفُرْقَةِ، وَلَمْ يَجُزْ التَّزْوِيجُ: فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ) . يَعْنِي: إذَا تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ) (رُدَّتْ إلَيْهِ، إنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً: أَنَّهُ يُخَيَّرُ. أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إذَا تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ، فَجَاءَ: خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ". قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عُمُومَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْمَلُ عَلَى خَاصِّ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ. فَتَكُونُ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) . يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْوَطْءِ: خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ. وَلَا خِيَارَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. وَنَقُولُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا. فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِب: لَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ مَعَ مَوْتِهَا، وَأَنَّ الْأَمَةَ كَنِصْفِ الْحُرَّةِ، كَالْعِدَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ إلَيْهَا. فَأَيُّهُمَا اخْتَارَتْهُ: رَدَّتْ عَلَى الْآخَرِ مَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَرِثُ الثَّانِيَ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَهَلْ تَرِثُ الْأَوَّلَ؟ قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَرِثُهُ. كَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه عَلَى الْفُرُوعِ: وَصَوَابُهُ: وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ. وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ الْأَوَّلُ حَيًّا فَالْفُرْقَةُ وَنِكَاحُ الثَّانِي مَوْقُوفٌ. فَإِنْ أَخَذَهَا بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي حِينَئِذٍ. وَإِنْ أَمْضَى ثَبَتَ نِكَاحُ الثَّانِي. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ اخْتَارَ الْأَوَّلُ أَخْذَهَا فَلَهُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى طَلَاقِ الثَّانِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَالْمَنْصُوصُ: وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ طَلَاقِ الثَّانِي. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِهِ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَاقِ. انْتَهَى. وَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلثَّانِي: تَرَكَهَا لَهُ. فَتَكُونُ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجَدَّدُ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ (وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ) .

يَعْنِي: إذَا تَرَكَهَا الْأَوَّلُ لِلثَّانِي أَخَذَ صَدَاقَهَا مِنْهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا، أَوْ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَأْخُذُ قَدْرَ صَدَاقِهَا الَّذِي أَعْطَاهَا هُوَ، لَا الثَّانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الزَّوْجَةِ بِمَا أَخَذَهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتَّاجِرِ، وَالسَّائِحِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى أَبَدًا إلَى أَنْ يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَقَالَا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَنَصَرَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ تِسْعِينَ عَامًا مِنْ يَوْمِ وُلِدَ. ثُمَّ تَحِلُّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ " وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَنْتَظِرُ أَبَدًا. فَعَلَيْهَا: يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِيهِ كَغَيْبَةِ ابْنِ تِسْعِينَ سَنَةً. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ: وَإِنْ جَهِلَ بِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ: بَقِيَتْ مَا رَأَى الْحَاكِمُ. ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْمَوْتِ. وَقَدَّمُوا هَذَا. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ) . وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا: فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: (إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ) أَوْ كَانَتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ: فَكَذَلِكَ. وَإِلَّا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَهَا الْخَبَرُ. قَوْلُهُ (وَعِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ إجْمَاعًا. وَكَذَا عِدَّةُ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ. وَأَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا) . يَعْنِي: أَنَّ عِدَّتَهَا كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى كَالْأَمَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ. وَاخْتَارَهَا الْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي كُلِّ فَسْخٍ وَطَلَاقِ ثَلَاثٍ. وَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي رِوَايَةً ثَالِثَةً: أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا وَمَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ: تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. فَقَالَا: وَمَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ وَزِنًا أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ تَعْتَدُّ كَمُطَلَّقَةٍ. وَعَنْهُ: تُسْتَبْرَأُ الزَّانِيَةُ بِحَيْضَةٍ كَأَمَةٍ غَيْرِ مُزَوَّجَةٍ. وَعَنْهُ بِثَلَاثٍ. فَائِدَةٌ: إذَا وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا: حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَعْتَدَّ. وَفِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَالثَّانِي: تَحْرُمُ قَوْلُهُ (وَإِذَا) (وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا) مِثْلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ (أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ) . لَكِنْ لَا يُحْتَسَبُ مِنْهَا مُدَّةُ مَقَامِهَا عِنْدَ الْوَاطِئِ الثَّانِي. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا مَقَامُهَا عِنْدَ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يُحْسَبُ مِنْهَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَمُنْذُ وَطِئَ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ مُدَّةِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ قُلْت: مُنْذُ وَطِئَ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي مُدَّةِ تَتِمَّةِ الْعِدَّةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ رَجْعَةُ الرَّجْعِيَّةِ فِي التَّتِمَّةِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا فِيهَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. قَالَهُ فِي آخِرِ الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ الْوَطْءِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا وُطِئَتْ زَوْجَةُ الطِّفْلِ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ وَضَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، حَتَّى تُكْمِلَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَظَاهِرُ هَذَا تَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَأَصَابَهَا الْمُطَلِّقُ عَمْدًا: فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي أَنَّهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي عِدَّتِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَعَلَهَا فِي التَّرْغِيبِ كَوَطْئِهِ الْبَائِنَ مِنْهُ بِشُبْهَةٍ، الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ) . يَعْنِي الْمُطَلِّقَ طَلَاقًا بَائِنًا اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ لِلْوَطْءِ. وَدَخَلَتْ فِيهَا بَقِيَّةُ الْأُولَى. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ بِشُبْهَةٍ هُوَ الزَّوْجُ تَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ. لِأَنَّهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ تَحْمِلَ مِنْ أَحَدِ الْوَطْأَيْنِ، فَفِي التَّدَاخُلِ وَجْهَانِ. لِكَوْنِ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وُطِئَتْ امْرَأَتُهُ بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا: اعْتَدَّتْ لَهُ أَوَّلًا. ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلشُّبْهَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: تَعْتَدُّ لِلشُّبْهَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَعْتَدُّ لَهُ ثَانِيًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَفِي رَجْعَتِهِ قَبْلَ عِدَّتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ. وَفِي وَطْءِ الزَّوْجِ إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَجْهَانِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: صِحَّةَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ. وَصَحَّحَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ عَدَمَ التَّحْرِيمِ. الثَّانِيَةُ: كُلُّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَالزَّانِيَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا عَلَى الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ فِي الْعِدَّةِ. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى حِلُّ نِكَاحِهَا لِمَنْ هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ إنْ كَانَ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا. لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِحِفْظِ مَائِهِ وَصِيَانَةِ نَسَبِهِ. وَمَنْ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا كَالزَّانِيَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا. لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ " مُسْتَوْفًى فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا: لَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّتُهَا، حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا

فَتَنْقَطِعَ حِينَئِذٍ، ثُمَّ إذَا فَارَقَهَا بَنَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ، وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ مِنْ الثَّانِي) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا: انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْآخَرِ أَيَّهُمَا كَانَ. وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا. فَأُلْحَقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ مِنْهُمَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالٌ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الْآخَرِ كَمَوْطُوءَةٍ لِاثْنَيْنِ. وَقِيلَ: فِي الْمَوْطُوءَةِ لِاثْنَيْنِ بِزِنًى عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ. فَيَتَدَاخَلَانِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْمَجْدِ. وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: إنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ نِكَاحِ الثَّانِي فَهُوَ لَهُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَفْقُودِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مِثْلَهُ. وَزَادَ: فَإِنْ ادَّعَيَاهُ فَالْقَافَةُ. وَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا أَصَابَهَا. وَيُؤَدَّبَانِ. قَوْلُهُ (وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَعَنْهُ: تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ، كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهِيَ أَعَمُّ. وَتَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً فَعَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَمُرَادُهُ: إذَا وَطِئَاهَا بِشُبْهَةٍ. إذْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَانِيَةً: بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْعِدَّةِ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا: اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا. فَهَلْ تَبْنِي، أَوْ تَسْتَأْنِفُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، كَمَنْ فَسَخَتْ بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَوْلَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَبْنِي. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

فصل ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة

وَقَوْلِي " اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ " هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه: لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْخِرَقِيِّ وَلَا عَزَاهَا إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي. وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ مُفْرَدٍ. وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ فِيهَا قَوْلًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. أُولَاهُمَا: أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى. لِأَنَّ هَذَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ. فَلَا يُوجِبُ عِدَّةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: فِيهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: هِيَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّجْعِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: تَبْنِي هُنَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ مَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَعُمَدِ الْأَدِلَّةِ. لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي بِالْبَيْنُونَةِ. بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ. [فَصْلٌ وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ] قَوْلُهُ: فَصْلٌ (وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي الْخُطْبَةِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَجِبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالْمُحَرَّمَةِ. وَالْأَصْحَابُ يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي الْبَائِنِ. فَيَشْمَلُ الْمُطَلَّقَةَ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةَ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد مَخْصُوصٌ بِالثَّلَاثِ. وَالْخِرَقِيُّ قَالَ: وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُلْحَقُ بِالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا كُلُّ بَائِنٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ أَوْ خُلْعٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي الْبَائِنِ بِطَلَاقٍ وَخُلْعٍ وَفَسْخٍ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: الْمُخْتَلِعَةُ كَالرَّجْعِيَّةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَذَكَرَ شَيْخُنَا فِي كِتَابِ الْكَافِي: أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ كَالْبَائِنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا. لِأَنَّهَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الَّذِي خَالَعَهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا، بِخِلَافِ الْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ. انْتَهَى

فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْبَائِنِ بِالثَّلَاثِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْبَائِنَ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: لَا يَلْزَمُ الْإِحْدَادَ بَائِنًا قَبْلَ الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا " لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ " فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا. لَكِنْ لَا يُسَنُّ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: الْمَنْصُوصُ يَلْزَمُ الْإِحْدَادُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرَائِيِّ. الْقَاضِي، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى. قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ فِي الْإِحْدَادِ الْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: الَّذِينَ أَلْزَمُوا بِهِ الذِّمِّيَّةَ لَا يُلْزِمُونَهَا بِهِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الذِّمِّيِّ. فَصَارَ هَذَا كَعُقُودِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَالْإِحْدَادُ: اجْتِنَابُ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ) . فَتَجْتَنِبُ الطِّيبَ، وَلَوْ كَانَ فِي دُهْنٍ. نُصَّ عَلَيْهِ. كَدُهْنِ الْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالْيَاسَمِين، وَالْبَانِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَتْرُكُ دُهْنًا مُطَيِّبًا فَقَطْ. نَصَّ عَلَيْهِ. كَدُهْنِ وَرْدٍ.

وَفِي الْمُغْنِي: وَدُهْنُ رَأْسٍ. وَلَعَلَّهُ " بَانَ " كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. وَصَرَّحَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَالسَّمْنِ. وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ الرَّأْسِ بَلْ أَطْلَقَ. قُلْت: وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَاجْتِنَابُ الْحِنَّاءِ وَالْخِضَابِ وَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ) . مُرَادُهُ بِاجْتِنَابِ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةً. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، غَيْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ اُضْطُرَّتْ الْحَادَّةُ إلَى الْكُحْلِ بِالْإِثْمِدِ لِلتَّدَاوِي فَلَهَا أَنْ تَكْتَحِلَ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا. وَقَطَعُوا بِهِ. وَأَفْتَتْ بِهِ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قُلْت: ذَلِكَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا. وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ: لَا، مَرَّتَيْنِ» . فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهَا التَّدَاوِي، بِغَيْرِهِ. فَمَنَعَهَا مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَصَلَتْ إلَى الِاضْطِرَارِ إلَى ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَالْخِفَافِ) . تُمْنَعُ الْحَادَّةُ مِنْ الْخِفَافِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ وَجْهُ سَهْوٍ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ: وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ نَتْفُ وَجْهِهَا. فَأَمَّا حَفُّهُ وَحَلْقُهُ: فَمُبَاحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ. فَجَعَلَ الْمَمْنُوعَةَ مِنْهُ فِي الْإِحْدَادِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ النَّتْفُ مَمْنُوعَةً مِنْهُ هُنَا. وَجَعَلَ الَّذِي لَا تُمْنَعُ مِنْهُ الزَّوْجَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَغَيْرُ

الْحَادَّةِ وَهُوَ الْحَفُّ وَالْحَلْقُ لَا تُمْنَعُ مِنْهُ الْحَادَّةُ هُنَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ سَهْوٌ. وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ عَنَاهُ بِمَا قَالَ. فَائِدَةٌ: لَا تُمْنَعُ مِنْ التَّنْظِيفِ بِتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفٍ لِلْإِبْطِ، وَحَلْقٍ لِلشَّعْرِ الْمَنْدُوبِ إلَى حَلْقِهِ، وَلَا مِنْ الِاغْتِسَالِ بِالسِّدْرِ وَالِامْتِشَاطِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْأَبْيَضُ مِنْ الثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا، وَلَا الْمُلَوَّنُ لِدَفْعِ الْوَسَخِ كَالْكُحْلِيِّ، وَنَحْوِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْأَبْيَضُ الْمُعَدُّ لِلزِّينَةِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَإِنَّ بَعْضَهَا أَعْظَمُ مِمَّا مُنِعَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ مُلَوَّنٌ لِدَفْعِ وَسَخٍ، كَأَسْوَدَ وَكُحْلِيٍّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَةٌ: هَلْ تُمْنَعُ مِنْ الَّذِي صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ أَمْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ. ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعَصَبِ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ» . وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ نَسْجِهِ. فَيُبَاحُ ذَلِكَ. وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الْيَمَنِ تُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ. وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الرَّوْضِ الْأُنُفِ. وَصَحَّحَا أَنَّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا لُبْسُهُ. وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَصْبٍ. وَالْمُذْهَبُ: يَحْرُمُ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فصل وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه

قَوْلُهُ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَتَجْتَنِبُ النِّقَابَ) . هَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَتَابَعَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَجَمَاعَةٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْخِرَقِيَّ، وَمَنْ تَابَعَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَنَّ النِّقَابَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عِنْدَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ " وَتَجْتَنِبُ النِّقَابَ " كَأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ عَزَا ذَلِكَ إلَى الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَالْمُحْرِمَةِ. وَعَلَى هَذَا تُمْنَعُ مِمَّا فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَالْبُرْقُعِ. وَقَالَ: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْبَائِنَ الَّتِي تُحِدُّ لَا تَجْتَنِبُ النِّقَابَ. وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي كِتَابِهِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْدُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ. [فَصْلٌ وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ] قَوْلُهُ (فَصْلٌ: وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، إلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ، بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا فَتَنْتَقِلَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَنْزِلِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ بِيعَتْ الدَّارُ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ. لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ مَجْهُولٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ " تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ " صَحِيحٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: أَوْ يَطْلُبَ بِهِ فَوْقَ أُجْرَتِهِ. وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَالشَّارِحُ أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا " لَا سُكْنَى لَهَا " فَعَلَيْهَا الْأُجْرَةُ. وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَحْوِيلُهَا مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: خِلَافُهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ صُوَرِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلِانْتِقَالِ: إذَا لَمْ تَجِدْ أُجْرَةَ الْمَنْزِلِ إلَّا مِنْ مَالِهَا، فَلَهَا الِانْتِقَالُ. وَصَرَّحَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا: فِعْلُ السُّكْنَى، لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ. وَهُوَ مُقْتَضَى. قَوْلِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. قَالَ: وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ وَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَذْلُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ نَقْلُهَا لِأَذَاهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، بَلْ يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا. وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا) . وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَيْلًا لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَة الصُّغْرَى: وَلَهَا الْخُرُوجُ لَيْلًا لِحَاجَةٍ، فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي الْحَاوِي، وَالْهَادِي: وَلَهَا ذَلِكَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ مُطْلَقًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِحَوَائِجِهَا) . أَنَّهُ سَوَاءٌ وَجَدَ مَنْ يَقْضِيهَا الْحَوَائِجَ أَوْ لَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقُوا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَهَا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَقْضِيهَا. فَصَرَّحَ. وَبَيَّنَ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْضًا " لِحَوَائِجِهَا " أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ لِغَيْرِ حَوَائِجِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِحَوَائِجِهَا وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نُصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: تَذْهَبُ بِالنَّهَارِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اشْتَرَطَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِخُرُوجِهَا: الْحَاجَةَ. وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَمَاعَةٌ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ. وَلَا حَاجَةَ فِي التَّحْقِيقِ إلَى اشْتِرَاطِهِ. لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَفًّى عَنْهَا تُمْنَعُ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: لَوْ خَالَفَتْ وَفَعَلَتْ مَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ: أَثِمَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ زَمَنِهَا كَالصَّغِيرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ إلَى بَلَدِ السُّكْنَى فِيهِ، فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ: لَزِمَهَا الْعَوْدُ إلَى مَنْزِلِهَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا مَاتَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ فِي الْبَلَدِ الثَّانِي، كَمَا لَوْ وَصَلَتْ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِلُزُومِهَا فِي أَقْرَبِ الْبَلَدَيْنِ إلَيْهَا: لَكَانَ مُتَّجِهًا، بَلْ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: الْحُكْمُ فِي النُّقْلَةِ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَ بِهَا، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ: لَزِمَهَا الْعَوْدُ. وَإِنْ تَبَاعَدَتْ: خُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَ سَفَرُهُ بِهَا لِغَيْرِ النُّقْلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَإِنْ سَافَرَ بِهَا لِغَيْرِ النُّقْلَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَالْحُكْمُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَهُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهَا الْعَوْدُ. وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَأَزْيَدُ خُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي السَّفَرِ لِغَيْرِ النَّقْلَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَمَاتَ: يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ. وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً: تُخَيَّرُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ سَافَرَتْ بِإِذْنٍ يَلْزَمُهَا الْمُضِيُّ مَعَ الْبُعْدِ. فَتَعْتَدُّ فِيهِ. فَشَمِلَ كَلَامُهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ سَفَرَ النُّقْلَةِ وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ) وَكَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ (فَأَحْرَمَتْ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ. فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ: مَضَتْ فِي سَفَرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَخْشَ وَهِيَ فِي بَلَدِهَا، أَوْ قَرِيبَةً يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ: أَقَامَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا، وَإِلَّا مَضَتْ فِي سَفَرِهَا) . قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْرَمَتْ، أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ تَخْشَ الْفَوَاتَ) . فِي أَنَّهَا تُقِيمُ إذَا كَانَتْ فِي بَلَدِهَا لَمْ تَخْرُجْ، أَوْ خَرَجَتْ لَكِنَّهَا قَرِيبَةٌ يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قَدْ تَبَاعَدَتْ، أَوْ لَا يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ. فَإِنَّهَا تَمْضِي. وَاعْلَمْ أَنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالْعِدَّةِ فِي مَنْزِلِهَا أَوْ الْحَجِّ، أَوْ لَا يُمْكِنُ. فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ قَدَّمَتْ مَعَ الْبُعْدِ الْحَجَّ. فَإِنْ رَجَعَتْ مِنْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ أَتَمَّتْهُ فِي مَنْزِلِهَا. وَأَمَّا مَعَ الْقُرْبِ: فَهَلْ تُقَدِّمُ الْعِدَّةَ، أَوْ أَسْبَقَهُمَا لُزُومًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ قَدَّمَتْ الْحَجَّ مَعَ الْبُعْدِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي حَيَاةِ زَوْجِهَا فِي بَلَدِهَا،

ثُمَّ مَاتَ وَخَافَتْ فَوَاتَهُ: مَضَتْ فِيهِ. لِأَنَّهُ أَسْبَقُ. فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي خَوْفِ الْفَوَاتِ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً وَلَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ فَهَلْ تُقَدِّمُ الْعِدَّةَ؟ . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَيَعْقُوبَ، أَوْ الْحَجَّ إنْ كَانَتْ قَدْ أَحْرَمَتْ بِهِ قَبْلَ الْعِدَّةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً مَضَتْ فِي سَفَرِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وُجُوبُ ذَلِكَ. وَجَعَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مُسْتَحَبًّا. وَفَصَّلَ الْمَجْدُ مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهَا: هَلْ تُقَدِّمُ الْحَجَّ مُطْلَقًا، أَوْ أَسْبَقَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا بِقِيلِ، وَقِيلَ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ مَعَ مَوْتِهِ بِالْقُرْبِ، وَخُيِّرَتْ مَعَ الْبُعْدِ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: إنْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ لِلْفَرْضِ، أَوْ بِحَجٍّ أَذِنَ لَهَا فِيهِ وَكَانَ وَقْتُ الْحَجِّ مُتَّسِعًا لَا تَخَافُ فَوْتَهُ، وَلَا فَوْتَ الرُّفْقَةِ لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا. وَإِنْ خَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ: لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِيهِ. وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَشِيَتْ فَوَاتَهُ: احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لَهَا الْمُضِيُّ فِيهِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهَا. انْتَهَى. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: الْقَرِيبُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَالْبَعِيدُ عَكْسُهُ. الثَّانِي: حَيْثُ قُلْنَا " تُقَدِّمُ الْعِدَّةَ " فَإِنَّهَا تَتَحَلَّلُ لِفَوَاتِ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ. وَحُكْمُهَا

فِي الْقَضَاءِ: حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا السَّفَرُ، فَهِيَ كَالْمُحْصَرَةِ الَّتِي يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا مِنْ السَّفَرِ. وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَذَلِكَ، إذَا خِيفَ فَوَاتُ الرُّفْقَةِ أَوْ لَمْ يُخَفْ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ: فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهِ، وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ " يَعْنِي فِي بَلَدِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَبِيتُ خَارِجًا عَنْ مَنْزِلِهَا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ. فَوَائِدُ الْأُولَى: إذَا أَرَادَ زَوْجُ الْبَائِنِ إسْكَانُهَا فِي مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ: لَزِمَهَا ذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا كَالْمُعْتَدَّةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعِتْقٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا. فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا.

وَسَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ بَيْنَ مَنْ يُمْكِنُ زَوْجُهَا إمْسَاكَهَا وَالرَّجْعِيَّةِ فِي نَفَقَةٍ وَسُكْنَى. وَالثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ دَارُ الْمُطَلِّقِ مُتَّسَعَةً لَهُمَا، وَأَمْكَنَهَا السُّكْنَى فِي مَوْضِعٍ مُنْفَرِدٍ كَالْحُجْرَةِ، وَعُلُوِّ الدَّارِ وَبَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ: جَازَ. وَسَكَنَ الزَّوْجُ فِي الْبَاقِي كَمَا لَوْ كَانَا حُجْرَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ، لَكِنْ لَهَا مَوْضِعٌ تَسْتَتِرُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا، وَمَعَهَا مَحْرَمٌ تَتَحَفَّظُ بِهِ: جَازَ أَيْضًا. وَتَرْكُهُ أَوْلَى. الثَّالِثُ: لَوْ غَابَ مَنْ لَزِمَتْهُ السُّكْنَى لَهَا، أَوْ مَنَعَهَا مِنْ السُّكْنَى: اكْتَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ، أَوْ اقْتَرِضْ عَلَيْهِ، أَوْ فَرَضَ أُجْرَتَهُ. وَإِنْ اكْتَرَتْهُ بِإِذْنِهِ، أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ، أَوْ بِدُونِهَا لِلْعَجْزِ عَنْ إذْنِهِ: رَجَعَتْ. وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إذْنِهِ: فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الضَّمَانِ. وَلَوْ سَكَنَتْ فِي مِلْكِهَا: فَلَهَا أُجْرَتُهُ. وَلَوْ سَكَنَتْهُ أَوْ اكْتَرَتْ مَعَ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ: فَلَا أُجْرَةَ لَهَا. الرَّابِعَةُ: حُكْمُ الرَّجْعِيَّةِ فِي الْعِدَّةِ: حُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: بَلْ كَالزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالتَّحَوُّلُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا. الْخَامِسَةُ: لَيْسَ لَهُ الْخَلْوَةُ بِامْرَأَتِهِ الْبَائِنِ إلَّا مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ مَحْرَمِ أَحَدِهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ فَأَكْثَرَ.

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَأَصْلُهُ النِّسْوَةُ الْمُنْفَرِدَاتُ: هَلْ لَهُنَّ السَّفَرُ مَعَ أَمْنٍ بِلَا مَحْرَمٍ؟ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهَلْ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى الْبَائِنِ مِنْهُ مَعَ أَجْنَبِيَّةٍ ثِقَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَحْرُمُ سَفَرُهُ بِأُخْتِ زَوْجَتِهِ وَلَوْ مَعَهَا. وَقَالَ فِي مَيِّتٍ عَنْ امْرَأَةٍ، شَهِدَ قَوْمٌ بِطَلَاقِهِ ثَلَاثًا مَعَ عِلْمِهِمْ عَادَةً بِخَلْوَتِهِ بِهَا: لَا يُقْبَلُ. لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ يَقْدَحُ فِيهِمْ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَخْلُو إذَا لَمْ تُشْتَهَى، وَلَا يَخْلُو أَجَانِبُ بِأَجْنَبِيَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ، لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا رَأَى جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَنْ عُرِفَ بِالْفِسْقِ: مُنِعَ مِنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَالْأَشْهَرُ: تَحْرُمُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَوْ لِإِزَالَةِ شُبْهَةٍ ارْتَدَّتْ بِهَا، أَوْ لِتَدَاوٍ. وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَتْ لَهُ بِمَحْرَمٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا. وَلَوْ كَانَتْ عَجُوزًا شَوْهَاءَ» . وَقَالَ فِي الْمُغْنِي لِمَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْرَمٌ لِمَوْلَاتِهِ بِدَلِيلِ نَظَرِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَحْرَمِيَّةُ، بِدَلِيلِ الْقَوَاعِدِ مِنْ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ. وَفِي الْمُغْنِي أَيْضًا: لَا يَجُوزُ إعَارَةُ أَمَةٍ جَمِيلَةٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ، إنْ كَانَ يَخْلُو بِهَا، أَوْ يَنْظُرُ إلَيْهَا. لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا. وَكَذَا فِي الشَّرْحِ إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى عِبَارَةِ الْمُقْنِعِ بِالْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَحَصَلَ مِنْ النَّظَرِ مَا تَرَى. وَقَالَ الشَّارِحُ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي: فَإِنْ كَانَتْ شَوْهَاءَ أَوْ كَبِيرَةً: فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهَا لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا. وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْخَلْوَةِ أَوْ النَّظَرِ كَمَا تَرَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا فِي الْخَلْوَةِ غَرِيبٌ. وَفِي آدَابِ صَاحِبِ النَّظْمِ: تُكْرَهُ الْخَلْوَةُ بِالْعَجُوزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَمْ يَعْزُهُ. قَالَ: وَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: مِنْ لِعَوْرَتِهِ حُكْمٌ. فَأَمَّا مَنْ لَا عَوْرَةَ لَهُ، كَدُونِ سَبْعٍ: فَلَا تَحْرِيمَ. وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الْجَنَائِزِ فِي تَغْسِيلِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَعَكْسِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ " هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى هَؤُلَاءِ، أَوْ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، أَمْ لَا؟ ". السَّادِسَةُ: يَجُوزُ إرْدَافُ مَحْرَمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِهَا مَعَ الْأَمْنِ، وَعَدَمِ سُوءِ الظَّنِّ: خِلَافٌ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ إرَادَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إرْدَافُ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مُخْتَصٌّ بِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب استبراء الإماء

[بَابُ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ] ِ قَوْلُهُ (وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ. أَحَدُهَا: إذَا مَلَكَ أَمَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِمَنْ تَحِيضُ. فَيَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ وَالْوَطْءُ بِمَنْ لَا تَحِيضُ وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ فَقَطْ. ذَكَرَهَا فِي الْإِرْشَادِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ. وَاحْتَجَّ بِجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ هَذَا نِزَاعًا. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْمُسِنَّةِ. ذَكَرَهَا الْحَلْوَانِيُّ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيمَا إذَا مَلَكَهَا بِإِرْثٍ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ طِفْلًا. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا مَلَكَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ عَلَى مَا يَأْتِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَ وَطْءِ الْبِكْرِ، وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَالْأَيِسَةِ. وَإِذَا أَخْبَرَهُ صَادِقٌ: أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، أَوْ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَ. وَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، أَوْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ صَغِيرَةً. قَوْلُهُ (إلَّا الْمَسْبِيَّةَ، هَلْ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا مَنَعْنَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (سَوَاءٌ مَلَكَهَا مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا مَلَكَهَا مِنْ طِفْلٍ أَوْ امْرَأَةٍ. قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ : لَوْ مَلَكَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى: لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاؤُهَا. كَمَا لَوْ مَلَكَهَا طِفْلٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا: لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ نِكَاحُهَا، وَلَا يَطَأُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَعَقَدَ النِّكَاحَ لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَصِحُّ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ، عَلَى الْأَقْيَسِ. وَقَوَّاهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: فِي النَّفْسِ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِتَقْدِيمِ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ قَدَّمَاهُ، فَقَدْ صَحَّحَا غَيْرَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ قَبْلَ عِتْقِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا قَبْلَ ذَلِكَ.

فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا وَأَرَادَ تَزْوِيجَهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ، وَالشَّارِحَ قَالَا: لَيْسَ لَهُ نِكَاحُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا. قَوْلُهُ (وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، هَلْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رَوِيَّتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ ابْنِ مُنَجَّا: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: تَرْجِيحُ الْوُجُوبِ. وَهُوَ قَدْ صَحَّحَ عَدَمَهُ كَمَا حَكَيْنَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالثَّانِي: يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، أَوْ عَجَزَتْ مُكَاتَبَتُهُ، أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنْ الرَّهْنِ) . حَلَّتْ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الزَّوْجَةِ، لِيَعْلَمَ هَلْ حَمَلَتْ فِي زَمَنِ الْمِلْكِ أَوْ غَيْرِهِ؟ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا مَلَكَ زَوْجَتَهُ لِتَجْدِيدِ الْمِلْكِ. قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ (أَوْ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ الْمُرْتَدَّةُ، أَوْ الْوَثَنِيَّةُ الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَهُ، أَوْ اشْتَرَى مُكَاتَبُهُ ذَوَاتَ رَحِمِهِ، فَحِضْنَ عِنْدَهُ ثُمَّ عَجَزَ) . حَلَّتْ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْأَصَحِّ: لَا يَلْزَمُهُ إنْ أَسْلَمَتْ مَجُوسِيَّةٌ، أَوْ وَثَنِيَّةٌ، أَوْ مُرْتَدَّةٌ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ رَحِمُ مُكَاتَبِهِ الْمَحْرَمِ لِعَجْزِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، فِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَخَذَ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَمَةً مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: أَجُزْأَهُ) . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْكَافِي [وَغَيْرِهِ. وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي] ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: وَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي يَدِهِ كَالْبَائِعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ هُنَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُجْزِئُ اسْتِبْرَاءُ مَنْ مَلَكهَا بِشِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ الْقَبْضِ. وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالْمُوصَى بِهَا، وَالْمَوْرُوثَةُ، وَالْمَغْنُومَةُ كَالْمَبِيعَةِ. زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، فَقَالَ: قُلْت: وَالْمَوْهُوبَةُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ: تُجْزِئُ فِي الْمَوْرُوثَةِ دُونَ غَيْرِهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ حَصَلَ اسْتِبْرَاءٌ زَمَنَ الْخِيَارِ. فَفِي إجْزَائِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ الْإِجْزَاءَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَصَلَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا " الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْخِيَارِ " كَفَى، وَإِلَّا فَلَا. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنَّفِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ اُشْتُرِيَتْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَهَلْ يُجْزِئُ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا قُلْنَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهَا فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى عَدَمَ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ أَمَتَهُ، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخٍ، أَوْ غَيْرِهِ) كَالْإِقَالَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ (بَعْدَ الْقَبْضِ: وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا. عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْفَسْخِ حَيْثُ قُلْنَا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي. أَمَّا إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَالِهِ عَنْ الْبَائِعِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْمَجْلِسِ لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ: لَزِمَ اسْتِبْرَاؤُهَا) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: لَمْ يَجِبْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . اكْتِفَاءً بِالْعِدَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً أَوْ مُزَوَّجَةً فَمَاتَ زَوْجُهَا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا: لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) . وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَلَا يَطَأُ الزَّوْجُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ. نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا. فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ ذَلِكَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ: الْخِلَافَ بِمَا إذَا كَانَتْ تَحْمِلُ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ آيِسَةً: لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُمْ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي مُقْنِعِهِ وَاخْتَارَهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ كَانَتْ الْبَالِغَةُ امْرَأَةً قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَمَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكُونَ قَدْ جَاءَتْ بِحَمْلٍ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنْ اشْتَرَاهَا. ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ: لَمْ يَسْقُطْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَةً كَانَ يُصِيبُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا: لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا) بِلَا نِزَاعٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً. فَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ) . وَكَذَا لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا أَوْ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ وَطْئِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَهَا فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْئِهِ بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ أَبَانَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَاتَ فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ، فَلَا

اسْتِبْرَاءَ إنْ لَمْ يَطَأْ. لِزَوَالِ فِرَاشِهِ بِتَزْوِيجِهَا كَأَمَةٍ لَمْ يَطَأْهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَسِنْدِيٌّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وُجُوبَهُ لِعَوْدِ فِرَاشِهِ. وَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ فَأَعْتَقَهَا مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْءٍ وَاسْتِبْرَاءٍ: اسْتَبْرَأَتْ، أَوْ تَمَّمَتْ مَا وُجِدَ عِنْدَ مُشْتَرٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَسَيِّدُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ: لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ حَسْبُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ: لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ) . وَلَا تَرِثُ الزَّوْجَ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهَا سِوَى عِدَّةِ حُرَّةٍ لِلْوَفَاةِ فَقَطْ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ بِوَطْءِ مَوْرُوثِهِ فَفِي تَصْدِيقِهَا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَالثَّانِي: لَا تُصَدَّقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ أَمَةٍ: لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءَانِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَكْفِي اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ اللِّعَانِ " إذَا اشْتَرَكَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي وَطْئِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ: هَلْ يَكُونُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي، أَوْ يَكُونُ لِلْبَائِعِ؟ " وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالِاسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (أَوْ بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ) . هُوَ الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: تَعْتَدُّ أُمُّ الْوَلَدِ بِعِتْقِهَا أَوْ بِمَوْتِهِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً: تَعْتَدُّ أُمُّ الْوَلَدِ بِعِتْقِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَعَنْهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. كَعِدَّةِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ لِلْوَفَاةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ. وَلَا أَظُنُّهَا صَحِيحَةً عَنْهُ. قُلْت: قَدْ أَثْبَتَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إنْ كَانَتْ آيِسَةً، أَوْ صَغِيرَةً) . وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ وَلَمْ تَحِضْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَعَنْهُ: بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَعَنْهُ: بِشَهْرَيْنِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي كَعِدَّةِ الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ أَرَ لِذَلِكَ وَجْهًا. وَلَوْ كَانَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرَيْنِ لَكَانَ اسْتِبْرَاءُ ذَاتِ الْقُرْءِ بِقُرْأَيْنِ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا. فَائِدَةٌ: تُصَدَّقُ فِي الْحَيْضِ. فَلَوْ أَنْكَرَتْهُ، فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي بِهِ، فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُصَدَّقُ هُوَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالثَّانِي: تُصَدَّقُ هِيَ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه: وَهُوَ أَظْهَرُ إلَّا فِي وَطْئِهِ أُخْتَهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ مِلْكٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ: فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ نَصَّ عَلَيْهِ) . تِسْعَةٌ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ.

وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُسْتَبْرَأُ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا. وَعَنْهُ: بِسَنَةٍ. وَعَنْهُ: بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ. فَالزَّائِدُ عَنْ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ: مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي عِدَّتِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا: فَكَعِدَّةٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلِمَتْ مَا رَفَعَ حَيْضَهَا: انْتَظَرَتْهُ حَتَّى يَجِيءَ، فَتَسْتَبْرِئَ بِهِ، أَوْ تَصِيرَ مِنْ الْآيِسَاتِ، فَتَعْتَدَّ بِالشُّهُورِ كَالْمُعْتَدَّةِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي الِاسْتِيرَاءِ. فَإِنْ فَعَلَ: لَمْ يَنْقَطِعْ الِاسْتِبْرَاءُ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحَيْضَةِ: اسْتَبْرَأَتْ بِوَضْعِهِ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِي الْحَيْضَةِ: حَلَّتْ فِي الْحَالِ لِجَعْلِ مَا مَضَى حَيْضَةً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: مَنْ وَطِئَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَيْضَةً. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ اسْتِبْرَاءُ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ لَهُ نَفْيَ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ. ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمَنْثُورِ: أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ ذَكَرَهُ لَهُ الشَّاشِيُّ. وَقَدْ بَعَثَنِي شَيْخُنَا لِأَسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ.

كتاب الرضاع

[كِتَابُ الرَّضَاعِ] ِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ ( «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَإِذَا حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ رَجُلٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ. فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ. فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا) . هَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقُوا. وَزَادَ فِي الْمُبْهِجِ، فَقَالَ " وَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا، وَلَمْ يَتَقَيَّأْ ". قَوْلُهُ (صَارَ وَلَدًا لَهُمَا فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ، وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ. وَأَوْلَادُهُ وَإِنْ سَفَلُوا أَوْلَادُ وَلَدِهِمَا. وَصَارَ أَبَوَيْهِ وَآبَاؤُهُمَا أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ، وَإِخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَإِخْوَةُ الرَّجُلِ وَأَخَوَاتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ. وَتَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ مِنْ الْمُرْتَضِعِ إلَى أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا. فَيَصِيرُونَ أَوْلَادًا لَهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَنْتَشِرُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ ارْتَضَعَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ امْرَأَةٍ صَارَتْ أُمًّا لَهُمَا. فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ، وَلَا بِأَخَوَاتِهِ الْحَادِثَاتِ بَعْدَهُ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَخَوَاتِهِ اللَّاتِي وُلِدْنَ قَبْلَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ الْآخَرِ. انْتَهَى. وَلَا أَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا غَيْرَهُ. وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه. قَالَ: هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَنْتَشِرُ إلَى مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَأَعْمَامِهِ،

وَعَمَّاتِهِ، وَأَخْوَالِهِ، وَخَالَاتِهِ. فَلَا تَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى أَبِي الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أَخِيهِ، وَلَا تَحْرُمُ أُمُّ الْمُرْتَضِعِ وَلَا أُخْتُهُ عَلَى أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا أَخِيهِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا طِفْلًا: صَارَ وَلَدًا لَهَا، وَحَرُمَ عَلَى الزَّانِي تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَثْبُتُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ. يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ لَبَنِ وَلَدِهَا الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ كَحُكْمِ لَبَنِ وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا، مِنْ كَوْنِ الْمُرْتَضِعِ يَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ. وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْمَلَاعِنِ. عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ تَثْبُتُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْمَلَاعِنِ بِحَالٍ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنِهِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا بِخِلَافِ الزَّانِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

(وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا: صَارَ ابْنًا لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ أُلْحِقَ بِهِمَا: كَانَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لَهُمَا. بِلَا خِلَافٍ. زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِمْ. فَقَالُوا: كَذَا الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ. فَهُوَ لَهُمَا. قُلْت: وَهُوَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) . إمَّا لِعَدَمِ الْقَافَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ. (ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ فِي حَقِّهِمَا) . كَالنَّسَبِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: هُوَ لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا. فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَافَةِ أَوْ لِاشْتِبَاهِهِ عَلَيْهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: حَرُمَ عَلَيْهِمَا، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ مُنَجَّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ) . قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ: أَوْ مِنْ وَطْءٍ تَقَدَّمَ. (لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي لَبَنِ الْبِكْرِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً، بَلْ رُطُوبَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ. لِأَنَّ اللَّبَنَ مَا أَنْشَزَ الْعِظَامَ، وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ. وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَعَنْهُ: يُنْشِزُهَا. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا يَحْرُمُ لَبَنُ غَيْرِ حُبْلَى، وَلَا مَوْطُوءَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْشُرُ: فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَغَيْرِهِ. . لِقَوْلِهِ " وَإِنْ ثَابَ لِامْرَأَةٍ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ غَيْرُ لَبَنِ الْمَرْأَةِ، فَلَوْ ارْتَضَعَ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ: لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ) بِلَا نِزَاعٍ. إذَا ارْتَضِعْ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ: لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ، بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ ارْتَضَعَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ رِوَايَةً: بِأَنَّهُ يَنْشُرُ. وَإِنْ ارْتَضَعَا مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْشُرُ لَبَنُ الْمَرْأَةِ الَّذِي حَدَثَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ، فَهُنَا لَا يَنْشُرُ بِطَرِيقِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْشُرُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ

وَإِنْ قُلْنَا: هُنَا يَنْشُرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فَهَلْ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ هُنَا لَبَنُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَهِيَ الصَّوَابُ. وَالصَّوَابُ أَيْضًا: عَدَمُ الِانْتِشَارِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالِانْتِشَارِ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْخُنْثَى مُطْلَقًا. وَلِذَلِكَ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ. فَقَالُوا: لَوْ ارْتَضَعَ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ: لَمْ يَنْشُرْ الْحُرْمَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُوقَفُ أَمْرُ الْخُنْثَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ لَبَنِ رَجُلٍ وَخُنْثَى. وَقِيلَ: يَقِفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَنْكَشِفَ. وَقِيلَ: إنْ حَرُمَ لَبَنٌ بِغَيْرِ حَبَلٍ وَلَا وَطْءٍ، فَفِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَجْهَانِ. انْتَهَى فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ رَجُلًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَيَكُونُ هَذَا الْوُقُوفُ عَنْ الْحُكْمِ بِالْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ مِنْ الرَّضَاعِ يُوجِبُ تَحْرِيمًا فِي الْحَالِ مِنْ حَيْثُ الشُّبْهَةُ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْأُخُوَّةُ حَقِيقَةً كَاشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجَانِبَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: لَا تَحْرِيمَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَيِسُوا مِنْهُ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا تَحْرِيمَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْتَضِعَ. فِي الْعَامَيْنِ. فَلَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ: لَمْ تَثْبُتْ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِسَاعَةٍ: لَمْ يَحْرُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: لَوْ شَرَعَ فِي الْخَامِسَةِ، فَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ كَمَالِهَا: لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا. لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ الرَّضْعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ لَبَنٌ كَافٍ فِي التَّحْرِيمِ. بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَصَلَ مِمَّا بَعْدَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ إلَى الْفِطَامِ. وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ قَبْلَهُمَا. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْفِطَامِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَ أَيْضًا ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ. وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ كَبِيرًا لِلْحَاجَةِ. نَحْوَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا. لِقِصَّةِ سَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، مَعَ زَوْجَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَائِدَةٌ: لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الرَّضَاعِ: ثَبَتَ حُكْمُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ مَحَلَّ وِفَاقٍ. قَوْلُهُ: (الثَّانِي: أَنْ يَرْتَضِعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ مُخْتَارُ أَصْحَابِهِ؛ مُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ يَحْرُمْنَ. وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَمَتَى أَخَذَ الثَّدْيَ فَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ، أَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ. فَهِيَ رَضْعَةٌ. فَمَتَى عَادَ فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى، بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَرُبَ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ شِبَعًا، أَوْ لِأَمْرٍ يُلْهِيه، أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ ثَدْيٍ إلَى غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ إلَى غَيْرِهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ لَمْ يَقْطَعْ بِاخْتِيَارِهِ فَهُمَا رَضْعَةٌ، إلَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا. وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ: أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بِاخْتِيَارِهِ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ إعْيَاءٍ يَلْحَقُهُ ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَهِيَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى آخَرَ، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ: فَهِيَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ كَانَ مِنْ امْرَأَتَيْنِ: فَوَجْهَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: حَدُّ الرَّضْعَةِ أَنْ يَمْتَصَّ ثُمَّ يُمْسِكَ عَنْ امْتِصَاصِ لِتَنَفُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ خَرَجَ الثَّدْيُ مِنْ فَمِهِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: رَضْعَةٌ إنْ تَرَكَهُ عَنْ قَهْرٍ، أَوْ لِتَنَفُّسٍ أَوْ مَلَلٍ. وَقِيلَ: إنْ انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ آخَرَ، أَوْ إلَى مُرْضِعَةٍ أُخْرَى: فَرَضْعَتَانِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ قَطَعَ الْمَصَّةَ لِلتَّنَفُّسِ، أَوْ مَا أَلْهَاهُ، أَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ قَهْرًا: فَرَضْعَةٌ. وَعَنْهُ: لَا. وَإِذَا انْتَقَلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى آخَرَ، أَوْ إلَى مُرْضِعَةٍ أُخْرَى: فَرَضْعَتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ

قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ قَطَعَ الْمَصَّةَ، لِتَنَفُّسٍ أَوْ شِبَعٍ، أَوْ أَمْرٍ أَلْهَاهُ، أَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ قَهْرًا: فَرَضْعَةٌ. فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى ثَدْيٍ آخَرَ، أَوْ مُرْضِعَةٍ أُخْرَى: فَثِنْتَانِ. قَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ بَعُدَ. قَوْلُهُ (وَالسَّعُوطُ، وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ. عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هُوَ كَالرَّضَاعِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَرَضَاعٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَيُحَرِّمُ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا. كَحَلْبِهِ مِنْ حَيَّةٍ ثُمَّ شَرِبَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، بِلَا خِلَافٍ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: لَا يُحَرِّمُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُسْتَوْعِبُ، وَالْفُرُوعُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا شَرِبْتُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ " فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ: حَنِثَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (وَاللَّبَنُ الْمَشُوبُ) . يَعْنِي: يُحَرِّمُ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَحْرُمُ لَبَنٌ شِيبَ بِغَيْرِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي بِنَاءُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَاذَا؟ قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ غَلَبَ اللَّبَنُ حَرَّمَ. وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ فَمَا إذَا كَانَتْ صِفَاتُ اللَّبَنِ بَاقِيَةً. فَأَمَّا إنْ صُبَّ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ: لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَإِنَّهُ قَالَ، وَقِيلَ: بَلْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: يَجْرِي الْخِلَافُ فِيهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ شُرْبِ الْمَاءِ كُلِّهِ. وَلَوْ فِي دَفَعَاتٍ. وَتَكُونُ رَضْعَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللَّبَنَ الْمَشُوبَ، وَلَبَنَ الْمَيِّتَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ " لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا ". ظَاهِرٌ: أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ غُلَامِ الْخَلَّالِ، وَأَنَّهُ اخْتَارَ عَدَمَ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِهِمَا. وَالْحَالُ أَنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا حَكَوْا عَدَمَ تَحْرِيمِ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ. وَعَدَمَ تَحْرِيمِ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ عَنْ أَبِي بَكْرِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ. فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ اطَّلَعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى نَقْلٍ لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ وَهْمٌ فِي ذَلِكَ. وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ. الثَّالِثُ: بَنَى الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ فِي اللَّبَنِ الْمَشُوبِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ بِالسَّعُوطِ وَالْوَجُورِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ. لِأَنَّهُ وَجُورٌ. فَائِدَةٌ: يُحَرِّمُ الْجُبْنُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَرِّمُ. قَوْلُهُ (وَالْحُقْنَةُ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنْشَازُ الْعَظْمِ، وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ، لِحُصُولِهِ فِي الْجَوْفِ، بِخِلَافِ الْحُقْنَةِ بِالْخَمْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ،

وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَنْشُرُهَا. وَحَكَاهُ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. فَائِدَةٌ: لَا أَثَرَ لِلْوَاصِلِ إلَى الْجَوْفِ الَّذِي لَا يُغَذِّي. كَالذَّكَرِ وَالْمَثَانَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ كَبِيرَةً، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَثَلَاثَ صَغَائِرَ، فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ إحْدَاهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ: حَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ) . لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ. وَثَبَتَ نِكَاحُ الصُّغْرَى. لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ. وَلَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ.: الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا) . يَعْنِي الصُّغْرَى. لِأَنَّهُمَا صَارَا أُمًّا وَبِنْتًا. وَاجْتَمَعَا فِي نِكَاحِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَرَّمٌ. فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا أُخْتَيْنِ. وَكَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الرَّضَاعِ عَقْدًا وَاحِدًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ اثْنَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ: انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَإِرْضَاعِهِمَا مَعًا. (وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى، وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ) . قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ: انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ، وَثَبَتَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ) . فَائِدَةٌ: لَوْ أَرْضَعَتْ الثَّلَاثَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِأَنْ حَلَبَتْهُ فِي ثَلَاثِ أَوَانٍ وَأَوْجَرَتْهُنَّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ. وَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ: انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا: يَسْقُطُ مَهْرُهَا) إذَا كَانَ الْإِفْسَادُ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا: لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) . إذَا كَانَ الْإِفْسَادُ بَعْدَ الدُّخُولِ. بِدَلِيلِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَكُلُّ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَهْرِهَا الَّذِي يَلْزَمُهُ لَهَا) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَلَهُ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ.

أَحَدُهَا: أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، فَيَتَقَوَّمُ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى. وَقِيلَ: بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ، لَكِنَّ الْمُفْسِدَ قَرَّرَ عَلَى الزَّوْجِ هَذَا النِّصْفَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَهْرَ كُلَّهُ يَسْقُطُ بِالْفُرْقَةِ، وَيَجِبُ لَهَا نِصْفُهُ وُجُوبًا مُبْتَدَأً بِالْفُرْقَةِ الَّتِي اسْتَقَلَّ بِهَا الْأَجْنَبِيُّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَفِيهِ بُعْدٌ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي أَوَّلِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ: خُرُوجُ الْبُضْعِ مِنْ الزَّوْجِ: هَلْ هُوَ مُتَقَوِّمٌ، أَمْ لَا؟ بِمَعْنَى أَنَّهُ: هَلْ يَلْزَمُ الْمُخْرِجَ لَهُ قَهْرًا ضَمَانُهُ لِلزَّوْجِ بِالْمَهْرِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَيُذْكَرَانِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي، وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ: لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ. وَخَصُّوا هَذَا الْخِلَافَ بِمَنْ عَدَا الزَّوْجَةَ. فَقَالُوا: لَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ شَيْئًا بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ عَلَيْهَا أَيْضًا. وَحَكَاهُ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمِيعُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفَسْخُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا: سَقَطَ مَهْرُهَا) بِلَا نِزَاعٍ، (وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ: وَجَبَ لَهَا مَهْرُهَا) . يَعْنِي: إذَا أَفْسَدَهُ غَيْرُهَا (وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ) . هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ، وَصَاحِبِ الْحَاوِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا. وَرَوَاهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لِلرُّجُوعِ الْعَمْدَ، وَالْعِلْمَ بِحُكْمِهِ. وَقَاسَ فِي الْوَاضِحِ النَّائِمَةَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا: لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ. قُلْت: لَوْ خَرَجَ السُّقُوطُ مِنْ الْمَنْصُوصِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا: لَكَانَ مُتَّجِهًا. وَحَكَى فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهَا إذَا أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ نِصْفُ الْمُسَمَّى. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقَوَاعِدِ حَكَى أَنَّهُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى. يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا مَهْرَ لِلْكُبْرَى إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا: فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَأْتِي هُنَا مَا خَرَّجْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْقَاضِي الَّذِي ذُكِرَ قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ نِصْفِ الْمُسَمَّى فَقَطْ هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الصُّغْرَى هِيَ الَّتِي دَبَّتْ إلَى الْكُبْرَى وَهِيَ نَائِمَةٌ

فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا: فَلَا مَهْرَ لَهَا. وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْكُبْرَى إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَبِجَمِيعِهِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا: لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِشَيْءٍ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَاشْتِرَاطُهُ لِلرُّجُوعِ الْعَمْدَ وَالْعِلْمَ بِحُكْمِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَاضِحِ قَاسَ النَّائِمَةَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ. فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدٌ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ أَفْسَدَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ، فَلَهَا الْأَخْذُ مِمَّنْ أَفْسَدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَتَى خَرَجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِإِفْسَادِهَا أَوَّلًا، أَوْ بِيَمِينِهِ " لَا تَفْعَلْ شَيْئًا " فَفَعَلَتْهُ: فَلَهُ مَهْرُهُ. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً كَالْمَفْقُودِ. لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْمَهْرَ بِسَبَبٍ هُوَ تَمْكِينُهَا مِنْ وَطْئِهَا وَضَمِنَتْهُ بِسَبَبٍ هُوَ إفْسَادُهَا. وَاحْتَجَّ بِالْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي تَسَبَّبَتْ إلَى الْفُرْقَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ. فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً: حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَلَمْ تَحْرُمْ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَقْوَى. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ. وَأَمَّا أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ: فَلَا يَحْرُمْنَ إلَّا إذَا قُلْنَا: تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِرَضْعَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ، لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ. فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ: لَمْ تَحْرُمْ الْمُرْضِعَاتُ، وَهَلْ تَحْرُمُ الصُّغْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: تَحْرُمُ) وَتَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَلَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ، كَمَا لَا تَثْبُتُ الْأُمُومَةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا. يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِنَّ عَلَى قَدْرِ رَضَاعِهِنَّ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا) . فَيَلْزَمُ الْأُولَى: خُمُسُ الْمَهْرِ. لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهَا رَضْعَتَانِ. وَالثَّانِيَةَ: كَذَلِكَ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: نِصْفُ الْخُمُسِ. لِأَنَّ التَّحْرِيمَ كَمُلَ بِالرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أَرْضَعَتْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ الْخَمْسُ طِفْلًا، كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً: لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ. وَصَارَ الْمَوْلَى أَبًا لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَبَنُهُ وَهُنَّ كَالْأَوْعِيَةِ. وَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ أَيْضًا.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسُ بَنَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلًا، كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً: لَمْ يَصِرْنَ، أُمَّهَاتٍ لَهُ وَهَلْ يَصِيرُ الرَّجُلُ جَدًّا لَهُ. وَأَوْلَادُهُ أَخْوَالَهُ وَخَالَاتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ. لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ لَهُ. وَالتَّحْرِيمُ هُنَا بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَابْنِهَا، بِخِلَافِ الْأَوْلَى. لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا بَيْنَ الْمُرْتَضِعِ وَصَاحِبِ اللَّبَنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَرَجَّحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. لِأَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ. بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِيرُ جَدًّا لَهُ، وَأَوْلَادُهُ أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، لِوُجُودِ الرَّضَاعِ. مِنْهُنَّ. كَبِنْتٍ وَاحِدَةٍ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ أَخُوهُنَّ خَالًا لَا تَثْبُتُ الْخُئُولَةُ فِي حَقِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ ابْنِ أَخَوَاتِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ. وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ، لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ مِنْ اللَّبَنِ الْمُحَرَّمِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَلَوْ كَمُلَ لِلطِّفْلَةِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مِنْ أُمِّ رَجُلٍ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً: خَرَجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْأَصَحِّ، لِمَا سَبَقَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَقَالَ: لَمْ تَحْرُمْ إنْ لَمْ تُحَرِّمْ الرَّضْعَةُ. وَقِيلَ: تُحَرِّمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَرْضَعَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ خَمْسٌ بَنَاتُ زَوْجَتِهِ رَضْعَةً رَضْعَةً: فَلَا أُمُومَةَ. وَتَصِيرُ أُمُّهُنَّ جَدَّةً.

قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِيرُ جَدَّةً. وَرَجَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ. وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ. فَصَارَ لَهَا مِنْهُ لَبَنٌ، فَأَرْضَعَتْ مِنْهُ الطِّفْلَ رَضْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ: صَارَتْ أُمًّا لَهُ، بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْسَ مُحَرَّمَاتٍ. وَلَمْ يَصِرْ وَاحِدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَبًا لَهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ عَدَدَ الرَّضَاعَاتِ مِنْ لَبَنِهِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، لِكَوْنِهِ رَبِيبَهُمَا. لَا لِكَوْنِهِ وَلَدَهُمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثَ بَنَاتِ امْرَأَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ. فَأَرْضَعْنَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ لَهُ صِغَارًا: حَرُمَتْ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا: حَرُمَ الصِّغَارُ أَيْضًا) لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رِضَاعُهَا أَوْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكُبْرَى زَوْجَتَهُ الصُّغْرَى. فَإِنَّ الْكُبْرَى تَحْرُمُ. وَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصُّغْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ تَقَدَّمَتَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ: لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الصُّغْرَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رِضَاعُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْضَعْنَ وَاحِدَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ. فَهَلْ تَحْرُمُ الْكُبْرَى بِذَلك؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا تَحْرُمُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَحْرُمُ بِهَذَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَحْرُمُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَلَهَا مِنْهُ لَبَنٌ، فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ، فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ: انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ. وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَبَدًا. لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الصَّبِيَّ أَوَّلًا ثُمَّ فَسَخَتْ نِكَاحَهُ لِعَيْبٍ) . وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ وَلِيُّهُ، وَقُلْنَا: يَصِحُّ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَصَارَ لَهَا مِنْهُ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ: حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبَدِ. بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. أَمَّا الْكَبِيرُ: فَلِأَنَّهَا حَلِيلَةُ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ: فَلِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ. وَلِأَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ. لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ طَرَأَ لِرَضَاعِ أَجْنَبِيٍّ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدٍ لَهُ يَرْضِعُ. ثُمَّ أَعْتَقَهَا. فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ أَوْلَدَهَا، فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِ هَذَا الْوَلَدِ زَوْجَهَا الْمَعْتُوقَ: حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لَمَا ذَكَرْنَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. تَنْبِيهٌ: حَكَى فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا إنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِحُرٍّ رَضِيعٍ، فَأَرْضَعَتْهُ مَا حَرَّمَهَا. وَحَكَاهُ فِي الْكُبْرَى قَوْلًا.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ. لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لِلْحُرِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ " وَلَيْسَا مَوْجُودَيْنِ فِي هَذَا الطِّفْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا شَكَّ فِي الرَّضَاعِ، أَوْ عَدَدِهِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ: ثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَعَنْهُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً اُسْتُحْلِفَتْ. فَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً: لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ حَتَّى يَبْيَضَّ ثَدْيَاهَا. وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) . وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَإِنْ صَدَّقَتْهُ: فَلَا مَهْرَ. وَإِنْ كَذَّبَتْهُ: فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَهَا الْمَهْرُ بِكُلِّ حَالٍ) . يَعْنِي: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً. وَقَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ " هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ " فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ، سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَلَهَا الْمَهْرُ بِكُلِّ حَالٍ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِتَصْدِيقِهَا لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: يَسْقُطُ الْمُسَمَّى. فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا فِي الْحُكْمِ. أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ: فَيَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِ وَتَصْدِيقِهِ. فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ. فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ. وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: فِي حِلِّهَا لَهُ إذَا عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ رِوَايَتَانِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ: هُوَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ، وَأَكْذَبَهَا: فَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْحُكْمِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ كَانَ قَوْلُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: فَلَا مَهْرَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ: فَإِنْ أَقَرَّتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَبِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَطَاوَعَتْهُ فِي الْوَطْءِ: فَلَا مَهْرَ لَهَا أَيْضًا. وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: فَلَهَا الْمَهْرُ. لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ. وَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ. وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ. فَإِنْ عَلِمَتْ صِحَّةَ مَا أَقَرَّتْ بِهِ: لَمْ يَحِلَّ لَهَا مُسَاكَنَتُهُ، وَلَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا. وَعَلَيْهَا أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ وَتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا. كَمَا قُلْنَا فِي الَّتِي عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْكَرَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ: أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ، مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ ابْنَتِي مِنْ الرَّضَاعِ، وَهِيَ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ: لَمْ تَحْرُمْ، لِتَحَقُّقِنَا كَذِبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُ: فَكَمَا لَوْ قَالَ " هِيَ أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْأُخُوَّةَ أَوْ الْبُنُوَّةَ، وَكَذَّبَتْهُ: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ أُمِّهِ وَلَا ابْنَتِهِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ. وَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَكَذَّبَهَا، فَشَهِدَتْ بِهِ أُمُّهَا أَوْ ابْنَتُهَا: لَمْ تُقْبَلْ. وَإِنْ شَهِدَتْ أُمُّهُ أَوْ ابْنَتُهُ: قُبِلَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: لَوْ شَهِدَ بِهَا أَبُوهَا لَمْ يُقْبَلْ، بَلْ أَبُوهُ. يَعْنِي بِلَا دَعْوَى. فَائِدَةٌ أُخْرَى: لَوْ ادَّعَتْ أَمَةٌ أُخُوَّةَ سَيِّدٍ بَعْدَ وَطْءٍ: لَمْ تُقْبَلْ. وَإِلَّا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه: أَظْهَرُهُمَا الْقَبُولُ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ. وَعَدَمُهُ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ. وَتُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إذَا ادَّعَتْ أَمَةٌ مَوْرُوثَةٌ تَحْرِيمَهَا عَلَى وَارِثٍ. قَوْلُهُ (وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ، فَحَمَلَتْ، وَلَمْ يَزِدْ لَبَنُهَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ. وَإِنْ زَادَ لَبَنُهَا، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا: صَارَ ابْنًا لَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا: فَهُوَ لِلْأَوَّلِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَزَادَ بِالْوَطْءِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ثَابَ بِحَمْلِهَا مِنْ الثَّانِي: فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) . يَعْنِي: أَنَّهُ يَصِيرُ ابْنًا لَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَنَصَرَهُ.

وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ ابْنٌ لِلثَّانِي وَحْدَهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَتَقَدَّمَ اسْتِحْبَابُ إعْطَاءِ الظِّئْرِ عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، إذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا فِي " بَابِ الْإِجَارَةِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَتَى وَلَدَتْ. فَاللَّبَنُ الثَّانِي وَحْدَهُ، إلَّا إذَا لَمْ يَزِدْ لَبَنُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْأَوَّلِ، حَتَّى وَلَدَتْ. فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ زَادَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. الثَّانِيَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَسْتَرْضِعَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ فَاجِرَةً أَوْ مُشْرِكَةً. وَكَذَا حَمْقَاءُ، أَوْ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ: وَبَهِيمَةٌ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَعَمْيَاءُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّ مَنْ ارْتَضَعَ مِنْ أَمَةٍ حَمْقَاءَ خَرَجَ الْوَلَدُ أَحْمَقُ. وَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ سَيِّئَةِ الْخُلُقِ: تَعَدَّى إلَيْهِ. وَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ بَهِيمَةٍ: كَانَ بِهِ بَلَادَةُ الْبَهِيمَةِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه: وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ مِنْ جَذْمَاءَ، أَوْ بَرْصَاءَ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ.

كتاب النفقات

[كِتَابُ النَّفَقَاتِ] ِ قَوْلُهُ (يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ مَا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ، وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَمَسْكَنُهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا. لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ) . وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهَا: رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا مِنْ أَرْفَعْ خُبْزِ الْبَلَدِ وَأَدَمِهِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا بِأَكْلِهِ، وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدُّهْنِ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَفْرِضُ لَهَا لَحْمًا بِمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُوسِرِينَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَقَالَ: هُوَ أَظْهَرُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْعَادَةُ، لَكِنْ يُخَالِفُ فِي إدْمَانِهِ. قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ. تَنْبِيهٌ: وَأَدَمُهُ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِأَكْلِهِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَلَوْ تَبَرَّمَتْ بِأَدَمٍ نَقَلَهَا إلَى أَدَمٍ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَمَا يَكْتَسِي مِثْلُهَا بِهِ مِنْ جَيِّدِ الْكَتَّانِ، وَالْقُطْنِ، وَالْخَزِّ)

وَهُوَ الَّذِي يُنْسَجُ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الْوَبَرِ مَعَ الْحَرِيرِ. (وَالْإِبْرَيْسِمِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ " فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ". (وَأَقَلُّهُ: قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ، وَوِقَايَةٌ، وَمُقَنِّعَةٌ، وَمَدَاسٌ وَجُبَّةٌ فِي الشِّتَاءِ. وَلِلنَّوْمِ: الْفِرَاشُ، وَاللِّحَافُ، وَالْمِخَدَّةُ) . بِلَا نِزَاعٍ. زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالْإِزَارُ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ. فَقَدْ قَطَعَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمُرَادُهُمْ بِالْإِزَارِ: الْإِزَارُ لِلنَّوْمِ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَا يَجِبُ لَهَا إزَارٌ لِلْخُرُوجِ. قَوْلُهُ (وَلِلْفَقِيرَةِ تَحْتَ الْفَقِيرِ: قَدْرُ كِفَايَتِهَا مِنْ أَدْنَى خُبْزِ الْبَلَدِ، وَأَدَمِهِ، وَدُهْنِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَقْطَعُهَا اللَّحْمَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَمْ يَأْكُلُ الرَّجُلُ اللَّحْمَ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقِيلَ: كُلُّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَيُفْرَضُ لِلْفَقِيرَةِ تَحْتَ الْفَقِيرِ: أَدْوَنَ خُبْزِ الْبَلَدِ. وَمِنْ الْأُدْمِ: مَا يُنَاسِبُهُ. وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ " إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ. فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ ". قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يَعْنِي إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُتَوَسِّطَةِ تَحْتَ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا: مَا بَيْنَ ذَلِكَ. كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَوْنُ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الْكِفَايَةِ. وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الزَّوْجِ. وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ. وَأَوْمَأَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهَا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَا يَلْزَمُهُ خُفٌّ وَلَا مِلْحَفَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ عَنْ الْقَاضِي: لِمُوسِرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ أَقَلُّ كِفَايَةٍ. وَالْبَقِيَّةُ فِي ذِمَّتِهِ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا بُدَّ مِنْ مَاعُونِ الدَّارِ. وَيُكْتَفَى بِخَزَفٍ وَخَشَبٍ. وَالْعَدْلُ مَا يَلِيقُ بِهِمَا قَالَ النَّاظِمُ: وَمِنْ خَيْرٍ مَاعُونٌ لِحَاجَةِ مِثْلِهَا ... لِشُرْبٍ وَتَطْهِيرٍ وَأَكْلٍ فَعَدِّدْ

الثَّانِيَةُ: مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا: فَهُوَ مَعَهَا كَالْمُعْسِرِينَ. وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: فَكَالْمُتَوَسِّطِينَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: قُلْت: وَالْمُوسِرُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ. وَالْمُعْسِرُ: مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا. لَا بِمَالِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ. وَقِيلَ: بَلْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَالْمُتَوَسِّطُ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ بِمَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ. وَقَالَ: قُلْت: وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ. وَمَنْ فَوْقَهُ إنْ كُلِّفَ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ مِسْكِينٍ، حَتَّى صَارَ مِسْكِينًا: فَهُوَ مُتَوَسِّطٌ. وَإِلَّا فَهُوَ مُعْسِرٌ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: النَّفَقَةُ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ. وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فِي مِقْدَارِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْوَاجِبُ مُقَدَّرٌ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ. فَيَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ مِنْ الْخُبْزِ يَعْنِي: بِالْعِرَاقِيِّ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ وَالْمُتَوَسِّطِ. اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ. وَإِنَّمَا تَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ جَوْدَتِهِ. انْتَهَى. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَيَجِبُ الدُّهْنُ بِحَسَبِ الْبَلَدِ. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ مَا يَعُودُ بِنَظَافَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالسِّدْرِ، وَثَمَنِ الْمَاءِ) . وَكَذَا الْمُشْطُ، وَأُجْرَةُ الْقِيمَةِ وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي،

وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ هُنَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ: وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ فَقِيمَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَثَمَنُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ عَلَى الزَّوْجِ. وَقِيلَ: عَلَى الْمَرْأَةِ. وَفِي الْوَاضِحِ وَجْهٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ تَنْظِيفٍ عَلَى مُكْتَرٍ كَرَشٍّ وَكَنْسٍ، وَتَنْقِيَةِ الْآبَارِ وَمَا كَانَ مِنْ حِفْظِ الْبِنْيَةِ كَبِنَاءِ حَائِطٍ، وَتَغْيِيرِ الْجِذْعِ عَلَى مُكْرٍ. فَالزَّوْجُ كَمُكْرٍ، وَالزَّوْجَةُ كَمُكْتَرٍ. وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِيمَا يَحْفَظُ الْبِنْيَةَ دَائِمًا مِنْ الطَّعَامِ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ بَابِ الْغُسْلِ وَهَلْ ثَمَنُ الْمَاءِ عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهَا؟ أَوْ مَاءِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ عَلَيْهِ، أَوْ عَكْسُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. وَمَاءُ الْوَضُوءِ كَالْجَنَابَةِ. قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ شِرَاءُ ذَلِكَ لِرَقِيقِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ فِي الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الطِّيبُ، وَالْحِنَّاءُ، وَالْخِضَابُ، وَنَحْوُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ) . أَمَّا الْحِنَّاءُ وَالْخِضَابُ وَنَحْوُهُمَا: فَلَا يَلْزَمُهُ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا الطِّيبُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا. وَفِي الْوَاضِحِ: وَجْهٌ يَلْزَمُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْهَا التَّزَيُّنَ) .

يَعْنِي: فَيَلْزَمُهُ. وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ قَطْعَ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ: يَلْزَمُهُ. فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهَا تَرْكُ حِنَّاءٍ وَزِينَةٍ نَهَاهَا عَنْهُ الزَّوْجُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ (وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى مَنْ يَخْدُمُهَا، لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا، أَوْ لِمَرَضِهَا: لَزِمَهُ ذَلِكَ) . إذَا احْتَاجَتْ إلَى مَنْ يَخْدُمُهَا لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ. بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ. إذْ لَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. وَإِنْ كَانَ لِمَرَضِهَا: لَزِمَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إخْدَامُ مَرِيضَةٍ وَلَا أَمَةٍ. وَقِيلَ: غَيْرُ جَمِيلَةٍ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْ يُوَضِّئُ مَرِيضَهُ، بِخِلَافِ رَقِيقِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَادِمُ كِتَابِيَّةً. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَجُوزُ كِتَابِيَّةٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ جَازَ نَظَرُهَا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْخَادِمِ الْإِسْلَامُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا قَالَ " أَنَا أَخْدُمُك " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَالصَّوَابُ: اللُّزُومُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْفَقِيرَيْنِ) . وَكَذَا كِسْوَتُهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: مَعَ خُفٍّ وَمِلْحَفَةٍ لِلْخُرُوجِ. قَوْلُهُ (إلَّا فِي النَّظَافَةِ) . لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لِلْخَادِمِ مَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ سِوَى النَّظَافَةِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْخَادِمُ لَهُ أَوْ لَهَا: فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا نَفَقَةُ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ فِي وَجْهٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَلَمْ أَجِدْهُ صَرِيحًا. وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْمُؤَجَّرِ. فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَالِكِهِ.

وَأَمَّا فِي الْمُعَارِ: فَيَحْتَمِلُ. وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ. وَقَوْلُهُ (فِي وَجْهٍ) يَدُلُّ أَنَّ الْأَشْهَرَ خِلَافُهُ. وَلِهَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُعَارِ فِي بَابِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَكْفِي خَادِمٌ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ بِقَدْرِ حَالِهَا. فَائِدَةٌ: إنْ كَانَ الْخَادِمُ مِلْكَهَا كَانَ تَعْيِينُهُ إلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ، أَوْ اسْتَعَارَهُ: فَتَعْيِينُهُ إلَيْهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْله (وَإِنْ قَالَ " أَنَا أَخْدُمُك " فَهَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهَا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: لَهُ ذَلِكَ، فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ لِمَنْ يَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَكِسْوَتُهَا، وَمَسْكَنُهَا كَالزَّوْجَةِ سَوَاءٌ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْبَائِنُ بِفَسْخٍ، أَوْ طَلَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا: فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى) . وَكَذَا الْكِسْوَةُ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كُلَّ يَوْمٍ تَأْخُذُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهَا إذَا وَضَعَتْ اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مُدَّةِ الْحَمْلِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، فَقَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ. لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَلْزَمُهُ لِبَائِنٍ حَامِلٍ نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ بِوَضْعِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا تَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ سَهْوٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَحَكَى الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ رِوَايَةً: لَا نَفَقَةَ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا.

وَخَصَّهَا ابْنُهُ بِالْمَبْتُوتَةِ بِالثَّلَاثِ. وَبَنَاهَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ. وَالْمَبْتُوتَةُ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ. وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا قُلْنَا: هِيَ لِلْحَمْلِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي الْقِيَاسِ، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فِيمَا إذَا ظُنَّ. وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَبْتُوتَةِ الْحَامِلِ يُرَجِّحُ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ. وَفِي السُّكْنَى رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا) . يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَهَا السُّكْنَى خَاصَّةً. اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا تَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا، كَالْعِدَّةِ. وَعَنْهُ: لَهَا أَيْضًا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى. حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَالتَّحَوُّلُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَفَى الْحَمْلَ وَلَاعَنَ، فَإِنْ صَحَّ نَفْيُهُ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ لَزِمَهُ

نَفَقَةُ مَا مَضَى. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ. أَوْ لَمْ يَنْفِهِ وَقُلْنَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَائِلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ: فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: رَجَعَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قَضَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَا مَضَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَامِلًا. ثُمَّ بَانَتْ حَائِلًا: فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رَجَعَ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. الْمَذْهَبُ الرُّجُوعُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: إنْ بَقِيَ الْحَمْلُ فَفِي رُجُوعِهِ رِوَايَتَانِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ: أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُنْفِقُ ذَلِكَ إنْ شَهِدَ بِهِ النِّسَاءُ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ؛ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَقَالَا: إنْ ادَّعَتْ حَمْلًا وَلَا أَمَارَةَ: لَمْ تُعْطَ شَيْئًا. وَقِيلَ: بَلَى ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ حَتَّى تَشْهَدَ النِّسَاءُ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: أَنَّهَا لَا تُعْطَى بِلَا أَمَارَةٍ. وَتُعْطَى مَعَهَا. فَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ: إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ حَمْلٌ: رَجَعَ عَلَيْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ كَنِكَاحٍ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ لِتَفْرِيطِهِ كَنَفَقَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالُوا. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ الْخِلَافُ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي رُجُوعِهِ بِمَا أَنْفَقَ وَقِيلَ: بَعْدَ عِدَّتِهَا رِوَايَتَانِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ قُلْنَا: يَجِبُ تَعْجِيلُ النَّفَقَةِ: رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ كَتَمَتْ بَرَاءَتَهَا مِنْهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ. قَوْلًا وَاحِدًا. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِحَمْلِهَا، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْكَافِي.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: هِيَ لِلْحَمْلِ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا لِلْحَمْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا. وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَأَوْجَبَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ وَلَهَا مِنْ أَجْلِهِ. وَجَعَلَهَا كَمُرْضِعَةٍ لَهُ بِأُجْرَةٍ. تَنْبِيهٌ: لِهَذَا الْخِلَافِ: فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: لَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَجِبُ. لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الرَّقِيقَ: فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ. وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الرَّقِيقَةُ: فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ. فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهَا. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ، أَوْ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَى سَيِّدِهِ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَمِنْهَا: لَوْ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَجِبُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تَجِبُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَجِبُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تَجِبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: إلَّا أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ يَلِيقُ بِهَا تَحْصِينًا لِمَائِهِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَيَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: إذَا حَمَلَتْ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ. فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَاطِئِ إذَا قُلْنَا: تَجِبُ لِحَمْلِ الْمَبْتُوتَةِ. وَهَلْ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةٌ؟ يُنْظَرُ. فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً: فَنَعَمْ، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ تَظُنُّهُ زَوْجَهَا: فَلَا نَفَقَةَ. فَائِدَةٌ: الْفَسْخُ لِعَيْبٍ كَنِكَاحٍ فَاسِدٍ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: هُوَ كَصَحِيحٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِرَضَاعٍ أَوْ عَيْبٍ فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَمُلَخَّصُهُ: إذَا وُطِئَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ بَانَ بِهَا حَمْلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْوَاطِئِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهَا النَّفَقَةُ، حَتَّى تَضَعَ، وَلَا تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّةَ الْحَمْلِ، حَتَّى يَنْكَشِفَ الْأَبُ

مِنْهُمَا. وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ الْوَضْعِ بِنَفَقَةِ أَقْصَرِ الْمُدَّتَيْنِ: مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ، أَوْ قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ. ثُمَّ إذَا زَالَ الْإِشْكَالُ، أَوْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ. فَاعْمَلْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَفْقُ حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِالْفَضْلِ. وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا: فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بَعْدَ الْوَضْعِ بِشَيْءٍ. عَلَى الزَّوْجِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ. ذُكِرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَمَتَى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِمَا أَنْفَقَ. لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ مُتَبَرِّعًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُجَرَّدِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، عَلَى مَا مَضَى فِي " بَابِ الضَّمَانِ ". وَمِنْهَا: لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ سَيِّدِهَا، فَأَعْتَقَهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَجِبُ إلَّا حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ. وَنَقْل الْكَحَّالُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: تُنْفِقُ مِنْ مَالِ حَمْلِهَا. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: تُنْفِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْهَا: لَوْ غَابَ الزَّوْجُ. فَهَلْ تَثْبُتُ لِلنَّفَقَةِ فِي ذِمَّتِهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ. لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.

قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ. وَلَهُ حَمْلٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَلْزَمُ النَّفَقَةُ الْوَرَثَةَ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا تَلْزَمُهُمْ بِحَالٍ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَجِبُ. لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ مَشْرُوطَةٌ بِالْيَسَارِ دُونَ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تَجِبُ. وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَعَتْ الزَّوْجَةُ بِنَفَقَتِهَا. فَهَلْ يَصِحُّ جَعْلُ النَّفَقَةِ عِوَضًا لِلْخُلْعِ؟ قَالَ الشِّيرَازِيُّ: إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لَهَا: يَصِحُّ. وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ: لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ: يَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْحَمْلُ مُوسِرًا، بِأَنْ يُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَيَقْبَلُهُ الْأَبُ. فَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ. وَإِنْ قُلْنَا: لِأُمِّهِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ تَسْقُطْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ بَدَلُهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا. وَمِنْهَا: فِطْرَةُ الْمُطَلَّقَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِطْرَةُ الْحَمْلِ عَلَى أَبِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ.

وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَجِبُ لَهَا الْفِطْرَةُ. وَمِنْهَا: هَلْ تَجِبُ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْحَامِلِ؟ . فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا سُكْنَى. ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَهَا السُّكْنَى أَيْضًا. وَمِنْهَا: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حَرَّةٌ، فَبَانَتْ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ فَفَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ. فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ. عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: إنْ قُلْنَا النَّفَقَاتُ لِلْحَمْلِ: وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ. وَإِنْ قُلْنَا لِلْحَامِلِ: لَمْ تَجِبْ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَمِنْهَا الْبَائِنُ فِي الْحَيَاةِ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ، إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ " وَأَمَّا الْبَائِنُ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ. فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا " وَأَحْكَامُهَا. وَمِنْهَا: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهِيَ: قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا سُكْنَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَعَنْهُ لَهَا السُّكْنَى. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. فَهِيَ كَغَرِيمٍ.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: حَكَى شَيْخُنَا رِوَايَةً: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَالشَّارِحُ: إنْ مَاتَ وَهِيَ فِي مَسْكَنِهِ: قَدِمَتْ بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا: فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا كِسْوَةَ، وَلَا سُكْنَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهَا ذَلِكَ. وَبَنَاهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ: هَلْ هِيَ لِلْحَمْلِ، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؟ . فَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ: وَجَبَتْ مِنْ التَّرِكَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا. وَإِنْ قُلْنَا لَهَا: لَمْ تَجِبْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ أَنَّا إنْ قُلْنَا النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ: لَمْ تَجِبْ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى. وَإِنْ قُلْنَا لَهَا: وَجَبَتْ. لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْمَيِّتِ لَحِقَهُ. فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي مَالِهِ انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَهَا السُّكْنَى خَاصَّةً. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. فَهِيَ كَغَرِيمٍ. فَهِيَ عِنْدَهُ كَالْحَائِلِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ لَهَا السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ. وَتُقَدِّمُ بِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، إنْ كَانَ قَدْ أَفْلَسَهُ الْحَاكِمُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: إنْ مَاتَ وَهِيَ فِي مَسْكَنِهِ قُدِّمَتْ بِهِ. فَهِيَ عِنْدَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالْحَائِلِ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ بِيعَتْ الدَّارُ الَّتِي هِيَ سَاكِنَتُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ. لِجَهْلِ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ إلَى الْوَضْعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ الْمَجْدُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: الصِّحَّةُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي " بَابِ الْإِجَارَةِ ". الثَّانِيَةُ: نَقَلَ الْكَحَّالُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ: تُنْفِقُ مِنْ مَالِ حَمْلِهَا. وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: تُنْفِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا قَرِيبًا فِي الْفَوَائِدِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَمَنْ أَحْبَلَ أَمَتَهُ وَمَاتَ: فَهَلْ نَفَقَتُهَا مِنْ الْكُلِّ، أَوْ مِنْ حَقِّ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: فِي نَفَقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهَا: لَا نَفَقَةَ لَهَا. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَابْنُ بُخْتَانَ. وَالثَّانِيَةُ: يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِ مَا فِي بَطْنِهَا. نَقَلَهَا الْكَحَّالُ. وَالثَّالِثَةُ: إنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا قَبْلَ ذَلِكَ: فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا. وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ: فَهِيَ فِي عِدَادِ الْأَحْرَارِ، يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا. نَقَلَهَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: وَهِيَ مُشْكِلَةٌ جِدًّا. وَبَيَّنَ مَعْنَاهَا. وَاسْتَشْكَلَ الْمَجْدُ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ. فَقَالَ: الْحَمْلُ إنَّمَا يَرِثُ بِشَرْطِ خُرُوجِهِ حَيًّا وَيُوقَفُ نَصِيبُهُ. فَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ يَشْهَدُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ مِنْ حِينِ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ. وَإِنَّمَا خُرُوجُهُ حَيًّا يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُودُ ذَلِكَ.

فَإِذَا حَكَمْنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، لَا سِيَّمَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى أُمِّهِ يَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ. قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا فِي صَدْرِ نَهَارِ كُلِّ يَوْمٍ. إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا، أَوْ تَعْجِيلِهَا مُدَّةً قَلِيلَةً، أَوْ كَثِيرَةً: فَيَجُوزُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَلْزَمُهُ تَمْلِيكٌ، بَلْ يُنْفِقُ وَيَكْسُو بِحَسَبِ الْعَادَةِ. فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ هُوَ التَّمْلِيكُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ عَمَّنْ زَوْجَتُهُ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ إلَّا بِتَسْلِيمِ وَلِيٍّ أَوْ بِإِذْنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ الْقِيمَةِ: لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ فَرْضَ غَيْرِ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمَ مَثَلًا إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا. فَلَا يُجْبَرُ مَنْ امْتَنَعَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: لَا أَصْلَ لِفَرْضِ الدَّرَاهِمِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَى عَنْ غَيْرِ مُسْتَقَرٍّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ مَعَ عَدَمِ الشِّقَاقِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ. فَأَمَّا مَعَ الشِّقَاقِ وَالْحَاجَةِ كَالْغَائِبِ مَثَلًا فَيَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى. وَلَا يَقَعُ الْفَرْضُ بِدُونِ ذَلِكَ بِغَيْرِ الرِّضَى. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت وَيَجُوزُ التَّعَوُّضُ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِنَقْدٍ وَغَيْرِهِ عَمَّا يَجِبُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ كِسْوَتُهَا فِي كُلِّ عَامٍ) . يَعْنِي: عَلَيْهِ كِسْوَتُهَا مَرَّةً. بِلَا نِزَاعٍ.

وَمَحَلُّهَا: أَوَّلَ كُلِّ عَامٍ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُهُ: أَوَّلَ كُلِّ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ، فَقَالَ: قُلْت فِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ كِسْوَتُهُ. وَفِي أَوَّلِ الصَّيْفِ كِسْوَتُهُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَعَلَيْهِ كِسْوَتُهَا كُلَّ نِصْفِ سَنَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِذْ قَبَضَتْهَا، فَسُرِقَتْ، أَوْ تَلِفَتْ: لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ سُرِقَتْ أَوْ بَلِيَتْ فَلَا بَدَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ عِوَضُهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: هِيَ إمْتَاعٌ. فَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا كَكِسْوَةِ الْقَرِيبِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ بَلِيَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَبْلَى فِيهِ مِثْلُهَا: لَزِمَهُ بَدَلُهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ كِسْوَتِهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ: فَعَلَيْهِ كِسْوَةُ السَّنَةِ الْأُخْرَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ.

قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قُلْنَا هِيَ تَمْلِيكٌ: لَزِمَهُ. وَإِنْ قُلْنَا إمْتَاعٌ: فَلَا، كَالْمَسْكَنِ وَأَوْعِيَةِ الطَّعَامِ وَالْمَاعُونِ وَالْمُشْطِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ مَضَى زَمَانٌ تَبْلَى فِيهِ وَلَمْ تَبْلَ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا. لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى الْكِسْوَةِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ. لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمُدَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الْكِسْوَةَ بِقَبْضِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَمْلِكُهَا. وَالْمَسْأَلَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْغِطَاءِ وَالْوِطَاءِ وَنَحْوِهِمَا حُكْمُ الْكِسْوَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَاخْتَارَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيه: أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا. قَوْله (وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ. فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَسَلَّفَتْ النَّفَقَةَ فَمَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ دُونَ الْكِسْوَةِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقِيلَ: ذَلِكَ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَجَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا وَجَبَ كَيَوْمٍ وَكِسْوَةِ سَنَةٍ، بَلْ يَرْجِعُ بِمَا لَمْ يَجِبْ إذَا دَفَعَهُ. فَائِدَةٌ: لَا يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ الْيَوْمِ الَّذِي فَارَقَهَا فِيهِ. مَا لَمْ تَكُنْ نَاشِزًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: لَا يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا: وَكَذَا يَوْمُ السَّلَفِ لَا يَرْجِعُ بِهِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يَرْجِعُ بِهِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ نَاشِزًا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَرْجِعُ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (إذَا قَبَضَتْ النَّفَقَةَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا) . إشْعَارٌ بِأَنَّهَا تَمْلِكُهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَطَعُوا بِهِ كَالْكِسْوَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ مُدَّةً، وَلَمْ يُنْفِقْ: فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا لَهَا. اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا لَهَا أَوْ فَرَضَهَا الزَّوْجُ بِرِضَاهَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَسْقَطَهَا بِالْمَوْتِ. وَعَلَّلَ فِي الْفُصُولِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ: بِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَافِي. فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهَا لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا. لِأَنَّهُ لَيْسَ مَآلُهَا إلَى الْوُجُوبِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ: رَجَعَتْ عَلَى زَوْجِهَا مُطْلَقًا نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ. وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ الرِّوَايَتَانِ فِيمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَنْفَقَتْ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ مَالِهِ، فَبَانَ مَيِّتًا: رَجَعَ عَلَيْهَا الْوَارِثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهَا مِنْ مَالِ غَائِبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِظُهُورِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَكَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَادَةً، أَوْ كَسَاهَا بِلَا إذْنٍ، وَلَمْ يَتَبَرَّعْ: سَقَطَتْ عَنْهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: إنْ نَوَى اعْتَدَّ بِهَا. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا وَهِيَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، أَوْ يَتَعَذَّرُ وَطْؤُهَا لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ رَتْقٍ، وَنَحْوِهِ لَزِمَ زَوْجَهَا نَفَقَتُهَا، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ، كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْمَرِيضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ صَغِيرًا. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ مَنْعٍ لِمَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا لَوْ بَذَلَهُ. وَقِيلَ: وَلِصَغِيرَةٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَيْهَا: لَوْ تَسَاكَنَا بَعْدَ الْعَقْدِ مُدَّةً لَزِمَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: دَفْعُ النَّفَقَةِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّمْكِينِ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ. فَائِدَةٌ: مَثَّلَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ: بِابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ. وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَالِحٍ. وَأَنَاطَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: الْحُكْمَ بِمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا. وَهُوَ أَقْعَدُ. فَإِنَّ تَمْثِيلَهُمْ بِالسِّنِّ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى أَوْ مُتَعَيِّنٌ. وَهَذَا مُخْتَلِفٌ. فَقَدْ تَكُونُ ابْنَةُ تِسْعٍ تَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ، وَبِنْتُ عَشْرٍ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كِبَرِهَا وَصِغَرِهَا، مِنْ نَحْوٍ لَهَا وَسِمَنِهَا وَقُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا.

لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ بِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا: لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ بِلُزُومِ النَّفَقَةِ لِلصَّغِيرَةِ بِالْعَقْدِ. حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ. فَبَعْدَ الدُّخُولِ. بِطَرِيقِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: لَوْ زُوِّجَ طِفْلٌ بِطِفْلَةٍ. فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِعَدَمِ الْمُوجِبِ. وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ بَذَلَتْهُ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ: لَمْ يُفْرَضْ لَهَا حَتَّى يُرَاسِلَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقْدُمَ فِي مِثْلِهِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي عِنْدَ النُّشُوزِ مَا يُشَابِهُ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَنَعَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِلَا نِزَاعٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا " وَلَوْ كَانَتْ بَاذِلَةً لِلتَّسْلِيمِ وَلَكِنَّ أَهْلَهَا يَمْنَعُونَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَهَا النَّفَقَةُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ. فَلَهَا ذَلِكَ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. ذَكَرَهُ فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا فِي آخِرِ " كِتَابِ الصَّدَاقِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا تَمْلِكُ الْمَنْعَ. فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا امْتَنَعَتْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ شَاقِلَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهَا ذَلِكَ. فَيَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي آخِرِ " كِتَابِ الصَّدَاقِ ". تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْآجِلِ) . يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَنْعَ نَفْسِهَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُؤَجَّلًا. فَلَوْ فَعَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ.

وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَحِلَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ. فَلَوْ امْتَنَعَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ الدُّخُولِ: لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ: لَهَا الِامْتِنَاعُ. وَيَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَتْ الْأَمَةُ نَفْسَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا: فَهِيَ كَالْحُرَّةِ) . يَعْنِي: سَوَاءً رَضِيَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَرْضَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قُلْت: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لِلزَّوْجِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ لِفَقْرِهِ لَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ تَأْوِي إلَيْهِ لَيْلًا، وَعِنْدَ السَّيِّدِ نَهَارًا. فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ مَقَامِهَا عِنْدَهُ) . فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ اللَّيْلِ مِنْ الْعَشَاءِ وَتَوَابِعِهِ، كَالْوَطْءِ، وَالْغِطَاءِ. وَرَهْنِ الْمِصْبَاحِ، وَنَحْوِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ فَعَلَى هَذَا: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ النَّفَقَةِ. فَفَسَّرَ الْأَوَّلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي. وَوُجُوبُ نَفَقَةِ اللَّيْلِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالنَّهَارِ عَلَى السَّيِّدِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَهَا سَيِّدُهَا نَهَارًا فَقَطْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ) فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ دُونَ بَقِيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ: فَسُقُوطُ النَّفَقَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تُشَطَّرُ النَّفَقَةُ لِنَاشِزٍ لَيْلًا فَقَطْ، أَوْ نَهَارًا فَقَطْ. لَا بِقَدْرِ الْأَزْمِنَةِ. وَتُشَطَّرُ النَّفَقَةُ لِنَاشِزٍ بَعْضَ يَوْمٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ كُلُّ نَفَقَتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ. ثُمَّ غَابَ الزَّوْجُ فَأَطَاعَتْ فِي غَيْبَتِهِ. فَعَلِمَ بِذَلِكَ، وَمَضَى زَمَنٌ يَقْدَمُ فِي مِثْلِهِ: عَادَتْ لَهَا النَّفَقَةُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: تَجِبُ بَعْدَ مُرَاسَلَةِ الْحَاكِمِ لَهُ. انْتَهَى. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الزِّفَافِ. وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُرْتَدَّةٌ، أَوْ مُتَخَلِّفَةٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي غَيْبَتِهِ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَعُودُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِمَا. قَوْلُهُ (أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ) فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: سَفَرُ التَّغْرِيبِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ فِيهِ النَّفَقَةُ. قُلْت: وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَهِيَ بَاذِلَةٌ لِلتَّسْلِيمِ، وَالْمَنْعِ مِنْ الدُّخُولِ مِنْهُ.

قَوْلُهُ (أَوْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ أَوْ حَجٍّ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: إنْ جَازَ لَهُ إبْطَالُهُ فَتَرَكَهُ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِي حَجٍّ نَفْلٍ، إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا وَتَحْلِيلَهَا: لَمْ تَسْقُطْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ صَامَتْ لِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ، أَوْ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَوَقْتُهُ مُتَّسِعٌ بِلَا إذْنِهِ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ. وَنَقَلَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: تَصُومُ النَّذْرَ بِلَا إذْنٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: فِي صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حُبِسَتْ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهَلْ لَهُ الْبَيْتُوتَةُ مَعَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الْبَيْتُوتَةَ مَعَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَعَثَهَا فِي حَاجَةٍ) يَعْنِي لَهُ (أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ: فَلَهَا النَّفَقَةُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بِشَرْطِ أَنْ تُحْرِمَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فِي حَجِّ فَرْضٍ احْتِمَالٌ كَنَفَقَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْحَضَرِ. فَائِدَةٌ: أَوْ سَافَرَتْ لِنُزْهَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ زِيَارَةِ أَهْلِهَا: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِمَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . كَذَلِكَ الصَّوْمُ الْمَنْذُورُ وَالْمُعَيَّنُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُطْلَقًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا مُطْلَقًا. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. ذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ نَذْرُهَا بِإِذْنِهِ، أَوْ قَبْلَ النِّكَاحِ: لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) . ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْمُصَنِّفِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَيَحْتَمِل أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ) وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نُشُوزِهَا، أَوْ تَسْلِيمِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إنْ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ، فَإِنْ وَجَبَتْ بِالتَّمْكِينِ صُدِّقَ وَعَلَيْهَا إثْبَاتُهُ. وَإِنْ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ صُدِّقَتْ. وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الْمَنْعِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ إثْبَاتِ التَّمْكِينِ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَوْلُهَا بَعْدَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّفَقَةِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي بَذْلِ التَّسْلِيمِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا، أَوْ بِالْكِسْوَةِ) وَكَذَا بِبَعْضِهَا (خُيِّرَتْ بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْمُقَامِ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) . يَعْنِي نَفَقَةَ الْفَقِيرِ. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا. الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَفَسْخُهَا لِلْإِعْسَارِ بِنَفَقَتِهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ بِحَالٍ) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ غُرُورٌ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا وَجْهًا: أَنَّهُ يُؤَجِّلُ ثَلَاثًا. وَقِيلَ: إنْ أَعْسَرَ بِكِسْوَةِ يَسَارٍ فَلَا فَسْخَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ: يَرْفَعُ يَدَهُ عَنْهَا لِتَكْتَسِبَ مَا تَقْتَاتُ بِهِ. فَائِدَةٌ: إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَلِلْحَاكِمِ الْفَسْخُ بِطَلَبِهَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَا فِي النَّفَقَةِ: وَلَا تَجِدُ مَنْ يُدَيَّنُهَا عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْغَائِبِ. وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الْحَاضِرِ الْمُوسِرِ الْمَانِعِ. وَرَفْعُ النِّكَاحِ هُنَا فَسْخٌ [بِطَلَبِهَا أَوْ فَسَخَتْ] قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. فَيُعْتَبَرُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ. فَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ فُسِخَ بِطَلَبِهَا. أَوْ فَسَخَتْ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَنْفُذُ بِدُونِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: ظَاهِرًا. وَفِي التَّرْغِيبِ: يَنْفُذُ مَعَ تَعَذُّرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: هَذِهِ الْفُرْقَةُ طَلَاقٌ. فَعَلَى هَذَا: يَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِهَا بِطَلَاقٍ أَوْ نَفَقَةٍ. فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

فَإِنْ رَاجَعَ، فَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مَعَ عُسْرَتِهِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ رَاجَعَ: طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً. فَإِنْ رَاجَعَ: طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَالِثَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنَّ طَلَبَ الْمُهْلَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أُجِيبَ. فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ، فَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ: إلَى آخِرِ الْيَوْمِ الْمُتَخَلِّفَةِ نَفَقَتُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ: فَلَهَا ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهَا ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِعُسْرَتِهِ فِي الصَّدَاقِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى هَذَا: هَلْ خِيَارُهَا الْأَوَّلُ عَلَى التَّرَاخِي، أَوْ عَلَى الْفَوْرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْ خِيَارِ الْعَيْبِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ: جَازَ لَهَا أَنْ لَا تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَضِيَتْ بِعُسْرَتِهِ، أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِهَا: فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا. [وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا] . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: خِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: عَلَى التَّرَاخِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي. وَظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: بَلْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَهُوَ أَوْلَى. فَإِنْ حَصَلَ فِي الرَّابِعِ نَفَقَةٌ: فَلَا فَسْخَ بِمَا مَضَى. وَإِنْ حَصَلَتْ فِي الثَّالِثِ، فَهَلْ يُفْسَخُ فِي الْخَامِسِ أَوْ السَّادِسِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَإِنْ مَضَى يَوْمَانِ، وَوَجَدَ نَفَقَةَ الثَّالِثِ، ثُمَّ أَعْسَرَ فِي الرَّابِعِ: فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّةَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، انْتَهَى. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ، أَوْ كَانَ مُوسِرًا ثُمَّ افْتَقَرَ: أَنَّهُ لَا فَسْخَ لَهَا. قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ تُصِيبُهُمْ الْفَاقَةُ بَعْدَ الْيَسَارِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُمْ أَزْوَاجُهُمْ إلَى الْحُكَّامِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَسُّبِ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: الصَّانِعُ الَّذِي لَا يَرْجُو عَمَلًا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا عَمِلَ دَفَعَ نَفَقَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: لَا فَسْخَ، مَا لَمْ يَدُمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ عَمَلٍ، فَمَرِضَ فَاقْتَرَضَ: فَلَا فَسْخَ. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاقْتِرَاضِ، وَكَانَ لِعَارِضٍ يَزُولُ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ: فَلَا فَسْخَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ فِي بَعْضِ زَمَانِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ: لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ. لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْعَارِضِ وَحُصُولِ الِاكْتِسَابِ وَكَذَلِكَ إنْ عَجَزَ عَنْ الِاقْتِرَاضِ أَيَّامًا يَسِيرَةً. لِأَنَّ ذَلِكَ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ. وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. وَقَالَا أَيْضًا: إنْ مَرِضَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ: لَمْ يَفْسَخْ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَطُولُ: فَلَهَا الْفَسْخُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَجِدُ النَّفَقَةَ إلَّا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ. انْتَهَيَا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، أَوْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، أَوْ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ الْأُدْمِ، أَوْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ: فَلَا فَسْخَ لَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهَا بِأَكْلِ الطِّيبِ وَلِبْسِ النَّاعِمِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا: مَلَكَتْ الْفَسْخَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اعْتَادَتْ الطِّيبَ وَالنَّاعِمَ، فَعَجَزَ عَنْهُمَا: فَلَهَا الْفَسْخُ. قُلْت: فَالْأَدَمُ أَوْلَى. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَهَا: الْفَسْخُ إذَا أَعْسَرَ بِالْأُدْمِ. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: لَهَا الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ ضَرَرِهَا. قَوْلُهُ (وَتَكُون النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ، أَيْ الزِّيَادَةُ عَنْ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ. لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَا أَنَّهَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ زِيَادَةُ الْيَسَارِ وَالتَّوَسُّطِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: تَسْقُطُ زِيَادَةُ الْيَسَارِ وَالتَّوَسُّطِ. قُلْت: غَيْرُ الْأُدْمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى، أَوْ الْمَهْرِ: فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . إذَا أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى، فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ لَهَا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ لَهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

وَأَطْلَقَ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ إذَا أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَنَصَرَهُ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: إنْ أَعْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ: فَلَهَا الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: فَلَا. قَالَ الشَّارِحُ وَتَبِعَهُ فِي التَّصْحِيحِ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَشْهَرُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ تَزَوَّجَ مُفْلِسًا، وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ " عِنْدِي عَرْضٌ وَمَالٌ وَغَيْرُهُ ". وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي آخِرِ " بَابِ الصَّدَاقِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَرَضِيَتْ، أَوْ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ، أَوْ الْمَجْنُونَةِ: لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِنَّ الْفَسْخُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا فَسْخَ فِي الْمَنْصُوصِ لِوَلِيِّ أَمَةٍ رَاضِيَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فَلَا فَسْخَ لَهُمْ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. (وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ) .

وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ الْفَسْخَ. لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَنَعَ النَّفَقَةَ أَوْ بَعْضَهَا، مَعَ الْيَسَارِ. وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ: أَخَذَتْ مِنْهُ مَا يَكْفِيهَا وَيَكْفِي وَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ) . لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرَّوْضَة: الْقِيَاسُ مَنْعُهَا. تَرَكْنَاهُ لِلْخَبَرِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ لِوَلَدِهَا. وَيَأْتِي حُكْمُ الْحَدِيثِ فِي آخِرِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ غَيَّبَهُ، وَصَبَرَ عَلَى الْجِنْسِ: فَلَهَا الْفَسْخُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَهَا الْفَسْخُ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: فَلَهَا الْفَسْخُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ أَصَرَّ فَارَقَتْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ النَّاظِمُ: فَإِنْ مَنَعَ الْإِنْفَاقَ ذُو الْيُسْرِ أَوْ يَغِبْ أَوْ الْبَعْضَ أَنْ يَظْفَرَ بِمَالِ الْمُقَلِّدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ يُلْجِئْهُ حَاكِمٌ. فَإِنْ أَبَى يُعْطِهَا عَنْهُ، وَلَوْ قِيمَةَ أَعْبُدٍ (وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) .

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ تَقْدِرْ لَهُ عَلَى مَالٍ، وَلَا الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ: فَلَهَا الْفَسْخُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ) . قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَدِينَ وَتُنْفِقَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فِيمَا إذَا أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " كِتَابِ الصَّدَاقِ " فَلْيُعَاوَدْ.

باب نفقة الأقارب والمماليك

[بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ] ِ قَوْلُهُ (يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ، إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، وَامْرَأَتِهِ) وَرَقِيقِهِ أَيْضًا (وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ بَعْضِهَا إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ عَلَيْهِ قَادِرًا عَلَى الْبَعْضِ. وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ لَهُمْ الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى، مَعَ فَقْرِهِمْ. إذَا فَضَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ. وَكَذَا رَقِيقُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي حُكْمُ اخْتِلَافِ الدِّينِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ، كَبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّرْحُ. فَإِنَّهُ قَالَ: يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَارِثًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ: لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فِي الْجُمْلَةِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ ". وَعَنْهُ: تَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا بِالْوُجُوبِ. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ.

فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ فِي الْحَالِ. فَلَا تَلْزَمُ بَعِيدًا مُوسِرًا يَحْجُبُهُ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ. وَعَنْهُ: بَلْ إنْ وَرِثَهُ وَحْدَهُ لَزِمَتْهُ مَعَ يَسَارِهِ. وَمَعَ فَقْرِهِ تَلْزَمُ بَعِيدًا مُعْسِرًا. فَلَا تَلْزَمُ جَدًّا مُوسِرًا مَعَ أَبٍ فَقِيرٍ عَلَى الْأُولَى. وَتَلْزَمُ عَلَى الثَّانِيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَأْتِي أَيْضًا ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ. وَيَأْتِي تَفَارِيعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: شَمِلَ قَوْلُهُ " وَأَوْلَادُهُ وَإِنْ سَفَلُوا " الْأَوْلَادَ الْكِبَارَ الْأَصِحَّاءَ الْأَقْوِيَاءَ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَرَقِيقِهِ " يَعْنِي يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ. كَمَا تَقَدَّمَ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. مِنْ كَسْبِهِ أَوْ أُجْرَةِ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِمَا. لَا مِنْ أَصْلِ الْبِضَاعَةِ وَثَمَنِ الْمِلْكِ وَآلَةِ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ سَوَاءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا، كَعَمَّتِهِ وَعَتِيقِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَصَرَّحُوا بِالْعَتِيقِ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ وَغَيْرِهِمْ. نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهَا. فَعَلَيْهَا: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ فِي الْحَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يُشْتَرَطُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَلَا نَفَقَةَ عَلَى بَعِيدٍ مُوسِرٍ يَحْجُبُهُ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. وَالْأُخْرَى: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ. لَكِنْ إنْ كَانَ يَرِثُهُ فِي الْحَالِ أُلْزِمَ بِهَا مَعَ الْيَسَارِ دُونَ الْأَبْعَدِ. وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا: جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ. وَلَزِمَتْ الْأَبْعَدَ الْمُوسِرَ. فَعَلَى هَذَا: مَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، أَوْ أَبٌ فَقِيرٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ: لَزِمَتْ الْمُوسِرَ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ. وَلَا تَلْزَمهُمَا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ فِي غَيْرِ عَمُودَيْ النَّسَبِ خَاصَّةً: تَلْزَمُ الْجَدَّ دُونَ الْأَخِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُسْقِطُ بَعْضًا، لَكِنَّ الْوَارِثَ مُعْسِرٌ وَغَيْرَ الْوَارِثِ مُوسِرٌ، فَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبَعِيدِ الْمُوسِرِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الثَّالِثُ: إنْ كَانَ مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ: وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ تَوَارَثَهُمَا. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَمَّتِهِ وَلَا لِعَتِيقِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى: فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

فَائِدَةٌ: وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ غَيْرَ عَمُودَيْ النَّسَبِ: مُقَيَّدٌ بِالْإِرْثِ، لَا بِالرَّحِمِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " وَعَتِيقُهُ " لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ فَقِيرًا وَلَهُ مُعْتِقٌ، أَوْ مَنْ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَتِيقِهِ مَعَ عَمَّتِهِ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا ذَوَوْا الْأَرْحَامِ: فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ وَالْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: تَجِبُ لِكُلِّ وَارِثٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لِأَنَّهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ. وَهُوَ عَامٌّ، كَعُمُومِ الْمِيرَاثِ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ. بَلْ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَخْرُجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وُجُوبَهَا عَلَى تَوْرِيثِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ: فَهَلْ يَلْزَمُ بَعْضَهُمْ نَفَقَةُ بَعْضٍ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَقِيلَ: تَلْزَمُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. انْتَهَى. وَلَعَلَّهُ: وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُ بِزِيَادَةٍ " لَا ". تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ وَنَحْوَهُمْ: لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ. لِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَعُمُومُ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: أَنَّ عَلَيْهِمْ النَّفَقَةَ. وَهُوَ قَوْلُهُ " وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا " أَوْ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الثَّانِي. وَأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا " وَلَا نَفَقَةَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ عَمُودَيْ النَّسَبِ نَصَّ عَلَيْهِ ". فَعُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ مَنْ هُوَ مِنْ عَمُودَيْ النَّسَبِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَأَدْخَلَهُمْ فِي الْفُرُوعِ فِي الْخِلَافِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَوْجَبَهَا جَمَاعَةٌ لِعَمُودَيْ نَسَبِهِ فَقَطْ. يَعْنِي مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ: فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ. فَإِذَا كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ: فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) . وَكَذَا ابْنٌ وَبِنْتٌ. فَإِنْ كَانَتْ أُمٌّ وَبِنْتٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ ثُلُثَيْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ بِإِرْثِهِمَا فَرْضًا. قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا حِسَابُ النَّفَقَاتِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ: فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: هَذَا مَا دَامَتْ أُمُّهُ أَحَقَّ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ فِي أَبٍ وَابْنٍ: يَلْزَمُ الْأَبَ السُّدُسَ فَقَطْ. لَكِنْ تَرَكَهُ أَصْحَابُنَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: الْوَلَدُ مِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ: الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مُوسِرًا: لَزِمَهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ إرْثِهِ مِنْهُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ كُلُّ النَّفَقَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ خَاصَّةً. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقَارِبِ: فَلَا تَلْزَمُ الْغَنِيَّ مِنْهُمْ النَّفَقَةُ إلَّا بِالْحِصَّةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. [وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ: فِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ رِوَايَتَانِ. هَلْ يَكُونَانِ كَالْأَبِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَامِلَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَوْ كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ] . قَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ، وَأَخٌ مُوسِرٌ: فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الظَّاهِرُ. وَعَنْهُ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَخِ. وَهُوَ تَخْرِيجُ وَجْهٍ لِلْمُصَنِّفِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ، وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ: فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا) . يَعْنِي: عَلَى الْجَدَّةِ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي أَبٍ مُعْسِرٍ، وَجَدٍّ مُوسِرٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا الظَّاهِرُ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِفَايَةِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَلَى رِوَايَةٍ اشْتِرَاطُ الْإِرْثِ فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ: يَلْزَمُ النَّفَقَةُ الْجَدَّ، دُونَ الْأَخِ وَتَقَدَّمَ بِنَاءُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى رِوَايَاتٍ تَقَدَّمَتْ. فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا، لَا حِرْفَةَ لَهُ سِوَى الْوَالِدَيْنِ: فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . قَالَ الْقَاضِي: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْتَمِلُ رِوَايَتَيْنِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. إحْدَاهُمَا: تَجِبُ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَوْلَى.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ فِي الْأَوْلَادِ. وَهُوَ مِنْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " سِوَى الْوَالِدَيْنِ " أَنَّهُمَا إذَا كَانَا صَحِيحَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ لَا حِرْفَةَ لَهُمَا: تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ. وَهُوَ أَحَدُ الطُّرُقِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْقَاضِي. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا خِلَافَ فِيهِمَا فِيمَا عَلِمْت. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَفَرَّقَ الْقَاضِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الْمُجَرَّدِ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ. وَأَوْجَبَ النَّفَقَةَ لِلْأَبِ بِكُلِّ حَالٍ. وَشَرَطَ فِي الِابْنِ وَغَيْرِهِ الزَّمَانَةَ. انْتَهَى. وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، كَغَيْرِهِمَا. وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَغَيْرَ الصَّحِيحِ: يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْدَمَ الْكَسْبُ لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ يَلْزَمُهُ. ذَكَرُوهُ فِي إجَارَةِ الْمُفْلِسِ وَاسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الْكَسْبِ: فَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْأَكْثَرُونَ: بِالْوُجُوبِ. قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ. وَخَرَّجَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ بِالْحِرْفَةِ: تَمْنَعُ وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ إلَّا نَفَقَةَ وَاحِدٍ: بَدَأَ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ، ثُمَّ التَّسَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَارِثٌ مَعَ التَّسَاوِي. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ امْتَازَ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ. فَإِنْ تَعَارَضَتْ الْمَرْتَبَتَانِ، أَوْ فُقِدَتَا: فَهُمَا سَوَاءٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ فَضَلَ عِنْدَهُ نَفَقَةً لَا تَكْفِي وَاحِدًا: لَزِمَهُ دَفْعُهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ الشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمَالَ إلَيْهِ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْأُمُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِمَا) . نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الِابْنُ أَحَقُّ بِالنَّفَقَةِ. وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ بِالْقُرْبِ: قُدِّمَ الْعَصَبَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَبَوَانِ عَلَى الِابْنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ. وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوْ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ: فَالْأَبُ وَالِابْنُ أَحَقُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: الْأَبُ وَالْجَدُّ سَوَاءٌ. وَكَذَا الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْوِلَايَةِ وَالتَّعْصِيبِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْقَاضِي. لِأَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ وَارِثٍ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يُقَدَّمُ أَبُو الْأَبِ عَلَى أَبِي الْأُمِّ.

وَلَوْ اجْتَمَعَ أَبُو أَبِي الْأَبِ مَعَ أَبِي الْأُمِّ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ تَسَاوِيهِمَا، لِتَعَارُضِ قُرْبِ الدَّرَجَةِ وَمِيزَةِ الْعُصُوبَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو الْأُمِّ لِقُرْبِهِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَفِي الْفُصُولِ: احْتِمَالُ تَقْدِيمِ أَبِي أَبِي الْأَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ ابْنٌ وَجَدٍّ، أَوْ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ: قُدِّمَ الِابْنُ عَلَى الْجَدِّ. وَقُدِّمَ الْأَبُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ التَّسَاوِي. الثَّالِثَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ جَدٌّ وَأَخٌ: قُدِّمَ الْجَدُّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَاهُ. وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى غَيْرِهِ. وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ بِإِرْثٍ. وَأَنَّ مَعَ الِاجْتِمَاعِ: يُوَزَّعُ لَهُمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ الْقَاضِي فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ الْأَبَوَانِ وَالِابْنُ إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا: قُدِّمَ. وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا وَالْأَبُ زَمِنًا: فَهُوَ أَحَقُّ. وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ الِابْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهَذَا تَخْصِيصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ رِوَايَتَانِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ تَجِبُ فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ خَاصَّةً. قَالَ الْقَاضِي: فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: تَجِبُ لَهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ رِوَايَةً. وَفِي الْمُوجِزِ رِوَايَةً: تَجِبُ لِلْوَالِدِ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. إلَّا أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ قَافَّةٌ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَزَادَ: وَيَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً: لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا: فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ. لِأَنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِفَرْضِ الْحَاكِمِ، فَلَزِمَتْهُ. كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَمَنْ تَرَكَ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ مُدَّةً: سَقَطَتْ إلَّا إذَا كَانَ فَرَضَهَا حَاكِمٌ. وَقِيلَ: وَمَعَ فَرْضِهَا، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْحَاكِمُ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْقَرْضِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: أَوْ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ: رَجَعَ عَلَيْهِ، وَبِلَا إذْنٍ فِيهِ خِلَافٌ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ: فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى. وَإِنْ فُرِضَتْ إلَّا أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا: وَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ. فَلَا يَرْجِعُ إنْ اسْتَغْنَى بِكَسْبٍ، أَوْ نَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: تَأْخُذُ بِلَا إذْنِهِ إذَا امْتَنَعَ، كَالزَّوْجَةِ إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا.

نَقَلَ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالْجَمَاعَةُ: يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ بِلَا إذْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ. إذَا احْتَاجَ. وَلَا يَتَصَدَّقُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي. إحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَلْزَمُهُ. وَتَأَوَّلَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ لَا غَيْرُ. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ لِامْرَأَةِ أَبِيهِ لَا غَيْرُ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْإِعْفَافِ. فَائِدَةٌ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إعْفَافُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَبْنَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ غَيْرِ عَمُودَيْ النَّسَبِ. فَحَيْثُ قُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لَزِمَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِحُرَّةٍ تُعِفُّهُ، أَوْ بِسُرِّيَّةٍ. وَتَقَدَّمَ تَعْيِينُ قَرِيبٍ إذَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْمَهْرِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: أَنَّ التَّعْيِينَ لِلزَّوْجِ. لَكِنْ لَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ رَقِيقِهِ. وَلَا لِلِابْنِ تَعْيِينُ عَجُوزٍ قَبِيحَةِ الْمَنْظَرِ أَوْ مَعِيبَةٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِرْجَاعَ أَمَةٍ أَعَفَّهُ بِهَا مَعَ غِنَاهُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُعَايِيَ بِهَا وَيُصَدَّقُ بِأَنَّهُ تَأَثَّقَ بِلَا يَمِينٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَوَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ مَهْرِ زَوْجَةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ. وَيَكْفِي إعْفَافُهُ بِوَاحِدَةٍ. وَيَعِفُّ ثَانِيًا إنْ مَاتَتْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا. كَمُطْلَقٍ لِعُذْرٍ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمِّهِ كَأَبِيهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سَلَّمَ، فَالْأَبُ آكَدُ. وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ. لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا بِالتَّزْوِيجِ. وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ كُلِّ إنْسَانٍ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ رِضَاعِ وَلَدِهَا، إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ، وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، إذَا كَانَتْ فِي حِبَالِهِ بِأُجْرَةٍ وَبِغَيْرِهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. نَقَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي مَسْأَلَةِ مُؤْنَةِ الرَّضَاعِ لَهُ كَخِدْمَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا " وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا، وَوُجِدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ فَهِيَ أَحَقُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصِحَّةُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْإِجَارَةِ " حَيْثُ قَالَ " وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، وَامْرَأَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ " وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلشِّيرَازِيِّ: إنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ هِيَ تَحْتَهُ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ: لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ نَفْعَهَا كَاسْتِئْجَارِهَا لِلْخِدْمَةِ شَهْرًا. ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ لِلْبِنَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا. كَمَا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُجْرَةَ لَهَا مُطْلَقًا. فَيُحَلِّفُهَا: أَنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَإِرْضَاعُ الطِّفْلِ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَعَ الزَّوْجِ. وَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ زِيَادَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي

فِي الْمُجَرَّدِ. وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ بِشَيْئَيْنِ. حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِأَحَدِهِمَا. ثَبَتَ بِالْآخَرِ. كَمَا لَوْ نَشَزَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا. فَلَهَا النَّفَقَةُ لِلْإِرْضَاعِ، لَا لِلزَّوْجِيَّةِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَلَوْ بِيَسِيرٍ: لَمْ تَكُنْ أَحَقَّ بِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: لَهَا أَخْذُ فَوْقَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِمَّا يَتَسَامَحُ بِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ إلَّا بِمِثْلِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ: فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ. لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْأُجْرَةِ وَمُيِّزَتْ الْأُمُّ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَتْ مَعَ زَوْجٍ آخَرَ، وَطَلَبَتْ رِضَاعَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، وَوُجِدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ: كَانَتْ أَحَقَّ بِرَضَاعِهِ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ الثَّانِي بِذَلِكَ. الرَّابِعَةُ: لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ أُمِّ وَلَدِهِ عَلَى رَضَاعِهِ مَجَّانًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا، فَأَمَتُهُ أَوْلَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُجَرَّدِ أَيْضًا. الْخَامِسَةُ: لَوْ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ عَلَى السَّيِّدِ: فَحُكْمُ رَضَاعِ وَلَدِهَا مِنْهُ: حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْإِقْنَاعِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ. وَلَوْ بَاعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوْ زَوَّجَهَا: سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا، عَلَى ظَاهِرِ مَا ذَكَرَهُ. ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ. وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَهُ مَنْعُهَا، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا، أَوْ تَكُونَ قَدْ شَرَطَتْهُ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي " بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ " فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَا يُفْطَمُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا بِرِضَى أَبَوَيْهِ. مَا لَمْ يَنْضَرَّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ هُنَا: يَحْرُمُ رَضَاعُهُ بَعْدَهُمَا، وَلَوْ رَضِيَا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَهُ فِطَامُ رَقِيقِهِ قَبْلَهُمَا، مَا لَمْ يَنْضَرَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَبَعْدَهُمَا مَا لَمْ تَنْضَرَّ الْأُمُّ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ النَّجَاسَةِ اللَّبَنُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: يُبَاحُ مِنْ امْرَأَةٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: الْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ. تُرِكَ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ أُبِيحَ بَعْدَ زَوَالِهَا وَلَهُ نَظَائِرُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا. الثَّالِثَةُ: تَلْزَمُهُ خِدْمَةُ قَرِيبِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَزَوْجَةٍ قَوْلُهُ (وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ آبِقًا، أَوْ كَانَتْ نَاشِزًا. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ أَبِي يَعْلَى فِي الْمُكَاتَبِ.

فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ وَلَدِ أَمَتِهِ دُونَ زَوْجِهَا. وَيَلْزَمُ الْحَرَّةُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَيَلْزَمُ الْمُكَاتَبَةُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا. وَكَسْبُهُ لَهَا. وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَدْرِ رِقِّهِ، وَبَقِيَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَتَزْوِيجُهُمْ إذَا طَلَبُوا ذَلِكَ إلَّا الْأَمَةَ إذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. لَكِنْ لَوْ قَالَتْ " إنَّهُ مَا يَطَأُ " صُدِّقَتْ لِلْأَصْلِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: صُدِّقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَوُجُوبُ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ لِأَجْلِ الْإِعْفَافِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَكَذَا وُجُوبُ بَيْعِهِ إذَا لَمْ يُعِفَّهُ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي: لَوْ كَانَ السَّيِّدُ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَطَلَبَتْ أَمَتُهُ التَّزْوِيجَ أَوْ كَانَ سَيِّدُهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا: احْتَمَلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْحَاكِمُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِنَّ، لِلِاشْتِرَاكِ فِي وُجُوبِ الْإِعْفَافِ. وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَطَلَبَتْ أَمَتُهُ التَّزْوِيجَ: زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ. وَقَالَ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّ السَّيِّدَ إذَا غَابَ: زَوَّجَ أَمَتَهُ مَنْ يَلِي مَالَهُ وَقَالَ: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ. انْتَهَى. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ، وَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ إذَا كَانَ يَطَأُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. لَمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ السَّيِّدِ وَإِلْغَاءِ الشَّرْطِ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُهَا بِطَلَبِهَا، وَلَوْ كَانَ يَطَؤُهَا وَأُبِيحَ بِالشَّرْطِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَهْرِ فَمَلَكْته كَأَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُتَرَتِّبَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ غَابَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ، وَاحْتَاجَتْ إلَى النَّفَقَةِ: زُوِّجَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: زُوِّجَتْ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا تُزَوَّجُ. وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى الْوَطْءِ: لَمْ تُزَوَّجْ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ الْجَوَازُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ كَنَفَقَةٍ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَالضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ " الْقَوْلُ الصَّوَابُ، فِي تَزْوِيجِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ الْغِيَابِ " ذَكَرَ فِيهِ أَحْكَامَ زَوَاجِهَا وَزَوَاجَ الْإِمَاءِ، وَامْرَأَةَ الْمَفْقُودِ. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَأَجَادَ. وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَنُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إذَا عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَعَجَزَتْ هِيَ أَيْضًا: لَزِمَهُ عِتْقُهَا لِيُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُدَاوِيهِمْ إذَا مَرِضُوا)

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: الْوُجُوبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُدَاوِيه وُجُوبًا. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ لَا مَالَ لَهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ. وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ مِنْ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ تَلْزَمُهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ. انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يُسْتَحَبُّ. وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. قُلْت: الْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْجَنَائِزِ " وَوُجُوبُ الْمُدَاوَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَدَّرَ خَرَاجًا بِقَدْرِ كَسْبِهِ: لَمْ يُعَارِضْ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: يُؤْخَذُ مِنْ الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْمُخَارَجُ هَدِيَّةُ طَعَامٍ، وَإِعَارَةُ مَتَاعٍ، وَعَمَلُ دَعْوَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا فَائِدَةُ الْمُخَارَجَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بَعْدَ الضَّرِيبَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ. وَلَوْ مُنِعَ مِنْهُ كَانَ كَسْبُهُ كُلُّهُ خَرَاجًا، وَلَمْ يَكُنْ لِتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ. بَلْ مَا زَادَ تَمْلِيكٌ مِنْ سَيِّدِهِ لَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا أَرَادَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ

قَوْلُهُ (وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَطَلَبَ الْعَبْدُ الْبَيْعَ: لَزِمَهُ بَيْعُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ كَفُرْقَةِ الزَّوْجَةِ. وَقَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِ: فِي أُمِّ الْوَلَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. يَعْنِي: فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ لَمْ تُلَائِمْ أَخْلَاقَ الْعَبْدِ أَخْلَاقَ سَيِّدِهِ: لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ. وَكَذَا أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ قَوْلُهُ (وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالُوا. قَالَ: وَالْأَوْلَى مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَذَكَرَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيقِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَضْرِبُهُ إلَّا فِي ذَنْبٍ، بَعْدَ عَفْوِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَضْرِبُهُ ضَرْبًا شَدِيدًا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَضْرِبُهُ إلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ وَيُقَيِّدُهُ بِقَيْدٍ إذَا خَافَ عَلَيْهِ. وَيَضْرِبُهُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَنَقَلَ غَيْرُهُ: لَا يُقَيِّدُهُ. وَيُبَاعُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤَدَّبُ عَلَى فَرَائِضِهِ. فَائِدَةٌ: لَا يَشْتِمُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ. لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى. وَإِنْ بَعَثَهُ لِحَاجَةٍ فَوَجَدَ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ: قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ صَلَّى. وَإِنْ صَلَّى فَلَا بَأْسَ. نَقَلَهُ صَالِحٌ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ: صَلَّى، وَإِلَّا قَضَاهَا.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ جَوَازَ تَأْدِيبِ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يُؤَدَّبُ الْوَلَدُ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا مُزَوَّجًا مُنْفَرِدًا فِي بَيْتٍ. كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْوَلَدُ يَضْرِبُهُ الْوَالِدُ وَيُعَزِّرُهُ، وَإِنَّ مِثْلَهُ عَبْدٌ وَزَوْجَةٌ قَوْلُهُ (وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) هَذَا إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْوَاضِحِ. وَرَجَّحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّارِحِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَهِيَ أَصَحُّ. فَإِنَّ نُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَخْتَلِفُ فِي إبَاحَةِ التَّسَرِّي لَهُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَصَرَهُ وَقِيلَ: يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَالْأَصْحَابِ بَعْدَهُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَسَرِّي الْعَبْدِ وَجْهَانِ مَبْنَيَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ وَهِيَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الزَّكَاةِ " فَعَلَى الْأُولَى: لَا يَجُوزُ تَسَرِّيهِ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. كَنِكَاحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، وَابْنُ هَانِئٍ: يَتَسَرَّى الْعَبْدُ فِي مَالِهِ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَتَسَرَّى عَبِيدُهُ فِي مَالِهِ. فَلَا يَعِيبُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ يَجُوزُ تَسَرِّيه مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلُ نَصُّ اشْتِرَاطِهِ عَلَى التَّسَرِّي مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ. وَنَصُّهُ تَقَدَّمَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَسَرِّيه فِي مَالِ نَفْسِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ. فَلْيُعَاوَدْ وَتَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ " هَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي بِأَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَمْ لَا؟ . فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التَّسَرِّي مَرَّةً، فَتَسَرَّى: لَمْ يَمْلِكْ سَيِّدُهُ الرُّجُوعَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّسَرِّي هُنَا: التَّزْوِيجَ، وَسَمَّاهُ تَسَرِّيًا مَجَازًا. يَكُونُ لِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِيمَا مَلَكَ عَبْدُهُ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ: وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى السَّيِّدِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ " الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ إطْعَامُ بَهَائِمِهِ وَسَقْيُهَا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ إطْعَامُ الْحَيَوَانِ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَإِكْرَاهُهُ عَلَى الْأَكْلِ عَلَى مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ عَادَةً لِأَجْلِ التَّسْمِينِ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يُحَمِّلُهَا مَا لَا تُطِيقُ) . قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي سَفَرِ النُّزْهَةِ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُتْعِبُ دَابَّةً، وَلَا أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ. الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْبَهَائِمِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَتْ لَهُ. كَالْبَقَرِ لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَالْإِبِلِ وَالْحَمِيرِ لِلْحَرْثِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي الْإِجَارَةِ. لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمَلِكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا يُمْكِنُ. وَهَذَا مُمْكِنٌ كَاَلَّذِي خُلِقَ لَهُ. وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ أَكْلُ الْخَيْلِ، وَاسْتِعْمَالُ اللُّؤْلُؤِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا ذَلِكَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. «وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَنْ الْبَقَرَةِ لَمَّا رُكِبَتْ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا. إنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ» أَيْ مُعْظَمِ النَّفْعِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا: أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، أَوْ ذَبْحِهَا إنْ كَانَ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفِي عَدَمِ الْإِجْبَارِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَبَى رَبُّهَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ: فَعَلَى الْحَاكِمِ الْأَصْلَحُ، أَوْ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى بَهَائِمِهِ: أُجْبِرَ عَلَى الْإِنْفَاقِ، أَوْ الْبَيْعِ. أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَبَى بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ

باب الحضانة

[بَابُ الْحَضَانَةِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَضَانَةُ الطِّفْلِ: حِفْظُهُ عَمَّا يَضُرُّهُ، وَتَرْبِيَتُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ، وَدَهْنِهِ وَتَكْحِيلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ، وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: هِيَ حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَتَرْبِيَتُهُ حَتَّى يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْبَابِ فِي الْحَضَانَةِ: أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ إلَّا لِرَجُلٍ عَصَبَةٍ، أَوْ امْرَأَةٍ وَارِثَةٍ، أَوْ مُدْلِيَةٍ بِوَارِثٍ، كَالْخَالَةِ وَبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ. أَوْ مُدْلِيَةٍ بِعَصَبَةٍ، كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ غَيْرُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْحَاكِمُ فَيَأْتِي حُكْمُهُمْ، وَالْخِلَافُ فِيهِمْ وَقَوْلُنَا " إلَّا لِرَجُلٍ عَصَبَةٍ " قَالَهُ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ. لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ فِي الْمِيرَاثِ، أَوْ لَا يَدْخُلُ. لِأَنَّهُ غَيْرُ نَسِيبٍ؟ . قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ أَجِدْ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. وَقُوَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِهِ. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ: دُخُولُهُ. لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَارِثٌ. وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ أُمُّهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَالرَّضَاعِ. قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ وَاضِحٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَعَنْهُ: تَقَدُّمُ أُمِّ الْأَبِ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْأَبُ وَالْجَدُّ عَلَى غَيْرِ الْأُمِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ تَقْدِيمِ أُمِّ الْأَبِ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ فَعَلَى هَذِهِ: يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ امْتَنَعَتْ الْأُمُّ لَمْ تُجْبَرْ. وَأُمُّهَا أَحَقُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: الْأَبُ أَحَقُّ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) وَكَذَا (ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ) وَهَلُمَّ جَرًّا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: تَقْدِيمُ أُمِّ الْأَبِ عَلَى الْخَالَةِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ. وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ. فَعَلَيْهَا: تَكُونُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ. وَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ. وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أَحَقُّ مِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ إنْ لَمْ يُدْلِينَ بِهِ. فَإِنْ أَدْلَيْنَ بِهِ كَانَ أَحَقَّ مِنْهُنَّ

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ نِسَاءِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهِ وَجِهَتِهِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ عَلَى الْأُنْثَى إنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهَا. فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ وَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَصَبَاتِ قَوْلُهُ (ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ. فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَأُمَّهَاتِهِمَا. كَمَا تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ بِتَقْدِيمِ الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ وَالْخَالَةِ عَلَى الْأَبِ. وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّنْ ذُكِرَ بِلَا نِزَاعٍ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَا قَدَّمَ الْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَقَدَّمَ الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ، وَقَالَ. إنَّهُ الصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: فَتَنَاقَضُوا، حَيْثُ قَدَّمُوا الْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ. ثُمَّ قَدَّمُوا الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ، وَالْخَالَةُ عَلَى الْعَمَّةِ، وَخَالَةُ الْأُمِّ عَلَى خَالَةِ الْأَبِ، وَخَالَاتُ الْأَبِ عَلَى عَمَّاتِهِ، وَمَنْ يُدْلِي مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بِأَبٍ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأُمٍّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ

وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ " وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. فَقَالَ: قَرَابَةُ الْأُمِّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ، وَالْعَمَّةُ عَلَى الْخَالَةِ، وَخَالَةُ الْأَبِ عَلَى خَالَةِ الْأُمِّ، وَعَمَّةُ الْأَبِ عَلَى خَالَاتِهِ، وَمَنْ يُدْلِي مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ بِأُمٍّ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ مِنْهُمَا. عَكْسُ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَجَامِعِهِ الصَّغِيرِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا لِتَقْدِيمِهِمْ الْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَبِ. فَكَذَا قَرَابَتُهُ. لِقُوَّتِهِ بِهَا. وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْأُمُّ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا هُنَا أَحَدٌ فِي مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الشَّارِعُ خَالَةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَمَّتِهَا صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِأَنَّ صَفِيَّةَ لَمْ تَطْلُبْ، وَجَعْفَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَبَ نَائِبًا عَنْ خَالَتِهَا. فَقَضَى الشَّارِعُ بِهَا لَهَا فِي غَيْبَتِهَا. انْتَهَى. وَجَزَمَ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ بِتَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ. وَبِتَقْدِيمِ الْعَمَّةِ عَلَى الْخَالَةِ. (قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَخَالَةُ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ خَالَةِ الْأُمِّ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. فَائِدَةٌ: تَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بَعْدَ الْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ عَمَّاتُ أَبِيهِ، وَخَالَاتُ أَبَوَيْهِ عَلَى التَّفْصِيلِ. ثُمَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ. ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ عَلَى الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ. وَمَنْ بَعْدَهُنَّ. تَنْبِيهٌ: تَحْرِيرُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي تَرْتِيبِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ:

أَنَّ أَحَقَّهُمْ بِالْحَضَانَةِ: الْأُمُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُنَّ. ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ. ثُمَّ لِلْأُمِّ. ثُمَّ لِلْأَبِ. ثُمَّ خَالَاتُهُ ثُمَّ عَمَّاتُهُ. ثُمَّ خَالَاتُ أَبَوَيْهِ. ثُمَّ عَمَّاتُ أَبِيهِ. ثُمَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ. ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ. ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِ أَبِيهِ، وَبَنَاتُ عَمَّاتِ أَبِيهِ. وَهَلُمَّ جَرًّا. قَوْلُهُ (ثُمَّ تَكُونُ لِلْعَصَبَةِ) يَعْنِي: الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَصَبَةُ الْحَضَانَةَ إلَّا بَعْدَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُدْلِينَ بِهِ. فَإِنْ أَدْلَيْنَ بِالْعَصَبَةِ: كَانَ أَحَقَّ مِنْهُنَّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ عَلَى الْأُنْثَى إنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُمَا. فَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ وَبِنَاؤُهُ. فَائِدَةٌ: مَتَى اسْتَحَقَّتْ الْعَصَبَةُ الْحَضَانَةَ: فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ مَحَارِمِهَا. فَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى، وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِ مَحَارِمِهَا كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَ لِابْنِ عَمِّهَا حَضَانَتُهَا. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَارِمِهَا " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَضَانَتُهَا مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ سَبْعًا. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَزَمَ فِي الْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ: أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُشْتَهَى: فَلَهُ الْحَضَانَةُ.

وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: فَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَابَعَهُ، إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ وَغَيْرَهُ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: أَنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ مُطْلَقًا. وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ يَخْتَارُهَا هُوَ، أَوْ إلَى مَحْرَمِهِ. لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحَاكِمٍ. وَكَذَا قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ غَيْرُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ. وَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْخَبَرِ، لِعَدَمِ عُمُومِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ حَضَانَتِهَا: انْتَقَلَتْ إلَى أُمِّهَا) وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى الْأَبِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَوَجْهٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا كُلُّ ذِي حَضَانَةٍ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحَضَانَةِ أَوْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: كَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْأُمِّ مِنْ الْحَضَانَةِ بِإِسْقَاطِهَا. وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلُّ خِلَافٍ. وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ أَرَادَتْ الْعَوْدَ فِيهَا، هَلْ لَهَا ذَلِكَ؟ يُحْتَمَلُ قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: لَهَا ذَلِكَ. لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. وَلَمْ يَتَّصِلْ تَبَرُّعُهَا بِهِ بِالْقَبْضِ. فَلَهَا الْعَوْدُ كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ. انْتَهَى

قَوْلُهُ (فَإِنْ عُدِمَ هَؤُلَاءِ: فَهَلْ لِلرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَكَذَا لِلنِّسَاءِ مِنْهُمْ غَيْرُ مَنْ تَقَدَّمَ (حَضَانَةٌ؟) عَلَى وَجْهَيْنِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْقَاضِي، وَبَعْدِهِ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْهَادِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَهُمْ الْحَضَانَةُ بَعْدَ عَدَمِ مَنْ تَقَدَّمَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْمُغْنِي: وَهُوَ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ: هُوَ أَقْيَسُ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ فِي مَوْضِعٍ. وَصَحَّحَهُ فِي آخَرَ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْحَضَانَةِ. وَيَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَلَعَلَّهُ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكُونُ أَبُو الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَحَقَّ مِنْ الْخَالِ بِلَا نِزَاعٍ. وَفِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَوْلُهُ (وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأُمِّ الْوَلَدِ. فَلَهَا حَضَانَةُ وَلَدِهَا مِنْ سَيِّدِهَا. وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ. وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: لَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حُرٍّ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ هِيَ أَحَقُّ بِهِ، إلَّا أَنْ تُبَاعَ فَتَنْتَقِلُ. فَالْأَبُ أَحَقُّ. قَالَ فِي الْهُدَى: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. لِأَحَادِيثِ مَنْعِ التَّفْرِيقِ. قَالَ: وَيُقَدَّمُ لِحَقِّ حَضَانَتِهَا وَقْتُ حَاجَةِ الْوَلَدِ عَلَى السَّيِّدِ. كَمَا فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا حَضَانَةَ لِمَنْ بَعْضُهُ قِنٌّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ. فَائِدَةٌ: حَضَانَةُ الرَّقِيقِ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرَّقِيقِ الْمَحْضُونِ حُرًّا تَهَايَأَ فِيهِ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (وَلَا فَاسِقٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: أَنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ. وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ أَنَّ الشَّارِعَ فَرَّقَ لِذَلِكَ، وَأَقَرَّ النَّاسُ. وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بَيَانًا وَاضِحًا عَامًّا، وَلِاحْتِيَاطِ الْفَاسِقِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ

قَوْلُهُ (وَلَا لِامْرَأَةٍ مُزَوَّجَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الطِّفْلِ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ: لَهَا حَضَانَةُ الْجَارِيَةِ. وَخَصَّ النَّاظِمُ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِابْنَةٍ دُونَ سَبْعٍ. وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ لَهَا حَضَانَةُ الْجَارِيَةِ إلَى سَبْعِ سِنِينَ وَعَنْهُ: حَتَّى تَبْلُغَ بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: أَنَّ الْحَضَانَةَ لَا تَسْقُطُ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ سُقُوطَهَا لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُزَوَّجَةٍ لِأَجْنَبِيٍّ " أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً لِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ: أَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا حَضَانَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً بِجَدِّهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إذَا كَانَ الزَّوْجُ ذَا رَحِمٍ لَا يَسْقُطُ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ أَسْقَطْنَا حَضَانَتَهَا بِالنِّكَاحِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الدُّخُولُ. بَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعْتَبَرُ الدُّخُولُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الدُّخُولُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ رَجَعُوا إلَى حُقُوقِهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَدْ يُقَالُ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ طَلُقَتْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَيَرْجِعُ إلَيْهَا حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَهُوَ الَّذِي نَصَّهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. كَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّاب، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ إلَيْهَا حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَهِيَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَوَجْهٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَصَحَّحَهَا فِي التَّرْغِيبِ، وَمَالَ إلَيْهِ النَّاظِمُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَشَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْبَنَاتِ لَا حَقَّ لَهُ فَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ طَلُقَتْ قَالَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: وَهَلْ مِثْلُهُ: إذَا وَقَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَازِبَةً. فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ بِرَّهَا حَيْثُ لَيْسَ لَهَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا كَأَوْلَادِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صِلَتَهَا مَا دَامَتْ حَافِظَةً لِحُرْمَةِ فِرَاشِهِ عَنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ. انْتَهَى. قُلْت: يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الزَّوْجِ عِنْدَ الْوَقْفِ. فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ. وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا. الثَّانِيَةُ: هَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا بِإِسْقَاطِهَا لِلْحَضَانَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ، هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا؟ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَإِسْقَاطِ الْأَبِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: هَلْ الْحَضَانَةُ حَقُّ لِلْحَاضِنِ، أَوْ حَقٌّ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامَيْنِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: هَلْ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَهَا وَيَنْزِلَ عَنْهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ الْوَلَدِ أَيَّامَ حَضَانَتِهِ إلَّا بِأُجْرَةٍ، إنْ قُلْنَا: الْحَقُّ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ خِدْمَتُهُ مَجَّانًا. وَلِلْفَقِيرِ الْأُجْرَةُ. عَلَى الْقَوْلَيْنِ.

قَالَ: وَإِنْ وَهَبَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأَبِ وَقُلْنَا: الْحَقُّ لَهَا لَزِمَتْ الْهِبَةُ. وَلَمْ تَرْجِعْ فِيهَا. وَإِنْ قُلْنَا: الْحَقُّ عَلَيْهَا. فَلَهَا الْعَوْدُ إلَى طَلَبِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ فِي الْهُدَى: هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ قَرِيبًا قَوْلُهُ (وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ آمِنٍ لِيَسْكُنَهُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَافِرُ الْأَبَ، أَوْ الْأُمَّ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ. وَقَيَّدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ: بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِيمَةُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يُقَيِّدْهُ. وَقِيلَ: الْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ. وَقَالَ فِي الْهُدَى: إنْ أَرَادَ الْمُنْتَقِلُ مُضَارَّةَ الْآخَرِ، وَانْتِزَاعَ الْوَلَدِ: لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ، وَإِلَّا عَمِلَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلطِّفْلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. فَلَا مُخَالَفَةَ. لَا سِيَّمَا فِي صُورَةِ الْمُضَارَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: أَمَّا صُورَةُ الْمُضَارَّةِ: فَلَا شَكَّ فِيهَا. وَأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ) الْمُرَادُ بِالْبَعِيدِ هُنَا: مَسَافَةُ الْقَصْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَالْمَنْصُوصِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الْعَوْدُ مِنْهُ فِي يَوْمِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَحَكَاهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَاهُمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ: فَالْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ) فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ سَفَرًا قَرِيبًا لِحَاجَةٍ، ثُمَّ يَعُودُ: فَالْمُقِيمُ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: الْأُمُّ أَوْلَى جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَاجَةٍ، ثُمَّ يَعُودُ. فَالْمُقِيمُ أَوْلَى أَيْضًا. عَلَى الْمَذْهَبِ. لِاخْتِلَالِ الشَّرْطِ. وَهُوَ السَّكَنُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: الْأُمُّ أَوْلَى. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا قَرِيبًا لِلسُّكْنَى. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ الْمُقِيمَ أَحَقُّ: وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: الْأُمُّ أَحَقُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ: خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ. فَكَانَ مَعَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةُ، وَالْمُذْهَبُ، وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةُ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْعُمْدَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: أَبُوهُ أَحَقُّ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. لَكِنْ قَالَا: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَعَنْهُ: أُمُّهُ أَحَقُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَضْعَفُهُمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ لِدُونِ سَبْعِ سِنِينَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ.

قُلْت: الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ: أَنَّ وَقْتَ الْخِيرَةِ إذَا حَصَلَ لَهُ التَّمْيِيزُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ. وَلَكِنْ ضَبَطُوهُ بِالسِّنِّ. وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يَقُولُ: إنَّ حَدَّ سَنِّ التَّمْيِيزِ سَبْعُ سِنِينَ. كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ: نُقِلَ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: إنْ أَسْرَفَ تَبَيَّنَ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ، فَيُقْرَعُ. أَوْ هُوَ لِلْأُمِّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ أَسْرَفَ فِيهِ، فَبَانَ نَقْصُهُ: أَخَذَتْهُ أُمُّهُ. وَقِيلَ: مَنْ قَرَعَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) أَحَدَهُمَا (أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا لَوْ اخْتَارَهُمَا مَعًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَفِي التَّرْغِيبِ: احْتِمَالٌ أَنَّهُ لِأُمِّهِ. كَبُلُوغِهِ غَيْرَ رَشِيدٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْحَضَانَةِ كَالْأُخْتَيْنِ) وَالْأَخَوَيْنِ وَنَحْوِهِمَا (قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) مُرَادُهُ: إذَا كَانَ الطِّفْلُ دُونَ السَّبْعِ فَأَمَّا إنْ بَلَغَ سَبْعًا: فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. سَوَاءٌ كَانَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُ (وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ سَبْعًا: كَانَتْ عِنْدَ أَبِيهَا)

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَلَوْ تَبَرَّعَتْ بِحَضَانَتِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ حَتَّى تَحِيضَ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهُدَى: هِيَ أَشْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصَحُّ دَلِيلًا. وَقِيلَ: تُخَيَّرُ. ذَكَرَهُ فِي الْهُدَى رِوَايَةً، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهَا وَعَنْهُ: تَكُونُ عِنْدَ أَبِيهَا بَعْدَ تِسْعٍ. وَعِنْدَ أُمِّهَا: قَبْلَ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ عَاقِلَةً وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَبِيهَا حَتَّى يَتَسَلَّمَهَا زَوْجُهَا وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عِنْدَ الْأُمِّ وَقِيلَ: عِنْدَ الْأُمِّ إنْ كَانَتْ أَيِّمًا، أَوْ كَانَ زَوْجُهَا مَحْرَمًا لِلْجَارِيَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تَكُونُ حَيْثُ شَاءَتْ إذَا حُكِمَ بِرُشْدِهَا كَالْغُلَامِ. وَقَالَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَخَرَّجَهُ عَلَى عَدَمِ إجْبَارِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَأْمُونَةً.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَيِّمًا مَأْمُونَةً، وَإِلَّا فَلَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْأَبِ مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ: فَأَوْلِيَاؤُهَا يَقُومُونَ مَقَامَهُ. وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ عَاقِلًا رَشِيدًا: كَانَ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا الثَّانِيَةُ: سَائِرُ الْعَصَبَاتِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ كَالْأَبِ فِي التَّخْيِيرِ وَالْأَحَقِّيَّةِ وَالْإِقَامَةِ، وَالنُّقْلَةِ بِالطِّفْلِ أَوْ الطِّفْلَةِ، إنْ كَانَ مَحْرَمًا لَهَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، فَقَالَ: وَقِيلَ: ذَوُو الْحَضَانَةِ مِنْ عَصَبَةٍ وَذِي رَحِمٍ فِي التَّخْيِيرِ مَعَ الْأَبِ كَالْأَبِ وَكَذَا سَائِرُ النِّسَاءِ الْمُسْتَحِقَّاتِ لِلْحَضَانَةِ كَالْأُمِّ فِيمَا لَهَا قَوْلُهُ (وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَتَمْرِيضِهَا) هَذَا صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تَجِيءُ بَيْتَ مُطَلِّقِهَا، إلَّا مَعَ أُنُوثِيَّةِ الْوَلَدِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الْوَاضِحِ: تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا إذَا خِيفَ مِنْهَا أَنْ تُفْسِدَ قَلْبَهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْغُلَامِ مِثْلُهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِيهِمَا. وَكَذَا تُمْنَعُ وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ مُزَوَّجَةً، إذَا خِيفَ مِنْ ذَلِكَ. مَعَ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْوَاضِحِ: يَحْتَمِلُ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِتَمْرِيضِهَا فِي بَيْتِهَا. وَلَهَا زِيَارَةُ أُمِّهَا إذَا مَرِضَتْ. الثَّالِثَةُ: غَيْرُ أَبَوَيْ الْمَحْضُونِ: كَأَبَوَيْهِمَا. فِيمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ مَعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ: لَا يُقَرُّ الطِّفْلُ بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

كتاب الجنايات

[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ فَائِدَةٌ " الْجِنَايَاتُ " جَمْعُ جِنَايَةٍ. وَالْجِنَايَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ: مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الِاصْطِلَاحِ فَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: كُلُّ فِعْلٍ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْمَالِ. وَمَعْنَاهَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: التَّعَدِّي عَلَى الْأَبَدَانِ. فَسَمَّوْا مَا كَانَ عَلَى الْأَبَدَانِ جِنَايَةً. وَسَمَّوْا مَا كَانَ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا، وَإِتْلَافًا وَنَهْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً قَوْلُهُ (الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: عَمْدٍ، وَشِبْهِ عَمْدٍ، وَخَطَإٍ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَسَّمَ الْقَتْلَ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. وَكَذَا فَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَزَادُوا: مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُ بِالسَّبَبِ مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، أَوْ يَنْصِبَ سِكِّينًا، أَوْ حَجَرًا، فَيَئُولُ إلَى إتْلَافِ إنْسَانٍ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذِهِ الصُّوَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ قِسْمِ الْخَطَأِ، أَعْطَوْهُ حُكْمَهُ. انْتَهَيَا. قُلْت: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَسَّمُوا الْقَتْلَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ زَادُوا قِسْمًا رَابِعًا.

قَالَ: وَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. عَمْدٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ. وَشَبَهِ الْعَمْدِ، وَهُوَ مَا فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِنْ غَيْرِ قَوَدٍ. وَخَطَأٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ. انْتَهَى. وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " قُلْت: الَّذِي نَظَرَ إلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْقَتْلِ جَعَلَ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةً. وَاَلَّذِي نَظَرَ إلَى الصُّوَرِ: فَهِيَ أَرْبَعَةٌ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا: تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ) أَيْ دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ (فِي الْبَدَنِ، مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ) وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ الْمَجْرُوحُ الْقَادِرُ عَلَى الدَّوَاءِ جُرْحَهُ، حَتَّى مَاتَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ جُرْحَهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِعَمْدٍ. نَقَلَ جَعْفَرٌ: الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ: أَنْ يَرَوْهُ وَجَأَهُ. وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ جَرَحَهُ فَتَرَكَ مُدَاوَاةَ الْجُرْحِ، أَوْ فَصَدَهُ فَتَرَك شَدَّ فَصَادِهِ: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا ضَمَانَ فِي تَرْكِ شَدِّ الْفِصَادِ. ذِكْرُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَذَكَرَ فِي تَرْكِ مُدَاوَاةٍ لِجُرْحٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَى التَّدَاوِي: وَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَ الضَّمَانَ انْتَهَى. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: صَاحِبَ الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَالَ بِهِ الْمَرَضُ، وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: أَوْ جَرَحَهُ، وَتَعَقَّبَهُ سِرَايَةٌ بِمَرَضٍ وَدَامَ جُرْحُهُ، حَتَّى مَاتَ فَلَا يُعَلَّقُ بِفِعْلِ اللَّهِ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ وَنَحْوِهِمَا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَيَمُوتَ فِي الْحَالِ. فَفِي كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ عَمْدًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا، بَلْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ ابْن رَزِينٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَا حَتَّى مَاتَ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَكُونُ عَمْدًا. قَوْلُهُ (أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ وَالْخَصِيَتَيْنِ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ) بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ. فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) بِلَا نِزَاعٍ.

وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ وَلِيُّهُ: فَلَا قَوَدَ وَكَذَا لَوْ قَطَعَهَا وَلِيُّ الْمَجْنُونِ مِنْهُ: فَلَا قَوَدَ) مُقَيَّدٌ فِيهِمَا بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ . وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ . وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: الْأُولَى لِمَصْلَحَةٍ قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ بِمَا هُوَ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ: يَجِبُ الْقَوَدُ إذَا ضَرَبَهُ بِمَا هُوَ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ. قَوْلُهُ (أَوْ) يَضْرِبُهُ (بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ) (كَاللَّتِّ وَالْكُوذِينَ وَالسِّنْدَانِ، أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا، أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيه مِنْ شَاهِقٍ) فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (أَوْ يُعِيدَ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا أَعَادَ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ وَمَاتَ، يَكُونُ عَمْدًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عَمْدًا. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ: شَبَهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَضْرِبَهُ بِخَشَبَةٍ دُونَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتُلَهُ

قَوْلُهُ (أَوْ يَضْرِبَهُ بِهِ فِي مَقْتَلٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عَمْدًا إذَا ضَرَبَهُ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (أَوْ) يَضْرِبَهُ بِهِ (فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ: مِنْ مَرَضٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ فِي حَرٍّ) مُفْرِطٍ (أَوْ بَرْدٍ) مُفْرِطٍ (وَنَحْوِهِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ: وَمِثْلُهُ: أَوْ لَكَمَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ. فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ بِجَهْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: إلْقَاؤُهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ) وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ نَمِرٍ فَيَكُونُ عَمْدًا. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ بِحَضْرَةِ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ. أَوْ أَلْقَاهُ بِمَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ فَقَتَلَتْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا فِيهِمَا. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُكَتِّفَهُ كَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ. وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي

قَوْلُهُ (أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْبًا، أَوْ سَبُعًا، أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ عَقْرَبًا مِنْ الْقَوَاتِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَنْهَشَهُ كَلْبًا، أَوْ أَلْسَعَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا: فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَثُعْبَانِ الْحِجَازِ، أَوْ سَبُعٍ صَغِيرٍ وَقُتِلَ: بِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ يَكُونُ قَتَلَا عَمْدًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ الْفُرُوعُ قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: إلْقَاؤُهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا، فَمَاتَ بِهِ) إذَا أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَهُوَ عَمْدٌ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ كَالْمَاءِ الْيَسِيرِ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ حَتَّى مَاتَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَوْتَهُ هَدَرٌ. فَلَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَلَا غَيْرَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ. وَإِذَا أَلْقَاهُ فِي نَارٍ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا. فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. بِلَا نِزَاعٍ.

وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ حَتَّى مَاتَ فَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ بِإِلْقَائِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ مُمْكِنٌ: فَلَا قَوَدَ فِيهِ. لِأَنَّهُ عَمْدٌ خَطَأٌ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: خَنْقُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَدُّ فَمِهِ وَأَنْفِهِ، أَوْ عَصْرُ خُصْيَتَيْهِ حَتَّى مَاتَ) فَعَمْدٌ. ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَدُّ الْفَمِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السَّدِّ وَالْعَصْرِ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ، أَوْ قِصَرِهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ فَعَلَهُ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، فَمَاتَ: فَهُوَ عَمْدٌ. فِيهِ الْقِصَاصُ. قَالَا: وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً. لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِهِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَإِذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا: فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا إلَى الْغَايَةِ، بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ مِنْهُ. فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (السَّادِسُ: حَبْسُهُ وَمَنْعُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا) مُرَادُهُ: إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ الطَّلَبُ لِذَلِكَ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الطَّلَبُ، أَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ، أَوْ غَيْرِهِ: فَلَا دِيَةَ لَهُ. كَتَرْكِهِ شَدَّ مَوْضِعِ فَصَادِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: إسْقَاؤُهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ خَلَطَ سُمًّا بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِ. فَمَاتَ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ: فِيمَا إذَا أَلْقَمَهُ سُمًّا، أَوْ خَلَطَهُ بِهِ: قَوْلَيْنِ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرٍ إذْنِهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ لَوْ أَكَلَهُ كَانَ ضَامِنًا لَهُ إذَا مَاتَ بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَفِي ضَمَانِهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ: أَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ: لَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. (وَيُقْبَلُ فِي الْآخَرِ) وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسَحَرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا)

إذَا قَتَلَهُ بِسَحَرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ: فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. وَإِنْ قَالَ " لَمْ أَعْلَمْهُ قَاتِلًا " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، وَإِلَّا فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّمِّ سَوَاءٌ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا وَجَبَ قَتْلُهُ بِالسَّحَرِ، وَقُتِلَ: كَانَ قَتْلُهُ بِهِ حَدًّا. وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الْمِعْيَانَ الْقَاتِلَ بِعَيْنِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالسَّاحِرِ الَّذِي يَقْتُلُ بِسَحَرِهِ غَالِبًا. فَإِذَا كَانَتْ عَيْنُهُ يَسْتَطِيعُ الْقَتْلَ بِهَا. وَيَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ: وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ. وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ، فَيُتَوَجَّهُ: أَنَّهُ خَطَأٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. وَكَذَا مَا أَتْلَفَهُ الْمِعْيَانُ بِعَيْنِهِ. وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ الْقَوْلُ بِضَمَانِهِ، إلَّا أَنْ يَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ. فَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الضَّمَانِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّرْغِيبِ: عَدَمُ الضَّمَانِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ " بَابِ التَّعْزِيرِ " قَوْلُهُ (التَّاسِعُ: أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ زِنًا فَيُقْتَلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا وَيَقُولَا: عَمِدْنَا قَتْلَهُ) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ

وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَا " عَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ ". وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ يَجُزْ جَهْلُهُمَا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكَذَّبَتْهُمَا قَرِينَةٌ. فَالْأَصْحَابُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمْدٌ مَحْضٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ: مَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ. فَقُتِلَ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعُوا. وَقَالُوا: عَمِدْنَا قَتْلَهُ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ. لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إنَّمَا يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ، فَيُمْكِنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ. كَمَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصَ مِنْ النَّارِ إذَا أُلْقِيَ فِيهَا. انْتَهَى. قُلْت: يُتَصَوَّرُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ فِي مَسَائِلَ عَلَى رِوَايَةٍ قَوِيَّةٍ. كَمَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ. وَكَالزِّنْدِيقِ. وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَالسَّاحِرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحَلُّهُ حَيْثُ امْتَنَعَتْ التَّوْبَةُ. وَيَكْفِي هَذَا فِي إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةٍ، وَلَوْ وَاحِدَةٍ. لَكِنْ ظَهَرَ لِي عَلَى كَلَامٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إشْكَالٌ فِي قَوْلِهِمْ " لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا. فَقُتِلَ بِذَلِكَ " فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يُقْتَلُ الزَّانِي بِشَهَادَتِهِمَا. فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِهَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ. فَتَخَلَّصَ مِنْ الْإِشْكَالِ. قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: عَلِمْت كَذِبَهُمَا وَعَمِدْت قَتْلَهُ) . فَهَذَا عَمْدٌ مَحْضٌ. وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَاكِمِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَصَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ: أَنَّ الْحَاكِمَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: فِي قَتْلِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ فَوَائِدُ الْأُولَى: يُقْتَلُ الْمُزَكِّي كَالشَّاهِدِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا يُقْتَلُ وَإِنْ قَتَلَ الشَّاهِدُ. الثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ الْقَتْلَ وَإِقْرَارِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا عُدْوَانًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: الْبَيِّنَةُ وَالْوَلِيُّ هُنَا: كَمُمْسِكٍ مَعَ مُبَاشِرٍ فَالْبَيِّنَةُ هُنَا: كَالْمُمْسِكِ. وَالْوَلِيُّ هُنَا: كَالْمُبَاشِرِ هُنَاكَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أُقِيدَ الْكُلُّ. الثَّالِثَةُ: يَخْتَصُّ الْمُبَاشِرُ الْعَالِمُ بِالْقَوَدِ، ثُمَّ الْوَلِيُّ، ثُمَّ الْبَيِّنَةُ وَالْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِالْحَاكِمِ إذَا اشْتَرَكَ هُوَ وَالْبَيِّنَةُ. لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ مِنْ سَبَبِهِمْ. فَإِنَّ حُكْمَهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ وَقَتَلَهُ. فَأَشْبَهَ الْمُبَاشِرَ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ لَزِمَتْ الدِّيَةَ الْبَيِّنَةُ وَالْحَاكِمُ، فَقِيلَ: تَلْزَمُهُمْ ثَلَاثًا. عَلَى الْحَاكِمِ الثُّلُثُ، وَعَلَى كُلِّ شَاهِدٍ ثُلُثٌ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ " عَمِدْنَا قَتْلَهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ " أَخْطَأْنَا " فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَى الْمُتَعَمِّدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ. وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَظَائِرُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. السَّادِسُ: لَوْ قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ شَرِيكِي " فَوَجْهَانِ فِي الْقَوَدِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمَا. لِاعْتِرَافِهِمَا بِالْعَمْدِيَّةِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي: عَدَمَ الْقَوَدِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا حَالَّةً. وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ " عَمِدْنَا " وَقَالَ الْآخَرُ " أَخْطَأْنَا " لَزِمَ الْمُقِرُّ بِالْعَمْدِ الْقَوَدَ. وَلَزِمَ الْآخَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ السَّابِعَةُ: لَوْ رَجَعَ الْوَالِي وَالْبَيِّنَةُ: ضَمِنَهُ الْوَالِي وَحْدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَضْمَنُهُ الْوَالِي وَالْبَيِّنَةُ مَعًا كَمُشْتَرِكٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْوَالِي يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ. وَإِلَّا الدِّيَةُ. وَأَنَّ الْآمِرَ لَا يَرِثُ.

الثَّامِنَةُ: لَوْ حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا أَوْ سَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ، فَوَقَعَ فَمَاتَ. فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِإِذْنِهِ: قُتِلَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ. كَمَا لَوْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ. أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً. بِحَيْثُ يَرَاهَا الدَّاخِلُ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ ": " إذَا حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ " التَّاسِعَة: لَوْ جَعَلَ فِي حَلْقِ زَيْدٍ خِرَاطَةً وَشَدَّهَا فِي شَيْءٍ عَالٍ وَتَرَكَ تَحْتَهُ حَجَرًا. فَأَزَالَهُ آخَرُ عَمْدًا فَمَاتَ: قُتِلَ مُزِيلُهُ دُونَ رَابِطِهِ. فَإِنْ جَهِلَ الْخِرَاطَةَ فَلَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ وَفِي مَالِهِ الدِّيَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَوْلُهُ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. فَيَقْتُلُ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إلَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَشِبْهُ الْعَمْدِ قَتْلُهُ قَصْدًا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَقِيلَ: قَصْدُ جِنَايَةٍ، لَا قَتْلُهُ غَالِبًا تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ يَصِيحَ بِصَبِيٍّ، أَوْ مَعْتُوهٍ، وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَيَسْقُطَا)

أَنَّهُ لَوْ صَاحَ بِرَجُلٍ مُكَلَّفٍ، أَوْ امْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَسَقَطَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْمُكَلَّفُ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ. وَأَلْحَقَ فِي الْوَاضِحِ: الْمَرْأَةَ بِالصَّبِيِّ الْمَعْتُوهِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوْ يَغْتَفِلَ عَاقِلًا فَيَصِيحَ بِهِ فَيَسْقُطَ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. < m s=1> وَكَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الدِّيَةُ. لَكِنْ هَلْ تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ؟ فِيهِ خِلَافٌ عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " وَ " بَابِ الْعَاقِلَةِ ". وَيَأْتِي فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْخِلَافُ الْآتِي فِي " بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ " قَوْلُهُ (وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَيَقْتُلَ إنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بِلَا نِزَاعٍ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ يَفْعَلَ مَالَهُ فِعْلُهُ " أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ كَأَنْ يَقْصِدَ رَمْيَ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، فَيُصِيبُ غَيْرَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ خَطَأً، بَلْ عَمْدٌ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَنَّهُ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْخَطَأِ: أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا، أَوْ هَدَفًا، أَوْ شَخْصًا، فَيُصِيبُ إنْسَانًا لَمْ يَقْصِدْهُ

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنَّهُ حَرْبِيًّا وَيَكُونُ مُسْلِمًا، أَوْ يَرْمِيَ إلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، أَوْ يَتَتَرَّسُ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمٍ، وَيَخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَرْمِهِمْ فَيَرْمِيهِمْ، فَيَقْتُلُ الْمُسْلِمَ. فَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ) . عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهَا. وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ إمَامِنَا، وَمُخْتَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْن الْبَنَّا، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَحَلُّ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الْكُفَّارِ مَعْذُورٌ، كَالْأَسِيرِ، وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْهِجْرَةُ، وَالْخُرُوجُ مِنْ صَفِّهِمْ. فَأَمَّا الَّذِي يَقِفُ فِي صَفِّ قِتَالِهِمْ بِاخْتِيَارِهِ: فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ " كِتَابِ الْجِهَادِ " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ " وَعَنْهُ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: عَكْسُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا قَالَ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَيُصَلِّي وَيُكَفِّرْ كَذَا هُنَا

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) يَعْنِي: أَنَّ عَمْدَهُمَا مِنْ الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. لَكِنْ لَوْ قَالَ " كُنْت حَالَ الْفِعْلِ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا " صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْعَاقِلَةِ " هَلْ تَتَحَمَّلُ عَمْدَ الصَّبِيِّ أَوْ تَكُونُ فِي مَالِهِ؟ " قَوْلُهُ (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِلَا رَيْبٍ وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُونَ بِهِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَحَسَّنَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُنُونِ، فِيمَا إذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ: أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ: فَلَهُ قَتْلُ أَحَدِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْ آخَرَ، وَأَخْذُ الدِّيَةِ كَامِلَةً مِنْ أَحَدِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مِنْ شَرْطِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَالِحًا لِلْقَتْلِ بِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَفَى الْوَلِيُّ عَنْهُمْ: سَقَطَ الْقَوَدُ. وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمْ دِيَاتٌ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَلْزَمُهُمْ دِيَاتٌ. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَصَحَّحَهَا الشِّيرَازِيُّ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فَلَا يَلْزَمُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ فَعَلُوا مَا يُوجِبُ قِصَاصًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. كَالْقَطْعِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ " بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ " قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جَرْحًا، وَالْآخَرُ مِائَةً: فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الْآخَرُ مِنْ الْمِرْفَقِ) يَعْنِي: وَمَاتَ (فَهُمَا قَاتِلَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، فَيُقْتَلُ بِهِ. وَيُقَادُ مِنْ الْأَوَّلِ، بِأَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، كَقَطْعِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ قَطْعُ الثَّانِي قَبْلَ بُرْءِ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ: أَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَ بُرْئِهِ: فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ ادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّ جُرْحَهُ انْدَمَلَ، فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ: سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ. وَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ شَرِيكُهُ، وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ: فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَكْذِيبِهِ. لِأَنَّ قَتْلَهُ وَاجِبٌ. وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَ: حَلَفَ، وَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى الثَّانِي انْدِمَالَ جُرْحِهِ: فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ انْدَمَلَ الْقَطْعَانِ: أُقِيدَ الْأَوَّلُ، بِأَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا مِنْ الثَّانِي الْمَقْطُوعِ يَدُهُ مِنْ كُوعٍ. وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَةٍ. فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ انْدَمَلَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقَوَدُ مِنْ الْكُوعِ. وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةٌ. وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَةِ الْيَدِ. وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ مَعَ كَمَالِ يَدِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَتَلُوهُ بِأَفْعَالٍ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِقَتْلِهِ نَحْوَ أَنْ يَضْرِبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ سَوْطًا فِي حَالَةٍ، أَوْ مُتَوَالِيًا: فَلَا قَوَدَ. وَفِيهِ عَنْ تَوَاطُؤٍ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَوَدُ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ أَوْ مَرِيئِهِ، أَوْ وَدَجَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ: فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَيُعَزَّرُ الثَّانِي)

هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُتِلَ الْأَوَّلُ، وَعُزِّرَ الثَّانِي. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ. فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَيِّتٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدًا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ: كَذَا جَعَلُوا الضَّابِطَ: يَعِيشُ مِثْلُهُ، أَوْ لَا يَعِيشُ كَذَا عَلَّلَ الْخِرَقِيُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَعِيشُ " خَرَقَ بَطْنَهُ، وَأَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَقَطَعَهَا، فَأَبَانَهَا مِنْهُ ". قَالَ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِنْهَا، لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ بِقَطْعِهَا لَا يَعِيشُ ". فَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ كَوْنَهُ لَا يَعِيشُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ. فَتَعْمِيمُ الْأَصْحَابِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ احْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ. فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ. وَلِهَذَا احْتَجَّ بِوَصِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ. كَمَا احْتَجَّ هُنَا. وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ فِي الذَّكَاةِ: كَالْقَوْلِ هُنَا، فِي أَنَّهُ يَعِيشُ أَوْ لَا يَعِيشُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا قَالَ: فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَّوْا بَيْنَهُمَا. كَلَامُ الْأَكْثَرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: إنْ فَعَلَ مَا يَمُوتُ بِهِ يَقِينًا، وَبَقِيَتْ

مَعَهُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا لَوْ خَرَقَ حَشْوَتَهُ وَلَمْ يُبِنْهَا. ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي. لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ. لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ: أَنَّهُمَا قَاتِلَانِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا اعْتَبَرُوا إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِعْلُ الثَّانِي كَلَا فِعْلٍ: لَمْ يُؤَثِّرْ غَرَقُ حَيَوَانٍ فِي مَاءٍ بِقَتْلِ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمَا صَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ نَفْسَهُ زَهَقَتْ بِهِمَا كَالْمُقَارِنِ وَلَا يَنْفَعُ كَوْنُ الْأَصْلِ الْحَظْرُ. ثُمَّ الْأَصْلُ هُنَا: بَقَاءُ عِصْمَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا كَانَ. فَإِنْ قِيلَ: زَالَ الْأَصْلُ بِالسَّبَبِ. قِيلَ: وَفِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ الطَّارِئَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَأْثِيرٌ فِي الْمَحَلِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا، عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ. وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ دَلِيلًا هُنَا إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّهَا كَمَيِّتٍ، وَلَا فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّكَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ، فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ. بَلْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ قَبْلَ غَرَقِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْحُوتُ وَالْتَقَمَهُ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَغْنَى وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: الْمَذْهَبُ اشْتِرَاكُ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ فِي الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: قَالَ فِي الْمُوجَزِ: هَذَا إنْ قُلْنَا بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِقَوْلِهِ " وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمُكْرَهٍ " قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الرَّهْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوَدًا قَالَا: وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَأَوْلَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَكْسُهُ وَيَعْنِي: أَنَّ الْقَوَدَ يَخْتَصُّ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءُ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ: فَالْقَوَدُ وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلِ النَّفْسِ: فَلَا فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ) وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ أَمَرَ كَبِيرًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ

وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ أَمَرَ صَبِيًّا بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ هُوَ وَآخَرُ: وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى آمِرِهِ وَشَرِيكِهِ فِي رِوَايَةٍ وَإِنْ سُلِّمَ: فَلِعَجْزِهِ غَالِبًا تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ " أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مَنْ يُمَيِّزُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى غَيْرِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ فَشَمِلَ مَنْ يُمَيِّزُ فَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْآمِرِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ تَمْيِيزَهُ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَالْآلَةِ فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: لَزِمَ الْآمِرُ فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ الْمُمَيِّزِ فِي ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَى مَا قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَتَلَ: فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَأَمَّا الْآمِرُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ لَا غَيْرُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: يُحْبَسُ كَمُمْسِكِهِ وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةً: يُقْتَلُ أَيْضًا وَعَنْهُ: يُقْتَلُ بِأَمْرِهِ عَبْدَهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ

نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ: قُتِلَ الْمَوْلَى وَحُبِسَ الْعَبْدُ حَتَّى يَمُوتَ لِأَنَّهُ سَوْطُ الْمَوْلَى وَسَيْفُهُ كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنَّهُ لَوْ جَنَى بِإِذْنِهِ لَزِمَ مَوْلَاهُ لِمَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ وَحَمَلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى جَهَالَةِ الْعَبْدِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَمَرَ عَبْدًا بِقَتْلِ سَيِّدِهِ فَقَتَلَ: أَثِمَ وَأَنَّ فِي ضَمَانِ قِيمَتِهِ رِوَايَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ إنْ خَافَ السُّلْطَانُ قُتِلَا فَوَائِدُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ " اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي " فَفَعَلَ فَدَمُهُ وَجُرْحُهُ هَدَرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَقِيلَ: عَلَيْهِ دِيَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِلنَّفْسِ دُونَ الْجُرْحِ وَيُحْتَمَلُ الْقَوَدُ فِيهِمَا وَهُوَ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَلَوْ قَالَهُ " ضَمِنَ الْفَاعِلُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ " اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَخِلَافٌ كَإِذْنِهِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك " فَإِكْرَاهٌ وَلَا قَوَدَ إذَنْ وَعَنْهُ: وَلَا دِيَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَغْرَمَ الدِّيَةَ إنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ " اُقْتُلْ نَفْسَك وَإِلَّا قَتَلْتُك " أَوْ " اقْطَعْ يَدَك وَإِلَّا قَطَعْتهَا " فَلَيْسَ إكْرَاهًا وَفِعْلُهُ حَرَامٌ

وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَالَ " أَقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا " فَلَيْسَ إكْرَاهًا فَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمَا: قُتِلَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ الْإِكْرَاهُ وَإِنْ أَكْرَهَ سَعْدٌ زَيْدًا عَلَى أَنْ يُكْرَهَ عَمْرًا عَلَى قَتْلِ بَكْرٍ لَهُ: قَتْلُ الثَّلَاثَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ: قُتِلَ الْقَاتِلُ وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيِّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالْأُخْرَى يُقْتَلُ أَيْضًا الْمُمْسِكُ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي عُقُوبَةِ أَصْحَابِ الْجَرَائِمِ فِي الْمُمْسِكِ الْقَتْلُ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهُ تُغَلُّ يَدُ الْمُمْسِكِ إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْمُمْسِكَ فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ أَنَّهُ فِعْلٌ مُخْتَلِفٌ

قَالَ الْمُجَاهِدُ: وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا لِجَوَازِهِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَطْعًا وَإِنْ أَرَادَ: مُعْتَقِدًا لِلتَّحْرِيمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا: سُقُوطُ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةِ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْحُدُودِ تَنْبِيهٌ: شَرَطَ فِي الْمُغْنِي فِي الْمُمْسِكِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بِقَتْلِهِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَ الْقَاضِي: إذَا أَمْسَكَهُ لِلَّعِبِ أَوْ الضَّرْبِ وَقَتَلَهُ الْقَاتِلُ: فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمَاسِكِ وَذِكْرُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: لَا مَازِحًا مُتَلَاعِبًا انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْإِطْلَاقُ فَائِدَةٌ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَمْسَكَهُ لِيَقْطَعَ طَرَفَهُ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَكَذَا إنْ فَتَحَ فَمَه وَسَقَاهُ آخَرُ سُمًّا وَكَذَا لَوْ اتَّبَعَ رَجُلًا لِيَقْتُلَهُ فَهَرَبَ فَأَدْرَكَهُ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَبَسَهُ بِالْقَطْعِ: فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ وَحُكْمُهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ حُكْمُ الْمُمْسِكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ وَجْهٌ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَطْعُ بِكُلِّ حَالٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَتَّفَ إنْسَانًا وَطَرَحَهُ فِي أَرْضِ مُسَبَّعَةٍ أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ

وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ الْمُسَبَّعَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ إلْقَاؤُهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ " قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْأَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي قَتْلِ الْوَلَدِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ وَسُقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْأَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: قَتْلُ شَرِيكِ الْأَبِ وَقَالَ فِي الْخَاطِئِ: لَا قِصَاصَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَعَنْهُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُنُونِ: أَنَا أَخْتَارُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شَرِكَةَ الْأَجَانِبِ

تَمْنَعُ الْقَوَدَ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَنَا بِظَنٍّ فَضْلًا عَنْ عِلْمٍ بِجِرَاحَةِ أَيِّهِمَا مَاتَ؟ بِهِ أَوْ بِهِمَا تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ " تَقْدِيرُهُ: أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَوُجُوبُهُ عَلَى الْعَبْدِ " فَالْعَبْدُ مَعْطُوفٌ " عَلَى لَفْظَةِ " شَرِيكٍ " وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى لَفْظَةِ " الْأَبِ " لِفَسَادِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَاضِحٌ فَائِدَةٌ: دِيَةُ الشَّرِيكِ الْمُخْطِئِ: فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَهُ الْقَاضِي وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ قَوْلُهُ (وَفِي شَرِيكِ السَّبُعِ وَشَرِيكِ نَفْسِهِ: وَجْهَانِ) ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقَوَدُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ ثُمَّ جَرَحَ الرَّجُلَ نَفْسَهُ فَمَاتَ: فَعَلَى شَرِيكِهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَالَا: فَأَمَّا إنْ جَرَحَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ خَطَأً مِثْلَ إنْ أَرَادَ ضَرْبَ غَيْرِهِ فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ انْتَهَى فَائِدَةٌ: حَيْثُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الشَّرِيكِ: وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى شَرِيكِ السَّبُعِ وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي شَرِيكِ الْمُقْتَصِّ قُلْت: يَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الدِّيَةِ كَامِلَةً عَلَى شَرِيكِ النَّفْسِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَنْجَنِيقِ إذَا قَتَلَ أَحَدُ الرُّمَاةِ بِهِ: أَنَّ دِيَتَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ كَامِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ قَوْلُهُ (وَلَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَدَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ) فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْهَادِي أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ وَكَانَ سُمُّ سَاعَةٍ قَتَلَ فِي الْحَالِ فَقَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَقَطَعَ سِرَايَةَ الْجَرْحِ وَجَرَى مَجْرَى مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَ وَيُنْظَرُ فِي الْجُرْحِ فَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ: فَلِوَلِيِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ وَإِلَّا فَلِوَلِيِّهِ الْأَرْشُ وَإِنْ كَانَ السُّمُّ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ قَتَلَ فَفِعْلُ الرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ عَمْدُ خَطَأٍ وَالْحُكْمُ فِي شَرِيكِهِ كَالْحُكْمِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ

فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ السُّمُّ يَقْتُلُ غَالِبًا بَعْدَ مُدَّةٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَمْدُ الْخَطَإِ أَيْضًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي شَرِيكِهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَيَا قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَوْ دَاوَاهُ بِسُمٍّ وَقَتَلَ غَالِبًا قَوْلُهُ (إذْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ أَوْ الْإِمَامُ فَمَاتَ: فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ

باب شروط القصاص

[بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ] ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَلَّفًا فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ: فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا) بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (وَفِي السَّكْرَانِ وَشِبْهِهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا: وُجُوبُهُ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " فَلْيُعَاوَدْ قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَعْصُومًا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ قَتْلُ ذِمِّيٍّ وَأَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَيْهِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَنَا وَالْإِمَامُ نَائِبٌ نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا دِيَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى وَلَيِّ الْأَمْرِ كَمَنْ قَتَلَ حَرْبِيًّا

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَهُ تَعْزِيرُهُ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكُلُّ مَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا وَلَوْ قَبْلَ تَوْبَتِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَالْمُرَادُ: قَبْلَ التَّوْبَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: فَهَدَرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ قُبِلَتْ ظَاهِرًا: فَكَإِسْلَامٍ طَارِئٍ فَدَلَّ أَنَّ طَرَفَ زَانٍ مُحْصَنٍ كَمُرْتَدٍّ لَا سِيَّمَا وَقَوْلُهُمْ " عُضْوٌ مِنْ نَفْسٍ وَجَبَ قَتْلُهَا فَهَدَرٌ " قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنْ أَسْرَعَ وَلِيُّ قَتِيلٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَقَتَلَ قَاطِعَ طَرِيقٍ قَبْلَ وُصُولِ الْإِمَامِ: فَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ انْهَدَرَ دَمُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ: وَلَا دِيَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي " بَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ " قَوْلُهُ (أَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ يَدَ مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعُوا بِهِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّضْمِينِ بِحَالِ ابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَى مَعْصُومٍ وَجَعَلَهُ فِي التَّرْغِيبِ كَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ عَلَى الْآتِي بَعْدَهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ هَذَا أَشْهَرُ

وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْأَدَمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ فَلَا قِصَاصَ) وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ أَيْضًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَجِبُ الدِّيَةُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْآمِدِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْهِدَايَةِ وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لَدَيْهِ لِلْحَرْبِيِّ لِتَفْرِيطِهِ إذْ قَتْلُهُ لَيْسَ إلَيْهِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَأَصْلُ هَذَا الْوَجْهِ: طَرِيقَةٌ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْحَرْبِيُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَفِي الْمُرْتَدِّ وَجْهَانِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ) أَيْ الْمَقْطُوعُ يَدَهُ (وَمَاتَ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْآخَرِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ أَوْ نِصْفِ الدِّيَةِ) إذَا قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الصَّحِيحُ لَا قِصَاصَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا قَوَدَ فِي الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: هَلْ يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ أَمْ فِي النَّفْسِ فَقَطْ؟ وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ وُجُوبُ الْقَوَدِ فِي الطَّرَفِ: هَلْ يَسْتَوْفِيه الْإِمَامُ أَوْ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَصْلُهُمَا: هَلْ مَالُهُ فَيْءٌ أَوْ لِوَرَثَتِهِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ مِنْ ذَلِكَ فِي " بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ " وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ فَيَسْتَوْفِيهِ هُنَا الْإِمَامُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَوَدِ فِي الطَّرَفِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي

وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دِيَةٌ لِلطَّرَفِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَيُحْتَمَلُ دُخُولُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ: وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُتَوَجَّهُ سُقُوطُ الْقَوَدِ بِالرِّدَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ زَمَنُ الرِّدَّةِ مِمَّا تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ: فَلَا قِصَاصَ فِيهِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقِيلَ: تَجِبُ كُلُّهَا فَائِدَةٌ: لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا وَقَدْ أَسْلَمَ الرَّامِي فَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا

وَمِثْلُهُ: لَوْ رَمَى ابْنَ مُعْتِقِهِ فَلَمْ يُصِبْ حَتَّى انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ سَهْمًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَصَابَ سَهْمُهُ فَقَتَلَ: فَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَخْرُجُ مِنْهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ وَجْهَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَوَالِي الْأُمِّ وَالثَّانِي: عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَوَالِي الْأَبِ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ: بِمِثْلِهِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً: أَنَّ الْعَبْدَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِي قِيمَتَهُ أَوْ لَا وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ " مَزِيدُ بَيَانٍ عَلَى ذَلِكَ تَنْبِيهٌ: عُمُومُ كَلَامِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ وَالْعَبْدُ الْمَقْتُولُ لِوَاحِدٍ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ صَرِيحًا وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ

وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ نَقَلَهُمَا فِي الْفُرُوعِ عَنْهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ قَتَلَ عَبْدُ زَيْدٍ عَبْدَهُ الْآخَرَ: فَلَهُ قَتْلُهُ دُونَ الْعَفْوِ عَلَى مَالٍ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا وَعُمُومُ كَلَامِهِ أَيْضًا يَشْمَلُ مَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِذِمِّيٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ فَائِدَةٌ: لَا يُقْتَلُ مُكَاتَبٌ بِعَبْدِهِ فَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأَخِيهِ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَالثَّانِي: يُقْتَلُ بِهِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ أَوْ الرِّقِّ " أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ حُرِّيَّةً: أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ

قَوْلُهُ (وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: يُعْطِي الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إذَا قَتَلَ الْأُنْثَى قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَخَرَجَ فِي الْوَاضِحِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا وَفِي تَفَاضُلِ مَالٍ فِي قَوَدٍ طَرَفُهُ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) وَلَوْ ارْتَدَّ (وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَمُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَأَنَّ الْخَبَرَ فِي الْحَرْبِيِّ كَمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ قَالَ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: حُكْمُ الْمَالِ غَيْرُ حُكْمِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِ زَانٍ وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُمَا وَالْفَرْقُ: أَنَّ مَالَهُمَا بَاقٍ عَلَى الْعِصْمَةِ كَمَالِ غَيْرِهِمَا وَعِصْمَةُ دَمِّهِمَا زَالَتْ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي الْعَبْدِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ تَمْنَعُ قَتْلَ الْحُرِّ بِهِ وَقَوَّى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَقَالَ: هَذَا الرَّاجِحُ وَأَقْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ وَهُوَ

مِثْلُهُ أَوْ يَجْرَحَهُ ثُمَّ يُسْلِمُ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ أَوْ يُعْتَقَ وَيَمُوتُ الْمَجْرُوحُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) يَعْنِي: إذَا قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ أَوْ الْجَارِحُ أَوْ عَتَقَ وَيَمُوتُ الْمَجْرُوحُ: فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُتِلَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ بَكْرٍ كَإِسْلَامِ حَرْبِيٍّ قَاتِلٍ فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ثُمَّ جُنَّ: وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا قَوَدَ قَوْلُهُ (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ حُرٌّ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ وَمَاتَ: فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي وُجُوبِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ

وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ ابْنِ حَامِدٍ: أَنَّهُ يَجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الدِّيَةِ وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ حَامِدٍ أَوْجَبَ دِيَةَ حُرٍّ لِلْمَوْلَى مِنْهُمَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ احْتِمَالًا بِوُجُوبِ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الدِّيَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَأْخُذُ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَقْتَ جِنَايَتِهِ وَكَذَا دِيَتُهُ إلَّا أَنْ تُجَاوِزَ الدِّيَةُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنُ حَامِدٍ وَكَوْنُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ لِلسَّيِّدِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الثَّانِي: جَمِيعُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَابُ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ فَطَلَبَ الْقَوَدَ: لِلْوَرَثَةِ عَلَى هَذِهِ وَعَلَى الْأُخْرَى لِلسَّيِّدِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ الثَّانِيَةُ: لَوْ جَرَحَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ: فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَفِي ضَمَانِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ: فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ إذَا مَاتَ مِنْ الرَّمْيَةِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا وَالْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَكُونُ الدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ لَا لِلسَّيِّدِ قَوْلُهُ (وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ عَتَقَ وَأَسْلَمَ: فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَتَلَ مَنْ يَظُنُّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا: فَكَذَلِكَ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا الدِّيَةُ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ: فَفِي الْقَوَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجْهَانِ يَعْنِي: فِي مَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَالْخِرَقِيِّ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ أَوْ الرَّمْيَةِ ثُمَّ بَنَى مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِهِ بِدِيَةٍ أَوْ قِيمَةٍ

ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا مَنْ رَمَى مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ: هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ هَدَرٌ؟ انْتَهَى قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ أَبًا لِلْمَقْتُولِ فَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ) يَعْنِي وَإِنْ عَلَا (بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: تُقْتَلُ الْأُمُّ حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ وَرَدَّهَا الْقَاضِي وَقَالَ: لَا تُقْتَلُ الْأُمُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَعَنْهُ: تُقْتَلُ الْأُمُّ وَالْأَبُ وَعَنْهُ: يُقْتَلُ أَبُو الْأُمِّ بِوَلَدِ بِنْتِهِ وَعَكْسِهِ وَحَكَاهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَجْهَيْنِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا تُقْتَلُ أُمٌّ وَالْأَصَحُّ: وَجَدَّةٌ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ قَتْلُ أَبِيهِ بِرِدَّةٍ وَكُفْرٍ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا رَجْمُهُ بِزِنًا وَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَجْمٍ وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بِقَتْلٍ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَجِبُ دِيَةٌ إلَّا لِغَيْرِ مُهَاجِرٍ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: عُمُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ كَاتِّفَاقِهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ فَلَوْ قَتَلَ الْكَافِرُ وَلَدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ أَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ وَلَدَهُ الْحُرَّ أَوْ قَتَلَ الْحَرُّ وَالِدَهُ الْعَبْدَ: لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِشَرَفِ الْأُبُوَّةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ وَانْتِفَاءُ الْمُكَافَأَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ وَالِدَهُ

الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " فَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ " غَيْرُ وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَائِدَةٌ: يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِقَتْلِهِ وَلَدَهُ مِنْ الرَّضَاعِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَوْلُهُ (وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقْتَلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْتَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُهُ " يُقْتَلُ ابْنُ بِنْتِهِ بِهِ " قَوْلُهُ (وَمَتَى وَرِثَ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دَمِهِ: سَقَطَ الْقِصَاصُ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: لَا يَسْقُطُ بِإِرْثِ الْوَلَدِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَوْلُهُ (وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبَاهُ وَالْآخَرُ أُمَّهُ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَبِ: سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْأَوَّلِ لِذَلِكَ)

وَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقَتِيلَ الثَّانِي وَرِثَ جُزْءًا مِنْ دَمِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا قُتِلَ وَرِثَهُ فَصَارَ لَهُ جُزْءًا مِنْ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَاتِلُ الْأَبِ لِإِرْثِهِ ثَمَنَ أُمِّهِ وَعَلَيْهِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ دِيَتِهِ لِأَخِيهِ (وَلَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ أَخِيهِ وَيَرِثَهُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَرِثُهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا: وَلَهُ قَتْلُهُ تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَبِ " أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَائِنًا: أَنَّ عَلَيْهِمَا الْقَتْلَ وَهُوَ صَحِيحٌ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا لَوْ قَتَلَاهُمَا مَعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَادَّعَى كُفْرَهُ أَوْ رِقَّهُ أَوْ ضَرَبَ مَلْفُوفًا فَقَدَّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فِي الْأَصَحِّ إنْ أَنْكَرَ الْوَلِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَا قِصَاصَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْتِهِ وَجْهَيْنِ وَسَأَلَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقَاضِيَ فَقَالَ: لَا يُعْتَبَرُ بِالدَّمِ وَعَدَمِهِ؟ فَقَالَ: لَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ الْفُقَهَاءُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يُعْتَبَرُ

قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (أَوْ قَتَلَ رَجُلًا فِي دَارِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ دَخَلَ يُكَابِرُهُ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ) وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَدَمُهُ فِي مَعْرُوفٍ بِالْفَسَادِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَيُعْمَلُ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ: أَنَّ الْمَقْتُولَ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ بِشَاهِدَيْنِ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ بِأَرْبَعَةٍ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ: قُتِلَ وَإِلَّا فَفِيهِ بَاطِنًا وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قُلْت: الصَّوَابُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الْبَاطِنِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: تُقْبَلُ ظَاهِرًا وَقَالَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ بَعْدَ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَنْزِلُ الرَّجُلِ حَرِيمُهُ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْك حَرِيمَكَ فَأَقْتُلْهُ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: إنْ اعْتَرَفَ لِلْوَلِيِّ بِذَلِكَ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُهُمْ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السَّابِقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا أَوْ لَا وَكَذَا مَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَشَيْخِنَا وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى فِعْلِهِ وَإِلَّا لَاعْتُبِرَتْ شُرُوطُ الْحَدِّ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ: وَجَدَهُ يَفْجُرُ بِهَا لَهُ قَتْلُهُ؟ قَالَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَوْلُهُ (أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّهُ جَرَحَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَفِي الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ وَالْكَافِي: تَجِبُ الدِّيَةُ فَقَطْ وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ وَحَنْبَلٌ فِي قَوْمٍ اجْتَمَعُوا بِدَارٍ فَجَرَحَ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجُهِلَ الْحَالُ أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَجْرُوحِينَ دِيَةَ الْقَتْلَى يَسْقُطُ مِنْهَا أَرْشُ الْجِرَاحِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَلْ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ مِنْ دِيَةِ الْقَتْلَى شَيْءٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ نَقَلَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الدِّيَةِ فَائِدَةٌ: نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ قَوَدًا فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ " أَنَا الْقَاتِلُ لَا هَذَا " أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَالدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَحْيَا نَفْسًا " ذَكَرَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ وَحَمَلَهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ صَدَّقَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ " لَا قَاتِلَ سِوَى الْأَوَّلِ " وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ لِصِحَّةِ بَذْلِهَا مِنْهُ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَخَبِ فِي الْقَسَامَةِ: لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ فَأَقَرَّ بِهِ غَيْرُهُ فَذَكَرَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ انْتَهَى

وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي بَعْدَ إقْرَارِ الْأَوَّلِ: قُتِلَ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَمُصَادِفَتِهِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي الْمَغْنَى فِي الْقَسَامَةِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ الثَّانِي شَيْءٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ الْأُولَى ثُمَّ هَلْ لَهُ طَلَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَنْصُوصُ وَهُوَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ وَأَنَّهُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ عَمَّنْ أَحْيَا نَفْسًا وَذَكَرَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ ثُمَّ رِوَايَةَ مُهَنَّا: ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ: إنَّمَا قَتَلَهُ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ: صَدَقَ أَنَا الَّذِي قَتَلْته فَإِنَّ هَذَا الْمُقِرَّ بِالْقَتْلِ يُؤْخَذُ بِهِ قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ ادَّعَى عَلَى الْأَوَّلِ؟ قَالَ: إنَّمَا هَذَا بِالظَّنِّ فَأَعَدْت عَلَيْهِ فَقَالَ: يُؤْخَذُ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ

باب استيفاء القصاص

[بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ] ِ قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لَهُ ثَلَاثُهُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا: لَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهُ وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا أَبٌ فَهَلْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَحَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْبُلْغَةِ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهِيَ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُمَا فِي التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْوَصِيَّ وَالْحَاكِمَ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ: يَجُوزُ لَهُمَا اسْتِيفَاؤُهُ أَيْضًا كَالْأَبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى النَّفَقَةِ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: لَهُ الْعَفْوُ وَهُوَ الصَّوَابُ جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ وَالْمَنْصُوصُ: جَوَازُ عَفْوِ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ دُونَ الصَّبِيِّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ: لِلْأَبِ الْعَفْوُ خَاصَّةً قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا: احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُمَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَجِبَ لَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا فِي مَالِ الْجَانِي وَتَجِبُ دِيَةُ الْجَانِي عَلَى عَاقِلَتِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ

قَوْلُهُ (الثَّانِي: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ) بِلَا نِزَاعٍ (فَإِنْ فَعَلَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقَّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ وَتَسْقُطُ عَنْ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَفِي الْآخِرِ: لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ يَعْنِي: بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَفِي الْوَاضِحِ: احْتِمَالٌ يَسْقُطُ حَقُّهُمْ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ " إذَا قَتَلَ جَمَاعَةً فَاسْتَوْفَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَاءِ الْبَاقِينَ " فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ: سَقَطَ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً) وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ أَيْضًا بِشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ لِكَوْنِهِ أَقَرَّ بِأَنَّ نَصِيبَهُ سَقَطَ مِنْ الْقَوَدِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ عَفَا أَحَدُهُمْ فَلِلْبَقِيَّةِ الدِّيَةُ وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ وَحُكِيَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ رِوَايَةً: بِأَنَّ لِلْحَاضِرِ مَعَ عَدَمِ الْعَفْوِ الْقِصَاصَ كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ الْآتِيَةِ وَلَمْ نَرَهَا لِغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ فِي الْمَشْهُورِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ: قَامَ وَارِثُهُمَا مَقَامَهُمَا فِي الْقِصَاصِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: يَسْقُطُ الْقَوَدُ وَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ قَوْلُهُ (وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ)

وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا وَخَرَّجَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهَا فَائِدَةٌ: هَلْ يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ الْقِصَاصَ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ إحْدَاهُمَا يَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالْمَوْتِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَالثَّانِيَةُ: يَنْتَقِلُ عَنْ مَوْرُوثِهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ وُجِدَ فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى الدِّيَةِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الدِّيَةِ فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ " قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ اقْتَصَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: فِي الْقَوَدِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَقُتِلَ كُلُّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ قَالَا: وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ وَفِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: كَوَالِدٍ لِوَلَدِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ عَفَا) عَنْهُ ظَاهِرُهُ شَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ كَامِلَةً وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: جَوَازُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ لَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَفْوُ مَجَّانًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: جَوَازُهُ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ: لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتُسْقِيَهُ اللِّبَأَ) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (ثُمَّ إنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعْهُ وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَهُ الْقَوَدُ إنْ غُذِّيَ بِلَبَنِ شَاةٍ فَائِدَةٌ: مُدَّةُ الرَّضَاعِ حَوْلَانِ كَامِلَانِ وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا تَلْزَمُ بِأُجْرَةِ رَضَاعِهِ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا) بِلَا نِزَاعٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَتَّى تَسْقِيَ اللِّبَأَ وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَتَفْرُغَ مِنْ نِفَاسِهَا وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هِيَ فِيهِ كَمَرِيضٍ وَأَنَّهُ إنْ تَأَثَّرَ لَبَنُهَا بِالْجَلْدِ وَلَمْ يُوجَدْ مُرْضِعٌ: أُخِّرَ الْقِصَاصُ قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي تَأْخِيرَ الرَّجْمِ حَتَّى تَفْطِمَهُ وَقِيلَ: يَجِبُ التَّأْخِيرُ حَتَّى تَفْطِمَهُ نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: تُتْرَكُ حَتَّى تَفْطِمَهُ قَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَالتَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مِنْ الْحَامِلِ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَحْدُودَةِ فَإِنَّهَا لَا تُرْجَمُ حَتَّى تَفْطِمَ مَعَ وُجُودِ الْمُرْضِعَةِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَسْهَلُ وَلِذَلِكَ تُحْبَسُ فِي الْقِصَاصِ وَلَا تُحْبَسُ فِي الْحَدِّ وَلَا يُتَّبَعُ الْهَارِبُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ: اُحْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَعِبَارَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَالْخُلَاصَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا قَوَدَ عَلَى مَنْكُوحَةٍ مُخَالَطَةٍ لِزَوْجِهَا وَفِي حَالَةِ الظِّهَارِ احْتِمَالَانِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ: وَجَبَ ضَمَانُ جَنِينِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْوَلِيُّ عَالِمَيْنِ بِالْحَمْلِ وَتَحْرِيمِ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ جَاهِلَيْنِ بِالْأَمْرَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَالِمًا بِذَلِكَ دُونَ الْحَاكِمِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْحَاكِمُ سَبَبٌ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَلِيِّ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مَعْذُورٌ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا وَحْدَهُ: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ وَالثَّانِي: عَلَى الْوَلِيِّ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ حَدَثَ قَبْلَ الْوَضْعِ وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فِي ضَمَانِهَا وَجْهَانِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السُّلْطَانَ يَضْمَنُ: هَلْ تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي مَالِ الْإِمَامِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ " وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُهَا فِي مَالِهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَقُلْنَا: يَضْمَنُهُ السُّلْطَانُ فَهَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ إحْدَاهُمَا: تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَأْتِي قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ " بَابِ الْعَاقِلَةِ " قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ) أَوْ نَائِبِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حُضُورِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَهُ شَاهِدَيْنِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ خَالَفَ وَاسْتَوْفَى مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ: وَقَعَ مَوْقِعَهُ وَلِلسُّلْطَانِ تَعْزِيرُهُ

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَيُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ فَظَاهِرُهُ: الْوُجُوبُ وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يُعَزِّرُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَالْمَالِ وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ هَانِئٍ مِثْلَهُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُسْتَحَبُّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُحْضِرَ الْقِصَاصَ عَدْلَيْنِ فَطِنَيْنِ حَتَّى لَا يَقَعَ حَيْفٌ وَلَا جُحُودٌ وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالْحَدِّ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَالْمُنَوِّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: مِنْ مُسْتَحَقِّي الْجِنَايَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رَجُلٌ يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُسْتَأْجَرُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ: فَمِنْ مَالِ الْجَانِي قَوْلُهُ (وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إذْ كَانَ يُحْسِنُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الطَّرَفِ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْقَاضِي وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّوْكِيلُ فِي الطَّرَفِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: يُوَكِّلُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ يَجْهَلُهُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِي الِاسْتِيفَاءِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: يُعَيِّنُ الْإِمَامُ أَحَدَهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ يُوَكِّلُهُ الْبَاقُونَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اقْتَصَّ الْجَانِي مِنْ نَفْسِهِ فَفِي جَوَازِهِ بِرِضَى الْوَلِيِّ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَقَعُ ذَلِكَ قَوَدًا وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَقَعُ ذَلِكَ قَوَدًا وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَالَ: وَلَوْ أَقَامَ حَدَّ زِنًا أَوْ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ: لَمْ يَسْقُطْ بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ وَيَأْتِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ هَلْ يَسْقُطُ بِإِقَامَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَهُ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَلَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ لِفَوَاتِ الرَّدْعِ وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ: فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ فَجَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي عَلَى جَوَازِهِ إذْنًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ قَالَ: وَهُوَ مُرَادُ الْقَاضِي وَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ؟ يُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَدِ قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تَخْرِيجٍ فِي حَدِّ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ وَعَدَمُ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسِهِ وَقَدْ يُقَالُ: بِحُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرُ بِحُصُولِ الْأَلَمِ وَالتَّأَذِّي بِذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِالسَّيْفِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: فِي قَوَدٍ وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِسَيْفٍ لِأَنَّهُ أَزَجْرُ لَا بِسِكِّينٍ وَلَا فِي طَرَفٍ إلَّا بِهَا لِئَلَّا يَحِيفَ وَأَنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ انْتَهَى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ إلَّا مَا اسْتَثْنَى أَوْ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: هَذَا أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَوْضَحُ دَلِيلًا فَعَلَيْهَا: وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ: فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ أَوْ أَغْرَقَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ: فُعِلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مِفْصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ: فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ هُنَا قَتْلٌ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ انْفَرَدَ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ كَمَا لَوْ أَجَافَهُ أَوْ أَمَّهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعِهِ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ سَاقِهِ أَوْ يَدًا نَاقِصَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ زَائِدَةً وَنَحْوَهُ فَسَرَى وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمَا لَا يَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ كَالْقَطْعِ مِنْ مِفْصَلٍ وَالْمُوضِحَةِ وَمَثَّلَ لِمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْقَطْعِ مِنْ الْمِفْصَلِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ لَوْ انْفَرَدَ؛ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ: فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ

اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا فَيَصِحُّ تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الطَّرَفِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِيِّ وَجَمَاعَةٍ فَفِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ طَرِيقَانِ وَلَكِنَّ التَّرْجِيحَ مُخْتَلِفٌ وَحَيْثُ قُلْنَا: يُفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ وَفَعَلَ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ أَوْ الدِّيَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ: رِوَايَةً يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَعَنْهُ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إنْ كَانَ مُوجِبًا وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إنْ كَانَ مُوجِبًا أَوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِهِ لَوْ انْفَرَدَ وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَمْ يَضْمَنْ وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ: فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي قَوَدِ نَفْسِهِ كَدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي إحْدَاهُمَا: يَدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ وَيَكْفِي قَتْلُهُ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَدْخُلُ قَوَدُ الطَّرَفِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ فَلَهُ قَطْعُ طَرَفِهِ ثُمَّ قَتْلُهُ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فَائِدَةُ الرِّوَايَتَيْنِ: لَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ لِأَنَّ قَطْعَ السِّرَايَةِ كَانْدِمَالِهِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ قَطَعَ طَرَفًا ثُمَّ عَفَا إلَى الدِّيَةِ: كَانَ لَهُ تَمَامُهَا

وَإِنْ قَطَعَ مَا يُوجِبُ الدِّيَةَ ثُمَّ عَفَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَبُ بِهِ دِيَةٌ ثُمَّ عَفَا: فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ أَفْضَلُ وَإِنْ قَطَعَ مَا قَطَعَ الْجَانِي أَوْ بَعْضَهُ ثُمَّ عَفَا مَجَّانًا: فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ عَفَا إلَى الدِّيَةِ: لَمْ يَجُزْ بَلْ لَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ سَقَطَ قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلَا قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (وَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ أَوْ قَتَلَهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: فِيهِ دِيَتُهُ إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ وَجَزَمُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَقَالُوا: أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَوْ يَقْتُلُهُ فَائِدَةٌ: لَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَقَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رِجْلَ الْجَانِي فَقِيلَ: هُوَ كَقَطْعِ يَدِهِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَةُ رِجْلِهِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْفُرُوعِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَرَضُوا بِقَتْلِهِ: قُتِلَ لَهُمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ وَإِنْ تَشَاحُّوا فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ: أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ) وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْخِرَقِيِّ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً: أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ انْتَهَى وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَقِيلَ: يُقَادُ لِلْكُلِّ اكْتِفَاءً مَعَ الْمَعِيَّةِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إذَا طَلَبُوا الْقَوَدَ فَقَدْ رَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَأَنَّهُ قَوْلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُجْبَرَ لَهُ بَاقِي حَقِّهِ بِالدِّيَةِ وَيَتَخَرَّجُ: يُقْتَلُ بِهِمْ فَقَطْ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا فِي الْمُسْتَوْفِي: أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ بِلَا نِزَاعٍ فَلَوْ بَادَرَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَقَتَلَهُ: اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الدِّيَةِ

وَإِنْ قَتَلَهُمْ مُتَفَرِّقًا وَأَشْكَلَ الْأَوَّلُ وَادَّعَى وَلِيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ فَأَقَرَّ الْقَاتِلُ لِأَحَدِهِمْ: قُدِّمَ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِلَا خِلَافٍ الثَّانِيَةُ: لَوْ عَفَا الْأَوَّلُ عَنْ الْقَوَدِ: فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْبَاقِينَ أَوْ يُقَدَّمُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ أَوْ يُقَادُ لِلْكُلِّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا: قُطِعَ طَرَفُهُ ثُمَّ قُتِلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَا قَوَدَ حَتَّى يَنْدَمِلَ وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَإِصْبَعَ آخَرَ: قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إنْ كَانَ أَوَّلًا وَلِلْآخَرِ دِيَةُ إصْبَعِهِ وَإِنْ كَانَ آخِرًا: قُدِّمَ رَبُّ الْإِصْبَعِ ثُمَّ يُقْتَصُّ رَبُّ الْيَدِ وَفِي أَخْذِهِ دِيَةَ الْإِصْبَعِ الْخِلَافُ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ لَهُ دِيَةَ الْإِصْبَعِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَتْلِ) فِيمَا تَقَدَّمَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي تَيَمُّمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً لِبَعْضِ بَدَنِهِ: وَلَوْ قَطَعَ يُمْنَى رِجْلَيْهِ فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ لَهُمَا: أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِيَةِ الْيَدِ الْكُلُّ مِنْهُمَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَبَعْضِ الْمُبْدَلِ فَائِدَةٌ: لَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ: فَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَفِي كِتَابِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ

وَقَدَّمَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَابْنُ رَزِينٍ: يَرْجِعُ عَلَى قَاتِلِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: بَلْ عَلَى قَاتِلِ الْجَانِي وَقِيلَ: إنْ سَقَطَ الْقَوَدُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمْ: فَعَلَى الْجَانِي وَإِنْ سَقَطَ لِلشَّرِكَةِ: فَعَلَى الْمُسْتَوْفَى وَتَقَدَّمَ إذَا اسْتَوْفَى بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْقِصَاصَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ " وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ "

باب العفو عن القصاص

[بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ] ِ قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِصَاصُ، أَوْ الدِّيَةُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْخِيَرَةُ فِيهِ إلَى الْوَلِيِّ " فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ. وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ. وَإِنْ شَاءَ عَفَا إلَى غَيْرِ شَيْءٍ. وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ. بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اسْتِيفَاءُ الْإِنْسَانِ حَقَّهُ مِنْ الدَّمِ عَدْلٌ، وَالْعَفْوُ إحْسَانٌ. وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ. لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ. وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ. فَإِذَا حَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي، إمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ. فَلَا يُشْرَعُ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْمُحَارِبِينَ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مُطَالَبَةُ الْمَقْتُولِ بِالْقِصَاصِ تُوجِبُ تَحَتُّمَهُ. فَلَا يُمَكَّنُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَفْوِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَعْلَى. فَكَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْأَدْنَى. وَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ لَهُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الدِّيَةُ هِيَ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهَا بِاخْتِيَارِهِ الْقِصَاصَ، فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي التَّرْغِيبِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: إنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ. وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ كَانَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الصُّلْحِ " حَيْثُ قَالَ " وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا " وَاسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَلَهُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي) . يَعْنِي: إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، مَعَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا.

وَعَنْهُ: أَنَّ مُوجِبَهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ بِدُونِ رِضَا الْجَانِي فَيَكُونُ قَوَدُهُ بِحَالِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَرْضَ الْجَانِي فَقَوَدُهُ بَاقٍ. وَيَجُوزُ لَهُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: لَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ رَضِيَ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ، أَوْ عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَنْ يَدِهِ: فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى خَاصَّةً. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا وَقُلْنَا: يَجِبُ بِالْعَمْدِ قَوَدٌ أَوْ دِيَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوَدُ فَقَطْ سَقَطَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَمَّا يَذْكُرْ مَالًا فَإِنْ قُلْنَا: مُوجِبُهُ الْقِصَاصُ عَيْنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ شَيْئَيْنِ: ثَبَتَ الْمَالُ. وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ سَقَطَ. وَلَا شَيْءَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، عَلَى كُلِّ قَوْلٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَمَنْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ قَدْ عَفَوْت عَنْك، أَوْ عَنْ جِنَايَتِك: فَقَدْ بَرِئَ مِنْ قَوَدِ ذَلِكَ وَدِيَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الدِّيَةِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ الْعَافِي أَنَّهُ أَرَادَهَا بِلَفْظِهِ.

وَقِيلَ: يَبْرَأُ مِنْهَا، إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَرَدْت الْقَوَدَ دُونَ الدِّيَةِ. فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ وَحْدَهُ: سَقَطَ وَلَا دِيَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُ شَيْئَيْنِ: انْصَرَفَ الْعَفْوُ إلَى الْقِصَاصِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى يَسْقُطَانِ جَمِيعًا. ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ إلَى غَيْرِ مَالٍ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا: فَلَا مَالَ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ هَذَا لَغْوٌ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: سَقَطَ الْقِصَاصُ وَالْمَالُ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَبَرُّعَ لَهُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَالْمُكَاتَبُ. وَالْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْوَرَثَةُ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الدُّيُونِ لِلتَّرِكَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَسْقُطُ الْمَالُ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ. وَفِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْعَفْوَ لَا يَصِحُّ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ، لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ. كَالْقَتْلِ مُكَابَرَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي قَاتِلِ الْأَئِمَّةِ: يُقْتَلُ حَدًّا؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ عَامٌّ أَعْظَمُ مِنْ الْمُحَارِبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ) . وَكَذَا لَوْ قُتِلَ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي الْمَوْتِ. وَقَدَّمَاهُ فِي الْقَتْلِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَقَتْلِهِ. وَخَرَّجَهُ وَجْهًا. وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا، أَوْ مُوسِرًا. وَسَوَاءٌ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، أَوْ الْوَاجِبُ: أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إذَا قُتِلَ إلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي. فَيُخَيَّرُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ بَيْنَ قَتْلِهِ، أَوْ الْعَفْوِ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ النَّصَّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. وَقَدْ فَاتَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا: الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَطَعَ إصْبَعًا عَمْدًا. فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتْ إلَى الْكَفِّ، أَوْ النَّفْسِ، وَكَانَ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ: فَلَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ) . يَعْنِي: تَمَامَ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَطَعَ إصْبَعًا عَمْدًا فَعَفَا عَنْهَا، فَسَرَتْ إلَى الْكَفِّ. فَقَالَ: لَمْ أَعْفُ عَنْ السِّرَايَةِ وَلَا عَنْ الدِّيَةِ: صُدِّقَ إنْ حَلَفَ. وَلَهُ دِيَةُ كَفِّهِ. وَقِيلَ: دُونَ إصْبَعٍ. وَقِيلَ: تُهْدَرُ كَفُّهُ بِعَفْوِهِ. وَإِنْ سَرَتْ إلَى نَفْسِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَقَطْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْعَفْوُ إلَى مَالٍ، وَإِلَّا فَلَا.

وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: الْكُلُّ هَدَرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ: فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ تَمَامَ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَلِيُّ بِنِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إنَّمَا عَفَا عَنْ نِصْفِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا: انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ) . فَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ. وَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ عَيْنًا: فَهُوَ كَمَا لَوْ عَفَا إلَى غَيْرِ مَالٍ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَهُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، عَلَى الْأَوْلَى خَاصَّةً، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَقِيلَ: تَسْقُطُ الدِّيَةُ كُلُّهَا. كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِي عَنْ الْقَطْعِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ، أَوْ تَمَامُ الدِّيَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَائِدَةٌ: إذَا قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ " عَفَوْت عَنْك، أَوْ عَنْ جِنَايَتِك " بَرِيء مِنْ الدِّيَةِ. كَالْقَوَدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَبْرَأُ مِنْ الدِّيَةِ إذَا قَصَدَهَا بِقَوْلِهِ. وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى قَصْدَ الْقَوَدِ فَقَطْ قُبِلَ وَإِلَّا بَرِئَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قُلْنَا مُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: بَقِيَتْ الدِّيَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِي الْقِصَاصِ، ثُمَّ عَفَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . يَعْنِي: عَلَى الْوَكِيلِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ. وَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ: وَقَالَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ: يَخْرُجُ فِي صِحَّةِ الْعَفْوِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَكِيلِ: هَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ عِلْمِهِ، أَمْ لَا؟ قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَضْمَنُ: فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ: يَكُونُ فِي مَالِهِ حَالًّا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. فَعَلَيْهِمَا: إنْ كَانَ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَهِيَ لِلْعَافِي عَلَى الْجَانِي. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِي؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ: صَحَّ) . سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ فِي الْقَوَدِ: إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ إذَا بَرِئَ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا " صَحَّ. وَلَمْ يَضْمَنْ السِّرَايَةَ.

فَإِنْ كَانَ عَمْدًا: لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُمَا مِنْ الثُّلُثِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: السُّقُوطُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَإِنْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ هَذَا الْجُرْحِ، أَوْ هَذِهِ الضَّرْبَةِ " فَعَنْهُ: يَضْمَنُ السِّرَايَةَ بِقِسْطِهَا مِنْ الدِّيَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَإِنْ قَالَ " عَفَوْت عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ " وَأَطْلَقَ: لَمْ يَضْمَنْ السِّرَايَةَ. وَإِنْ قَصَدَ بِالْجِنَايَةِ الْجُرْحَ. فَفِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قَدَّمَ فِي النَّظْمِ عَدَمَ الضَّمَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأهُ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا، فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ: هَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " كِتَابِ الْمُقْنِعِ " وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: إنْ كَانَ خَطَأً: اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ. وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: تَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَالِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُوصَى لَهُ " عِنْدَ قَوْلِهِ " إذَا جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحِ ". وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ، وَلَا وَصِيَّتُهُ بِهِ لِقَاتِلٍ وَلَا غَيْرِهِ. إذَا قُلْنَا: يَحْدُثُ، عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ " فِيمَا إذَا قَتَلَ وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ: هَلْ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ فَلْيُرَاجَعْ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ، لَا الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: تَخَرَّجَ فِي السِّرَايَةِ فِي النَّفْسِ رِوَايَاتٌ: الصِّحَّةُ، وَعَدَمُهَا وَالثَّالِثَةُ: يَجِبُ النِّصْفُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الْعَفْوِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ. وَيَبْقَى مَا قَابَلَ السِّرَايَةَ. لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَمْدِ، وَفِي الْخَطَإِ مِنْ ثُلُثِهِ. قُلْت: وَذَكَرَ أَيْضًا هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْقَاتِلَ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوْ الْعَبْدَ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ: لَمْ يَصِحَّ) . فِي الْأُولَى قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ إبْرَاءُ الْعَبْدِ مِنْ جِنَايَتِهِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ أَوْ السَّيِّدَ: صَحَّ) .

هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِحَالٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: تَجِبُ الدِّيَةُ لِلْوَرَثَةِ. لَا لِلْمَقْتُولِ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ، أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ: فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ. لِأَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مَالًا، أَوْ طَلَبَ بَدَلٍ هُوَ مَالٌ كَالْقِصَاصِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا لَهُ بَدَلٌ هُوَ مَالٌ: فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، كَالْقَسَمِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالْعُنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: إذَا قُلْنَا " الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ " يَحْتَمِلُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ مَا لَمْ يَعْفُ الْعَبْدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ لِلسَّيِّدِ الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ: فِيهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْعَبْدِ مِمَّا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُخَيَّرًا فِيهِ. فَيَكُونُ مَنْفِيًّا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ: وَجْهَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ. وَهُنَا أَوْلَى بِعَدَمِ السُّقُوطِ. إذْ ذَاتُ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ. انْتَهَى.

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] ِ قَوْلُهُ (كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ: أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا. وَمَنْ لَا فَلَا) . يَعْنِي: وَمَنْ لَا يُقَادُ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ لَا يُقَادُ بِهِ فِيمَا دُونَهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَ الْعَبِيدِ مُطْلَقًا. نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ، وَمُهَنَّا. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَعَنْهُ: لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، حَتَّى تَسْتَوِيَ الْقِيمَةُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ حَرْبٌ فِي الطَّرَفِ: كَأَنَّهُ مَالٌ، إذَا اسْتَوَتْ الْقِيمَةُ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي " بَابِ شُرُوطِ الْقِصَاصِ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ إلَّا بِمِثْلِ الْمُوجِبِ فِي النَّفْسِ. وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّيرَازِيُّ: يَجِبُ الْقِصَاصُ أَيْضًا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي رِوَايَةً. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجْرِي) الْقِصَاصُ (فِي الْأَلْيَةِ وَالشَّفْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

أَطْلَقَ فِي إجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْأَلْيَةِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ إحْدَاهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِمَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي إجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الشَّفْرِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَلَا قِصَاصَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ) . أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا. لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِي ذَلِكَ الْحَيْفِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَالشَّالَنْجِيُّ: الْقَوَدُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، قَالُوا: مَا أَصَابَ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا، وَكَانَ دُونَ النَّفْسِ: فَفِيهِ الْقِصَاصُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَلِكَ أَرَى. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فِي أَدَبٍ يُؤَدِّبُهَا بِهِ. فَإِنْ اعْتَدَى، أَوْ جَرَحَ، أَوْ كَسَرَ: يُقْتَصُّ لَهَا مِنْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا قَتَلَهُ بِعَصًا، أَوْ خَنَقَهُ، أَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ: يُقْتَلُ بِمِثْلِ الَّذِي قَتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجُرُوحَ قِصَاصٌ. وَنَقَلَ أَيْضًا: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْكَسْرِ، يُقْدَرُ عَلَى الِاقْتِصَاصِ، يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْأَخْبَارِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا أَوْ تِبْرًا. هَلْ يُقْتَصُّ فِي الْمَالِ " مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ؟ الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ حَمْدَانَ تَبَعًا لِأَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ: أَمْنُ الْحَيْفِ. وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَالْخِرَقِيُّ إنَّمَا اشْتَرَطَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ. وَتَبِعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ. وَجَعَلَ الْمَجْدُ أَمْنَ الْحَيْفِ شَرْطًا لِجَوَازِ الِاسْتِيفَاءِ. وَهُوَ التَّحْقِيقُ. وَعَلَيْهِ: لَوْ أَقْدَمَ وَاسْتَوْفَى، وَلَمْ يَتَعَدَّ وَقَعَ الْمَوْقِعُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكَذَا صَرَّحَ الْمَجْدُ.

وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَمْدَانَ، وَمَا فِي الْمُقْنِعِ: تَكُونُ جِنَايَةً مُبْتَدَأَةً. يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ عَنْ ابْنِ حَمْدَانَ، وَالْمُصَنِّفُ: إذَا أَقْدَمَ وَاسْتَوْفَى أَكْثَرُ مَا فِيهِ: أَنَّا إذَا خِفْنَا الْحَيْفَ: مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ. فَلَوْ أَقْدَمَ وَفَعَلَ، وَلَمْ يَحْصُلْ حَيْفٌ: فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا مَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ، أَوْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ السَّاقِ) . وَكَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْعَضُدِ، أَوْ الْوَرِكِ: فَلَا قِصَاصَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا قِصَاصَ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يُقْتَصُّ مِنْ حَدِّ الْمَارِنِ، وَمِنْ الْكُوعِ وَالْمَرْفِقِ، وَالرُّكْبَةِ وَالْكَعْبِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا قَطَعَهُ مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ، أَوْ زَادَ قَطْعَ الْأَصَابِعِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ، ثُمَّ تَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ: فَلَا قَوَدَ لَهُ أَيْضًا، اعْتِبَارًا بِالِاسْتِقْرَارِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يُقْتَصُّ هُنَا مِنْ الْكُوعِ أَوْ الْكَعْبِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ لَهُ أَرْشٌ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهُرُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. قَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ حُكُومَةً مَعَ الْقِصَاصِ. وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ: لَيْسَ لَهُ الْقَطْعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الذِّرَاعِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْكُوعِ، فَعِنْدَهُ فِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ لِمَا قَطَعَ مِنْ الذِّرَاعِ: وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ هُنَا يَعُودُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. يَعْنِي سَوَاءً قُلْنَا: يُقْتَصُّ، أَوْ لَا يُقْتَصُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَيْهِمَا فِي أَرْشِ الْبَاقِي وَلَوْ خَطَأً: وَجْهَانِ. وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ. مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. هُوَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُقْتَصُّ مِنْ الْمَنْكِبِ إذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ إنْ خِيفَ: هَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الثَّانِيَةُ: لَوْ خَالَفَ وَاقْتَصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ، أَوْ مِنْ مَأْمُومَةٍ، أَوْ جَائِفَةٍ، أَوْ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ: أَجْزَأَهُ. بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْضَحَ إنْسَانًا. فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ، أَوْ سَمْعُهُ، أَوْ شَمُّهُ. فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ. فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَ فِيهِ مَا يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْرَى عَلَى حَدَقَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَنْفِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي اسْتِعْمَالَ مَا يُذْهِبُ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِ مَا يُذْهِبُهُ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ. وَلَوْ أَذْهَبَ ذَلِكَ عَمْدًا بِشَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا، أَوْ لَطْمَةٍ: فَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالدَّوَاءِ، أَوْ تَتَعَيَّنُ دِيَتُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ أَوْ غَيْرَهَا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْجِنَايَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ سَقَطَ) . يَعْنِي الْقَوَدُ وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَا تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ، وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ) . أَنَّ الزَّائِدَةَ تُؤْخَذُ بِالزَّائِدَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوِيَا مَحِلًّا وَخِلْقَةً، وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِهَا أَيْضًا. فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ تُؤْخَذْ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ: تُؤْخَذُ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِزَائِدَةٍ إصْبَعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تُؤْخَذُ بِهَا. فَإِنْ ذَهَبَتْ الْإِصْبَعُ الزَّائِدَةُ: فَلَهُ الْأَخْذُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ: لَمْ يَجُزْ) . يَعْنِي: إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْأَصْلِيَّةَ بِالزَّائِدَةِ، أَوْ عَكْسِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ فَعَلَا، أَوْ قَطَعَهَا تَعَدِّيًا، أَوْ قَالَ " أَخْرِجْ يَمِينَك " فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ.

هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا: لَمْ يَجُزْ. وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ: فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا) . هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ وَاخْتِيَارُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَالَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا يَسَارٌ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ. وَيُعَزَّرُ وَجَزَمَ بِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا، وَقَطَعَهَا: أَنَّهَا تَذْهَبُ هَدَرًا. انْتَهَى. وَقَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ " وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ " يَعْنِي: إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا. فَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا: فَفِي سُقُوطِهِ إلَى الدِّيَةِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ دَهِشَ: اُقْتُصَّ مِنْ يَسَارِ الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّثَبُّتِ. وَقَالَ: إنْ قَطَعَهَا عَالِمًا عَمْدًا فَالْقَوَدُ. وَقِيلَ: الدِّيَةُ. وَيُقْتَصُّ مِنْ يُمْنَاهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ. فَلَا يُؤْخَذُ لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي لِسَانِ النَّاطِقِ بِأَخْرَسَ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَلَا عِنِّينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِمَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ ذَكَرُ الْفَحْلِ بِذَكَرِ الْعِنِّينِ خَاصَّةً، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُؤْخَذُ ذَكَرُ الْفَحْلِ بِالْخَصِيِّ. وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَجْهَانِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: هَلْ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، أَوْ حُكُومَةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (إلَّا مَارِنُ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ يُؤْخَذُ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ

وَالْمَجْذُومِ، وَالْمُسْتَحْشِفِ، وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، فِي أَخْذِ الصَّحِيحِ بِالْمُسْتَحْشِفِ الْوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَخْذَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَنْفِ الْأَشَمِّ بِالْأَنْفِ الْأَخْشَمِ وَبِالْأُذُنِ الْأَصَمِّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ: عَدَمَ أَخْذِ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَنْفِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ الْمَخْزُومَتَيْنِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَخْذَ الْأُذُنِ الصَّحِيحَةِ بِالْأُذُنِ الشَّلَّاءِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: لَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ صَحِيحٌ بِأَشَلَّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُؤْخَذُ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي الْمَخْزُومِ خَاصَّةً. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ أُذُنِ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلَّاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ أَرَ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا إلَّا الصَّمَمَ مُنْفَرِدًا، وَالشَّلَلَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ. فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ هُنَا وَاوٌ.

وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: بِأُذُنِ الْأَصَمِّ وَالشَّلَّاءِ، مُوَافَقَةً لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ) كُلِّهِ (بِالصَّحِيحِ، وَبِمِثْلِهِ إذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلَّاءِ التَّلَفُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: لَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي قَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الشَّلَلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَشَيْخِهِ. وَقِيلَ: الشَّلَلُ مَوْتٌ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: سَمِعْته مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْبُلْهِ الْمُدَّعِينَ لِلْفِقْهِ. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَإِلَّا لَأَنْتَنَ وَاسْتَحَالَ كَالْحَيَوَانِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ ثَبَتَ فَلَا قَوَدَ فِي مَيِّتٍ.

وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ لَهُ أَرْشَهُ مُطْلَقًا. قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ وَصِحَّتِهِ، فَأَيُّهَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ عَكْسَ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ فِي أَعْضَاءٍ بَاطِنَةٍ لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْعُضْوِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ وَمَارِنِهِ، أَوْ شَفَتِهِ، أَوْ حَشَفَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ: أُخِذَ مِثْلُهُ، يُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي غَيْرِ قَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا قَوَدَ بِبَعْضِ اللِّسَانِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ السِّنِّ حَتَّى يُؤْيَسَ مِنْ عَوْدِهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ فِي سِنِّ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهَا: الْقَوَدَ فِي الْحَالِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّ سِنَّ الْكَبِيرِ إذَا قُلِعَتْ يَيْأَسُ مِنْ عَوْدِهَا غَالِبًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا، فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا) . يَجِبُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. بَلْ تَذْهَبُ هَدَرًا كَنَبْتِ شَيْءٍ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ فَائِدَةٌ: الظُّفْرُ كَالسِّنِّ فِي ذَلِكَ. وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ. وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: لَهُ الْقَوَدُ حَيْثُ شَرَعَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ سِنٍّ، فَعَادَتْ غَرِمَ سِنَّ الْجَانِي، ثُمَّ إنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي: رَدَّ مَا أَخَذَ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، ثُمَّ نَبَتَتْ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ. قَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ ذِكْرِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا " فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا " يَرُدُّ مَا أَخَذَ " فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. كَمَالٍ ضَالٍّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ. فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ. كَالْمُوضِحَةِ وَجُرْحِ الْعَضُدِ وَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمُوضِحَةُ يُقْتَصُّ مِنْهَا؟ قَالَ: الْمُوضِحَةُ كَيْفَ يُحِيطُ بِهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْجُرُوحِ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَأَعْظَمَ مِنْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْمُوضِحَةِ. كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ. فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَهُ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ. فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ. وَفِي الْمُنَقِّلَةِ: عَشْرًا. وَفِي الْمَأْمُومَةِ: ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَثُلُثًا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ، فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ. فَلَوْ أَوْضَحَ إنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (وَفِي الْأَرْشِ لِلزَّائِدِ وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَفِي بَعْضِ إصْبَعٍ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَ فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الزَّائِدِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمَا: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الزَّائِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ لِلزَّائِدِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَهُ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَكَانَ رَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرَ مِنْهُ: فَلَهُ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ فَقَطْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَمِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ بِقَدْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْهُمَا: لَمْ يُعْدَلْ عَنْ جَانِبِهَا إلَى غَيْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ، أَوْ جُرْحٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ، وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ، مِثْلُ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا، حَتَّى تَبِينَ: فَعَلَى جَمِيعِهِمْ الْقِصَاصُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَالشَّارِحُ: هَذَا أَشْهُرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ. وَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " وَشَرْطُهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. أَمَّا لَوْ تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ، أَوْ قَطَعَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ: فَلَا قِصَاصَ. رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ " أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ يَدَ أَحَدٍ " حَنِثَ بِهَذَا الْفِعْلِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَاطِعٌ لِجَمِيعِ الْيَدِ. قَوْلُهُ (وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ. فَلَوْ قَطَعَ إصْبَعًا فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا، وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتْ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنْ الْكُوعِ: وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ شُلَّ فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا قَوَدَ بِنَقْصِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ. قَوْلُهُ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا، فَسَرَى إلَى النَّفْسِ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ اقْتَصَّ قَهْرًا مَعَ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ: لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَعِنْدَ الْقَاضِي يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَطَرَفٍ. فَقُطِعَ طَرَفُهُ فَسَرَى. أَوْ صَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِرًا، فَقَتَلَهُ: هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ كَمَا يُجْزِئُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ عَنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لَهُ. وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا وَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الطَّرَفِ إلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الطَّرَفِ قَبْلَ بُرْئِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. بَلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ الْقَوَدُ قَبْلَ بُرْئِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ مِنْ قَوْلِنَا: إنَّهُ إذَا سَرَى إلَى السِّنِّ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ) (اقْتَصَّ) قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ (مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ فَلَوْ سَرَى إلَى نَفْسِهِ: كَانَ هَدَرًا) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

كتاب الديات

[كِتَابُ الدِّيَاتِ] ِ قَوْلُهُ (كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إنْسَانًا، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ، أَوْ سَبَبٍ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ. فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا: فَهِيَ مِنْ مَالِ الْجَانِي حَالَّةً) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِيمَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ ". تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَإٍ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) . أَمَّا الْخَطَأُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ: فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُهُ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ ". قَوْلُهُ (وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إنْسَانٍ أَفْعَى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ، أَوْ طَلَبَ إنْسَانًا بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ فَهَرَبَ مِنْهُ، فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ بَصِيرًا كَانَ أَوْ ضَرِيرًا: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا انْدَهَشَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ. أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ إلْقَاءَ نَفْسِهِ، مَعَ الْقَطْعِ بِالْهَلَاكِ: فَلَا خَلَاصَ مِنْ الْهَلَاكِ. فَيَكُونُ كَالْمُبَاشِرِ مِنْ التَّسَبُّبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ: أَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) .

مُرَادُهُ: إذَا كَانَ الْحَفْرُ مُحَرَّمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فِنَائِهِ أَوْ غَيْرِهِ. فَمُرَادُهُ: ضَرْبُ مِثَالٍ. لَا حَصْرُ الْمَسْأَلَةِ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " قُبَيْلَ قَوْلِهِ " وَشِبْهُ الْعَمْدِ " فِي الْفَائِدَةِ الثَّامِنَةِ " إذَا حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ ". وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، أَوْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ. وَوَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا حُكْمُهُ؟ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (أَوْ صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ رَشَّهُ لِذَهَابِ الْغُبَارِ: فَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ ، كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي سَابِلَةٍ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَلْقَى كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ فِي الطَّرِيقِ فَكَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِيهَا شَيْئًا لَيْسَ مَنْفَعَةً ضَمِنَ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ " لَوْ تَرَكَ طِينًا فِي الطَّرِيقِ، أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا، أَوْ حَجَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ " فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا، فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا أَوْ سَائِقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَضْمَنُهُ، كَمِنْ سَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَمْسَكَ يَدَهُ فَمَاتَ وَنَحْوِهِ؛ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ) فَقَدْ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ. (فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَشْهُرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُتَسَبِّبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ كَقَاتِلٍ وَمُمْسِكٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا تَعَدَّيَا بِفِعْلِ ذَلِكَ. أَمَّا إنْ تَعَدَّى أَحَدُهُمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ الْبِئْرِ فِي أَوَاخِرِ الْغَصْبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَكِنَّ شَرْطَ ابْنِ عَقِيلٍ فِي ضَمَانِهِ كَوْنُ أَرْضِهِ تُعْرَفُ بِذَلِكَ. وَحَكَى صَاحِبُ النَّظْمِ فِي الْغَصْبِ: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: لَا يَضْمَنُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالصَّاعِقَةِ كُلُّ سَبَبٍ يَخْتَصُّ الْبُقْعَةَ، كَالْوَبَاءِ وَانْهِدَامِ سَقْفٍ عَلَيْهِ، وَنَحْوِهِمَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ بِمَرَضٍ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا لَوْ مَاتَ فَجْأَةً. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ. نَقَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ فِي الْغَصْبِ: وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ لَا يَضْمَنُ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّاعِقَةِ وَالْمَرَضِ. وَهُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْغَصْبِ " إذَا غَصَبَ صَغِيرًا: هَلْ يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ؟ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: لَوْ قَيَّدَ حُرًّا مُكَلَّفًا وَغَلَّهُ، فَتَلِفَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ حَيَّةٍ: فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (اصْطَدَمَ نَفْسَانِ) . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بَصِيرَانِ، أَوْ ضَرِيرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا. قُلْت: وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. (فَمَاتَا: فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِبَعْضِهِمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ تَصَادُمُهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إذَا كَانَ عَمْدًا يَضْمَنَانِ دُونَ عَاقِلَتِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ، فَمَاتَتْ الدَّابَّتَانِ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الْآخَرِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: إنْ غَلَبَتْ الدَّابَّةُ رَاكِبَهَا بِلَا تَفْرِيطٍ: لَمْ يَضْمَنْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالْآخَرُ وَاقِفًا، فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مَا يُتْلِفُهُ السَّائِرُ إذَا كَانَ الْآخَرُ وَاقِفًا، أَوْ قَاعِدًا. فَقَطَعَ بِضَمَانِ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ عَلَى السَّائِرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا. فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ السَّائِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِفِ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أَوْ وَاسِعٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا يُتْلِفُهُ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاعِدُ لِلسَّائِرِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَمَّا مَا يُتْلَفُ لِلسَّائِرِ إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ وَاسِعًا: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاقِفِ وَالْقَاعِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ وَدَابَّتِهِ ". ضَمَانُ الْوَاقِفِ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّائِرِ، وَضَمَانُ دَابَّةِ الْوَاقِفِ عَلَى نَفْسِ السَّائِرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُرَادٍ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ. قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّ الطَّرِيقَ الضَّيِّقَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْوَاقِفِ

أَوْ الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِوُقُوفِهِ فِيهِ، بَلْ السَّائِرُ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِسُلُوكِهِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ اصْطَدَمَ عَبْدَانِ مَاشِيَانِ فَمَاتَا: فَهَدَرٌ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقِيمَتُهُ فِي رَقَبَةِ الْآخَرِ كَسَائِرِ جِنَايَتِهِ. وَإِنْ اصْطَدَمَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَمَاتَا: ضُمِنَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي تَرِكَةِ الْحُرِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: نِصْفُهَا. وَتَجِبُ دِيَةُ الْحُرِّ كَامِلَةً فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهُ: أَوْ نِصْفُهَا. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، فَاصْطَدَمَا، فَمَاتَا: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الَّذِي أَرْكَبَهُمَا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي نَفْسِ الدِّيَةِ: عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ أَمَّا إنْ كَانَ التَّالِفُ مَالًا: فَإِنَّ الَّذِي أَرْكَبَهُمَا يَضْمَنُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَوْ أَرْكَبَهُمَا مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ أَرْكَبَهُمَا لِمَصْلَحَةٍ، فَهُمَا كَمَا لَوْ رَكِبَا وَكَانَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا أَرْكَبَهُمَا لِيُمَرِّنَهُمَا عَلَى الرُّكُوبِ إذَا كَانَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا. فَأَمَّا إنْ كَانَا لَا يَثْبُتَانِ بِأَنْفُسِهِمَا: فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ صَلَحَا لِلرُّكُوبِ وَأَرْكَبَهُمَا مَا يَصْلُحُ لِرُكُوبِ مِثْلِهِمَا: لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ رَكِبَ الصَّغِيرَانِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمَا: فَهُمَا كَالْبَالِغَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ اصْطَدَمَ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ. فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ: ضَمِنَهُ الْكَبِيرُ. وَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ: ضَمِنَهُ الَّذِي أَرْكَبَ الصَّغِيرَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ تَجَاذَبَ اثْنَانِ حَبْلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَانْقَطَعَ فَسَقَطَا فَمَاتَا: فَهُمَا كَالْمُتَصَادَمِينَ سَوَاءٌ انْكَبَّا أَوْ اسْتَلْقَيَا، أَوْ انْكَبَّ أَحَدُهُمَا وَاسْتَلْقَى الْآخَرُ. لَكِنَّ نِصْفَ دِيَةِ الْمُنْكَبِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَلْقِي مُغَلَّظَةً، وَنِصْفَ دِيَةِ الْمُسْتَلْقِي عَلَى عَاقِلَةِ الْمُنْكَبِّ مُخَفَّفَةً قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْغَصْبِ " أَحْكَامُ مَا إذَا اصْطَدَمَ سَفِينَتَانِ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ. فَقَتَلَ الْحَجَرُ إنْسَانًا: فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ) .

وَلَا قَوَدَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَصْدِ غَالِبًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. وَفِي الْفُصُولِ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَرَمْيِهِ عَنْ قَوْسٍ وَمِقْلَاعٍ وَحَجَرٍ عَنْ يَدٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ يَفْدِيهِ الْإِمَامُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَيْهِمْ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ ذَلِكَ عَمْدًا، إذَا كَانَ الْغَالِبُ الْإِصَابَةَ. قُلْت: إنْ قَصَدُوا رَمْيَهُ: كَانَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ: فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَحْسَنُ، وَأَصَحُّ فِي النَّظَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَيْنِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَهَذَا الْوَجْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ فِي أَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: تَكُونُ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعُهَا إلَى وَرَثَتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " أَحَدُهُمَا يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ". يَعْنِي: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَأَمَّا كَوْنُ أَحَدِهِمْ إذَا قَتَلَهُ الْحَجَرُ يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ فِي وَجْهٍ: فَقِيَاسٌ عَلَى الْمُتَصَادِمَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. فَعَلَى هَذَا: يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَلَمْ يُرَتِّبْ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى إلْغَاءِ فِعْلِ نَفْسِهِ كَمَالَ الدِّيَةِ، بَلْ رَتَّبَ عَلَيْهِ وُجُوبَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا. بَلْ وَجْهُ إيجَابِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ: أَنْ يَجْعَلَ مَا قَابَلَ فِعْلَ الْمَقْتُولِ سَاقِطًا لَا يَضْمَنُهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي إتْلَافِ نَفْسِهِ. فَلَمْ يَضْمَنْ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ كَمَا لَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِ بَهِيمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ. وَهَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَنَسَبَهُ إلَى الْقَاضِي. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ مُنَجَّا. وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ جَدْوَى. وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا قَالَ. فَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ " يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ " أَنَّهُ يَسْقُطُ فِعْلُ نَفْسِهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ". وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ فِعْلِ نَفْسِهِ وُجُوبُ كَمَالِ الدِّيَةِ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ: فَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ الْحُكْمَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ الْحَجَرُ الثَّلَاثَةَ، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَثُلُثُهَا هَدَرٌ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَالُ الدِّيَةِ لِلْآخَرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَالدِّيَةُ حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً، فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ.: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهَا كُلَّهَا. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ: فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِاتِّحَادِ فِعْلِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كَالْخَمْسَةِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَا يَضْمَنُ مَنْ وَضَعَ الْحَجَرَ وَأَمْسَكَ الْكِفَّةَ، كَمَنْ أَوْتَرَ الْقَوْسَ وَقَرَّبَ سَهْمًا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَتَوَجَّهُ رِوَايَتَا مُمْسِكٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى إنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ. دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ. وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ دِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقِ، فَرَجَعَ الْحَجَرُ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا نُحَمِّلُهُ دُونَ الثُّلُثِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. نَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ لَا يُودَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ. فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ. وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ فَمَاتَ الثَّانِي. فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِهِمَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) . وَدَمُ الثَّالِثِ هَدَرٌ. لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنْ مَاتُوا كُلُّهُمْ: فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ. وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ. وَالثَّالِثُ هَدَرٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَوْ كُلُّهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ يَقْتُلُ غَالِبًا: وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَإِلَّا فَهُوَ عَمْدٌ خَطَأً. فِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ. فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ خَطَأً: فَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِيَ، وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ: فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ. وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: دِيَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. لَكِنْ إنَّمَا مَحَلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَهُمْ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ ثُلُثُهَا وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إرْثًا وَقِيلَ: عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُهَا، وَالْبَاقِي هَدَرٌ. وَقِيلَ: دَمُهُ كُلُّهُ هَدَرٌ. ذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَخِيرَةَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نَظَرٌ. بَلْ حِكَايَةُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَلَطٌ. وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ: فِيمَا إذَا جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا. وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمُحَرَّرِ. وَأَسْقَطَ مِنْهَا الرَّابِعَ، فَفَسَدَتْ الْأَوْجُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ) . وَهِيَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِ نَفْسِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وُجُوبُ نِصْفِ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ كَمَا قُلْنَا " إذَا رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ، فَقَتَلَ الْحَجَرُ أَحَدَهُمْ " وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الدِّيَةَ

عَلَى مَنْ ذُكِرَ، لَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَصَرَّحَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَاقِلَةِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ. وَأَنَّ دِيَةَ الثَّانِي عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ. قِيلَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ: هَذَا عَمْدٌ خَطَأً. وَهَلْ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ هُنَا، وَالْآخَرَ فِي الْمُغْنِي. انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: دِيَةُ الْأَوَّلِ، قِيلَ: تَجِبُ كُلُّهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي، وَيُلْغَى فِعْلُ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَيُهْدَرُ نِصْفُ دِيَةِ الْقَاتِلِ، لِفِعْلِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى نَفْسِهِ لِوَرَثَتِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَجَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ، وَالثَّانِي الثَّالِثَ. وَالثَّالِثُ الرَّابِعَ: فَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى الثَّالِثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ: فَعَلَى الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَقِيلَ: عَلَى الْأَوَّلَيْنِ. وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا. وَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّانِي: فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: بَلْ ثُلُثَاهَا عَلَيْهِمَا. وَقِيلَ: عَلَى الثَّالِثِ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ، بَلْ عَلَى الثَّالِثِ كُلُّهَا أَوْ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: نِصْفُهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي دِيَةِ الثَّالِثِ: أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ. وَأَمَّا دِيَةُ الْأَوَّلِ: فَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ نِصْفَانِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: ثُلُثَاهَا عَلَيْهِمَا. تَنْبِيهٌ: تَتِمَّةُ الدِّيَةِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هَلَكَ مِنْ دَفْعَةِ الثَّالِثِ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي) ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِرَارًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ. فَجَذَبَ آخَرَ، وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا. وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا. فَقَتَلَهُمْ الْأَسَدُ فَالْقِيَاسُ: أَنَّ دَمَ الْأَوَّلِ هَدَرٌ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي. وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ. وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَانِ. وَدِيَةُ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. وَقِيلَ: دِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي خَاصَّةً. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَجِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّ دِيَةَ الْأَوَّلِ تَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَذْبَتِهِ وَجَذْبَةِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ، وَجَذْبَةِ الثَّالِثِ لِلرَّابِعِ. فَسَقَطَ فِعْلُ نَفْسِهِ. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّانِي: فَتَجِبُ عَلَى الثَّالِثِ وَالْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ. وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ: فَتَجِبُ عَلَى الثَّانِي خَاصَّةً. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي. وَأَمَّا دِيَةُ الرَّابِعِ: فَهِيَ عَلَى الثَّالِثِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْآخَرِ: تَجِبُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا. انْتَهَوْا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الْقِيَاسُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: لَمَّا قَدَّمَ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. قَالَ: وَالْقِيَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ. وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا. وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا. وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَ. ثُمَّ رَفَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ قَضَاءَهُ. فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهِ تَوْقِيفًا، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ فِي خَبَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَهُ عَلَى قَبَائِلِ الَّذِينَ ازْدَحَمُوا. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ. وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا. لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ. وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا. لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ. وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا. تَنْبِيهٌ: حَكَى الْمُصَنِّفُ هُنَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِيمَا إذَا خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَجَذَبَ آخَرَ إلَى آخِرِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. ثُمَّ قَالُوا: وَلَوْ تَدَافَعَ وَتَزَاحَمَ عِنْدَ الْحُفْرَةِ جَمَاعَةٌ. فَسَقَطَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِيهَا مُتَجَاذِبِينَ كَمَا وَصَفْنَا. فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَضَى فِيهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَصُورَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي حَكَاهَا هَؤُلَاءِ، جَزَمَ بِهَا وَبِحُكْمِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. مَعَ حِكَايَتِهِمَا الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَ مَا جَزَمَا بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا صَاحِبُ الْفُرُوعِ: فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ. وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا إنْ ازْدَحَمَ وَتَدَافَعَ جَمَاعَةٌ عِنْدَ الْحُفْرَةِ، فَوَقَعَ أَرْبَعَةٌ مُتَجَاذِبِينَ فَظَاهِرُهُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّهُمَا فِي الْخِلَافِ سَوَاءٌ. وَهُوَ أَوْلَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَغَيْرُهُمَا. لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَائِدَةٌ: وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ سِتَّةً تَغَاطَسُوا فِي الْفُرَاتِ فَمَاتَ وَاحِدٌ. فَرُفِعَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى

اثْنَيْنِ، فَقَضَى بِخُمُسَيْ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَبِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا عَلَى الِاثْنَيْنِ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ نَامَ عَلَى سَطْحِهِ، فَهَوَى سَقْفُهُ مِنْ تَحْتِهِ عَلَى قَوْمٍ لَزِمَهُ الْمُكْثُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِيمَنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِ نَارٌ. وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ لَمْ يَتَسَبَّبْ. وَإِنْ تَلِفَ شَيْءٌ بِدَوَامِ مُكْثِهِ أَوْ بِانْتِقَالِهِ: ضَمِنَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّائِبِ الْعَاجِزِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ، أَوْ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَةِ أَثَرِهَا كَمُتَوَسِّطِ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَمُتَوَسِّطِ الْجَرْحَى: تَصِحُّ تَوْبَتُهُ مَعَ الْعَزْمِ وَالنَّدَمِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ مِنْ الْغَصْبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمِنْهُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْجُرْحِ، وَتَخْلِيصِهِ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ الشَّبَكِ، وَحَمْلِهِ الْمَغْصُوبَ لِرَبِّهِ لِيَرْتَفِعَ الْإِثْمُ بِالتَّوْبَةِ. وَالضَّمَانُ بَاقٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَخُرُوجِ مُسْتَعِيرٍ مِنْ دَارٍ انْتَقَلَتْ عَنْ الْمُعِيرِ، وَخُرُوجِ مَنْ أَجْنَب مِنْ مَسْجِدٍ، وَنِزَاعِ مُجَامِعٍ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ اتِّفَاقًا. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ: تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ لَمْ يَتُبْ مِنْ أَصْلِهِ: تَصِحُّ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ شَاقِلَا. كَذَا تَوْبَةُ الْقَاتِلِ قَدْ تُشْبِهُ هَذَا. وَتَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ. وَكَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَأَبُو الْخَطَّابِ مَنَعَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ لِلْخُرُوجِ طَاعَةٌ. بَلْ مَعْصِيَةٌ. فَعَلَهَا لِدَفْعِ أَكْثَرِ الْمَعْصِيَتَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا. وَالْكَذِبُ لِدَفْعِ قَتْلِ إنْسَانٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: هُوَ الْوَسَطُ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ: أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْغَصْبِ مُتَمَثِّلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إنْ جَازَ الْوَطْءُ،

لِمَنْ قَالَ " إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَفِيهَا رِوَايَتَانِ. وَإِلَّا تَوَجَّهَ لَنَا أَنَّهُ عَاصٍ مُطْلَقًا، أَوْ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ، مُمْتَثِلٌ مِنْ وَجْهٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ إنْسَانٍ، أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ، فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ: ضَمِنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْأَطْعِمَةِ " إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ ". فَائِدَةٌ: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَخَذَ مِنْهُ تُرْسًا كَانَ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرْبًا. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ) . وَوَافَقَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ضَمَانَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعَ الطَّلَبِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَأَلْحَقَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَفَرَّقَ غَيْرُهُمَا بَيْنَهُمَا. انْتَهَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ " وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ ".

وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيمَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءَ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ: لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ مِنْهُ. فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الطَّعَامِ: فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنْهُ مَنْعًا كَانَ سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ، فَافْتَرَقَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ " لَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ " فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُمْ: فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِيمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ فِي غَزَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ حِمْلِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُذَكِّرُ النَّاسَ. فَإِنْ حَمَلُوهُ، وَإِلَّا مَضَى مَعَهُمْ. فَائِدَةٌ: مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ شَخْصٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ. وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ أَيْضًا فِي وُجُوبِ إنْجَائِهِ. قُلْت: جَزَمَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ بِاللُّزُومِ. وَتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ ". تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامِهِ. وَخَصُّوا الْحُكْمَ بِالْإِنْسَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَضْمُونٍ إذَا أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ الْخِلَافُ بِالْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ ذِي رُوحٍ. كَمَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ لِلْبَهَائِمِ. وَحَكَوْا فِي الزَّرْعِ رِوَايَتَيْنِ.

وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا اُضْطُرَّتْ بَهِيمَةُ الْأَجْنَبِيِّ إلَى طَعَامِهِ، وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ بِبَذْلِهِ، فَلَمْ يَبْذُلْهُ حَتَّى مَاتَتْ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَجَعَلَهَا كَالْآدَمِيِّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَفْزَعَ إنْسَانًا فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. ذَكَرَهُ فِي آخِرِ " بَابِ أَرْشِ الشِّجَاجِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَحْدَثَ بِبَوْلٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْإِحْدَاثَ بِالرِّيحِ كَالْإِحْدَاثِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالرِّيحِ. لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ أَفْحَشُ. فَلَا يُقَاسُ الرِّيحُ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى الْغَائِطِ. وَقَالَ: هَذَا الْأَقْوَى. وَوُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْإِحْدَاثِ: جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فَأَحْدَثَ. وَقِيلَ: مَرَّةً. أَمَّا إنْ اسْتَمَرَّ الْإِحْدَاثُ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ " فِي " بَابِ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا " فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ مِنْ الْإِفْزَاعِ: فَعَلَى الَّذِي أَفْزَعَهُ الضَّمَانُ. تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِشَرْطِهِ وَكَذَا لَوْ جَنَى الْفَزَعَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوْ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوْ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ، فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْإِجَارَةِ " لَمْ يَضْمَنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَنْصُوصِ. نَقَلَهُ ابْنُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَكْرٌ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا. فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا، أَوْ مَاتَتْ: فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِيِّ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: إنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ فَقَلَعَ عَيْنَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا، فَأَجْهَضَتْ جَنِينَهَا أَوْ مَاتَتْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ.

أَمَّا إذَا أَجْهَضَتْ جَنِينَهَا: فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ أَسْقَطَتْ بِطَلَبِ سُلْطَانٍ، أَوْ تَهْدِيدِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَاتَتْ بِوَضْعِهَا، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا، أَوْ اسْتَعْدَى السُّلْطَانُ ضَمِنَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْتَعِدِّي فِي الْأَخِيرَةِ فِي الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا. كَإِسْقَاطِهَا بِتَأْدِيبٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدٌ فِيهِ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِمَرَضٍ. وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ فَزَعًا مِنْ إرْسَالِ السُّلْطَانِ إلَيْهَا: فَجَزَمَ الْمُصَنِّف هُنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا أَيْضًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي مَوَاضِعَ: إنْ أَحْضَرَ الْخَصْمُ ظَالِمَةً عِنْدَ السُّلْطَانِ: لَمْ يَضْمَنْهَا، بَلْ جَنِينَهَا. وَفِي الْمُنْتَخَبِ: وَكَذَا رَجُلٌ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ أَفْزَعَهَا سُلْطَانٌ بِطَلَبِهَا وَقِيلَ: إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ غَيْرِهِ فَوَضَعَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهَا، أَوْ مَاتَتْ: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: تُهْدَرُ. وَإِنْ هَلَكَتْ بِرَفْعِهَا: ضَمِنَهَا. وَإِنْ أَسْقَطَتْ بِاسْتِعْدَاءِ أَحَدٍ إلَى السُّلْطَانِ: ضَمِنَ الْمُسْتَعِدِّي ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ

وَقِيلَ: لَا. وَإِنْ فَزِعَتْ فَمَاتَتْ فَوَجْهَانِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي ضَرْبِ عَبْدِهِ. فَضَرَبَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ: فَفِي ضَمَانه وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهَلْ يَسْقُطُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ. وَلَوْ أَذِنَ الْوَالِدُ فِي ضَرْبِ وَلَدِهِ، فَضَرَبَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ: ضَمِنَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُنُونِ: إنْ شَمَّتْ حَامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ. فَاضْطَرَبَ جَنِينُهَا فَمَاتَتْ هِيَ، أَوْ مَاتَ جَنِينُهَا، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ وَشَافِعِيَّانِ: إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا فَلَا إثْمَ، وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ عَلِمُوا، وَكَانَتْ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً أَنَّ الرَّائِحَةَ تَقْتُلُ: احْتَمَلَ الضَّمَانَ لِلْإِضْرَارِ. وَاحْتَمَلَ عَدَمَهُ، لِعَدَمِ تَضَرُّرِ بَعْضِ النِّسَاءِ. كَرِيحِ الدُّخَانِ يَتَضَرَّرُ بِهَا صَاحِبُ السُّعَالِ، وَضِيقِ النَّفَسِ: لَا ضَمَانَ وَلَا إثْمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ إلَى السَّابِحِ) يَعْنِي: الْحَاذِقَ (لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَضَمُنَّهُ الْعَاقِلَةُ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا سَلَّمَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ إلَى سَابِحٍ لَيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ: فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ نَفْسَهُ إلَى السَّابِحِ لَيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ: لَمْ يَضْمَنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلًا يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً، فَهَلَكَ بِذَلِكَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ السُّلْطَانَ. فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُهُ. وَهُوَ مِنْ خَطَإِ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ: بِذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ الْأَكْثَرَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: لَوْ أَمَرَ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ بِذَلِكَ: ضَمِنَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ مَا جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ. كَقَرَابَةٍ وَصُحْبَةٍ، وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا مُتَّجَهٌ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحٍ، فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إنْسَانٍ، فَتَلِفَ: لَمْ يَضْمَنْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ مُتَطَرِّفَةً. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَالَ النَّاظِمُ: إنْ لَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ فِي وَجْهٍ. كَمَنْ بَنَى حَائِطًا مُمَالًا، أَوْ مِيزَابًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ دَفَعَ الْجَرَّةَ حَالَ نُزُولِهَا عَنْ وُصُولِهَا إلَيْهِ: لَمْ يَضْمَنْ. وَكَذَا لَوْ تَدَحْرَجَ فَدَفَعَهُ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ فِيهَا وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَبَيْنَ طَعَامِهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِقَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي آخِرِ " بَابِ الْغَصْبِ " فِيمَا إذَا حَالَتْ الْبَهِيمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، فَقَتَلَهَا. فَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ فِي الضَّمَانِ احْتِمَالَيْنِ. وَاخْتَرْنَا هُنَاكَ عَدَمَ الضَّمَانِ. وَظَهَرَ لَنَا هُنَاكَ: أَنَّهَا كَالْجَرَادِ إذَا انْفَرَشَ فِي طَرِيقِ الْمُحْرِمِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُرُورِ إلَّا بِقَتْلِهِ.

باب مقادير ديات النفس

[بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ] ِ قَوْلُهُ (دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَهَذِهِ الْخَمْسُ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ. إذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ شَيْئًا مِنْهُ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ: أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ هَذِهِ الْخَمْسُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَكَوْنُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ أُصُولِ الدِّيَةِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ خَاصَّةً. وَهَذِهِ أَبْدَالٌ عَنْهَا. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِبِلِ أَخْرَجَهَا. وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَيْهَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَظْهَرُ دَلِيلًا، وَنَصَرَهُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِبِلِ انْتَقَلَ إلَيْهَا. وَكَذَا لَوْ زَادَ ثَمَنُهَا. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَلْفُ مِثْقَالٍ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. أَوْ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْحُلَلِ رِوَايَتَانِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَتْ أَصْلًا فِي الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ أَصْلٌ أَيْضًا. نَصَرَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الْحُلَلَ كَغَيْرِ الْإِبِلِ مِنْ الْأُصُولِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَقَدْرُهَا مِائَتَا حُلَّةٍ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَصْلٌ. كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ. هَكَذَا أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ جَدِيدَانِ مِنْ جِنْسٍ وَقَالَ أَيْضًا فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ. وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى تَكُونَ جَدِيدَةً تُحَلُّ عَنْ طَيِّهَا. هَذَا كَلَامُهُ. وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ جِنْسٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَجَبَتْ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، رَجَّحَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ رِوَايَةَ: الْعَمْدِ أَثْلَاثًا. وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعًا عَلَى صِفَةِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ حَمَلَ الْعَاقِلَةَ: أَنَّ الْعَمْدَ وَشِبْهَهُ كَالْخَطَأِ فِي قَدْرِ الْأَعْيَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْخَلِفَةِ (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَهَلْ يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثَنَايَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ. وَهِيَ مَا لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُضْحِيَّةِ.

صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثَنَايَا، إلَى بَازِلِ عَامٍ. وَلَهُ سَبْعُ سِنِينَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً وَجَبَتْ أَخْمَاسًا، عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالذِّمِّيَّ وَالْجَنِينَ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْجَامِعِ. قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبَقَرِ النِّصْفُ مُسِنَّاتٍ، وَالنِّصْفُ أَتْبِعَةً. وَفِي الْغَنَمِ: النِّصْفُ ثَنَايَا. وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَيُؤْخَذُ فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْبَقَرِ: النِّصْفُ مُسِنَّاتٍ وَالنِّصْفُ أَتْبِعَةً. وَمِنْ الْغَنَمِ: النِّصْفُ ثَنَايَا، وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةً. وَفِي الْخَطَإِ يَجِبُ مِنْ الْبَقَرِ مُسِنَّاتٍ وَتَبِعَاتٍ. وَأَتْبِعَةً ثَلَاثًا. وَمِنْ الْغَنَمِ وَالْمَعْزِ أَثْلَاثًا. ثُلُثٌ مِنْ الْمُعِزِّ ثَنِيَّاتٍ. وَثُلُثَانِ مِنْ الْغَنَمِ، ثُلُثٌ أَجْذَاعٌ. وَثُلُثٌ جَذَعَاتٌ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي جَامِعِهِ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ. وَأَنَّهُ كَزَكَاةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِنْ الْعُيُوبِ) هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهَذَا أَوْلَى وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا الْمَنْصُورُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ، فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا: أَنْ تَبْلُغَ دِيَةً مِنْ الْأَثْمَانِ ". وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهَا الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاعْتَبَرُوا جِنْسَ مَاشِيَتِهِ فِي بَلَدِهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا: أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُؤْخَذَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ مِثْقَالٍ. وَرَدَّاهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: لَا يُجْزِئُ مَعِيبٌ، وَلَا دُونَ دِيَةِ الْأَثْمَانِ، عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَحُلَلٍ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: وَقِيلَ أَدْنَى قِيمَةِ كُلِّ بَعِيرٍ: مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكُلُّ بَقَرَةٍ أَوْ حُلَّةٍ سِتُّونَ دِرْهَمًا، وَكُلُّ شَاةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ. وَحَكَاهُ فِي الْكُبْرَى رِوَايَةً. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا تَنْقُصَ قِيمَتُهَا عَنْ دِيَةِ الْأَثْمَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفِ) أَيْ بِالْيَمَنِ (فَإِنْ تَنَازَعَا: جُعِلَتْ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتِّينَ دِرْهَمًا) . قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: فَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يُؤْخَذُ مِنْ الْحُلَلِ الْمُتَعَارَفِ بِالْيَمَنِ. فَإِنْ تَنَازَعَا: فَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتُّونَ دِرْهَمًا. وَتَقَدَّمَ نَقْلُ الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: قَدْ يَسْتَشْكِلُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ بَنَيَا ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالنَّاظِمِ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي اخْتَارَهُ. فَعَلَى هَذَا: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الْمُتَعَارَفُ. بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِيمَةٍ أَلْبَتَّةَ كَمَا فِي غَيْرِهَا. حَكَى الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ. بَلْ عِنْدَ التَّنَازُعِ يُقْضَى بِالْمُتَعَارَفِ عَلَى الْمُخْتَارِ. قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ: نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيُسَاوِي جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: الْمَرْأَةُ فِي الْجِرَاحِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ جِرَاحِ الرَّجُلِ مُطْلَقًا كَالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ " إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ " عَدَمَ الْمُسَاوَاةِ فِي الثُّلُثِ. فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ الْمُسَاوَاةَ. وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. وَهُوَ أَوْلَى كَمَا لَوْ كَانَ دُونَهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ " فَإِذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى، النِّصْفِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ، وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى) . وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ. قُلْت: هَذَا بَعِيدٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، فِيمَا يَظْهَرُ. وَكَذَلِكَ أَرْشُ جِرَاحِهِ. قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ: نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ) . سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا، أَوْ مُعَاهَدًا. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَالَ: إنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَدِيَةُ الْمُسْلِمِ. قُلْت: خَالَفَ الْمَذْهَبَ فِي صُورَةٍ. وَوَافَقَهُ فِي أُخْرَى. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ. كَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إنَّهَا عَلَى النِّصْفِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ: عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ) يَعْنِي أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِمَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ) الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ (ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْوَثَنِيُّ. وَكَذَا مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ كَالتُّرْكِ، وَمَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَنَحْوِهَا. وَكَذَلِكَ الْمُعَاهَدِ مِنْهُمْ الْمُسْتَأْمَنُ بِدَارِنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْمُعَاهِدِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، فِي الْمُسْتَأْمَنِ: لَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ أَمَّنُوهُ بِدَارِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: دِيَةُ الْمُعَاهَدِ قَدْرُ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ. الثَّانِيَةُ: جِرَاحُهُمْ تُقَدَّرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى دِيَاتِهِمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إنْ كَانَ ذَا دَيْنٍ: فَفِيهِ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَتْبَعُهُ. تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّهُ لَا أَمَانَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ: فَدِيَتُهُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ دَيْنٌ: فَفِيهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ. انْتَهَى. وَهَذَا بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ: قِيمَتُهُمَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الْغَصْبِ " فِي أَوَّلِ فَصْلٍ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ هُنَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. بَلْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا يَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ بِأَكْثَرِهِمَا، إذَا كَانَ غَاصِبًا لَهُ. قَوْلُهُ (وَفِي جِرَاحِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا مِنْ الْحُرِّ: مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا مِنْ الْحُرِّ: فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ. فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ. وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، سَوَاءٌ نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ) .

هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَوَّلِ " كِتَابُ الْغَصْبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْصُوبًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْغَصْبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ جِرَاحَةً عَنْ إتْلَافٍ: ضُمِنَتْ بِالتَّقْدِيرِ. وَإِنْ كَانَتْ عَنْ تَلَفٍ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ: ضُمِنَتْ بِمَا نَقَصَ. فَعَلَى هَذِهِ: مَتَى قَطَعَ الْغَاصِبُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ: لَزِمَهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ. وَإِنْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ: ضَمَّنَ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْجَانِي. وَمَا بَقِيَ مِنْ نَقْصٍ ضَمَّنَهُ الْغَاصِبَ خَاصَّةً. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ فِي " بَابُ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ " وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً لَا مُقَدَّرَ فِيهَا فِي الْحُرِّ، إلَّا أَنَّهَا فِي شَيْءٍ فِيهِ

مُقَدَّرٌ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ وَجْهِهِ دُونَ الْمُوضِحَةِ ضَمِنَ بِمَا نَقَصَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: إنْ نَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِهَا: وَجَبَ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ: فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَنِصْفُ قِيمَتِهِ. وَهَكَذَا فِي) (جِرَاحِهِ) . وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَضْمَنُ بِالْمُقَدَّرِ. أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَفِي لِسَانِهِ: نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَنِصْفُ مَا نَقَصَ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْقَوَدِ بِقَتْلِهِ فِي " بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ: لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ. وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ فِي جِرَاحِ الْعَبْدِ. وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ، ثُمَّ خَصَاهُ: لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِقَطْعِ الذَّكَرِ وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ. وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ) . وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ. فَائِدَةٌ: الْأَمَةُ كَالْعَبْدِ. لَكِنْ إذَا بَلَغَتْ جِرَاحُهَا ثُلُثَ قِيمَتِهَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ. يَحْتَمِلُ أَنْ تُرَدَّ جِنَايَتُهَا إلَى النِّصْفِ. فَيَكُونَ فِي ثَلَاثِ أَصَابِعَ: ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ قِيمَتِهَا وَفِي الْأَرْبَعِ: خُمُسُ قِيمَتِهَا كَالْحُرَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَدَّ إلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ عَلَى خِلَاف الْأَصْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

تنبيهات دية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا

[تَنْبِيهَاتٌ دِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا سَقَطَ مَيِّتًا] تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَدِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا سَقَطَ مَيِّتًا: غُرَّةُ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْأُمِّ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً، وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ، فَتُقَدَّرُ حَرَّةً، أَوْ ذِمِّيَّةً حَامِلَةً مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ وَمَاتَ عَلَى أَصْلِنَا. فَتُقَدَّرُ مُسْلِمَةً. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ: أَنْ يَكُونَ مُصَوَّرًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْوَلَدُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ: هُوَ مَا تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَمَا لَا فَلَا. وَقِيلَ: تَجِبُ الْغُرَّةُ، وَلَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ. قَالَ فِي النَّظْمِ: وَوَجْهَانِ فِي الْمَبْدَإِ بِإِرْشَادِ خَرْدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: فَإِنْ كَانَ الْحُرُّ مَبْدَأَ خَلْقٍ آدَمِيٍّ، بِشَهَادَةِ الْقَوَابِلِ: ضَمِنَ بِغُرَّةٍ. وَقِيلَ: يُهْدَرُ. الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (قِيمَتُهَا: خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) . إنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ خَاصَّةً، أَمْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأُصُولِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْخِرَقِيُّ قَالَ: قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، بِنَاءً عِنْدَهُ عَلَى الْأَصْلِ فِي الدِّيَةِ.

فَجَعَلَ التَّقْوِيمَ بِهَا. وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنَّ التَّقْوِيمَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ أَوْ السِّتَّةِ. وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِيَارِ الْجَانِي، كَمَا لَهُ الِاخْتِيَارُ فِي دَفْعِ أَيِّ الْأُصُولِ شَاءَ، إذَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ دِيَةً كَامِلَةً. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْأُصُولِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا خَمْسَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَذْكُرُونَ هُنَا فِي الْغُرَّةِ: أَنَّ قِيمَتَهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ) . كَأَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا. فَيَرِثُ الْغُرَّةَ وَالدِّيَةَ مَنْ يَرِثُهُ. كَأَنَّهُ خَرَجَ حَيًّا. وَلَا يَرِثُ قَاتِلٌ، وَلَا رَقِيقٌ، وَلَا كَافِرٌ. وَتَرِثُ عَصَبَةُ سَيِّدِ قَاتِلِ جَنِينِ أَمَتِهِ. الرَّابِعُ: قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي الْغُرَّةِ خُنْثَى وَلَا مَعِيبٌ) . مُرَادُهُ بِالْمَعِيبِ: أَنْ يَكُونَ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ. وَلَا يُقْبَلُ خَصِيٌّ وَنَحْوُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهَلْ الْمَرْعِيُّ فِي الْقَدْرِ وَقْتُ الْجَنَابَةِ، أَوْ الْإِسْقَاطِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَمَعَ سَلَامَتِهِ وَعَيْبِهَا: هَلْ تُعْتَبَرُ سَلِيمَةً، أَوْ مَعِيبَةً؟ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي. وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ قُلْت: وَالْغُرَّةُ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ إلَى عَشْرٍ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ: غُرَّةٌ سَالِمَةٌ، لَهَا سَبْعُ سِنِينَ. وَعَنْهُ: بَلْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ، أَوْ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَمْلُوكًا: فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. نَقَلَ حَرْبٌ: فِيهِ نِصْفَ عُشْرِ أُمِّهِ يَوْمَ جِنَايَتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَخَرَّجَ الْمَجْدُ: أَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَتْ أُمُّهُ لَا غَيْرُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا الْجَنِينَ فَقَطْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي سِوَاهُ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَهَا ضَمَانُ نَقْصِهَا. وَقِيلَ: يَجِبُ ضَمَانُ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ. وَهُنَّ احْتِمَالَاتٌ فِي الْمُغْنِي. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: الْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ نَقْدًا. وَقِيلَ: قِيمَةُ أُمِّهِ مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَاهُ وَنَصَرَاهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَجْهًا. تَكُونُ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْإِسْقَاطِ. [تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) . يَعْنِي: إذَا تَسَاوَتَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقّ. وَإِلَّا فَبِالْحِسَابِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ دِيَةُ أَبِيهِ أَوْ هُوَ أَعْلَى مِنْهَا دِيَةً. فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَتِهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ، كَمَجُوسِيَّةٍ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ. أَوْ ذِمِّيَّةٍ مَاتَ زَوْجُهَا الذِّمِّيُّ عَلَى أَصْلِنَا، أَوْ جَنِينٍ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ زَوْجُهَا مَجُوسِيٌّ. فَيُعْتَبَرُ عُشْرُ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا دِيَةً) ] . قَوْلُهُ (وَإِنْ) (ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ، فَعَتَقَتْ) وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَأَعْتَقْنَاهُ بِذَلِكَ (ثُمَّ أَسْقَطَتْ الْجَنِينَ: فَفِيهِ غُرَّةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَنِينِ الْمَمْلُوكِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: فِيهِ غُرَّةٌ مَعَ سَبْقِ الْعِتْقِ الْجِنَايَةَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: التَّوَقُّفَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ: فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) .

يَعْنِي فِيهِ غُرَّةٌ، قِيمَتُهَا عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا: اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) . دِيَةً، مِنْ أَبٍ، أَوْ أُمٍّ. فَتَجِبُ الْغُرَّةُ قِيمَتُهَا عُشْرُ أَكْثَرِهِمَا دِيَةً. فَتُقَدَّرُ الْأُمُّ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ دِيَةً كَذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ حَيًّا. ثُمَّ مَاتَ: فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ، إنْ كَانَ حُرًّا، أَوْ قِيمَتُهُ: إنْ كَانَ مَمْلُوكًا، إذَا كَانَ سُقُوطُهُ) لِوَقْتٍ (يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ. وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: كَحَيَاةِ مَذْبُوحٍ. فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تُعْلَمُ حَيَاتُهُ بِاسْتِهْلَالِهِ بِلَا رَيْبٍ. وَهَلْ تُعْلَمُ بِارْتِضَاعِهِ، أَوْ تَنَفُّسِهِ، أَوْ عُطَاسِهِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا. وَالثَّانِيَةُ: نَعَمْ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ. أَمَّا مُجَرَّدُ الْحَرَكَةِ وَالِاخْتِلَاجِ: فَلَا يَدُلَّانِ عَلَى الْحَيَاةِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا يَنْزِعُ إلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَحَيْثُ حَكَمْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ: فَفِيهِ هُنَا الدِّيَةُ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الْغُرَّةُ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ) يَعْنِي: إنْ سَقَطَ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَيِّنَةَ: فَفِي أَيِّهِمَا يُقَدِّمُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي مَكَانَيْنِ. وَهُوَ عَجِيبٌ. إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي النُّسْخَةِ سَقْطٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا، وَبَعْضُهُ مَيِّتًا. فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. الثَّانِيَةُ: يَجِبُ فِي جَنِينِ الدَّابَّةِ مَا نَقَصَ أُمَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ كَجَنِينِ الْأَمَةِ. فَيَجِبُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقِيَاسُهُ جَنِينُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا نَقَصَ أُمَّهُ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْغَصْبِ.

قَوْلُهُ (فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا: أَنَّ الْقَتْلَ تَغْلُظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. فَيُزَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْحُرُمَاتُ الْأَرْبَعُ: وَجَبَتْ دِيَتَانِ وَثُلُثٌ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى هُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَغْلُظُ الدِّيَةُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ. فَذَكَرَ مِنْهَا " الْحَرَمَ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ " الْحَرَمِ " أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: حَرَمُ مَكَّةَ. فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: تَغْلُظُ أَيْضًا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَخَرَجَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَجْهَانِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي صَيْدِهِ. وَذَكَرَ مِنْهَا " الْإِحْرَامَ، وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمَ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَغْلُظُ بِالْإِحْرَامِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ.

وَذَكَرَ مِنْهَا " الرَّحِمَ الْمَحْرَمَ " وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تَغْلُظُ بِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، وَالْمُنَوِّرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الرَّحِمَ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ لَا تَغْلُظُ بِهِ الدِّيَةُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّحِمَ بِالْمُحَرَّمِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَغَيْرِهِمَا. وَلَمْ يَحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا لِلرَّحِمِ إلَّا بِسُقُوطِ الْقَوَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمُودَيْ النَّسَبِ. قَوْلُهُ (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهَا لَا تَغْلُظُ بِذَلِكَ) قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ) ، فَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ: أَنَّهُ أَظْهَرُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّغْلِيظَ أَلْبَتَّةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَغْلُظُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَفِيمَا يَغْلُظُ فِيهِ تَقَدَّمَ تَفَاصِيلُهُ. وَالْخِلَافُ فِيهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مَحَلُّ التَّغْلِيظِ: فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لَا غَيْرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَغْلُظُ فِي الْعَمْدِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: تَغْلُظُ فِيهِ كَمَا يَجِبُ بِوَطْءِ صَائِمَةٍ مُحْرِمَةٍ كَفَّارَتَانِ. ثُمَّ قَالَ: تَغْلُظُ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ الدِّيَةَ، وَجَزَمَ بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ فِي الْمُفْرَدَاتِ تَغْلُظُ عِنْدَنَا فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ دِيَةُ الْخَطَإِ لَا تَغْلِيظَ فِيهَا، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهَا تَغْلُظُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَشِبْهِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ التَّغْلِيظَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نَفْسِ الْقَتْلِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالشَّرْحِ: تَغْلُظُ أَيْضًا فِي الطَّرَفِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَتَلَ الْمُسْلِمُ كَافِرًا عَمْدًا) . سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا. (أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ) (، كَمَا حَكَمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تُضَعَّفُ.

وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: تُغَلَّظُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا عَمْدًا، وَأُخِذَتْ الدِّيَةُ: لَمْ تُضَعَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّهَا تُضَعَّفُ. وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً: فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ تَسْلِيمِهِ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا. وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابُ الرَّهْنِ ". وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا فِي " بَابُ الرَّهْنِ ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَبَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ السَّيِّدَ إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ لَا يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ إلَّا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ.

وَعَنْهُ: إنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ فَدَاهُ بِكُلِّ الْأَرْشِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ كَأَمْرِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ إذْنِهِ فِيهَا. نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ فِيمَا فِيهِ الْقَوَدِ خَاصَّةً يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ دِيَةَ الْمَقْتُولِ. وَعَنْهُ: إنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ جَمِيعُ أَرْشِهَا. بِحَلَّافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْأَقَلِّ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَرْشِهَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَرْشِهَا، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَجْنَبِيٌّ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْكَبِيرِ: يَسْقُطُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ مَاتَ. وَحَكَى الْقَاضِي فِي " كِتَابُ الرِّوَايَتَيْنِ " وَالْآمِدِيِّ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يَسْقُطُ الْحَقُّ. قَالَ الْقَاضِي: نَقَلَهَا مُهَنَّا، لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ. الثَّانِيَةِ: لَا يَسْقُطُ نَقَلَهَا حَرْبٌ. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. فَيَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ. وَجَعَلَ الْقَاضِي الْمُطَالَبَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ وَالسَّيِّدُ يُطَالِبُ الْجَانِيَ بِالْقِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ فَأَبَى وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَبُولَهُ، وَقَالَ: بِعْهُ أَنْتَ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. فَيَبِيعُهُ الْحَاكِمُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ فِي الرَّهْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الرَّهْنِ. فَائِدَةٌ: حُكْمُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَمْدًا، إذَا اُخْتِيرَ الْمَالُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا: حُكْمُ جِنَايَتِهِ خَطَأً. خِلَافًا وَمَذْهَبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى عَمْدًا، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ رِضَى السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذِهِ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَمْلِكُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ رِوَايَةً: بِجِنَايَةِ عَمْدٍ وَلَهُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ وَعِتْقُهُ.

وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ: لَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهِيَ لَهُ وَوَلَدُهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ فِي قَدْرِ مَا يَرْجِعُ بِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ الْمُتَقَدِّمَاتُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى عَلَى اثْنَيْنِ خَطَأً: اشْتَرَكَا فِيهِ بِالْحِصَصِ) نَصَّ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. فَعَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ، أَوْ بِحِصَّتِهِمْ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِمْ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ.

باب ديات الأعضاء ومنافعها

[بَابُ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا] فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ: فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، كَالْعَيْنَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الْعَيْنَيْنِ بَيَاضٌ: نَقَصَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. كَمَا لَوْ كَانَ حَوْلَاءَ وَعَمْشَاءَ، مَعَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِهِمَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَالْأُذُنَيْنِ) . يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ. بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: فِي أَشْرَافِ الْأُذُنَيْنِ: الدِّيَةُ، وَهُوَ جِلْدُ مَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْبَيَاضِ الَّذِي حَوْلَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: فِي أَصْدَافِ الْأُذُنَيْنِ: الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (وَالشَّفَتَيْنِ) . يَعْنِي: فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى: ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَفِي الْعُلْيَا: ثُلُثُهَا. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَوْلُهُ (وَثُنْدُوَتَيْ الرَّجُلِ) .

يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ كَثُنْدُوَتَيْ الْمَرْأَةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالْيَدَيْنِ) يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ: أَنَّ الْمُرْتَعِشَ كَالصَّحِيحِ. وَأَنَّ فِي يَدَيْهِ الدِّيَةَ كَالصَّحِيحَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) . يَعْنِي: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ كَانَ قَدَمَ أَعْرَجَ، وَيَدَ أَعْسَمَ وَهُوَ عِوَجٌ فِي الرُّسْغِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ حُكُومَةٌ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَالْأَلْيَتَيْنِ) . يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَهُمَا مَا عَلَا وَأَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَنْ اسْتِوَائَيْ الْفَخِذَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْعَظْمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: فِيهِمَا الدِّيَةُ، إذَا قُطِعَتَا حَتَّى يَبْلُغَ الْعَظْمَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَوْلُهُ (وَالْأُنْثَيَيْنِ) . يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ فَقَطْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ، احْتِمَالًا: يَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ. لِنُقْصَانِ الذَّكَرِ بِقَطْعِهِمَا. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِسْكَتَيْ الْمَرْأَةِ) . إسْكِتَا الْمَرْأَةِ: هُمَا شُفْرَاهَا. يَعْنِي: فِيهِمَا الدِّيَةُ لَوْ قَطَعَهُمَا. وَكَذَا لَوْ أَشَلَّهُمَا. وَفِي رَكَبِ الْمَرْأَةِ: حُكُومَةٌ، وَهُوَ عَانَتُهَا. وَكَذَلِكَ فِي عَانَةِ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ (وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَفِي الْحَاجِزِ ثُلُثُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ فِي الْمَنْخِرَيْنِ: الدِّيَةُ. وَفِي الْحَاجِزِ: حُكُومَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الْمَشْهُورَةُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَفِي الظُّفْرِ خُمُسُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ) . وَهُوَ بَعِيرَانِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، لَا نِزَاعَ فِيهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. قَوْلُهُ (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، إذَا قُلِعَتْ مِمَّنْ قَدْ ثُغِرَ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ تَعُدْ لِكَوْنِهِ بَدَلَهَا. وَسَوَاءٌ قَلَعَهَا بِسِنْخِهَا، أَوْ قَلَعَ الظَّاهِرَ فَقَطْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلَهَا: فَحُكُومَةٌ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ فِي جَمِيعِهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَعَلَيْهِمَا فِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَانِ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ فَوْقُ ثَنِيَّتَانِ، وَرَبَاعِيَتَانِ، وَنَابَانِ، وَضَاحِكَانِ، وَنَاجِذَانِ، وَسِتَّةُ طَوَاحِينَ. وَمِنْ أَسْفَلُ مِثْلُهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى مِثْلِ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ. وَوَرَدَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ. فَيَكُونُ فِي الْأَسْنَانِ وَالْأَنْيَابِ: سِتُّونَ بَعِيرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَ ثَنَايَا، وَأَرْبَعَ رَبَاعِيَاتٍ، وَأَرْبَعَةَ أَنْيَابٍ، فِيهَا خَمْسٌ، وَفِيهِ عِشْرُونَ ضِرْسًا، فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَةٌ، خَمْسَةٌ مِنْ فَوْقُ وَخَمْسَةٌ مِنْ أَسْفَلُ. فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُونَ بَعِيرًا، فِي كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَانِ. فَتَكْمُلُ الدِّيَةُ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: إنْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً: وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَلَعَ الْكُلَّ، أَوْ فَوْقَ الْعِشْرِينَ دَفْعَةً وَاحِدَةً: وَجَبَتْ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا. وَقِيلَ: دِيَةٌ فَقَطْ. قُلْت: وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ سَهْوٌ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُمْ حَكَوْا أَنَّ فِي قَلْعِ مَا فَوْقَ الْعِشْرِينَ: دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا. وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي قَلْعِ الْجَمِيعِ، وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، لَا فِيمَا دُونَهَا.

وَالصَّوَابُ: مَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَهُوَ، وَقِيلَ: إنْ قَلَعَ الْكُلَّ، أَوْ فَوْقَ الْعِشْرِينَ دَفْعَةً: لَمْ يَجِبْ سِوَى الدِّيَةِ. فَهَذَا وَجْهُهُ ظَاهِرٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَلَعَ مِنْ السِّنِّ مَا بَطَنَ مِنْهُ فِي اللَّحْمِ، وَهُوَ السِّنْخُ بِالنُّونِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي سِنْخِهِ حُكُومَةٌ. وَلَا تَدْخُلُ فِي حِسَابِ النِّسْبَةِ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي قَطْعِهِمَا مِنْ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ فَإِنْ قَطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّيَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ (وَفِي مَارِنِ الْأَنْفِ: دِيَةُ الْعُضْوِ كَامِلَةً) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ قُطِعَ مَعَ قَصَبَتِهِ فَفِي الْجَمِيعِ الدِّيَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَ مَنْ اسْتَوْعَبَ الْأَنْفَ جَدْعًا: دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ فِي الْقَصَبَةِ. قَوْلُهُ (وَفِي قَطْعِ بَعْضِ الْمَارِنِ، وَالْأُذُنِ، وَالْحَلَمَةِ، وَاللِّسَانِ،

وَالشَّفَةِ، وَالْحَشَفَةِ، وَالْأُنْمُلَةِ، وَالسِّنِّ، وَشَقِّ الْحَشَفَةِ طُولًا: بِالْحِسَابِ مِنْ دِيَتِهِ، يُقَدَّرُ بِالْأَجْزَاءِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: هُنَا شَقَّ الْحَشَفَةِ طُولًا. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ رِوَايَةً: أَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأُذُنِ بِلَا نَفْعٍ: الدِّيَةُ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ. قَوْلُهُ (وَفِي) (شَلَلِ الْعُضْوِ، أَوْ ذَهَابِ نَفْعِهِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَنْطَبِقَانِ عَلَى الْأَسْنَانِ) . قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَوْ اسْتَرْخَتَا دِيَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: فِي التَّقَلُّصِ حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ (وَفِي تَسْوِيدِ السِّنِّ، وَالظُّفْرِ، بِحَيْثُ لَا يَزُولُ: دِيَتُهُ) . إذَا اسْوَدَّ الظُّفْرُ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ: وَجَبَتْ دِيَتُهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ اسْوَدَّ السِّنُّ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ سَوَادُهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ فِيهِ دِيَتَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ فِي تَسْوِيدِ السِّنِّ: ثُلُثُ دِيَتِهَا. كَتَسْوِيدِ أَنْفِهِ مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي تَسْوِيدِ السِّنِّ حُكُومَةٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَوْ احْمَرَّتْ، أَوْ اصْفَرَّتْ، أَوْ كَلَّتْ. وَعَنْهُ: إنْ ذَهَبَ نَفْعُهَا وَجَبَتْ دِيَتُهَا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ اخْضَرَّتْ سِنُّهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا: فَفِيهَا حُكُومَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ: فِيهَا حُكُومَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ: فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْ تَحَرَّكَتْ وَجَبَتْ حُكُومَةٌ. انْتَهَوْا. وَعَنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ تَسْوِيدِهَا، جَزَمَ بِهِ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَفِي الْعُضْوِ الْأَشَلِّ: مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالذَّكَرِ وَالثَّدْيِ، وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ، وَشَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَالثَّدْيِ دُونَ حَلَمَتِهِ، وَالذَّكَرِ دُونَ حَشَفَتِهِ وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَالْيَدِ وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَتَيْنِ: حُكُومَةٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ: الْحُكُومَةَ فِي الْيَدِ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ دُونَ حَشَفَتِهِ، وَالثَّدْيِ دُونَ حَلَمَتِهِ.

وَعَنْهُ: يَجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ثُلُثُ دِيَةِ عُضْوٍ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ فِي شَلَلِ الْيَدِ فَقَطْ. وَقَالَ الْقَاضِي: الرِّوَايَتَانِ فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ الَّتِي ذَهَبَ نَفْعُهَا. أَمَّا إنْ لَمْ يَذْهَبْ نَفْعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ: فَفِيهَا دِيَتُهَا كَامِلَةً. وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَوُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَالذَّكَرِ الْأَشَلِّ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ، وَالسِّنِّ السُّودِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ، وَالْعِنِّينِ، وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَكَذَا وُجُوبُ ثُلُثِ الدِّيَةِ فِي الْيَدِ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَتَيْنِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ: كَمَالُ دِيَتِهِمَا. وَعَنْهُ فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ: كَمَالُ دِيَتِهِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَقَدَّمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ إنْ لَمْ يُجَامِعْ بِمِثْلِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِلَّا دِيَةٌ. وَقَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ: نِصْفُ الدِّيَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَطَعَ نِصْفَ الذَّكَرِ بِالطُّولِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَالَ هُوَ وَالشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى وُجُوبُ الدِّيَةِ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِمَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ. فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ أَشَلَّهُ، أَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ جِمَاعُهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (فَلَوْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ وَالذَّكَرَ مَعًا، أَوْ الذَّكَرَ ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ:

لَزِمَهُ دِيَتَانِ) . (وَلَوْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ قَطَعَ الذَّكَرَ: وَجَبَتْ دِيَةُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَفِي الذَّكَرِ رِوَايَتَانِ) . وَهُمَا الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ أُنْثَيَيْهِ صَارَ خَصِيًّا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَذْهَبَ وَالْخِلَافَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَشَلَّ الْأَنْفَ، أَوْ الْأُذُنَ، أَوْ عَوَجَهُمَا: فَفِيهِ حُكُومَةٌ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: فِي شَلَلِهَا الدِّيَةُ كَشَلَلِ الْيَدِ وَالْمَثَانَةِ، وَنَحْوِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهِبِ: وَإِنْ أَشَلَّ الْمَارِنَ وَعَوَجَهُ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ. وَيَحْتَمِلُ دِيَةً. قَوْلُهُ (وَفِي قَطْعِ الْأَشَلِّ مِنْهُمَا كَمَالُ دِيَتِهِ) . يَعْنِي دِيَةً كَامِلَةً، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَفِي كُلٍّ مِنْهَا كَمَالُ دِيَتِهِ، إذَا قُلْنَا يُؤْخَذُ بِهِ السَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةٌ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي أُذُنٍ مُسْتَخْسَفَةٍ وَهِيَ الشَّلَّاءُ رِوَايَتَانِ: ثُلُثُ دِيَتِهِ، أَوْ حُكُومَةٌ. وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا فِي أَنْفٍ أَشَلَّ إنْ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْأَنْفِ الْأَخْشَمِ وَالْمَخْزُومِ وَأُذُنَيْ الْأَصَمِّ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ كَمَالُ دِيَتِهِ، إذَا قُلْنَا: يُؤْخَذُ بِهِ السَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، فَذَهَبَ شَمُّهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَجَبَتْ دِيَتَانِ. وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ إذَا أَذْهَبَهَا بِنَفْعِهَا لَمْ تَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) . قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ. مِنْهَا: أَنَّ تَفْوِيتَ نَفْعِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَقَعَ ضِمْنًا لِلْعُضْوِ، وَالْفَائِتُ ضِمْنًا لَا شَيْءَ فِيهِ. دَلِيلُهُ: الْقَتْلُ. فَإِنَّهُ يُوجِبُ دِيَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ أَتْلَفَ أَشْيَاءَ تَجِبُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الدِّيَةُ، بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ. إذَا ذَهَبَا بِقَطْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ. فَذَهَابُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ ذَهَابٌ لِمَا لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ. فَائِدَةٌ: مَنْ لَهُ يَدَانِ عَلَى كُوعَيْهِ، أَوْ يَدَانِ وَذِرَاعَانِ عَلَى مَرْفِقَيْهِ، وَتَسَاوَيَا فِي الْبَطْشِ: فَهُمَا يَدٌ وَاحِدَةٌ. وَلِلزِّيَادَةِ حُكُومَةٌ: عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي أَحَدِهِمَا: نِصْفُ دِيَتِهِمَا وَحُكُومَةٌ. وَفِي قَطْعِ إصْبَعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ.

فَإِنْ قَطَعَ يَدًا لَمْ يُقْطَعَا لِلزِّيَادَةِ وَلَا أَحَدُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَصْلِيَّةِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا. لِأَنَّ هَذَا نَقْصٌ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَالسِّلْعَةِ فِي الْيَدِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بَاطِشَةً دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ بَطْشًا، أَوْ فِي سَمْتِ الذِّرَاعِ، وَالْأُخْرَى زَائِدَةً: فَفِي الْأَصْلِيَّةِ دِيَتُهَا وَالْقِصَاصُ، لِقَطْعِهَا عَمْدًا. وَفِي الزَّائِدَةِ: حُكُومَةٌ، سَوَاءٌ قَطَعَهَا مُنْفَرِدَةً، أَوْ مَعَ الْأَصْلِيَّةِ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: لَا شَيْءَ فِيهَا. لِأَنَّهَا عَيْبٌ. فَهِيَ كَالسِّلْعَةِ فِي الْيَدِ. وَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَكَانَا غَيْرَ بَاطِشَتَيْنِ فَفِيهِمَا ثُلُثُ دِيَةِ الْيَدِ أَوْ حُكُومَةٌ. وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا لَا نَفْعَ فِيهَا. فَهُمَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. وَالْحُكْمُ فِي الْقَدَمَيْنِ عَلَى سَاقٍ: كَالْحُكْمِ فِي الْكَفَّيْنِ عَلَى ذِرَاعٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَطْوَلَ مِنْ الْأُخْرَى. فَقَطَعَ الطُّولَى، وَأَمْكَنَهُ الْمَشْيُ عَلَى الْقَصِيرَةِ: فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ، وَإِلَّا فَهِيَ زَائِدَةٌ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْكَافِي. قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ فِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَهِيَ السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ) فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ: دِيَةٌ كَامِلَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَفِي ذَهَابِ الذَّوْقِ: دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ حُكُومَةٌ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الشَّارِحُ: الْقِيَاسُ لَا دِيَةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ (وَتَجِبُ فِي الْحَدَبِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ، وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمَشْيِ. وَأَجْرَاهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَقَالَا: وَيَجِبُ فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ. وَكَذَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ فِي الصَّعَرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرَ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ) دِيَةٌ كَامِلَةٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ: وَكَذَا إذَا لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَزُلْ) دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالتَّرْغِيبِ: وَكَذَا لَوْ أَزَالَ لَوْنَ الْوَجْهِ كَانَ فِيهِ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا) (لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ) يَعْنِي: إذَا ضَرَبَهُ (فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرُوهُ فِي أَوَّلِ " كِتَابُ الدِّيَاتِ ". وَعَنْهُ: يَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ وَخَصَّ الرِّوَايَةَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلَ. وَتَقَدَّمَ: إذَا أَفْزَعَهُ فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رِيحٍ فِي " كِتَابُ الدِّيَاتِ " قَبْلَ الْفَصْلِ. فَائِدَةٌ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إذْهَابِ مَنْفَعَةِ الصَّوْتِ. وَكَذَا فِي إذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لَوْ سَقَاهُ ذَرْقَ الْحَمَامِ، فَذَهَبَ صَوْتُهُ: لَزِمَهُ حُكُومَةٌ فِي إذْهَابِ الصَّوْتِ. قَوْلُهُ (وَفِي الْكَلَامِ: بِالْحِسَابِ. يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ، دُونَ الشَّفَوِيَّةِ، كَالْبَاءِ وَالْفَاءِ وَالْمِيمِ. وَكَذَا الْوَاوُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: سِوَى الشَّفَوِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ وَسَوَاءٌ ذَهَبَ حَرْفٌ بِمَعْنَى كَلِمَةٍ، كَجَعْلِهِ أَحْمَدَ أَأْمَدَ، أَوْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ أَلْثَغَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَأَذْهَبَ إنْسَانٌ كَلَامَهُ كُلَّهُ. فَإِنْ كَانَ

مَيْئُوسًا مِنْ ذَهَابِ لُثْغَتِهِ: فَفِيهِ بِقِسْطِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحُرُوفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَيْئُوسٍ مِنْ زَوَالِهَا كَالصَّبِيِّ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: كَذَلِكَ الْكَبِيرُ إذَا أَمْكَنَ إزَالَةُ لُثْغَتِهِ بِالتَّعْلِيمِ. قَوْلُهُ (وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ مِثْلُ نَقْصِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابُ بَصَرِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ أَحَدِ الْأُذُنَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ، مِثْلُ: أَنْ صَارَ مَدْهُوشًا، أَوْ نَقَصَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ، أَوْ شَمُّهُ، أَوْ حَصَلَ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ، أَوْ نَقَصَ مَشْيُهُ، أَوْ انْحَنَى قَلِيلًا، أَوْ تَقَلَّصَتْ شَفَتُهُ بَعْضَ التَّقَلُّصِ، أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ) بَعْضَ التَّحَرُّكِ (أَوْ ذَهَبَ اللَّبَنُ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَطَعَ بِأَكْثَرِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِالْجَمِيعِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُرُوعِ: وَالتَّقَلُّصَ. وَقِيلَ إنْ ذَهَبَ اللَّبَنُ فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي الْبَصَرِ: يَزِنُهُ بِالْمَسَافَةِ. فَلَوْ نَظَرَ الشَّخْصُ عَلَى مِائَتَيْ ذِرَاعٍ، فَنَظَرَهُ عَلَى مِائَةٍ: فَنِصْفُ الدِّيَةِ. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: لَوْ لَطَمَهُ، فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهِ: وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ جَعَلَهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا بِشِدَّةٍ، أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ إلَّا بِشِدَّةٍ، أَوْ اسْوَدَّ بَيَاضُ عَيْنَيْهِ أَوْ احْمَرَّ الثَّانِيَةُ: لَوْ صَارَ أَلْثَغَ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةُ الْحَرْفِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ خُرُوجِهِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: فِيهِ حُكُومَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ: اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا. فَلَوْ ذَهَبَ رُبُعُ اللِّسَانِ) وَنِصْفُ الْكَلَامِ (أَوْ رُبُعُ الْكَلَامِ) وَنِصْفُ اللِّسَانِ (وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ) (قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ) فَذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ (ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَتْهُ) (فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُهَا فَقَطْ) . وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةٌ لِرُبُعِ اللِّسَانِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا الْأَشْهَرُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ.

فَائِدَةٌ: عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ قَطَعَ نِصْفَ اللِّسَانِ، فَذَهَبَ رُبُعُ الْكَلَامِ. ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ: كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: نِصْفُهَا لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ، فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ: لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ، وَإِنْ ذَهَبَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ: فَفِيهِ دِيَتَانِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَدِيَةٌ، أَزَالَ نُطْقَهُ أَوْ لَمْ يُزِلْهُ. فَإِنْ عَدِمَ الْكَلَامَ بِقَطْعِهِ: وَجَبَ لِعَدَمِهِ أَيْضًا دِيَةٌ كَامِلَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا وَجَدْته فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: لَوْ ذَهَبَ شَمُّهُ وَسَمْعُهُ وَمَشْيُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا: فَدِيَتَانِ. فَائِدَةٌ: لَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ، فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ: فَفِيهِ دِيَتَانِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَهُ. فَذَهَبَ شَمُّهُ، أَوْ سَمْعُهُ: فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، قَوْلًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ) . فَيَسْتَقِرَّ بِالِانْدِمَالِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدًا: فَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ، لَا الْقَوَدُ قَبْلَهُ. وَلَوْ زَادَ أَرْشُ جُرُوحٍ عَلَى الدِّيَةِ، فَعَفَا عَنْ الْقَوَدِ إلَى الدِّيَةِ، وَأَحَبَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَقِيلَ: يَأْخُذُ دِيَةً فَقَطْ؛ لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ. وَقِيلَ: لَا لِاحْتِمَالِ جُرُوحٍ تَطْرَأُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا دِيَةَ سِنٍّ، وَلَا ظُفْرٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ، حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ عَوْدِهَا) . وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَلِوَلِيِّهِ دِيَةُ سِنٍّ وَظُفْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هَدَرٌ. كَمَا لَوْ نَبَتَ شَيْءٌ فِيهِ. قَالَهُ فِي مُنْتَخَبِ وَلَدِ الشِّيرَازِيِّ. وَلَهُ فِي غَيْرِهِمَا الدِّيَةُ. وَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ بِسِنِّ الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ ". قَوْلُهُ (وَلَوْ) (قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، أَوْ ظُفْرَهُ، ثُمَّ نَبَتَتْ) . سَقَطَتْ دِيَتُهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا: رَدَّهَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَجِبُ دِيَتُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، ثُمَّ نَبَتَتْ: لَمْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ " فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الرَّابِعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَجِبُ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ لِنَقْصِهَا إنْ نَقَصَتْ، وَضَعْفِهَا إنْ ضَعُفَتْ. وَإِنْ قَلَعَهَا قَالِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ: وَجَبَتْ دِيَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَنْبَنِي حُكْمُهَا عَلَى وُجُوبِ قَلْعِهَا. فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَالِعِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ قَلْعُهَا: احْتَمَلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِدِيَتِهَا. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ. وَلَكِنْ فِيهَا حُكُومَةٌ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَبَانَ سِنًّا وُضِعَ مَحَلَّهُ وَالْتَحَمَ: فَفِي الْحُكُومَةِ، وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ السِّنِّ سِنًّا أُخْرَى، أَوْ سِنَّ حَيَوَانٍ أَوْ عَظْمًا، فَنَبَتَتْ: وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَقْلُوعَةِ وَجْهًا وَاحِدًا. فَإِنْ قُلِعَتْ هَذِهِ الثَّانِيَةُ: لَمْ تَجِبْ دِيَتُهَا. وَفِيهَا حُكُومَةٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا شَيْءٌ. قَوْلُهُ (أَوْ رَدَّهُ) يَعْنِي: الظُّفْرَ (فَالْتَحَمَ: سَقَطَتْ دِيَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَالَ الْقَاضِي: تَجِبُ دِيَتُهَا. ذَكَرَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ: فَحَقُّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ، وَيُبَيِّنُهُ إنْ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ. وَإِلَّا فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ خَاصَّةً) ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي بَقَاءَ حَقِّهِ. ثُمَّ إنْ أَبَانَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيلَ: بِطَهَارَتِهِ فَفِي دِيَتِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَوْ رَدَّ الْمُلْتَحِمَ الْجَانِي: أُقِيدَ بِهِ ثَانِيَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُقَادُ بِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ الْمُوضِحَةُ وَمَا فَوْقَهَا عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ: لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَادَ نَاقِصًا، أَوْ عَادَتْ السِّنُّ أَوْ الظُّفْرُ قَصِيرًا، أَوْ مُتَغَيِّرًا: فَلَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي " بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ". قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ فِي قَلْعِ الظُّفْرِ إذَا نَبَتَتْ عَلَى صِفَتِهِ: خَمْسُ دَنَانِيرَ. وَإِنْ نَبَتَ أَسْوَدَ: فَفِيهِ عَشَرَةٌ.

وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: التَّقْدِيرَاتُ بَابُهَا التَّوْقِيفُ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ تَوْقِيفًا. وَالْقِيَاسُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا عَادَ عَلَى صِفَتِهِ. وَإِنْ نَبَتَ صَغِيرًا: فَفِيهِ حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ، وَيَئِسَ مِنْ عَوْدِهَا: وَجَبَتْ دِيَتُهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهَا حُكُومَةٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَادَّعَى الْجَانِي عَوْدَ مَا أَذْهَبَهُ، فَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ ادَّعَى انْدِمَالَهُ وَمَوْتَهُ بِغَيْرِ جُرْحِهِ، وَأَمْكَنَ: قُبِلَ قَوْلُهُ. قَوْلُهُ (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ: الدِّيَةُ. وَهُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: فِي كُلِّ شَعْرٍ مِنْ ذَلِكَ حُكُومَةٌ. كَالشَّارِبِ، نَصَّ عَلَيْهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا قِصَاصَ فِي ذَلِكَ، لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُسَاوَاةِ. الثَّانِيَةُ: نَقَلَ حَنْبَلٌ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيهِ أَرْبَعَةٌ: فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبُعُ الدِّيَةِ. وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي جِلْدَةِ وَجْهٍ. قَوْلُهُ (وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ فِي بَحْثِهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا: يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ بَقِيَ مِنْ لِحْيَتِهِ مَا لَا جَمَالَ فِيهِ: احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِقِسْطِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَنَصَرَهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ فِي بَحْثِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقِيلَ: فِيهِ حُكُومَةٌ. وَهُوَ قَوِيٌّ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ تَجِبْ إلَّا دِيَةُ الْأَصَابِعِ) . أَنَّ الدِّيَةَ لِلْأَصَابِعِ لَا غَيْرُ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي سُقُوطَ مَا يَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الْكَفِّ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ دِيَةُ الْأَصَابِعِ كَدِيَةِ الْيَدِ: أَطْلَقَ هَذَا اللَّفْظَ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى.

وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَجِبْ إلَّا دِيَةُ الْيَدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ: دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ فِي دِيَتِهَا. وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَاقِي الْكَفِّ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِيَةُ يَدٍ سِوَى الْأَصَابِعِ. . فَائِدَةٌ: يَجِبُ فِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ، وَذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ: ثُلُثُ دِيَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ. وَعَنْهُ: يَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ. ذَكَرَهُمَا فِي الْمُنْتَخَبِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا الْعَضُدُ. وَحُكْمُ الرِّجْلِ حُكْمُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعُمُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا نِصْفَ الدِّيَةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ مُمَاثِلَةً لِعَيْنِهِ) الصَّحِيحَةِ (فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَا قِصَاصَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَقْلَعُ عَيْنَهُ، كَقَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ هُنَا. وَيَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَخْذُ نِصْفِ الدِّيَةِ مَعَ الْقَلْعِ أَشْهَرُ. يَعْنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَخَرَّجَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ. وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا: خُيِّرَ بَيْنَ قَلْعِ عَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ. لَهُ غَيْرُهَا، وَبَيْنَ الدِّيَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَوْنُهُ يَسْتَحِقُّ قَلْعَ عَيْنِهِ فَقَطْ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ دِيَتَانِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: عَيْنُ الْأَعْوَرِ كَغَيْرِهِ، وَكَسَمْعٍ وَأُذُنٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَخْرِيجٌ مِنْ جَعْلِهِ كَالْبَصَرِ فِي مَسْأَلَةِ النَّظَرِ فِي بَيْتِهِ مِنْ خَصَاصِ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي رِجْلِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، إنْ ذَهَبَتْ الْأُولَى هَدَرًا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ ذَهَبَتْ فِي حَدٍّ: فَنِصْفُ دِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي جِهَادٍ: فَرِوَايَتَانِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَطَعَ يَدَ صَحِيحٍ. لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ. إنْ قُلْنَا: فِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَإِلَّا قُطِعَتْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الشجاج وكسر العظام

[بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ] ِ قَوْلُهُ (الشَّجَّةُ: اسْمٌ لِجُرْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِمَا. وَهِيَ عَشْرٌ، خَمْسٌ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا أَوَّلُهَا: الْخَارِصَةُ. بِإِعْجَامِ الْخَاءِ وَإِهْمَالِهَا مَعَ إهْمَالِ الصَّادِ فِيهَا، وَهِيَ الَّتِي تَخْرُصُ الْجِلْدَ، أَيْ تَشُقُّهُ قَلِيلًا وَلَا تُدْمِيهِ. وَتُسَمَّى الْخُرْصَةَ وَالْقَاشِرَةَ وَالْقِشْرَةَ بِإِعْجَامِ الشِّينِ مَعَ الْقَافِ. ثُمَّ الْبَازِلَةُ بِمُوَحَّدَةٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ. وَتُسَمَّى الدَّامِيَةَ، وَالدَّامِعَةَ، بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ. وَهِيَ الَّتِي تَدْمَى وَلَا تَشُقُّ اللَّحْمَ. وَقِيلَ: الدَّامِعَةُ: مَا ظَهَرَ دَمُهَا وَلَمْ يَسِلْ. ثُمَّ الْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ. وَقِيلَ: مَا تَشُقُّهُ بَعْدَ الْجِلْدِ وَلَمْ يَسِلْ دَمُهَا. ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ. وَقِيلَ: مَا الْتَحَمَ أَعْلَاهَا وَاتَّسَعَ أَسْفَلُهَا. وَلَمْ تَبْلُغْ جِلْدَةً تَلِي الْعَظْمَ. (ثُمَّ السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدِ الْخِرَقِيِّ: الْبَاضِعَةُ بَيْنَ الْخَارِصَةِ وَالْبَازِلَةِ، تَشُقُّ اللَّحْمَ وَلَا تُدْمِيهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْبَازِلَةُ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، يَعْنِي وَلَا يَسِيلُ مِنْهَا دَمٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَعَلَّ مَا فِي نُسَخِ الْخِرَقِيِّ غَلَطٌ مِنْ الْكُتَّابِ؛ لِأَنَّ الْبَاضِعَةَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ يَسِيلُ مِنْهَا دَمٌ كَثِيرٌ فِي الْغَالِبِ. بِخِلَافِ الْبَازِلَةِ. فَإِنَّهَا الدَّامِعَةُ بِالْمُهْمَلَةِ لِقِلَّةِ سَيَلَانِ دَمِهَا. فَالْبَاضِعَةُ أَشَدُّ. انْتَهَى. وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَالْأَزْهَرِيِّ. قَوْلُهُ (فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: فِي الْبَازِلَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَحَكَى الشِّيرَازِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ فِي السِّمْحَاقِ. وَعَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: مَتَى أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْجِرَاحَاتِ مِنْ الْمُوضِحَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُوضِحَةٌ إلَى جَانِبِهَا قُدِّرَتْ هَذِهِ الْجِرَاحَاتُ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ النِّصْفِ: وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ. وَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ: وَجَبَ ثُلُثُ الْأَرْشِ. وَعَلَى هَذَا إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْحُكُومَةُ عَلَى ذَلِكَ. فَيَجِبُ مَا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ. وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ يُوجِبُ الْأَكْثَرَ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْحُكُومَةُ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا لَا نَعْلَمُهُ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَقْتَضِيهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ أَوَّلُهَا: الْمُوضِحَةُ، الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ. أَيْ تُبْرِزُهُ. فَفِيهَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ عَشَرَةٌ.

نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَاخْتَارَهَا الزَّرْكَشِيُّ. وَأَوَّلَهَا الْمُصَنِّفُ. فَائِدَةٌ: يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَالْبَارِزَةِ وَالْمَسْتُورَةِ بِالشَّعْرِ. وَحَدُّ الْمُوضِحَةِ: مَا أَفْضَى إلَى الْعَظْمِ، وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْمُوضِحَةُ مَا كَشَفَ عَظْمَ رَأْسٍ أَوْ وَجْهٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: وَلَوْ بِقَدْرِ رَأْسِ إبْرَةٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ: فَهَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ، أَوْ مُوضِحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا أَحَدُهُمَا: هِيَ مُوضِحَتَانِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هِيَ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَلَوْ عَمَّتْهُمَا فَثُلُثَانِ فِي وَجْهٍ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: إذَا عَمَّتْ الرَّأْسَ وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي كِتَابَيْهِ الْمُغْنِي، وَالْكَافِي بَلْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الرَّأْسِ وَبَعْضُهَا فِي الْوَجْهِ.

فَإِنْ لَمْ تَعُمَّ الرَّأْسَ فَفِيهَا الْوَجْهَانِ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدَّمَ مَا قَالَهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَإِنْ نَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ: فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ. فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا، أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ: صَارَا مُوضِحَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ: فَهِيَ ثَلَاثُ مَوَاضِحَ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَأَكْثَرُهُمْ قَطَعَ بِهِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَالَ: مَعَ بَقَاءِ التَّلَابُسِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ مَنْ يُصَدِّقُهُ الظَّاهِرُ بِقُرْبِ زَمَنٍ وَبُعْدِهِ. فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْمَجْرُوحُ. قَالَ: وَلَهُ أَرْشَانِ. وَفِي ثَالِثٍ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ قَالَ الْمَجْرُوحُ: خَرَقْته بَعْدَ الْبُرْءِ صُدِّقَ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ. وَلَهُ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ فَقَطْ. وَقِيلَ: وَالْخَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يُنْسَبُ مِنْ الْمُوضِحَةِ إنْ أَمْكَنَ قَوْلُهُ (وَإِنْ) (خَرَقَ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ فِي الْبَاطِنِ) يَعْنِي الْجَانِيَ.

(فَهَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ، أَوْ مُوضِحَتَانِ) ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: هِيَ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُمَا مُوضِحَتَانِ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ خَرَقَهُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَمُوضِحَتَانِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَقِيلَ: مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْضَحَهُ جَمَاعَةٌ مُوضِحَةً، فَهَلْ يُوضَحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهَا، أَمْ يُوَزَّعُ؟ فِيهِ لِلْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْهَاشِمَةُ. وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ. فَفِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ، فَهَشَمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوضِحَهُ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ كَهَشْمِهِ عَلَى مُوضِحَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ. وَتُسَمَّى أُمَّ الدِّمَاغِ. وَتُسَمَّى الْمَأْمُومَةَ. فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ الدَّامِغَةُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ، فَفِيهَا مَا فِي الْمَأْمُومَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: فِيهَا مَعَ ذَلِكَ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ الْجِلْدَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا " الدَّامِغَةَ " بِالْمُعْجَمَةِ لِمُسَاوَاتِهَا لِلْمَأْمُومَةِ فِي أَرْشِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا ذِكْرَهَا لِكَوْنِ صَاحِبِهَا لَا يَسْلَمُ غَالِبًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَفِي الْجَائِفَةِ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ، مِنْ بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ نَحْرٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ خَرَقَهُ مِنْ جَانِبٍ. فَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ: فَهِيَ جَائِفَتَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: جَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

وَقِيلَ: فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ، فَوَصَلَ إلَى فَمِهِ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَائِفَةً. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُذْهَبِ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْفَذَ أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا أَوْ جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُ فِي وَرِكِهِ، فَوَصَلَ الْجُرْحُ إلَى جَوْفِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إلَى قَفَاهُ: فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْقَفَا وَالْوَرِكِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ أَجَافَهُ وَوَسَّعَ آخِرَ الْجُرْحِ فَهِيَ جَائِفَتَانِ) بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَسَّعَ ظَاهِرَهُ دُونَ بَاطِنِهِ، أَوْ بَاطِنَهُ دُونَ ظَاهِرِهِ: فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: أَنَّهَا جَائِفَةٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، أَوْ نَحِيفَةٌ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ، فَفَتَقَهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَمَعْنَى الْفَتْقِ: خَرْقُ مَا بَيْنَ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي. وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَاهُ: خَرْقُ مَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْقُبُلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إلَّا أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَذْهَبَ بِالْوَطْءِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ غَلِيظٌ قَوِيٌّ. انْتَهَيَا. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ، فَخَرَقَ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ، أَوْ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي الْغَالِبِ الْأَوَّلُ، وَجَزَمَ بِوُجُوبِ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: إنْ كَانَ الْبَوْلُ يُسْتَمْسَكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَمْسَكُ فَعَلَيْهِ كَمَالُ دِيَتِهَا. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: فِيمَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا: الْقَوَدُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِفِعْلٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً كَبِيرَةً مُطَاوَعَةً بِلَا شُبْهَةٍ، أَوْ امْرَأَتَهُ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ لِمِثْلِهِ فَأَفْضَاهَا: فَهَدَرٌ؛ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الزِّيَادَةِ. وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ. فَإِنْ ثَبَتَ الْبَوْلُ فَجَائِفَةٌ. وَلَا يَنْدَرِجُ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي دِيَةِ إفْضَاءٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْكَبِيرَةَ الْمُحْتَمِلَةَ لِلْوَطْءِ، وَفَتَقَهَا: لَمْ يَضْمَنْهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِوُجُوبِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي.

وَلِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ إكْرَاهٍ: ثُلُثُ الدِّيَةِ إنْ اُسْتُمْسِكَ الْبَوْلُ، مَعَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يُسْتَمْسَكْ: فَالدِّيَةُ كَامِلَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي فَرْجِ بِكْرٍ، فَأَذْهَبَ بَكَارَتَهَا: فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَفِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً: فِيهِ حُكُومَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " وَفِي الضِّلَعِ بَعِيرٌ " كَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقُوا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ: بِمَا إذَا أُجْبِرَ مُسْتَقِيمًا، فَقَالُوا: وَفِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ إذَا أُجْبِرَ مُسْتَقِيمًا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَلَكِنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَتَيْنِ غَايَرَ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمَّا رَأَى مَنْ أَطْلَقَ وَقَيَّدَ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ هَذَا الشَّرْطَ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ فِي الضِّلَعِ بَعِيرًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ. قَوْلُهُ (وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَبْعِرَةٍ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي التَّرْقُوَةِ بَعِيرَانِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: فِي كُلِّ تَرْقُوَةٍ بَعِيرَانِ. فَهُوَ أَصْرَحُ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَصَرَفَ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ إلَى الْمَذْهَبِ. فَقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّرْقُوَةِ: التَّرْقُوَتَانِ. اكْتَفَى بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِإِدْخَالِ الْأَلْفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ (وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذِّرَاعِ، وَالزَّنْدِ، وَالْعَضُدِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ: بَعِيرَانِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي الزَّنْدِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِي الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالزَّنْدِ. وَعَنْهُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَعِيرٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي غَيْرِ الْخَمْسَةِ. وَهِيَ: الضِّلَعُ وَالتَّرْقُوَتَانِ وَالزَّنْدَانِ، وَجَزَمَ أَنَّ فِي الزَّنْدِ بَعِيرَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَةً: أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً. نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ فِيهَا حُكُومَةٌ، وَإِنْ انْجَبَرَتْ.

وَتَرْجَمَهُ أَبُو بَكْرٍ بِنَقْصِ الْعُضْوِ بِجِنَايَةٍ. وَعَنْهُ فِي الزَّنْدِ الْوَاحِدِ: أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَظْمَانِ. وَفِيمَا سِوَاهُ بَعِيرَانِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ فِيمَا سِوَى الزَّنْدِ حُكُومَةً كَمَا تَقَدَّمَ. كَبَقِيَّةِ الْجُرُوحِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ، كَخَرَزَةِ صُلْبٍ وَعُصْعُصٍ وَعَانَةٍ. قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ فِي غَيْرِ ضِلْعٍ. قَوْلُهُ (وَالْحُكُومَةُ: أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ ثُمَّ يُقَوَّمُ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرَأَتْ، فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ الدِّيَةِ. فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ: تِسْعَةَ عَشَرَ، فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُقَدَّرٍ، فَلَا يُبْلَغُ بِهِ أَرْشَ الْمُقَدَّرِ. فَإِنْ كَانَتْ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ الْمُوضِحَةِ: لَمْ يُبْلَغْ بِهَا أَرْشَ الْمُوضِحَةِ. وَإِنْ كَانَ فِي إصْبَعٍ: لَمْ يُبْلَغْ بِهَا دِيَةُ الْإِصْبَعِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي أُنْمُلَةٍ لَمْ يُبْلَغْ بِهَا دِيَتَهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُبْلَغُ بِحُكُومَةِ مَحِلٍّ لَهُ مُقَدَّرٌ مُقَدَّرَهُ، عَلَى الْأَصَحِّ كَمُجَاوَزَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: يُبْلَغُ بِهِ أَرْشُ الْمُقَدَّرِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَحَكَاهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ: أَنْ يُخَصَّصَ امْتِنَاعُ الزِّيَادَةِ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، لِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ فَلَا يُجَاوَزُ بِهِ أَرْشُ الْمُؤَقَّتِ " قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ الِانْدِمَالِ: قُوِّمَتْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَب، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَوَّمُ قُبَيْلَ الِانْدِمَالِ التَّامِّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ " قُوِّمَتْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ " أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ هَدَرًا. وَأَنَّ عَلَيْهِ حُكُومَةً. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ فِيهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ شَيْئًا بِحَالٍ، أَوْ زَادَتْهُ حُسْنًا كَإِزَالَةِ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَلَا شَيْءَ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ النَّاظِمُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: بَلَى. قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ فِي أَقْرَبِ الْأَحْوَالِ إلَى الْبُرْءِ. فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ فِي ذَلِكَ الْحَالِ قُوِّمَ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتُقَوَّمُ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ كَأَنَّهَا لِحْيَةُ رَجُلٍ فِي حَالٍ يُنْقِصُهُ ذَهَابُ لِحْيَتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ.

باب العاقلة وما تحمله

[بَابُ الْعَاقِلَةِ وَمَا تَحْمِلُهُ] ُ فَائِدَةٌ: سُمِّيَتْ " عَاقِلَةً " لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ. نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِبِلَ تُجْمَعُ فَتُعْقَلُ بِفِنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ. أَيْ تُشَدُّ عُقُلُهَا لِتُسَلَّمَ إلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لِإِعْطَائِهِمْ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ: عِصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ، مِنْ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ: آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعَاقِلَةُ الْعُمُومَةُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: الْأَبُ وَالِابْنُ وَالْإِخْوَةُ وَكُلُّ الْعَصَبَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ. انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْبُلْغَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مِنْ عَصَبَةِ أُمِّهِ. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ السَّامِرِيُّ فِي مُسْتَوْعِبِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ ذُكُورُ عَصَبَتِهِ، وَلَوْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْجَمِيعُ عَاقِلَتُهُ، إلَّا أَبْنَاؤُهُ إذَا كَانَ امْرَأَةً. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهَا يَقُومُ الدَّلِيلُ. نَقَلَ حَرْبٌ: الِابْنُ لَا يَعْقِلُ عَنْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ أَبِي الْمَجْدِ، وَأَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ كُلُّ الْعَصَبَةِ إلَّا الْأَبْنَاءَ. وَلَعَلَّهُ يَقِيسُ أَبْنَاءَ الرَّجُلِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَرْأَةِ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: الْجَمِيعُ عَاقِلَتُهُ، إلَّا عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَإِخْوَتَهُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ. وَيَأْتِي التَّرْتِيبُ فِي ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ " أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ: عَصَبَاتُ سَيِّدِهِ " فَكَلَامُهُ هُنَا مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِ الْجَانِي: حَمْلُ شَيْءٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ يَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَيَّدَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بِالْمُعْتَمَلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَحْمِلُ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ بِالْوَلَاءِ. وَعَنْهُ: الْمُمَيِّزُ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى يَحْمِلَانِ مِنْ الْعَقْلِ. فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ إلَّا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْفَقِيرَ، وَمَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ وَالْأَعْمَى يَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ بِشَرْطِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَيَعْقِلُ الزَّمِنُ وَالشَّيْخُ وَالضَّعِيفُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْمِلُونَ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهَرِمِ وَالزَّمِنِ فِي الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ كَخَطَأِ الْوَكِيلِ. وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ.

وَالْمُرَادُ: فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، كَخَطَئِهِمَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطًا كَخَطَأٍ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهِلَا حَمْلًا، أَوْ بَانَ مَنْ حَكَمَا بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ. وَيَأْتِي الْخَطَأُ فِي الْحَدِّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي. إحْدَاهُمَا: يَتَعَاقَلُونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ: وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَتَعَاقَلُونَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: يَتَعَاقَلُونَ. وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ النَّاظِمُ: يَتَعَاقَلُونَ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَتَعَاقَلُونَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَجْهَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَهُمَا فِي الْكَافِي وَجْهَيْنِ، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَوْرِيثِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَاقَلُونَ أَيْضًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ: لَا يَتَعَاقَلُونَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِلُ ذِمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ، وَلَا حَرْبِيٌّ عَنْ ذِمِّيٍّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَتَعَاقَلَانِ، إنْ قُلْنَا: يَتَوَارَثَانِ. وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الْجَمِيعَ: فَالدِّيَةُ أَوْ بَاقِيهَا عَلَيْهِ، إنْ كَانَ ذِمِّيًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: كَمُسْلِمٍ. وَأَجْرَى فِي الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا تَحْمِلُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَانِي. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ حَالًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) يَعْنِي: أَخْذُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَهُوَ أَوْلَى، فَاخْتَارَهُ. [ثُمَّ قَالَ كَمَا لَوْ قَالُوا فِي فِطْرَةِ زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ، وَضَيْفِهِ. فَإِنَّهُ عَلَيْهِمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مُحْتَمَلَانِ لَا أَصْلِيَّانِ. وَكَقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ بِمَنْ لَا يَرَى تَحَمُّلَهَا عَنْهُ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ شَيْئًا مَغْرَمًا أَوْ مَغْنَمًا بِاخْتِيَارِهِ لَهُ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ. أَوْ قَهْرًا عَنْهُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ] . وَقَالَ كَقَوْلِهِمْ فِي الْمُرْتَدِّ: يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ. وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ: كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا: فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ. وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ ثُمَّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ: فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ لَهُ. قَالَ: فَكَذَا هَذَا.

فَاسْتَشْهَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَارَهُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا بِهَا. فَنَذْكُرُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ. فَمِنْهَا: قَوْلُهُ " يَجِبُ أَرْشُ خَطَأِ الْمُرْتَدِّ فِي مَالِهِ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَنَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا إلَى الْأَصْحَابِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ جَمَاهِيرَ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصِبْ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ: كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ. ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا: فَدِيَتُهُ فِي مَالِهِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ " وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ: فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جَرْحٍ وَزُهُوقٍ: عَقَلَتْ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجَرْحِ. وَقِيلَ: أَرْشُهُ.

وَقِيلَ: الْكُلُّ فِي مَالِهِ. وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِ مُعْتَقَةٍ بَيْنَ جَرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلِفَ فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ. وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا) . فَسَّرَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ الصُّلْحَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُ الْعَمْدِ. بَلْ مَعْنَاهُ: صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إنْكَارٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا اعْتِرَافًا) . وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَتَلَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ جَنَى جِنَايَةَ خَطَأٍ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، تُوجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ. فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. لَكِنَّ مُرَادَهُمْ: إذَا لَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ بِهِ. وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. [بَلْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ لِلْخِرَقِيِّ. لَكِنْ لَوْ سَكَتَتْ فَلَمْ تَتَكَلَّمْ، أَوْ قَالَتْ: لَا نُصَدِّقُهُ وَلَا نُكَذِّبُهُ، أَوْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ. فَهَلْ هُوَ كَقَوْلِ الْمُدَّعِي " لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ " أَوْ " لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ " أَوْ كَسُكُوتِهِ؟ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَوَابِ دَعْوَى فَنُكُولُهُمْ كَنُكُولِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِ دَعْوَى: لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ. وَلَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِنُكُولِهِمْ. وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فَقَالَ فِيهَا: وَلَا اعْتِرَافًا تُنْكِرُهُ. انْتَهَى] قَوْلُهُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً عَمْدًا، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مِنْهَا احْتِمَالُ تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ الْقَلِيلَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَصَابَ الصَّبِيَّ مِنْ شَيْءٍ: فَعَلَى الْأَبِ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ. فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ: فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا، إلَّا غُرَّةَ الْجَنِينِ إذَا مَاتَ مَعَ أُمِّهِ. فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ) . يَعْنِي: وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ بِانْفِرَادِهَا، لَكِنْ لَمَّا وَجَبَتْ مَعَ الْأُمِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، مَعَ زِيَادَتِهِمَا عَلَى الثُّلُثِ: حَمَلَتْهَا الْعَاقِلَةُ، كَالدِّيَةِ الْوَاحِدَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ خَبَرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْ الْمَرْأَةَ وَجَنِينَهَا، وَجْهُ الدَّلِيلِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِدِيَةٍ لِلْجَنِينِ عَلَى الْجَانِيَةِ» . حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ الثُّلُثَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَا مُنْفَرِدَيْنِ: لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ، لِنَقْصِهَا عَنْ الثُّلُثِ) إنْ مَاتَ، وَلَمْ تَمُتْ الْأُمُّ: لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا شَرِبَتْ دَوَاءً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينَهَا: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَإِنْ مَاتَا مِنْ الضَّرْبَةِ، فَإِنْ مَاتَا مَعًا حَمَلَتْهَا: بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ: حَمَلَتْهَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهَا. فَإِنَّهُمَا قَالَا: إذَا مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ: لَمْ تَحْمِلْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ: حَمَلَتْهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَيَا. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ: لَمْ تَحْمِلْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ هُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ: بِأَنَّهَا تَحْمِلُهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الْخَطَإِ عَلَى الْحُرِّ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ اخْتَلَفُوا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: هَلْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَحْمِلُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُقْنِعِ، فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ. وَيَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَلَا تَحْمِلُ شِبْهَ عَمْدٍ فِي الْأَصَحِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَاوِ قَبْلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِتَظْهَرَ الْمُغَايَرَةُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً: يَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالًّا، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ كَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ حَالًّا. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي حَالِ الْجَانِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. قَوْلُهُ (وَمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ، لَكِنْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. فَيَحْمِلُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: الْمُوسِرُ هُنَا: مَنْ مَلَكَ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ. كَالْحَجِّ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ.

قَوْلُهُ (وَهَلْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَتَكَرَّرُ. فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ دِينَارٌ وَنِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِينَارٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: لِأَنَّهُ قَدْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ. فَيَتَكَرَّرُ بِالْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَتَكَرَّرُ. فَيَكُونُ عَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبْعُ دِينَارٍ لَا غَيْرُ. قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ قُلْنَا يَتَكَرَّرُ لَأَفْضَى إلَى إيجَابِ أَقَلَّ مِنْ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ مُضِرًّا. انْتَهَى. قُلْت: إنْ بَقِيَ الْغَنِيُّ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ غَنِيًّا تَكَرَّرَ. كَذَا إنْ بَقِيَ مُتَوَسِّطًا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ: تَكَرَّرَ وَإِلَّا فَلَا وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) . كَالْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّرْغِيبِ: يُبْدَأُ بِالْآبَاءِ، ثُمَّ بِالْأَبْنَاءِ. وَقِيلَ: مُدْلٍ بِأَبٍ كَالْأُخْوَةِ وَأَبْنَائِهِمْ. وَالْأَعْمَامِ وَأَبْنَائِهِمْ كَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ قَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَخَ لِلْأَبِ: هَلْ يُسَاوِي الْأَخَ لِلْأَبَوَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَخَرَجَ مِنْهَا مُسَاوَاةُ بَعِيدٍ لِقَرِيبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُضْرَبُ عَلَى عَاقِلَةِ مُعْتَقَةٍ فِي حَيَاةِ مُعْتِقَةٍ، بِخِلَافِ عَصَبَةِ النَّسَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: وَالْمَوْلَى يَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَةُ الْمُعْتَقِ. فَائِدَةٌ: يُؤْخَذُ مِنْ الْبَعِيدِ لِغَيْبَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُبْعَثُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: دِيَةُ الْخَطَإِ فِي خَمْسِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ خُمُسُهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَكُونُ حَالًّا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهُ إنْ كَانَ دِيَةً كَامِلَةً) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ كَأَرْشِ الْجَائِفَةِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَهَا كَدِيَةِ الْيَدِ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ، وَبَاقِيهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْجِيلِ.

وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ: وَجَبَ الثُّلُثَانِ فِي السَّنَتَيْنِ، وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّالِثَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ دِيَةَ امْرَأَةٍ وَكِتَابِيٍّ فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: يَجِبُ ثُلُثَاهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَبَاقِيهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقَسَّمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِكَوْنِهَا دِيَةَ نَفْسٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَصْحَابُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى الثُّلُثِ) . وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ الضَّرْبَةُ الْأُمَّ وَجَنِينَهَا بَعْدَمَا اسْتَهَلَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ الْكُلُّ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ: لَزِمَ عَاقِلَتَهُ فِي كُلِّ حَوْلٍ مِنْ كُلِّ دِيَةٍ ثُلُثُهَا فَيَلْزَمُهُمْ دِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ بِجِنَايَتَيْنِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَجِبُ دِيَةُ الِاثْنَيْنِ فِي سِتِّ سِنِينَ. قَوْلُهُ (وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فِي الْجُرْحِ: مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ، وَفِي الْقَتْلِ: مِنْ حِينِ الْمَوْتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَاب، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَسِرْ الْجُرْحُ إلَى شَيْءٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ الْقَطْعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: ابْتِدَاؤُهُ فِي الْقَتْلِ الْمُوحِي وَالْجُرْحِ إنْ لَمْ يَسِرْ عَنْ مَحِلِّهِ مِنْ حِينِ الْجَنَابَةِ. فَائِدَةٌ: مَنْ صَارَ أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ: لَزِمَهُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) . عَمْدُ الْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ، فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ: أَنَّ عَمْدَهُ فِي مَالِهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ: وَتَكُونُ مُغَلَّظَةً.

وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَةً: تَكُونُ فِي مَالِهِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا أَصَابَ الصَّبِيُّ مِنْ شَيْءٍ، فَعَلَى الْأَبِ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَةِ. فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَةِ: فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا.

بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، أَوْ شَارَكَ فِيهَا: فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهَا. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَعَنْهُ: لَا تَلْزَمُ قَاتِلَ نَفْسِهِ وَلَا كَافِرًا، بِنَاءً عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَعَنْهُ: عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عِنْدَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَوْلُهُ (أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَقِيلَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقِيلَ: تَتَعَدَّدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي جَنِينٍ وَأُمِّهِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَأَلْقَتْ جَنِينًا " أَنَّهَا لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً لَمْ تَتَصَوَّرْ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ (سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ كَبِيرًا عَاقِلًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ إلَّا الْمَجْنُونَ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ) يَأْتِي حُكْمُ الْعَبْدِ فِي التَّكْفِيرِ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " فِيمَا إذَا عَتَقَ أَوْ لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ. فَلْيُعَاوَدْ هُنَاكَ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الزَّكَاةِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْقَتْلُ الْمُبَاحُ كَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ، وَقَتْلِ الْبَاغِي وَالصَّائِلِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) . بِلَا نِزَاعٍ، إلَّا فِي الْبَاغِي إذَا قَتَلَهُ الْعَادِلُ. فَإِنَّهُ حَكَى فِي التَّرْغِيبِ فِيهِ وَجْهَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ (وَفِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ: رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِيهِمَا. أَمَّا الْعَمْدُ: فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَوَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ: تَجِبُ، اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَزَعَمَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ: إنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلًا. وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ كَالْعَمْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَكَذَا قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْأَصْحَابُ فِيهَا: إنَّمَا هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ. فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ وَقَعَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ إجْرَاءُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ. وَهُوَ ذُهُولٌ. فَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا أَعْلَمُ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي فَحِكَايَةُ الرِّوَايَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَقَعَتْ هُنَا سَهْوًا. قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي: وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً أَنَّهُ كَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهُ مُغَلَّظَةٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ النَّاظِمُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلنَّقْلِ فِيهَا. لَكِنْ قَالَ النَّاظِمُ: هِيَ بَعِيدَةٌ. وَقَدْ عَلَّلَهَا الشَّارِحُ، فَقَالَ: لِأَنَّ دِيَتَهُ مُغَلَّظَةٌ. فَكَانَتْ كَالْعَمْدِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، فَفِي مَالِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: مَا حَمَلَهُ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ وَحَاكِمٍ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ. وَيُكَفِّرُ الْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مِنْ مَالِهِ. الثَّانِيَةُ: نَقَلَ مُهَنَّا: الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةٌ. وَالزِّنَا لَهُ كَفَّارَةٌ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَيْسَ بَعْدَ الْقَتْلِ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا.

بَابُ الْقَسَامَةِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ) . مُرَادُهُ: قَتْلُ مَعْصُومٍ. وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. أَمَّا الْعَمْدُ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا الْخَطَأُ: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: دَعْوَى الْقَتْلِ، ذَكَرًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ فِي عَبْدٍ وَكَافِرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لَا تُشْرَعُ إلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. كَذَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: اللَّوْثُ. وَهِيَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ، كَنَحْوِ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ شُيُوخِنَا.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: لَوْ حَصَلَ عَدَاوَةٌ مَعَ سَيِّدِ عَبْدٍ وَعَصَبَتِهِ. فَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ، وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ عَبْدِهِ: كَانَ ذَلِكَ لَوْثًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ الْقَسَامَةُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِهِ، كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ، وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمْ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَعَدْلٍ وَاحِدٍ، وَفَسَقَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَنْهُ: إذَا كَانَ عَدَاوَةٌ أَوْ عَصَبِيَّةٌ. نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَاوَةِ أَثَرُ الْقَتْلِ فِي الْمَقْتُولِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، كَدَمٍ مِنْ أُذُنِهِ. وَفِيهِ مِنْ أَنْفِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ: أَوْ مِنْ شَفَتِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهَلْ يَقْدَحُ فِيهِ فَقْدُ أَثَرِ الْقَتْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَيْسَ ذَلِكَ أَثَرًا. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي: أَنْ لَا يَخْتَلِطَ بِالْعَدُوِّ غَيْرُهُ، وَالْمَنْصُوصُ: عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ ادَّعَى، قَتِيلٌ عَلَى مَحَلَّةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ يَطْرُقُهُ غَيْرُ أَهْلِهِ: ثَبَتَتْ الْقَسَامَةُ فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا قَوْلُ الْقَتِيلِ " فُلَانٌ قَتَلَنِي " فَلَيْسَ بِلَوْثٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَذْهَبُ إلَى الْقَسَامَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ لَطْخٌ. إذَا كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ بَيِّنٌ. إذَا كَانَ ثَمَّ عَدَاوَةٌ. إذَا كَانَ مِثْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْكَمُ لَهُ بِيَمِينٍ وَلَا بِغَيْرِهَا) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَهِيَ الْأَوْلَى. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقَوْلُ بِالْحَلِفِ هُوَ الْحَقُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا. فَائِدَةٌ: حَيْثُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: فَلَا كَلَامَ. وَحَيْثُ امْتَنَعَ: لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَأَمَّا الدِّيَةُ فَتَثْبُتُ بِالنُّكُولِ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ الْمَالَ بِهِ، أَوْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي، إنْ قُلْنَا: بِرَدِّ الْيَمِينِ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ. انْتَهَى.

وَإِذَا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ: فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، أَوْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: الصَّوَابُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ فِي الدَّعْوَى. فَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ: لَمْ تَثْبُتْ الْقَسَامَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُكَذِّبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: لَمْ يَقْدَحْ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ رِجَالٌ عُقَلَاءُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِي الْقَسَامَةِ، عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ فِي الْأَوْلِيَاءِ نِسَاءٌ: أَقْسَمَ الرِّجَالُ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ نِسَاءً: فَهُوَ كَمَا لَوْ نَكَلَ الْوَرَثَةُ.

فَائِدَةٌ: لَا مَدْخَلَ لِلْخُنْثَى فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلِلْحَاضِرِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَلَفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْأَوْلَى عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِفَ الْآخَرُ. فَلَا قَسَامَةَ إلَّا بَعْدَ أَهْلِيَّةِ الْآخَرِ. وَمَحِلُّ الْخِلَافِ: فِي غَيْرِ الْعَمْدِ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) يَعْنِي إذَا قُلْنَا: يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ.

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ خَمْسِينَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ: حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَلَهُ بَقِيَّتُهَا) . سَوَاءٌ قُلْنَا: يَحْلِفُ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ، أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ خَمْسِينَ. وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَعَلَى هَذَا إنْ اخْتَلَفَ التَّعْيِينُ أَقْسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ. قَوْلُهُ (وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مِنْ شُرُوط الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ) ، ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَّلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ. وَلَيْسَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِالْبَيِّنِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ أَرَ الْأَصْحَابَ عَرَّجُوا عَلَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعِنْدَ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَجْرِي الْقَسَامَةُ فِيمَا لَا قَوَدَ فِيهِ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: عَنْهُ عَمْدًا. وَالنَّصُّ: أَوْ خَطَأً، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا: لَمْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ. وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ: لَيْسَ لَهُمْ الْقَسَامَةُ. وَلَا تُشْرَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُمْ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ. وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ غَيْرَ الْخِرَقِيِّ قَالَ ذَلِكَ. وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مَنْ اخْتَارَ ذَلِكَ.

فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ بِقِسْطِهِ مِنْهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقِسْطِهِ. قَوْلُهُ (وَيُبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ. فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَارِثِ) . يَعْنِي الْعَصَبَةَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مِنْ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْوَارِثِ. نَصَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْقَاضِي: فِيمَا أَظُنُّ. فَيُقْسِمُ مَنْ عُرِفَ وَجْهُ نِسْبَتِهِ مِنْ الْمَقْتُولِ، لَا أَنَّهُ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَقَطْ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَسَأَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلِيَاءٌ؟ قَالَ: فَقَبِيلَتُهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، أَوْ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الْوَارِثُونَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَحْلِفُ وَلِيٌّ يَمِينًا. وَعَنْهُ: خَمْسُونَ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَيْمَانِ الْخَمْسِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَجْهَانِ. أَصْلُهُمَا الْمُوَالَاةُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ. فَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ جُنَّ. ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ عُزِلَ الْحَاكِمُ بَنَى لَا وَارِثُهُ. الثَّانِيَةُ: وُرَّاثُ الْمُسْتَحِقِّ كَالْمُسْتَحِقِّ بِالْأَصَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ لَمْ يَكُنْ طَالِبٌ. فَلَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً. وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الدَّعْوَى فِي يَمِينِ الْمُدَّعِي. الثَّالِثَةُ: مَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ فَالْحَقُّ لِلْجَمِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْعَمْدُ لِذُكُورِ الْعَصَبَةِ. الرَّابِعَةُ: يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقْتَ يَمِينِهِ، كَالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَحُضُورُ الْمُدَّعِي. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ) وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا نِسَاءً. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَيَغْرَمُ الدِّيَةَ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَ فِي الْمُوجَزِ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّبْصِرَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَصِحُّ يَمِينُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ " مَا قَتَلْته، وَلَا أَعَنْت عَلَيْهِ وَلَا تَسَبَّبْت " لِئَلَّا يُتَأَوَّلَ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا قُلْنَا تَصِحُّ الدَّعْوَى فِي الْخَطَإِ وَشِبْهِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ قِسْطَهُ مِنْهَا. فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ فَنَكَلُوا: لَمْ يُحْبَسُوا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. بِلَا رَيْبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: يُحْبَسُونَ حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ، أَوْ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا نَكَلُوا، وَقُلْنَا: إنَّهُمْ لَا يُحْبَسُونَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَبَنَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ رِوَايَتَيْ الْحَبْسِ وَعَدَمِهِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَلَى رَدِّ الْيَمِينِ وَجْهَانِ، وَأَنَّهُمَا فِي كُلٍّ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ مَعَ الْعَوْدِ إلَيْهَا فِي مَقَامٍ آخَرَ: هَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْمَقَامِ، أَمْ لَا، لِنُكُولِهِ مَرَّةً؟ الثَّانِيَةُ: يُفْدَى مَيِّتٌ فِي زَحْمَةٍ كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: هَدَرٌ. وَعَنْهُ: هَدَرٌ فِي صَلَاةٍ لَا حَجٍّ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِ زِحَامٍ خَالِيًا.

كِتَابُ الْحُدُودِ فَائِدَةٌ: " الْحُدُودُ " جَمْعُ حَدٍّ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: الْمَنْعُ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: عُقُوبَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ. قَوْلُهُ (لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) . هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ تَبَعًا لِلرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " مُلْتَزِمٍ " لِيَدْخُلَ الذِّمِّيُّ دُونَ الْحَرْبِيِّ. قُلْت: هَذَا الْحُكْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِقَرِينَةٍ، كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ. فَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ قَتْلُهُ. [وَقِيلَ: يُقِيمُ الْحَدَّ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ] . فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (إلَّا السَّيِّدَ) يَعْنِي الْمُكَلَّفَ (فَإِنَّ لَهُ إقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِسَيِّدٍ إقَامَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً: أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَإِنْ عَصَى سِرًّا: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ. بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ سَتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ، بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَدْ يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ " رَقِيقِهِ الْقِنِّ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَقِيقًا مُشْتَرَكًا لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ السَّيِّدِ إقَامَةُ الْحَدِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لِلْوَصِيِّ إقَامَتُهُ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَنَصَرُوهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ ذَلِكَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ إقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) . يَعْنِي لَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَهُ إقَامَتُهُ عَلَيْهَا، صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ، وَأَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا، أَوْ امْرَأَةً: فَلَهُ إقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ.

وَيُحْتَمَلُ. وَهُوَ لِلْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقِيلَ: يُقِيمُ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي " بَابِ الْمُكَاتَبِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي فِي الْكِتَابَةِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَهُ. وَهُوَ وَجْهٌ وَرِوَايَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي هُنَا وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ) . حَيْثُ قُلْنَا " لِلسَّيِّدِ إقَامَتُهُ " فَلَهُ إقَامَتُهُ بِالْإِقْرَارِ. بِلَا نِزَاعٍ. إذَا عَلِمَ شُرُوطَهُ. وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شُرُوطَهَا فَلَيْسَ لَهُ إقَامَتُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ عَلِمَ شُرُوطَ سَمَاعِهَا، فَلَهُ إقَامَتُهُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي يَعْقُوبُ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: وَمَنْ أَقَامَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَدِّ زِنًا أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ: لَمْ يَسْقُطْ، بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ. وَيَأْتِي اسْتِيفَاؤُهُ حَدَّ قَذْفٍ مِنْ نَفْسِهِ فِي بَابِهِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. [وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. " لَوْ اقْتَصَّ الْجَانِي مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا الْوَلِيِّ هَلْ يَجُوزُ، أَوْ لَا؟] . قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ: فَلَهُ إقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَوَجْهٌ فِي الْفُرُوعِ تَخْرِيجًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُ إقَامَتِهِ بِعِلْمِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ) . يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّحْرِيمَ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي " بَابِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: قَاعِدًا. فَعَلَيْهَا: يُضْرَبُ الظَّهْرُ وَمَا قَارَبَهُ. قَوْلُهُ (بِسَوْطٍ لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلِقٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ: سَوْطُ الْعَبْدِ دُونَ سَوْطِ الْحُرِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَجَعَلُوا الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَى الْمُصَنِّفِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلْتَكُنْ الْحِجَارَةُ مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّيَّةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ مَنْ عِنْدَهُ حَجْمُ السَّوْطِ بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا، أَوْ بِقَضِيبٍ بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُمَدُّ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُجَرَّدُ. بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَيْمُونِيُّ. قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ، إلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ) . تَفْرِيقُ الضَّرْبِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحُدُودِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْوُضُوءِ، لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَظْهَرُ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ لِلْجَلْدِ النِّيَّةُ. فَلَوْ جَلَدَهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ، وَيُعِيدُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُعْتَبَرُ. وَهُوَ أَظْهَرُ. قَالَ: وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لَا يُعْتَبَرُ. وَفِي الْفُصُولِ قُبَيْلَ فُصُولِ التَّعْزِيرِ يُحْتَاجُ عِنْدَ إقَامَتِهِ إلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضْرِبُ لِلَّهِ وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْحِدَادُ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَوَلَّى، وَأَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ.

قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا، كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ: تُعْتَبَرُ نِيَّةُ غَاسِلِهِ. وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ. كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) نَصَّ عَلَيْهِ. (وَتُمْسَكُ يَدَاهَا، لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) . وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: أَسْوَاطُهَا كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا: أَشَدُّ الْجَلْدِ، ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبِ، ثُمَّ التَّعْزِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: أَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ، إنْ قُلْنَا هُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً. ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ. وَإِنْ قُلْنَا: حَدُّهُ ثَمَانُونَ بُدِئَ بِحَدِّ الْقَذْفِ، ثُمَّ بِحَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ بِحَدِّ الزِّنَا، ثُمَّ بِحَدِّ السَّرِقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ: فَلَهُ ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَبِالْأَيْدِي أَيْضًا. وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ الشُّرَّاحُ بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يُجْزِئُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ. . وَفِي الْمُوجَزِ: لَا يُجْزِئُ بِيَدٍ وَطَرْفِ ثَوْبٍ.

وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ، يُسْتَوْفَى بِالسَّوْطِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي. وَكَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِمْ. حَيْثُ قَالُوا: يُضْرَبُ بِسَوْطٍ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ حَبْسُهُ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: مَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَدِّ وَضَرْبِ النَّاسِ فَلِلْوَالِي لَا الْقَاضِي حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حَتَّى يَمُوتَ. قَوْلُهُ (قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ لِلْمَرَضِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ. يَعْنِي إذَا كَانَ جَلْدًا. فَأَمَّا الرَّجْمُ: فَلَا يُؤَخَّرُ، فَلَوْ خَالَفَ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَفَعَلَ: ضَمِنَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: تَأْخِيرُهُ. لِقَوْلِهِ: مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَاقِلٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ جَلْدًا، وَخُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّوْطِ: أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ) هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ خِيفَ مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ الْجَلْدُ بِالسَّوْطِ. وَقِيلَ: يُضْرَبُ بِمِائَةِ شِمْرَاخٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ جَلَدَهُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ أَوْ عُثْكُولِ نَخْلٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ يَضْرِبُهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ: يُؤَخَّرُ شَارِبُ الْخَمْرِ حَتَّى يَصْحُوَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ لَوْ وُجِدَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِهِ أَلَمٌ يُوجِبُ الزَّجْرَ: سَقَطَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى وَقَالَ أَيْضًا: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ: لَا يَضْمَنُهُ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ، إذَا قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ بِهِ. وَيُؤَخَّرُ قَطْعُ السَّارِقِ خَوْفَ التَّلَفِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ فِي الْجَلْدِ: فَالْحَقُّ قَتْلُهُ) . وَكَذَا فِي التَّعْزِيرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ جَلَدَهُ الْإِمَامُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ، وَتَلِفَ فَهَدَرٌ فِي الْأَصَحِّ. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ التَّأْخِيرُ. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ، وَجَلَدَهُ فَمَاتَ: ضَمِنَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَ سَوْطًا، أَوْ أَكْثَرَ، فَتَلِفَ: ضَمِنَهُ. وَهَلْ يَضْمَنُ. جَمِيعَهُ أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَهُمَا رِوَايَتَانِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ جَمِيعَ الدِّيَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالْعِشْرِينَ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَقِيلَ: تُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْأَسْوَاطِ إنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: إنْ وَضَعَ فِي سَفِينَةٍ كُرًّا فَلَمْ تَغْرَقْ، ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فَغَرِقَتْ: فَغَرَقُهَا بِهِمَا فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: بِالْقَفِيزِ. وَكَذَلِكَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ، وَالسَّيْرُ بِالدَّابَّةِ فَرْسَخًا، وَالسُّكْرُ بِالْقَدَحِ وَالْأَقْدَاحِ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا تَنْشَأُ الْغَضْبَةُ بِكَلِمَةٍ بَعْدَ كَلِمَةٍ، وَيَمْتَلِئُ الْإِنَاءُ بِقَطْرَةٍ بَعْدَ قَطْرَةٍ، وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ. وَجَزَمَ أَيْضًا فِي السَّفِينَةِ: أَنَّ الْقَفِيزَ هُوَ الْمُغْرِقُ لَهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْغَصْبِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرَتُهَا فِي الْإِجَارَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أُمِرَ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِّ، فَزَادَ جَاهِلًا: ضَمِنَهُ الْآمِرُ. وَإِنْ كَانَ عَالِمًا: فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ الْآمِرُ.

قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ الضَّارِبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَعَمَّدَ الْعَادُّ الزِّيَادَةَ دُونَ الضَّارِبِ، أَوْ أَخْطَأَ وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ: ضَمِنَهُ الْعَادُّ. وَتَعَمُّدُ الْإِمَامِ الزِّيَادَةَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَقْيَسِ؛ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ. وَقِيلَ: كَخَطَأٍ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ، قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. نَقَلَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا: لَمْ يُحْفَرْ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. (وَفِي الْآخَرِ: إنْ ثَبَتَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِقْرَارِهَا لَمْ يُحْفَرْ لَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ: حُفِرَ لَهَا إلَى الصَّدْرِ) ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ: الْحَفْرَ لَهَا يَعْنُونَ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، فَهُوَ أَسْتَرُ لَهَا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ: اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجِبُ حُضُورُهُ هُوَ، أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ مَقَامَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَأَبْطَلَا غَيْرَهُ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَجِيءُ النَّاسُ صُفُوفًا لَا يَخْتَلِطُونَ، ثُمَّ يَمْضُونَ صَفًّا صَفًّا. فَائِدَةٌ: يَجِبُ حُضُورُ طَائِفَةٍ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَالطَّائِفَةُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا وَاحِدًا مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ حَاصِلٌ ضَرُورَةً. فَتَعَيَّنَ صَرْفُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: أَقَلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ مَعَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ، وَاخْتَارَ فِي الْبُلْغَةِ: اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ: الْجَمَاعَةُ. وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ. قَالَ الْقَاضِي: الطَّائِفَةُ: اسْمُ الْجَمَاعَةِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102] وَلَوْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ وَاحِدًا لَمْ يَقُلْ {فَلْيُصَلُّوا} [النساء: 102] . وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ الطَّائِفَةُ اسْمُ جَمَاعَةٍ. وَأَقَلُّ اسْمِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْعَدَدِ: ثَلَاثَةٌ. وَلَوْ قَالَ " جَمَاعَةٍ " لَكَانَ كَذَلِكَ. فَكَذَا إذَا قَالَ " طَائِفَةٍ " وَسَبَقَ فِي الْوَقْفِ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ ثَلَاثَةٌ. قُلْت: كَلَامُ الْقَاضِي فِي اسْتِدْلَالِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا} [النساء: 102] غَيْرُ قَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا وَلَا يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ عِنْدَهُ تَشْمَلُ الْجَمَاعَةَ وَتَشْمَلُ الْوَاحِدَ. فَهَذِهِ الْآيَةُ شَمِلَتْ الْجَمَاعَةَ. لَكِنْ مَا نَفَتْ أَنَّهَا تَشْمَلُ الْوَاحِدَ.

ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّ الطَّائِفَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] لِأَنَّهُ أَوَّلُ شُهُودِ الزِّنَا. قَوْلُهُ (وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالْحَدِّ عَنْ إقْرَارِهِ: قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ: لَمْ يُتْمَمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ أَعْنِي حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِي الزِّنَا فَقَطْ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي الزِّنَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ بِكِنَايَةٍ، نَحْوِ " مَزَحْت " أَوْ " مَا عَرَفْت مَا قُلْت " أَوْ " كُنْت نَاعِسًا ". وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا فِي سَارِقِ بَارِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ تُمِّمَ الْحَدُّ إذَنْ: ضَمِنَ الرَّاجِعُ [لَا الْهَارِبُ] فَقَطْ الْمَالَ. وَلَا قَوَدَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رُجِمَ بِبَيِّنَةٍ، فَهَرَبَ: لَمْ يُتْرَكْ) بِلَا نِزَاعٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ: تُرِكَ) . يَعْنِي: إذَا رُجِمَ بِإِقْرَارٍ فَهَرَبَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُتْرَكُ. فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِالْهَرَبِ.

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تُمِّمَ الْحَدُّ بَعْدَ الْهَرَبِ: لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ، ثُمَّ رَجَعَ، ثُمَّ أَقَرَّ: حُدَّ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ، فَقَدْ رَجَعَ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُتْرَكُ فَيُحَدُّ. وَقِيلَ: قُبِلَ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ، فِيهَا قَتْلٌ: اُسْتُوْفِيَ، وَسَقَطَ سَائِرُهَا) بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ مِثْلُ إنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا: أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي السَّرِقَةِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فَقَطْعٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ رِوَايَةً: إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ: قُطِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ: اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا. وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ) .

وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. فَلَوْ بُدِئَ بِغَيْرِ الْأَخَفِّ جَازَ. وَقَطَعَا بِهِ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ: فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ. وَإِنْ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ: بُدِئَ بِهَا) . وَبِالْأَخَفِّ وُجُوبًا، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْمُغْنِي: إنْ بُدِئَ بِغَيْرِهِ جَازَ. فَإِذَا زَنَى، وَشَرِبَ، وَقَذَفَ، وَقَطَعَ يَدًا: قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ، ثُمَّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلزِّنَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ الْقَطْعُ. وَيُؤَخَّرُ حَدُّ الشُّرْبِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ إنْ قِيلَ: هُوَ أَرْبَعُونَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: إنْ طَلَبَ صَاحِبُ قَتْلٍ جَلْدَهُ قَبْلَ بُرْئِهِ مِنْ قَطْعٍ: فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ وَارْتَدَّ، أَوْ سَرَقَ وَقَطَعَ يَدًا: قُتِلَ. وَقُطِعَ لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ. وَقُطِعَ لِلْقَوَدِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَظْهَرَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِي جَوَازِ الْخِلَافِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَأَنَّ عَلَى الْمَنْعِ: هَلْ يُعَزَّرُ أَمْ لَا؟ . وَأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ الْمَقْتُولِ؟ وَأَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ يَكُونُ كَمَنْ قَتَلَ جَمَاعَةً فَيُقْرَعُ؟ أَوْ يُعَيِّنُ الْإِمَامُ؟ وَأَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا قِيلَ فِيمَنْ قَتَلَ الرَّجُلَيْنِ؟ وَغَيْرِ ذَلِكَ. انْتَهَى وَقَالَ الشَّارِحُ: إذَا اتَّفَقَ الْحَقَّانِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قِصَاصًا صَارَ حَدًّا. فَأَمَّا الْقَتْلُ: فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا هُوَ خَالِصٌ لِحَقِّ اللَّهِ كَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَمَا هُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ قُدِّمَ الْقِصَاصُ؛ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَإِنْ اجْتَمَعَ الْقَتْلُ كَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْقِصَاصِ: بُدِئَ بِأَسْبَقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ. وَإِنْ سَبَقَ الْقَتْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ: اُسْتُوْفِيَ. وَوَجَبَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ دِيَتُهُ مِنْ مَالِ الْجَانِي. وَإِنْ سَبَقَ الْقِصَاصُ: قُتِلَ قِصَاصًا، وَلَمْ يُصْلَبْ. وَوَجَبَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْمُحَارَبَةِ دِيَتُهُ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ.

وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ سَابِقًا، وَعَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ: اُسْتُوْفِيَ الْقَتْلُ لِلْمُحَارَبَةِ، سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ. وَإِنْ اجْتَمَعَ وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي يَدٍ أَوْ رِجْلٍ قِصَاصًا وَحَدًّا: قُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَمَحِّضِ لِلَّهِ. وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ: اُسْتُوْفِيَ الْحَدُّ. فَإِذَا قَطَعَ يَدًا وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ: قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا. وَيُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ. فَإِذَا بَرَأَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ أَخَذَ الدِّيَةَ اُسْتُوْفِيَ الْحَدُّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ: مَنْ قَتَلَ بِسِحْرٍ قُتِلَ حَدًّا. وَلِلْمَسْحُورِ مِنْ مَالِهِ دِيَتُهُ. فَيُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ، أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ. ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ: لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ) . وَكَذَلِكَ لَوْ لَجَأَ إلَيْهِ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ مَأْكُولٍ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِي الْحُدُودِ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُؤْخَذُ بِدُونِ الْقَتْلِ. هَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ مِنْ قَاتِلٍ وَآتٍ حَدًّا لَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ. وَعَنْهُ: يُسْتَوْفَى فِيهِ كُلُّ حَدٍّ وَقَوَدٍ مُطْلَقًا غَيْرَ الْقَتْلِ. قَالَ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْحَرْبِيِّ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ، وَالْمُرْتَدِّ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِيهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ فِيهِ يُقْتَلُ فِيهِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى) . أَنَّهُ لَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُوَاكَلُ، وَلَا يُشَارَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَةِ: وَلَا يُكَلَّمُ أَيْضًا. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا يُوَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ. الثَّانِي: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي " الْحَرَمِ " لِلْعَهْدِ. وَهُوَ حَرَمُ مَكَّةَ. فَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي التَّعْلِيقِ وَجْهًا: أَنَّ حَرَمَهَا كَحَرَمِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ: اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَنْ لَجَأَ إلَى دَارِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ مِنْ خَارِجِهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لَا تَعْصِمُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ تُعْصَمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ: دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ: الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ. لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ. وَفِي الْخِلَافِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهِمَا: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ فِيهَا مَتَى عَرَضَتْ تِلْكَ الْحَالُ. وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ، أَوْ غَيْرُهُمْ عَلَى الرَّكْبِ: دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يُدْفَعُ الصَّائِلُ. وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ. بَلْ قَدْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْوِ: لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، حَتَّى يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَتُقَامُ عَلَيْهِ) . وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الثُّغُورِ: أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، أَوْ أُسِرَ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا خَرَجَ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا قَتَلَ وَزَنَى، وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَقَتَلَ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَ هُنَاكَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ زَنَى الْأَسِيرُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا: مَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا خَرَجَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ هُنَاكَ حُكْمٌ

باب حد الزنا

[بَابُ حَدِّ الزِّنَا] قَوْلُهُ (وَإِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ: فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ، وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُجْلَدُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ شِهَابٍ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا: ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي. وَنَصَرَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَصَحَّحَهُمَا الشِّيرَازِيُّ.

قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهَا شُيُوخُ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنِهَايَتِهِ. قَوْلُهُ (وَالْمُحْصَنُ: مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَيَكْفِي تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا. (وَهُمَا بَالِغَانِ عَاقِلَانِ حُرَّانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَنَحْوِهِ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّ الْمُرَاهِقَ يُحْصِنُ غَيْرَهُ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَتَى اخْتَلَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا: فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، إلَّا فِي تَحْصِينِ الْبَالِغِ بِوَطْءِ الْمُرَاهِقَةِ، وَتَحْصِينِ الْبَالِغَةِ بِوَطْءِ الْمُرَاهِقِ. فَإِنَّهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا، فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ " أَنَّهُ لَا يُحْصِنُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

فَائِدَةٌ: جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ، أَوْ بِنْتُ تِسْعٍ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ " بَابِ الْمُرْتَدِّ ". وَيَأْتِي فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ ". قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلذِّمِّيَّيْنِ) . وَكَذَا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ. فَلَوْ زَنَى أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْحَدُّ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ. وَلَزِمَ الْإِمَامَ إقَامَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: إنْ شَاءَ لَمْ يُقِمْ حَدَّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: نَصَّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُهُ كُلَّ ذِمِّيٍّ. فَدَخَلَ الْمَجُوسِيُّ فِي ذَلِكَ. وَتَبِعَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِيرُ الْمَجُوسِيُّ مُحْصَنًا بِنِكَاحِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ إحْدَاهُمَا: تُحْصِنُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَغْنَى، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُحْصِنُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدُّهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ " مَا وَطِئْتهَا " لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهُ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَثْبُتُ إحْصَانُهُ بِقَوْلِهِ " وَطِئْتهَا " أَوْ " جَامَعْتهَا " وَبِقَوْلِهِ أَيْضًا " دَخَلْت بِهَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ زَنَى الْحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ: جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ. وَغُرِّبَ عَامًا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُغَرَّبُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْفَى إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ: تُغَرَّبُ الْمَرْأَةُ مَعَ مَحْرَمِهَا لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَعَ تَعَذُّرِهِ لِدُونِهَا. وَعَنْهُ: يُغَرَّبَانِ أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ غَيْرُ الْجَلْدِ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ، وَالْمَيْمُونِيُّ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْإِمَامُ تَعْزِيرًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تُنْفَى الْمَرْأَةُ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ، وَمَعَ تَعَذُّرِهِ: هَلْ تُنْفَى كَذَلِكَ، أَوْ إلَى مَا دُونَهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي. وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا مُطْلَقًا. وَتَبِعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي، وَالْمُقْنِعِ. وَعَكَسَ الْمَجْدُ طَرِيقَةَ الْمُغْنِي. فَجَعَلَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا نُفِيَتْ مَعَ مَحْرَمِهَا. أَمَّا بِدُونِهِ فَإِلَى مَا دُونَهَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ زَنَى حَالَ التَّغْرِيبِ: غُرِّبَ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا. فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ الْحَوْلِ: مُنِعَ. وَإِنْ زَنَى فِي الْآخَرِ: غُرِّبَ إلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَخْرُجُ مَعَهَا مَحْرَمُهَا) . لَا تُغَرَّبُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ إنْ تَيَسَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةٌ: أَنَّهَا تُغَرَّبُ بِدُونِ مَحْرَمٍ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً بُذِلَتْ مِنْ مَالِهَا. فَإِنْ تَعَذَّرَ: فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا.

وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَمَالَ إلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى الْخُرُوجَ مَعَهَا: اُسْتُؤْجِرَتْ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ) ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: تُغَرَّبُ بِلَا امْرَأَةٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: تُغَرَّبُ بِلَا امْرَأَةٍ مَعَ الْأَمْنِ. وَعَنْهُ: تُغَرَّبُ بِلَا مَحْرَمٍ، تَعَذَّرَ أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ. قُلْت: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بَعِيدَةٌ جِدًّا. وَقَدْ يُخَافُ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ قُعُودِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ: نُفِيَتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُنْفَى بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ النَّفْيُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الزَّانِي رَقِيقًا: فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً بِكُلِّ حَالٍ) بِلَا نِزَاعٍ (وَلَا يُغَرَّبُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَأَبْدَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ احْتِمَالًا بِنَفْيِهِ. لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَاهُ. وَأَوَّلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى إبْعَادِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا: فَحَدُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً) بِلَا نِزَاعٍ (وَتَغْرِيبُ نِصْفِ عَامٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُغَرَّبُ فِي الْمَنْصُوصِ بِحِسَابِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُغَرَّبَ. وَهُوَ وَجْهٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَحَدُّ اللُّوطِيِّ) يَعْنِي الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ (كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءً) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: حَدُّهُ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " كِتَابِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ " وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى مَا إذَا زَنَى عَبْدُهُ بِابْنَتِهِ الصَّحِيحُ قَتْلُ اللُّوطِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ قُتِلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ " أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: لَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ ": إذَا قُتِلَ الْفَاعِلُ كَزَانٍ، فَقِيلَ: يُقْتَلُ الْمَفْعُولُ بِهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ. وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ كَفَاعِلٍ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ دُبُرُ الْأَجْنَبِيَّةِ كَاللِّوَاطِ. وَقِيلَ: كَالزِّنَا. وَأَنَّهُ لَا حَدَّ بِدُبُرِ أَمَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِرَضَاعٍ. قُلْت: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي قَوْلِهِ " وَالزَّانِي مَنْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ حَرَامًا مُحْصَنًا " فَسَمَّى الْوَاطِئَ فِي الدُّبُرِ زَانِيًا. الثَّالِثَةُ: الزَّانِي بِذَاتِ مَحْرَمِهِ كَاللِّوَاطِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: أَنَّ حَدَّهُ الرَّجْمُ مُطْلَقًا حَتْمًا. وَهُوَ مِنْهَا. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُؤْخَذُ مَالُهُ أَيْضًا لِخَبَرِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَوَّلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ وَارِثٍ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إلَّا رَجُلًا يَرَاهُ مُبَاحًا فَيُجَارُ.

قُلْت: فَالْمَرْأَةُ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ: إنَّ خَبَرَ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَإِنَّ غَيْرَ الْمُسْتَحِلِّ كَزَانٍ. نَقَلَ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ: أَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً: فَعَلَيْهِ حَدُّ اللُّوطِيِّ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبُ الْحَدُّ فِي رِوَايَةٍ. وَإِنْ سَلَّمْنَا فِي رِوَايَةٍ، فَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فِيهِ غُسْلٌ وَلَا فِطْرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، بِخِلَافِ اللِّوَاطِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ، مَعَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاللِّوَاطِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ بِهِ. وَظَاهِرُهُ: يَجِبُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ غَرِيبٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الِاخْتِيَارُ قَتْلُهَا. فَإِنْ تُرِكَتْ فَلَا بَأْسَ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا تُقْتَلُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ ذُبِحَتْ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: إذَا قُلْنَا إنَّهُ يُعَزَّرُ. فَأَمَّا إنَّ قُلْنَا إنَّ حَدَّهُ كَحَدِّ اللُّوطِيِّ: فَإِنَّهَا تُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ يُعَزَّرُ، أَوْ حَدُّهُ كَحَدِّ اللُّوطِيِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا، أَوْ بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَتْ مِلْكَهُ. الثَّانِيَةُ: قِيلَ فِي تَعْلِيلِ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ: لِئَلَّا يُعَيَّرَ فَاعِلُهَا لِذِكْرِهِ بِرُؤْيَتِهَا. وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ قَالَ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ. وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَالُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: لِئَلَّا يُقَالَ: هَذِهِ هَذِهِ» .

فصل ولا يجب الحد إلا بثلاثة شروط

وَقِيلَ فِي التَّعْلِيلِ: لِئَلَّا تَلِدَ خَلْقًا مُشَوَّهًا. وَبِهِ عَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَقِيلَ: لِئَلَّا تُؤْكَلَ. أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي تَعْلِيلِهِ. قَوْلُهُ (وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْلَ لَحْمِهَا. وَهَلْ يَحْرُمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ أَكْلُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ. فَيَضْمَنُ النَّقْصَ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ: ذُبِحَتْ وَحَلَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَضْمَنُهَا لِصَاحِبِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالًا: أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: يَضْمَنُ النَّقْصَ، كَمَا تَقَدَّمَ. [فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ] قَوْلُهُ (فَصْلٌ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ.

فصل الثاني انتفاء الشبهة

أَحَدُهَا: أَنْ يَطَأَ فِي الْفَرَجِ، سَوَاءٌ كَانَ قُبُلًا أَوْ دُبُرًا. وَأَقَلُّ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ) . مُرَادُهُ بِالْحَشَفَةِ: الْحَشَفَةُ الْأَصْلِيَّةُ مِنْ فَحْلٍ أَوْ خَصِيٍّ. أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ الْعَدَمِ. وَمُرَادُهُ بِالْفَرْجِ: الْفَرَجُ الْأَصْلِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ) أَيْ تَسَاحَقَتَا (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي إتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ: يُحْتَمَلُ وُجُوبُ الْحَدِّ لِلْخَبَرِ. [فَصْلٌ الثَّانِي انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ] قَوْلُهُ (فَصْلٌ الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ. فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَنْوِ تَمَلُّكَهَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ هَذَا: إذَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ يَطَؤُهَا. فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَطَؤُهَا: فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. تَقَدَّمَتَا فِي بَابِ الْهِبَةِ. فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ أَوْ دَعَا الضَّرِيرُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا، أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ

حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ، لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ) . فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، كَنِكَاحِ مُتْعَةٍ، وَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا النِّكَاحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ: تَوَجَّهَ الْخِلَافُ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُخْتَلِفٌ انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا " إذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ عَالِمًا، أَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ، أَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ " فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَالِدِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ: كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ، بَلْ يُعَزَّرُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ. قَوْلُهُ (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَى: حُدَّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْغُلَامُ عَلَى الزِّنَا بِإِلْجَاءٍ أَوْ تَهْدِيدٍ، أَوْ مَنْعِ طَعَامٍ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ، وَنَحْوِهِ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: تُحَدُّ الْمَرْأَةُ. ذَكَرَهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَعَنْهُ فِيهَا: لَا حَدَّ بِتَهْدِيدٍ وَنَحْوِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْفِعْلُ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ الْقَوْلُ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَإِنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْقَتْلَ: سَقَطَ عَنْهَا الدَّفْعُ كَسُقُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِالْخَوْفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَ مَيِّتَةً، أَوْ مَلَكَ أُمَّهُ، أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَوَطِئَهَا: فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا وَطِئَ مَيِّتَةً: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: عَلَيْهِ حَدَّانِ. فَظَنَنْته يَعْنِي نَفْسَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَظُنُّ أَبَا عَبْدَ اللَّهِ أَشَارَ إلَيْهِ. وَأَثْبَتَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِيهِ رِوَايَةً، فِيمَنْ وَطِئَ مَيِّتَةً: أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: بَلْ يُحَدُّ حَدَّيْنِ لِلزِّنَا، وَلِلْمَوْتِ. وَأَمَّا إذَا مَلَكَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطِئَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ الْقَاضِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ. وَمِقْدَارُهُ يَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. بَلْ يُعَزَّرُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: يُعَزَّرُ.

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: يُعَزَّرُ، وَلَا يُرْجَمُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَحَرْبٌ: يُحَدُّ، وَلَا يُرْجَمُ. وَيَأْتِي فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " مِقْدَارُ مَا يُعَزَّرُ بِهِ فِي ذَلِكَ. وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ وَطْئِهِ لِأَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ أَبَدًا بِرَضَاعٍ وَغَيْرِهِ وَعِلْمِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُرْجَمُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَكَذَا فِي هَذِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَمَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ إذَا وَطِئَهَا. فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً: فَلَا حَدَّ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: يَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ " إذَا وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ ". الثَّانِي: قَوْلُهُ (أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. إذَا كَانَ عَالِمًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ كَانَ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ يَعْنِي: أَنَّهُ حَيْثُ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا: فَلَا حَدَّ. نَقَلَ مُهَنَّا: لَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ بِقَوْلِهِ " إنَّهَا امْرَأَتُهُ " وَأَنْكَرَتْ هِيَ. وَقَدْ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا. فَلَا تُحَدُّ حَتَّى تُقِرَّ أَرْبَعًا.

فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَوَطْءِ الْبَائِعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ " قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مُسْتَوْفًى. فَلْيُعَاوَدْ. وَلَوْ وَطِئَ أَيْضًا فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَشِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ بِحَالٍ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حَدِّ مَنْ وَطِئَ فِي عَقْدِ فُضُولِيٍّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ إنْ وَطِئَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهُ يُحَدُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِهَا. وَحُكِيَ رِوَايَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ حَالَ سُكْرِهِ: لَمْ يُحَدَّ. قَالَ النَّاظِمُ: لَمْ يُحَدَّ فِي الْأَقْوَى مُطْلَقًا مِثْلُ الرَّاقِدِ. وَقِيلَ: يُحَدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " أَحْكَامُ أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ.

قَوْلُهُ (أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ) . فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَزَّرُ. قَوْلُهُ (أَوْ زَنَى بِصَغِيرَةٍ) . إنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهَا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّهُ يُحَدُّ. وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا. كَذَلِكَ لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ صَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا: فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى وَطِئَ مَنْ أَمْكَنَ وَطْؤُهَا، أَوْ أَمْكَنَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ يُمْكِنُهُ الْوَطْءَ، فَوَطِئَهَا: أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْهُمَا. وَلَا يَصِحُّ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِتِسْعٍ وَلَا بِعَشْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْقِيفِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، وَكَوْنُ التِّسْعِ وَقْتًا لِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ غَالِبًا: لَا يَمْنَعُ وُجُودَهُ قَبْلَهُ. كَمَا إنَّ الْبُلُوغَ يُوجَدُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا غَالِبًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ أَمْكَنَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا، فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْحَدُّ) .

تُحَدُّ الْعَاقِلَةُ بِتَمْكِينِهَا الْمَجْنُونَ مِنْ وَطْئِهَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ مَكَّنَتْ صَغِيرًا، بِحَيْثُ لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ: فَعَلَيْهَا الْحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ ابْنَ عَشْرٍ حُدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَتَقَدَّمَ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: لَوْ مَكَّنَتْ مَنْ لَا يُحَدُّ لِجَهْلِهِ، أَوْ مَكَّنَتْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ: فَعَلَيْهَا الْحَدُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ) أَيْ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ. (أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْحَاوِي.، وَالْكَافِي وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُقِرُّ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَسَأَلَهُ الْأَثْرَمُ: بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ؟ قَالَ: الْأَحَادِيثُ لَيْسَتْ تَدُلُّ إلَّا عَلَى مَجْلِسٍ، إلَّا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَذَلِكَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) . فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَفِي مَعْنَاهُمَا: مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ، وَكَذَا مُسْكِرٌ.

قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ. وَيَأْتِي حُكْمُ إقْرَارِهِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْإِقْرَارِ ". وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِهِمَا الْأَخْرَسُ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ: لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ. وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، فَقَطَعَ الْقَاضِي بِالصِّحَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ احْتِمَالًا بِعَدَمِهَا. وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِهِمَا الْمُكْرَهُ. فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُصَرِّحُ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) . أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَنْ زَنَى بِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ زَنَى بِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: رِوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي إنَّمَا حَكَيَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ زَنَى بِهَا أَمْ لَا؟ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ حَكَى كَمَا ذَكَرَهَا أَوَّلًا. فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعًا بِالزِّنَا: ثَبَتَ الزِّنَا. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ أَرْبَعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْهُ: يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ. وَيَأْتِي هَذَا فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ أَرْبَعًا، فَأَنْكَرَ، أَوْ صَدَّقَهُمْ مَرَّةً: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ رُجُوعٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ صَدَّقَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلِي " وَصَدَّقَهُمْ مَرَّةً " هَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ النَّاظِمُ: إذَا صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ. وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَدَّقَهُمْ أَرْبَعًا: حُدَّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَتَيْنِ: إنْ أَنْكَرُوا، أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُمْ: لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ أَحْرَارٍ عُدُولٍ) . هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي " بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ " مُحَرَّرًا مُسْتَوْفًى.

قَوْلُهُ (وَيَصِفُونَ الزِّنَا) . يَقُولُونَ " رَأَيْنَاهُ غَيَّبَ ذَكَرَهُ أَوْ حَشَفَتَهُ، أَوْ قَدْرَهَا فِي فَرْجِهَا " وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرُوا الْمَكَانَ، وَلَا الْمَزْنِيَّ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الزَّمَانِ، قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَجْرَى الْمَجْدُ الْخِلَافَ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَيَجِيئُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. سَوَاءٌ صَدَّقَهُمْ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِيئُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا: فَهُمْ قَذَفَةٌ. وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا جَاءَ بَعْضُهُمْ، بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ وَشَهِدَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ بِهِ: أَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّونَ، لِكَوْنِهِمْ أَرْبَعَةً. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ: فَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ كَمَسْتُورِ الْحَالِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَكَمَوْتِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ وَصْفِهِ الزِّنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْعُمْيَانُ خَاصَّةً. . وَأَطْلَقَهُنَّ الشَّارِحُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا، وَأَحَدُهُمْ فَاسِقٌ، فَصَدَّقَهُمْ: أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا حُدَّ الثَّلَاثَةُ، وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إنْ شَاءَ) . هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ بِحَالٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، وَإِذْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبٌ أَوْ رَتْقَاءُ: حُدُّوا لِلْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ.

وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ: الشُّهُودُ قَذَفَةٌ. وَقَدْ أَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ. . وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهَا، فَثَبَتَ أَنَّهَا عَذْرَاءُ: لَمْ تُحَدَّ هِيَ، وَلَا هُمْ، وَلَا الرَّجُلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: تَزُولُ حَصَانَتُهَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ: قَوْلَيْنِ، بِخِلَافِ الْعَذْرَاءِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ يَوْمٍ، وَشَهِدَ اثْنَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ يَوْمٍ آخَرَ: فَهُمْ قَذَفَةٌ وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حُدُّوا لِلْقَذْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّونَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرِّوَايَةَ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَاسْتَبْعَدَهَا الْقَاضِي، ثُمَّ تَأَوَّلَهَا تَأْوِيلًا حَسَنًا. فَقَالَ: هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ شَاهَدُوا زِنَاهُ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَلَمْ يُشَاهِدُوا غَيْرَهَا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ. وَيَكُونُ حَصَلَ فِي التَّأْوِيلِ سَهْوٌ أَوْ غَلَطٌ فِي الصِّفَةِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَمْنَعُهُ. لَكِنْ فِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ مَا يَمْنَعُهُ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ عِنْدِي يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، دُونَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَحِلُّ الْخِلَافِ: إذَا شَهِدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدُوا بِزِنَاءَيْنِ: لَمْ تُكْمَلْ. وَهُمْ قَذَفَةٌ. حَقَّقَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ: جَرَيَانُ الْخِلَافِ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قُلْت: وَجَزَمَ بِمَا قَالَ الْمَجْدُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: فَلَا يُحَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَلْزَمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي كَوْنِهَا زَانِيَةً. وَفِيهَا بُعْدٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ بِكَوْنِهَا زَانِيَةً، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفِعْلِ الْوَاحِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى، أَوْ شَهِدَ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ، وَشَهِدَ الْآخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ: كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكْمُلَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِهِمْ. فَعَلَيْهِ: هَلْ يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنَّهُ قَالَ، وَقِيلَ: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْبَيْتِ هُنَا: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ عُرْفًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ كَبِيرًا: كَانَ كَالْبَيْتَيْنِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ: أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً: لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَمْ تُقْبَلْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَا حَدَّ لِلْمَرْأَةِ وَالشُّهُودِ، وَاخْتَارَهُ فِي التَّبْصِرَةِ.

وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهَا لَا تُحَدُّ. وَفِي الزَّانِي وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. أَمَّا الشُّهُودُ: فَلِأَنَّهُ كَمُلَ عَدَدُهُمْ عَلَى الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى وَصْفِ الْوَطْءِ. وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَةُ الزِّنَا فِي حَقِّهِ، كَدُونِ أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ، أَوْ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَكْمِيلِ شَهَادَتِهِمْ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. أَمَّا شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ: فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْقَبُولِ وَالتَّكْمِيلِ. أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ فَقَطْ لِقَذْفِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ أَيْضًا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَنَّ الْجَمِيعَ يُحَدُّونَ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِي قَذْفِ الرَّجُلِ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، أَوْ لَا يُحَدُّونَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُحَدُّونَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يُحَدُّونَ. جَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ، وَالْوَاضِحِ. تَنْبِيهٌ: تَابَعَ الْمُصَنِّفُ فِي عِبَارَتِهِ أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، أَوْ لَا يُحَدُّونَ لَهُ؟ أَوْ يُحَدُّ شَاهِدَا الْمُطَاوَعَةِ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَفِي الْعِبَارَةِ نَوْعُ قَلَقٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ) قَبْلَ الْحَدِّ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ. وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ) . فَقَطْ. هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ مَعَهُمْ أَيْضًا، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْكَافِي. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: حُدَّ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ، لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَخَرَّجُوا: لَا يُحَدُّ سِوَى الرَّاجِعِ، إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الْحَدِّ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي النَّظْمِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ: لَا يُحَدُّ أَحَدٌ لِتَمَامِهَا بِالْحَدِّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ: حُدُّوا، فِي الْأَظْهَرِ. كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي زَمَانِ أَوْ مَكَانِ، أَوْ مَجْلِسِ، أَوْ صِفَةِ الزِّنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْحَدِّ: فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَيَغْرَمُ الرَّاجِعُ رُبْعَ مَا أَتْلَفُوهُ وَيُحَدُّ وَحْدَهُ) . وَيُحَدُّ وَحْدَهُ. يَعْنِي: إنْ وَرِثَ حَدَّ الْقَذْفِ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرَّاجِعَ يُحَدُّ، إنْ قُلْنَا: يُورَثُ حَدُّ الْقَذْفِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ: أَنَّهُمْ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ لِلزِّنَا. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّونَ لِلزِّنَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا سَيِّدَ: لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُحَدُّ إذَا لَمْ تَدَّعِ شُبْهَةً، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ قِصَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ وَالْمَجْمُوعِ رِوَايَةً: أَنَّهَا تُحَدُّ، وَلَوْ ادَّعَتْ شُبْهَةً.

باب القذف

[بَابُ الْقَذْفِ] ِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا: فَعَلَيْهِ جَلْدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، إنْ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا، وَأَرْبَعِينَ إنْ كَانَ عَبْدًا) . أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْحَدِّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. تَنْبِيهٌ ثَانٍ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ قَذْفِ الْقَاذِفِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا. وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. فَلَا حَدَّ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلَا مُبَرْسَمٍ، وَلَا نَائِمٍ، وَلَا صَبِيٍّ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ قَذْفِ السَّكْرَانِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". وَيَصِحُّ قَذْفُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي اللِّعَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْقَاذِفُ مُعْتَقًا بَعْضُهُ: حُدَّ بِحِسَابِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَعَبْدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَاتُّجِهَ. يَعْنِي أَنَّهُ كَالْحُرِّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا زِيدَ فِي الْكِتَابِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ. وَهُوَ الصَّوَابُ. انْتَهَى الثَّانِيَةُ: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَسْقُطُ الْحَدُّ بِعَفْوِهِ عَنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ، لَا عَنْ بَعْضِهِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَسْقُطُ. وَعَلَيْهِمَا: لَا يُحَدُّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبٍ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَبِدُونِهِ. وَلَوْ قَالَ " اقْذِفْنِي " فَقَذَفَهُ: عُزِّرَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيُحَدُّ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَلَى الْأُولَةِ أَيْضًا. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ: لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: لَا يَسْتَوْفِيهِ بِدُونِ الْإِمَامِ. فَإِنْ فَعَلَ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ: هَذَا فِي الْقَذْفِ الصَّرِيحِ. وَأَنَّ غَيْرَهُ يَبْرَأُ بِهِ سِرًّا، عَلَى خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " هَلْ يَسْتَوْفِي حَدَّ الزِّنَا مِنْ نَفْسِهِ؟ .

قَوْلُهُ (وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ: يُوجِبُ التَّعْزِيرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ قَاذِفُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُلَاعَنَةِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ قَاذِفُ أَمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ كَافِرًا لَا وَلَدَ لَهُ مُسْلِمٌ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ وَالِدٌ لِوَلَدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ، وَنَصَرَاهُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ: لَا يُحَدُّ أَبٌ. وَفِي أُمٍّ وَجْهَانِ، انْتَهَوْا. وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوَا كَالْأَبَوَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَيُحَدُّ الِابْنُ بِقَذْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ. الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ بِقَذْفٍ عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لَا يُحَدُّ وِفَاقًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَنَّهَا عُذْرٌ فِي غَيْبَةٍ وَنَحْوِهَا.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. قَوْلُهُ (وَالْمُحْصَنُ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ، الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ) . زَادَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ " الْمُلْتَزِمُ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: لَا مُبْتَدِعٌ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: لَا مُبْتَدِعٌ، وَلَا فَاسِقٌ ظَهَرَ فِسْقُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ فَاسِقٍ تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " الْمُحْصَنُ: هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ " أَنَّ الرَّقِيقَ وَالْكَافِرَ غَيْرُ مُحْصَنٍ. فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: عِنْدِي يُحَدُّ بِقَذْفِ الْعَبْدِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ لِعَدَالَتِهِ. فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ الزِّنَا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُحَدُّ بِقَذْفِ أُمِّ الْوَلَدِ قَطَعَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ بِقَذْفِ أَمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ لَهَا وَلَدٌ أَوْ زَوْجٌ مُسْلِمٌ. كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَقِيلَ: يُحَدُّ الْعَبْدُ بِقَذْفِ الْعَبْدِ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا يُعَزَّرُ لِقَذْفِ كَافِرٍ الثَّانِي: شَمِلَ كَلَامُهُ الْخَصِيَّ وَالْمَجْبُوبَ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا.

الثَّالِثُ: مُرَادُهُ بِالْعَفِيفِ هُنَا: الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: وَقَاذِفُ الْمُحْصَنِ فِيمَا يَبْدُو ... وَإِنْ زَنَى فَقَاذِفٌ يُحَدُّ ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا وَوَطْءٍ لَا يُحَدُّ بِهِ لِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ: هَلْ يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ . قُلْت: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ". وَقِيلَ: يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ بَاطِنِ عِفَّةٍ. فَائِدَةٌ: لَا يَخْتَلُّ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. بَلْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَذِهِ أَشْهَرُهُمَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَشْهَرُهُمَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: وَالْمُحْصَنُ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَفِيفُ. وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَرَّجَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبَ بِهِ بَعْدَهُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرٍ، وَالْجَارِيَةُ بِنْتَ تِسْعٍ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَذَفَ عَاقِلًا فَجُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ: لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالِبَ. فَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ: جَازَتْ إقَامَتُهُ. وَلَوْ قَذَفَ غَائِبًا: اُعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبُهُ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ. . فَيُقَامُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقَامُ؛ لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعِ سِنِينَ) . لَمْ يُحَدَّ. وَلَكِنْ يُعَزَّرُ. زَادَ الْمُصَنِّفُ: إذَا رَآهُ الْإِمَامُ. وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ؛ لِأَنَّهُ لِتَأْدِيبِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْمَقْذُوفُ الصِّغَرَ حَالَ الْقَذْفِ، فَقَالَ الْقَاضِي يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ. فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: فَهُمَا قَذْفَانِ. مُوجَبُ أَحَدِهِمَا: التَّعْزِيرُ، وَالْآخَرُ: الْحَدُّ.

وَإِنْ بَيَّنَا تَارِيخًا وَاحِدًا، وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: وَهُوَ صَغِيرٌ. وَقَالَتْ الْأُخْرَى: وَهُوَ كَبِيرٌ، تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِلَّا خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْت وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) . وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ: فَرِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يُحَدُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حُدَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُحَدُّ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَأَمْكَنَ " أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَا يُحَدُّ. وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا: لَمْ يُحَدَّ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، وَادَّعَى رِقَّهَا، وَأَنْكَرَتْهُ وَلَا بَيِّنَةَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ الْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هُنَا: أَنَّهُ يُحَدُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ. فَقَالَتْ: أَرَدْت قَذْفِي بِالزِّنَا وَالشِّرْكِ مَعًا. فَقَالَ: بَلْ أَرَدْت قَذْفَك بِالزِّنَا إذْ كُنْت مُشْرِكَةً: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَصُّهُمَا. وَعَنْهُ: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ. ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي حَالِ كُفْرِهَا: لَمْ تُحَدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَثُبُوتِهِ فِي إسْلَامٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ قَذَفَهُ بِمَا أَتَى فِي الْكُفْرِ: حُدَّ لِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ. وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: رَجُلٌ رَمَى امْرَأَةً بِمَا فَعَلَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: يُحَدُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي فِي الْحَالِ، فَأَنْكَرَهَا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَدُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ إنْ أَضَافَهُ إلَى جُنُونٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يُجَنُّ: لَمْ يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهُ، فَأَنْكَرَ وَعُرِفَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ: فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ: حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَذَفَ الْمُلَاعَنَةَ نَفْسَهَا وَوَلَدَ الزِّنَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَزَالَ إحْصَانُهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ: لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِهِ أَوْ لَا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) . زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَوْ دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: أَوْ تُقِرُّ بِهِ. فَيُصَدِّقُهَا قَوْلُهُ (فَيَعْتَزِلُهَا، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا وَنَفْيُ وَلَدِهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: نَفْيُهُ مُحَرَّمٌ مَعَ التَّرَدُّدِ. فَإِنْ تَرَجَّحَ النَّفْيُ، بِأَنْ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ: فَوَجْهَانِ، وَاخْتَارَ جَوَازَهُ مَعَ أَمَارَةِ الزِّنَا. وَلَا وُجُوبَ. وَلَوْ رَآهَا تَزْنِي، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّانِي: حَرُمَ نَفْيُهُ. وَلَوْ نَفَاهُ وَلَاعَنَ: انْتَفَيَا. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ) . يَعْنِي: يَرَاهَا تَزْنِي وَلَا تَأْتِي بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ. (أَوْ اسْتَفَاضَ زِنَاهَا فِي النَّاسِ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إلَيْهَا) . زَادَ فِي التَّرْغِيبِ، فَقَالَ. " يَدْخُلُ إلَيْهَا خَلْوَةً ". وَاعْتُبِرَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ هُنَا: اسْتِفَاضَةُ زِنَاهَا، وَقَدَّمَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي اسْتِفَاضَةٌ بِلَا قَرِينَةٍ، وَقَوْلُهُ (فَيُبَاحُ قَذْفُهَا وَلَا يَجِبُ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: فِرَاقُهَا أَوْلَى مِنْ قَذْفِهَا، وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: أَنَّ الْقَذْفَ الْمُبَاحَ: أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ يَظُنَّهُ وَلَا وَلَدَ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " مَنْ يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا وَمَنْ يُكْرَهُ، وَمَنْ يُبَاحُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا: لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إبَاحَتُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ: فَإِنَّهُ يُبَاحُ نَفْيُهُ. قَوْلُهُ (فَصْلٌ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ. فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: يَا زَانِي، يَا عَاهِرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت يَا زَانِيَ الْعَيْنِ. وَلَا يَا عَاهِرَ الْيَدِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَمْ يُقْبَلْ مَعَ سَبْقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَذْفٍ صَرِيحٍ، وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، أَوْ يَا مَعْفُوجُ: فَهُوَ صَرِيحٌ) . إذَا قَالَ لَهُ " يَا لُوطِيُّ " فَهُوَ صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: صَرِيحٌ مَعَ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا قَالَ " أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ " فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ بَعِيدٌ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا قَالَ " أَرَدْت أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ " هَذَا لَا يُعْرَفُ. انْتَهَى وَكَذَا لَوْ قَالَ " نَوَيْت أَنَّ دِينَهُ دِينُ قَوْمِ لُوطٍ " وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِذَا قَالَ " يَا مَعْفُوجُ " فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحَدُّ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنَّهُ كِنَايَةٌ. وَيَحْتَمِلُ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ. وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّك تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرَ إتْيَانِ الرِّجَالِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْصُوصَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ هُنَاكَ صَرِيحٌ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِهِ هُنَا، وَإِلَّا قُبِلَ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: فَيُقْبَلُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، تَبَعًا لِأَبِي الْبَرَكَاتِ يَعْنِي الْمَجْدَ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الصَّرِيحَةِ: قَوْلُهُ " يَا مَنْيُوكُ أَوْ يَا مَنْيُوكَةُ ". لَكِنْ لَوْ فَسَّرَ قَوْلَهُ " يَا مَنْيُوكَةُ " بِفِعْلِ الزَّوْجِ: لَمْ يَكُنْ قَذْفًا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ قَذْفٌ بِقَرِينَةِ غَضَبٍ وَخُصُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا: لَكَانَ مُتَّجَهًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَسْت بِوَلَدِ فُلَانٍ: فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ) . إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَى أُمِّهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِقَذْفٍ لِأُمِّهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحَكَمُ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ نَفَاهُ مِنْ قَبِيلَتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِنَفْيِ الرَّجُلِ عَنْ قَبِيلَتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَ ابْنَ الْمُلَاعَنَةِ: حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: لَسْت بِوَلَدِي: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِقَذْفٍ إذَا فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ. فَيَكُونُ كِنَايَةً. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ قَذْفٌ بِكُلِّ حَالٍ. فَيَكُونُ صَرِيحًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنْت أَزَنَى النَّاسِ، أَوْ أَزَنَى مِنْ فُلَانَةَ، أَوْ قَالَ

لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِي، أَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدَاك، أَوْ رِجْلَاك: فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ، فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) . إذَا قَالَ " أَنْت أَزَنَى النَّاسِ " أَوْ " مِنْ فُلَانَةَ " أَوْ قَالَ لَهُ " يَا زَانِيَةُ " أَوْ لَهَا " يَا زَانِي " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: فِي قَذْفِ فُلَانَةَ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِقَاذِفٍ لَهَا، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَالثَّانِي: هُوَ قَذْفٌ أَيْضًا لَهَا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِذَا قَالَ " زَنَتْ يَدَاك أَوْ رِجْلَاك " فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَاهُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ " يَا زَانِيَةُ " وَلِلْمَرْأَةِ " يَا زَانِي " صَرِيحٌ. فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ قَالَ " زَنَتْ يَدُك " أَوْ " رِجْلُك " وَكَذَا قَوْلُهُ " زَنَى بَدَنُك " قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ " زَنَتْ عَيْنُك " قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " زَنَتْ عَيْنُك " وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " زَنَأْت فِي الْجَبَلِ " مَهْمُوزًا: فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ: لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. وَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَرَدْت صُعُودَ الْجَبَلِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ إمَامِنَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ " بهشتم " إنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ طَلَاقٌ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " فِي الْجَبَلِ " فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: هُوَ صَرِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيلَ: لَا قَذْفَ هُنَا.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلَهَا لَفْظَةُ " عِلْقٍ " ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرِيحَةً. وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ: كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا. قَوْلُهُ (وَالْكِنَايَةُ: نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِيهِ، وَغَطَّيْت أَوْ نَكَّسْت رَأْسَهُ، وَجَعَلْت لَهُ قُرُونًا، أَوْ عَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَفْسَدْت فِرَاشَهُ، أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يَا حَلَالُ بْنَ الْحَلَالِ. مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا، يَا عَفِيفُ، أَوْ يَا فَاجِرَةُ يَا قَحْبَةُ يَا خَبِيثَةُ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " يَا نَظِيفُ، يَا خَنِيثُ " بِالنُّونِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. أَوْ يَقُولُ لِعَرَبِيٍّ " يَا نَبَطِيُّ، يَا فَارِسِيُّ، يَا رُومِيُّ ". أَوْ يَقُولُ لِأَحَدِهِمْ " يَا عَرَبِيُّ " أَوْ " مَا أَنَا بِزَانٍ " أَوْ " مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ ". أَوْ يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَيَقُولُ " صَدَقْت " أَوْ " أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت ". أَوْ " أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت " وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ. فَهَذَا كِنَايَةٌ. إنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ

وَفِي الْآخَرِ: جَمِيعُهُ صَرِيحٌ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ إلَّا بِنِيَّتِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إلَّا بِالصَّرِيحِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ: صَرَائِحُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يَقْذِفُ، فَقَالَ " صَدَقْت " كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ " صَدَقْت فِيمَا قُلْت " فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: يُحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: الْقَرِينَةُ هُنَا: كَكِنَايَةِ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّةٍ. وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا. وَفِي قِيَامِ قَرِينَةٍ مَقَامَ النِّيَّةِ: مَا تَقَدَّمَ. فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ بَاطِنًا بِالنِّيَّةِ. وَفِي لُزُومِ إظْهَارِهَا وَجْهَانِ، وَأَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ: يُقْبَلُ تَأْوِيلُهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ قَالَ " أَحَدُكُمَا زَانٍ " فَقَالَ أَحَدُهُمَا " أَنَا " فَقَالَ " لَا " إنَّهُ قَذْفٌ لِلْآخَرِ.

وَذَكَرَهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ " اعْتَدِّي " وَظَهَرَتْ مِنْهُ قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ، أَوْ فَسَّرَهُ بِهِ: وَقَعَ الطَّلَاقُ. وَهَلْ يُحَدُّ؟ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: أَنَّهُ يُحَدُّ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَ. الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: لَا يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو يَعْلَى. الْخَامِسَةُ: يُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ " يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا رَافِضِيُّ، يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ، أَوْ الْفَرْجِ، يَا عَدُوَّ اللَّهِ، يَا ظَالِمُ، يَا كَذَّابُ، يَا خَائِنُ، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، يَا مُخَنَّثُ " نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ " يَا فَاسِقُ " كِنَايَةٌ، وَ " يَا مُخَنَّثُ " تَعْرِيضٌ. وَيُعَزَّرُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ " يَا قَرْنَانُ " " يَا قَوَّادُ " وَنَحْوَهَا. وَسَأَلَهُ حَرْبٌ عَنْ " دَيُّوثٍ "؟ فَقَالَ: يُعَزَّرُ. قُلْت: هَذَا عِنْدَ النَّاسِ أَقْبَحُ مِنْ الْفِرْيَةِ؟ فَسَكَتَ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ " يَا دَيُّوثُ " قَذْفٌ لِامْرَأَتِهِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الدَّيُّوثُ هُوَ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ. وَمِثْلُهُ " كَشْحَانِ " وَ " قَرْطَبَانُ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِي " مَأْبُونٍ " كَمُخَنَّثٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَوْلَهُ " يَا عِلْقُ " تَعْرِيضٌ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا صَرِيحَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ " لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ " كِنَايَةٌ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ، لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْ جَمِيعِهِمْ: عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ بِقَذْفٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا عَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. وَيُعَزَّرُ كَسَبِّهِمْ بِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ. يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ فِي الْمُغْنِي جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا لِقَذْفِ الصَّغِيرَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: وَيُعَزَّرُ حَيْثُ لَا حَدَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ. فَهَلْ يُحَدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِلْآدَمِيِّ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ: لَمْ يُحَدَّ هَاهُنَا وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ: حُدَّ، وَصَحَّحَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ يُحَدُّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بِك زَنَيْت، لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ " زَنَى بِك فُلَانٌ " كَانَ قَذْفًا لَهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَخَرَجَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الْأُخْرَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي هِدَايَتِهِ: يَكُونُ الرَّجُلُ قَاذِفًا

لَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهَا إلَى الزِّنَا، وَتَصْدِيقُهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ لَوَجَبَ كَوْنُهَا قَاذِفَةً. انْتَهَى، وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ قَاذِفَةً. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ " قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي غَيْرِ هِدَايَتِهِ " فَسَقَطَ لَفْظَةُ " غَيْرِ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا قُذِفَتْ الْمَرْأَةُ: لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً حُدَّ الْقَاذِفُ إذَا طَالَبَ الِابْنُ، وَكَانَ مُسْلِمًا حُرًّا. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ أُمَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَالِابْنُ مُشْرِكٌ أَوْ عَبْدٌ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّف، وَالشَّارِحُ، وَنَصَرَاهُ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَذَفَ جَدَّتَهُ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ كَقَذْفِ أُمِّهِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ، أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ: لَمْ يُحَدَّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ حَدَّ قَذْفِ الْمَيِّتِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَذْفِ الْمَوْرُوثِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ: سَقَطَ الْحَدُّ) . إذَا قُذِفَ قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ مَاتَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ طَالَبَ، أَوْ لَا. فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُطَالِبْ: سَقَطَ الْحَدُّ بِلَا إشْكَالٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِالْإِرْثِ وَالْمُطَالَبَةِ. وَإِنْ كَانَ طَالَبَ بِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ قُذِفَ لَهُ مَوْرُوثٌ حَيٌّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ فِي حَيَاتِهِ بِمُوجَبِ قَذْفِهِ. فَإِنْ مَاتَ، وَقَدْ وَرِثَ، أَوْ قُلْنَا: يُورَثُ مُطْلَقًا، صَارَ لِلْوَارِثِ بِصِفَةِ مَا كَانَ لِلْمَوْرُوثِ، اعْتِبَارًا بِإِحْصَانِهِ. انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَسْتَوْفِيهِ الْوَرَثَةُ بِحُكْمِ الْإِرْثِ عِنْدَ الْقَاضِي. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَا قَرَأْته بِخَطِّهِ: إنَّمَا يُسْتَوْفَى لِلْمَيِّتِ بِمُطَالَبَتِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ.

وَكَذَا الشُّفْعَةُ فِيهِ. فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ طَارِئًا عَلَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مِلْكِ مَوْرُوثِهِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةً: أَنَّهُ لَا يُورَثُ حَدُّ قَذْفٍ، وَلَوْ طَلَبَهُ مَقْذُوفٌ كَحَدِّ الزِّنَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ آخِرَ " خِيَارِ الشَّرْطِ ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَقُّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَرِثُهُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي " بَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ " وَحُكْمُ الْقَضَاءِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ: حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَسْقُطُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَعَلَّهُ " وَقِيلَ: بِقِسْطِهِ " انْتَهَى. قُلْت: وَيَدُلُّ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ: مَلَكَهُ وَارِثُهُ. فَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ: حُدَّ لِمَنْ طَلَبَ بِقِسْطِهِ، وَسَقَطَ قِسْطُ مَنْ عَفَا، بِخِلَافِ الْقَذْفِ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَتَبَعَّضُ. وَهَذَا يَتَبَعَّضُ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. يُكَفَّرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: إنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ. وَهِيَ، مُخَرَّجَةٌ مِنْ نَصِّهِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ وَالسَّاحِرِ الذِّمِّيِّ، عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْمَنْثُورِ: وَهَذَا كَافِرٌ قُتِلَ مِنْ سَبِّهِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَذْفُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَقَذْفِ أُمِّهِ. وَيَسْقُطُ سَبُّهُ بِالْإِسْلَامِ كَسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِيهِ خِلَافٌ فِي الْمُرْتَدِّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا مَنْ سَبَّ نِسَاءَهُ، لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَرَاءَتِهَا، وَأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ - لِإِمْكَانِ الْمُفَارَقَةِ. فَتَخْرُجُ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا. الثَّانِيَةُ: اخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: كُفْرَ مَنْ سَبَّ أُمَّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا غَيْرَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ كَأُمِّ نَبِيِّنَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ.

قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا بَيَّنَّا فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: فَحَدٌّ وَاحِدٌ، إذَا طَالَبُوا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) . فَيُحَدُّ لِمَنْ طَلَبَ. ثُمَّ لَا حَدَّ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ: حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا، وَإِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً: تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ هُنَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ: حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَعَدَّدَ الْحَدُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: حَدٌّ وَاحِدٌ. وَعَنْهُ: إنْ تَعَدَّدَ الطَّلَبُ: تَعَدَّدَ الْحَدُّ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الزِّنَا. أَمَّا إنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ جَمِيعِهِمْ: فَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ فَأَعَادَهُ: لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَلَوْ بَعْدَ لِعَانِهِ زَوْجَتَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُحَدُّ إنْ كَانَ حَدًّا. أَوْ لَاعَنَ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مَتَى قُلْنَا: لَا يُحَدُّ هُنَا: فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ لَا لِعَانَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُلَاعِنُ، إلَّا أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًا لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً، وَاعْتَرَفَ. أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُلَاعِنُ لِنَفْيِ التَّعْزِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ بَعْدَ حَدِّهِ. فَعَنْهُ: يُحَدُّ. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ: يُحَدُّ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ فِي الْأُولَى. وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَذَفَهُ بِزِنًا آخَرَ عَقِبَ هَذَا: فَرِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَجِبُ حَدَّانِ، وَالثَّانِيَةُ: حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ. وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ: حُدَّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ نَكَحَهَا قَبْلَ حَدِّهِ فَقَذَفَهَا. فَإِنْ طَالَبَتْ بِأَوَّلِهِمَا، فَحُدَّ: فَفِي الثَّانِي رِوَايَتَانِ وَإِنْ طَالَبَتْ بِالثَّانِي، فَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَاعَنَ: لَمْ يُحَدَّ لِلْأَوَّلِ. الثَّالِثَةُ: مَنْ تَابَ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ قُذِفَ: حُدَّ قَاذِفُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحَدُّ بِقَذْفِهِ بِزِنًا جَدِيدٍ لِكَذِبِهِ يَقِينًا. الرَّابِعَةُ: لَوْ قُذِفَ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا مَرَّةً وَفِي الْمُبْهِجِ: أَرْبَعًا أَوْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ، أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا: فَلَا لِعَانَ، وَيُعَزَّرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يُعَزَّرُ. الْخَامِسَةُ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا: إعْلَامُهُ، وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يَحْرُمُ إعْلَامُهُ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا إعْلَامُهُ. قُلْت: وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا. وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ، وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ.

وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ، فَيُعْرِضُ. وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ جَوَّزَ التَّصْرِيحَ فِي الْكَذِبِ الْمُبَاحِ: فَهُنَا فِيهِ نَظَرٌ. وَمَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالْإِحْسَانِ: تَعْرِيضُهُ كَذِبٌ، وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ. قَالَ: وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا لَا يُعْلِمُهُ، بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَالْغِيبَةِ. قُلْت: بَلْ أَوْلَى بِكَثِيرٍ. وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعْلِمَهُ، وَإِنْ أَعْلَمَهُ بِالْغِيبَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي فِي الْغَالِبِ إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ. وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ. وَذُكِرَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: إنْ تَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ وَأَهْلِهِ وَغِيبَتِهِ بِعَيْبٍ خَفِيٍّ يَعْظُمُ أَذَاهُ بِهِ فَهُنَا لَا طَرِيقَ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ. وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَظْلِمَةٌ مَا، فَيَجْبُرُهُ بِالْحَسَنَاتِ، كَمَا تُجْبَرُ مَظْلِمَةُ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي زِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ احْتِمَالًا لِبَعْضِهِمْ: لَا يَصِحُّ إحْلَالُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً. قُلْت: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إبَاحَتَهَا ابْتِدَاءً كَالذَّمِّ وَالْقَذْفِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي اسْتِحْلَالُهُ. فَإِنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ. وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ، وَإِذْنُهُ فِي عِرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ هِيَ كَإِذْنِهِ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لَهُ إبَاحَةُ الْمُحَرَّمِ. وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُغْتَابَ: لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِمَا فَعَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَحَلَّلَهُ: فَهُوَ كَإِبْرَاءٍ مِنْ مَجْهُولٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ، لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ قَدْرَ ظُلْمِهِ: لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِالْإِحْلَالِ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ: فَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ. فَإِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَيُلْزِمُهُ قَبُولَ حَسَنَاتِهِ مُقَابَلَةً لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا فَجَاءَ بِمِثْلِهِ، وَأَبَى قَبُولَهُ وَأَبْرَأَهُ: حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ.

باب حد المسكر

[بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ] ِ قَوْلُهُ (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَيُسَمَّى خَمْرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَأَبَاحَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ مَا دُونَ السُّكْرِ. قَالَ الْخَلَّالُ: فُتْيَاهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا طُبِخَ لَمْ يُسَمَّ خَمْرًا. وَيَحْرُمُ إذَا حَدَثَتْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ. ثُمَّ صَرَّحَ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ الْأَسْمَاءِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا سُمِّيَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُ عَصِيرُ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ. وَلِهَذَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَمَعَك نَبِيذٌ، أَمْ خَمْرٌ؟ قَالَ: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ.» وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهَا مِنْ وَجْهٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْيَ الِاسْمِ فِي الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ: فَلَهُ مَسَاغٌ. فَإِنَّ مَقْصُودَنَا يَحْصُلُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُ الْخَمْرِ فِي الشَّرْعِ يَعُمُّ الْأَشْرِبَةَ الْمُسْكِرَةَ. وَإِنْ كَانَتْ فِي اللُّغَةِ أَخَصَّ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الِاسْمَ الْحَقِيقِيَّ مَسْلُوبٌ مُطْلَقًا: فَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَهُوَ تَأْسِيسٌ لِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ: إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ خَمْرًا. انْتَهَى. وَعَنْهُ: لَا يُحَدُّ بِالْيَسِيرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ. نَقَلَهَا ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وُجُوبَ الْحَدِّ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ الْقِنَّبِيَّةِ.

وَقَالَ: هِيَ حَرَامٌ، سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهَا، أَوْ لَمْ يَسْكَرْ. وَالسُّكْرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَضَرَرُهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْخَمْرِ. قَالَ: وَلِهَذَا أَوْجَبَ الْفُقَهَاءُ بِهَا الْحَدَّ كَالْخَمْرِ. وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحَدِّ بِهَا، وَأَنَّ أَكْلَهَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ بِمَا دُونَ الْحَدِّ: فِيهِ نَظَرٌ. إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَكَلَتُهَا يَنْتَشُونَ عَنْهَا وَيَشْتَهُونَهَا كَشَرَابِ الْخَمْرِ وَأَكْثَرَ، وَتَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي خُصُوصِهَا لِأَنَّ أَكْلَهَا إنَّمَا حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جِنْكِيزْ خَانْ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ، وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا، فَيَجُوزُ) . يَعْنِي: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَخَافَ تَلَفًا. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ بَوْلًا وَالْحَالَةُ هَذِهِ قُدِّمَ عَلَى الْخَمْرِ، لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ دُونَ الْبَوْلِ. فَهُوَ أَخَفُّ تَحْرِيمًا، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ وَجَدَ مَاءً نَجِسًا قُدِّمَ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالتَّسْهِيلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الثَّمَانِينَ لِلْمَصْلَحَةِ ، وَقَالَ: هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ. فَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ إلَى الثَّمَانِينَ: لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ. بَلْ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. كَمَا جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ فِي صِفَةِ الضَّرْبِ فِيهِ: بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ. بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحُدُودِ. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: يُقْتَلُ شَارِبُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى قَتْلِهِ، إذَا لَمْ يَنْتَهِ النَّاسُ بِدُونِهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " أَنَّهُ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُخْتَارًا " أَنَّ غَيْرَ الْمُخْتَارِ لِشُرْبِهَا: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمُكْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا: يَحْرُمُ شُرْبُهَا. فَوَائِدُ: الْأُولَى: إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا: حَلَّ شُرْبُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ: كَمَا لَا يُبَاحُ لِمُضْطَرٍّ. الثَّانِيَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ مِنْ شُرْبِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَخَّصَ أَكْبَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ " عَالِمًا " بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى: أَنَّهُ جَاهِلٌ بِالتَّحْرِيمِ، مَعَ نُشُوئِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: لَمْ يُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَ. وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْحَدِّ. قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَكِرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: جُلِدَ ثَمَانِينَ حَدًّا، وَعِشْرِينَ تَعْزِيرًا. نَقَلَهُ صَالِحٌ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُغَلَّظُ عَلَيْهِ كَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: إذَا سَكِرَ فِي رَمَضَانَ: غُلِّظَ حَدُّهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: يُعَزَّرُ بِعَشْرَةٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: عُزِّرَ بِعَشْرَيْنِ لِفِطْرِهِ. الْخَامِسَةُ: يُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ بِهَا، أَوْ عَجَنَ بِهَا دَقِيقًا فَأَكَلَهُ. وَقِيلَ: لَا يُحَدُّ مَنْ احْتَقَنَ بِهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَاهُ وَاخْتَارَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا وَأَكَلَهُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمَاءٍ، وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ، ثُمَّ شَرِبَهُ: لَمْ يُحَدَّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَسَوَاءٌ قِيلَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ لَا. وَفِي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ: مَنْ لَتَّ بِالْخَمْرِ سَوِيقًا، أَوْ صَبَّهَا فِي لَبَنٍ، أَوْ مَاءٍ حَارٍّ ثُمَّ شَرِبَهَا: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ وَعَدَمِهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا إذَا خُبِزَ الْعَجِينُ: فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِأَكْلِ الْخُبْزِ. لِأَنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يُحَدُّ إنْ تَمَضْمَضَ بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الرَّجُلِ يَسْتَعِطْ بِالْخَمْرِ، أَوْ يَحْتَقِنُ بِهِ، أَوْ يَتَمَضْمَضُ بِهِ أَرَى عَلَيْهِ الْحَدُّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَصَلَتْ إلَى حَلْقِهِ. وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ حَنْبَلٌ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ وَصَلَ جَوْفَهُ: حُدَّ. قَوْلُهُ (إلَّا الذِّمِّيَّ: فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ.

وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: الْمَذْهَبُ لَا يُحَدُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الِانْقِيَادَ فِي مُخَالَفَةِ دِينِهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ الذِّمِّيُّ، دُونَ الْحَرْبِيِّ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ إنْ سَكِرَ، اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَكَلَامُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يُشْعِرُ بِبِنَاءِ هَذَا الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ: هَلْ هُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ تُبْنَى الرِّوَايَتَانِ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ. لَكِنَّ الْمَذْهَبَ ثَمَّ قَطْعًا: تَكْلِيفُهُمْ بِهَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ إحْدَاهُمَا: لَا يُحَدُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ: هَذِهِ أَظْهَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ " بَابِ حَدِّ الزِّنَا ". وَأَطْلَقَهُنَّ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤَدَّبُ بِرَائِحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ كَالْحَاضِرِ مَعَ مَنْ يَشْرَبُهُ نَقَلَهُ. أَبُو طَالِبٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وُجِدَ سَكْرَانَ وَقَدْ تَقَيَّأَ الْخَمْرَ، فَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّائِحَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُحَدُّ هُنَا، وَإِنْ لَمْ نَحُدَّهُ بِالرَّائِحَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَثْبُتُ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَحَدِّ الْقَذْفِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: مَرَّتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَجَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ بَقِيَّةَ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِمَرَّتَيْنِ: وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا، بِخِلَافِ حَدِّ السَّرِقَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَدِّ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْقَوَدِ. فَدَلَّ عَلَى رِوَايَةٍ فِيهِ، قَالَ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. وَيَثْبُتُ أَيْضًا شُرْبُهَا: بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَالْعَصِيرُ إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: حَرُمَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، فَقَالُوا: بِلَيَالِيِهِنَّ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ مَا لَمْ يَغْلِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَحَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا. فَائِدَةٌ: لَوْ طُبِخَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ: حَلَّ. إنْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ. وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ، وَغَيْرِهِمَا: الِاعْتِبَارُ فِي حِلِّهِ عَدَمُ الْإِسْكَارِ. سَوَاءٌ ذَهَبَ بِطَبْخِهِ ثُلُثَاهُ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، أَوْ لَمْ يُسْكِرْ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُغْلَى قَبْلَ ذَلِكَ. فَيَحْرُمُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إذَا غُلِيَ أَكْرَهُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ. فَإِذَا أَسْكَرَ فَحَرَامٌ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيمَا نَشَّ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمَاءِ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا وَنَحْوَهُ، لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ، مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ يَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إذَا نَقَعَ زَبِيبًا، أَوْ تَمْرًا هِنْدِيًّا، أَوْ عُنَّابًا وَنَحْوَهُ لِدَوَاءٍ غَدْوَةً وَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، أَوْ عَشِيَّةً وَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً: هَذَا نَبِيذٌ أَكْرَهُهُ. وَلَكِنْ يَطْبُخُهُ وَيَشْرَبُهُ عَلَى الْمَكَانِ. فَهَذَا لَيْسَ بِنَبِيذٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَلَى الْعِنَبُ وَهُوَ عِنَبٌ عَلَى حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. قَالَ الْخَلَّالُ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ رِوَايَةً: أَنَّهُ يَحْرُمُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ، وَفِي غَيْرِهَا، إلَّا سِقَاءً يُوكَى حَيْثُ بَلَغَ الشَّرَابُ، وَلَا يَتْرُكُهُ يَتَنَفَّسُ. نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: وَلَا يُعْجِبُنِي إلَّا هُوَ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ كَرِهَ السِّقَاءَ الْغَلِيظَ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ. وَهُوَ أَنْ يَنْتَبِذَ شَيْئَيْنِ، كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) . وَكَذَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخَلِيطَانِ حَرَامٌ. قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ " حَرَامٌ " إذَا اشْتَدَّ وَأَسْكَرَ. وَإِذَا لَمْ يُسْكِرْ: لَمْ يَحْرُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَا يُكْرَهُ مَا كَانَ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ وَيُكْرَهُ مَا كَانَ فِي مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ إفْضَاؤُهُ فِيهَا إلَى الْإِسْكَارِ. وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مَا لَمْ يَغْلِ. أَوْ تَمْضِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ انْتِبَاذُ الْمُذْنِبِ وَحْدَهُ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ وَيَفْسُدُ إذَا بَقِيَ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. ذَكَرَهَا فِي الْوَسِيلَةِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَشَذَّ مَنْ نَقَلَ تَحْرِيمَهُ. فَائِدَةٌ: جَعَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضْعَ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ: كَعَصِيرٍ. وَأَنَّهُ إنْ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ: أُكِلَ.

بَابُ التَّعْزِيرِ قَوْلُهُ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَنَحْوِهِ) إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَفَعَلَهَا: فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ. وَقَدْ يَفْعَلُ مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَلَا حَدَّ، وَلَا تَعْزِيرَ أَيْضًا. كَمَا لَوْ شَتَمَ نَفْسَهُ أَوْ سَبَّهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إلَى وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَدٌّ: فَقَدْ يُعَزَّرُ مَعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ. مِنْهَا: الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُشْرَعُ التَّعْزِيرُ فِيمَا فِيهِ حَدٌّ. إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَارِبِ الْخَمْرِ يَعْنِي: فِي جَوَازِ قَتْلِهِ وَفِيمَا إذَا أَتَى حَدًّا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ قَالَ: يُغَلَّظُ. وَهُوَ نَظِيرُ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ بِالْقَتْلِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ فِيهَا كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ، وَقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ، كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ فَهَذَا لَا تَعْزِيرَ فِيهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْأَشْهُرُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي النُّكَتِ. وَقِيلَ: يُعَزَّرُ أَيْضًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَوْلُنَا " لَا كَفَّارَةَ " فَائِدَتُهُ فِي الظِّهَارِ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَنَحْوِهِمَا لَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إنْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ؛ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا وَسَبَبِ التَّعْزِيرِ. فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَهُوَ وَاجِبٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ. كَحَدٍّ، وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: مَنْدُوبٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي تَعْزِيرِ رَقِيقِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَشَاهِدِ زُورٍ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إنْ تَشَاتَمَ وَالِدٌ وَوَلَدُهُ: لَمْ يُعَزَّرْ الْوَالِدُ لِحَقِّ وَلَدِهِ. وَيُعَزَّرُ الْوَلَدُ لِحَقِّ وَالِدِهِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ الْوَالِدِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي قَذْفِ الصَّغِيرِ: لَا يُحْتَاجُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِتَأْدِيبِهِ. فَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ إذَا رَآهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤَيِّدُهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِطَلَبِ وَارِثٍ. مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ أَوْ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَهُ وَارِثٌ. وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّعْزِيرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. إلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.

وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي " إذَا افْتَاتَ خَصْمٌ عَلَى الْحَاكِمِ: لَهُ تَعْزِيرُهُ. مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا. فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَحَقِّ آدَمِيٍّ، الْمُفْتَقِرِ جَوَازُ إقَامَتِهِ إلَى طَلَبٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَ التَّعْزِيرُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَبَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ: وَجَبَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ. وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ عَنْهُ جَازَ. وَيَجِبُ إذَا طَالَبَ الْآدَمِيُّ بِحَقِّهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَجِبُ فِي مَوْضِعَيْنِ، فِيهِمَا الْخَبَرُ. إلَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا، فَلَهُ تَرْكُهُ. قَالَ الْمَجْدُ: فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ تَائِبًا: لَمْ يُعَزَّرْ عِنْدِي. انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَجِئْ تَائِبًا وَجَبَ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ. مَعَ أَنَّ فِيهَا: لَهُ الْعَفْوُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ. وَقَالَ: إنْ تَشَاتَمَ اثْنَانِ عُزِّرَا. وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يَسْقُطُ، لِلتَّهْدِيدِ وَالتَّقْوِيمِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَلَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ كَافِرًا: التَّعْزِيرُ لِلَّهِ. فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صَغِيرًا لَمْ نَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي صَبِيٍّ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِي لَيْسَ قَوْلُهُ شَيْئًا. وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ. وَكَذَا فِي الْمُغْنِي، وَزَادَ: وَلَا لِعَانَ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا. وَكَذَا الْمَجْنُونُ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيَنْزَجِرَ. لَكِنْ لَا عُقُوبَةَ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَمَا أَوْجَبَ حَدًّا عَلَى مُكَلَّفٍ: عُزِّرَ بِهِ الْمُمَيِّزُ، كَالْقَذْفِ. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: مَنْ شَرَعَ فِي عَشْرٍ: صَلُحَ تَأْدِيبُهُ فِي تَعْزِيرٍ عَلَى طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ فَكَذَا مِثْلُهُ زِنًا. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي. وَذَكَرَ مَا نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ فِي الْغِلْمَانِ يَتَمَرَّدُونَ: لَا بَأْسَ بِضَرْبِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ، وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي: يَجِبُ ضَرْبُهُ عَلَى صَلَاةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي تَأْدِيبِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالدِّيَاتِ: أَنَّهُ جَائِزٌ. وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِثْلُ أَنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونٌ مَجْنُونًا، أَوْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً فَيَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ زَجْرٌ. لَكِنْ لِاسْتِيفَاءِ الْمَظْلُومِ وَأَخْذِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا زَنَى ابْنُ عَشْرٍ، أَوْ بِنْتُ تِسْعٍ: لَا بَأْسَ بِالتَّعْزِيرِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ " بَابِ الْمُرْتَدِّ ". فَائِدَةٌ: فِي جَوَازِ عَفْوِ وَلِيِّ الْأَمْرِ عَنْ التَّعْزِيرِ: الرِّوَايَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ وَنَدْبِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " كَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ ". قَالَ الْأَصْحَابُ: يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ؟ وَإِنَّ التَّعْزِيرَ لِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِثْلُهُ؟ . قَوْلُهُ (وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ أَحَلَّتْهَا لَهُ: فَيُجْلَدُ مِائَةً) .

هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُجْلَدُ مِائَةً إلَّا سَوْطًا. وَعَنْهُ: يُضْرَبُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ. وَهُمَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْعَمَلُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْجَلْدِ أَوْ الرَّجْمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ ظَنَّ جَوَازَهُ: لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ فِيهِ وَفِي حَدِّهِ. وَعَنْهُ: يُحَدُّ. فَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ كَمَا لَوْ لَمْ تُحِلَّهَا لَهُ، وَلَوْ مَعَ ظَنِّ حِلِّهَا. نَقَلَهُ مُهَنَّا

وَعَنْهُ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ إنْ أَكْرَهَهَا: عَتَقَتْ، وَغَرِمَ مِثْلَهَا. وَإِلَّا مَلَكَهَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الْأُصُولِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ، فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْهَبُ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ، إلَّا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَجَارِيَةِ زَوْجَتِهِ إذَا أَحَلَّتْهَا لَهُ. انْتَهَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى تِسْعِ جَلْدَاتٍ. نَقَلَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُهَا. وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي عُقُوبَةِ أَصْحَابِ الْجَرَائِمِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا: ضُرِبَ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ. مَنْقُولٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّةَ فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ: أَنَّ عُقُوبَةَ مَنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ مِئْزَرٍ: يُجْلَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ جَلْدَةً. انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِ ضُرِبَ مِائَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ. وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا.

قَالَ: وَكَذَلِكَ تَخَرَّجَ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً. يَعْنِي إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُحَدُّ. وَهَذَا التَّخْرِيجُ لِأَبِي الْخَطَّابِ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُشْتَرَكَةَ: يُعَزَّرُ بِضَرْبِ مِائَةٍ إلَّا سَوْطًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُضْرَبُ مِائَةً. وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ. وَلَهُ نَقْصُهُ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَمَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ: يُضْرَبُ فِيهِ مِائَةً. وَيَسْقُطُ النَّفْيُ. وَقِيلَ: عَشْرَ جَلْدَاتٍ. انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرِ جَلْدَاتٍ. وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَمَّا إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ الْمُحَرَّمَةَ بِرَضَاعٍ إذَا قُلْنَا: لَا يُحَدُّ بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ حَدِّ الزِّنَا " فَعَنْهُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَإِنْ زِدْنَا عَلَيْهَا فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ.

وَأَمَّا إذَا وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَنَقَلَ يَعْقُوبُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، عَلَى مَا قَدَّمُوهُ. وَعَنْهُ: لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، وَإِنْ زِدْنَا فِي الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً وَقُلْنَا: لَا يُحَدُّ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عُزِّرَ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ. وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ: عُزِّرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَكُونُ مِائَةً. وَقِيلَ: لَا يُعَزَّرُ. وَقِيلَ: إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ مَلَكَهَا، وَإِلَّا عُزِّرَ. وَإِنْ وَطِئَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَقُلْنَا: لَا يُحَدُّ عُزِّرَ بِمِائَةِ سَوْطٍ. وَكَذَا لَوْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ. قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِ. وَيَأْتِي فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا فِي نَظَائِرِهِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُرَّ يُعَزَّرُ بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ إلَّا سَوْطًا: فَإِنَّهُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ إلَّا سَوْطًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: خَمْسُونَ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ " مِنْ تَتِمَّةِ الرِّوَايَةِ، أَوْ رِوَايَةٌ بِرَأْسِهَا.

وَجَزَمَ بِهَذَا الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، إلَّا مَا اسْتَثْنَوْهُ مِمَّا سَبَبُهُ الْوَطْءُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ: لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَذَا فَهِمَ عَنْهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَالَهُ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: رُوِيَ عَنْهُ أَدْنَى حَدٍّ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَشْهَرُ. وَنَصَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَعَلَى هَذَا: لَا يَبْلُغُ بِالْحُرِّ أَدْنَى حَدِّهِ. وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ، أَوْ الثَّمَانُونَ. وَلَا بِالْعَبْدِ أَدْنَى حَدِّهِ. وَهُوَ الْعِشْرُونَ، أَوْ الْأَرْبَعُونَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنْ لَا يَبْلُغَ جِنَايَةً حَدًّا مَشْرُوعًا مِنْ جِنْسِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَدٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا. فَعَلَى هَذَا: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ: يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةً إلَّا سَوْطًا، لِيَنْقُصَ عَنْ حَدِّ الزِّنَا. وَمَا كَانَ سَبَبُهُ غَيْرَ الْوَطْءِ، لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَقْعَدُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. زَادَ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَيَكُونُ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِحَبْسٍ وَتَوْبِيخٍ. وَقِيلَ: فِي حَقِّ اللَّهِ الْحَبْسُ وَالتَّوْبِيخُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا عَزَّرَهُ الْحَاكِمُ: أَشْهَرَهُ لِمَصْلَحَةٍ . نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ".

الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ لِحْيَتِهِ. وَفِي تَسْوِيدِ وَجْهِهِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ. وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَنْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ؟ قَالَ مُهَنَّا: فَرَأَيْت كَأَنَّهُ كَرِهَ تَسْوِيدَ الْوَجْهِ. قَالَهُ فِي النُّكَتِ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالتَّرْغِيبِ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَقَ رَأْسَ شَاهِدِ الزُّورِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يُمَثِّلُ بِهِ. ثُمَّ جَوَّزَهُ هُوَ لِمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ، لِلرَّدْعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرَدَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ. وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ. وَيُطَافُ بِهِ. وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَهُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ شَعْرِهِ، لَا لِحْيَتِهِ، وَبِصَلْبِهِ حَيًّا. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ. وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، وَلَا يُعِيدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: هَلْ يُجَرَّدُ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؟ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الْحَدِّ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ، إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يُقْلِعْ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ، وَقَالَ: فَنَصَّ أَنَّهُ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ. وَيُطَافُ بِهِ، وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: يُعَزَّرُ بِقَدْرِ رُتْبَةِ الْمَرْمِيِّ. فَإِنَّ الْمَعْيَرَةَ تَلْحَقُ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعَزِّرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ، كَعَزْلِ مُتَوَلٍّ. وَقَالَ: لَا يَتَقَدَّرُ. لَكِنَّ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ لَا يَبْلُغُهُ. فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ دُونَ نِصَابٍ، وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الشُّرْبِ بِمَضْمَضَةِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ: هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: بِقَتْلِهِ لِلْحَاجَةِ. وَقَالَ: يُقْتَلُ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ. وَذَكَرَهُ وَجْهًا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَنَقَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُطْرُوشُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدُّعَاةِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَلْوَةِ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَاِتِّخَاذِ الطَّوَافِ بِالصَّخْرَةِ دِينًا، وَفِي قَوْلِ الشَّيْخِ " اُنْذُرُوا لِي، وَاسْتَعِينُوا بِي " إنْ أَصَرَّ وَلَمْ يَتُبْ: قُتِلَ. وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَ شُرْبُهُ لِلْخَمْرِ مَا لَمْ يَنْتَهِ بِدُونِهِ، لِلْأَخْبَارِ فِيهِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِيَةِ: يُحْبَسُ حَتَّى يَكُفَّ عَنْهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَالِهِمْ، حَتَّى بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَكُفَّ: حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي. وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِلْإِمَامِ حَبْسُ الْعَائِنِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " إذَا قَتَلَ الْعَائِنُ: مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إنْ كَثُرَ مَجْذُومُونَ وَنَحْوُهُمْ: لَزِمَهُمْ التَّنَحِّي نَاحِيَةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَلْزَمُهُمْ، فَلِلْإِمَامِ فِعْلُهُ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ قَتْلَ مُسْلِمٍ جَاسُوسٍ لِلْكُفَّارِ. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنْ خِيفَ دَوَامُهُ.

وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ: دَلَّ حَدِيثُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ. وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: يُعَنَّفُ ذُو الْهَيْئَةِ. وَغَيْرُهُ يُعَزَّرُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا جَرْحُهُ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنَّ إتْلَافَهُ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: لَا يَجُوزُ. وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّعْزِيرَ بِقَطْعِ الْخُبْزِ، وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَاتِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا نَفْيَ إلَّا لِلزَّانِي وَالْمُخَنَّثِ. وَقَالَ الْقَاضِي: نَفْيُهُ دُونَ سَنَةٍ. وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَبِنَفْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ. وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا. وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك " كَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوُ " يَا كَلْبُ " فَلَهُ قَوْلُهُ لَهُ، أَوْ تَعْزِيرُهُ. وَلَوْ لَعَنَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ؟ يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ لَعْنَةِ الْمُعَيَّنِ. وَمَنْ لَعَنَ نَصْرَانِيًّا: أُدِّبَ أَدَبًا خَفِيفًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدَرَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَمَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ ظُلْمًا: فَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ عَلَيْهِ نَحْوُ " أَخْزَاك اللَّهُ " أَوْ " لَعَنَك اللَّهُ " أَوْ يَشْتُمُهُ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ، نَحْوُ " يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ " فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ. وَمَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَمَا صَبَرَ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ: عُزِّرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، لِإِبَاحَتِهِ إذَنْ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ، وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ. ثُمَّ وَجَدْت ابْنَ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ ذَكَرَ ذَلِكَ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. وَلَوْ خَافَ الزِّنَا. ذَكَرَهَا فِي الْفُنُونِ، وَأَنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا. لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ إبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ. فَهُنَا أَوْلَى. وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنْ النِّكَاحِ. وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلٌ لِشِدَّةِ الشَّبَقِ مُفْتِرٌ لِلشَّهْوَةِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْنَاءُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَا يُبَاحُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. فَإِذَا حَصَلَتْ الضَّرُورَةُ قُدِّمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ. وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ كَمَا قَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: الِاسْتِمْنَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّجُلِ. فَتَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِثْلَ الذَّكَرِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ. وَعَدَمَ الْقِيَاسِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ الْمَسْأَلَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قَصَدَتْ بِهِ إطْفَاءَ الشَّهْوَةِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الزِّنَا. قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ.

باب القطع في السرقة

[بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ إلَّا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ. أَحَدُهَا: السَّرِقَةُ، وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ) . يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِلَا نِزَاعٍ. وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَوْ مُكْرَهًا. وَعَنْهُ: أَوْ سَكْرَانَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: تَقَدَّمَتْ أَحْكَامُ السَّكْرَانِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (فَلَا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا غَاصِبٍ، وَلَا خَائِنٍ، وَلَا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا عَارِيَّةٍ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ شَاقِلَا، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَّةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ. وَهُوَ الَّذِي يَبُطُّ الْجَيْبَ وَغَيْرَهُ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَنَى الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الرِّوَايَتَيْنِ الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْجَيْبَ وَالْكُمَّ: هَلْ هُمَا حِرْزٌ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى كُمِّهِ وَيَزُرَّ جَيْبَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: يُقْطَعُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَخَذَهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَكَانَ نِصَابًا، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حِرْزٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ الْقَطْعَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَوْنِهِ حِرْزًا. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا) .

الْمِلْحُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْمِلْحِ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي. وَهَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ تُرَابٍ وَكَلَإٍ وَسِرْجِينٍ طَاهِرٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ فِي الْكَلَأِ الْوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ بِذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْطَعُ بِهِ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ فِي السِّرْجِينِ، وَالتُّرَابِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ كَلَأٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: فِي السِّرْجِينِ الطَّاهِرِ. وَقَالَ فِي التُّرَابِ: الذِّمِّيُّ لَهُ قِيمَةٌ كَالْأَرْمَنِيِّ، وَاَلَّذِي يُعَدُّ لِلْغَسْلِ بِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَمَّا السَّرْجِينُ النَّجِسُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: يُقْطَعُ بِهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ فِي الثَّلْجِ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عَدَمَ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْمِلْحِ. وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ شَاقِلَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُقْطَعُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَتَمَوَّلْ عَادَةً كَمَاءٍ وَكَلَإٍ مُحَرَّزٍ فَلَا قَطْعَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّيْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْوَاضِحِ: فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مُحَرَّزٍ: رِوَايَتَانِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا

وَيَأْتِي: إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ. أَوْ الْمُسْتَأْمِنُ، أَوْ سُرِقَ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَغَيْرُهُمْ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. يَعْنِي: أَنَّ مُرَادَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ كَبِيرٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ عَبْدٍ كَبِيرٍ أَكْرَهَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي الْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَجْهَانِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي سَرِقَةِ نَائِمٍ وَسَكْرَانَ: وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُكَاتَبٍ، وَلَا بِسَرِقَةِ أُمِّ الْوَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي الْمُكَاتَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.

وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ، إنْ قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِهِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَا نَائِمَيْنِ، أَوْ مَجْنُونَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَرَقَ أُمَّ وَلَدٍ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً: قُطِعَ. وَإِنْ سَرَقَهَا كُرْهًا فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ: فَهَلْ يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ.

اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَاهُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْطَعُ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: قُطِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْمَسْأَلَةَ. وَقَيَّدَهَا جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُلِيِّ. مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ، وَصَاحِبُ. الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهَادِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ. فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْفُصُولِ. وَرَدَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي " كِتَابِ الْبَيْعِ ": إنْ حَرُمَ بَيْعُهُ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُعَلَّى الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ: هَذَا عِنْدِي سَهْوٌ. وَصَوَابُهُ. إنْ جَازَ بَيْعُهُ قُطِعَ بِسَرِقَتِهِ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَدَمُ الْقَطْعِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ: قُطِعَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْطَعُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَلْ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ أَوْ لَا. انْتَهَى. قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ سَرِقَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ وَجَدْته فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ نَقَلَ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ وَلَا مُحَرَّمٍ، كَالْخَمْرِ) . وَكَذَا كُتُبُ بِدَعٍ وَتَصَاوِيرَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ.

وَعَنْهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حِلْيَةٌ قُطِعَ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُقْطَعُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمِثْلُهُ فِي إنَاءٍ فُقِدَ. وَفِي الْفُصُولِ: فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِتَغْبِيرِ الصُّوفِيَّةِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَآلَةِ لَهْوٍ. وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ وَضَمَانُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُقْطَعْ فِي الْأَظْهَرِ إذَا سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ. قَالَ الشَّارِحُ: إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ: لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ سَرَقَ صَلِيبًا أَوْ صَنَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا قَطْعَ فِيهِ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْكُلِّ: فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: إذَا سَرَقَ صَلِيبَ ذَهَبٍ: قُطِعَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ فِيمَا إذَا سَرَقَ صَلِيبًا أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ. فَائِدَةٌ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ إنَاءِ نَقْدٍ، أَوْ دَرَاهِمَ فِيهَا تَمَاثِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

وَقِيلَ: يُقْطَعُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إنْكَارًا. فَإِنْ قَصَدَ الْإِنْكَارَ لَمْ يُقْطَعْ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا. وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْعُرُوضِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. أَعَنَى أَنَّ الْأَصْلَ: هُوَ الدَّرَاهِمُ لَا غَيْرُ. وَالذَّهَبُ وَالْعُرُوضُ تُقَوَّمَانِ بِهَا. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنِ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ دِرْهَمٌ، أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا. يَعْنِي: أَنَّ كُلًّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا تُقَوَّمُ الْعُرُوض إلَّا بِالدَّرَاهِمِ، فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ أَصْلًا لِلْعُرُوضِ. وَيَكُونُ الذَّهَبُ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لَا غَيْرُ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمْ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَلَوْ سَرَقَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ: قُطِعَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ. وَلَوْ سَرَقَ دُونَ رُبْعِ مِثْقَالٍ، يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ: قُطِعَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُكْمِلُ النِّصَابَ بِضَمِّ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ إلَى الْآخَرِ، إنْ جُعِلَا أَصْلَيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: أَصْلُ الْخِلَافِ: الْخِلَافُ فِي الضَّمِّ فِي الزَّكَاةِ. انْتَهَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُكْمِلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَكْفِي وَزْنُ التِّبْرِ الْخَالِصِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَكْفِي. بَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالْمَضْرُوبِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَاقِيَهُ، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ: قُطِعَ. وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ.

الثَّانِي: يُقْطَعُ، قَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ بَعْضُ شُيُوخِي. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ وَأَهْمَلَهُ: فَلَا قَطْعَ. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: يُبْنَى عَلَى فِعْلِهِ كَمَا يُبْنَى عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، إنْ عَادَ غَدًا. وَلَمْ يَكُنْ رَدَّ الْحِرْزَ، فَأَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي لِكَوْنِ سَرِقَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي لَيْلَةٍ قُطِعَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ) . إذَا سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصُهَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ. فَإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ قُطِعَ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ نَقَصَتْ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ " إذَا دَخَلَ الْحِرْزُ فَذَبَحَ شَاةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ فَنَقَصَتْ. أَوْ قُلْنَا: هِيَ مَيِّتَةٌ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَأَتْلَفَهَا فِيهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ " لَمْ يُقْطَعْ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّارِقَ إذَا ذَبَحَ الْمَسْرُوقَ: يَحِلُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى رِوَايَةً: أَنَّهُ مَيْتَةٌ، لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ وَيَأْتِي أَيْضًا فِي الذَّكَاةِ. وَهُوَ مَحَلُّهَا.

وَأَمَّا إذَا مَلَكَهُ السَّارِقُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ قَبْلَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْهُ قَبْلَ الْحُكْمِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. أَعْنِي عَلَى مَا بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ. وَقَالَ: فِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ " لَمْ يَسْقُطْ " وَالسُّقُوطُ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْقَطْعِ. وَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْقَطْعِ: مُطَالَبَةُ الْمَالِكِ. وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ الرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ. انْتَهَى وَعِبَارَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ: مِثْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ: لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ. وَقَالَا: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ.

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَة، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالنَّظْمِ. فَيُعَايَى بِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي الْخِرَقِيِّ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُغْنِي: يَسْقُطُ قَبْلَ التَّرَافُعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ عَنْ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ. بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ: الْقَطْعُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَقِيمَتُهُ وَحْدَهُ مَعَ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ: لَمْ يُقْطَعْ) بِلَا خِلَافٍ. لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قِيمَةُ الْمُتْلَفِ وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ سَرَقَ جُزْءًا مِنْ كِتَابٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَنَظَائِرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَضَمَانُ مَا فِي وَثِيقَةٍ أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ: يُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْغَصْبِ " بَعْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ " بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْفَائِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ: قُطِعُوا، سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ جُمْلَةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ مِنْهُمْ نِصَابًا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ: لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. كَمَا لَوْ [كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، كَأَبِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ] فَهَلْ يُقْطَعُ الْبَاقِي أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْكَافِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ.

قُلْت: وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ مَا إذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ". الثَّانِيَةُ: لَوْ سَرَقَ لِجَمَاعَةٍ نِصَابًا: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ إلَى خَارِجٍ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ: فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَحْدَهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا بِأَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَهُ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) . إذَا لَمْ يَتَوَاطَآ، فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمَا وَيَذْهَبَ، فَيَأْتِي الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَسْرِقُ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ) . فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْطَعَا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً أَوْ ذَهَبًا، وَخَرَجَ بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إنْ خَرَجَتْ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: إتْلَافُهُ فِي الْحِرْزِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. بَلْ فَعَلَ فِيهِ مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِتْلَافِ إنْ وُجِدَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ خَرَجَ فَفِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (أَوْ نَقَبَ وَدَخَلَ، فَتَرَكَ الْمَتَاعَ عَلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. فَخَرَجَتْ بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَة، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَاقَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَوْ تَرَكَهُ فِي مَاءٍ جَارٍ فَأَخْرَجَهُ) . أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، ثُمَّ انْفَتَحَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدًا السَّرِقَةَ، فَسَرَقَ: لَمْ يُقْطَعْ الْمُعَلِّمُ. لَكِنْ يَضْمَنُهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَا بْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْمَالِ: مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ. وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْبُلْدَانِ، وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزًا لِمَالٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ آخَرَ. وَرَدَّهُ النَّاظِمُ. وَحَمَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ. فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُمَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ. فَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَعَدْلِهِ وَبَسْطِ الْأَمْنِ. وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ: يَرْجِعُ إلَى ضَعْفِ السُّلْطَانِ وَعَادَةِ الْبَلَدِ مَعَ الدُّعَّارِ فِيهِ. انْتَهَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْقُمَاشِ، فِي الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ فِي الْعُمْرَانِ: وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ فِي قُمَاشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلْقٍ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: مَا جُعِلَ لِلسُّكْنَى وَحِفْظِ الْمَتَاعِ كَالدُّورِ وَالْخِيَامِ حِرْزٌ، سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ [لَهُ حَارِسٌ] مُحَجَّرٌ بِالْبِنَاءِ. فَائِدَةٌ: الصُّنْدُوقُ فِي السُّوقِ حِرْزٌ إذَا كَانَ لَهُ حَارِسٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَارِسٌ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ: الْحَظَائِرُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: حِرْزُ الْحَطَبِ: تَعْبِئَتُهُ وَرَبْطُهُ بِالْحِبَالِ. وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَحِرْزُ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ: تَعْبِئَتُهُ وَرَبْطُهُ فِي حَظِيرَةٍ أَوْ فُنْدُقٍ مُغْلَقٍ أَوْ فِيهِ حَافِظٌ يَقْظَانُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَحِرْزُهَا فِي الْمَرْعَى بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إلَيْهَا) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَرَاهَا فِي الْغَالِبِ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ حُمُولَةِ الْإِبِلِ: بِتَقْطِيرِهَا وَسَائِقِهَا وَقَائِدِهَا. إذَا كَانَ يَرَاهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: حِرْزُهَا بِقَائِدٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهَا وَيَرَاهَا إذَنْ، إلَّا الْأَوَّلَ مُحَرَّزٌ بِقَوْدِهِ. وَالْحَافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وَرَاءَهُ كَقَائِدٍ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ: بِالْحَافِظِ) . فَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْحَافِظِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: حِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِحَافِظٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَمَالَ إلَيْهِ وَالشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَيْسَ الْحَمَّامِيُّ حَافِظًا بِجُلُوسِهِ، وَلَا الَّذِي يَدْخُلُ الطَّاسَاتِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا الثِّيَابُ فِي الْأَعْدَالِ، وَالْغَزْلُ فِي السُّوقِ وَالْخَانِ، إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ بِالْحَافِظِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ: عَلَى الْمَيِّتِ. فَلَوْ نَبَشَ قَبْرًا وَأَخَذَ الْكَفَنَ: قُطِعَ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ كَفَنًا مَشْرُوعًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْوَجِيزُ وَقَالَ: بَعْدَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَقْبَرَةٍ مَصُونَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ. وَلَمْ يَقُلْ فِي التَّبْصِرَةِ " مَصُونَةٍ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَحِرْزُ كَفَنِ الْمَيِّتِ: قَبْرُهُ قَرِيبُ الْعُمْرَانِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى، قُلْت: قَرِيبُ الْعُمْرَانِ. وَقِيلَ: مُطْلَقًا. انْتَهَى. قُلْت: جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا: أَنَّ حِرْزَ كَفَنِ الْمَيِّتِ الْقَبْرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَائِدَةٌ: الْكَفَنُ مِلْكُ الْمَيِّتِ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ فِي الْجَنَائِزِ فَقَالَ: لَوْ كُفِّنَ، فَعَدِمَ الْمَيِّتُ، فَالْكَفَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، يُقْضَى مِنْهُ دُيُونَهُ. وَقِيلَ: مِلْكُ الْوَرَثَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَكَلَهُ ضَبُعٌ، فَكَفَنُهُ إرْثٌ. وَقَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: الْخَصْمُ فِي ذَلِكَ الْوَرَثَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: نَائِبُ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ عَدِمُوا. وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ لَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي " كِتَابِ الْفَرَائِضِ " وَابْنُ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْكَفَنِ مِنْ " كِتَابِ الْجَنَائِزِ ".

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَلْ يُفْتَقَرُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ إلَى الْمُطَالَبَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يُفْتَقَرُ إلَى ذَلِكَ. فَيَكُونُ الْمُطَالَبُ الْوَارِثَ. وَالثَّانِي: لَا يُفْتَقَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَظْهَرُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَقِيلَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَوَارِثُهُ لَا يَمْلِكُ إبْدَالَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ، إذَا لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ، أَوْ عَيَّنَهُ بِوَصِيَّةٍ: تَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقًّا لِلَّهِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَثَوْبٌ رَابِعٌ وَخَامِسٌ مِثْلُهُ كَطِيبٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَفِي الطِّيبِ وَالثَّوْبِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَحِرْزُ الْبَابِ: تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ. فَلَوْ سَرَقَ رِتَاجَ. الْكَعْبَةِ) وَهُوَ الْبَابُ الْكَبِيرُ (أَوْ بَابَ مَسْجِدٍ، أَوْ تَأْزِيرَهُ: قُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَتَائِرِهَا) . إذَا لَمْ تَكُنْ سَتَائِرُهَا مَخِيطَةً عَلَيْهَا: لَمْ يُقْطَعْ. وَإِنْ كَانَتْ مَخِيطَةً عَلَيْهَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَخِيطَةِ عَلَيْهَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَصَرَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْطَعُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ السَّارِقُ مُسْلِمًا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا: قُطِعَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: قَوْلًا وَاحِدًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي قَنَادِيلِهِ الَّتِي تَنْفَعُ الْمُصَلِّينَ وَبِوَارِيهِ وَحُصُرِهِ وَبُسُطِهِ: وَجْهَانِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَامَ إنْسَانٌ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَسَرَقَهُ سَارِقٌ: قُطِعَ) . وَكَذَا إنْ نَامَ عَلَى مَجَرِّ فَرَسِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ، أَوْ نَعْلِهِ فِي رِجْلِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ سَرَقَ مَرْكُوبَهُ مِنْ تَحْتِهِ: فَلَا قَطْعَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السُّوقِ غَزْلًا، وَثَمَّ حَافِظٌ: قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: حُكْمُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ بِالْحَافِظِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، هُنَاكَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ: فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَكَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لَوْ سَرَقَ مَاشِيَةً مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ، بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَمَّا غَيْرُ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ، إذَا سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ: فَلَا يَضْمَنُ عِوَضَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، إلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ كَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ أَيْضًا. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا فِي الزَّرْعِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَكَذَا لَوْ سَرَقَ دُونَ نِصَابٍ مِنْ حِرْزٍ. يَعْنِي أَنَّهَا تَضْعُفُ قِيمَتُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ. فَائِدَةٌ: أَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى سَارِقٍ فِي عَامِ مَجَاعَةٍ. وَأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا يُحْيِي نَفْسَهُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْتَاجَ إذَا سَرَقَ مَا يَأْكُلُهُ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ. قَالَا: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِيهِ، أَوْ لَا يَجِدُ مَا يُشْتَرَى بِهِ. فَأَمَّا الْوَاجِدُ لِمَا يَأْكُلُهُ، أَوْ لِمَا يَشْتَرِيهِ وَمَا يُشْتَرَى بِهِ: فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ الْغَالِي. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ. فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا الْوَلَدُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ عَدَمُ الْقَطْعِ بِالْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَاضِحِ: قَطْعُ الْكُلِّ، غَيْرَ الْأَبِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ) . وَكَذَا لَا يُقْطَعُ السَّيِّدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ مَلَكَ وَفَاءً، فَيُتَوَجَّهُ الْخِلَافُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِيمَنْ وَارِثُهُ حُرٌّ: يُقْطَعُ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا مُسْلِمٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) . لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَا الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ " أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ مَالِ سَيِّدِهِ. فَدَخَلَ فِيهِ بَيْتُ الْمَالِ. أَوْ يُقَالُ: لِلسَّيِّدِ شُبْهَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَهَذَا عَبْدُهُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: يُقْطَعُ عَبْدُ مُسْلِمٍ بِسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: عَبْدٌ مُسْلِمٌ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِ لَهُ شُبْهَةٌ. وَهُوَ أَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ افْتَقَرَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ فِي نَفْسِهِ: كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. انْتَهَى. وَجَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: سَرِقَةَ عَبْدِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَنَحْوِهِمَا: مِثْلُ سَرِقَةِ الْعَبْدِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ مُخَالِفٌ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ: لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَقْفٍ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ: قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ: الثَّانِيَةُ: يُقْطَعُ. فَائِدَةٌ: لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا، أَوْ نَفَقَةَ وَلَدِهَا، فَأَخَذَتْهَا: لَمْ تُقْطَعْ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: وَكَذَا لَوْ أَخَذَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِرْزٍ مُفْرَدٍ: فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ ذُو الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ.

قَوْلُهُ (وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ. وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَضَمَانِ مُتْلَفٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ مُسْتَأْمَنٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلشِّيرَازِيِّ: لَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا، وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُقْطَعُ بِحَلِفِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ، اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ.

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَقَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا بِالْقَطْعِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبُّ الدَّارِ أَنْ أُخْرِجَهُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلَهُ حَدُّ الزِّنَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يُحَدُّ. قَوْلُهُ (وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ، مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ، أَوْ الْمَغْصُوبَةُ: لَمْ يُقْطَعْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ إنْ تَمَيَّزَ الْمَسْرُوقُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحِرْزِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ: قُطِعَ، إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَيَسْرِقُ قَدْرَ حَقِّهِ: فَلَا يُقْطَعُ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ.

وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ مُطْلَقًا. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ دَيْنِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَرَقَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ، أَوْ الْمَغْصُوبَ أَجْنَبِيٌّ: لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَجَّرَ دَارِهِ، أَوْ أَعَارَهَا. ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ: قُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي التَّرْغِيبِ: احْتِمَالٌ إنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ فِي الْعَارِيَّةِ لَمْ: يُقْطَعْ. وَفِي الْفُنُونِ: لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ، لَا بِسَرِقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أَعَارَهُ ثَوْبًا وَسَرَقَ ضِمْنَهُ شَيْئًا وَلَا فَرْقَ. قَوْلُهُ (السَّادِسُ:) (ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا: أَنْ يَصِفَا السَّرِقَةَ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي الْأَصَحِّ.

وَقِيلَ: تُسْمَعُ. تَنْبِيهٌ: اشْتِرَاطُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ لِأَجْلِ الْقَطْعِ. أَمَّا ثُبُوتُ الْمَالِ: فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَبِإِقْرَارِهِ مَرَّةً. عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (أَوْ إقْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ) . وَوَصْفُ السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالزِّنَا. فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ التَّفْصِيلِ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِحُصُولِ التَّعْيِيرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. أَعَنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إقْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ. وَيَكْتَفِي بِذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: فِي إقْرَارِ عَبْدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ نَقَلَهُ مُهَنَّا لَا يَكُونُ الْمَتَاعُ عِنْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إقْرَارِهِ، حَتَّى يُقْطَعَ) . فَإِنْ رَجَعَ: قُبِلَ بِلَا نِزَاعٍ. كَحَدِّ الزِّنَا. بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ. فَإِنَّ رُجُوعَهُ لَا يُقْبَلُ. أَمَّا لَوْ شَهِدَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ جَحَدَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ: فَهَلْ يُقْطَعُ نَظَرًا لِلْبَيِّنَةِ، أَوْ لَا يُقْطَعُ نَظَرًا لِلْإِقْرَارِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. حَكَاهُمَا الشِّيرَازِيُّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الزَّرْكَشِيُّ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَمَعَ هَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ لِلْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَطَلَبُ رَبِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ شَرْطٌ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ: وَإِنْ قُطِعَ دُونَ الْمُطَالَبَةِ أَجْزَأَ. وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ " وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ". فَائِدَةٌ: وَكِيلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَهُوَ. كَذَا وَلِيُّهُ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا حُكْمُ سَرِقَةِ الْكَفَنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ: قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَحُسِمَتْ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَسْمَ وَاجِبٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْحَسْمَ مُسْتَحَبٌّ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا " هَلْ الزَّيْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ؟ ". فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ. زَادَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ: حُبِسَ، وَلَمْ يُقْطَعْ) .

يَعْنِي: بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، إنْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيَاسُ قَوْلِ شَيْخِنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ بْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السَّارِقَ كَالشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ يُقْتَلُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَتُبْ بِدُونِهِ. انْتَهَى قُلْت: بَلْ هَذَا أَوْلَى عِنْدَهُ، وَضَرَرُهُ أَعَمُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجْلِسُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى يَتُوبَ، كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ الْحَبْسَ. وَمُرَادُهُمْ الْأَوَّلُ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: يُحْبَسُ وَيُعَذَّبُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُحْبَسُ أَوْ يُغَرَّبُ. قُلْت: التَّغْرِيبُ بَعِيدٌ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَةِ: يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ سَرَقَ، وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ يُمْنَى: قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، لَكِنْ لَا رِجْلَ لَهُ يُسْرَى: فَإِنَّ يَدَهُ الْيُمْنَى تُقْطَعُ

بِلَا نِزَاعٍ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ. وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقَطْ، أَوْ يَدَيْهِ: فَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ رِجْلَيْهِ، أَوْ يُمْنَاهُمَا: قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُطِعَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا تُقْطَعُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، فَذَهَبَتْ: سَقَطَ الْقَطْعُ. وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى: لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَتُقْطَعُ عَلَى الْأُخْرَى) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأُولَى: وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يَدٌ يُمْنَى، فَذَهَبَتْ هِيَ أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ رِجْلَيْهِ، أَوْ إحْدَاهُمَا: فَلَا قَطْعَ؛ لِتَعَلُّقِ الْقَطْعِ بِهَا لِوُجُودِهَا. كَجِنَايَةٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ فَمَاتَ. وَإِنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ، أَوْ يُمْنَاهُمَا. فَقِيلَ: يُقْطَعُ كَذَهَابِ يُسْرَاهُمَا. وَقِيلَ: لَا لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ يُمْنَاهُمَا فَقَطْ: قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ عَلَيْهِمَا. يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ، فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) . وَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا. وَفِي قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ وَجْهَانِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ: إذَا قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا: أُقِيدَ مِنْ الْقَاطِعِ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَصْلُهُ: هَلْ يَقْطَعُ أَرْبَعَتَهُ، أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً: أَخَذَ مِنْ الْقَاطِعِ الدِّيَةَ. وَهَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَيَا. فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً: أَنَّ يُسْرَى يَدَيْهِ لَا تُقْطَعُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنْ قَطَعَهَا مَعَ دَهْشَةٍ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ: كَفَتْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَقْطٌ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ الْقَطْعَ يُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الِانْتِصَارِ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَضْمِينَهُ نِصْفَ دِيَةٍ.

قَوْلُهُ (وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إلَى مَالِكِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً: غَرِمَ قِيمَتَهَا وَقُطِعَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الِانْتِصَارِ: لَا غُرْمَ لِهَتْكِ حِرْزٍ وَتَخْرِيبِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ الزَّيْتُ الَّذِي يُحْسَمُ بِهِ) وَكَذَا أُجْرَةُ الْقَطْعِ. (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ) ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ مِنْ مَالِ السَّارِقِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَجِبُ مِنْ مَالِ السَّارِقِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ احْتِيَاطٌ لَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: أَنَّ الزَّيْتَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ الْيَدُ الَّتِي وَجَبَ قَطْعُهَا شَلَّاءَ، فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَيَنْتَقِلُ، قَدَّمَهُ النَّاظِمُ، وَالْكَافِي وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَعَ أَمْنِ تَلَفِهِ بِقَطْعِهَا.

صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِ الْيَدِ كَقَطْعِ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا، أَوْ أَرْبَعٍ مِنْهَا. فَإِنْ ذَهَبَتْ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ، أَوْ وَاحِدَةٌ غَيْرُهُمَا: أَجْزَأَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تُجْزِئُ إذَا قُطِعَ الْإِبْهَامُ. وَتُجْزِئُ إذَا قُطِعَتْ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى فَإِنْ بَقِيَ إصْبَعَانِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ قَطْعُهُمَا، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ.

بَابُ حَدِّ الْمُحَارَبِينَ تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَهُمْ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَغْصِبُونَهُمْ الْمَالَ مُجَاهَرَةً) . وَلَوْ كَانَ سِلَاحُهُمْ الْعِصِيَّ وَالْحِجَارَةَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ وَعَصًا وَحَجَرٍ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يُعْطَوْنَ حُكْمَ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَيْدِي، وَالْعِصِيُّ، وَالْأَحْجَارُ: كَالسِّلَاحِ فِي وَجْهٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهَا: لَوْ غَصَبُوهُمْ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ: كَانُوا مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا. لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فِي الصَّحْرَاءِ) . كَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: فِي صَحْرَاءَ بَعِيدَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ: لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ. فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. هُوَ الْأَشْهَرُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قُلْت: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُ الْمِصْرِ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ إنْ لَمْ يُغَثْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ. ذَكَرَهُ فِي الطَّبَقَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَتَوَقَّفَ فِيهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ: قُتِلَ حَتْمًا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُزَادُ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ أَوَّلًا، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقِيلَ: وَيُصْلَبُونَ بِحَيْثُ لَا يَمُوتُونَ. قَوْلُهُ (وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يُتَمَثَّلُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعِنْدَ ابْنِ رَزِينٍ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلْبَ بَعْدَ قَتْلِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ أَوَّلًا، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ " أَنَّهُ " هَلْ يُقْتَلُ أَوْ لَا؟ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ، أَوْ يُصْلَبُ عَقِبَ الْقَتْلِ ". فَائِدَةٌ: لَوْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ: لَمْ يُصْلَبْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُصْلَبُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ) يَعْنِي: كَوَلَدِهِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ. (فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: يُقْتَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يُقْتَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْتَلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَمَشَى عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: فَهَلْ يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ إحْدَاهُمَا: لَا يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَتَحَتَّمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَا يَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَوَدِ فِي الطَّرْفِ إذَا كَانَ قَدْ قُتِلَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي: أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ قَوَدِ طَرْفٍ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا الِاحْتِمَالَ. فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ الْجِنَايَةُ، إنْ قُلْنَا: يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهَا. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ. إنْ قُلْنَا: يَتَحَتَّمُ فِي الطَّرْفِ، وَهَذَا وَهْمٌ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَلِكَ الطَّلِيعُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: السَّرِقَةُ كَذَلِكَ، فَرِدْءٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَهُوَ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْمَالَ آخِذُهُ. وَقِيلَ: قَرَارُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: مَنْ قَاتَلَ اللُّصُوصَ، وَقُتِلَ: قُتِلَ الْقَاتِلُ فَقَطْ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْتَلُ الْآمِرُ كَرِدْءٍ، وَأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ كَذَلِكَ وَفِي السَّرِقَةِ فِي الِانْتِصَارِ: الشَّرِكَةُ تُلْحِقُ غَيْرَ الْفَاعِلِ بِهِ، كَرِدْءٍ مَعَ مُبَاشِرٍ.

وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: إنَّمَا قُطِعَ جَمَاعَةٌ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لِلسَّعْيِ بِالْفَسَادِ. وَالْغَالِبُ مِنْ السُّعَاةِ: قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَالتَّلَصُّصُ بِاللَّيْلِ وَالْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ، بَعْضُهُمْ يُقَاتِلُ أَوْ يَحْمِلُ، أَوْ يُكَثَّرُ، أَوْ يَنْقُلُ. فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ: قُتِلَ) . يَعْنِي: حَتْمًا مُطْلَقًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ حَتْمًا إنْ قَتَلَهُ لِقَصْدِ مَالِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: فِي غَيْرِ مُكَافِئٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا أَثَرَ لِعَفْوِ وَلِيٍّ. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُصْلَبُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُصْلَبُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلْ: قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَحُسِمَتَا وَخُلِّيَ) . يَعْنِي: يَكُونُ ذَلِكَ حَتْمًا.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَتَّبًا، بِأَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا، ثُمَّ رِجْلَهُ الْيُسْرَى. وَجَوَّزَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَوْجَبَهُ. لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَخَرَجَ عَدَمُ الْقَطْعِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُكَافَأَةِ. فَائِدَةٌ: مِنْ شَرْطِ قَطْعِهِ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حِرْزٍ. فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مُنْفَرِدٍ عَنْ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُقْطَعْ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً، أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِي قِصَاصٍ، أَوْ شَلَّاءَ: قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟ يُبْنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ) وَهُوَ بِنَاءٌ صَحِيحٌ، فَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ: عَدَمُ الْقَطْعِ. فَكَذَا هُنَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَقِيلَ: يُقْطَعُ الْمَوْجُودُ مَعَ يَدِهِ الْيُسْرَى. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِ: إنْ قُطِعَتْ يَمِينُهُ قَوَدًا وَاكْتَفَى بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى فَفِي إمْهَالِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. . فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قُطِعَتْ يُسْرَاهُ قَوَدًا وَقُلْنَا: تُقْطَعُ يُمْنَاهُ كَسَرِقَةٍ: أُمْهِلَ. وَإِنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيْهِ: قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ.

وَيَتَخَرَّجُ: لَا تُقْطَعُ، كَيُمْنَى يَدَيْهِ، فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَارَبَ مَرَّةً ثَانِيَةً: لَمْ تُقْطَعْ أَرْبَعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي السَّارِقِ إذَا سَرَقَ مَرَّةً ثَالِثَةً، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا أَخَذَ الْمَالَ: نُفِيَ وَشُرِّدَ. فَلَا يُتْرَكُ يَأْتِي إلَى بَلَدٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يُعَزَّرُ، ثُمَّ يُنْفَى وَيُشَرَّدُ. وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ حَبْسُهُ. وَفِي الْوَاضِحِ، وَغَيْرِهِ، رِوَايَةٌ: نَفْيُهُ طَلَبُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: دُخُولُ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ. وَأَنَّهُ يُنْفَى. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَا تُعْرَفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ: كَفُّهُ عَنْ الْفَسَادِ. وَهَذَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقِينَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّبْصِرَةِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَزَالُ مَنْفِيًّا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُنْفَى عَامًا. وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ احْتِمَالَيْنِ. وَقَالَا: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا قَدْرَ مُدَّةِ نَفْيِهِمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ مِنْ الصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَأَطْلَقَ فِي الْمُبْهِجِ فِي حَقِّ اللَّهِ رِوَايَتَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَقَطَعَ فِي آخِرِهِ بِالْقَبُولِ. قَوْلُهُ (وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ: مِنْ الْأَنْفُسِ، وَالْجِرَاحِ وَالْأَمْوَالِ. إلَّا أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْهَا) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقَ اللَّهِ، فِيمَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ: هَذَا فِيمَنْ تَحْتَ حُكْمِنَا. ثُمَّ قَالَ: وَفِي خَارِجِيٍّ، وَبَاغٍ وَمُرْتَدٍّ، وَمُحَارِبٍ: الْخِلَافُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا، يَعْنِي: بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ. وَقِيلَ: وَقَرِينَةٍ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْكَافِرُ: فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ فِي كُفْرِهِ إجْمَاعًا.

قَوْلُهُ (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ سِوَى ذَلِكَ - مِثْلُ الشُّرْبِ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَنَحْوِهَا - فَتَابَ قَبْلَ إقَامَتِهِ: لَمْ يَسْقُطْ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إصْلَاحِ الْعَمَلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِبَيِّنَةٍ: لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ. ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَلَكِنْ أَطْلَقَ الثُّبُوتَ. وَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ " إذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ قَبْلَ التَّعْزِيرِ: هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ، أَمْ لَا؟ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالرِّوَايَةِ الْأُولَى: يَسْقُطُ فِي حَقِّ مُحَارِبٍ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ.

وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الذِّمِّيِّ. وَنَقَلَ فِيهِ أَبُو دَاوُد عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: إنْ أَكْرَهَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمَةً، فَوَطِئَهَا: قُتِلَ. لَيْسَ عَلَى هَذَا صُولِحُوا. وَلَوْ أَسْلَمَ هَذَا حُدَّ، وَجَبَ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ: سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَأَنَّهُ أَوْجَبَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَفْرِقَةٍ بَيْنَ إسْلَامٍ وَتَوْبَةٍ وَيُتَوَجَّهُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً مَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَسْقُطُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي سُقُوطِ الْجِزْيَةِ بِإِسْلَامٍ إذَا أَسْلَمَ: سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَاتُ الْوَاجِبَةُ بِالْكُفْرِ. كَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ. وَفِي الْمُبْهِجِ احْتِمَالٌ: يُسْقَطُ حَدُّ زِنَا ذِمِّيٍّ. وَيُسْتَوْفَى حَدُّ قَذْفٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي الرِّعَايَةِ: الْخِلَافُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا أَخَذَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ عَدَمِ إعْلَامِهِ، وَصِحَّةِ تَوْبَتِهِ: أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُوجِبُ مَالًا، وَإِلَّا سَقَطَ إلَى مَالٍ. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: فِي إسْقَاطِ التَّوْبَةِ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ، قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا: رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْمَذْهَبُ " وَعَنْهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ

إصْلَاحِ الْعَمَلِ " فَلَا يُشْتَرَطُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْبَةِ. بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْكَافِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُعْتَبَرُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْبَةِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا صَلَاحُ عَمَلِهِ مُدَّةً. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا وَهُوَ سُقُوطُ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ بِهَا قَبْلَ تَوْبَتِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ. وَقِيلَ: قَبْلَ إقَامَتِهِ. [وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إصْلَاحُ الْعَمَلِ مُدَّةً يَتَبَيَّنُ فِيهَا صِحَّةَ تَوْبَتِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي فِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي، وَالشَّارِبِ، وَالسَّارِقِ، وَالْقَاذِفِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ، وَقِيلَ: قَبْلَ تَوْبَتِهِ رِوَايَتَانِ] . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُصَنِّفِ هُنَا، وَغَيْرِهِمْ. بَلْ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، كَمَا قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوَّلًا.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُقْبَلُ وَلَوْ فِي الْحَدِّ. فَلَا يُكْمَلُ، وَأَنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ: فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ دَفْعَهُ بِهِ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ لَهُ: الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إذَا أَمْكَنَهُ هَرَبٌ أَوْ احْتِمَاءٌ وَنَحْوُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ لَهُ الْمُنَاشَدَةُ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ لَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْأَسْهَلِ ابْتِدَاءً. إنْ خَافَ أَنْ يُبَدِّدَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَجْهَلُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْقَتْلِ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ قَوْلًا بِالضَّمَانِ، مِنْ ضَمَانِ الصَّائِلِ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.

وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْغَصْبِ: لَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ مَالِهِ: قُتِلَ. وَلَوْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ: لَمْ يُقْتَلْ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي الْفُصُولِ: يَضْمَنُ مَنْ قَتَلَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ، وَمَالِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي فِتْنَةٍ، أَوْ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَنِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ كَانَ فِي فِتْنَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْهَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ حُرْمَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمِنْهَا: لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَلْزَمُهُ عَنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ: وَمِنْهَا: لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ: وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَحُرْمَتِهِ، وَمَالِهِ، وَعِرْضِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. وَمِنْهَا: لَهُ بَذْلُ الْمَالِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَأَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ: أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ. وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيْ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ فِي الذِّمِّيِّ مُرَادٌ غَيْرُهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْمَالَ أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا.

وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ لَا بَأْسَ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ أَيْضًا، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَةِ الدَّافِعِ. كَذَا مَالُهُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يَجُوزُ مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا، وَإِلَّا حَرُمَ. وَقِيلَ فِي جَوَازِهِ عَنْهُمَا وَعَنْ حُرْمَتِهِ: رِوَايَتَانِ. نَقَلَ حَرْبٌ الْوَقْفَ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَحْمَدُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَا يُقَاتِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَتْلُهُ لِمَالِ غَيْرِهِ. وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فَإِنْ أَبِي أَعْلَمَ مَالِكَهُ. فَإِنْ عَجَزَ: لَزِمَتْهُ إعَانَتُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْفُصُولِ، وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِلُزُومِ دَفْعِ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِإِبَاحَتِهِ عَنْ مَالِهِ وَحُرْمَتِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَحُرْمَتِهِ وَأَنَّ فِي إبَاحَتِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ وَصَلَاةِ خَوْفٍ لِأَجْلِهِ: رِوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ: وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ أَرَادَ نَفْسَهُ، أَوْ يَجِبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَمَّا دَفْعُ الْإِنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ: فَيَجُوزُ، مَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَوْ ظَلَمَ ظَالِمٌ، فَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ: لَا يُعِينُهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ ظُلْمِهِ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِينُوهُ، أَخْشَى أَنْ يَجْتَرِئَ يَدَعُوهُ حَتَّى يَنْكَسِرَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ وَسَأَلَهُ صَالِحٌ فِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِهِ جَارُهُ؟ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى صَيْحَةٍ بِاللَّيْلِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِمَا خِلَافُهُ. وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: الْأَوْلَى مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْبَهِيمَةِ: وُجُوبُ الدَّفْعِ إذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ: فَالْأَوْلَى يَلْزَمُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْبَهِيمَةُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَيَجِبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ فِي الْبَهِيمَةِ مُتَّجَهٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَتَلَ الْبَهِيمَةَ حَيْثُ قُلْنَا لَهُ قَتْلُهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " الْغَصْبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي " بَابِ الصَّائِلِ " فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فَرَعَيْنَ. أَحَدُهُمَا: لَوْ حَالَ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَبَيْنَ الطَّعَامِ بَهِيمَةٌ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ: جَازَ لَهُ قَتْلُهَا. وَهَلْ يَضْمَنُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: لَوْ تَدَحْرَجَ إنَاءٌ مِنْ عُلْوٍ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ، فَكَسَرَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ الْتَقَاهُ بِهِ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَعَ جَوَازِ دَفْعِهِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ فِي " بَابِ الْأَطْعِمَةِ " أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ وَصَاحِبُهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، إذَا قَتَلَهُ الْمُضْطَرُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إذَا قُلْنَا: بِجَوَازِ مُقَاتَلَتِهِ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ " بَابِ الْأَطْعِمَةِ " جَوَازُ قِتَالِهِ. وَخَرَّجَ الْحَارِثِيُّ فِي " كِتَابِ الْغَصْبِ " ضَمَانَ الصَّائِلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي ضَمَانِ الصَّيْدِ الصَّائِلِ عَلَى الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا) فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَضَّ إنْسَانٌ إنْسَانًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ: ذَهَبَتْ هَدَرًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَنْتَزِعُهَا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ كَالصَّائِلِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَضُّ مُحَرَّمًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خُصَاصِ الْبَابِ، أَوْ نَحْوِهِ، فَحَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، كَالصَّائِلِ. فَيُنْذِرَهُ أَوَّلًا، كَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، لَا يَقْصِدُ أُذُنَهُ بِلَا إنْذَارٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ النَّاظِرُ أَوْ لَا. وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا ظَنَّهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ مُتَعَمِّدًا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ صَادَفَ النَّاظِرُ عَوْرَةً مِنْ مَحَارِمِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَابَ لَوْ كَانَ مَفْتُوحًا، وَنَظَرَ إلَى مَنْ فِيهِ: لَيْسَ لَهُ رَمْيُهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّظَرِ مِنْ خُصَاصِ الْبَابِ، جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَسَمَّعَ الْأَعْمَى عَلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ: لَمْ يَجُزْ طَعْنُ أُذُنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ طَعْنَ أُذُنِهِ. وَقَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، " الْأَعْمَى إذَا تَسَمَّعَ " وَحَكَوْا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَسَمُّعَ الْبَصِيرِ يَلْحَقُ بِالْأَعْمَى عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ. سَوَاءٌ كَانَ أَعْمَى، أَوْ بَصِيرًا. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْبَصِيرِ لَا يَتَسَمَّعُ. وَالْعِلَّةُ جَامِعَةٌ لَهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب قتال أهل البغي

[بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: نَصْبُ الْإِمَامِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ. فَمَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِإِجْمَاعٍ، أَوْ بِنَصٍّ، أَوْ بِاجْتِهَادٍ، أَوْ بِنَصِّ مَنْ قَبْلَهُ عَلَيْهِ. وَبِخَبَرٍ مُتَعَيِّنٍ لَهَا: حَرُمَ قِتَالُهُ. وَكَذَا لَوْ قَهَرَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ. حَتَّى أَذْعَنُوا لَهُ وَدَعَوْهُ إمَامًا. قَالَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً، وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إمَامًا بِذَلِكَ. وَقَدَّمَ رِوَايَتَيْنِ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ. فَإِنْ بُويِعَ لِاثْنَيْنِ: فَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ. قَالَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا. وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ قُرَشِيًّا حُرًّا ذَكَرًا عَدْلًا عَالِمًا كَافِيًا. ابْتِدَاءً وَدَوَامًا. قَالَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ تَنَازَعَهَا اثْنَانِ مُتَكَافِئَتَانِ فِي صِفَاتِ التَّرْجِيحِ: قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كَالْأَذَانِ. الثَّانِيَةُ: هَلْ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَنْ النَّاسِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لَهُمْ، أَمْ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَخَرَّجَ الْأَمَدِيُّ رِوَايَتَيْنِ، بَنَى عَلَى أَنَّ خَطَأَهُ: هَلْ هُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ وَاخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْوَكَالَةِ لِعُمُومِهِمْ. وَذَكَرَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: رِوَايَتَيْنِ فِي انْعِقَادِ إمَامَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَهْرِ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسِّتِّينَ: وَهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِلْخِلَافِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْوَكَالَةِ أَيْضًا. وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ انْعِزَالُهُ بِالْعَزْلِ. ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. فَإِنْ قُلْنَا " هُوَ وَكِيلٌ " فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ. وَإِنْ قُلْنَا " هُوَ وَالٍ " لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْعَزْلِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مَنْ تَابَعَهُ. وَهَلْ لَهُمْ عَزْلُهُ؟ إنْ كَانَ بِسُؤَالِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ عَزْلِ نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سُؤَالِهِ: لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَهُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ) أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا أَوْ لَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ، وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَزِينٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ. وَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ. وَأَنَّ السَّيْفَ إذَا وَقَعَ عَمَّتْ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ. فَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ، وَتُسْتَبَاحُ الْأَمْوَالُ، وَتُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ) . أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا: أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ حُكْمَ الْبُغَاةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. بَلْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ بُغَاةٌ أَيْضًا. وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ أَوْ لَا وَأَنَّهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي طَرَفٍ وِلَايَتِهِ أَوْ وَسَطِهَا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تَتِمُّ شَوْكَتُهُمْ إلَّا وَفِيهِمْ وَاحِدٌ مُطَاعٌ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُمْ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: تَدْعُو إلَى نَفْسِهَا، أَوْ إلَى إمَامٍ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسَلَهُمْ، وَيَسْأَلَهُمْ: مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ؟ وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ، وَيَكْشِفَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ) . يَعْنِي: إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى قِتَالِهِمْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ قَتْلُ الْخَوَارِجِ ابْتِدَاءً. وَتَتِمَّةً الْجَرِيحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ فِي الْخَوَارِجِ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُمْ بُغَاةٌ. لَهُمْ حُكْمُهُمْ، وَأَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَلَيْسَ بِمُرَادِهِمْ، لِذِكْرِهِمْ كُفْرَهُمْ وَفِسْقَهُمْ. بِخِلَافِ الْبُغَاةِ.

قَالَ فِي الْكَافِي: ذَهَبَ فُقَهَاءُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ حُكْمَ الْخَوَارِجِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَنُصُوصِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ وَأَتْبَاعِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتِيَارُ شَيْخِنَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ مَنْ صَوَّبَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. أَوْ وَقَفَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْمُصِيبُ. وَهِيَ أَقْوَالٌ فِي مَذْهَبِنَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْخَوَارِجُ بُغَاةٌ مُبْتَدِعَةٌ. يُكَفِّرُونَ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً. وَلِذَلِكَ طَعَنُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَفَارَقُوا الْجَمَاعَةَ، وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ. وَمِنْهُمْ: مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَسَائِرَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ. وَقِيلَ: هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ كَالْمُرْتَدِّينَ. فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً، وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ، وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ. وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اُسْتُتِيبَ. فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ فِيهِمْ رِوَايَتَانِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. إحْدَاهُمَا: هُمْ كُفَّارٌ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَإِنْ فَاءُوا وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ) . يَعْنِي وُجُوبًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ قِصَّةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ

الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ» يَقْتَضِي: أَنَّ الْقِتَالَ لَا يَجِبُ. وَمَالَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: بِسِلَاحِ الْبُغَاةِ وَكُرَاعِهِمْ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالثَّانِي: يَجُوزُ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَائِدَةٌ: الْمُرَاهِقُ مِنْهُمْ وَالْعَبْدُ: كَالْخَيْلِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازُ عَلَى جَرِيحٍ) . أَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَجَرِيحِهِمْ. بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: فِي آخِرِ الْقِتَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ خِيفَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ تَبِعَهُمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ فَعَلَ، فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: يُقَادُ بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ الْآتِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالثَّانِي: لَا يُقَادُ بِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ. فَأَنْتَجَ شُبْهَةً.

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: الْمُدْبِرُ مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ، لَا الْمُتَحَرِّفُ إلَى مَوْضِعٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ: حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُرْسَلَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُخَلَّى إنْ أُمِنَ عَوْدُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُرْسَلُ مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَطَلَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَلَكِنْ يُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ: فَفِي إرْسَالِهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ إرْسَالِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ حَبْسُهُ لِيُخَلَّى أَسِيرُنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ، أَوْ امْرَأَةٌ. فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا.

أَحَدُهُمَا: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُخَلَّى فِي الْحَالِ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. قُلْت: الصَّوَابُ النَّظَرُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَالْإِرْسَالِ. وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ، مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) بِلَا نِزَاعٍ. وَتَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ: هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ . وَقَوْلُهُ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ إحْدَاهُمَا: لَا يَضْمَنُونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ، فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت. فَيُعَايَى بِهَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَضْمَنُونَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: إنْ ضَمِنَ الْمَالَ احْتَمَلَ الْقَوَدُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى قُلْت: الصَّوَابُ وُجُوبُ الْقَوَدِ، وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا فِي تَحَتُّمِ الْقَتْلِ بَعْدَهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَمَا أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، أَوْ جِزْيَةٍ: لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَوَارِجِ، إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ: وَقَعَ مَوْقِعَهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنَّمَا يُجْزِئُ أَخْذُهُمْ إذَا نَصَبُوا لَهُمْ إمَامًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ اخْتِيَارًا. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّوَقُّفُ فِيمَا أَخَذَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَقَدْ قِيلَ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلَفَ الْأَئِمَّةِ الْفُسَّاقِ. وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْأَعْشَارِ وَالصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ، وَلَا إقَامَةُ الْحُدُودِ. وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَحْوُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إلَيْهِمْ: لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَفِيهِ احْتِمَالٌ: تُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إلَيْهِمْ. فَهَلْ تُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . عِبَارَتُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: كَذَلِكَ. فَقَدْ يُقَالُ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَادَّعَى ذَلِكَ، فَأَطْلَقَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ مَعَ يَمِينِهِ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ ذِمِّيًّا. وَأَطْلَقَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ بَلْ بَيِّنَةٌ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجِيزِ. وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. وَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ، مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قَبْلَ الْحَكَمِ بِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ وَغَيْرَهُ فَسَّقُوا الْبُغَاةَ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَلَّى الْخَوَارِجُ قَاضِيًا: لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: احْتِمَالٌ بِصِحَّةِ قَضَاءِ الْخَارِجِيِّ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ. كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ، أَوْ أَخَذَ جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَزَكَاةً. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَعَانُوهُمْ: انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ. إلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ) . إذَا قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ الْبُغَاةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَدَّعُوا شُبْهَةً أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يَدَّعُوا شُبْهَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُنْتَقَضُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِيرُونَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْبُغَاةِ. وَعَلَى الثَّانِي أَيْضًا: فِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ. فَفِي أَهْلِ عَدْلٍ وَجْهَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَكْسَ أَوْلَى. وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا قَاتَلُوا مَعَ الْبُغَاةِ وَقُلْنَا: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَهَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا قَاتَلُوا مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ؟ هَذَا مَا يَظْهَرُ. وَإِنْ ادَّعَوْا شُبْهَةً كَظَنِّهِمْ وُجُوبَهُ عَلَيْهِمْ وَنَحْوَهُ: لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَيَغْرَمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ) . يَعْنِي: أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا قَاتَلُوا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ: فَلَا يَضْمَنُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمَّنُوهُمْ: لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ، وَأُبِيحَ قَتْلُهُمْ) .

يَعْنِي: لِغَيْرِ الَّذِينَ أَمَّنُوهُمْ. فَأَمَّا الَّذِينَ أَمَّنُوهُمْ: فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ: لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ) . بَلْ تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَيْهِمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. قُلْت مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَسَأَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ: عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيُكَفِّرُونَ؟ قَالَ: لَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ. قُلْت: وَأَيُّ شَيْءٍ تَكْرَهُ أَنْ يُحْبَسُوا؟ قَالَ: لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الْحَرُورِيَّةُ إذَا دَعَوْا إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، إلَى دِينِهِمْ فَقَاتِلْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يُقَاتَلُونَ. وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ الْأُطْرُوشُ عَنْ قَتْلِ الْجَهْمِيِّ؟ قَالَ: أَرَى قَتْلَ الدُّعَاةِ مِنْهُمْ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يُسْتَتَابُ. فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَرَى ذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْعِلْمَ. وَذَكَرَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ. قَالَ: كَانَ لَا يُقِرُّ بِالْعِلْمِ. وَهَذَا كَافِرٌ. وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ: الْكَرَابِيسِيُّ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَقُلْ لَفْظُهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. فَقَالَ: هُوَ الْكَافِرُ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: قَوْلُهُ (فَإِنْ سَبُّوا الْإِمَامَ: عَزَّرَهُمْ) . وَكَذَا لَوْ سَبُّوا عَدْلًا. فَلَوْ عَرَضُوا لِلْإِمَامِ، أَوْ لِلْعَدْلِ بِالسَّبِّ: فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي أَحَدُهُمَا: يُعَزَّرُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُعَزَّرُ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ عَزَّرَهُمْ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ لَهُ دُعَاةٌ أَرَى حَبْسَهُ. وَكَذَا قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ وَرَدْعُهُمْ، وَلَا يُقَاتِلُهُمْ، إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ. فَكَبُغَاةٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا فِي الْحَرُورِيَّةِ الدَّاعِيَةُ يُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يُقَاتَلُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ. وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: أَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ شَرِيعَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ: يَجِبُ قِتَالُهَا، حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ كَالْمُحَارِبِينَ، وَأَوْلَى. وَقَالَ فِي الرَّافِضَةِ: شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ اتِّفَاقًا.

قَالَ: وَفِي قَتْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَنَحْوِهِمَا، وَكُفْرِهِ: رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ: جَوَازُ قَتْلِهِ كَالدَّاعِيَةِ، وَنَحْوِهِ. الثَّالِثَةُ: مَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْحَقِّ وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَاسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِتَأْوِيلٍ: فَهُمْ خَوَارِجُ بُغَاةٌ فَسَقَةٌ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: هُمْ كُفَّارٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاَلَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْإِرْشَادِ، عَنْ أَصْحَابِنَا: تَكْفِيرُ مَنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ، كَخَوَارِجَ وَرَوَافِضَ وَمُرْجِئَةٍ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ الْمَعَاصِيَ، أَوْ وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ، وَأَنَّ مُسْتَحِلَّهُ كَافِرٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَخْرُجُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ اُسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلٍ، كَالْخَوَارِجِ وَمَنْ كَفَّرَهُمْ، فَحُكْمُهُمْ عِنْدَهُ: كَمُرْتَدِّينَ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَإِنَّمَا كَفَّرَ الْجَهْمِيَّةَ، لَا أَعْيَانَهُمْ. قَالَ: وَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مُطْلَقًا، حَتَّى الْمُرْجِئَةَ، وَالشِّيعَةَ الْمُفَضِّلَةَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ: وَمَذَاهِبُ لِلْأَئِمَّةِ، الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ: مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

مِنْ الْإِسْلَامِ: الْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُرْجِئَةُ، وَالرَّافِضَةُ، وَالْجَهْمِيَّةُ. فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ الطُّوسِيُّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ خَيْرًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَوَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ وَكَفَرَ. فَإِنْ زَعَمَ بِأَنَّ اللَّهَ قَرَّ الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَنْبِيَائِهِ فِي النَّاسِ: فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالَتِهِمْ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ قَالَ " عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ " كَفَرَ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: الْقَدَرِيُّ لَا نُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَسَقَ. وَقِيلَ: وَعَنْهُ يَكْفُرُ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْلَ أَجْبُنُ عَنْهُ، وَيُضْرَبُ. مَا أَرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ: كُفْرَ الْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ فَسَقَ وَهُجِرَ. وَفِي كُفْرِهِ وَجْهَانِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَيَعْقُوبَ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ. وَقَالَ: مَنْ رَدَّ مُوجِبَاتِ الْقُرْآنِ: كَفَرَ. وَمَنْ رَدَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَخْبَارِ وَالْآحَادِ الثَّابِتَةِ: فَوَجْهَانِ. وَأَنَّ غَالِبَ أَصْحَابِنَا عَلَى كُفْرِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ فِي مَكَان آخَرَ: إنْ جَحَدَ أَخْبَارَ الْآحَادِ كَفَرَ كَالْمُتَوَاتِرِ عِنْدَنَا، يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ. فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ الْعِلْمَ بِهَا؛ فَالْأَشْبَهُ لَا يَكْفُرُ. وَيَكْفُرُ فِي نَحْوِ الْإِسْرَاءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّفَاتِ. وَقَالَ فِي إنْكَارِ الْمُعْتَزِلَةِ اسْتِخْرَاجَ قَلْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِعَادَتَهُ: فِي كُفْرِهِمْ بِهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَ اللَّهِ وَأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ. وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا أُكَفِّرُ مَنْ لَا يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ، أَوْ طَلَبِ رِئَاسَةٍ: فَهُمَا ظَالِمَتَانِ، وَتُضَمَّنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى) . وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ جُهِلَ قَدْرُ مَا نَهَبَتْهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْأُخْرَى: تَسَاوَيَا، كَمَنْ جَهِلَ قَدْرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ مَالِهِ: أَخْرَجَ نِصْفَهُ، وَالْبَاقِي لَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: أَوْجَبَ الْأَصْحَابُ الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْمُتْلَفِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ تَقَاتَلَا تَقَاصَّا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَالْمُعِينَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْخَامِسَةُ: لَوْ دَخَلَ أَحَدٌ فِيهِمَا لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، فَقُتِلَ وَجُهِلَ قَاتِلُهُ: ضَمِنَتْهُ الطَّائِفَتَانِ.

باب حكم المرتد

[بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ] ِّ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (فَمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ، أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: أَوْ جَحَدَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إثْبَاتِهَا الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (أَوْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَفَرَ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا لَوْ كَانَ مُبْغِضًا لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِمَا جَاءَ بِهِ اتِّفَاقًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَمَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ، أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ، أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ اتَّخَذَ لِلَّهِ صَاحِبَةً، أَوْ وَلَدًا، أَوْ جَحَدَ نَبِيًّا، أَوْ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ: كَفَرَ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَمُرَادُهُ: إذَا أَتَى بِذَلِكَ طَوْعًا، وَلَوْ هَازِلًا. وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ طَوْعًا. وَقِيلَ: وَكَرْهًا. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَالْأَصَحُّ بِحَقٍّ، يَعْنِي: إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَسَائِطَ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُوهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ إجْمَاعًا. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ. وَقِيلَ: أَوْ كَذَبَ عَلَى نَبِيٍّ، أَوْ أَصَرَّ فِي دَارِنَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ وَقَالَ الْقَاضِي: رَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَالْمُسْكِرِ كُلِّهِ كَالْخَمْرِ. وَلَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ قِيَاسٍ اتِّفَاقًا، لِلْخِلَافِ، بَلْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ. قَالَ: وَمَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ: فَمُنَافِقٌ. وَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ وَفِي قَلْبِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ: فَنِفَاقٌ. وَهَلْ يَكْفُرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابِ: لَا يَكْفُرُ إلَّا مُنَافِقٌ أَسَرَّ الْكُفْرَ. قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَانْتَهَكَ حُرَمَ اللَّهِ وَحُرَمَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَنَحْوُهُ، وَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ، خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا: لَمْ يَكْفُرْ) . يَعْنِي: إذَا عَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا: اُسْتُتِيبَ وُجُوبًا كَالْمُرْتَدِّ. فَإِنْ أَصَرَّ: لَمْ يَكْفُرْ، وَيُقْتَلُ حَدًّا، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَكْفُرُ إلَّا بِالْحَجِّ، لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ.

وَعَنْهُ: يَكْفُرُ بِالْجَمِيعِ. نَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاخْتَارَهَا هُوَ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهِمَا الْإِمَامَ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ خَاصَّةً. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الصَّلَاةِ " وَ " بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ " مُسْتَوْفًى بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (فَمَنْ) (ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) مُخْتَارٌ أَيْضًا (دُعِيَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي وُجُوبًا (وَضُيِّقَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَتُبْ: قُتِلَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.

وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ الِاسْتِتَابَةُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ. وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ. وَعَنْهُ: وَلَا تَأْجِيلُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ الْكُفَّارِ إذَا كَانَ مُرْتَدًّا، بِدَلِيلِ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ وُلِدَ بِرَأْسَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ نَطَقَ أَحَدُ الرَّأْسَيْنِ بِالْكُفْرِ، وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ: إنْ نَطَقَا مَعًا، فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ؟ احْتِمَالَانِ. قَالَ: وَالصَّحِيحُ إنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ: صَحَّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ) . يَعْنِي إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَقَالَهُ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي " بَابِ اللُّقَطَةِ " وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. حَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ فِي " بَابِ اللُّقَطَةِ " وَقَالَهُ عُرْوَةُ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ إسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ.

وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِمَّنْ بَلَغَ عَشْرًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ، حَتَّى إنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ: أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي جَزَمُوا بِذَلِكَ. انْتَهَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِمَّنْ بَلَغَ سَبْعًا. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِهِمْ. وَأَنْ فَرِيضَتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَصِحَّتِهِ تَبَعًا، وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ، وَمُسَافِرِ رَمَضَانَ. . قَوْلُهُ (وَإِنْ) (أَسْلَمَ) . يَعْنِي: الْكَافِرَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ فِي الصَّغِيرِ. (ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْت) (: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَرَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْ الصَّبِيِّ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي مَظِنَّةِ النَّقْصِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا. قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ.

قَالَ الْإِمَامِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَسْلِمْ وَخُذْ أَلْفًا، فَأَسْلَمَ وَلَمْ يُعْطِهِ، فَأَبَى الْإِسْلَامَ يُقْتَلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ. قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ: قُبِلَ مِنْهُ، وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: تَصِحُّ رِدَّةُ مُمَيِّزٍ. فَيُسْتَتَابُ. فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُلَّغِ. وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. فَإِنْ بَلَغَ مُرْتَدًّا: قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ. وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ مُكَلَّفًا. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَمَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ: لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ، وَيَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ) . تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَظْهَرُ قَوْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ، اخْتَارَهُ النَّاظِمُ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ.

قَوْلُهُ (لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ، وَتَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ) . وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ صَحْوِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ مَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ، وَالسَّاحِرِ؟) . يَعْنِي الَّذِي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ إحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيِّ فِي الزِّنْدِيقِ. قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: هَذَا الَّذِي نَصَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ فِي السَّاحِرِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْخِرَقِيُّ فِي قَوْلِهِ: مَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُتِلَ.

وَالْأُخْرَى: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ فِي السَّاحِرِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَالزِّنْدِيقِ، وَآخِرُ قَوْلَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا قُبِلَتْ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُعْلَمُ إسْقَاطُهُ. وَأَنَّهَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ. فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ. فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا. وَلِهَذَا افْتَرَقَا. وَعَنْهُ: مِثْلُهُمْ فِيمَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السَّاحِرِ: حَيْثُ يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حُكْمُ مَنْ تَنَقَّصَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُ مَنْ سَبَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: وَلَوْ تَعْرِيضًا. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ. فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَسَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا الشَّتِيمَةُ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا؟ . قَالَ: نَحْنُ نَرَى فِي التَّعْرِيضِ الْحَدَّ. قَالَ: فَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ مِنْ الشَّتِيمَةِ التَّعْرِيضَ. الثَّانِيَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، فِي عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ وَقَبُولِهَا: فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، مِنْ تَرْكِ قَتْلِهِمْ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ. فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ: فَإِنْ صَدَقَتْ تَوْبَتُهُ، قُبِلَتْ بِلَا خِلَافٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَفِي إرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ رِوَايَةً: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ بَاطِنًا، وَضَعَّفَهَا. وَقَالَ كَمَنْ تَظَاهَرَ بِالصَّلَاحِ، إذَا أَتَى مَعْصِيَةً وَتَابَ مِنْهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ دَاعِيَةٍ إلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ، اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي إرْشَادِهِ: نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِمَنْ أَضَلَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: لَا مُطَالَبَةَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ يَتُوبُ عَلَى أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: إنْ اعْتَرَفَ بِهَا. وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ مِنْ دَاعِيَةٍ الثَّالِثَةُ: الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ. وَيُسَمَّى مُنَافِقًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ: فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ. وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بِالتَّوْبَةِ سِوَى مَا يُظْهِرُهُ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ: تُقْبَلُ. وَهُوَ أَوْلَى فِي الْكُلِّ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ رِوَايَةً: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، أَوْ عُفِيَ عَنْهُ: هَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ، بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ. فَإِذَا أَسْلَمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إلَى الْوَلِيِّ، نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ، وَخَوْفًا مِنْ اللَّهِ، وَتَوْبَةً نَصُوحًا: سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ، أَوْ الْعَفْوِ. وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ، يُعَوِّضُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ، وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. فَلَا يَذْهَبُ حَقُّ هَذَا. وَلَا تَبْطُلُ تَوْبَةُ هَذَا. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ: إسْلَامُهُ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ انْتَقَلَ إلَى دِينِ مَنْ

يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَالَمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ) . يَعْنِي: يَأْتِي بِذَلِكَ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، إذَا كَانَ ارْتِدَادُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يُغْنِي قَوْلُهُ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. وَعَنْهُ: يُغْنِي ذَلِكَ عَنْ مُقِرٍّ بِالتَّوْحِيدِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ كَالْوَثَنِيِّ. لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ. وَلِخَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَقَتْلِهِ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ، بَعْدَ قَوْلِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لِأَنَّهُ مَصْحُوبٌ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ: يَكْفِي التَّوْحِيدُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ وَأُسَامَةَ، قَالَ فِيهِ: «إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عُصِمَ بِهَا دَمُهُ» . وَلَوْ ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ قَالَهَا فَرَقًّا مِنْ السَّيْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا. فَوَائِدُ الْأُولَى: نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إذَا قَالَ " قَدْ أَسْلَمْت " وَ " أَنَا مُسْلِمٌ " وَكَذَا قَوْلُهُ " أَنَا مُؤْمِنٌ " يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَدْ عُلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ. وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا: أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَمَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ أَوْ نَحْوِ هَذَا. فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مُسْلِمًا بِذَلِكَ

وَفِي مُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ قَالَ " أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَةِ " يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ. وَفِي الِانْتِصَارِ احْتِمَالٌ: يَصِحُّ. وَفِيهِ أَيْضًا: يَصِيرُ مُسْلِمًا بِكِتَابَةِ الشَّهَادَةِ. الثَّالِثَةُ: لَا يُعْتَبَرُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إقْرَارُ مُرْتَدٍّ بِمَا جَحَدَهُ، لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ وَمِنْهُ، بِخِلَافِ التَّوْبَةِ مِنْ الْبِدْعَةِ. ذَكَرَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِي الرَّجُلِ يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْبِدْعَةِ فَيَجْحَدُ لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ. إنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ اعْتَرَفَ. فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ: فَلَا الرَّابِعَةُ: يَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ، لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ، بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ الْخِلَافُ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ. فَقَالَ " لَمْ أَفْعَلْ وَأَنَا مُسْلِمٌ " قُبِلَ قَوْلُهُ. هُوَ أَبَرُّ عِنْدِي مِنْ الشُّهُودِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ: حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ الْمُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤْخَذُ بِحَدٍّ فَعَلَهُ فِي رِدَّتِهِ، نَصّ عَلَيْهِ كَقَبْلِ رِدَّتِهِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ لَا يُؤْخَذُ بِهِ، كَعِبَادَتِهِ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ قَذْفٍ وَرَجْمٍ بِرِدَّةٍ. فَإِذَا أَتَى بِهِمَا بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ، خِلَافًا لِكِتَابِ ابْنِ رَزِينٍ فِي إحْصَانِ رَجْمٍ. . قَوْلُهُ (وَلَا عِبَادَاتُهُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي إسْلَامِهِ) يَعْنِي: لَا تَبْطُلُ (إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ) . الْعِبَادَاتُ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ، لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَجًّا، أَوْ صَلَاةً فِي وَقْتِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ حَجًّا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، بَلْ يُجْزِئُ الْحَجَّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ هُنَا. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي " كِتَابِ الْحَجِّ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ لِابْنِ حَمْدَانَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْحَجِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَمَّا الصَّلَاةُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا: فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ أَعَادَ الْحَجَّ، لِفِعْلِهَا فِي إسْلَامِهِ الثَّانِي. وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَبْطُلُ عِبَادَةٌ فَعَلَهَا فِي الْإِسْلَامِ

إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ. وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ صَامَ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ: لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَتَصَرُّفَاتُهُ مَوْقُوفَةٌ. فَإِنْ أَسْلَمَ: ثَبَتَ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ) ، الظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي " بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ " مِنْ أَنَّ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا، لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ نَقُولَ: يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَرَثَتُهُ مِنْ دِينِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، أَوْ يَكُونَ فَيْئًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ ". فَإِنْ قُلْنَا: يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ فِي مِلْكِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَالْمُسْلِمِ، وَيُقَرُّ بِيَدِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ مُرْتَدٍّ، لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَكُونُ فَيْئًا، فَفِي وَقْتِ مَصِيرِهِ فَيْئًا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهُنَّ: يَكُونُ فَيْئًا حِينَ مَوْتِهِ مُرْتَدًّا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ " وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِيرُ فَيْئًا بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ.

اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. فَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: يَتَبَيَّنُ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا كَوْنُهُ فَيْئًا مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ. فَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ: وَأَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْفَرَجِ. قَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يُمْنَعُ مِنْهُ. فَإِذَا قُتِلَ مُرْتَدًّا صَارَ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُوقَفُ وَيُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ، كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا وَغَيْرُهُ: الْمَذْهَبُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ. وَيَكُونُ مِلْكُهُ مَوْقُوفًا. وَكَذَلِكَ تَصَرُّفَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ كَلَامَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَاحِدًا. كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَيْهِ. لَكِنْ لَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ، بَلْ قَالُوا: يُمْنَعُ مِنْهُ. وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ.

فَإِنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يُوقَفُ تَصَرُّفُهُ. فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا بَطَلَ. وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُ بَقِيَّةَ مَالِهِ. قَالُوا: فَإِنْ مَاتَ: بَطَلَتْ تَصَرُّفَاتُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَبْلُغْ تَصَرُّفُهُ الثُّلُثَ: صَحَّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي قَدَّمَهَا، وَهِيَ الْمَذْهَبُ: يُقَرُّ بِيَدِهِ، وَتَنْفُذُ فِيهِ مُعَاوَضَاتُهُ، وَتُوقَفُ تَبَرُّعَاتُهُ، وَتُرَدُّ بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا. لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ يَصِيرُ فَيْئًا بِمَوْتِهِ مُرْتَدًّا. وَلَوْ كَانَ قَدْ بَاعَ شِقْصًا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ الْمُنَجَّزُ، وَبَيْعُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: فَإِنْ أَسْلَمَ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. لَكِنْ إنْ أَسْلَمَ: رُدَّ إلَيْهِ مِلْكًا جَدِيدًا. وَعَلَيْهَا أَيْضًا: لَا نَفَقَةَ لِأَحَدٍ فِي الرِّدَّةِ، وَلَا يُقْضَى دَيْنٌ تَجَدَّدَ فِيهَا. فَإِنْ أَسْلَمَ مَلَكَهُ إذَنْ، وَإِلَّا بَقِيَ فَيْئًا. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ، وَتُوقَفُ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. فَإِنْ أَسْلَمَ: أُمْضِيَتْ، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا فَسَادَهَا. وَعَلَى الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ: يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَتُقْضَى دُيُونُهُ. فَإِنْ أَسْلَمَ أَخَذَهُ أَوْ بَقِيَّتَهُ. وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ: يَقْضِي مِنْهُ مَا لَزِمَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، مِنْ دَيْنٍ وَنَحْوِهِ. وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةَ الرِّدَّةِ. وَقَالَهُ غَيْرُهُ.

فَائِدَةٌ: إنَّمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ. فَلَوْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ: صَحَّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَوْلُهُ (وَتُقْضَى دُيُونُهُ، وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ، وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) . قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ بَعْضٍ. قَوْلُهُ (وَمَا أَتْلَفَ مِنْ شَيْءٍ: ضَمِنَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الْمُرْتَدَّةِ: أَنْ لَا تَضْمَنَ مَا أَتْلَفَتْهُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَعَنْهُ: إنْ فَعَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مُرْتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ: لَا يَضْمَنُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي رِدَّتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي. وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَغَيْرُهُ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. لَكِنْ قَالَ: الْمَذْهَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ. فَعَلَى هَذِهِ: لَوْ جُنَّ بَعْدَ رِدَّتِهِ: لَزِمَهُ قَضَاءُ الْعِبَادَةِ زَمَنَ جُنُونِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ الْمُرْتَدَّةُ: فَإِنَّ الْوُجُوبَ يَسْقُطُ عَنْهَا قَوْلًا وَاحِدًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ " تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ قَبْلَ رِدَّتِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ "، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَنَقْضِ الْوُضُوءِ ". تَقَدَّمَ فِي بَابِ " نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ. ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا:

لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمَا، وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ: قُتِلَ) بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَحِقَ مُرْتَدٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ: فَهُوَ وَمَا مَعَهُ كَحَرْبِيٍّ، وَالْمُذْهَبُ الْمَنْصُوصُ: لَا يَتَنَجَّزُ جَعْلُ مَا بِدَارِنَا فَيْئًا، إنْ لَمْ يَصِرْ فَيْئًا بِرِدَّتِهِ. وَقِيلَ: يَتَنَجَّزُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ وُلِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخِلَافِ، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الرِّدَّةِ حَمْلًا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ.

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ. وَإِنْ اسْتَرَقَّ مَنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ: قُتِلَ إلَّا مَنْ عَلِقَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي الرِّدَّةِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَرِقَّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ مَاتَ أَبُو الطِّفْلِ أَوْ الْحَمْلِ، أَوْ أَبُو الْمُمَيِّزِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَرُبَّمَا اُدُّعِيَ فِيهِ إجْمَاعٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى وَذَكَرَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ إذَا مَاتَ أَبُوهُ. وَيَرِثُهُ أَبَوَاهُ. وَيَرِثُ أَبَوَيْهِ.

وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: إنْ كَفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمُسْلِمٌ. وَيَرِثُ الْوَلَدُ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْإِسْلَامِ. وَاخْتِلَافُ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ. وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ عُدِمَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ، كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ، أَوْ اشْتِبَاهِ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِوَلَدٍ كَافِرٍ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: أَوْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ. قُلْت: يُعَايَى بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِبَاهِ تَكُونُ الْقَافَةُ فِي هَذَا؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَهُ. وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرَا وَلَدَهُمَا، وَمَاتَ طِفْلًا: دُفِنَ فِي مَقَابِرِنَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» . قَالَ النَّاظِمُ: كَلَقِيطٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَرُدَّ الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمُرَادُ بِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، مَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ. وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ وُلِدَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ كَافِرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الْحَدِيثُ. وَفَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفِطْرَةَ. فَقَالَ: الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا: شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ: مِنْ كُفْرٍ أَوْ إسْلَامٍ. قَالَ: وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ مَعْنَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ حِينَ أَخَذَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَبِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا. وَإِنْ عَبَدَ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ.

اسْمِهِ. وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الطِّفْلُ إجْمَاعًا. وَنَقَلَ يُوسُفُ: الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ لَهُ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: هِيَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا، الْفِطْرَةُ الْأُولَى؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ أَبُو وَاحِدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ: فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ دَارِنَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَفِيهِ بُعْدٌ الثَّالِثَةُ: لَوْ أَسْلَمَ أَبَوَا مَنْ تَقَدَّمَ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَا جَدُّهُ وَلَا جَدَّتُهُ: حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ " إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، أَوْ مَعَهُمَا " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ " كِتَابِ الْجِهَادِ " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَقَرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . يَعْنِي: مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ يَقَرُّونَ بِجِزْيَةٍ أَمْ الْإِسْلَامِ. وَيَرِقُّ، أَمْ الْقَتْلِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ إحْدَاهُمَا: يَقَرُّونَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَقَرُّونَ. فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي. لِاقْتِصَارِهِمَا عَلَى حِكَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهِيَ رِوَايَةُ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ مَعَ حِكَايَةِ الرِّوَايَتَيْنِ: إذَا وَقَعَ أَبُو الْوَلَدِ فِي الْأَسْرِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ. وَإِنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: لَمْ نُقِرَّهَا. لِانْتِقَالِهِ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ. انْتَهَيَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَمْ نَرَهَا لِغَيْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا. نَقَلَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: وَعَنْهُ الْوَقْفُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ. انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةَ الْوَقْفِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ، لِلْأَخْبَارِ. وَمِثْلُهُمْ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا. فَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَوَجْهَانِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ يَتَّبِعُ أَبَوَيْهِ بِالْإِسْلَامِ كَصَغِيرٍ. فَيُعَايَى بِهَا. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمُ أَصَمُّ، وَصَارَ رَجُلًا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ هُوَ مَعَ أَبَوَيْهِ. وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ. ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَمَا صَارَ رَجُلًا. قَالَ: هُوَ مَعَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا. وَذَكَرَ فِي الْفُنُونِ عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا يُعَاقَبُ. وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ: لَا يُعَاقَبُ. وَقِيلَ: بَلَى، إنْ قِيلَ بِحَظْرِ الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُعَاقَبُ مُطْلَقًا. وَرَدَّهُ فِي الْفُرُوعِ الثَّانِيَةُ: لَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ، وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُمْ: فَهِيَ دَارُ حَرْبٍ. فَيُغْنَمُ مَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ الرِّدَّةِ. قَوْلُهُ (وَالسَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ الْمِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوُهُ) . كَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ. (يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَكْفُرُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.

وَكَفَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَمَلِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَمَلُهُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُفْرِهِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ يَفْسُقُ، وَيُقْتَلُ حَدًّا. فَائِدَةٌ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ السَّحَرَ حَلَالٌ: كَفَرَ قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِالْأَدْوِيَةِ، وَالتَّدْخِينِ، وَسَقْيِ شَيْءٍ يَضُرُّ: فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ. وَلَكِنْ يُعَزَّرُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْحَلْوَانِيُّ: إنْ قَالَ " سِحْرِي يَنْفَعُ وَأَقْدِرُ عَلَى الْقَتْلِ بِهِ ": قُتِلَ. وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ بِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَهُ تَعْزِيرُهُ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ (وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقَادُ مِنْهُ إنْ قَتَلَ غَالِبًا، وَإِلَّا الدِّيَةَ. وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ ". وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا هُنَاكَ فِي الْقِسْمِ الثَّامِنِ.

قَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّذِي يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعَهُ: فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ. وَلَكِنْ يُعَزَّرُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَذَكَرَ ابْنُ مُنَجَّا: أَنَّهُ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا، لَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِهِ الْقَتْلَ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حُكْمُ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ كَذَلِكَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي لَهُ رِئِيٌّ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ. وَالْعَرَّافُ: هُوَ الَّذِي يَحْدِسُ وَيَتَخَرَّصُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الْكَاهِنُ وَالْمُنَجِّمُ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّ ابْنَ عَقِيلِ فَسَّقَهُ فَقَطْ، إنْ قَالَ: أَصَبْت بِحَدْسِي وَفَرَاهَتِي. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَوْهَمَ قَوْمًا بِطَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ: فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ: مِنْ السِّحْرِ.

قَالَ: وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا. وَأَقَرَّ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ: أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ، وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ عَلَى أَنْ تَجْلِبَهُ الثَّالِثَةُ: الْمُشَعْبِذُ، الظَّاهِرُ: أَنَّهُ هُوَ وَالْقَائِلُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ، وَالضَّارِبُ بِحَصًى، وَشَعِيرٍ، وَقِدَاحٍ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالنَّظَرِ فِي أَلْوَاحِ الْأَكْتَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ: يُعَزَّرُ، وَيَكُفُّ عَنْهُ. وَإِلَّا كَفَرَ. الرَّابِعَةُ: يَحْرُمُ طِلْسَمٌ وَرُقْيَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ. وَقِيلَ: يَكْفُرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَيَحْرُمُ الرَّقْيُ وَالتَّعْوِيذُ بِطَلْسَمٍ وَعَزِيمَةٍ وَاسْمِ كَوْكَبٍ وَخَرَزٍ، وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. الْخَامِسَةُ: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَلِّ الْمَسْحُورِ بِسِحْرٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَلِّ. وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ. وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيهِ مَسْحُورَةً فَيُطْلِقَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ. قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كُرِهَ فِعَالُهُ. وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا. وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ فِعْلَهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَيَحْرُمُ الْعَطْفُ وَالرَّبْطُ، وَكَذَا الْحَلُّ بِسِحْرٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْحَلُّ. وَقِيلَ: يُبَاحُ بِكَلَامٍ مُبَاحٍ. السَّادِسَةُ: قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَذَلِكَ شَائِعٌ عَامٌّ فِي النَّاسِ.

وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٍ حَصَلَ بِهَا الْقَتْلُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا قَالَهُ غَرِيبٌ. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ. فَأَشْبَهَ السِّحْرَ. وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ: أَنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيَنْتِجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرُ، أَوْ أَكْثَرُ. فَيُعْطَى حُكْمُهُ، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ. لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةٍ سَبَقَتْ. فَهُنَا أَوْلَى، أَوْ الْمُمْسِكُ لِمَنْ يَقْتُلُ: فَهَذَا مِثْلُهُ. انْتَهَى. السَّابِعَةُ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا فِي السَّاحِرِ الْمُسْلِمِ. فَأَمَّا السَّاحِرُ الْكِتَابِيُّ: فَلَا يُقْتَلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُقْتَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُقْتَلُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِهِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ " الزِّنْدِيقُ وَالسَّاحِرُ كَيْفَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا؟ " أَنْ يُقْتَلَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: يُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ.

كتاب الأطعمة

[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] ِ قَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِيهَا: الْحِلُّ. فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهَا) حَتَّى الْمِسْكَ. وَقَدْ سَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ الْمِسْكِ: يُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ وَيَشْرَبُهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: حَتَّى شَعَرَ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: الصَّحْنَاءُ سَحِيقُ الْمِسْكِ، مُنْتِنٌ فِي غَايَةِ الْخُبْثِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: حِلُّ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ الْمُسَوِّسَةِ وَالْمُدَوِّدَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَيُبَاحُ أَيْضًا أَكْلُ دُودِهَا مَعَهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُبَاحُ أَكْلُ فَاكِهَةٍ مُسَوِّسَةٍ وَمُدَوِّدَةٍ بِدُودِهَا، أَوْ بَاقِلَاءَ بِذُبَابِهِ وَخِيَارٍ وَقِثَّاءٍ، وَحُبُوبٍ، وَخَلٍّ بِمَا فِيهِ. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ. قَالَ فِي الْآدَابِ: وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا النَّجَاسَاتُ كَالْمَيِّتَةِ، وَالدَّمِ، وَغَيْرِهِمَا وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ مِنْ السُّمُومِ وَنَحْوِهَا: فَمُحَرَّمَةٌ) . وَيَأْتِي مَيِّتَةُ السَّمَكِ وَنَحْوِهِ فِي أَوَّلِ " بَابِ الذَّكَاةِ "، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً: أَنَّ السُّمُومَ نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ. وَكَذَا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ.

وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: مَا يَضُرُّ كَثِيرُهُ يَحِلُّ يَسِيرُهُ. قَوْلُهُ (وَالْحَيَوَانَاتُ مُبَاحَةٌ، إلَّا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ، وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ) . سِوَى الضَّبُعِ مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْعُدْوَانِ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا بَدَأَ بِالْعُدْوَانِ. قَوْلُهُ (كَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَابْنِ آوَى، وَالسِّنَّوْرِ، وَابْنِ عُرْسٍ، وَالنِّمْسِ، وَالْقِرْدِ) . مُرَادُهُ هُنَا بِالسِّنَّوْرِ: السِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ. بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ يُشْبِهُ السِّبَاعَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا الْكَرَاهَةُ. وَجَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِيَاسًا، وَأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: يَعُمُّهَا اللَّفْظُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " فِيمَا لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ " الدُّبَّ. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ النِّهَايَةِ: لَا يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْرُمُ دُبٌّ.

وَقِيلَ: كَبِيرٌ لَهُ نَابٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. يَعْنِي: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ. فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ فِي الْحَالِ لِصِغَرِهِ. وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ نَابٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي: وَيَحْرُمُ دُبٌّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: كَبِيرٌ. فَظَاهِرُ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ " نَصَّ عَلَيْهِ " سَهْوٌ. وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: الْفِيلَ. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: هُوَ سَبُعٌ. وَيَعْمَلُ بِأَنْيَابِهِ كَالسَّبُعِ. وَنَقَلَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ) . يَعْنِي يَحْرُمُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ. وَجَعَلَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رِوَايَتَيْ الْجَلَّالَةِ. وَقَالَ: عَامَّةُ أَجْوِبَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمٌ. وَقَالَ: إذَا كَانَ مَا يَأْكُلُهَا مِنْ الدَّوَابِّ السِّبَاعُ: فِيهِ نِزَاعٌ. أَوْ لَمْ يُحَرِّمُوهُ. وَالْخَبَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَمِنْ الطَّيْرِ أَوْلَى. قَوْلُهُ (كَالنَّسْرِ، وَالرَّخَمِ، وَاللَّقْلَقِ) وَكَذَا الْعَقْعَقُ (وَغُرَابُ الْبَيْنِ، وَالْأَبْقَعُ) .

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: تَحْرِيمُ غُرَابِ الْبَيْنِ، وَالْأَبْقَعِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي الْغُرَابِ: لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ الْجِيَفَ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمَانِ إنْ لَمْ يَأْكُلَا الْجِيَفَ. قَالَ الْخَلَّالُ: الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ مُبَاحَانِ، إذَا لَمْ يَأْكُلَا الْجِيَفَ. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَوْلُهُ (وَمَا يُسْتَخْبَثُ) أَيْ تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ: لَا أَثَرَ لِاسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ. وَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّرْعُ حَلَّ، وَاخْتَارَهُ. وَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ " يَحْرُمُ " الْخِرَقِيُّ. وَأَنَّ مُرَادَهُ: مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ؛ لِأَنَّهُ تَبِعَ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ حَرَّمَهُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: الِاعْتِبَارُ بِمَا يَسْتَخْبِثُهُ ذَوُو الْيَسَارِ مِنْ الْعَرَبِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ ذَوُو الْيَسَارِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقِيلَ: مَا كَانَ يُسْتَخْبَثُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالُوا: فِي الْقُرَى، وَالْأَمْصَارِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي الْقُرَى. وَقِيلَ: مَا يُسْتَخْبَثُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا يَسْتَخْبِثُهُ ذَوُو الْيَسَارِ وَالْمُرُوءَةِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. قَوْلُهُ (كَالْقُنْفُذِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقُنْفُذَ بِأَنَّهُ بَلَغَهُ بِأَنَّهُ مُسِخَ. أَيْ لَمَّا مُسِخَ عَلَى صُورَتِهِ دَلَّ عَلَى خُبْثِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَالْفَأْرِ) ؛ لِكَوْنِهَا فُوَيْسِقَةً. نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْحَيَّاتِ) ؛ لِأَنَّ لَهَا نَابًا مِنْ السِّبَاعِ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَالْعَقَارِبِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْمُحَرَّمِ أَيْضًا: الْوَطْوَاطُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْخُشَّافُ، وَالْخُفَّاشُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْرُمُ خُفَّاشٌ. وَيُقَالُ: خَشَّافٌ. وَهُوَ الْوَطْوَاطُ. وَقِيلَ: بَلْ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: الْخُفَّاشُ صَغِيرٌ، وَالْوَطْوَاطُ كَبِيرٌ. رَأْسُهُ كَرَأْسِ الْفَأْرَةِ، وَأُذُنَاهُ أَطْوَلُ مِنْ أُذُنَيْهَا، وَبَيْنَ جَنَاحَيْهِ فِي ظَهْرِهِ مِثْلُ كِيسٍ يَحْمِلُ فِيهِ تَمْرًا كَثِيرًا، وَطَبُّوعٌ. وَقُرَادٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَالْخُشَّافُ: هُوَ الْوَطْوَاطُ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الزُّنْبُورُ وَالنَّحْلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ رِوَايَةً: لَا يَحْرُمُ الزُّنْبُورُ وَالنَّحْلُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ الزُّنْبُورُ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: فِي خُفَّاشٍ وَخَطَّافٍ وَجْهَانِ. وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخُشَّافَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَالْحَشَرَاتِ) الذُّبَابُ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْلُ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا قَرِيبًا. فَائِدَةٌ: لَوْ اشْتَبَهَ مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ: غَلَبَ التَّحْرِيمُ. قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ. كَالْبَغْلِ، وَالسِّمْعِ وَلَدِ الضَّبُعِ مِنْ الذِّئْبِ وَالْعِسْبَارِ، وَلَدِ الذِّئْبَةِ مِنْ الذَّيْخِ) . وَهُوَ ذَكَرُ الضَّبُعَانِ الْكَثِيرُ الشَّعْرِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ تَمَيَّزَ كَحَيَوَانٍ مِنْ نَعْجَةٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الْمَأْكُولَيْنِ مُبَاحٌ. وَهُوَ صَحِيحٌ، كَبَغْلٍ مِنْ وَحْشٍ وَخَيْلٍ. لَكِنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ، كَذُبَابِ الْبَاقِلَّاءِ. فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لَا أَصْلًا. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ كَذُبَابٍ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَاقِلَّاءِ الْمُدَوِّدِ يَجْتَنِبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْهُ فَأَرْجُو. وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوِّدِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا عَلِمَهُ. وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ الذُّبَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ (وَفِي الثَّعْلَبِ، وَالْوَبَرِ، وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ، وَالْيَرْبُوعِ: رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَمَّا الثَّعْلَبُ: فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحْرِيمُ الثَّعْلَبِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِيهِ إلَّا عَطَاءً. وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْك فَدَعْهُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: وَالثَّعْلَبُ مُبَاحٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْخِرَقِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَأَمَّا سِنَّوْرُ الْبَرِّ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ سِنَّوْرُ بَرٍّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْإِشَارَةِ لِلشِّيرَازِيِّ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَأَمَّا الْوَبَرُ وَالْيَرْبُوعُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا مُبَاحَانِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَحْرُمُ وَبَرٌ وَيَرْبُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يُبَاحُ الْيَرْبُوعُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمَانِ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِتَحْرِيمِ الْيَرْبُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ الْوَبَرُ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُحَرَّرِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: فِي هُدْهُدٍ وَصُرَدٍ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: يَحْرُمَانِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ فِي الْأُولَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

الثَّانِيَةُ: فِي الْغُدَافِ وَالسِّنْجَابِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَحْرُمَانِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِتَحْرِيمِ الْغُدَافِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ: لَا يُؤْكَلُ الْغُدَافُ. وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْغُدَافُ مُحَرَّمٌ، وَنَسَبَهُ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمَانِ، وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْغُدَافَ لَا يَحْرُمُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْرُمُ السِّنْجَابُ. وَمَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إلَى إبَاحَةِ السِّنْجَابِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فِي السِّنَّوْرِ وَالْفَنَكِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَحْرُمُ. الرَّابِعَةُ: فِي الْخَطَّافِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ فِي النَّظْمِ فِي مَوْضِعٍ بِالتَّحْرِيمِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْأَوْلَى التَّحْرِيمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ. الْخَامِسَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَمَا لَمْ يَكُنْ ذُكِرَ فِي نَصِّ الشَّرْعِ، وَلَا فِي عُرْفِ الْعَرَبِ: يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ. فَإِنْ كَانَ بِالْمُسْتَطَابِ أَشْبَهَ: أَلْحَقْنَاهُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ بِالْمُسْتَخْبَثِ أَشْبَهَ: أَلْحَقْنَاهُ.

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُسَمًّى بِاسْمِ حَيَوَانٍ خَبِيثٍ. قَوْلُهُ (وَمَا عَدَا هَذَا: مُبَاحٌ. كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَيْلِ) . الْخَيْلُ مُبَاحَةٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْبِرْذَوْنِ رِوَايَةٌ بِالْوَقْفِ. قَوْلُهُ (وَالزَّرَافَةُ) . يَعْنِي أَنَّهَا مُبَاحَةٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُبَاحُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَصَحُّ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ سَهْوٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَحَرَّمَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. وَأَبَاحَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعَنْهُ: الْوَقْفُ. قَوْلُهُ (وَالْأَرْنَبُ) . يَعْنِي أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَالضَّبُعُ) . أَعْنِي: أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ. ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ عُرِفَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَكَالْجَلَّالَةِ. قُلْت: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ. قَوْلُهُ (وَالزَّاغُ، وَغُرَابُ الزَّرْعِ) . يَعْنِي: أَنَّهُمَا مُبَاحَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: غُرَابُ الزَّرْعِ: أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلِ. وَقِيلَ: غُرَابُ الزَّرْعِ، وَالزَّاغُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَقِيلَ: غُرَابُ الزَّرْعِ أَسْوَدُ كَبِيرٌ. تَنْبِيهٌ آخَرُ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَسَائِرُ الطَّيْرِ " الطَّاوُوسُ. وَهُوَ مُبَاحٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَدَخَلَ أَيْضًا الْبَبَّغَاءُ. وَهِيَ مُبَاحَةٌ. صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَجَمِيعُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ) يَعْنِي مُبَاحَةً (إلَّا الضُّفْدَعَ، وَالْحَيَّةَ، وَالتِّمْسَاحَ) .

أَمَّا الضُّفْدَعُ: فَمُحَرَّمَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا الْحَيَّةُ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ جَمِيعُهُ، إلَّا الضُّفْدَعَ وَالتِّمْسَاحَ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إبَاحَةُ الْحَيَّةِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ كُلُّهُ إلَّا الضُّفْدَعَ. وَفِي التِّمْسَاحِ رِوَايَتَانِ. فَظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَأَمَّا التِّمْسَاحُ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمُبَاحِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَالتِّمْسَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِصَالِهِ، وَرُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُبَاحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ: فَمُبَاحٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَإِلَّا الْكَوْسَجَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مَعَ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ: لَا يُبَاحُ مِنْ الْبَحْرِيِّ مَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ، كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَإِنْسَانِهِ. وَكَذَا كَلْبُهُ وَبَغْلُهُ وَحِمَارُهُ وَنَحْوُهَا. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ. وَحَكَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا: رِوَايَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ. فَلَعَلَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ. قَوْلُهُ (وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةُ وَلَبَنُهَا، وَبَيْضُهَا، حَتَّى تُحْبَسَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا تَحْرِيمَ الْجَلَّالَةِ، وَأَنَّ مِثْلَهَا خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَوْلُهُ (وَتُحْبَسُ ثَلَاثًا) . يَعْنِي تُطْعَمُ الطَّاهِرَ وَتُمْنَعُ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يُحْبَسُ الطَّائِرُ ثَلَاثًا وَالشَّاةُ سَبْعًا. وَمَا عَدَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَحُكِيَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: رِوَايَةً أَنَّ مَا عَدَا الطَّائِرَ يُحْبَسُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَعَنْهُ: تُحْبَسُ الْبَقَرَةُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ وَهْمٌ. وَقَالَهُ ابْنُ بَطَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ الْكُلُّ أَرْبَعِينَ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الشَّالَنْجِيِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُكُوبَهَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يُذْبَحُ، أَوْ لَا يُحْلَبُ قَرِيبًا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ الْحَكَمِ. وَاحْتَجَّ بِكَسْبِ الْحَجَّامِ وَبِاَلَّذِينَ عَجَنُوا مِنْ آبَارِ ثَمُودَ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَحْرِيمَ عَلْفِهَا مَأْكُولًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا كَغَيْرِ مَأْكُولٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَخَصَّهُمَا فِي التَّرْغِيبِ بِطَاهِرٍ مُحَرَّمٍ، كَهِرٍّ. قَوْلُهُ (وَمَا سُقِيَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنْ الزَّرْعِ، وَالثَّمَرِ: مُحَرَّمٌ) .

وَيَنْجَسُ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مُحَرَّمٍ. بَلْ يَظْهَرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ لَبَنًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. فَوَائِدُ مِنْهَا: يُكْرَهُ أَكْلُ التُّرَابِ وَالْفَحْمِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْلَ الطِّينِ لِضَرَرِهِ وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَكْلَهُ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ. نَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ. وَمِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ الْوَلِيمَةِ " كَرَاهَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْخُبْزِ الْكِبَارِ. وَوَضْعِهِ تَحْتَ الْقَصْعَةِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ اللَّحْمِ النِّيءِ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. وَكَذَا اللَّحْمُ الْمُنْتِنِ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا: يُكْرَهُ. وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا. قُلْت: الْكَرَاهَةُ فِي اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ أَشَدُّ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ أَكْلُ الْغُدَّةِ وَأُذُنِ الْقَلْبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ: يَحْرُمُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أُذُنِ الْقَلْبِ» . وَهُوَ هَكَذَا.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «كَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلَ الْغُدَّةِ» . وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَبًّا دِيسَ بِالْحُمُرِ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدُوسُوهُ بِهَا. وَقَالَ حَرْبٌ: كَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَهَذَا الْحَبُّ كَطَعَامِ الْكَافِرِ وَمَتَاعِهِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يُبَاعُ، وَلَا يُشْتَرَى، وَلَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُغْسَلَ. وَمِنْهَا: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْلَ ثُومٍ وَبَصَلٍ وَكُرَّاثٍ وَنَحْوِهِ، مَا لَمْ يُنْضَجْ بِالطَّبْخِ. وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي. وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ. وَمِنْهَا: يُكْرَهُ مُدَاوَمَةُ أَكْلِ اللَّحْمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا: حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا إذَا اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ فِي الْحَضَرِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ رِوَايَةً. وَعَنْهُ: إنْ خَافَ فِي السَّفَرِ: أَكَلَ، وَإِلَّا فَلَا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: الِاضْطِرَارُ هُنَا: أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: أَوْ خَافَ ضَرَرًا.

وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: أَوْ مَرَضًا، أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ خَافَ طُولَ مَرَضِهِ فَوَجْهَانِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ " يَعْنِي: وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وِفَاقًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: يُبَاحُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ لِذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَشْبَعَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقِيلَ: لَهُ الشِّبَعُ إنْ دَامَ خَوْفُهُ. وَهُوَ قَوِيٌّ. وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً. فَيَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ. وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَمِرَّةً، فَلَا يَجُوزُ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: هَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي جَوَازِ شِبَعِهِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَوَّزَ جَمَاعَةٌ التَّزَوُّدَ مِنْهُ مُطْلَقًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: يَتَزَوَّدُ إنْ خَافَ الْحَاجَةَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: يَجِبُ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يَجِبُ وَلَا يَأْثَمُ. وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ. كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْآبِقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَهُ ذَلِكَ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ. الرَّابِعَةُ: حُكْمُ الْمُحَرَّمَاتِ حُكْمُ الْمَيْتَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَمَيْتَةً، أَوْ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ثَلَاثَ جِنَايَاتٍ: صَيْدُهُ، وَذَبْحُهُ، وَأَكْلُهُ. وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ فِيهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالصَّيْدُ إذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلِيٌّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا: خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: الْمَيْتَةُ أَوْلَى، إنْ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُقَدَّمُ الطَّعَامُ وَلَوْ بِقِتَالِهِ، ثُمَّ الصَّيْدُ، ثُمَّ الْمَيْتَةُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ وَجَدَ لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ وَمَيْتَةً: أَكَلَ لَحْمَ الصَّيْدِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَيَتَمَيَّزُ الصَّيْدُ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَفِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي نَظَرٌ، وَعَلَّلَهُ. ثُمَّ قَالَ: وَجَدْت أَبَا الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: اخْتَارَ أَكْلَ الْمَيْتَةِ. وَعَلَّلَهُ بِمَا قَالَهُ. وَلَوْ وَجَدَ بَيْضَ صَيْدٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَلَا يَكْسِرُهُ وَيَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّ كَسْرَهُ جِنَايَةٌ كَذَبْحِ الصَّيْدِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَيْتَةً: أَكَلَ الطَّعَامَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُحَرَّرِ. قُلْت: يُتَوَجَّهُ أَنْ يَأْكُلَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، كَمَا فِي نَظَائِرِهَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَبَهَتْ مَسْلُوخَتَانِ: مَيْتَةٌ وَمُذَكَّاةٌ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا: تَحَرَّى الْمُضْطَرُّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأَكْلُ بِلَا تَحَرٍّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ وَجَدَ مَيِّتَتَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي إحْدَاهُمَا: أَكَلَهَا دُونَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ: فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ خَافَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ: فَهَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا: إمْسَاكُهُ. فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: إنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ، فَهَلْ لَهُ إيثَارُهُ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهُدَى فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَأَنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ

قَوْلُهُ (وَإِلَّا لَزِمَهُ: بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُعْسِرًا. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. تَنْبِيهَانِ إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِلَّا لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ " أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ زِيَادَةً لَا تُجْحِفُ. لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَهُ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ: لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالِانْتِصَارِ: قَرْضًا بِعِوَضِهِ. وَقِيلَ: مَجَّانًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَالْمَنْفَعَةِ فِي الْأَشْهَرِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى: فَلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا، وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ) . كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُعْطِيهِ ثَمَنَهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَبَى أَخَذَهُ بِالْأَسْهَلِ، ثُمَّ قَهْرًا. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَنَعَهُ: فَلَهُ قِتَالُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي قِتَالِهِ وَجْهَانِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَكْرَهُ مُقَاتَلَتَهُ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِمُقَاتَلَتِهِ: لَمْ يُقَاتِلْهُ. فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ بَادَرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ فَبَاعَهُ، أَوْ رَهَنَهُ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي الرَّهْنِ: يَصِحُّ. وَيَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَالْبَائِعُ مِثْلُهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الطَّلَبِ وَبَعْدَهُ. قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بَعْدَ الطَّلَبِ، لِوُجُوبِ الدَّفْعِ. بَلْ لَوْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، مَعَ عِلْمِهِ بِاضْطِرَارِهِ: لَمْ يَبْعُدْ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا يَجِبُ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَذَلَهُ بِأَكْثَرَ مَا يَلْزَمُهُ: أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ مُقَاتَلَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقَاتِلُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا عَلَى احْتِمَالٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا بِعَقْدِ رِبًا، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ: نَعَمْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَهْرِهِ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يُتِمَّ عَقْدَ الرِّبَا. فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ نَسَاءً: عَزَمَ عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَوْ قِيلَ: إنَّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ صُورَةَ الرِّبَا وَلَا يُقَاتِلَهُ وَيَكُونَ كَالْمُكْرَهِ، فَيُعْطِيَهُ مِنْ عَقْدِ الرِّبَا صُورَتَهُ لَا حَقِيقَتَهُ لَكَانَ أَقْوَى. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَالْحَرْبِيِّ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ: حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ أَكْلُهُ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا: فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ، وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفْصَاحِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَأْكُلْهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا اخْتِيَارُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَكْلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ، عَنْ حَنْبَلٍ: إنَّهُ لَا يَحْرُمُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، لِدَفْعِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ، أَوْ اسْتِقَاءِ مَاءٍ وَنَحْوِهِ: وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَجِبُ لَهُ الْعِوَضُ كَالْأَعْيَانِ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي " الْجَنَائِزِ " يُقَدَّمُ حَيٌّ اُضْطُرَّ إلَى سُتْرَةٍ لِبَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ عَلَى تَكْفِينِ مَيِّتٍ. فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ لِلْمَيِّتِ: اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْحَيُّ أَيْضًا. وَلَمْ يُذْكَرْ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا نَاظِرَ عَلَيْهِ: فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا يَحْمِلُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالسَّبْعِينَ: هَذَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَقَالَ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوجَزِ " لَا حَائِطَ عَلَيْهِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَسِيلَةِ " لَا نَاظِرَ عَلَيْهِ ". وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: يَأْكُلُ الْمُتَسَاقِطَ، وَلَا يَرْمِي بِحَجَرٍ. وَلَمْ يُثْبِتْهَا الْقَاضِي. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ مُطْلَقًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ. ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ، كَالْمَجْمُوعِ الْمَجْنِيِّ. وَعَنْهُ: يُبَاحُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ تُحْمَلُ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الْحَاجَةِ. وَجَوَّزَهُ فِي التَّرْغِيبِ لِمُسْتَأْذِنٍ ثَلَاثًا لِلْخَبَرِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ رَمْيُ الشَّجَرِ بِشَيْءٍ. وَلَا يَضُرُّ بِهِ وَلَا يَحْمِلُ، نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَكْلَ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَكَلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ، اخْتَارَهُ فِي الْمُبْهِجِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْأَكْلَ، فَالْأَوْلَى: تَرْكُهُ إلَّا بِإِذْنٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَفِي الزَّرْعِ وَشُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ: رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي: إذَا أَبَحْنَا الْأَكْلَ مِنْ الثِّمَارِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. إحْدَاهُمَا: لَهُ ذَلِكَ كَالثَّمَرَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي لَبَنِ الْمَاشِيَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَهُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَابَعَهُ: يَلْحَقُ بِالزَّرْعِ الْبَاقِلَّاءُ وَالْحِمَّصُ وَشَبَهُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا، بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ: وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّكَاةِ: مِنْ الْوَضْعِ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ خَرْصِ الثَّمَرَةِ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعِ. وَلَا يُتْرَكُ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ إلَّا مَا الْعَادَةُ أَكْلُهُ فَرِيكًا. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ الْآتِي. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَيْلَةً، وَالْأَشْهَرُ: وَيَوْمًا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ لَيْلَةً فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. لَكِنْ قَالَ: الْأَوَّلُ الْأَشْهَرُ. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَنَقَلَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الضِّيَافَةِ. لِلْغُزَاةِ خَاصَّةً، عَلَى مَنْ يَمُرُّونَ بِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَاوِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ " " هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا، أَوْ بِالشَّرْطِ؟ ". تَنْبِيهٌ: فِي قَوْلِهِ " الْمُجْتَازِ بِهِ " إشْعَارٌ بِأَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا حَقَّ لِحَاضِرٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

فَإِنَّ عِبَارَتَهُمْ مِثْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ كَالْمُسَافِرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نُصُوصِهِ: وَحَاضِرٌ. وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: يُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَازُ فِي الْقُرَى. فَإِنْ كَانَ فِي الْأَمْصَارِ: لَمْ تَجِبْ الضِّيَافَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْأَمْصَارُ كَالْقُرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي مِصْرٍ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ " أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِلذِّمِّيِّ إذَا اجْتَازَ بِالْمُسْلِمِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ النَّوَاوِيَّةِ: وَخَصَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبَ بِالْمُسْلِمِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: هُوَ كَمُسْلِمٍ فِي ذَلِكَ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ قَوْلٌ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ النَّوَاوِيَّةِ. وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَى: فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ) بِلَا نِزَاعٍ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَائِدَةٌ: إذَا امْتَنَعَ مِنْ الضِّيَافَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ: جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَأْخُذُ إلَّا بِعِلْمِهِمْ، يُطَالِبُهُمْ بِقَدْرِ حَقِّهِ. قُلْت: النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. . قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ ضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَمَا زَادَ: فَهُوَ صَدَقَةٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ: أَنَّهَا تُحَبُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَسْجِدًا، أَوْ رِبَاطًا يَبِيتُ فِيهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَأَوْجَبَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ: إنْزَالَهُ فِي بَيْتِهِ مُطْلَقًا كَالنَّفَقَةِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: الضِّيَافَةُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ مَعَ الْأُدْمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمَعْرُوفُ عَادَةً. قَالَ: كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَرَقِيقٍ. وَفِي الْوَاضِحِ: وَلِفَرَسِهِ أَيْضًا تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ يَعْنِي: وَيَجِبُ شَعِيرٌ كَالتِّبْنِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ضِيَافَتِهِمْ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِيَةُ: مَنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ قَسْمُهُ، لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ فِي " الْوَلِيمَةِ " أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُ الطَّعَامِ بِلَا إذْنٍ عَلَى الصَّحِيحِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ: فَهُوَ مَذْمُومٌ مُبْتَدِعٌ. وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: فَكَذِبٌ.

باب الذكاة

[بَابُ الذَّكَاةِ] ِ قَوْلُهُ (لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ: بِغَيْرِ ذَكَاةٍ) . إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَرِّ. فَهَذَا لَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ تَذْكِيَةِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَإِنْ كَانَ مَأْوَاهُ الْبَحْرَ، وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَكَلْبِ الْمَاءِ وَطَيْرِهِ، وَالسُّلَحْفَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُبَاحُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ صَحَّحَهَا تَحِلُّ مَيْتَةُ كُلِّ بَحْرِيٍّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْبَحْرِيِّ: يَحِلُّ بِذَكَاةٍ أَوْ عَقْرٍ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ الطَّيْرَ يُشْتَرَطُ ذَبْحُهُ. قَوْلُهُ (إلَّا الْجَرَادَ وَشَبَهَهُ، وَالسَّمَكَ وَسَائِرَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ طَافِيًا. وَعَنْهُ فِي السَّرَطَانِ وَسَائِرِ الْبَحْرِيِّ: أَنَّهُ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِلَا ذَكَاةٍ. انْتَهَى. وَعَنْهُ فِي الْجَرَادِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ. كَكَبْسِهِ وَتَغْرِيقِهِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ السَّمَكُ الطَّافِي، وَنُصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَتَقَذَّرْهُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ.

وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ مَيْتَةُ بَحْرِيٍّ سِوَى السَّمَكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ جَمَاعَةٍ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ سَمَكٌ وَجَرَادٌ صَادَهُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الْخَلِّ وَالْبَاقِلَّاءِ. فَيَحِلُّ بِمَوْتِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالذُّبَابِ. وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ: لَمْ يَكُنْ نَجِسًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: بَلَى. وَعَنْهُ: نَجِسٌ مَعَ دَمٍ. . الثَّانِيَةُ: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَيَّ السَّمَكِ الْحَيِّ، لَا الْجَرَادِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِمَا: يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْجَرَادِ: لَا بَأْسَ بِهِ. مَا أَعْلَمُ لَهُ وَلَا لِلسَّمَكِ ذَكَاةً. الثَّالِثَةُ: يَحْرُمُ بَلْعُهُ حَيًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُكْرَهُ. . قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا) ؛ لِيَصِحَّ قَصْدُهُ التَّذْكِيَةَ وَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَذَبْحِ مَغْصُوبٍ وَقَدْ دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَقْلَفُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ. فَائِدَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ هُنَا: لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْأَكْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: لَوْ تَلَاعَبَ بِسِكِّينٍ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ، فَصَارَ ذَبْحًا، وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ أَكْلِهَا: لَمْ تُبَحْ. وَعَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ مَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ لِصَوْلِهِ: بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَكْلَهُ. كَمَا لَوْ وَطِئَهُ آدَمِيٌّ إذَا قُتِلَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: كَذَبْحِهِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: إذَا ذَبَحَهُ لِيُخَلِّصَ مَالَ غَيْرِهِ مِنْهُ بِقَصْدِ الْأَكْلِ لَا التَّخَلُّصِ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَكْلَ. أَوْ قَصَدَ حِلَّ يَمِينِهِ: لَمْ يُبَحْ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَجَمَاعَةٌ: اعْتِبَارَ إرَادَةِ التَّذْكِيَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ يَكْفِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (مُسْلِمًا، أَوْ كِتَابِيًّا، وَلَوْ حَرْبِيًّا. فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ بَنِي تَغْلِبَ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ)

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِيهِمَا. أَمَّا ذَبِيحَةُ بَنِي تَغْلِبَ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَتُهَا. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ": وَتَحِلُّ مُنَاكَحَةُ وَذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هُمَا فِي بَقِيَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ. انْتَهَى، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: إبَاحَةَ ذَبِيحَةِ بَنِي تَغْلِبَ. وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا الْخِرَقِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِيهِمْ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ". وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَفِي نَصَارَى الْعَرَبِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقُوهُمَا. وَأَمَّا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ: فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ قَدَّمَ إبَاحَةَ ذَبْحِهِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ كَالْمُصَنِّفِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تُبَاحُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ ": وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ فَاخْتَارَ دِينَهُ، فَالْأَشْهَرُ: تَحْرِيمُ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبِيحَتِهِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَلَا تَحِلُّ ذَكَاةُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مَجُوسِيٌّ أَوْ وَثَنِيٌّ أَوْ كِتَابِيٌّ لَمْ يَخْتَرْ دِينَهُ. وَعَنْهُ: أَوْ اخْتَارَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: إنْ أَقَرَّ حَلَّ ذَبْحُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: فَإِنْ انْتَقَلَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ إلَى دِينٍ يُقِرُّ أَهْلُهُ بِكِتَابٍ وَجِزْيَةٍ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ: حَلَّتْ ذَكَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ " وَمَنْ أَقْرَرْنَاهُ عَلَى تَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصُّرٍ مُتَجَدِّدٍ: أَبَحْنَا ذَبِيحَتَهُ وَمُنَاكَحَتَهُ. وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَشَكَكْنَا: هَلْ كَانَ مِنْهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ قُبِلَتْ جِزْيَتُهُ، وَحَرُمَتْ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَنْ تَدَيَّنَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ قَدْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَسَوَاءٌ كَانَ دُخُولُهُ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ. وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَهُمْ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَدِيمٌ. انْتَهَى، وَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ ذَبِيحَةَ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ: غَيْرُ مُبَاحَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ صَيْدُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي الصَّائِبَةِ رِوَايَتَانِ. مَأْخَذُهُمَا: هَلْ هُمْ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَمْ لَا؟

وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ " هُمْ يَسْبِتُونَ " جَعَلَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ، وَكُلُّ مَنْ يَصِيرُ إلَى كِتَابٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَذْبَحَ الْيَهُودِيُّ الْإِبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ الَّذِي لَا يَخَافُ بِخِتَانِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ فِي الْأَقْلَفِ لَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ. وَهِيَ مِنْ تَمَامِ الْإِسْلَامِ. وَنَقَلَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ: لَا بَأْسَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُكْرَهُ مِنْ جُنُبٍ وَنَحْوِهِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَذْبَحُ الْجَنْبُ. وَنَقَلَ أَيْضًا فِي الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَعَنْهُ: تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الْأَقْلَفِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَوْلُهُ. (وَلَا تُبَاحُ ذَكَاةُ مَجْنُونٍ، وَلَا سَكْرَانَ) . أَمَّا الْمَجْنُونُ: فَلَا تُبَاحُ ذَكَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تُبَاحُ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (وَلَا طِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ) . إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ: فَلَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ. فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا: أُبِيحَتْ ذَبِيحَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَأَنَاطَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّمْيِيزِ. وَقَالَ فِي الْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ ابْنِ دُونَ عَشْرٍ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: تُبَاحُ إنْ كَانَ مُرَاهِقًا. قَوْلُهُ (وَلَا مُرْتَدٍّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: تَحِلُّ ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إلَى أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْآلَةُ. وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِمُحَدَّدٍ. سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ: حَلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْحِلُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَحِلُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ الْآلَةِ الْمَغْصُوبَةِ سِكِّينٌ ذَهَبٌ وَنَحْوِهَا.

ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُوجَزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ الْمَغْصُوبُ لِرَبِّهِ وَغَيْرِهِ. إذَا ذَكَّاهُ غَاصِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ، سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَغَيْرُهُ أَوْلَى، كَغَاصِبِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقِيلَ: إنَّهُ مَيْتَةٌ. حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ عَيْنُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَكَاةِ مِلْكِهِ، فَفَعَلَ: حَلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَكْرَهَهُ رَبُّهُ عَلَى ذَبْحِهِ، فَذَبَحَهُ: حَلَّ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إلَّا السِّنَّ " أَنَّهُ يُبَاحُ الذَّبْحُ بِالْعَظْمِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إبَاحَةَ الذَّبْحِ بِهِ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَتَجُوزُ الذَّكَاةُ بِكُلِّ آلَةٍ لَهَا حَدٌّ يَقْطَعُ وَيَنْهَرُ الدَّمَ، إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ الذَّبْحُ بِهِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ: وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ التَّذْكِيَةِ بِالْعِظَامِ: إمَّا لِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا، وَإِمَّا لِتَنْجِيسِهِ عَلَى مُؤْمِنِي الْجِنِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ بِعَظْمٍ، وَلَوْ بِسَهْمٍ نَصْلُهُ عَظْمٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: الْأَوْلَى قَطْعُ الْجَمِيعِ. وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ قَطْعُ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ. وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. وَقَالَ فِي الْإِشَارَةِ: الْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْكَافِي أَيْضًا: يَكْفِي قَطْعُ الْأَوْدَاجِ. فَقَطْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْحُلْقُومِ، أَوْ الْمَرِيءِ: أَوْلَى بِالْحِلِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَهُ فِي الْأُولَى رِوَايَةً وَذَكَرَ وَجْهًا: يَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَقْوَى. وَسُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً، فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ، لَكِنْ فَوْقَ الْجَوْزَةِ؟ فَأَجَابَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا تَحِلُّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، حَيْثُ أَطْلَقُوا الْإِبَاحَةَ بِقَطْعِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي اعْتِبَارِ إبَانَةِ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مُحْتَمَلٌ. قَالَ: وَيَقْوَى عَدَمُهُ. وَظَاهِرُهُ: لَا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِهِ إنْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ عَلَى الْفَوْرِ. وَاعْتَبَرَ فِي التَّرْغِيبِ: قَطْعًا تَامًّا. فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ جِلْدَةٌ، وَلَمْ يَنْفُذْ الْقَطْعُ، وَانْتَهَى الْحَيَوَانُ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ قَطَعَ الْجِلْدَةَ: لَمْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَحَرَهُ: أَجْزَأَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ، وَيَذْبَحَ مَا سِوَاهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةً: أَنَّ الْبَقَرَ تُنْحَرُ أَيْضًا.

وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: يُنْحَرُ مَا صَعُبَ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ أَيْضًا. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ ذَبْحُ الْإِبِلِ. وَعَنْهُ: لَا يُؤْكَلُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرَ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ: صَارَ كَالصَّيْدِ، إذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ فَقَتَلَهُ: حَلَّ أَكْلُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْتُلَ مِثْلَهُ غَالِبًا. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُبَاحُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُبَاحُ إذَا كَانَ الْجَرْحُ مُوجِبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا، وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ) يَعْنِي: الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ (أُكِلَتْ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْهُ: يُؤْكَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ نَفَاذَ ذَلِكَ لِحِدَةِ الْآلَةِ وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ: فَالْأَوْلَى إبَاحَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ رِوَايَةً: يَحْرُمُ مَعَ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى الْخَطَأِ: أَنْ تَلْتَوِيَ الذَّبِيحَةُ عَلَيْهِ، فَتَأْتِيَ السِّكِّينُ عَلَى الْقَفَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْتِوَائِهَا مَعْجُوزٌ عَنْ ذَبْحِهَا فِي مَحَلِّ الذَّبْحِ. فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَحَلِّ كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ. فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْتِوَائِهَا: فَلَا يُبَاحُ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخَطَأَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَهُ الْمَجْدُ وَمَنْ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: تُبَاحُ إذَا أَتَتْ السِّكِّينُ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. بِشَرْطِ أَنْ تَبْقَى فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُبَاحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ.

وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. تَنْبِيهٌ: شَرْطُ الْحِلِّ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ أَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً حَالَةَ وُصُولِ السِّكِّينِ إلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْقُوَّةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقُوَّةُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْبَقَاءَ لِحِدَةِ الْآلَةِ، وَسُرْعَةِ الْقَطْعِ، فَالْأَوْلَى: الْإِبَاحَةُ. وَإِنْ كَانَتْ الْآلَةُ كَآلَةٍ، وَأَبْطَأَ الْقَطْعَ: لَمْ تُبَحْ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ الْتَوَى عُنُقُهُ: كَانَ كَمَعْجُوزٍ عَنْهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ كَالذَّبْحِ مِنْ قَفَاهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَبَانَ الرَّأْسَ بِالذَّبْحِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً: بِتَحْرِيمِهِ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْمَوْتِ كَالْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ، وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ إذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا، وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: حَلَّتْ. وَإِنْ صَارَتْ حَرَكَتُهَا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: لَمْ تَحِلَّ) . هَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ: تَزِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا أَصَابَهُ سَبَبُ الْمَوْتِ مِنْ مُنْخَنِقَةٍ، وَمَوْقُوذَةٍ، وَمُتَرَدِّيَةٍ وَنَطِيحَةٍ، وَأَكِيلَةِ سَبُعٍ فَذَكَّاهُ، وَحَيَاتُهُ يُمْكِنُ زِيَادَتُهَا: حَلَّ. وَقِيلَ: بِشَرْطِ تَحَرُّكِهِ بِيَدٍ أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ، وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: أَوْ لَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ: إذَا أَدْرَكَ ذَكَاةَ ذَلِكَ وَفِيهِ حَيَاةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: حَلَّ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَرَّكَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَلَوْ بِيَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ طَرْفِ عَيْنٍ، أَوْ مَصْعِ ذَنَبٍ وَنَحْوِهِ. فَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُهُ إذَا كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرَ مِنْ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَعِيشُ زَمَنًا يَكُونُ الْمَوْتُ بِالذَّبْحِ أَسْرَعَ مِنْهُ: حَلَّتْ بِالذَّبْحِ. وَأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ مِمَّا لَا يُتَيَقَّنُ مَوْتُهَا كَالْمَرِيضَةِ أَنَّهَا مَتَى تَحَرَّكَتْ وَسَالَ دَمُهَا: حَلَّتْ. انْتَهَى. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَجَمَاعَةٌ: مَا عُلِمَ مَوْتُهُ بِالسَّبَبِ: لَمْ يَحِلَّ. وَعَنْهُ: مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى مُعْظَمَ الْيَوْمِ: يَحِلُّ. وَمَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ لِأَقَلَّ مِنْهُ: فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرُوهُ فِي " بَابِ الصَّيْدِ ". وَعَنْهُ: يَحِلُّ إذَا ذُكِّيَ قَبْلَ مَوْتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَفِي كِتَابِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: يُشْتَرَطُ حَيَاةٌ يُذْهِبُهَا الذَّبْحُ، جَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَعَنْهُ: إنْ تَحَرَّكَ. ذَكَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ. وَنَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَأَبُو طَالِبٍ. وَعَنْهُ: مَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ السَّبَبِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ذَبَحَ وَشَكَّ فِي الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَوَجَدَ مَا يُقَارِبُ الْحَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَادَةِ: حَلَّ فِي الْمَنْصُوصِ. قَالَ: وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا جَازَ بَقَاؤُهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ. وَقَالُوا: إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ: لَمْ يَحِلَّ. فَإِنْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِأَكْثَرِ الْيَوْمِ صَحِيحًا: فَلَا مَعْنًى لِلتَّقْيِيدِ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِلْحَظْرِ. وَكَذَا بِعَكْسِهِ. فَإِنَّ بَيْنَهُمَا أَمَدًا بَعِيدًا. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ: مَا ظُنَّ بَقَاؤُهَا زِيَادَةً عَلَى أَمَدِ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ لِمِثْلِهِ سِوَى أَمَدِ الذَّبْحِ. قَالَ: وَمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَقْطُوعِ الْحُلْقُومِ وَمُبَانِ الْحَشْوَةِ: فَوُجُودُهَا كَعَدَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ، بَلْ مَتَى ذُبِحَ، فَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمُذَكَّى الْمَذْبُوحِ فِي الْعَادَةِ، لَيْسَ هُوَ دَمُ الْمَيِّتِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْمَرِيضَةِ حُكْمُ الْمُنْخَنِقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ حَرَكَةُ الْمَرِيضَةِ. وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهَا فِي غَيْرِهَا.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي صَرِيحًا. وَحُكْمُ مَا صَادَهُ بِشَبَكَةٍ، أَوْ شَرَكٍ، أَوْ أُحْبُولَةٍ أَوْ فَخٍّ، أَوْ أَنْقَذَهُ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ عِنْدَ حَرَكَةِ يَدِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَكُونُ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبًا، فُصِلَ بِكَلَامٍ أَوْ لَا، وَاخْتَارُوهُ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الذَّابِحُ مُسْلِمًا. وَذَكَرَ حَنْبَلٌ عَكْسَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ: شَرْطٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: التَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ. نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: الْآيَةَ فِي الْمَيْتَةِ. وَقَدْ رَخَّصَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ " بِسْمِ اللَّهِ " لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَكْفِي تَكْبِيرُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُهُ، كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا " يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ: الْإِتْيَانَ بِهَا بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا. بِالْعَرَبِيَّةِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ إلَّا التَّسْمِيَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ. قَوْلُهُ (إلَّا الْأَخْرَسَ. فَإِنَّهُ يُومِئُ إلَى السَّمَاءِ) . تُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ إجْمَاعًا. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: يُشِيرُ عِنْدَ الذَّبْحِ إلَى السَّمَاءِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهَا عَلَمٌ عَلَى قَصْدِهِ التَّسْمِيَةَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَوْ أَشَارَ إشَارَةً تَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَعُلِمَ ذَلِكَ: كَانَ كَافِيًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا: لَمْ تُبَحْ. وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا: أُبِيحَتْ)

هَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعًا فِي سُقُوطِهَا سَهْوًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْأَشْهَرُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ. وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهَا تَحِلُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: لَا يُبَاحُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا: أُبِيحَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، يَعْنِي: أَنَّهَا سُنَّةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَفْظُهَا. وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ فِيهِمَا. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: وَالتَّسْمِيَةُ شَرْطٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَعَنْهُ: مَعَ الذِّكْرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: يُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا يَذْبَحُهُ. فَلَوْ سَمَّى عَلَى شَاةٍ وَذَبَحَ غَيْرَهَا

بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ: لَمْ تُبَحْ. وَكَذَا لَوْ رَأَى قَطِيعًا فَسَمَّى وَأَخَذَ شَاةً، فَذَبَحَهَا بِالتَّسْمِيَةِ الْأُولَى: لَمْ يُجْزِئْهُ. وَيَأْتِي عَكْسُهُ فِي الصَّيْدِ. الثَّانِيَةُ: لَيْسَ الْجَاهِلُ هُنَا كَالنَّاسِي كَالصَّوْمِ. ذَكَرَهُ وَلَدُ الشِّيرَازِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالِثَةُ: يَضْمَنُ أَجِيرٌ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ إنْ حَرُمَتْ بِتَرْكِهَا، وَاخْتَارَ فِي النَّوَادِرِ: الضَّمَانَ لِغَيْرِ شَافِعِيٍّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَضْمِينُهُ النَّقْصَ إنْ حَلَّتْ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ التَّسْمِيَةِ. فَيَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ مَعَ التَّسْمِيَةِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَسَوَاءٌ أَشَعَرَ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: فِي الْقِيَاسِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " لَا يَحِلُّ جَنِينٌ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ " أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ. وَقَالَ فِي فُنُونِهِ: لَا يُحْكَمُ بِذَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ خَرَجَ حَيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا يَحِلُّ: فَيُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ: لَمْ يُبَحْ إلَّا بِذَبْحِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، أَشَعَرَ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُنْخَنِقَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ: إنْ مَاتَ قَرِيبًا: حَلَّ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ وَفُنُونِهِ فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ مُحَرَّمًا مِثْلُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ أَبُوهُ: لَمْ يَقْدَحْ فِي ذَكَاةِ الْأُمِّ. وَلَوْ وَجِئَ بَطْنَ أُمِّهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَ الْجَنِينِ: تَذَكَّى وَالْأُمُّ مَيْتَةٌ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ.

نَقَلَهُ عَنْهُمْ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) . وَيُسَنُّ تَوْجِيهُهَا إلَى الْقِبْلَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ الْكَحَّالُ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْهُ. فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَذْبُوحُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَرِفْقِهِ بِهِ. وَيُحْمَلُ عَلَى الْآلَةِ بِالْقُوَّةِ، وَإِسْرَاعِهِ بِالشَّحْطِ. وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرِهِ: إيمَاءٌ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَ الْحَيَوَانِ، أَوْ يَسْلُخَهُ حَتَّى يَبْرُدَ) وَكَذَا لَا يَقْطَعُ عُضْوًا مِنْهُ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ. يَعْنِي: يُكْرَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَفْعَلُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَحْرُمُ فِعْلُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِحْسَانُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، حَتَّى فِي حَالِ إزْهَاقِ النُّفُوسِ، نَاطِقِهَا وَبَهِيمِهَا. فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ الْقِتْلَةَ لِلْآدَمِيِّينَ وَالذِّبْحَةَ لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ قَطْعُ رَأْسِهِ قَبْلَ سَلْخِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَيْضًا: لَا يُفْعَلُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ لَا يَحِلُّ.

فَائِدَةٌ: نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْرَهُ نَفْخَ اللَّحْمِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: مُرَادُهُ الَّذِي لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ أَكْلِ أُذُنِ الْقَلْبِ وَالْغُدَّةِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا، ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ: فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَالتَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ الْآتِي فِي " بَابِ الصَّيْدِ " كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْجَرْحُ مُوجِبًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ) يَعْنِي: يَقِينًا (كَذِي الظُّفُرِ) . مِثْلُ الْإِبِلِ وَالنَّعَامَةِ وَالْبَطِّ، وَمَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. أَوْ الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهِيَ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لِفَقْدِ قَصْدِ الذَّكَاةِ مِنْهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَحُكِيَ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ. وَهُوَ سَهْوٌ. إنَّمَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِي الْمَكَانَيْنِ، أَوْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ: وَلَوْ ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا ظَنَّهُ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ: حَلَّ أَكْلُهُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ ذَبَحَ شَيْئًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ: حَلَّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَحْرُمُ مِنْ ذَبْحِهِ مَا نَتَبَيَّنُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، كَحَالِ الرِّئَةِ وَنَحْوِهَا. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ إذَا وَجَدُوا الرِّئَةَ لَاصِقَةً بِالْأَضْلَاعِ امْتَنَعُوا مِنْ أَكْلِهَا، زَاعِمِينَ تَحْرِيمَهَا وَيُسَمُّونَهَا: اللَّازِقَةَ. وَإِنْ وَجَدُوهَا غَيْرَ لَازِقَةٍ بِالْأَضْلَاعِ أَكَلُوهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا ذَبَحَ حَيَوَانًا غَيْرَهُ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَحَكَاهُ عَنْ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ، وَقَطَعَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ: لَنَا أَنْ نَتَمَلَّكَهَا مِنْهُمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شَحْمًا مِنْ ذَبْحِنَا، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ: نُسِخَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. انْتَهَى. وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُنَا لَهُمْ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ تَحْرِيمَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِاعْتِقَادِنَا. الثَّانِيَةُ: فِي بَقَاءِ تَحْرِيمِ يَوْمِ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِهِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. ذَكَرُوهُ فِي " بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ " وَفَائِدَتُهُمَا: حِلُّ صَيْدِهِمْ فِيهِ وَعَدَمُهُ. قَالَهُ النَّاظِمُ قُلْت: وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ " أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ: لَوْ شَكَا عَلَيْهِمْ لَا يَحْضُرُوا يَوْمَ السَّبْتِ إذَا قُلْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُحْضِرُ يَهُودِيًّا يَوْمَ سَبْتٍ لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ، أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى شَيْءٍ مِمَّا يُعَظِّمُونَهُ: لَمْ يَحْرُمْ) ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ: عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ مَيْتَةً. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] . تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ: إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا إذَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، أَصَحُّهَا عِنْدِي. تَحْرِيمُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَصَحِّ أَنْ يُذْكَرَ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي مَا ذُبِحَ لِلزُّهْرَةِ، وَالْكَوَاكِبِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَكُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَذَكَرَ الْآيَةَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا، فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ جَرَادًا، أَوْ طَائِرًا فَوَجَدَ فِي حَوْصَلَتِهِ حَبًّا، أَوْ وَجَدَ الْحَبَّ فِي بَعْرِ الْجَمَلِ: لَمْ يَحْرُمْ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ الطَّافِي أَشَدَّ مِنْ هَذَا. وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَحْرُمُ جَرَادٌ فِي بَطْنِ سَمَكٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ. وَمَيْتَتُهُ حَرَامٌ، لَا الْعَكْسُ؛ لِحِلِّ مَيْتَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ وَجَدَ سَمَكَةً فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ بَوْلُ طَائِرٍ كَرَوْثِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَأَبَاحَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الطِّبِّ. وَذَكَرَ رِوَايَةً فِي بَوْلِ الْإِبِلِ. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيهِ: لَا يُبَاحُ. وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يُبَاحُ رَجِيعُ السَّمَكِ، وَنَحْوِهِ. الثَّالِثَةُ: يَحِلُّ مَذْبُوحٌ مَنْبُوذٌ بِمَوْضِعٍ يَحِلُّ ذَبْحُ أَكْثَرِ أَهْلِهِ، وَلَوْ جُهِلَتْ تَسْمِيَةُ الذَّابِحِ. الرَّابِعَةُ: الذَّبِيحُ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

كتاب الصيد

[كِتَابُ الصَّيْدِ] ِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا: حَدُّ " الصَّيْدِ " مَا كَانَ مُمْتَنِعًا حَلَالًا، لَا مَالِكَ لَهُ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي مَطْلَعِهِ. وَقِيلَ: مَا كَانَ مُتَوَحِّشًا طَبْعًا، غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، مَأْكُولًا بِنَوْعِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْحَدُّ أَجْوَدُ. الثَّانِيَةُ: الصَّيْدُ مُبَاحٌ لِقَاصِدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيُكْرَهُ لَهْوًا. الثَّالِثَةُ: الصَّيْدُ أَطْيَبُ الْمَأْكُولِ. قَالَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: الزِّرَاعَةُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ " قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَفْضَلُ الْمَعَايِشِ التِّجَارَةُ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَفْضَلُ الْمَعَايِشِ: التِّجَارَةُ، وَأَفْضَلُهَا فِي الْبَزِّ وَالْعِطْرِ، وَالزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ وَالْمَاشِيَةِ. وَأَبْغَضُهَا: التِّجَارَةُ فِي الرَّقِيقِ وَالصَّرْفِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ قَوْلٌ: الصَّنْعَةُ بِالْيَدِ أَفْضَلُ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ الْمَطَاعِمَ يُفَضِّلُ عَمَلَ الْيَدِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا: أَفْضَلُ الصَّنَائِعِ الْخِيَاطَةُ. وَأَدْنَاهَا: الْحِيَاكَةُ، وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُهُمَا. وَأَشَدُّهَا كَرَاهِيَةً: الصَّبْغُ، وَالصِّبَاغَةُ. وَالْحِدَادَةُ، وَنَحْوُهَا. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْخِيَاطَةِ، وَعَمَلِ الْخُوصِ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَا نُصِحَ فِيهِ فَهُوَ حَسَنٌ.

قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: حَثَّنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى لُزُومِ الصَّنْعَةِ، لِلْخَبْرِ. الرَّابِعَةُ: يُسْتَحَبُّ الْغَرْسُ وَالْحَرْثُ. ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ وَالْقَاضِي. قَالَ: وَاِتِّخَاذُ الْغَنَمِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ صَادَ صَيْدًا، فَأَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً: لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِالذَّكَاةِ) . مُرَادُهُ بِالِاسْتِقْرَارِ: بِأَنْ تَكُونَ حَرَكَتُهُ فَوْقَ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ مُطْلَقًا، وَأَنْ يَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ. فَإِذَا كَانَتْ حَرَكَتُهُ فَوْقَ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ لَمْ يُبَحْ إلَّا بِالذَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَرِيبًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَعَنْهُ: دُونَ مُعْظَمِ يَوْمٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: دُونَ نِصْفِ يَوْمٍ. وَأَمَّا إذَا أُدْرِكَ وَحَرَكَتُهُ كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا. فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اصْطَادَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ: كَانَ الصَّيْدُ لِلْمَالِكِ، جَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا فِي " بَابِ الْغَصْبِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ خَشِيَ مَوْتَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِهِ: أَرْسَلَ الصَّائِدُ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) كَالْمُتَرَدِّيَةِ فِي بِئْرٍ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُهُ بِهِ، فَأَشْلَى الْجَارِحُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ: حَلَّ أَكْلُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ أَيْضًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: أَبَاحَهُ الْقَاضِي، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يَحِلُّ حَتَّى يُزَكِّيَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الرَّاجِحُ. لِظَاهِرِ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ: لَمْ يَحِلَّ) . وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَيْهَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحِلُّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: يَتْرُكُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَيَحِلَّ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، فَقَالَ شَيْخُنَا: يَحِلُّ أَكْلُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَظُنُّ اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ امْتَنَعَ الصَّيْدُ عَلَى الصَّائِدِ مِنْ الذَّبْحِ، بِأَنْ جَعَلَ يَعْدُو مِنْهُ يَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ تَعَبًا وَنَصَبًا، فَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَحِلُّ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْإِتْعَابَ يُعِينُهُ عَلَى الْمَوْتِ. فَصَارَ كَالْمَاءِ، وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ: لَمْ يَحِلَّ. وَلِمَنْ أَثْبَتَهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَلَى قَاتِلِهِ. إلَّا أَنْ يُصِيبَ الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ

دُونَ الثَّانِي، أَوْ يُصِيبَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ: فَيَحِلَّ. وَعَلَى الثَّانِي مَا خُرِقَ مِنْ جِلْدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحِلَّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ الذَّبْحَ: لَمْ يَحِلَّ. وَإِنْ قَصَدَهُ فَهُوَ ذَبْحُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، يَحِلُّ عَلَى الصَّحِيحِ. مَأْخَذُهُمَا: هَلْ يَكْفِي قَصْدُ الذَّبْحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْإِحْلَالِ؟ . قَوْلُهُ " وَعَلَى الثَّانِي: مَا خُرِقَ مِنْ جِلْدِهِ ". يَعْنِي: إذَا أَصَابَ الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ. أَوْ كَانَ جَرْحُهُ مُوجِبًا، أَوْ أَصَابَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِيمَا إذَا أَصَابَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ عَلَيْهِ أَرْشُ ذَبْحِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً لِغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَصْوَبُ فِي النَّظَرِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: عَلَى الثَّانِي مَا نَقَصَ بِذَبْحِهِ، كَشَاةِ الْغَيْرِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَلَى الثَّانِي مَا بَيْنَ كَوْنِهِ حَيًّا مَجْرُوحًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا. وَإِلَّا قِيمَتُهُ بِجَرْحِ الْأَوَّلِ فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أَدْرَكَ الْأَوَّلُ ذَكَاتَهُ، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ، فَقِيلَ: يَضْمَنُهُ. كَالْأُولَى.

قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، لَا غَيْرُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحَيْنِ، مَعَ أَرْشِ مَا نَقَصَهُ بِجُرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً، فَنَقَصَهُ كُلُّ جُرْحٍ عَشْرًا: لَزِمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ. وَعَلَى الثَّانِي: أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ. وَعَلَى الثَّالِثِ: خَمْسَةٌ. فَلَوْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ شَاةٌ لِلْغَيْرِ، وَلَمْ يُوجِبَاهُ وَسَرَيَا: تَعَيَّنَ الْأَخِيرَانِ. وَلَزِمَ الثَّانِي عَلَيْهِمَا ذَلِكَ. وَكَذَا الْأَوَّلُ عَلَى الثَّالِثِ، وَعَلَى الثَّانِي بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَصَابَاهُ مَعًا، حَلَّ بَيْنَهُمَا: كَذَبْحِهِ مُشْتَرِكَيْنِ. وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَوَجَدَاهُ مَيِّتًا وَجُهِلَ قَاتِلُهُ. فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ: أَنَا أَثْبَتُّهُ، ثُمَّ قَتَلْته أَنْتَ فَتَضْمَنَهُ: لَمْ يَحِلَّ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَيَتَحَالَفَانِ. وَلَا ضَمَانَ. فَإِنْ قَالَ: لَمْ نُثَبِّتْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِنَاعُ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَتَى تَشَاقَّا فِي إصَابَتِهِ وَصِفَتِهَا، أَوْ اُحْتُمِلَ إثْبَاتُهُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ أَنَّ رَمْيَ أَحَدِهِمَا لَوْ انْفَرَدَ أَثْبَتَهُ وَحْدَهُ. فَهُوَ لَهُ. وَلَا يَضْمَنُ الْآخَرُ. وَلَوْ أَنَّ رَمْيَ أَحَدِهِمَا مُوحٍ، وَاحْتُمِلَ الْآخَرُ: اُحْتُمِلَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَاحْتُمِلَ أَنَّ نِصْفَهُ لِلْمُوحِي، وَنِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ وُجِدَ مَيِّتًا مُوحِيًا وَتَرَتَّبَا، وَجُهِلَ السَّابِقُ: حَرُمَ.

وَإِنْ ثَبَتَ بِهِمَا، لَكِنْ عَقِبَ الثَّانِي، وَتَرَتَّبَا، فَهَلْ هُوَ لِلثَّانِي، أَوْ بَيْنَهُمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ أَصَابَاهُ جَمِيعًا، فَذَكَّيَاهُ جَمِيعًا: حَلَّ. وَإِنْ ذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا. الثَّالِثَةُ: لَوْ رَمَاهُ فَأَثْبَتَهُ: مَلَكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ رَمَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَقَتَلَهُ: حَرُمَ. لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يَحِلُّ. وَذَكَرَهُ رِوَايَةً. وَكَذَا لَوْ أَوْحَاهُ الثَّانِي بَعْدَ إيحَاءِ الْأَوَّلِ: فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَمَتَى أَدْرَكَ الصَّيْدَ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ: فَهُوَ كَالْمَيِّتِ) . وَكَذَا لَوْ كَانَ فَوْقَ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِتَذْكِيَتِهِ. (وَمَتَى أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، حَلَّ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ) . شَمِلَ كَلَامُهُ الْبَصِيرَ وَالْأَعْمَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِصِحَّةِ ذَكَاتِهِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقَالَا: مَنْ حَلَّ ذَبْحُهُ حَلَّ صَيْدُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، قُلْت: وَيُحْتَمَلُ فِي صَيْدِ الْأَعْمَى الْمَنْعُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ بَصِيرًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَا عَلَيْهِ جَارِحًا، أَوْ شَارَكَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ: لَمْ يَحِلَّ) بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ، وَجَهِلَ: هَلْ سَمَّى عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا؟ أَوْ جَهِلَ مُرْسِلُهُ؟ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّيْدِ أَمْ لَا؟ وَلَا يَعْلَمُ أَيُّهُمَا قَتَلَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ مَعًا أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَجْهُولَ هُوَ الْقَاتِلُ: لَمْ يُبَحْ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ عَلِمَ حَالَ الْكَلْبِ الَّذِي وَجَدَهُ مَعَ كَلْبِهِ، وَأَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُعْتَبَرَةَ قَدْ وُجِدَتْ فِيهِ: حَلَّ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْكَلْبَانِ قَتَلَاهُ مَعًا: فَهُوَ لِصَاحِبِهِمَا. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ: فَهُوَ لِصَاحِبِهِ. وَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ، فَإِنْ كَانَ الْكَلْبَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِهِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِهِ: فَهُوَ لِصَاحِبِهِ. وَعَلَى مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ الْيَمِينُ. وَإِنْ كَانَ الْكَلْبَانِ نَاحِيَةً فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: يَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. وَحَكَى احْتِمَالًا بِالْقُرْعَةِ. فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ. وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ خِيفَ فَسَادُهُ: بِيعَ، وَاصْطَلَحَا عَلَى ثَمَنِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (أَصَابَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي الْمُسْلِمَ وَالْمَجُوسِيَّ (الْمَقْتَلَ دُونَ الْآخَرِ) : (فَالْحُكْمُ لَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَحِلَّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَإِسْلَامِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ. فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا ذَبَحَ فَأَتَى عَلَى الْمَقَاتِلِ، فَلَمْ تَخْرُجْ الرُّوحُ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ: لَمْ تُؤْكَلْ. فَائِدَةٌ: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي حَالَةِ الصَّيْدِ بِأَهْلِيَّةِ الرَّامِي. وَفِي سَائِرِ الشُّرُوطِ حَالُ الرَّمْيِ، أَوْ حَالُ الْإِصَابَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْإِصَابَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي " كِتَابِ الْجِنَايَاتِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. فَلَوْ رَمَى سَهْمًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ مُرْتَدٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ. ثُمَّ وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ وَقَدْ حَلَّ أَوْ أَسْلَمَ حَلَّ أَكْلُهُ. وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ: لَمْ يَحِلَّ. الْوَجْهُ الثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الرَّمْيِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ ". وَذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ: حَلَّ) وَلَمْ يُكْرَهْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْسَلَهُ الْمَجُوسِيُّ، فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ: لَمْ يَحِلَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ زَادَ عَدْوُهُ: حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْآلَةُ. وَهِيَ نَوْعَانِ: مُحَدَّدٌ. فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ. فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ: لَمْ يُبَحْ) . كَشَبَكَةٍ، وَفَخٍّ وَبُنْدُقَةٍ، وَلَوْ شَدَخَهُ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَلَوْ قَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَادَ بِالْمِعْرَاضِ: أُكِلَ مَا قُتِلَ بِحَدِّهِ، دُونَ عَرْضِهِ) . إذَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ: أُبِيحَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ: لَمْ يُبَحْ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ، لَمْ يُبَحْ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُ إذَا جَرَحَهُ بِعَرْضِهِ يُبَاحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ، أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا فَقَتَلَتْ صَيْدًا: أُبِيحَ) . إذَا سَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا وَقَتَلَتْ صَيْدًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَجْرَحَهُ أَوْ لَا.

فَإِنْ جَرَحَهُ: حَلَّ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ: لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحِلُّ مُطْلَقًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِلُّ مَا قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَحِلُّ. فَظَاهِرُهُ: وَلَوْ ارْتَدَّ النَّاصِبُ أَوْ مَاتَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: إذَا ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ بَيْنَ رَمْيِهِ وَإِصَابَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَتَلَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ: لَمْ يُبَحْ. إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ فِيهِ سُمٌّ قَالَ جَمَاعَةٌ: وَظَنَّ أَنَّهُ أَعَانَهُ حَرُمَ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَعَانَ: لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمُرَادٍ. وَفِي الْفُصُولِ: إذَا رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ: لَمْ يُبَحْ. لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَيْهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ شَارَكَ السَّهْمَ تَغْرِيقٌ بِالْمَاءِ. وَمَنْ أَتَى بِلَفْظِ الظَّنِّ كَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُقْنِعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ فَمُرَادُهُ: احْتِمَالُ الْمَوْتِ. وَلِهَذَا عَلَّلَهُ مَنْ عَلَّلَهُ مِنْهُمْ كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ بِاجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ. كَسَهْمَيْ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ.

وَقَالُوا: فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّ السُّمَّ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِكَوْنِ السُّمِّ أَوْحَى مِنْهُ: فَمُبَاحٌ. وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ بِمُرَادٍ لَكَانَ الْأَوْلَى. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ: فَمُبَاحٌ. وَنَظِيرُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي شُرُوطِ الْبَيْعِ: فَإِنْ رَأَيَاهُ ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرْ فِيهِ ظَاهِرًا. وَقَوْلُهُمْ: فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ: إذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُثَقَّلٍ وَمُحَدَّدٍ، أَوْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ، أَوْ بِسَهْمِ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ، أَوْ بِسَهْمٍ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ، أَوْ كَلْبِ مُسْلِمٍ وَكَلْبِ مَجُوسِيٍّ، أَوْ غَيْرِ مُسَمًّى عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، أَوْ اشْتَرَكَا فِي إرْسَالِ الْجَارِحَةِ عَلَيْهِ، أَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا لَا يَعْرِفُ مُرْسِلَهُ، أَوْ لَا يَعْرِفُ، أَوْ مَعَ سَهْمِهِ سَهْمًا كَذَلِكَ: لَمْ يُبَحْ. وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ «وَإِنْ وَجَدْت مَعَهُ غَيْرَهُ: فَلَا تَأْكُلْ» وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ. وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ: رُدَّ إلَى أَصْلِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْرُمُ، وَلَوْ مَعَ جَرْحٍ مُوحٍ لَا عَمَلَ لِلسُّمِّ مَعَهُ؛ لِخَوْفِ التَّضَرُّرِ بِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَقَالَ: لَا نَأْمَنُ أَنَّ السُّمَّ تَمَكَّنَ مِنْ بَدَنِهِ بِحَرَارَةِ الْحَيَاةِ فَيَقْتُلُ، أَوْ يَضُرُّ آكِلَهُ. وَهُمَا حَرَامٌ. وَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا حَرَامٌ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَنَقَلَهُ. وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَإِنْ رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ: لَمْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ (وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَتَلَهُ: لَمْ يَحِلَّ. إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا كَالذَّكَاةِ. فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَحِلُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي " بَابِ الذَّكَاةِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِيَةُ: يَحِلُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَنَاقَضَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الذَّكَاةِ " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ ". وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ فِيمَا إذَا رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ: لَمْ يُبَحْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا، فَيُبَاحَ. وَذَكَرَ فِي " بَابِ الذَّكَاةِ " إذَا ذُبِحَ الْحَيَوَانُ، ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ مَا يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ: حَرُمَ.

قَالَ: وَكَذَا فِي الصَّيْدِ. فَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ سَهَا فِي ذَلِكَ. فَإِنَّ الْأَصْحَابَ سَوَّوْا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَا سِيَّمَا وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ يَقُولُ فِي " بَابِ الذَّكَاةِ " وَكَذَا الصَّيْدُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَاءُ أَوْ التَّرَدِّي يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُهُ مِثْلُهُ: أُبِيحَ بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْجُرْحَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوحِيًا وَوَقَعَ فِي مَاءٍ: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ وَهُوَ صَحِيحٌ. خَشْيَةَ أَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ. وَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لِحُكْمِنَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِأَصْلِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ، فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ: حَلَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَ الْجُرْحُ مُوحِيًا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا. فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُ سَهْمِهِ: حَلَّ) . وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ عَلَى شَجَرَةٍ، أَوْ جَبَلٍ، فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً: حَلَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: إنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ: حَلَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: إنْ وَجَدَهُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ: حَلَّ. وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ غَابَ نَهَارًا: حَلَّ. وَإِنْ غَابَ لَيْلًا: لَمْ يَحِلَّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ اللَّيْلِ تَخَطُّفُ الْهَوَامِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ خَامِسَةٌ كَرَاهَةُ مَا غَابَ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ عَقَرَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ وَحْدَهُ. أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ بِفَمِ كَلْبِهِ، أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ، أَوْ وَسَهْمُهُ فِيهِ: حَلَّ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ: لَمْ يُبَحْ)

نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَقُولُوا: ظَنَّ، كَسَهْمٍ مَسْمُومٍ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ. فَائِدَةٌ: لَوْ غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ وَسَهْمُهُ أَوْ كَلْبُهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا: وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. وَذَكَرَهَا فِي الْفُصُولِ كَمَا لَوْ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ نَاحِيَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى الْخِلَافِ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ: حِلَّهُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ضَرَبَهُ. فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ: لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ مِنْهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إنْ ذَكَّى: حَلَّ كَبَقِيَّتِهِ. وَلَهُ (وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدَةٍ: حَلَّ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ أَبَانَهُ، وَمَاتَ فِي الْحَالِ: حَلَّ الْجَمِيعُ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّا. وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخِرَقِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ: كَالْبُنْدُقِ، وَالْحَجَرِ، وَالْعِصِيِّ وَالشَّبَكَةِ، وَالْفَخِّ: فَلَا يُبَاحُ مَا قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ) . قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ شَدَخَهُ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَلَوْ قَطَعَتْ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ. وَلَوْ خَرَقَهُ: لَمْ يَحِلَّ. نَقَلَهُ حَرْبٌ. فَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ كَصَوَّانٍ فَهُوَ كَالْمِعْرَاضِ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: الْجَارِحَةُ. فَيُبَاحُ مَا قَتَلَتْهُ إذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً. إلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ) . فَالْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ: هُوَ الَّذِي لَا بَيَاضَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ هُنَا: وَهُوَ مَا لَا بَيَاضَ فِيهِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنَهُ لَوْنٌ سِوَاهُ.

وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ تُخَالِفَانِ لَوْنَهُ: لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا عَنْ الْبَهِيمِ وَأَحْكَامِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ الَّذِي لَا لَوْنَ فِيهِ سِوَى السَّوَادِ. وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ قَوْلًا غَيْرَ الْأَوَّلِ. وَعَنْهُ: إنْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ: لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ بَهِيمًا. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ". فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (فَلَا يُبَاحُ صَيْدُهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَيْطَانٌ. فَهُوَ الْعِلَّةُ، وَالسَّوَادُ عَلَامَةٌ، كَمَا يُقَالُ: إذَا رَأَيْت صَاحِبَ السِّلَاحِ فَاقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ. فَالْعِلَّةُ الرِّدَّةُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ صَيْدَهُ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْكَرَاهَةَ. وَعَنْهُ: وَمِثْلُهُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ هُنَا، كَمَا تَقَدَّمَ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ لَا يُسَمَّى بَهِيمًا قَوْلًا وَاحِدًا.

وَلَكِنْ هَلْ يَلْحَقُ فِي الْحُكْمِ بِهِ، أَوْ لَا؟ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الْبَهِيمِ: وَيَذْكُرُ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا. وَذَكَرَ الْأَكْثَرُ إبَاحَتَهُ، يَعْنِي: إبَاحَةَ قَتْلِهِ. وَنَقَلَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْرُمُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا بَأْسَ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مِثْلُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، إلَّا فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَأَوْلَى؛ لِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ تَرْكُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ عَنْ النَّاسِ. وَدَعْوَى نَسْخِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا، إلَّا الْمُؤْذِي: دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَيُقَابِلُهُ قَتْلُ الْكُلِّ. انْتَهَى. كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَأَمَّا مَا لَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ وَلَا أَذَى فِيهِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فَقَطْ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَتَقَدَّمَ الْمُبَاحُ مِنْ الْكِلَابِ فِي " بَابِ الْمُوصَى بِهِ ".

قَوْلُهُ (وَالْجَوَارِحُ نَوْعَانِ: مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ، كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ) . كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ هَذَيْنِ. وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: النَّمِرَ. وَظَاهِرُ تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: وَغَيْرَ ذَلِكَ. فَتَعْلِيمُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا فِي وَقْتِ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ، لَا فِي حَالِ مُشَاهَدَتِهِ لِلصَّيْدِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَمْسَكَ: لَمْ يَأْكُلْ. وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ ذَلِكَ مِنْهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخِلَافَ لَهُ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا. فَيُبَاحُ فِي الرَّابِعَةِ؟ وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. أَوْ يَكْفِي التَّكْرَارُ مَرَّتَيْنِ، فَيُبَاحُ فِي الثَّالِثَةِ؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ مِنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ.

أَوْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْخِصَالَ تُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ. فَإِنَّهُ الَّذِي يُجِيبُ صَاحِبَهُ إذَا دَعَاهُ، وَيَنْزَجِرُ إذَا زَجَرَهُ. وَالْفَهْدُ لَا يُجِيبُ دَاعِيًا. وَإِنْ عُدَّ مُتَعَلِّمًا، فَيَكُونُ التَّعْلِيمُ فِي حَقِّهِ: تَرْكُ الْأَكْلِ خَاصَّةً، أَوْ مَا يُعِدُّهُ بِهِ أَهْلُ الْعُرْفِ مُعَلَّمًا. وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ تَرْكَ الْأَكْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ تَعْلِيمِهِ: لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَحَكَيَاهُمَا وَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَالْمَذْهَبُ يَحْرُمُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا الْأَصَحُّ. قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا أَوْلَى.

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يُبَاحُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ حِينَ الصَّيْدِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَرِبَ مِنْ دَمِهِ: لَمْ يَحْرُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: مِنْ دَمِهِ الَّذِي جَرَى. الثَّانِيَةُ: لَا يَخْرُجُ بِأَكْلِهِ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: لَا يَبْقَى مُعَلَّمًا بِأَكْلِهِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: ذُو الْمِخْلَبِ، كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْعُقَابِ وَالشَّاهِينِ. فَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيبَ إذَا دُعِيَ، وَلَا يَعْتَبِرُ تَرْكَ الْأَكْلِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحِلُّ الصَّيْدُ بِكُلِّ حَيَوَانٍ مُعَلَّمٍ. قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرَحَ الصَّيْدَ. فَإِنْ قَتَلَهُ بِصَدْمَتِهِ، أَوْ خَنَقَهُ: لَمْ يُبَحْ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِيهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ فِي الصَّدْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَحِلَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ فِي الْخَنْقِ. قَوْلُهُ (وَمَا أَصَابَ فَمُ الْكَلْبِ: هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ غَسْلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بَلْ يُعْفَى عَنْهُ.

صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ، أَوْ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ: لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ، وَإِنْ زَجَرَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، رِوَايَةُ وَاحِدَةُ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، فَزَجَرَهُ: فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا اسْتَرْسَلَ الطَّائِرُ بِنَفْسِهِ، فَصَادَ وَقَتَلَ: حَلَّ أَكْلُهُ مِنْهُ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْكَلْبِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي عَدْوِهِ بِزَجْرِهِ: فَيَحِلُّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ: إذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَزَجَرَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ، أَوْ سَهْمَهُ إلَى هَدَفٍ. فَقَتَلَ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَلَا يَرَى صَيْدًا: لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ إذَا قَتَلَهُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَحِلُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا. فَأَصَابَ صَيْدًا: لَمْ يَحِلَّ) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحِلَّ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ رَمَى مَا ظَنَّهُ، أَوْ عَلِمَهُ: غَيْرَ صَيْدٍ. فَأَصَابَ صَيْدًا: لَمْ يَحِلَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: يَحِلُّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا، أَوْ صَيْدًا مُحَرَّمًا: لَمْ يُبَحْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا، فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَوْ رَمَى صَيْدًا. فَقَتَلَ جَمَاعَةً: حَلَّ الْجَمِيعُ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ، فَصَادَ غَيْرَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحِلُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ: إنَّهُ يَحِلُّ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَحْرُمُ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ لَا السَّهْمُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ) .

مَلَكَهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَا إذَا رَمَاهُ بَعْدَهُ آخَرُ، أَوْ رَمَاهُ هُوَ أَيْضًا وَأَحْكَامُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يُثَبِّتْهُ، فَدَخَلَ خَيْمَةَ إنْسَانٍ، فَأَخَذَهُ: فَهُوَ لِآخِذِهِ) فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ مَنْ دَخَلَ فِي خَيْمَتِهِ إلَّا بِأَخْذِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْخَيْمَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فَهُوَ لِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ، أَوْ دَخَلَ بُرْجَهُ فَسَدَّ الْمَنَافِذَ، أَوْ حَصَلَتْ سَمَكَةٌ فِي بِرْكَتِهِ فَسَدَّ مَجْرَى الْمَاءِ، فَقِيلَ: يَمْلِكُهُ. وَقِيلَ: إنْ سَهُلَ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَكَتَحْجِيرٍ لِلْإِحْيَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ قَصْدِ التَّمَلُّكِ بِغَلْقٍ وَسَدٍّ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: مَا يَبْنِيهِ النَّاسُ مِنْ الْأَبْرِجَةِ فَيُعَشِّشُ بِهَا الطُّيُورُ يَمْلِكُونَ الْفِرَاخَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ مَمْلُوكَةً فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَوْ دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ دَارِهِ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَجَهِلَهَا، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلَّكَهَا. وَمِثْلُهَا أَيْضًا: إحْيَاءُ أَرْضٍ بِهَا كَنْزٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ صَيْدٌ. فَخَرَقَهَا وَذَهَبَ بِهَا، فَصَادَهُ آخَرُ: فَهُوَ لِلثَّانِي) . بِلَا نِزَاعٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ، فَوَثَبَتْ سَمَكَةٌ، فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ: فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ كَمَنْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِلْأَخْذِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِأَخْذِهَا. فَهِيَ قَبْلَهُ مُبَاحَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ أَيْضًا: إنْ كَانَتْ وَثَبَتَ بِفِعْلِ إنْسَانٍ لِقَصْدِ الصَّيْدِ فَهِيَ لِلصَّائِدِ، دُونَ مَنْ وَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ، وَقَطَعَا بِهِ، وَبِالْأَوَّلِ أَيْضًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَقَعَتْ السَّمَكَةُ فِي السَّفِينَةِ: فَهِيَ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: أَنَّهَا تَكُونُ قَبْلَ الْأَخْذِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ.

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ صَنَعَ بِرْكَةً، لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ، فَمَا حَصَلَ فِيهَا: مَلَكَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ نَصَبَ خَيْمَةً لِذَلِكَ. أَوْ فَتَحَ حِجْرَهُ لِلْأَخْذِ. أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً. أَوْ شَرَكًا، نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ فَخًّا. أَوْ مِنْجَلًا. أَوْ حَبَسَهُ جَارِحٌ لَهُ. أَوْ بِإِلْجَائِهِ لِضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ: لَمْ يَمْلِكْهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ سَمَكٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهَا طَائِرٌ: لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ فَهُوَ لَهُ. فَإِنْ رَمَاهُ بِبُنْدُقَةٍ، فَوَقَعَ فِيهَا: فَهُوَ لِأَهْلِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: يَمْلِكُهُ بِالتَّوَحُّلِ، وَيَمْلِكُ الْفِرَاخَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ فِيمَنْ صَادَ مِنْ نَخْلَةٍ بِدَارِ قَوْمٍ هُوَ لِلصَّيَّادِ. فَخُرِّجَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَمْلِكُهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَوْلَةِ فِي الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يُوجِبُ ضَمَانًا. لَا لِأَنَّهُ مَا مَلَكَهُ.

وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: مَنْ رَمَى صَيْدًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قَوْمٍ، فَحَمَلَ نَفْسَهُ، فَسَقَطَ خَارِجَ الدَّارِ: فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ سَقَطَ فِي دَارِهِمْ: فَهُوَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ لِلْمُؤَجِّرِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ عَشَّشَ بِأَرْضِهِ نَحْلٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِذَلِكَ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: إلَّا أَنْ يُعِدَّ حِجْرَهُ وَبِرْكَتَهُ وَأَرْضَهُ لَهُ. وَسَبَقَ كَلَامُهُمْ فِي زَكَاةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُبَاحِ، أَوْ مِنْ أَرْضِهِ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ. اكْتِفَاءً بِمِلْكِهِ وَقْتَ الْأَخْذِ كَالْعَسَلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ النَّحْلَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ. وَإِلَّا لَمَلَكَ الْعَسَلَ. وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّكَاةِ: وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضٍ مَوَاتٍ، أَوْ مَمْلُوكَةٍ. أَوْ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ صَيْدُ السَّمَكِ بِالنَّجَاسَةِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: فِي الصَّيْدِ بِالنَّجَاسَةِ وَبِمُحَرَّمٍ: رِوَايَتَانِ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى: لَوْ مَنَعَهُ الْمَاءُ حَتَّى صَادَهُ: حَلَّ أَكْلُهُ. نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْرُمُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُصَادُ الْحَمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَحْشِيًّا. الثَّانِيَةُ: تَحِلُّ الطَّرِيدَةُ. وَهِيَ الصَّيْدُ بَيْنَ قَوْمٍ يَأْخُذُونَهُ قَطْعًا. وَكَذَلِكَ النَّادُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ مِنْ وَكْرِهِ. وَلَا يُكْرَهُ الصَّيْدُ بِلَيْلٍ. وَلَا صَيْدُ فَرْخٍ مِنْ وَكْرِهِ. وَلَا بِمَا يُسْكِرُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُكْرَهُ الصَّيْدُ مِنْ وَكْرِهِ. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: كَرَاهَتَهُ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يُكْرَهُ الصَّيْدُ لَيْلًا. الثَّالِثَةُ: بِلَا بَأْسٍ بِشَبَكَةٍ، وَفَخٍّ، وَدَبْقٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلِّ حِيلَةٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُكْرَهُ بِمُثْقَلٍ، كَبُنْدُقٍ. وَكَذَا كَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ مُطْلَقًا. لِنَهْيِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُنْدُقِ. وَيُرْمَى بِهَا الصَّيْدُ، لَا لِلْعَبَثِ. وَأَطْلَقَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرْسَلَ صَيْدًا، وَقَالَ: أَعْتَقْتُك، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلْ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَجُوزُ " أَعْتَقْتُك " فِي حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ اصْطَادَ صَيْدًا، فَوَجَدَ عَلَيْهِ عَلَامَةً مِثْلَ قِلَادَةٍ فِي عُنُقِهِ، أَوْ وَجَدَ فِي أُذُنِهِ قَطْعًا لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَادَهُ أَوَّلًا مَلَكَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ طَائِرًا مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ وَيَكُونُ لُقَطَةً. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ، أَوْ الْجَارِحَةِ. فَإِنْ تَرَكَهَا: لَمْ يُبَحْ. سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: إنْ نَسِيَهَا عَلَى السَّهْمِ: أُبِيحَ. وَإِنْ نَسِيَهَا عَلَى الْجَارِحَةِ: لَمْ يُبَحْ. وَعَنْهُ: تُشْتَرَطُ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ السَّهْوِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعًا نَقَلَهَا. حَنْبَلٌ. قَالَ الْخَلَّالُ: سَهَا حَنْبَلٌ فِي نَقْلِهِ. وَعَنْهُ: تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ مِنْ مُسْلِمٍ لَا مِنْ كَافِرٍ.

كتاب الأيمان

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] ِ فَائِدَةٌ: الْحَلِفُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ: إرَادَةُ تَحْقِيقِ خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُمْكِنٌ بِقَوْلٍ يُقْصَدُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمُمْكِنِ أَوْ تَرْكِهِ. وَالْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي: إمَّا بَرٌّ، وَهُوَ الصَّادِقُ، أَوْ غَمُوسٌ، وَهُوَ الْكَاذِبُ، أَوْ لَغْوٌ. قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَهُوَ مَا لَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ. وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَقِيلَ: الْيَمِينُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تُؤَكَّدُ بِهَا أُخْرَى خَبَرِيَّةٌ. وَهُمَا كَشَرْطٍ وَجَزَاءٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) . كَوَجْهِ اللَّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعِلْمِهِ. فَتَنْعَقِدُ بِذَلِكَ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ نَوَى مَقْدُورَهُ، أَوْ مَعْلُومَهُ، أَوْ مُرَادَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا نَوَى بِقُدْرَةِ اللَّهِ: مَقْدُورَهُ وَبِعِلْمِ اللَّهِ: مَعْلُومَهُ، وَبِإِرَادَةِ اللَّهِ: مُرَادَهُ وَيَأْتِي أَيْضًا ذَلِكَ قَرِيبًا قَوْلُهُ (الثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ. وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ، كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْعَظِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالرَّبِّ، وَالْمَوْلَى، وَالرَّازِقِ

وَنَحْوِهِ. فَهَذَا إنْ نَوَى بِالْقَسَمِ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ: فَهُوَ يَمِينٌ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) . هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي (الرَّحْمَنِ) مِنْ أَنَّهُ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ (الرَّحْمَنَ) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ، الَّتِي لَا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ (الرَّحْمَنُ) يَمِينٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ. وَأَمَّا (الرَّبُّ) وَ (الْخَالِقُ) وَ (الرَّازِقُ) فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَأَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الْقَسَمَ، وَأَطْلَقَ: انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ. وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي فِي (الرَّبِّ) وَ (الرَّازِقِ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي (الرَّبِّ) . وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي (الرَّبِّ) وَالرَّازِقِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْجَمِيعِ. وَخَرَّجَهَا فِي التَّعْلِيقِ عَلَى رِوَايَةِ (أُقْسِمُ) . وَقَالَ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ: إنْ أَتَى بِذَلِكَ مُعَرَّفًا، نَحْوُ (وَالْخَالِقِ) (وَالرَّازِقِ) كَانَ يَمِينًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعْرِيفِ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقِيلَ: يَمِينٌ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ، كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ) . وَكَذَا الْحَيُّ، وَالْوَاحِدُ، وَالْكَرِيمُ. (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى) فَلَيْسَ بِيَمِينٍ (وَإِنْ نَوَاهُ كَانَ يَمِينًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا: لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَعَهْدِ اللَّهِ، وَاَيْمُ اللَّهِ، وَأَمَانَةِ اللَّهِ، وَمِيثَاقِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ، وَنَحْوِهِ) كَإِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَهِيَ يَمِينٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ فِي (اَيْمُ اللَّهِ) . وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ (أَيْمُ اللَّهِ) وَ (قُدْرَتِهِ) وَجُمْهُورُهُمْ قَطَعَ بِهِ فِي غَيْرِ (أَيْمُ اللَّهِ) . وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ (أَيْمُ اللَّهِ) يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَقِيلَ: إنْ نَوَى بِقُدْرَتِهِ مَقْدُورَهُ، وَبِعِلْمِهِ مَعْلُومَهُ، وَبِإِرَادَتِهِ مُرَادَهُ: لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْمَنْصُوصُ خِلَافُهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ (عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) . وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، قُلْت: وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثَرِ وَالْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ: وَالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، وَسَائِرِ ذَلِكَ) . كَالْأَمَانَةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْجَلَالِ، وَالْعِزَّةِ. (وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) (: لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِصِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى) إذَا نَوَى بِذَلِكَ صِفَتَهُ تَعَالَى: كَانَ يَمِينًا. قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ.

وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا نَوَى. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ) (كَانَ يَمِينًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ، أَوْ بِالْمُصْحَفِ، أَوْ بِالْقُرْآنِ: فَهِيَ يَمِينٌ. فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) . وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْهُ، أَوْ آيَةٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْصُوصُهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ إنْ قَدَرَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا نَقَلَهُ لِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْعَجْزِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ وَجْهًا: عَلَيْهِ بِكُلِّ حَرْفٍ كَفَّارَةٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَمَّا إذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: لَوْ حَلَفَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ: فَلَا نَقْلَ فِيهَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا يَمِينٌ. انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ: كَانَ يَمِينًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ (حَلَفْت بِاَللَّهِ) أَوْ (أَقْسَمْت بِاَللَّهِ) أَوْ (آلَيْت بِاَللَّهِ) أَوْ

(شَهِدْت بِاَللَّهِ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ (أَحْلِفُ بِاَللَّهِ) أَوْ (أُقْسِمُ بِاَللَّهِ) أَوْ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ) . خِلَافًا وَمَذْهَبًا. لَكِنْ لَوْ قَالَ: نَوَيْت: بِ (أَقْسَمْت بِاَللَّهِ) الْخَبَرَ عَنْ قَسَمٍ مَاضٍ أَوْ: (بِأُقْسِمُ) الْخَبَرَ عَنْ قَسَمٍ يَأْتِي: دِينَ. وَيُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ) (قَالَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ) (كَانَ يَمِينًا) . وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْعَزْمُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ (أَعْزِمُ بِاَللَّهِ) لَيْسَ بِيَمِينٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَا الِاسْتِعْمَالُ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَقْصِدُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ) . يَعْنِي: فِيمَا تَقَدَّمَ. كَقَوْلِهِ (أَحْلِفُ) أَوْ (أَشْهَدُ) أَوْ (أُقْسِمُ) أَوْ (حَلَفْت) أَوْ (أَقْسَمْت) أَوْ (شَهِدْت) لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. إلَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَنَوَى بِهِ الْيَمِينَ: كَانَ يَمِينًا. بِلَا نِزَاعٍ.

وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ (عَزَمْت) وَ (أَعْزِمُ) لَيْسَ يَمِينًا، وَلَوْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْعٌ وَلَا لُغَةٌ، وَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَوَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَتَيْنِ. لَكِنْ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ (قَسَمًا بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ) كَانَ يَمِينًا. وَتَقْدِيرُهُ: أَقْسَمْت قَسَمًا بِاَللَّهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ (أَلِيَّةً بِاَللَّهِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا قَالَ (عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ نَذْرٌ) هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، أَمْ لَا؟

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ (آلَيْت بِاَللَّهِ) أَوْ (آلَى بِاَللَّهِ) أَوْ (أَلِيَّةً بِاَللَّهِ) أَوْ (حَلِفًا بِاَللَّهِ) أَوْ (قَسَمًا بِاَللَّهِ) فَهُوَ حَلِفٌ. سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ. كَمَا لَوْ قَالَ (أُقْسِمُ بِاَللَّهِ) وَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ فِي تَفْصِيلِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَوْلُهُ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) فَالْبَاءُ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ وَمُضْمَرٌ. وَالْوَاوُ: يَلِيهَا مُظْهَرٌ فَقَطْ. وَالتَّاءُ: فِي اللَّهِ خَاصَّةً عَلَى مَا يَأْتِي. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ هَذِهِ حُرُوفُ الْقَسَمِ لَا غَيْرُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ (هَا اللَّهِ) حَرْفُ قَسَمٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا يَمِينٌ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَالتَّاءُ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً) . بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: فِي (تَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِنِيَّةِ أَنَّ قِيَامَهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَثِقُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ (لَأَفْعَلَنَّ) احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ بَاطِنًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَطَلَاقٍ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حُرُوفِ الْقَسَمِ. فَيَقُولُ: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ) بِلَا نِزَاعٍ. (فَإِنْ قَالَ " اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ " مَرْفُوعًا: كَانَ يَمِينًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَنْوِي بِهِ الْيَمِينَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ نَصَبَهُ بِوَاوٍ، أَوْ رَفَعَهُ مَعَهَا، أَوْ دُونَهَا: فَيَمِينٌ. إلَّا أَنْ يُرِيدَهَا عَرَبِيٌّ. وَقِيلَ: أَوْ عَامِّيٌّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ مَعَ رَفْعِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْقَسَامَةِ: وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِمَا أَرَادَهُ النَّاسُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَلْحُونَةِ. كَقَوْلِهِ (حَلَفْت بِاَللَّهِ) رَفْعًا أَوْ نَصْبًا (وَاَللَّهِ بأصوم وَبِأُصَلِّي) وَنَحْوِهِ. وَكَقَوْلِ الْكَافِرِ (أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللَّهِ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي. وَ (أَوْصَيْت لِزَيْدًا بِمِائَةٍ) وَ (أَعْتَقْت سَالِمٌ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ رَامَ جَعْلَ جَمِيعِ النَّاسِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ فَقَدْ رَامَ مَا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا يَصْلُحُ شَرْعًا. فَائِدَةٌ: يُجَابُ فِي الْإِيجَابِ: (بِأَنْ) خَفِيفَةٍ وَثَقِيلَةٍ. وَبِاللَّامِ، وَبِنُونَيْ التَّوْكِيدِ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُثْقَلَةِ، وَبِقَدْ. وَالنَّفْيِ (بِمَا) وَ (إنْ) فِي مَعْنَاهَا وَ (بِلَا) وَتُحْذَفُ (لَا) لَفْظًا وَنَحْوِ (وَاَللَّهِ أَفْعَلُ) . وَغَالِبُ الْجَوَابَاتِ وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهَا فِي الشَّرْحِ قَوْلًا فَائِدَةٌ: تَنْقَسِمُ الْأَيْمَانُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. وَهِيَ أَحْكَامُ التَّكْلِيفِ. كَالطَّلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَحَدُهَا: وَاجِبٌ. كَاَلَّذِي يُنَجِّي بِهَا إنْسَانًا مَعْصُومًا مِنْ هَلَكَةٍ. وَكَذَا إنْجَاءُ نَفْسِهِ، مِثْلُ الَّذِي يُوَجَّهُ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيءٌ وَنَحْوُهُ. الثَّانِي: مَنْدُوبٌ. وَهُوَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ أَوْ إزَالَةِ حِقْدٍ مِنْ قَلْبِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَالِفِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعِ شَرٍّ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَارِحِ الْوَجِيزِ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ شَارِحِ الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْدُوبٌ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّالِثُ: مُبَاحٌ كَالْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ، وَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ.

الرَّابِعُ: مَكْرُوهٌ. وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى مَكْرُوهٍ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ. وَيَأْتِي حَلِفُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. الْخَامِسُ: مُحَرَّمٌ. وَهُوَ الْحَلِفُ كَاذِبًا عَالِمًا. وَمِنْهُ: الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ قَوْلُهُ (وَلَا تَجِبُ) (الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِهِ، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ. مِثْلُ قَوْلِهِ) (وَمَعْلُومِ اللَّهِ) (وَخَلْقِهِ) وَ (رِزْقِهِ) وَ (بَيْتِهِ) (أَوْ لَمْ يُضِفْهُ) . (مِثْلُ: وَالْكَعْبَةِ وَأَبِي) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْحَلِفُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ يَمِينٌ. فَنِيَّةُ مَخْلُوقِهِ وَمَرْزُوقِهِ كَمَقْدُورِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ (مَعْلُومَ اللَّهِ) يَمِينٌ لِدُخُولِ صِفَاتِهِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُهُ. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَلِفِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقَدَّمَهُ. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُهُ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (خَاصَّةً) أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَالْتَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِكُلِّ نَبِيٍّ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الْإِلْحَاقِ فَائِدَةٌ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى كَرَاهَةِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: وَيُعَزَّرُ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْرُمُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ، وَذَلِكَ: الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ) . بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَائِدَةٌ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ النَّائِمِ وَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمْ. وَفِي مَعْنَاهُمْ السَّكْرَانُ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ قَوْلَيْنِ.

وَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْبُلُوغِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: وَيَتَخَرَّجُ انْعِقَادُهَا مِنْ مُمَيِّزٍ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُكْرَهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ وَقَوْلُهُ (فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي: فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً. وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ. وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا، عَالِمًا بِكَذِبِهِ) . يَمِينُ الْغَمُوسِ: لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَيَأْثَمُ، كَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ، وَظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَيُكَفِّرُ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهَا بِفِعْلِهِ، أَوْ يُعَلِّقَهَا بِعَدَمِ فِعْلِهِ.

فَإِنْ عَلَّقَهَا بِفِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِيلًا لِذَاتِهِ أَوْ فِي الْعَادَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ (وَاَللَّهِ إنْ طِرْت) أَوْ (لَا طِرْت) أَوْ (صَعِدْت السَّمَاءَ) أَوْ (شَاءَ الْمَيِّتُ) أَوْ (قَلَبْت الْحَجَرَ ذَهَبًا) أَوْ (جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ) أَوْ (رَدَدْت أَمْسِ) أَوْ (شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ) وَلَا مَاءَ فِيهِ وَنَحْوَهُ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا لَغْوٌ وَقَطَعَ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. وَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ. سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِيلًا لِذَاتِهِ، أَوْ فِي الْعَادَةِ، نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ) أَوْ (إنْ لَمْ أَصْعَدْ) أَوْ (لَا شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ) وَلَا مَاءَ فِيهِ. أَوْ (إنْ لَمْ أَشْرَبْهُ) أَوْ (لَأَقْتُلَنَّهُ) فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، عَلِمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ. أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْهَا تَنْعَقِدُ. وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. وَالثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: لَا تَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَتَنْعَقِدُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً فِي آخِرِ حَيَاتِهِ. وَقِيلَ: إنْ وَقَّتَهُ فَفِي آخِرِ وَقْتِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ اتِّفَاقًا فِي الطَّلَاقِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقِينَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: أَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا: كَقَتْلِ الْمَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ. وَلَا تَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَنْعَقِدُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ فِي الْحَالِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ فِي الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً، كَصُعُودِ السَّمَاءِ، وَالطَّيَرَانِ، وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ. انْتَهَيَا قَوْلُهُ (وَالثَّانِي: لَغْوُ الْيَمِينِ. وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ. فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ عَلَى مَا يَأْتِي. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَإِنْ عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ. فَبَانَ بِخِلَافِهِ: فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا. [قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. أَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ: فَيَحْنَثُ جَزْمًا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَمِيعِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا عَقَدَهَا يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ. فَبَانَ بِخِلَافِهِ بِحِنْثِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا ذُهُولٌ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُحَنِّثَانِ النَّاسِيَ وَلَا يُحَنِّثَانِ هَذَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ. وَهَذِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ] . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَالْيَمِينُ الْمُكَفَّرَةُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ، فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَفَعَلَهُ نَاسِيًا: أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحِنْثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَعَدَمُهُ فِي غَيْرِهِمَا. فَكَذَا هُنَا، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَبَانَ بِخِلَافِهِ: يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ. وَلَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِهِمَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِحِنْثِهِ هُنَا فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ. زَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مِثْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا: وَكُلُّ يَمِينٍ، مُكَفَّرَةٍ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَتَّى عِتْقٍ وَطَلَاقٍ. وَهَلْ فِيهِمَا لَغْوٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ مَا سَبَقَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ قَوْلِ مَنْ قَطَعَ بِحِنْثِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُنَا: هُوَ ذُهُولٌ. بَلْ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ لْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا لَوْ عَقَدَهَا فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ، فَلَمْ يَكُنْ. كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ ظَنَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خِلَافَ نِيَّةِ الْحَالِفِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ

وَقَالَ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. كَمَنْ ظَنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَهَا. فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا يَتَعَارَضُ فِيهِ التَّعْيِينُ الظَّاهِرُ وَالْقَصْدُ. فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ. ثُمَّ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ) مُقِرًّا بِهَا، أَوْ مُؤَكِّدًا لَهُ لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ كَانَ مُنْشِئًا: فَقَدْ أَوْقَعَهُ بِمَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَفِيهَا الْخِلَافُ. انْتَهَى. وَمِثْلُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ بِحَلِفِهِ: أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَيْدٌ. وَمَا كَانَ كَذَا، وَكَانَ كَذَا فَكَمَنْ فَعَلَ مُسْتَقْبَلًا نَاسِيًا. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا. فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِيَمِينٍ لِحَقِّ نَفْسِهِ. فَحَلَفَ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهُ: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ غَيْرِهِ. فَحَلَفَ: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ: عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ لَا تَنْعَقِدُ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ سَبَقَتْ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ) : (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ (: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَشْهَرِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ فِي الْمَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَشْهَرِ. وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ: لَا كَفَّارَةَ فِيهِ إنْ كَانَ فِي الْمَاضِي. وَإِنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ: فَرِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، بَلْ لَغْوُ الْيَمِينِ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَيَبِينُ بِخِلَافِهِ. كَمَا قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا لَغْوُ الْيَمِينِ فَقَطْ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ. مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْمَلَ الشَّيْئَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: كِلَاهُمَا لَغْوُ الْيَمِينِ. وَقَطَعَ الشَّارِحُ: أَنَّ قَوْلَهُ (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ: مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ.

وَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ: أَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْخِرَقِيُّ يَجْعَلُ لَغْوَ الْيَمِينِ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ عَقْدَ الْيَمِينِ. كَقَوْلِهِ (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ، فَيَبِينَ بِخِلَافِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ. وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالْقَاضِي يَجْعَلُ الْمَاضِيَ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ. فَجَعَلَ سَبْقَ اللِّسَانِ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْمَاضِي. رِوَايَتَانِ. وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي رِوَايَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَجْعَلُ اللَّغْوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا دُونَ هَذَا. وَفِي الْأُخْرَى عَكْسُهُ. وَجَمَعَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ الْقَاضِي وَأَبِي مُحَمَّدٍ. فَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. فَإِذَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَاضِي (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي الْيَمِينِ. مُعْتَقِدًا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ: فَهُوَ لَغْوٌ اتِّفَاقًا. وَإِنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ: فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. كِلَاهُمَا لَغْوٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْحِنْثُ فِي الْمَاضِي دُونَ مَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ، وَعَكْسُهُ. وَقَدْ تَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسُ طُرُقٍ.

وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا فِي الْجُمْلَةِ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. انْتَهَى تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ، بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، مُخْتَارًا ذَاكِرًا) مَا لَوْ كَانَ فِعْلُهُ مَعْصِيَةً، أَوْ غَيْرَهَا. فَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْهَا: فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا قَوْلُ الْعَامَّةِ. وَقِيلَ: لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا) تَحْرِيمُ فِعْلِهِ. وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ فِعْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ، وَفُرُوعٌ أُخَرُ قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّاسِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْجَأَ إلَيْهِ، مِثْلُ: مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا. أَوْ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا. وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ: فَلَا يَحْنَثُ. الثَّانِي: أَنْ يُكْرَهَ بِالضَّرْبِ، وَالتَّهْدِيدِ، وَالْقَتْلِ، وَنَحْوِهِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ كَالنَّاسِي. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ الْإِلْجَاءِ رِوَايَتَانِ. وَاَلَّذِي نَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَدَمُ الْحِنْثِ. وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِالْإِلْجَاءِ: لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ. وَإِنْ قَدَرَ فَوَجْهَانِ: الْحِنْثُ، وَعَدَمُهُ. وَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَذَكَرَهُ الْمُذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَعَنْهُ: لَا حِنْثَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا. وَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ (كِتَابِ الْأَيْمَانِ) . وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: إنَّ رُوَاتَهَا بِقَدْرِ رِوَايَةِ التَّفَرُّقِ، وَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهُ حَالِفًا، لَا مُعَلِّقًا. وَالْحِنْثُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْمَحْلُوفِ بِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ: يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ (بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ) فِي فَصْلِ: مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ فَائِدَةٌ: حُكْمُ الْجَاهِلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حُكْمُ النَّاسِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَاعِلُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ، قِيلَ: كَالنَّاسِي. وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ حِنْثِهِ مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (حَلَفَ، فَقَالَ) (إنْ شَاءَ اللَّهُ) (لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ أَوْ تَرَكَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ) . يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ. وَنَحْوِهِ لَا غَيْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ.

وَقَالَ: عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ: وَيُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا، كَانْقِطَاعِهِ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إذَا قَالَ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إذَا اسْتَثْنَى فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: وَلَوْ تَكَلَّمَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَمَنْ حَلَفَ قَائِلًا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) قَصْدًا، فَخَالَفَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَهَا فِي الْمَجْلِسِ: فَرِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ. وَقَالَ مَعَهَا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مَعَ قَصْدِهِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ آخَرَ، أَوْ سُكُوتٍ يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، فَخَالَفَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قَالَهَا فِي الْمَجْلِسِ: فَرِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إلْحَاقُهُ بِهَا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي: أَنَّ رَدَّهُ إلَى يَمِينِهِ لَمْ يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهَا وَتَبَيُّنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ. وَاحْتَجَّ بِهِ الْمُوقِعُ فِي (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) . قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَمَشِيئَةِ اللَّهِ تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا: أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى إيجَادِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِهِ. فَالْمَشِيئَةُ مُتَعَلِّقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ. فَإِذَا وُجِدَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ شَاءَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الطَّلَاقِ: الْمَشِيئَةُ انْطَبَقَتْ عَلَى اللَّفْظِ بِحُكْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُوَ الْوُقُوعُ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ نُطْقُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ. إلَّا مِنْ خَائِفٍ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِفٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ. وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَاضِي. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَوْ أَرَادَ تَحْقِيقًا لِإِرَادَتِهِ وَنَحْوِهِ، لِعُمُومِ الْمَشِيئَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُمَا، مَعَ فَصْلِ الِاتِّصَالِ: أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَظَاهِرُ بَحْثِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْمُشْتَرَطَ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ. حَتَّى لَوْ نَوَى عِنْدَ تَمَامِ يَمِينِهِ: صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ وَجْهًا: اعْتِبَارُ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوَّلَ الْكَلَامِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ وَقَالَ (إنْ أَرَادَ اللَّهُ) وَقَصَدَ بِالْإِرَادَةِ الْمَشِيئَةَ. لَا إنْ أَرَادَ مَحَبَّتَهُ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ: فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَصْلُ عَدَمُهُ مِمَّنْ عَادَتُهُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ، تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ. وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ. وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، مُصَادِمٌ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ الْحِنْثُ إنْ كَانَ مَعْصِيَةً. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا حَرَامًا، أَوْ مُحَرَّمًا: وَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَإِنْ فَعَلَهُ أَثِمَ بِلَا كَفَّارَةٍ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: بَلَى، وَلَا يَجُوزُ تَكْفِيرُهُ قَبْلَ حِنْثِهِ الْمُحَرَّمِ. عَلَى مَا يَأْتِي. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَالْبِرُّ فِي النَّدْبِ أَوْلَى. وَكَذَا الْحِنْثُ فِي الْمَكْرُوهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ. يَتَخَيَّرُ فِي الْمُبَاحِ قَبْلَهَا. وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَا نَدْبَ فِي الْإِيلَاءِ لَيَفْعَلَ طَاعَةً ... وَلَا تَرْكِ عِصْيَانٍ عَلَى الْمُتَجَوِّدِ

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَفَ (لَا يَغْدِرُ) كَفَّرَ لِلْقَسَمِ، لَا لِغَدْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ حَلِفِهِ. فَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ. فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْإِفْرَاطِ. فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ كُرِهَ قَطْعًا قَوْلُهُ (وَإِذَا دُعِيَ إلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ: اُسْتُحِبَّ لَهُ افْتِدَاءُ يَمِينِهِ. فَإِنْ حَلَفَ: فَلَا بَأْسَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَالْأَوْلَى افْتِدَاءُ يَمِينِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ حَلِفُهُ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: تَرْكُهُ أَوْلَى. فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ. وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ كَعِنْدِ غَيْرِ الْحَاكِمِ. وَأَطْلَقَهُمَا شَارِحُ الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ. كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ، وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ «وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا» تَطْيِيبًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْهَدْيِ، عَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهَا جَوَازُ الْحَلِفِ.

بَلْ اسْتِحْبَابُهُ، عَلَى الْخَيْرِ الدِّينِيِّ الَّذِي يُرِيدُ تَأْكِيدَهُ. وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا. وَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ. فِي سُورَةِ يُونُسَ، وَسَبَأٍ، وَالتَّغَابُنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَلَالِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ كَالطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ لَا زَوْجَةَ لَهُ: لَمْ تَحْرُمْ. وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ) . وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَقَدَّمَ (إذَا حَرَّمَ زَوْجَتَهُ) فِي (بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ) فَلْيُعَاوَدْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، نَحْوِ " إنْ أَكَلْته، فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ ". جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَكَذَا " طَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ ". قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَإِنْ قَالَ (هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ) فَهُوَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ.

الثَّانِيَةُ: لَا يُغَيِّرُ الْيَمِينُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَحْرُمُ حِنْثُهُ وَقَصْدُهُ، لَا الْمَحْلُوفُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا مَا رَآهُ خَيْرًا وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ. وَأَنَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ عُدُولُ الْقَادِرِ إلَى الْكَفَّارَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا تُوجِبُ إيجَابًا، أَوْ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ. قَالَ: وَالْعُقُودُ وَالْعُهُودُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّفِقَةٌ. فَإِذَا قَالَ " أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ " فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ. وَلَوْ قَالَ " أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا أُكَلِّمَ زَيْدًا " فَيَمِينٌ وَعَهْدٌ لَا نَذْرٌ. فَالْأَيْمَانُ إنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِلَّهِ قُرْبَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ. وَهِيَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ، وَمُعَاهَدَةٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ لِلَّهِ مَا يَطْلُبُهُ اللَّهُ مِنْهُ. وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الْعُقُودِ الَّتِي بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَمُعَاقَدَةٌ وَمُعَاهَدَةٌ، يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا: لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا: خُيِّرَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ لِعِظَمِهِ. وَلَوْ حَلَفَ (لَا يَغْدِرُ) كَفَّرَ لِلْقَسَمِ لَا لِغَدْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ إثْمَهُ، بَلْ يَتَقَرَّبُ بِالطَّاعَاتِ. انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ هُوَ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ، أَوْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْقُرْآنِ، أَوْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) بِلَا نِزَاعٍ (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ فَعَلَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتِيَارُ جُمْهُورِ

الْأَصْحَابِ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْآخَرُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَنَقَلَ حَرْبٌ التَّوَقُّفَ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " أَكْفُرُ بِاَللَّهِ " أَوْ " لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، إنْ فَعَلَ كَذَا " فَفَعَلَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ " لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا ". وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمَا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَنْ جَدِّهِ الْمَجْدِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا حَلَفَ بِالْإِلْزَامَاتِ كَالْكُفْرِ، وَالْيَمِينِ بِالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْإِلْزَامَاتِ: كَانَتْ يَمِينُهُ غَمُوسًا، وَيَلْزَمُهُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ رَجَبٍ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ (وَالطَّاغُوتِ لَأَفْعَلَنَّهُ) لِتَعْظِيمِهِ لَهُ. مَعْنَاهُ عَظَّمْتُهُ إنْ فَعَلْته، وَفَعَلَهُ: لَمْ يَكْفُرْ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، بِخِلَافِ " هُوَ فَاسِقٌ إنْ فَعَلَهُ " لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَا، أَوْ نَحْوَهُ) . كَقَوْلِهِ " أَنَا أَسْتَحِلُّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَأَسْتَحِلُّ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ الزَّكَاةِ، أَوْ الصِّيَامِ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. وَأَجْرَى فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ. وَهُمَا مُخَرَّجَتَانِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَصَيْت اللَّهَ " أَوْ " أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ " أَوْ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ إنْ فَعَلَ " فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَجْرَى ابْنُ عَقِيلٍ الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ " لِإِسْقَاطِهِ حُرْمَتَهُ، وَ " عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ ". وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ ". وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي قَوْلِهِ " مَحَوْت الْمُصْحَفَ، وَعَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ ": أَنَّهُ يَمِينٌ، يَلْزَمُهُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ، لِدُخُولِ التَّوْحِيدِ فِيهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَعَمْرِي لَأَفْعَلَنَّ " أَوْ " لَا فَعَلْت " أَوْ " قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " أَوْ " أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ " فَهُوَ لَغْوٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ إبْرَارُ الْقَسَمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَإِجَابَةِ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ. فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ سَائِلٍ. يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ. انْتَهَى الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا " فَيَمِينٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هِيَ يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ. وَ (أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ) يَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي إطْلَاقِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الَّذِي حَنَّثَهُ. حَكَاهُ سُلَيْمٌ الشَّافِعِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى إجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَذَكَرَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ " فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " مَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ وَنَحْوُهُ لَأَفْعَلَنَّ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي: فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَرَتَّبَهَا أَيْضًا الْمُعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ لِأَخِيهِ الْمُوَفَّقِ بِاَللَّهِ، لَمَّا جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ. (تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ) . لَا تَشْمَلُ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: وَتَشْتَمِلُ أَيْضًا عَلَى الْحَجِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالنَّظْمِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا، وَنَوَاهَا: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) . إذَا كَانَ يَعْرِفُهَا الْحَالِفُ وَنَوَاهَا: انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ. وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي: إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا، بِأَنْ كَانَ يَجْهَلُهَا وَلَمْ يَنْوِهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْخِرَقِيُّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَفِيهِ وَجْهٌ: يَلْزَمُهُ مُوجَبُهَا، نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ، وَقَالَ: لِأَنَّ مِنْ أَصْلِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْكِتَابَةِ بِالْخَطِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. نَقَلَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَإِنْ نَوَاهَا وَجَهِلَهَا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِمَا فِيهَا إذَا نَوَاهَا جَاهِلًا لَهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَقَدْ تَوَقَّفَ شُيُوخُنَا الْقُدَمَاءُ عَنْ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كُنْت عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ قَالَ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي "؟ فَقَالَ: لَسْت أُفْتِي فِيهَا بِشَيْءٍ، وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ شُيُوخِنَا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْيَمِينِ. وَكَانَ أَبِي يَعْنِي الْحُسَيْنَ الْخِرَقِيَّ يَهَابُ الْكَلَامَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَالِفُ بِهَا بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَيْمَانِ. فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: عَرَفَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. عَرَفَهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي " إنْ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَيْمَانِ الْمُتَرَتِّبَةِ الْمَذْكُورَةِ: كَانَ لَاغِيًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ انْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي إنْ فَعَلْت ذَلِكَ " وَفَعَلَهُ. لَزِمْته يَمِينُ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. إذَا نَوَى ذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَيَلْزَمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَقِيَاسُ الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي يَمِينِ الْبَيْعَةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ وَيَلْتَزِمَهُ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَعْلَمَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهَا: ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ. وَأَلْزَمَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ الْحَالِفَ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَشْمَلُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ نَوَى. قَالَ الْمَجْدُ: ذَكَرَ الْقَاضِي الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّذْرُ: مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا بِعَدَمِ تَدَاخُلِ كَفَّارَتِهِمَا. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا بِالتَّدَاخُلِ: فَيُجْزِئُهُ لَهُمَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ. فَقَالَ لَهُ آخَرُ " يَمِينِي مَعَ يَمِينِك " أَوْ " أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِك " يُرِيدُ الْتِزَامَ مِثْلِ يَمِينِهِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ، إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا. قَالَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.

وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ حُكْمُهَا. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا قَوْلُهُ " أَنَا مَعَك " يَنْوِي فِي يَمِينِهِ. انْتَهَى. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا: لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " وَفَعَلَهُ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِ " عَلَيَّ يَمِينٌ " يَكُونُ يَمِينًا بِالنِّيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " وَنَوَى الْخَبَرَ: فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ نَوَى الْقَسَمَ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هِيَ يَمِينٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَهَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهَذَا الْأَخِيرِ فِي الْكَافِي.

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ تَخْرِيجُ: إنْ أَرَادَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ، وَتَخْرِيجُ لَأَفْعَلَنَّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ لَامُ الْقَسَمِ، فَلَا تُذْكَرُ إلَّا مَعَهُ مُظْهَرًا أَوْ مُقَدَّرًا. وَتَقَدَّمَ إذَا قَالَ " قَسَمًا بِاَللَّهِ " أَوْ " أَلِيَّةً بِاَللَّهِ ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا قَالَ " حَلَفْت " وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ كَذْبَةٌ. لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". الثَّانِيَةُ: تَقَدَّمَ انْعِقَادُ يَمِينِ الْكَافِرِ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (فَصْلٌ: فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا. فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) . وَسَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا أَوْ أَكْثَرَ. (أَوْ كِسْوَتِهِمْ) وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ بَعْضًا وَيَكْسُوَ بَعْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ

وَفِيهِ قَوْلٌ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسَيْنِ. وَكَعِتْقٍ مَعَ غَيْرِهِ، أَوْ إطْعَامٍ وَصَوْمٍ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا يُجْزِئُ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، فِي " بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ". قَوْلُهُ (وَالْكِسْوَةُ لِلرَّجُلِ: ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ. وَلِلْمَرْأَةِ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْآخِذِ فِيهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: مَا يُجْزِئُ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِيهِ. وَكَذَا نَقَلَ حَرْبٌ: يَجُوزُ فِيهِ الْفَرْضُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إجْزَاءُ مَا يُسَمَّى كِسْوَةً. وَلَوْ كَانَ عَتِيقًا. وَهُوَ صَحِيحٌ، إذَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يُجْزِئُ الْحَرِيرُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُجْزِئُ مَا يَجُوزُ لِلْآخِذِ لُبْسُهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً، وَكَسَا خَمْسَةً: أَجْزَأَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَّجَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ كَإِعْطَائِهِ فِي الْجُبْرَانِ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَلَوْ أَطْعَمَهُ بَعْضَ الطَّعَامِ، وَكَسَاهُ بَعْضَ الْكِسْوَةِ: لَمْ يُجْزِئْهُ. وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ، وَأَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ، أَوْ كَسَاهُمْ: لَمْ يُجْزِئْهُ.

وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ تَمَامِهِ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ لَهُ التَّتْمِيمُ بِالصَّوْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ مَعَ التَّيَمُّمِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ. وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ " إذَا أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ ". قَوْلُهُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَجْزًا كَعَجْزِهِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: كَعَجْزِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَةِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ؟ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (مُتَتَابِعَةٍ) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وُجُوبُ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَهُ تَفْرِيقُهَا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبًا، وَيَقْدِرُ عَلَى الشِّرَاءِ بِنَسِيئَةٍ: لَمْ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ فِعْلُ الصَّوْمِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الظِّهَارِ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ غَيْبَةِ مَالِهِ: أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ. قَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. حَتَّى إنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ، وَأَبَا الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيَّ وَغَيْرَهُمْ: جَزَمُوا بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مُسْتَوْفًى فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ " إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ، هَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ. أَمْ لَا؟ " قَوْلُهُ (إنْ شَاءَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ عَلَى رِوَايَةٍ حِنْثُهُ بِعَزْمِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ يَمِينِهِ بِنِيَّتِهِ: لَا يَجُوزُ. بَلْ لَا يَصِحُّ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ عِبَادَةٍ كَالصَّلَاةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَحِنْثٍ مُحَرَّمٍ فِي وَجْهٍ. وَأَمَّا الظِّهَارُ وَمَا فِي حُكْمِهِ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْكَفَّارَةِ، عَلَى مَا مَضَى فِي بَابِهِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ: فَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَغَيْرِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: التَّكْفِيرُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَفْضَلُ. وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَعُورِضَ بِتَعْجِيلِ النَّفْعِ لِلْفُقَرَاءِ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: قَبْلَهُ أَفْضَلُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: تَقَدُّمُ الْكَفَّارَةِ وَاجِبَةٌ. فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ. لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الزَّكَاةِ. الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ التَّخْيِيرَ جَارٍ، إنْ كَانَ الْحِنْثُ حَرَامًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا. الثَّالِثَةُ: الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ مُحَلِّلَةٌ لِلْيَمِينِ لِلنَّصِّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِفَقْرِهِ، ثُمَّ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ غَيْرُ مَا أَتَى بِهِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ: وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضَهُ فِي الظَّاهِرِ. الْخَامِسَةُ: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَنِثَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبَانِ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْقَوَاعِدُ الْأُصُولِيَّةُ، وَغَيْرُهُمَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ " قَوْلُهُ (وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي: إذَا كَانَ مُوجِبُهَا وَاحِدًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ. كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُكَفِّرْ. أَمَّا إنْ كَفَّرَ بِحِنْثِهِ فِي أَحَدِهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِي غَيْرِهَا: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ بِلَا رَيْبٍ. قَوْلُهُ (وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ: فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. حَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَاَلَّذِي عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَا قُمْت، وَاَللَّهِ لَا قُمْت) وَمَا أَشْبَهَهُ وَاَلَّذِي عَلَى أَفْعَالٍ نَحْوُ (وَاَللَّهِ لَا قُمْت، وَاَللَّهِ لَا قَعَدْت) وَمَا أَشْبَهَهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْعُمْدَةِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُغَلِّظَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَرَّرَ الْأَيْمَانَ: أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ: أَطْعَمَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إلَى بَيْتِ اللَّهِ " أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ " فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيمَنْ " قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلُ كَذَا " وَكَرَّرَهُ: لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ يَنْوِ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ فِي وَاحِدٍ. وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ فِي الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. لِانْتِفَاءِ التَّدَاخُلِ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ. قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ: الصِّيَامُ. وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ حَلَفَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَذْرِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: اعْلَمْ أَنَّ تَكْفِيرَ الْعَبْدِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ وَالظِّهَارِ وَالْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا لِلْأَصْحَابِ فِيهَا طُرُقٌ. أَحَدُهَا: الْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِهِ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ، فَلَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ يَسْتَدْعِي مِلْكَ الْمَالِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ خَاصَّةً. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَالِ: فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ. وَهَلْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، أَوْ يَجُوزُ لَهُ مَعَ إجْزَاءِ الصِّيَامِ؟ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْفَوَائِدِ: الْمُتَوَجَّهُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مَالٌ، فَأَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ

بِالتَّكْفِيرِ مِنْهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، بَلْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَمْلِكَهُ لِيُكَفِّرَ: لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا بُذِلَ لَهُ مَالٌ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ لُزُومِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ، وَنَفْيِ اللُّزُومِ فِي الظِّهَارِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ. حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ. فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ: أَنَّ تَمَلُّكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ. وَوَجْهُ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ: لَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ. وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا نَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا: لَا يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ. كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ قَاصِرٌ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ. فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُبِيحُ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، كَمَا أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ بِهِ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي " بَابِ الْفِدْيَةِ ": ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ: إلَى أَنَّ لَهُ التَّكْفِيرَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمِلْكِهِ، بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهَا فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ خَاصٌّ بِقَدْرِ مَا يُكَفِّرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ ": ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ جَوَازُ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ يَمْلِكُ. وَلَهُمْ مُدْرَكَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَدْرَ الْمُكَفَّرَ بِهِ مِلْكًا خَاصًّا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُكَفِّرِ. انْتَهَى. وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ: أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ يَحْتَاجُ إلَى مِلْكٍ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ رَجُلًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ، فَفَعَلَ: أَجْزَأَ. وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْتِقَ عَنْهُ: فَفِي إجْزَائِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ عَنْ مُورِثِهِ: صَحَّ. وَلَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِالْعِتْقِ: لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَوْرُوثِ: لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالْإِطْعَامِ بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ: وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ. وَفِيهِ بِعِتْقٍ رِوَايَتَانِ. اخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ جَوَازَ تَكْفِيرِهِ بِالْعِتْقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جَازَ وَأَطْلَقَ، فَفِي عِتْقِهِ نَفْسَهُ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ وَالْإِجْزَاءُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَازَ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَلْزَمُهُ عَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الظِّهَارِ: تَرَدَّدَ الْأَصْحَابُ فِي الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصِّيَامِ بِحَالٍ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ " وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، فَلَا يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ فَرْضُهُ غَيْرَ الصِّيَامِ بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ الْحُرِّ الْعَاجِزِ، فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ التَّامِّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَمِنْ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخِرَقِيُّ فِي الْعَبْدِ إذَا حَنِثَ، ثُمَّ عَتَقَ: لَا يُجْزِئُهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ. بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا حَنِثَ ثُمَّ أَيِسَ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا. وَقَالَ فِي الْحُرِّ الْمُعْسِرِ: يَصُومُ فِي الْإِحْصَارِ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ قَوْلُهُ (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ: فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ، وَالْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ فَائِدَةٌ: يُكَفِّرُ الْكَافِرُ وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْعَقِدُ كَالْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ

باب جامع الأيمان

[بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ] ِ قَوْلُهُ (يُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ عُمُومُ لَفْظِهِ عَلَى النِّيَّةِ احْتِيَاطًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " يَرْجِعُ فِي الْأَيْمَانِ إلَى النِّيَّةِ " مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِهَا غَيْرَ ظَالِمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَنْ يَحْتَمِلَهَا لَفْظُهُ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَمَاعَةٌ: وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ إذَا قَرُبَ الِاحْتِمَالُ، وَإِنْ قَوِيَ بُعْدُهُ مِنْهُ: لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ تَوَسَّطَ: فَرِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ ". وَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُ بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ، وَذِكْرُ الْخُرُوجِ مِنْ مَضَايِقِ الْأَيْمَانِ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ " فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ: رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَتَذْكِرَةُ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرُ، وَمُنْتَخَبُ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدَّمَ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ الْخِرَقِيُّ، وَالْإِرْشَادُ، وَالْمُبْهِجُ.

وَحَكَى رِوَايَةً. وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي بِمُوَافَقَتِهِ لِلْوَضْعِ. وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ عُمُومُ لَفْظِهِ عَلَى سَبَبِ الْيَمِينِ احْتِيَاطًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: وَعَلَى النِّيَّةِ أَيْضًا. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اعْتَمَدَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ عَلَى السَّبَبِ. وَعَكَسَ ذَلِكَ الشِّيرَازِيُّ. فَقَدَّمَ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ. انْتَهَى. قُلْت: وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " وَقَدَّمَ الْخِرَقِيُّ السَّبَبَ عَلَى النِّيَّةِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا ظَاهِرَ اللَّفْظِ، وَلَا غَيْرَ ظَاهِرِهِ رَجَعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا، أَيْ أَثَارَهَا. فَإِذَا حَلَفَ " لَا يَأْوِي مَعَ امْرَأَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ " وَكَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ غَيْظًا مِنْ جِهَةِ الدَّارِ لِضَرَرٍ لَحِقَهُ مِنْ جِيرَانِهَا، أَوْ مِنَّةٍ حَصَلَتْ عَلَيْهِ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ: اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَإِنْ كَانَ لِغَيْظٍ مِنْ الْمَرْأَةِ يَقْتَضِي جَفَاءَهَا، وَلَا أَثَرَ لِلدَّارِ فِيهِ: تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ دَارٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِالنَّصِّ وَمَا عَدَاهَا بِعِلَّةِ الْجَفَاءِ الَّتِي اقْتَضَاهَا السَّبَبُ. وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ بَلَدًا) لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، وَ (لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا) لِشُرْبِهِ الْخَمْرَ. فَزَالَ الظُّلْمُ، وَتَرَكَ زَيْدٌ شُرْبَ الْخَمْرِ: جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ، لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْيَمِينِ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ خَاصًّا، وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، كَمَا مَثَّلْنَاهُ أَوَّلًا، أَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًا وَالسَّبَبُ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، كَمَا مَثَّلْنَاهُ ثَانِيًا. وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِيمَا عَلِمْت فِي الرُّجُوعِ إلَى السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ. فَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ.

وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فِيهِ قَوْلَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ. أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَفِي غَيْرِهِ، وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ: الشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا: يُؤْخَذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: يُحْمَلُ اللَّفْظُ الْعَامُّ عَلَى السَّبَبِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ الْبَلَدَ " لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. وَيَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ " لَا يَتَغَدَّى " أَوْ حَلَفَ " لَا يَخْرُجُ عَبْدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَالْحَالُ يَقْتَضِي مَا دَامَا كَذَلِكَ. وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إلَى هَذَا التَّعْلِيقِ. انْتَهَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَلْ يُخَصُّ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِسَبَبِهِ الْخَاصِّ، إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ، أَمْ يُقْضَى بِعُمُومِ اللَّفْظِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَخَذُوهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مِنْ نَهْرٍ، لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النَّذْرُ يُوَفِّي بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْعِبْرَةُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. لَكِنَّ الْمَجْدَ اسْتَثْنَى صُورَةَ النَّهْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا، كَمَنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَلَدًا " لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ. فَجَعَلَ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَعَدَّى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ إلَيْهَا. وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ. وَاخْتَارَهُ الشِّيحُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ الْمَنْصُوصَةِ، وَذَكَرَهُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَقَدْ يَكُونُ لَحَظَ هَذَا جَدُّهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا. فَقَضَاهُ قَبْلَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) إذَا قَضَاهُ قَبْلَ الْغَدِ لَمْ يَحْنَثْ، إذَا قَصَدَ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، وَإِلَّا حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ: لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ لَا يَقْتَضِيهِ أَيْضًا. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ وَنَقْلُهُ. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ " لَآكُلَنَّ شَيْئًا غَدًا " أَوْ " لَأَبِيعَنَّهُ " أَوْ " لَأَفْعَلَنَّهُ ".

فَأَمَّا إنْ حَلَفَ " لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا " وَقَصَدَ مَطْلَهُ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ: حَنِثَ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ: لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهِ) . وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ. وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَإِنْ دُعِيَ إلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى: اُخْتُصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ إذَا قَصَدَهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْكِفَايَةِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنْ الْعَطَشِ " يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةَ) أَوْ كَانَ السَّبَبُ قَطْعَ الْمِنَّةِ. (حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ، وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَقَلَّ، كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا " يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا: حَنِثَ) . وَكَذَا إنْ انْتَفَعَ بِثَمَنِهِ.

وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لَوْ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا غَيْرِ الْغَزْلِ وَثَمَنِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِقَدْرِ مِنَّتِهِ فَأَزْيَدَ. جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَفِي التَّعْلِيقِ، وَالْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهِمَا: يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً، لِيَخْرُجَ مَجْرَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ. وَكَذَا سِوَى الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَأَنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ " حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَهُ خُبْزًا " وَالسَّبَبُ الْمِنَّةُ: حَنِثَ بِأَكْلِ غَيْرِهِ كَائِنًا مَا كَانَ. وَأَنَّهُ إنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا " فَلَبِسَ عِمَامَةً أَوْ عَكْسُهُ، إنْ كَانَتْ امْتَنَّتْ بِغَزْلِهَا: حَنِثَ بِكُلِّ مَا يَلْبَسُهُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَكَذَا مَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَالِفَ عَلَى خُبْزِ غَيْرِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَمَائِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ " يُرِيدُ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا: حَنِثَ) . وَكَذَا لَوْ حَلَفَ. فَقَالَ " لَا عُدْت رَأَيْتُك تَدْخُلِينَهَا " يَنْوِي مَنْعَهَا: حَنِثَ وَلَوْ لَمْ يَرَهَا. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ: لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ وَنَحْوَهُ. يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ

انْحَلَّتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إلَيْهِ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: هَذَا أَوْلَى. لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ سَوَاءً. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ السَّبَبَ إذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، عَمَّمْنَاهَا بِهِ. وَإِنْ اقْتَضَى الْخُصُوصَ مِثْلُ مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ. فَزَالَ الظُّلْمُ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعَ السَّبَبِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَنَصُّهُ: يَحْنَثُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَصَاحِبِ الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نِيَّةٌ، فَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ، وَذَكَرَاهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي " فَعُزِلَ: انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا) . قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: قَوْلُهُ " انْحَلَّتْ يَمِينُهُ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَوْدُ الصُّفَّةِ. فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَوَى تِلْكَ الْوِلَايَةَ. وَذَلِكَ النِّكَاحَ وَنَحْوَهُ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. أَحَدُهُمَا: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. صَحَّحَهُ التَّصْحِيحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَصَاحِبِ الْقَوَاعِدِ. لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَاعِدَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ السَّبَبُ أَوْ الْقَرَائِنُ تَقْتَضِي حَالَةَ الْوِلَايَةِ: اُخْتُصَّ بِهَا. وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي الرَّفْعَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبُ الْمُنْكَرِ قَرَابَةَ الْوَالِي مَثَلًا وَقَصَدَ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِ: تَنَاوَلَ الْيَمِينُ حَالَ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَوْ رَأَى الْمُنْكَرَ فِي وِلَايَتِهِ فَأَمْكَنَهُ رَفْعُهُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى عُزِلَ: لَمْ يَبَرَّ بِرَفْعِهِ إلَيْهِ فِي حَالِ عَزْلِهِ. وَهَلْ يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ رَفْعِهِ إلَيْهِ: حَنِثَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ يَمِينِهِ لَا تَنْحَلُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، لَوْ رَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ بَرَّ بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ: إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَالِي إذَنْ، فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ. وَتَابَعَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، فَقِيلَ: فَاتَ الْبِرُّ كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ. وَقِيلَ: لَا لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَكَذَا قَوْلُهُ جَوَابًا لِقَوْلِهَا " تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ " " كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ " تَطْلُقُ عَلَى نَصِّهِ. وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، أَخْذًا بِالْأَعَمِّ مِنْ لَفْظٍ وَسَبَبٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ) يَعْنِي: النِّيَّةَ، وَسَبَبَ الْيَمِينَ، وَمَا هَيَّجَهَا (رَجَعَ إلَى التَّعْيِينِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ هُنَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الِاسْمُ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً عَلَى التَّعْيِينِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فَإِنْ عَدِمَ النِّيَّةَ وَالسَّبَبَ رَجَعْنَا إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. فَإِنْ اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالتَّعْيِينُ، أَوْ الصِّفَةُ وَالتَّعْيِينُ: غَلَّبْنَا التَّعْيِينَ. فَإِنْ اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالْعُرْفُ، فَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فَأَيُّهُمَا يُغَلَّبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. فَتَارَةً غَلَّبُوا الِاسْمَ. وَتَارَةً غَلَّبُوا الْعُرْفَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ النِّيَّةَ، ثُمَّ السَّبَبَ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا، ثُمَّ لُغَةً. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ: النِّيَّةُ، ثُمَّ السَّبَبُ، ثُمَّ التَّعْيِينُ، ثُمَّ إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. وَإِنْ كَانَ لِلَّفْظِ عُرْفٌ غَالِبٌ، حُمِلَ كَلَامُ الْحَالِفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ " فَدَخَلَهَا. وَقَدْ صَارَتْ فَضَاءً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ مَسْجِدًا، أَوْ بَاعَهَا. أَوْ " لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ، أَوْ رِدَاءً، أَوْ عِمَامَةً وَلَبِسَهُ. أَوْ " لَا كَلَّمْت هَذَا الصَّبِيَّ " فَصَارَ شَيْخًا، أَوْ " امْرَأَةَ فُلَانٍ " أَوْ " صَدِيقَهُ فُلَانًا " أَوْ " غُلَامَهُ سَعْدًا " فَطَلُقَتْ الزَّوْجَةُ، وَزَالَتْ الصَّدَاقَةُ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَكَلَّمَهُمْ. أَوْ " لَا أَكَلْت لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ " فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ " لَا أَكَلْت هَذَا الرُّطَبَ " فَصَارَ تَمْرًا أَوْ دِبْسًا) نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ خَلًّا أَوْ " لَا أَكَلْت هَذَا اللَّبَنَ " فَتَغَيَّرَ، أَوْ عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَكَلَهُ: حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَغَيْرَهُ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا نِيَّةَ وَلَا سَبَبَ: حَنِثَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ " لَا أَكَلْت هَذِهِ الْبَيْضَةَ " فَصَارَتْ فَرْخًا، أَوْ " لَا أَكَلْت هَذِهِ الْحِنْطَةَ " فَصَارَتْ زَرْعًا، فَأَكَلَهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. قَالَا: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ حَلَفَ " لَا شَرِبْت هَذَا الْخَمْرَ " فَصَارَ خَلًّا. فَاسْتَثْنَوْا هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ أَصْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّهُ طَرَدَ الْقَوْلَ حَتَّى فِي الْبَيْضَةِ وَالزَّرْعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ " وَلَمْ يَقُلْ " هَذِهِ " أَوْ " لَا أَكَلْت التَّمْرَ الْحَدِيثَ " فَعَتَقَ، أَوْ " الرَّجُلَ الصَّحِيحَ " فَمَرِضَ، أَوْ " لَا دَخَلْت هَذِهِ السَّفِينَةَ " فَنُقِضَتْ ثُمَّ أُعِيدَتْ فَفَعَلَ: حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ فِي السَّفِينَةِ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْحِنْثِ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) يَعْنِي: النِّيَّةَ، وَسَبَبُ الْيَمِينِ، وَمَا هَيَّجَهَا وَالتَّعْيِينُ (رَجَعْنَا إلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ عَلَى التَّعْيِينِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ يُوسُفِ بْنِ الْجَوْزِيِّ: فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ النِّيَّةَ، ثُمَّ السَّبَبَ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا، ثُمَّ لُغَةً. فَائِدَةٌ: الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْعُرْفِيَّ، وَالشَّرْعِيَّ، وَاللُّغَوِيَّ. فَيُقَدَّمُ اللَّفْظُ الشَّرْعِيُّ وَالْعُرْفِيُّ عَلَى اللُّغَوِيِّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: يُقَدَّمُ الِاسْمُ عُرْفًا، ثُمَّ شَرْعًا، ثُمَّ لُغَةً. فَأَفَادَنَا تَقْدِيمَ الْعُرْفِيِّ عَلَى الشَّرْعِيِّ. وَقَدَّمَ وَلَدُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الْعُرْفَ ثُمَّ اللُّغَةَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ. وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ. فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ. فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ مِنْ الْأَوْجُهِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْبَيْعِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي بَيْعٍ وَنِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، هَلْ يَحْنَثُ؟ يَنْبَنِي عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَجْدُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْخَمْسِينَ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ، فَحَجَّ حَجًّا فَاسِدًا: حَنِثَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ إلَى شَيْءٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوْ الْحُرَّ: فَيَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " إنْ سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَفَعَلَتْ: لَمْ تَطْلُقْ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لَوْ قَالَ " إنْ طَلَّقْت فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَوُجِدَ: لَمْ تَطْلُقْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الشِّرَاءُ مِثْلُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَخَالَفَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي " سَرَقْت مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ " كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا تَسَرَّيْت " فَوَطِئَ جَارِيَتَهُ: حَنِثَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ كَحَلِفِهِ لَا يَطَأُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُنْزِلَ، فَحْلًا كَانَ أَوْ خَصِيًّا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ حَلَفَ وَلَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ: حَنِثَ بِالْوَطْءِ. وَإِنْ حَلَفَ وَقَدْ مَلَكَهَا: حَنِثَ بِالْوَطْءِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَعْزِلَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: إنْ عَزَلَ لَمْ يَحْنَثْ. وَعَنْهُ: فِي مَمْلُوكَةٍ وَقْتَ حَلِفِهِ. انْتَهَى قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ: لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ: قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ إنْ قُلْنَا: يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ صَوْمًا: لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا. بِلَا نِزَاعٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ: حَنِثَ بِإِحْرَامِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِفَرَاغِهِ مِنْ أَرْكَانِهِ وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُصَلِّي " لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً) . يَعْنِي: بِسَجْدَتَيْهَا. هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ " حَلَفَ لَا صَلَّيْت صَلَاةً " لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُصَلِّي " حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ إنْ قُلْنَا حَنِثَ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْمُصَنِّفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ حَتَّى تَفْرُغَ الصَّلَاةُ. كَقَوْلِهِ " صَلَاةً، أَوْ صَوْمًا " وَكَحَلِفِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ. اخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ عَلَى رِوَايَةٍ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يُخَرَّجُ إذَا أَفْسَدَهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَ حَالَ حَلِفِهِ صَائِمًا أَوْ حَاجًّا، فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَةِ الثَّلَاثَةِ وَجْهَانِ. يَعْنِي: الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحَجَّ. الثَّانِيَةُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " لَا يُصَلِّي " صَلَاةَ الْجِنَازَةِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَالطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، وَلَا مُضَافَةٍ. فَلَا يُقَالُ: صَلَاةُ الطَّوَافِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّوَافُ صَلَاةٌ. وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ: عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ، وَهُوَ النُّطْقُ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: الطَّوَافُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ فِيهِ الْكَلَامُ وَالْأَكْلُ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ. فَهُوَ كَالسَّعْيِ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا وَلَا يُوصِي لَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " فَفَعَلَ، وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ: حَنِثَ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. لَكِنْ قَالَ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ. فَبَاعَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ الْقَاضِي مِثْلَ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ: فِي " إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ". وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَالَ لِآخَرَ " إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ " فَاشْتَرَاهُ: عَتَقَ مِنْ بَائِعِهِ سَابِقًا لِلْقَبُولِ. وَجَزَمَ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا حَلَفَ " لَا يَبِيعُ، وَلَا يُؤَجِّرُ، وَلَا يُزَوِّجُ " فَأَوْجَبَ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " فَوَهَبَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَهَبُهُ " فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَقَدَّمَاهُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، وَالنَّذْرُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالضِّيَافَةُ الْوَاجِبَةُ: فَلَا يَحْنَثُ. قَوْلًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ: حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. كَصَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ، وَنَذْرٍ، وَكَفَّارَةٍ، وَتَضْيِيفِهِ، وَإِبْرَائِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ: حَنِثَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَهْدَى إلَيْهِ: حَنِثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ " فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوْ الْمُخَّ أَوْ الْكَبِدَ، أَوْ الطِّحَالَ، أَوْ الْقَلْبَ، أَوْ الْكَرِشَ، أَوْ الْمُصْرَانَ أَوْ الْأَلْيَةَ، أَوْ الدِّمَاغَ، أَوْ الْقَانِصَةَ: لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ. وَفِي تَضَاعِيفِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لَحْمٌ. وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " عَلَى مَا يَأْتِي. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ الْكُلْيَةَ، وَالْكَارِعَ. فَلَا يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ. فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ حَنِثَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ لَحْمَ الرَّأْسِ، أَوْ لَحْمًا لَا يُؤْكَلُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخَدِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِاخْتِيَارِهِ فِي الْهِدَايَةِ. فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا " لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا. فَغَلَّبَ الْعُرْفَ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الرَّأْسِ فِي الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي فِي أَكْلِ لَحْمٍ لَا يُؤْكَلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ لَحْمٍ. فَتَدْخُلُ اللُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ. انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِلَحْمِ الرَّأْسِ وَبِلَحْمِ غَيْرِ مَأْكُولٍ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: حَنِثَ بِأَكْلِ الرَّأْسِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَنْوِيَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خَدِّ الرَّأْسِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَقَالَا: لَوْ أَكَلَ اللِّسَانَ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللِّسَانِ عَلَى أَظْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَحْمًا " تَنَاوَلَتْ يَمِينُهُ أَكْلَ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ كَارِعًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ اسْمَ " اللَّحْمُ " لَا يَتَنَاوَلُ الرُّءُوسَ وَالْكَوَارِعَ وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي " إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ: لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الَأَدَمِيِّ وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ " لَا يُعْجِبُنِي؛ لِأَنَّ طَعْمَ اللَّحْمِ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَرَقِ ".

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ. قَالَ: وَالْأَقْوَى لَا يَحْنَثُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي: يَحْنَثُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَنَاقَضَ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ " فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ: حَنِثَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ: الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ مِنْ شَحْمِ الْكُلَى، أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّاةِ مِنْ لَحْمِهَا الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ، وَالْأَلْيَةِ، وَالْكَبِدِ، وَالطِّحَالِ، وَالْقَلْبِ فَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي بِهِ ابْنَ حَامِدٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اسْمَ " الشَّحْمُ " لَا يَقَعُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَلْ بَيَاضُ اللَّحْمِ كَسَمِينِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ وَسَنَامٍ لَحْمٌ أَوْ شَحْمٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي النَّظْمِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " حَنِثَ بِأَكْلِ الْأَلْيَةِ لَا اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ: لَيْسَتْ الْأَلْيَةُ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَبَنًا " فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جَنْبًا: لَمْ يَحْنَثْ) . وَكَذَا لَوْ أَكَلَ أَقِطًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الزُّبْدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي الزُّبْدِ: إنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ، حَنِثَ بِأَكْلِهِ. وَإِلَّا فَلَا. كَمَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سَمْنًا " فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ " إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ " فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ: إنْ أَكَلَ الْجُبْنَ، أَوْ الْأَقِطَ، أَوْ الزُّبْدَ: حَنِثَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا: لَمْ يَحْنَثْ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ أَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الزُّبْدُ: لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ الزُّبْدُ فِيهِ ظَاهِرًا: حَنِثَ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَأَكَلَ حَلِيبًا أَوْ مَخِيضًا أَوْ جَامِدًا لَمْ يَظْهَرْ زُبْدُهُ: لَمْ يَحْنَثْ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ زُبْدًا " فَأَكَلَ سَمْنًا: لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْفَاكِهَةِ. فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالرُّمَّانِ: حَنِثَ) . إنْ أَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ رُطَبًا: حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ يَابِسًا كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ، وَالْعُنَّابِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالتِّينِ، وَالْمِشْمِشِ الْيَابِسِ، وَالْإِجَّاصِ، وَنَحْوِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَصَحُّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ ذَلِكَ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ كَالْحُبُوبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الزَّيْتُونُ لَيْسَ مِنْ الْفَاكِهَةِ. وَكَذَلِكَ الْبَلُّوطُ وَسَائِرُ ثَمَرِ الشَّجَرِ الْبَرِّيِّ الَّذِي يُسْتَطَابُ، كَالزُّعْرُورِ الْأَحْمَرِ، وَثَمَرِ الْقَيْقَبِ، وَالْعَفَصِ، وَحَبِّ الْآسِ، وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ وَجْهًا فِي الزَّيْتُونِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالزُّعْرُورِ أَنَّهُ فَاكِهَةٌ. قُلْت. وَحَبُّ الْآسِ وَالْقَيْقَبِ كَذَلِكَ. وَالْبُطْمُ: لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. الثَّانِيَةُ: " الثَّمَرَةُ " تُطْلَقُ عَلَى الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ شَرْعًا وَلُغَةً. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي السَّرِقَةِ مِنْهَا وَغَيْرِهِ. وَفِي طَرِيقَةٍ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَمِ: اسْمُ " الثَّمَرَةِ " إذَا أُطْلِقَ لِلرَّطْبَةِ. وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ ثَمَرَةٍ، فَاشْتَرَى ثَمَرَةً يَابِسَةً: لَمْ تَلْزَمْهُ. وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهَا: الثَّمَرُ اسْمٌ لِلرُّطَبِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ: حَنِثَ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَرْعِ وَالْبَاذِنْجَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْخُضَرِ. وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، كَالْجَزَرِ، وَاللِّفْتِ، وَالْفُجْلِ، وَالْقُلْقَاسِ، وَالسَّوْطَلِ، وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رُطَبًا " فَأَكَلَ مُذَنَّبًا) وَهُوَ الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الْإِرْطَابُ مِنْ ذَنَبِهِ وَبَاقِيهِ بُسْرٌ (حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ تَمْرًا " فَأَكَلَ رُطَبًا، أَوْ دِبْسًا، أَوْ نَاطِفًا: لَمْ يَحْنَثْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ: رِوَايَةً بِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رُطَبًا " فَأَكَلَ تَمْرًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ أَدْمًا " حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتُونِ وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ) .

وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْمِلْحَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ وَمِلْحٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: الْمِلْحُ لَيْسَ بِأَدْمٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: هُوَ مِنْ الْأَدْمِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ مِنْ الْأَدْمِ. فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: الزَّبِيبُ وَنَحْوُهُ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْتَدَمُ بِهِ. وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الزَّبِيبِ قَالُوا: لِأَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ طَعَامًا " حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُسَمَّى طَعَامًا: مِنْ قُوتٍ وَأَدْمٍ وَحَلْوَاءَ، وَجَامِدٍ وَمَائِعٍ.

وَفِي مَاءٍ وَدَوَاءٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَتُرَابٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِي الْمَاءِ وَالدَّوَاءِ وَجْهَانِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَعَامًا فِي الْعُرْفِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُسَمَّى ذَلِكَ طَعَامًا فِي الْأَظْهَرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ قُوتًا " حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزٍ وَتَمْرٍ وَتِينٍ وَلَحْمٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْقُوتُ مَا تَبْقَى مَعَهُ الْبِنْيَةُ، كَخُبْزٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ فِي النَّظْمِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يَخْتَصُّ بِقُوتِ بَلَدِهِ فِي الْأَظْهَرِ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِمَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ. وَإِنْ أَكَلَ سَوِيقًا أَوْ اسْتَفَّ دَقِيقًا، أَوْ حَبًّا يَقْتَاتُ بِخُبْزِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِأَكْلِ الْحَبِّ. وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ حِصْرِمًا أَوْ خَلًّا: لَمْ يَحْنَثْ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ (الْعَيْشُ) يَتَوَجَّهُ فِيهِ عُرْفًا الْخُبْزُ. وَفِي اللُّغَةِ: الْعَيْشُ لِلْحَيَاةِ. فَيَتَوَجَّهُ مَا يَعِيشُ بِهِ. فَيَكُونُ كَالطَّعَامِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ شَيْئًا " فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا،

أَوْ جَوْشَنًا أَوْ خُفًّا أَوْ نَعْلًا: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا " حَنِثَ كَيْفَمَا لَبِسَهُ. وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ. وَلَوْ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ أَوْ ائْتَزَرَ بِقَمِيصٍ لِإِبْطَيْهِ وَتَرَكَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. جَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ. وَإِنْ قَالَ " قَمِيصًا " فَائْتَزَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. جَزَمَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَةِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً " فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَسَفَهٌ. الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا " فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَحْنَثُ أَيْضًا بِلُبْسِ خَاتَمٍ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَجْهًا وَاحِدًا. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ: عَدَمَ الْحِنْثِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي لُبْسِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ. فَأَمَّا فِي الْخِنْصَرِ: فَلَا نِزَاعَ فِيهِ. السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا أَوْ سَبَجًا: لَمْ يَحْنَثْ) بِلَا نِزَاعٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِحِنْثِهِ بِلُبْسِهِ الْعَقِيقَ: لَمَا كَانَ بَعِيدًا. وَلَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِلُبْسِ الْحَرِيرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: تَحْنَثُ الْمَرْأَةُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَحْنَثُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ، وَهُوَ مِنْ الْحُلِيِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْإِرْشَادِ: لَوْ لَبِسَ ذَهَبًا أَوْ لُؤْلُؤًا وَحْدَهُ: حَنِثَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَا مُفْرَدَيْنِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: فِي لُبْسِهِ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: هِيَ مِنْ الْحُلِيِّ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَتْ مِنْ الْحُلِيِّ. فَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهَا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ، وَعَادَةِ مَنْ يَلْبَسُهَا هِيَ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، وَلَا يَدْخُلُ دَارِهِ " فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارِهِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فُلَانٌ: حَنِثَ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ دَخَلَ دَارًا اسْتَعَارَهَا السَّيِّدُ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ. وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا: لَمْ يَحْنَثْ قَوْلًا وَاحِدًا. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ الثَّالِثَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ مَسْكَنَهُ " حَنِثَ بِدُخُولِ مَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اسْتَعَارَهُ لِلسُّكْنَى. وَفِي حِنْثِهِ بِدُخُولِ مَغْصُوبٍ، أَوْ فِي دَارٍ لَهُ لَكِنَّهَا لِغَيْرِ السُّكْنَى: وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَالْبُلْغَةِ: وَالْأَقْوَى إنْ كَانَتْ سَكَنَهُ مَرَّةً: حَنِثَ. وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ قَالَ " لَا أَسْكُنُ مَسْكَنَهُ " فَفِيمَا لَا يَسْكُنُهُ مِنْ مِلْكٍ، أَوْ يَسْكُنُهُ بِغَصْبٍ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَيَحْنَثُ بِسُكْنَى مَا سَكَنَهُ مِنْهُ بِغَصْبٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ مِلْكَ فُلَانٍ " فَدَخَلَ مَا أَسْتَأْجَرَهُ. فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الِانْتِصَارِ. قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكَ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " فَدَخَلَ سَطْحَهَا: حَنِثَ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: إنْ رَقِيَ السَّطْحَ أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ نَقْبٍ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ " مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهِ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ، إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. صَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا أُغْلِقَ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا: فَوَجْهَانِ. اخْتَارَ الْقَاضِي الْحِنْثَ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْحَائِطِ. فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ.

قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ: وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ الْحِنْثَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُ إنْسَانًا " حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إنْسَانٍ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ صَلَّى بِهِ إمَامًا، ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ: لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ اُرْتُجَّ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ: لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا: حَنِثَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ وَتَرْكَ صِلَتِهِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. فَإِنْ نَادَاهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ وَغَفْلَتِهِ: حَنِثَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: حَنِثَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ فَلْيُعَاوَدْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ زَجَرَهُ. فَقَالَ " تَنَحَّ أَوْ اُسْكُتْ " حَنِثَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ صِلَتِهِ. هَذَا الْكَلَامُ بِيَمِينِهِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ كَلَامٍ يَسْتَأْنِفُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ، كَمَا لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَقِيقَةً. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ. فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ. وَلَمْ يُرِدْهُ بِالسَّلَامِ فَحَكَى الْأَصْحَابُ فِي حِنْثِهِ رِوَايَتَانِ. وَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا الْحِنْثُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُشْبِهُ تَخْرِيجُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ: مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ " فَتَكَلَّمَا جَمِيعًا مَعًا: حَنِثَ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا كَلَّمْته حَتَّى يُكَلِّمَنِي، أَوْ يَبْدَأَنِي بِالْكَلَامِ " فَتَكَلَّمَا مَعًا: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا " فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَقَلُّ زَمَنٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا " رَجَعَ إلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ) . وَكَذَا " طَوِيلًا " وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي " بَعِيدٌ " وَ " مَلِيٌّ " وَ " طَوِيلٌ ". وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا، مِثْلُ " الْحِينِ " إلَّا " بَعِيدًا " أَوْ " مَلِيًّا " فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي " زَمَنٌ " وَ " دَهْرٌ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا: لَمْ يُكَلِّمْهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " عُمْرًا " احْتَمَلَ ذَلِكَ) . يَعْنِي: أَنَّهُ كَزَمَنٍ، وَدَهْرٍ، وَبَعِيدٍ، وَمَلِيٍّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مِثْلُ " حِينٍ " كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ وَالدَّهْرَ) يَعْنِي: مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ. وَكَذَا " الْعُمْرُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: إنَّ " الْعُمْرَ " كَالْحِينِ. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. فَائِدَةٌ: " الزَّمَانُ " كَالْحِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ: فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا. فَإِنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ (وَالْحِقْبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: وَأَمَّا " الْحِقْبُ " فَقِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ أَدْنَى زَمَانٍ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ حِقَبًا أَقَلُّ زَمَانٍ. وَقِيلَ: الْحِقْبُ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قُلْت: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْعُمْرِ. وَقِيلَ: الْحِقْبُ لِلْأَبَدِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إلَى الْحَوْلِ " فَحَوْلٌ كَامِلٌ لَا تَتِمَّتُهُ. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ.

قَوْلُهُ (وَالشُّهُورُ: اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، عِنْدَ الْقَاضِي) . قَالَ الشَّارِحُ: عِنْدَ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، كَالْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيِّ فِي مُنْتَخَبِهِ. قَوْلُهُ (وَالْأَيَّامُ: ثَلَاثَةٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لِلْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْمُ " الْأَيَّامِ " يَلْزَمُ الثَّلَاثَةَ إلَى الْعَشَرَةِ لِأَنَّك تَقُولُ: أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا تَقُولُ أَيَّامًا. فَلَوْ تَنَاوَلَ اسْمُ " الْأَيَّامِ " مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ حَقِيقَةً، لَمَا جَازَ نَفْيُهُ؟ فَقَالَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْمَ " الْأَيَّامِ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ. يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ: وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً ... لَيَالِيَ لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحِمْيَرَا قَالَ الْقَاضِي: فَدَلَّ أَنَّ " الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ " لَا تَخْتَصُّ بِالْعَشَرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ " فَحُوِّلَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إنْ رَقِيَ السَّطْحَ، أَوْ نَزَلَهَا مِنْهُ، أَوْ مِنْ نَقْبٍ: فَوَجْهَانِ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا " فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَحْنَثَ إذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَابَ الدَّارِ. وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَابِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهُوَ قَوِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُهُ إلَى حِينِ الْحَصَادِ " انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا، وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَتَقَدَّمَ مَا يُشَابِهُ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ. وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ. ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا مَالَ لَهُ " وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَحْنَثُ. وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالنَّقْدِ. وَعَنْهُ: إذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ: إنَّمَا يَتَنَاوَلُ نَذْرُهُ الصَّامِتَ مِنْ مَالِهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْمَالُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ لِطَلَبِ الرِّبْحِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَمِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. قَالَ: وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ. وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَحْنَثُ بِاسْتِئْجَارِهِ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ. وَفِي مَغْصُوبٍ عَاجِزٍ عَنْهُ وَضَائِعٍ أَيِسَ مِنْهُ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ: حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ضَائِعٌ: فَفِيهِ وَجْهَانِ، الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ. فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ، كَاَلَّذِي سَقَطَ فِي بَحْرٍ: لَمْ يَحْنَثْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، كَالْمَجْحُودِ وَالْمَغْصُوبِ، وَالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ. انْتَهَيَا. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ مَا تَمَلَّكَهُ لَيْسَ بِمَالٍ. وَكَذَلِكَ إنْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ شُفْعَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَفْعَلُ شَيْئًا " فَوَكَّلَ مَنْ يَفْعَلُهُ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ: أَقَامَ الشَّرْعُ أَقْوَالَ الْوَكِيلِ وَأَفْعَالَهُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فَلَوْ حَلَفَ " لَا يُكَلِّمُ مَنْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَزَوَّجَهُ زَيْدٌ " حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ حَلَفَ " لَا يَبِيعُهُ شَيْئًا " فَبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ: حَنِثَ. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَفْعَلُ شَيْئًا " فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ: حَنِثَ. إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ، وَيَقْصِدُ بِيَمِينِهِ أَنْ لَا يَتَوَلَّى هُوَ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ. فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِفِعْلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ: إنْ حَلَفَ " لَيَفْعَلَنَّهُ " فَوَكَّلَ، وَعَادَتُهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ: حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ تَوَكَّلَ الْحَالِفُ فِيمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَكَانَ عَقْدًا فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُوَكِّلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَلَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْإِضَافَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ وَالنِّكَاحِ. وَإِنْ أَطْلَقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَكْفُلُ مَالًا " فَكَفَلَ بَدَنًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَوَّلًا لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ: تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا. وَإِنْ

حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ: تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا، رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ " فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ، أَوْ " لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ " فَشَمَّ دُهْنَهُمَا، أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ. فَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ) . وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَمِّ الرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْنَثُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَحْمًا " فَأَكَلَ سَمَكًا: حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. قَالَ فِي الْمَذْهَبِ: حَنِثَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ.

وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا " حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطُّيُورِ وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ بِأَكْلِ السَّمَكِ وَالطَّيْرِ فِي الْأَصَحِّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَيْضٍ يُزَايِلُ بَائِضُهُ حَالَ الْحَيَاةِ. وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ: أَنَّ يَمِينَهُ تَخْتَصُّ بِمَا يُسَمَّى رَأْسًا عُرْفًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي الْبَيْضِ وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ، وَالْإِقْنَاعِ فِي الرُّءُوسِ: هَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ رَأْسٍ؟ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. أَمْ بِرُءُوسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ بِمَكَانٍ الْعَادَةُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ: حَنِثَ فِيهِ. أَوْ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَجْهَانِ. نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْعَادَةِ، أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ بَيْتًا " فَدَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ أَوْ أَدَمٍ، أَوْ " لَا يَرْكَبُ " فَرَكِبَ سَفِينَةً: حَنِثَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. تَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ فِيمَا إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: فَالْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَحِنْثُهُ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَالْكَعْبَةِ: مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ مَا لَا يُسَمَّى بَيْتًا فِي الْعُرْفِ كَالْخَيْمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَكَلَّمُ " فَقَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ: لَمْ يَحْنَثْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَتَوَقَّفَ فِي رِوَايَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إنْسَانٌ. فَقَالَ " اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ " يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ) يَعْنِي يَقْصِدُ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ (لَمْ يَحْنَثْ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: وَجْهَيْنِ فِي حِنْثِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَنْبِيهَهُ أَعْنِي إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَائِدَةٌ: حَقِيقَةُ الذِّكْرِ: مَا نَطَقَ بِهِ. فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلًا، كَالْحَرَكَةِ. وَيَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي. فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَسِيمًا لِلْفِعْلِ تَارَةً، وَقِسْمًا مِنْهُ تَارَةً أُخْرَى. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ: مَنْ حَلَفَ " لَا يَعْمَلُ عَمَلًا " فَقَالَ قَوْلًا، كَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا. هَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا، فَتَكَلَّمَ: حَنِثَ، وَقِيلَ: لَا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي الْمَشْيِ فِي صَلَاتِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «افْعَلْ ذَلِكَ» يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَيْسَ إذَا كَانَ لَهَا اسْمٌ أَخَصُّ بِهِ مِنْ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ أَنْ تُسَمَّى فِعْلًا. قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ " فَقَرَأَ الْقُرْآنَ: حَنِثَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ. فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً: لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: يَبَرُّ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ بِمِائَةِ سَوْطٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ شَيْئًا " فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ، مِثْلُ إنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ لَبَنًا " فَأَكَلَهُ زُبْدًا، أَوْ " لَا يَأْكُلُ سَمْنًا " فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ " لَا يَأْكُلُ بَيْضًا " فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ " لَا يَأْكُلُ شَحْمًا " فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ، أَوْ " لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا " فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ) . يَشْتَمِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَسَائِلَ: مِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا. فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ لَبَنٍ. وَلَوْ مِنْ صَيْدٍ وَآدَمِيَّةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ. وَإِنْ أَكَلَ زُبْدًا لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا احْتِمَالًا لِلْقَاضِي.

وَلَعَلَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ طَعْمُهُ. كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا. أَوْ يُقَالُ: الزُّبْدُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّبَنِ مُسْتَهْلَكًا. وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الصُّورَةَ فِي الْوَجِيزِ هُنَا. وَلَا جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حِنْثِهِ بِزُبْدٍ وَأَقِطٍ وَجُبْنٍ: رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ طَعْمُهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا. فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ: حَنِثَ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا. فَأَكَلَ نَاطِفًا: لَمْ يَحْنَثْ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا. فَاسْتَهْلَكَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ أَكَلَهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَحْنَثُ. وَلَمْ يُخَرِّجُوا فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ بِالْحِنْثِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا. فَأَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ. عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ: وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْأَحْمَرِ وَحْدَهُ) . وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ: إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ غَيْرُ الْخِرَقِيِّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ حِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ: فِي حِنْثِهِ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ، إنْ كَانَ غَيْرَ مَطْحُونٍ. وَغَلِطَ مَنْ نَقَلَ وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَطْحُونًا: لَمْ يَحْنَثْ. نَقَلَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي التَّرْغِيبِ إنْ طَحَنَهُ: لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

قُلْت: قَطَعَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَطْحُونٍ. وَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا. فَقَالَ: لَوْ " حَلَفَ لَا آكُلُ شَعِيرًا " فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ: لَمْ يَحْنَثْ بَلْ بِدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وَشُرْبِهِمَا، أَوْ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا " فَشَرِبَهُ، أَوْ " لَا يَشْرَبُهُ " فَأَكَلَهُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِيمَنْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا " فَثَرَدَ فِيهِ فَأَكَلَهُ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: رَوَى مُهَنَّا لَا يَحْنَثُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا: فَيَخْرُجُ فِي كُلِّ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ، فَشَرِبَهُ. أَوْ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ عَيَّنَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ: يَحْنَثُ. وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْحَاوِي وَقَالَ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ " مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ التَّعْيِينِ. أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ: فَلَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: مَعَ ذِكْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ. وَإِلَّا حَنِثَ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَشْرَبُ " فَمَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ، أَوْ الرُّمَّانَ: لَمْ يَحْنَثْ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ " فَمَصَّهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا الْحُكْمُ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا " فَتَرَكَهُ فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَ وَابْتَلَعَهُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَطْعَمُهُ " حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ. وَإِنْ ذَاقَهُ وَلَمْ يَبْلَعْهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا ذَاقَهُ " حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيمَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ نَظَرٌ. وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَأْكُلُ مَائِعًا " فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ: حَنِثَ. بِلَا نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ " فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ: لَمْ يَحْنَثْ) . وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ اسْمُ الْفِعْلِ عَلَى مُسْتَدِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. فَلَا يُقَالُ: تَزَوَّجْت شَهْرًا، وَلَا تَطَهَّرْت شَهْرًا، وَلَا تَطَيَّبْت شَهْرًا. وَإِنَّمَا يُقَالُ: مُنْذُ شَهْرٍ. وَلَمْ يُنَزِّلْ الشَّارِعُ اسْتِدَامَةَ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَيُّبِ، مَنْزِلَةَ ابْتِدَائِهِمَا فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَلْبَسُ " فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي اللُّبْسِ إنْ اسْتَدَامَهُ: حَنِثَ، إنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِهِ. قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُمَا: الْإِخْرَاجُ وَالنَّزْعُ لَا يُسَمَّى سَكَنًا، وَلَا لُبْسًا، وَلَا فِيهِ مَعْنَاهُ. وَتَقَدَّمَ " إذَا حَلَفَ لَا يَصُومُ وَكَانَ صَائِمًا، أَوْ لَا يَحُجُّ فِي حَالِ حَجِّهِ " أَوْ " حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُصَلِّي وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ". فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ " لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا " وَعَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَقُومُ " وَهُوَ قَائِمٌ. وَ " لَا يَقْعُدُ " وَهُوَ قَاعِدٌ. وَ " لَا يُسَافِرُ " وَهُوَ مُسَافِرٌ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَا يَطَأُ " ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَلَا يُمْسِكُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ. أَوْ حَلَفَ " أَنْ لَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشٍ " فَضَاجَعَتْهُ وَدَامَ. نَصَّ عَلَيْهِ. أَوْ حَلَفَ " أَنْ لَا يُشَارِكَهُ " فَدَامَ. ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْقَاضِي وَابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِمَا: وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ. لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إيلَاجٍ، وَإِخْرَاجٍ فَهُوَ شَطْرُهُ.

وَجَزَمَ الْمَجْدُ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: لَا يَحْنَثُ الْمُجَامِعُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ. وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ. لِأَنَّ الْيَمِينَ أَوْجَبَتْ الْكَفَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِأَوَّلِ أَسْبَابِ الْإِمْكَانِ بَعْدَهَا. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ يَمِينِهِ: لَا اسْتَدَمْت الْجِمَاعَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ " مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " وَهُوَ دَاخِلُهَا، فَأَقَامَ فِيهَا: حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا " فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ فَأَقَامَ مَعَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. قَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَسْكُنُ دَارًا " أَوْ " لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا " وَهُوَ مُسَاكِنُهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ، أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ. فَيُقِيمُ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ. وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ: حَنِثَ، إلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ أَوْ يُعِيرَهُ أَوْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَتَأْبَى امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ إكْرَاهُهَا، فَيَخْرُجُ وَحْدَهُ: فَلَا يَحْنَثُ) هَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَقَامَ السَّاكِنُ، أَوْ الْمُسَاكِنُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ بِحَسْبِ الْعَادَةِ، لَا لَيْلًا. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ بِنَفْسِهِ وَبِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ النَّقْلَةَ. وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ لَوْ تَرَكَ لَهُ بِهَا شَيْئًا: حَنِثَ. وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ فَقَطْ، فَسَكَنَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ: لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ، فَسَكَنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ بَقِيَ مَتَاعُهُ فِي الدَّارِ الْأُولَى. لِأَنَّ مَسْكَنَهُ حَيْثُ حَلَّ أَهْلُهُ بِهِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ. انْتَهَى.

وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقِيلَ: أَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ. فَلَا يَحْنَثُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا " فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ: حَنِثَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ تَشَاغَلَ هُوَ وَفُلَانٌ بِبِنَاءِ الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ: حَنِثَ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَةٌ لَوْ حَلَفَ " لَا أُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ " وَهُمَا غَيْرُ مُتَسَاكِنَيْنِ فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِنَفْسِهِ وَسَكَنَاهَا: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، الشَّرْحِ. وَصَحَّحَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. لِكَوْنِهِ عَيَّنَ الدَّارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا. فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً: لَمْ يَحْنَثْ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ. قَالَ فِي الْفُنُونِ فِيمَنْ قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت عَلَيَّ الْبَيْتَ، وَلَا كُنْت لِي زَوْجَةً: إنْ لَمْ تَكْتُبِي لِي نِصْفَ مَالِكِ " فَكَتَبَتْهُ لَهُ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا: يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَتَبَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِاسْتِدَامَةِ الْمَقَامِ. فَكَذَا اسْتِدَامَةُ الزَّوْجِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ " فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ: بَرَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ بِمَتَاعِهِ الْمَقْصُودِ. وَقِيلَ: لَا يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَحْدَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا كَحَلِفِهِ " لَا يَسْكُنُ الدَّارَ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ " فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ: لَمْ يَبَرَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ كَحَلِفِهِ " لَا يَسْكُنُ الدَّارَ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ " لَا يَنْزِلُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَا يَأْوِي إلَيْهَا " نُصَّ عَلَيْهِمَا. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ " لَيَرْحَلَنَّ مِنْ الْبَلَدِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ " أَوْ " لَيَرْحَلَنَّ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ " فَفَعَلَ، فَهَلْ لَهُ الْعَوْدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. إحْدَاهُمَا: لَهُ الْعَوْدُ. وَلَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَوْدِ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ وَلَا سَبَبٌ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا رَحَلَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْنَثُ بِالْعَوْدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا يَدْخُلُ دَارًا " فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا وَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ فَلَمْ يَمْتَنِعْ، أَوْ " حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلًا " فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنْ كَانَ الْخَادِمُ عَبْدَهُ: حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِامْتِنَاعُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمُكْرَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ أَحْكَامِ الْمُكْرَهِ فِي آخِرِ " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ ". فَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ اسْتَدَامَ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ " أَوْ " لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا " فَتَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَدِ: حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ. لَا يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَحْنَثُ حَالَ تَلَفِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي آخِرِ الْغَدِ. وَهُوَ أَيْضًا تَخْرِيجٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ إذَا جَاءَ الْغَدُ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْحَالِفِ. فَأَمَّا إنْ تَلِفَ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا إذَا قَتَلَهُ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي وَقْتِ حِنْثِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ، وَلَمْ يَضْرِبْهُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَشَمِلَ صُورَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ فِي الْغَدِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَمْ يَضْرِبْهُ. فَهَذَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ قَبْلَ الْغَدِ: لَمْ يَبَرَّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَبَرُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لِلْحِنْثِ عَلَى ضَرْبِهِ. فَإِذَا ضَرَبَهُ الْيَوْمَ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً. قُلْت: قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ: إذَا حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا " فَقَضَاهُ قَبْلَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَمِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: لَمْ يَبَرَّ. وَمِنْهَا: لَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا لَا يُؤْلِمُهُ: لَمْ يَبَرَّ أَيْضًا. وَمِنْهَا. لَوْ جُنَّ الْغُلَامُ وَضَرَبَهُ: بَرَّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ: لَمْ يَحْنَثْ) . إذَا مَاتَ الْحَالِفُ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ فِي الْغَدِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغَدِ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ جُنَّ الْحَالِفُ، فَلَمْ يُفِقْ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْغَدِ. وَإِنْ مَاتَ فِي الْغَدِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ضَرْبِهِ: حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا. لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ فِي الْغَدِ، بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ: حَنِثَ وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ حَلَفَ " لَيَضْرِبَنَّ هَذَا الْغُلَامَ الْيَوْمَ " أَوْ " لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ " فَمَاتَ الْغُلَامُ، أَوْ تَلِفَ الرَّغِيفُ فِيهِ: حَنِثَ عَقِبَ تَلَفِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ فِي آخِرِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ الْغُلَامُ، وَلَا تَلِفَ الرَّغِيفُ، لَكِنْ مَاتَ الْحَالِفُ: فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْنَثُ بِمَوْتِهِ. عَلَى الْأَصَحِّ بِآخِرِ حَيَاتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِمَوْتِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: وَقْتُ حِنْثِهِ آخِرُ حَيَاتِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَعَيَّنَ وَقْتًا، أَوْ أَطْلَقَ. فَمَاتَ الْحَالِفُ، أَوْ تَلِفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتٌ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِيهِ: حَنِثَ. نُصَّ عَلَيْهِ كَإِمْكَانِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَمُّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ " فَأَبْرَأَهُ. فَهَلْ يَحْنَثُ؟ وَجْهَيْنِ) .

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْنَثُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: بِنَاءً عَلَى مَا إذَا أُكْرِهَ، وَمُنِعَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْغَدِ: هَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأهُ الْيَوْمَ وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَقِيلَ: كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: أَصْلُهُمَا إذَا مُنِعَ مِنْ الْإِيفَاءِ فِي الْغَدِ كُرْهًا: لَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيهِمَا الْخِلَافَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ فَقَضَى وَرَثَتَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) . اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ " لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا " فَمَاتَ الْيَوْمَ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ رَبُّهُ. فَقَضَى لِوَرَثَتِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ بِحَقِّهِ عَرَضًا: لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَخَذَ عَنْهُ عَرَضًا: لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. (وَحَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَةٌ لَوْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأَهُ الْيَوْمَ، أَوْ قَبْلَ مُضِيِّهِ، أَوْ مَاتَ رَبُّهُ فَقَضَاهُ لِوَرَثَتِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا مَعَ الْبَرَاءَةِ، أَوْ الْمَوْتِ قَبْلَ الْغَدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ " فَأَبْرَأَهُ الْيَوْمَ وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَقِيلَ: كَمَسْأَلَةِ التَّلَفِ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ " فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ: بَرَّ) بِلَا نِزَاعٍ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " مَعَ رَأْسِ الْهِلَالِ " أَوْ " إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ " أَوْ " إلَى اسْتِهْلَالِهِ " أَوْ " عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ " أَوْ " مَعَ رَأْسِهِ " قَالَهُ الشَّارِحُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ شَرَعَ فِي عَدِّهِ، أَوْ كَيْلِهِ، أَوْ وَزْنِهِ، فَتَأَخَّرَ الْقَضَاءُ: لَمْ يَحْنَثْ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْقَضَاءَ. قَالَا: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ " لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فِي هَذَا الْوَقْتِ " فَشَرَعَ فِي أَكْلِهِ فِيهِ، وَتَأَخَّرَ الْفَرَاغُ لِكَثْرَتِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. قَوْلُهُ (فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) . هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ. وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَقَضَاهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي آخِرِهِ: بَرَّ. وَقِيلَ: بَلْ فِي أَوَّلِهِ. فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ. لَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُخْتَلِفَةٌ. فَائِدَةٌ لَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ: حَنِثَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُعْتَبَرُ الْمُقَارَنَةُ. فَتَكْفِي حَالَةَ الْغُرُوبِ. وَإِنْ قَضَاهُ بَعْدَهُ: حَنِثَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي " فَهَرَبَ مِنْهُ: حَنِثَ نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهُ الْغَرِيمُ بِإِذْنِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْهَرَبِ فَلَمْ يَفْعَلْ: حَنِثَ. وَمَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي. وَجَعَلَهُ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. يَعْنِي فِي الْإِذْنِ لَهُ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك " فَهَرَبَ مِنْهُ وَأَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِمْسَاكُهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ: حَنِثَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) . فِي الْإِكْرَاهِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا فَلَّسَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ، وَفَارَقَهُ لِعِلْمِهِ بِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُكْرَهِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. فَائِدَةٌ قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: إذَا حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي " فَفِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يُفَارِقَهُ مُخْتَارًا. فَيَحْنَثَ. سَوَاءٌ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ، أَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُفَارِقَهُ مُكْرَهًا. فَإِنْ فَارَقَهُ بِكَوْنِهِ حُمِلَ مُكْرَهًا: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أُكْرِهَ بِالضَّرْبِ وَالتَّهْدِيدِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. يَحْنَثُ وَفِي النَّاسِي تَفْصِيلٌ ذُكِرَ فِيمَا مَضَى. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. فَلَا يَحْنَثُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَحْنَثُ. الرَّابِعَةُ: أَذِنَ لَهُ الْحَالِفُ فِي الْمُفَارَقَةِ، فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. الْخَامِسَةُ: فَارَقَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا هَرَبٍ، عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ مُلَازَمَتُهُ وَالْمَشْيُ مَعَهُ، أَوْ إمْسَاكُهُ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. السَّادِسَةُ: قَضَاهُ قَدْرَ حَقِّهِ. فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ. فَخَرَجَ رَدِيئًا. فَيُخَرَّجُ فِي حِنْثِهِ رِوَايَتَا النَّاسِي. وَكَذَا إنْ وَجَدَهَا مُسْتَحَقَّةً، فَأَخَذَهَا رَبُّهَا. وَإِنْ عَلِمَ بِالْحَالِ. حَنِثَ.

السَّابِعَةُ: تَفْلِيسُ الْحَاكِمِ لَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا. الثَّامِنَةُ: أَحَالَهُ الْغَرِيمُ بِحَقِّهِ، فَفَارَقَهُ: حَنِثَ. فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مُفَارَقَتَهُ، فَفَارَقَهُ: خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا فَارَقْتُك وَلِي قِبَلَك حَقٌّ " فَأَحَالَهُ بِهِ، فَفَارَقَهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَخَذَ بِهِ ضَمِينًا، أَوْ كَفِيلًا، أَوْ رَهْنًا فَفَارَقَهُ: حَنِثَ بِلَا إشْكَالٍ. التَّاسِعَةُ: قَضَاهُ عَنْ حَقِّهِ عَرَضًا، ثُمَّ فَارَقَهُ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَحْنَثُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ. فَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى تَبْرَأَ مِنْ حَقِّي " أَوْ " وَلِي قِبَلَك حَقٌّ " لَمْ يَحْنَثْ وَجْهًا وَاحِدًا. الْعَاشِرَةُ: وَكَّلَ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ. فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَكِيلِ. حَنِثَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " لَا فَارَقْتنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْك " فَفَارَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُخْتَارًا: حَنِثَ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى فِرَاقِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ مُخْتَارًا. حَنِثَ، إلَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا فَارَقْتُك حَتَّى أُوفِيَك حَقَّك " فَأَبْرَأَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْمُكْرَهِ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَيْنًا. فَوَهَبَهَا لَهُ الْغَرِيمُ، فَقَبِلَهَا: حَنِثَ. وَإِنْ قَبَضَهَا مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهَا إيَّاهُ: لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ " لَا أُفَارِقُك وَلَك فِي قِبَلِي حَقٌّ " لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَبْرَأَهُ، أَوْ وَهَبَ الْعَيْنَ لَهُ.

باب النذر

[بَابُ النَّذْرِ] ِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا. يَعْنِي إذَا كَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا. الثَّانِيَةُ: النَّذْرُ مَكْرُوهٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «النَّذْرُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ» . قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَرُدُّ قَضَاءً. وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَلَا مُحَرَّمٍ. وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَحْرِيمِهِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مُبَاحٌ. وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا بِلَا نِزَاعٍ. وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهَادِي، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ وَلَوْ كَافِرًا بِعِبَادَةٍ. نُصَّ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: مِنْهُ بِغَيْرِهَا. مَأْخَذُهُ: أَنَّ نَذْرَهُ لَهَا كَالْعِبَادَةِ. لَا الْيَمِينِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ. وَقِيلَ: بِغَيْرِ عِبَادَةٍ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يَصِحُّ مِنْهُ بِعِبَادَةٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: يَحْسُنُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ: إنَّ نَذْرَهُ لِلْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ. وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ: لَمْ يَصِحَّ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا تُعْتَبَرُ لَهُ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ. يُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِيمَنْ قَالَ " أَنَا أُهْدِي جَارِيَتِي أَوْ دَارِي " فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، أَوْ الْأَكْثَرِ: يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ " لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا " أَوْ " عَلَيَّ كَذَا ". وَيَأْتِي كَلَامُ ابْنِ عَقِيلٍ، إلَّا مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ. وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ: بِشَرْطِ إضَافَتِهِ. فَيَقُولُ " لِلَّهِ عَلَيَّ ". وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَغَيْرِهِ: وَهُوَ قَوْلٌ يَلْتَزِمُ بِهِ الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ لِلَّهِ حَقًّا: " بِعَلَيَّ لِلَّهِ " أَوْ " نَذَرْت لِلَّهِ ". قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ. فَلَوْ قَالَ " لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ " لَمْ يَنْعَقِدْ) . لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ.

وَحَكَى فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا. وَجَعَلَ فِي الْكَافِي قِيَاسَ الْمَذْهَبِ: يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي الْوَاجِبِ. وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: الِانْعِقَادُ. وَقَوْلِ الْقَاضِي: عَدَمُهُ. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي احْتِمَالًا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي نَذْرِ الْمُحَالِ كَيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَيَأْتِي: إذَا نَذَرَ صَوْمَ نِصْفِ يَوْمٍ. قَوْلُهُ (وَالنَّذْرُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ " لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ " فَيَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) . وَكَذَا قَوْلُهُ " لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " وَلَا نِيَّةَ لَهُ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ شَيْءٍ) غَيْرَهُ (أَوْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ. كَقَوْلِهِ " إنْ كَلَّمْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدِي، أَوْ الصَّدَقَةُ بِمَالِي " فَهَذَا يَمِينٌ يَتَخَيَّرُ. بَيْنَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ) . يَعْنِي: إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نَقَلَ صَالِحٌ: إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ، بِلَا خِلَافٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَتَعَيَّنُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ لَزِمَهُ. وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَضُرُّ قَوْلُهُ " عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُ بِذَلِكَ " أَوْ " لَا أُقَلِّدُ مَنْ يَرَى الْكَفَّارَةَ " وَنَحْوِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَوْكِيدٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ بَتَّةَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَصَدَ لُزُومَ الْجَزَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ: لَزِمَهُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ فِيمَنْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ، أَوْ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا: كَفَّرَ يَمِينَهُ. وَإِنْ أَرَادَ نَذْرًا: فَعَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، مَنْ قَالَ " أَنَا أُهْدِي جَارِيَتِي، أَوْ دَارِي " فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ. وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ: حَلَفَتْ " إنْ لَبِسْت قَمِيصِي هَذَا فَهُوَ مَهْدِيٌّ " تُكَفِّرُ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: إنْ قَالَ " غَنَمِي صَدَقَةٌ " وَلَهُ غَنَمٌ شَرِكَةٌ. إنْ نَوَى يَمِينًا: فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهِ بِبَيْعِهِ، وَالْمُشْتَرِي عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِهِ بِشِرَائِهِ، فَاشْتَرَاهُ: كَفَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفَّارَةً. نُصَّ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا حَلَفَ بِمُبَاحٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَنَذْرِهِمَا. فَإِنَّ مَا لَمْ يَلْزَمْ بِنَذْرِهِ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إذَا حَلَفَ بِهِ. فَمَنْ يَقُولُ: لَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ، لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِالْأَوْلَى. فَإِنَّ إيجَابَ النَّذْرِ أَقْوَى مِنْ إيجَابِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: نَذْرُ الْمُبَاحِ. كَقَوْلِهِ " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي " أَوْ " أَرْكَبَ دَابَّتِي " فَهَذَا كَالْيَمِينِ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ فِي نَذْرِ الْمُبَاحِ. تَنْبِيهٌ أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ (فَإِنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا، كَالطَّلَاقِ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَفْعَلُهُ) . أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَهُوَ دَاخِلٌ فِي احْتِمَالِ الْمُصَنِّفِ. لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُ الْمُبَاحِ: فَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى. وَالْمَذْهَبُ: انْعِقَادُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَتَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ: كَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ. فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ (وَيُكَفِّرُ) . إذَا نَذَرَ شُرْبَ الْخَمْرِ، أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْحَيْضِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيُكَفِّرُ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُذْهَبِ: يُكَفِّرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ، وَلَا الْمَعْصِيَةِ. وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ) كَمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: هُوَ لَاغٍ. لَا شَيْءَ فِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ نَذَرَ لَيَهْدِمَنَّ دَارَ غَيْرِهِ لَبِنَةً لَبِنَةً: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. (وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ أَوَالِاعْتِكَاف فِي مَكَان مُعَيَّنٍ. فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) .

وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا حَلَفَ بِمُبَاحٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ. وَذَكَرَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ نَذْرَ شُرْبِ الْخَمْرِ لَغْوٌ. وَنَذْرَ ذَبْحِ وَلَدِهِ: يُكَفَّرُ. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ: أَنَّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ لَغْوٌ. وَفِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ وَجْهٌ: أَنَّهُ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ. عَلَى مَا يَأْتِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ فَعَلَ مَا نَذَرَهُ: أَثِمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ لِلْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَيَقْضِيهِ. نَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ: لَا يَقْضِي. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ: يُكَفِّرُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبُ يُكَفِّرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ: لَا يُكَفِّرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. فَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ صَوْمُهُ وَيَأْثَمُ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَنْعَقِدُ بِنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ. وَلَا يَصُومُهُ، وَيَقْضِي. فَتَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ. وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ. لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً. كَنَذْرِ مَرِيضٍ صَوْمَ يَوْمٍ يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ. فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ. وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ. وَالطَّلَاقُ زَمَنَ الْحَيْضِ: صَادَفَ التَّحْرِيمَ يَنْعَقِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَرِوَايَةٍ لَنَا. كَذَا هُنَا. وَنَذْرُ صَوْمِ لَيْلَةٍ لَا يَنْعَقِدُ. وَلَا كَفَّارَةَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنِ صَوْمٍ. وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ: إذَا نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمِ الْحَيْضِ. وَصَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ وَقَدْ أَكَلَ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالصَّلَاةَ زَمَنَ الْحَيْضِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَذْرَ صَوْمِ اللَّيْلِ مُنْعَقِدٌ فِي النَّوَادِرِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالِانْتِصَارِ: لَا. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَنِ الصَّوْمِ. وَفِي الْخِلَافِ، وَمُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. فَائِدَةٌ نَذْرُ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، إذَا لَمْ يَجُزْ صَوْمُهَا عَنْ الْفَرْضِ. وَإِنْ أَجَزْنَا صَوْمَهَا عَنْ الْفَرْضِ: فَهُوَ كَنَذْرِ سَائِرِ الْأَيَّامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَكُونَ كَنَذْرِ الْعَبْدِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَنْذِرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ) وَكَذَا نَذْرُ ذَبْحِ نَفْسِهِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْخِرَقِيِّ. إحْدَاهُمَا: هُوَ كَذَلِكَ. يَعْنِي: أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لَا غَيْرُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَنَصَرَهُ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ: وَهُوَ الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَنَصَرَهَا الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَعَنْهُ: إنْ قَالَ " إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ كَذَا " أَوْ نَحْوُهُ، وَقَصَدَ الْيَمِينَ: فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ. فَيَذْبَحُ فِي مَسْأَلَةِ الذَّبْحِ: كَبْشًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ. قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ. قَالَ: وَلَوْ نَذَرَ طَاعَةً حَالِفًا بِهَا: أَجْزَأَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَكَيْفَ لَا يُجْزِئُهُ إذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً حَالِفًا بِهَا؟ .

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى هَذَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ الْآتِيَةِ يَلْزَمَانِ النَّاذِرَ. وَالْحَالِفُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْخِرَقِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: ذَبَحَ كَبْشًا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: ذَبَحَ شَاةً. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَارَةً هَذَا، وَتَارَةً قَالَ هَذَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ أَبِيهِ وَكُلَّ مَعْصُومٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ: فَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: عَلَى الْوَلَدِ. وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ، وَقَالَ: مَا لَمْ تَقِسْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَعَلَى قِيَاسِهِ: الْعَمُّ وَالْأَخُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وِلَايَةً. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَلَدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمْ: لَزِمَهُ بِعَدَدِهِمْ كَفَّارَاتٌ أَوْ كِبَاشٌ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَعَزَاهُ إلَى نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ ذَبْحِ كَبْشٍ، قِيلَ: يَذْبَحُهُ مَكَانَ نَذْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَعَنْهُ. بَلْ يَذْبَحُ كَبْشًا حَيْثُ هُوَ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَقُطِعَ بِذَلِكَ.

وَقِيلَ: هُوَ كَالْهَدْيِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَلْزَمَانِهِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ. فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ وَلَا كَفَّارَةَ) . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ نَذَرَ مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ " مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ " يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ لَنَا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ مَا يَفِي بِبَعْضِهِ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ. قُلْت: فَيُعَايِي بِهَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إجْزَاءُ الصَّدَقَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ. وَلَا كَفَّارَةَ نُصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَيُعَايِي بِهَا أَيْضًا. وَعَنْهُ. تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْكَى رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَعَنْهُ: يَشْمَلُ النَّقْدَ فَقَطْ.

وَقِيلَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالصَّامِتِ، أَوْ يَعُمُّ غَيْرَهُ بِلَا نِيَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ مَالٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا كُلُّ أَحَدٍ بِحَسْبِ عَزْمِهِ. وَنَصّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَنَقَلَ الْأَثْرَمُ فِيمَنْ نَذَرَ مَالَهُ فِي الْمَسَاكِينِ أَيَكُونُ الثُّلُثُ مِنْ الصَّامِتِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ؟ قَالَ: إنَّمَا يَكُونُ هَذَا عَلَى قَدْرِ مَا نَوَى، أَوْ عَلَى قَدْرِ مَخْرَجِ يَمِينِهِ. وَالْأَمْوَالُ تَخْتَلِفُ عِنْدَ النَّاسِ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ: أَجْزَأَهُ الثُّلُثُ. لِأَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَمَرَ أَبَا لُبَابَةَ بِالثُّلُثِ. فَإِنْ نَفِدَ هَذَا الْمَالُ وَأَنْشَأَ غَيْرَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ. فَإِنَّمَا يَجِبُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ حِنْثِهِ. قَالَ فِي الْهَدْيِ: يُرِيدُ بِيَوْمِ حِنْثِهِ: يَوْمَ نَذْرِهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ. قِيلَ: فَيَنْظُرُ قَدْرَ الثُّلُثِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَيُخْرِجُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَإِنَّمَا نَصُّهُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ دَيْنِهِ. وَهَذَا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحِيحٌ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَدِينِ. وَعَلَى قَوْلٍ سَبَقَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِكَوْنِ قَدْرِ الدِّينِ مُسْتَثْنًى بِالشَّرْعِ مِنْ النَّذْرِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلْفٍ: لَزِمَهُ جَمِيعُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ.

قَالَ الشَّارِحُ، وَالْمُصَنِّفُ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ. قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ: إنْ زَادَ الْمَنْذُورُ عَلَى ثُلُثِ الْمَالِ: أَجْزَأَهُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ كُلُّ الْمُسَمَّى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، فَأَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ قَدْرِهِ، يَقْصِدُ بِهِ وَفَاءَ النَّذْرِ. لَمْ يُجْزِئْهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: نَذْرُ التَّبَرُّرِ. كَنَذْرِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْقِرَبِ، عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ. سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ. فَقَالَ " إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ: إنْ سَلَّمَ اللَّهُ مَالِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ") . قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ: بِشَرْطِ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَوْ دَفْعِ نِقْمَةٍ.

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ نَذَرَ صِيَامَ نِصْفِ يَوْمٍ: لَزِمَهُ يَوْمٌ كَامِلٌ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَجَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. الرَّابِعَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ، مِثْلَ مَا لَوْ قَالَ " وَاَللَّهِ لَئِنْ سَلَّمَ مَالِي لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ تَعَدُّدِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَالْمَنْصُوصُ: أَوْ حَلَفَ بِقَصْدِ التَّبَرُّرِ. وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا بِنَذْرٍ. الْخَامِسَةُ: مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (مَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ: انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ فِعْلُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَجُوزُ فِعْلُهُ قَبْلَهُ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَالْفُنُونِ. لِوُجُودِ أَحَدِ سَبَبَيْهِ. وَالنَّذْرُ كَالْيَمِينِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمَنَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ مَنَعَ كَوْنَهُ سَبَبًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ. فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ. ذَكَرَاهُ فِي جَوَازِ صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ السَّبْعَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى أَهْلِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ: لَمْ يَجِبْ، لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الْقُدُومُ، وَمَا وُجِدَ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " وُجُوبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ عَلَى الْفَوْرِ. السَّادِسَةُ: لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ، فَمَاتَ قَبْلَ عِتْقِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ. وَلَزِمَهُ

كَفَّارَةُ يَمِينٍ. نُصَّ عَلَيْهِ. لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَنْذُورِ. وَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. فَيَجِبُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي الرِّقَابِ. وَلَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لِسَيِّدِهِ الْقِيمَةُ. وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي الْعِتْقِ وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بِوُجُوبِهِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ. لِأَنَّ الْبَدَلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُبْدَلِ. وَلِهَذَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ، فَقُتِلَ قَبْلَ قَبُولِهِ: كَانَ لَهُ قِيمَتُهُ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ. لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانَ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ: وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ) . أَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ السَّنَةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُطْلِقَ السَّنَةَ، أَوْ يُعَيِّنَهَا. فَإِنْ عَيَّنَهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ. فَيَقْضِي، وَيُكَفِّرُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ.

وَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ أَيْضًا: يَوْمَا الْعِيدَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ. فَيَدْخُلَانِ فِي نَذْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالْحُكْمُ فِي الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. كَرَمَضَانَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ أَيْضًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إذَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُ عَنْ صَوْمِ الْفَرْضِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَدْخُلْنَ فِي نَذْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَا الْعِيدَيْنِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ يَتَنَاوَلُ النَّذْرُ أَيَّامَ النَّهْيِ دُونَ أَيَّامِ رَمَضَانَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: الْقَضَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ. وَأَمَّا إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، وَأَطْلَقَ: فَفِي لُزُومِ التَّتَابُعِ فِيهَا مَا فِي نَذْرِ صَوْمِ شَهْرٍ مُطْلَقٍ، عَلَى مَا يَأْتِي. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سِوَى رَمَضَانَ. وَأَيَّامِ النَّهْيِ، وَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصُومُ مَعَ التَّفْرِيقِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ صِيَامَهَا مُتَتَابِعَةٌ. وَهِيَ عَلَى مَا بِهَا مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ تَمَامٍ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَعُمُّ الْعِيدَ وَرَمَضَانَ. وَفِي التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ: يَقْضِي الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ إنْ أَفْطَرَهَا. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنْ لَزِمَ التَّتَابُعُ فَكَمُعَيَّنَةٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مَتَى شَرَطَ التَّتَابُعَ فَهُوَ كَنَذْرِهِ الْمُعَيَّنَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مِنْ الْآنَ، أَوْ مِنْ وَقْتِ كَذَا. فَهِيَ كَالْمُعَيَّنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: كَمُطْلَقَةٍ فِي لُزُومِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لِلنَّذْرِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ: لَزِمَهُ صَوْمُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ لُزُومُهُ إنْ اسْتَصْحَبَ صَوْمَهُ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ: كَانَ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ. انْتَهَى. وَحُكْمُهُ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ: حُكْمُ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ فَقَطْ. فَإِنْ كَفَّرَ لِتَرْكِهِ صِيَامَ يَوْمٍ، أَوْ أَكْثَرَ، بِصِيَامٍ: فَاحْتِمَالَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: فَعَلَى الصِّحَّةِ، يُعَايِي بِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ قَادِرٍ، وَمَنْ قَضَى مَا يَجِبُ فِطْرُهُ: كَيَوْمِ عِيدٍ وَنَحْوِهِ. وَقَضَاءِ مَا أَفْطَرَهُ مِنْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ. وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعُذْرٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

فَإِنْ دَخَلَ: فَفِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ فَقِيرٌ وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: عَدَمُهَا مَعَ الْقَضَاءِ. لِأَنَّ النَّذْرَ سَقَطَ لِقَضَاءِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ ابْتِدَاءً، وَوُجُوبِهَا مَعَ صَوْمِ الظِّهَارِ. لِأَنَّهُ سَبَبُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوع، وَغَيْرِهِ: وَلَا يَدْخُلُ رَمَضَانُ. وَقِيلَ: بَلْ قَضَاءُ فِطْرِهِ مِنْهُ لِعُذْرٍ، وَيَوْمِ نَهْيٍ، وَصَوْمِ ظِهَارٍ، وَنَحْوِهِ: فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهَا مَعَ صَوْمِ ظِهَارٍ. لِأَنَّهُ سَبَبُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ، أَوْ حَيْضٍ: أَفْطَرَ. وَقَضَى وَكَفَّرَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ. وَنُقِلَ عَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ: صَحَّ صَوْمُهُ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَمَنْ ابْتَدَأَ بِنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ اثْنَيْنِ، أَوْ خَمِيسٍ، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُمْكِنُ، فَوُجِدَ: لَزِمَهُ. فَإِنْ صَادَفَ مَرَضًا، أَوْ حَيْضًا غَيْرَ مُعْتَادٍ: قَضَى. وَقِيلَ: وَكَفَّرَ كَمَا لَوْ صَادَفَ عِيدًا. وَعَنْهُ: تَكْفِي الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ مَعَ حَيْضٍ وَعِيدٍ. وَقِيلَ: إنْ صَامَ الْعِيدَ: صَحَّ.

زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يَقْضِي الْعِيدَ. وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي " بَابِ صَوْمِ النَّذْرِ، وَالتَّطَوُّعِ ". وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي " بَابِ النَّذْرِ " : فَائِدَةٌ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَبَدًا، ثُمَّ جَهِلَهُ. فَأَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِصِيَامِ الْأُسْبُوعِ كَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَلْ يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا، أَيَّ يَوْمٍ كَانَ. وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِفَوَاتِ التَّعْيِينِ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالتَّعْيِينُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَقَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَهَلْ يَصُومُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَهُمَا مَبْنِيَّتَانِ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهَا فَرْضًا وَعَدَمِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا هُنَاكَ. فَالْمَذْهَبُ هُنَا مِثْلُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ. فَقَدِمَ لَيْلًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ قَالَ فِي مُنْتَخَبِ وَلَدِ الشِّيرَازِيِّ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ صَبِيحَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا. فَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إتْمَامُ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَوَاءٌ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ، أَوْ صَائِمٌ) .

إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَقَدِمَ نَهَارًا، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقْدَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، أَوْ يَقْدَمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ. فَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ عَنْ التَّكْفِيرِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ قَدِمَ يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. وَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. وَأَطْلَقَا فِيمَا إذَا كَانَ مُفْطِرًا فِي غَيْرِهِمَا: الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْقَضَاءِ كَفَّارَةٌ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْقَضَاءِ: الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَا وُجُوبَ الْقَضَاءِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ أَصْلًا، وَلَا كَفَّارَةَ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَدِمَ، وَهُوَ صَائِمٌ تَطَوُّعًا. فَإِنْ كَانَ قَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ لِلصَّوْمِ لِخَبَرٍ سَمِعَهُ: صَحَّ صَوْمُهُ، وَأَجْزَأَهُ. وَإِنْ نَوَى حِينَ قَدِمَ: أَجْزَأَهُ أَيْضًا. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ.

وَمَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ: إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقُلْنَا: بِصِحَّتِهِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الصَّوْمِ ". وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ يَصِحَّ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَدِمَ بَعْدَهُ: فَلَغْوٌ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ: الصَّوْمُ مِنْ قُدُومِهِ أَوْ كُلَّ الْيَوْمِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الْقَضَاءِ كَفَّارَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ: قَضَاهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ فِي هَذَا: أَنَّهُ لَغْوٌ. أَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَقْضِي وَيُكَفِّرُ. وَفِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا: لَا يَصِحُّ. كَحَيْضٍ، وَأَنَّ فِي إمْسَاكِهِ أَوْجُهًا. الثَّالِثُ: يَلْزَمُ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ) . وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ.

وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ فِي رَمَضَانَ: لَمْ يَقْضِ. وَلَمْ يُكَفِّرْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: حَمَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ لِمُصَادَفَتِهِ رَمَضَانَ. قَالَ: وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا التَّأْوِيلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَ: هَذَا الْأَشْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ آخَرُ. لَا لِأَنَّ صَوْمَهُ أَغْنَى عَنْهُمَا، بَلْ لِتَعَذُّرِهِ فِيهِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: إذَا نَوَى صَوْمَهُ عَنْهُمَا فَقِيلَ: لَغْوٌ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ. انْتَهَى. وَعَنْهُ. لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ إذَا قَدِمَ فِي نَهَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَهُ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: فِي نِيَّةِ نَذْرِهِ أَيْضًا وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَفِي تَعْلِيلِهِ بُعْدٌ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْفُصُولِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ وَافَقَ قُدُومُهُ وَهُوَ صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُتِمُّهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ. بَلْ يَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ كَصَوْمٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَكْفِيهِ لَهُمَا. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ لَوْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ مِنْ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ. فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) .

قَالَ فِي الْفُرُوعِ عَمَّنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَجُنَّ كُلَّ الشَّهْرِ: لَمْ يَقْضِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي مَوْضِعٍ. وَعَنْهُ: يَقْضِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ فِي الْمَعْذُورِ: يَفْدِي فَقَطْ. ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: صَوْمُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ: كَفِطْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ هُنَا الثَّانِيَةُ: لَوْ جُنَّ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ: لَمْ يَقْضِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: يَقْضِيهِ. الثَّالِثَةُ: إذَا لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ. أَوْ غَيْرِهِ وَقَضَاهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مُتَتَابِعًا مُوَاصِلًا لِتَتِمَّتِهِ. وَعَنْهُ: لَهُ تَفْرِيقُهُ. وَعَنْهُ: وَتَرْكُ مُوَاصَلَتِهِ أَيْضًا. الرَّابِعَةُ: يَبْنِي مَنْ لَا يَقْطَعُ عُذْرُهُ تَتَابُعَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ. الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ: لَمْ يُجْزِهِ) . بِلَا نِزَاعٍ. كَالصَّلَاةِ. لَكِنْ لَوْ كَانَ نَذَرَهُ بِصَدَقَةِ مَالٍ: جَازَ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِلدَّفْعِ. كَالزَّكَاةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ النَّاظِمُ: وَيُجْزِئُهُ فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ سِوَاهُ ... كَالزَّكَاةِ لِنَفْعِ الْخَلْقِ لَا الْمُتَعَبِّدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ: لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ وَيُكَفِّرُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَابْنِ الْبَنَّا.

فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ عَقِبَ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا. وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُتِمَّ بَاقِيَهُ وَيَقْضِيَ وَيُكَفِّرَ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا الْحَاوِي. تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ التَّتَابُعَ فِي الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ، هَلْ وَجَبَ لِضَرُورَةِ الزَّمَنِ؟ وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. أَوْ لِإِطْلَاقِ النَّذْرِ؟ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْخِرَقِيِّ، وَالْجَمَاعَةِ. وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ بِلَفْظِهِ، أَوْ نَوَاهُ: لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ قَوْلًا وَاحِدًا. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: إذَا تَرَكَ صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ، أَوْ يُجْزِئُهُ مُتَفَرِّقًا؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلِهَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا: الْتِفَاتٌ إلَى مَا إذَا نَوَى صَوْمَ شَهْرٍ، وَأَطْلَقَ: هَلْ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا أَمْ لَا؟ . وَقَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ يُشْعِرُ بِعَدَمِ التَّتَابُعِ. وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ هُنَا تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ التَّتَابُعِ. كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ ثَمَّ. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَيَّدَ الشَّهْرَ الْمُعَيَّنَ بِالتَّتَابُعِ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ ابْتِدَاءً وَكَفَّرَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لِعُذْرٍ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ وَكَفَّرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ: لَا يُكَفِّرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ: لَزِمَهُ التَّتَابُعُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي إجْزَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ. فَائِدَةٌ لَوْ قَطَعَ تَتَابُعَهُ بِلَا عُذْرٍ: اسْتَأْنَفَهُ. وَمَعَ عُذْرٍ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُ بِلَا كَفَّارَةٍ. أَوْ يَبْنِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَهَلْ يُتِمُّ ثَلَاثِينَ، أَوْ الْأَيَّامَ الْفَائِتَةَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قُلْت: يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ: إذَا ابْتَدَأَ صَوْمَ شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ. وَتَقَدَّمَ: إذَا فَاتَهُ رَمَضَانُ: هَلْ يَقْضِي شَهْرًا. أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؟ وَيُكَفِّرُ. عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَفِيهِمَا رِوَايَةٌ كَشَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَفْطَرَهُ بِلَا عُذْرٍ: كَفَّرَ. وَهَلْ يَنْقَطِعُ فَيَسْتَأْنِفُهُ أَمْ لَا؟ فَيَقْضِي مَا تَرَكَهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

وَكَذَا قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَهَلْ يُتِمُّهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: يُكَفِّرُ وَيَسْتَأْنِفُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ) يَعْنِي: أَوْ يَنْوِيَهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ " لَوْ كَانَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَهُوَ كَذَلِكَ. فَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِيهَا إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ. كَمَا لَوْ قَالَ عِشْرِينَ وَنَحْوَهَا. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جُزِمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِيهَا، وَإِنْ لَزِمَهُ فِي غَيْرِهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّتَابُعَ لَقَالَ " شَهْرًا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ) (نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا) يَعْنِي غَيْرَ مُعَيَّنٍ.

(فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ) يَعْنِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ (أَوْ حَيْضٍ) (: قَضَى لَا غَيْرُ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا. وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صِيَامِهِ وَيُكَفِّرَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ: لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) بِلَا نِزَاعٍ، بِلَا كَفَّارَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ أَوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالزَّرْكَشِيِّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَالثَّانِي: يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ [الْخِرَقِيِّ وَ] أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِعَدَمِ تَفْرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. فَفِي الْمَرَضِ: يُخَيَّرُ. وَفِي السَّفَرِ: يَتَعَيَّنُ الِاسْتِئْنَافُ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ " مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ " الْمَرَضُ أَيْضًا. لَكِنَّ مُرَادَهُ بِالْمَرَضِ

هُنَا: الْمَرَضُ غَيْرُ الْمَخُوفِ. وَمُرَادُهُ بِالْمَرَضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ الْمُوجِبُ لِلْفِطْرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا، فَعَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ) . يَعْنِي: يُطْعِمُ وَلَا يُكَفِّرُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُكَفِّرَ. وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً كَغَيْرِ الصَّوْمِ. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُطْعَمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيُكَفَّرُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نُصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَصَحُّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ وُجُوبُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ عَنْ كُلِّهِ فَقِيرٌ وَاحِدٌ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ. وَفِي النَّوَادِرِ احْتِمَالٌ يُصَامُ عَنْهُ. وَسَبَقَ فِي فِعْلِ الْوَلِيِّ عَنْهُ: أَنَّهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ: لَوْ نَذَرَهُ فِي حَالِ عَجْزِهِ عَنْهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ: فَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الشَّالَنْجِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ غَيْرُ الْحَجِّ عَنْهُ. قَالَ: وَالْمُرَادُ وَلَا يُطِيقُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ. وَإِلَّا أَتَى بِمَا يُطِيقُهُ مِنْهُ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي. قَالَ: وَكَذَا أَطْلَقَ شَيْخُنَا، يَعْنِي: بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: الْقَادِرُ عَلَى فِعْلِ الْمَنْذُورِ يَلْزَمُهُ. وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ. انْتَهَى. فَأَمَّا إنْ نَذَرَ مَنْ لَا يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً الْحَجَّ، فَإِنْ وَجَدَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ: لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ السَّابِقِ. وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِي فِعْلِ الْوَلِيِّ عَنْهُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي ضَمَانِ الْمَجْهُولِ أَكْثَرُ مَا فِيهِ: أَنْ يُظْهِرَ مِنْ الدِّينِ مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ. وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ. كَمَا لَوْ نَذَرَ أَلْفَ حَجَّةٍ، وَالصَّدَقَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَلَا يَمْلِكُ قِيرَاطًا: فَإِنَّهُ يَصِحُّ. لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ بِرِضَاهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْعَاجِزِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ غَيْرَ الصِّيَامِ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَعَجَزَ عَنْهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ) (نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ) . أَوْ مَكَّةَ وَأَطْلَقَ (لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) . لِأَنَّهُ مَشْيٌ إلَى عِبَادَةٍ. وَالْمَشْيُ إلَى الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ. وَمُرَادُهُ وَمُرَادُ غَيْرِهِ: يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، مَا لَمْ يَنْوِ إتْيَانَهُ. لَا حَقِيقَةَ الْمَشْيِ.

صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. فَائِدَةٌ حَيْثُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ أَوْ غَيْرُهُ، فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا، مُحْتَجًّا بِهِ وَبِمَا لَوْ نَذَرَ مِنْ مَحَلِّهِ: لَمْ يَجُزْ مِنْ مِيقَاتِهِ، عَلَى قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَبْعَدِ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ مِيقَاتِهِ. وَقِيلَ هُنَا: أَوْ مِنْ إحْرَامِهِ إلَى أَمْنِهِ فَسَادَهُ بِوَطْئِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ فَرَغَ. وَقَالَ أَيْضًا: يَرْكَبُ فِي الْحَجِّ إذَا رَمَى، وَفِي الْعُمْرَةِ إذَا سَعَى. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالتَّحْلِيلَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ " لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى غَيْرِ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَيَكُونُ كَنَذْرِ الْمُبَاحِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. فَائِدَةٌ لَوْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ: لَغَا قَوْلُهُ " غَيْرَ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ " وَلَزِمَهُ إتْيَانُهُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ.

وَوُجُوبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَوْ الدَّمِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. ذَكَرَهَا ابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَسْتَأْنِفُهُ مَاشِيًا، لِتَرْكِهِ صِفَةَ الْمَنْذُورِ. كَتَفْرِيقِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ، فَمَشَى. فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ) . يَعْنِي: الْمُتَقَدِّمَتَانِ. وَهُمَا: هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، أَوْ دَمٍ؟ وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. لِأَنَّ الرُّكُوبَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ طَاعَةٍ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا: وَجَبَ الْقَضَاءُ مَاشِيًا وَكَذَا إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ: سَقَطَ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَالرَّمْيِ. وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ. وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ مَاشِيًا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ الْأَقْصَى: لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَالصَّلَاةُ فِيهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ: لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ. لِأَفْضَلِيَّةِ بَيْتِهَا. وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ حَرَمٍ: لَزِمَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ رَكْعَتَانِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدٍ سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ. وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ: لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ دُونَ الْمَشْيِ. فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ صَلَّى أَجْزَأَهُ. قَالَا: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

قَوْلُهُ (فَإِنْ نَذَرَ رَقَبَةً: فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ، عَنْ الْوَاجِبِ) . عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَبْيِينُهُ فِي " كِتَابِ الظِّهَارِ ". (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا) . فَيُجْزِئَهُ مَا عَيَّنَهُ بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقُ عَبْدٍ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَهُ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ أُتْلِفَ الْعَبْدُ الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، يَصْرِفُهَا إلَى الرِّقَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعٍ: طَافَ طَوَافَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا بَدَلٌ وَاجِبٌ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَلَى رِجْلَيْهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَلَى رِجْلَيْهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى يَدَيْهِ. وَفِي الْكَفَّارَةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْفُرُوعِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَا: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لُزُومُ الْكَفَّارَةِ، لِإِخْلَالِهِ بِصِفَةِ نَذْرِهِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ: لَوْ نَذَرَ السَّعْيَ عَلَى الْأَرْبَعِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا لَوْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. كَنَذْرِهِ صَلَاةً عُرْيَانًا، أَوْ الْحَجَّ حَافِيًا حَاسِرًا. أَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ الْحَجَّ حَاسِرَةً. وَفَاءً بِالطَّاعَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: الْوَفَاءُ بِالطَّاعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. وَفِي الْكَفَّارَةِ لِتَرْكِهِ الْمَنْهِيَّ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ قَالَ " حَافِيًا حَاسِرًا " كَفَّرَ وَلَمْ يَفْعَلْ الصِّفَةَ. وَقِيلَ: يَمْشِي مُنْذُ أَحْرَمَ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَذَرَ الطَّوَافَ. فَأَقَلُّهُ: أُسْبُوعٌ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا، فَأَقَلُّهُ: يَوْمٌ. وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً: لَمْ يُجْزِئْهُ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ. لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ الْعَامَ، فَلَمْ يَحُجَّ. ثُمَّ نَذَرَ أُخْرَى فِي الْعَامِ

الثَّانِي. فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ يَصِحُّ. وَيَبْدَأُ بِالثَّانِيَةِ لِقُوَّتِهَا. وَيُكَفِّرُ لِتَأْخِيرِ الْأُولَى. وَفِي الْمَعْذُورِ الْخِلَافُ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ. {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ. وَاخْتَارَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مِنْ تَأْجِيلِ الْعَارِيَّةِ وَالصُّلْحِ عَنْ عِوَضِ الْمُتْلَفِ بِمُؤَجَّلٍ. وَلَمَّا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِمَ يُعْرَفُ الْكَذَّابُونَ؟ قَالَ: بِخَلْفِ الْمَوَاعِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ. وَتَقَدَّمَ الْخُلْفُ بِالْعَهْدِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْأَيْمَانِ ". الْخَامِسَةُ: لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَفِي الدَّلَالَةِ بِهَا غُمُوضٌ. فَلِهَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ. فَإِنَّ " إلَّا " لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ، وَ " أَنْ " الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ. فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا. فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَطُولُ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا. وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ، وَ " أَنْ " النَّاصِبَةُ لَا الشَّرْطِيَّةُ. وَلَا يَفْطِنُونَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ؟ فَتَأَمَّلْهُ. فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ. وَهُوَ أَصْلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ.

وَالْجَوَابُ، أَنَّا نَقُولُ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ. وَالْمُسْتَثْنَى حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ. وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ " أَنْ " النَّاصِبَةِ. وَعَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي الْحَالُ عَامِلَةٌ فِي " أَنْ " النَّاصِبَةِ. وَتَقْرِيرُهُ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ حُذِفَتْ " مُعَلَّقًا " وَالْبَاءُ مِنْ " أَنْ " فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ " إلَّا " الْمُتَأَخِّرَةِ قَدْ حَصَرَتْ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ. فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ، وَغَيْرُهَا بِالتَّحْرِيمِ. وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ هُنَاكَ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ. فَتَكُونُ وَاجِبَةً. فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ: فَهُوَ قَوْلُنَا " مُعَلَّقًا " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا إذَا قَالَ " لَا تَخْرُجُ إلَّا ضَاحِكًا " فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ لِلْخُرُوجِ. وَانْتَظَمَ " مُعَلَّقًا " مَعَ " أَنْ " بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، وَاتُّجِهَ الْأَمْرُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ. انْتَهَى.

كتاب القضاء

[كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ فَائِدَةٌ " الْقَضَاءُ " وَاحِدُ الْأَقْضِيَةِ. وَالْقَضَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ: الْحَتْمُ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الْأَمْرِ. وَيَجْرِي عَلَى هَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ لَفْظِ " الْقَضَاءِ ". وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرْعِ: الْإِلْزَامُ. وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ. قَوْلُهُ (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: سُنَّةٌ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي. هُوَ أَسْلَمُ. فَائِدَةٌ نَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، بِشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَّلِ " بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ ". وَذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضَ كِفَايَةٍ. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَيَجِبُ) .

يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصِبَ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا) . وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ، وَأَوْرَعَهُمْ) . قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيّ الْبَغْدَادِيِّ: عَلَى الْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ يُكْتَفَى بِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا مِنْ أَفْضَلِ وَأَصْلَحِ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَدِينًا. وَعَنْهُ: وَوَرَعًا وَنَزَاهَةً وَصِيَانَةً وَأَمَانَةً. قَوْلُهُ (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إذَا طُلِبَ وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ: الدُّخُولُ فِيهِ) . يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالِامْتِنَاعِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؟ قَالَ: لَا يَأْثَمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَعَنْهُ: لَا يُسَنُّ دُخُولُهُ فِيهِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي. هُوَ أَسْلَمُ

وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَرْفُوعًا «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ» . قَالَ فِي الْحَاوِي عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الضَّعْفَ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ كَانَ الْحُكَّامُ يَحْمِلُونَ فِيهِ الْقُضَاةَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إذَا طُلِبَ " أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ الطَّلَبُ، لِخَوْفِهِ مَيْلًا. فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ وَثِقَ بِغَيْرِهِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَالشَّهَادَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مُخْتَلِفٌ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ: كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ) . يَعْنِي: فِيمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ لِقَصْدِ الْحَقِّ، وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ أَصْلَحَ مِنْهُ، أَوْ غِنَاهُ عَنْهُ أَوْ شُهْرَتِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهُ لِقَصْدِ الْحَقِّ. وَدَفْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَحْرُمُ بِدُونِهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طُلِبَ، فَالْأَفْضَلُ: أَنْ لَا يُجِيبَ إلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) . يَعْنِي: إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ وَطُلِبَ هُوَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إذَا أَمِنَ مِنْ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ مَعَ خُمُولِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّارِحِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ رَجُلًا خَامِلًا لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ، فَالْأَوْلَى: لَهُ التَّوْلِيَةُ لِيُرْجَعَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُومَ الْحَقُّ بِهِ، وَيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي النَّاسِ بِالْعِلْمِ، وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى لَهُ اشْتِغَالٌ بِذَلِكَ. انْتَهَيَا. فَلَعَلَّ ابْنَ حَامِدٍ لَهُ قَوْلَانِ. وَقَدْ حَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ قَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: الْإِجَابَةُ أَفْضَلُ مَعَ خُمُولِهِ وَفَقْرِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ وَطَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَهُ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ الْكَرَاهَةَ بِالطَّلَبِ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَوْلِيَةُ الْحَرِيصِ، وَلَا يَنْفِي أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ.

قُلْت: هَذَا التَّوْجِيهُ هُوَ الصَّوَابُ. الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا: مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْبُلْدَانِ، وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ، أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا، وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ) . قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وِلَايَتِهِ: إمَّا بِالْمُكَاتَبَةِ. وَإِمَّا الْمُشَافَهَةُ، وَاسْتِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ فَقَطْ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ، فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا. فَتَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: حَدَّ الْأَصْحَابُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ. وَأَطْلَقَ الْأَدَمِيُّ الِاسْتِفَاضَةَ. وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتُتَوَجَّهُ صِحَّتُهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالْخَطِّ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. ذَكَرَهُ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". قَوْلُهُ (وَهَلْ تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي؟) بِكَسْرِ اللَّازِمِ، اسْمُ فَاعِلٍ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ؛ وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فِي نَائِبِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي بَعْدَ أَنْ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَقِيلَ: الرِّوَايَتَانِ فِي نَائِبِ الْإِمَامِ دُونَهُ. إحْدَاهُمَا: لَا تُشْتَرَطُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيُّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي الْإِمَامِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تُشْتَرَطُ. وَعَنْهُ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي سِوَى الْإِمَامِ.

وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. ثُمَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قُلْنَا الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ: صَحَّتْ مِنْهُمَا. وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: فِي الْإِمَامِ وَجْهَانِ: هَلْ تَصَرُّفُهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، أَوْ الْوِلَايَةِ؟ . اخْتَارَ الْقَاضِي: الْأَوَّلَ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ. وَإِذَا كَانَ الْمُوَلِّي نَائِبَ الْإِمَامِ: لَمْ تُشْتَرَطْ عَدَالَتُهُ. قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةِ سَبْعَةٌ " وَلَّيْتُك الْحُكْمَ " وَ " قَلَّدْتُك " وَ " اسْتَنَبْتُكَ " وَ " اسْتَخْلَفْتُك " وَ " رَدَدْت إلَيْك " وَ " فَوَّضْت إلَيْك " وَ " جَعَلْت إلَيْك الْحُكْمَ ") . زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَ " اسْتَكْفَيْتُك ". وَذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ " اسْتَنَبْتُكَ ". وَقِيلَ: " رَدَدْته، فَوَّضْته، وَجَعَلْته إلَيْك " كِنَايَةً. قَوْلُهُ (فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوَلَّى: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي: فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَجَوَابُهَا مِنْ الْمُوَلَّى بِالْقَبُولِ: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ: فَإِذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا، وَقَبُولُ الْمُوَلَّى فِي الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. وَفِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: فَإِذَا أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَاتَّصَلَ الْقَبُولُ: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. زَادَ فِي الشَّرْحِ: كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ: يُشْتَرَطُ فَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ مَعَ الْحُضُورِ. وَفِي الْمُنَوِّرِ: وَفَوْرِيَّةُ الْقَبُولِ. هَذِهِ عِبَارَاتُهُمْ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُ: مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْحَاضِرِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَأَنَّ مُرَادَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ بِالِاتِّصَالِ: الْمَجْلِسُ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ". وَأَمَّا الْمُنْتَخَبُ، وَالْمُنَوِّرُ: فَمُخَالِفٌ لَهُمْ. وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ: يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ: عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَبُولِ الْمَجْلِسُ. وَلَمْ نَرَهُ صَرِيحًا. فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ. وَكَلَامُهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُنَوِّرِ وَجْهٌ ثَالِثٌ. وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ الْقُضَاةُ نُوَّابُ الْإِمَامِ، أَوْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي: عَزْلُ الْقَاضِي نَفْسَهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ هُوَ وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ، أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ. وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُشْتَرَطُ لِلْوَكِيلِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوَلَّى) . إنْ قَبِلَ بِاللَّفْظِ فَلَا نِزَاعَ فِي انْعِقَادِهَا. وَإِنْ قَبِلَ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: انْعِقَادُ الْوِلَايَةِ بِذَلِكَ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَوْ شَرَعَ غَائِبٌ فِي الْعَمَلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُلْت وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ الشَّرْعِ، كَفَى الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ، فَلَا. وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ. وَجَعَلَ مَأْخَذَهُمَا: هَلْ يَجْرِي الْفِعْلُ مَجْرَى النُّطْقِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ؟ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَيَحْسُنُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَوْ لَازِمٌ. قَوْلُهُ (وَالْكِنَايَةُ: نَحْوَ " اعْتَمَدْت عَلَيْك " وَ " عَوَّلْت " وَ " وَكَّلْت إلَيْك " وَ " أَسْنَدْت إلَيْك الْحُكْمَ " فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا، حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ. نَحْوَ " فَاحْكُمْ " أَوْ " فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْت عَلَيْك " وَمَا أَشْبَهَهُ) . وَتَقَدَّمَ قَوْلٌ: إنَّ فِي " رَدَدْته " وَ " فَوَّضْته " وَ " جَعَلْته إلَيْك " كِنَايَةً فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ الْقَرِينَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ، وَكَانَتْ عَامَّةً: اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ، مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَدَفْعُهُ إلَى رَبِّهِ، وَالنَّظَرُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرُ فِي الْوُقُوفِ فِي عَمَلِهِ بِإِجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا، وَتَزْوِيجُ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ، وَإِقَامَةُ الْحُدُدِ، وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ) .

وَكَذَا إقَامَةُ الْعِيدِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَقَبْضُ خَرَاجٍ وَالزَّكَاةُ أُجْرَةٌ وَأَنْ يَلِيَ جُمُعَةً وَالْعِيدَ فِي الْمُتَجَوَّدِ فَظَاهِرُهُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ عَائِدٌ إلَى قَبْضِ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَصَّا بِإِمَامٍ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ " وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرُ. وَقَالَ الْقَاضِي: وَإِمَامَةُ الْجُمُعَةِ بِالْمِيمِ بَدَلُ الْقَافِ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ عِبَارَةُ النَّاظِمِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: قَالَ الشَّيْخُ: وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِالْقَافِ. وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْأَئِمَّةَ كَانُوا يُقِيمُونَهَا، وَالْقَاضِي يَنُوبُ عَنْهُمْ. وَ " الْإِقَامَةُ " قَدْ يُرَادُ بِهَا وِلَايَةُ الْإِذْنِ فِي إقَامَتِهَا، وَمُبَاشَرَةُ الْإِمَامَةِ فِيهَا. وَقَدْ يُرَادُ بِهَا نَصْبُ الْأَئِمَّةِ مَعَ عَدَمِ وِلَايَةِ أَصْلِ الْإِذْنِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إمَامَةٌ بِالْمِيمِ كَقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا الْقَاضِي. فَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ نَصْبِ الْأَئِمَّةِ. وَهَذَا أَظْهَرُ. وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. فَإِنَّ النَّصْبَ فِيهِمَا إقَامَةٌ لَهُمَا. وَعَلَى هَذَا: نَصْبُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ.

وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ فِعْلِ الْإِمَامَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي مُصَنَّفِهِ. قَالَ: وَأَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، مَعَ عَدَمِ إمَامٍ خَاصٍّ لَهُمَا. إلَّا أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْإِقَامَةُ أَوَالْإِمَامَة إلَّا فِي بُقْعَةٍ مِنْ عَمَلِهِ، لَا فِي جَمِيعِ عَمَلِهِ. إذْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْفِعْلُ إلَّا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ إطْلَاقِ: أَنَّ لَهُ فِعْلَ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: عِبَارَتُهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي " وَأَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ " كَمَا فِي نَقْلِ الْحَارِثِيِّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ. فَائِدَةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَسْتَفِيدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا: النَّظَرُ فِي عَمَلِ مَصَالِحِ عَمَلِهِ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقَلِّيَّتِهِمْ، وَتَصَفُّحِ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالِاسْتِبْدَالِ مِمَّنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ. وَيَنْظُرُ أَيْضًا فِي أَقْوَالِ الْغَائِبِينَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ " بَابِ آدَابِ الْقَاضِي ". قَوْلُهُ (فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ يَخْتَصَّا بِعَامِلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يُسْتَفَادَانِ بِالْوِلَايَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُسْتَفَادَانِ بِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ.

وَقِيلَ: لَا يُسْتَفَادُ الْخَرَاجُ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ " اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ " أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ غَيْرَهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا الِاحْتِسَابَ عَلَى الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ، وَإِلْزَامَهُمْ بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ لَا حَدَّ لَهُ شَرْعًا. بَلْ يُتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: أَمِيرُ الْبَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَى الْأَدَبِ. وَلَيْسَ لَهُ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا. وَالْفُرُوجُ وَالْحُدُودُ. إنَّمَا يَكُونُ هَذَا إلَى الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لِنَفْسِهِ وَأُمَنَائِهِ وَخُلَفَائِهِ مَعَ الْحَاجَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْحَاوِي. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. وَلَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ: وَبِدُونِ حَاجَةٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَلَا لَهُ أَخْذُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْأَخْذُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَأْخُذُ أُجْرَةً عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، فَفِي جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ، فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إلَّا بِجُعْلٍ: جَازَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي رِزْقٌ فَقَالَ لِلْخَصْمَيْنِ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي عَلَيْهِ جُعْلًا: جَازَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ. انْتَهَيَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَيَأْتِي حُكْمُ الْهَدِيَّةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ وَلَهُ كِفَايَةٌ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ، وَفُرُوعِهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَدَمَ الْجَوَازِ.

وَمَنْ أَخَذَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَأْخُذْ أُجْرَةً لِفُتْيَاهُ. وَفِي أُجْرَةِ خَطِّهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ فِيمَنْ يُسْأَلُ عَنْ الْعِلْمِ، فَرُبَّمَا أُهْدِيَ لَهُ؟ قَالَ: لَا يَقْبَلُ، إلَّا أَنْ يُكَافَأَ. وَيَأْتِي أَيْضًا حُكْمُ هَدِيَّةِ الْمُفْتِي عِنْدَ ذِكْرِ هَدِيَّةِ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ فِيهِمَا) . (فَيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَيَنْفُذُ) (قَضَاؤُهُ فِي أَهْلِهِ، وَمَنْ طَرَأَ إلَيْهِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَيْضًا. لَكِنْ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَةً فِي غَيْرِ عَمَلِهِ. وَهُوَ مَحَلُّ حُكْمِهِ. وَيَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِتَعْدِيلِهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: إخْبَارُ الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ فِي عَمَلِهِمَا أَوْ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. وَيَجْعَلُ إلَى

فوائد جعل قاضيين فأكثر في عمل واحد

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلًا فَيَجْعَلُ إلَى أَحَدِهِمَا الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَى الْآخَرِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ، دُونَ غَيْرِهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: إنْ اتَّحَدَ الزَّمَنُ أَوْ الْمَحَلُّ: لَمْ يَجُزْ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَإِلَّا جَازَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَعَلَ إلَيْهِمَا عَمَلًا وَاحِدًا: جَازَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْأَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ اتَّحَدَ عَمَلُهُمَا، أَوْ الزَّمَنُ أَوْ الْمَحَلُّ: لَمْ يَجُزْ. وَإِلَّا جَازَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. [فَوَائِدُ جَعْلُ قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ] فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ جَوَّزْنَا جَعْلَ قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ، لَوْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ أَحَدِهِمْ: قُدِّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَهُوَ الطَّالِبُ. وَلَوْ طَلَبَ حُكْمَ النَّائِبِ أُجِيبَ. فَلَوْ كَانَا مُدَّعِيَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ بَاقٍ: اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحُكْمَيْنِ. ثُمَّ الْقُرْعَةُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُقَدَّمُ مِنْهُمَا مَنْ طَلَبَ حُكْمَ الْمُسْتَنِيبِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ تَنَازَعَا أُقْرِعَ.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ: لَوْ اخْتَلَفَ خَصْمَانِ فِيمَنْ يَحْتَكِمَانِ إلَيْهِ. قُدِّمَ الْمُدَّعِي فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى. اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ إلَيْهِمَا. فَإِنْ اسْتَوَيَا: أُقْرِعَ بَيْنَهَا. وَقِيلَ: يُمْنَعَانِ مِنْ التَّخَاصُمِ حَتَّى يَتَّفِقَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا. قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِنَا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَجُوزُ لِكُلِّ ذِي مَذْهَبٍ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ. ذَكَرَهُ فِي مَكَانَيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ: فَإِنْ نَهَاهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الْجَوَازُ. وَقَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى أَيْضًا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَتَوْلِيَةُ الْمَرْءِ الْمُخَالِفِ مَذْهَبَ ... الْمُوَلِّي أُجِزْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُقَيَّدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَتَى اسْتَنَابَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ لِكَوْنِهِ أَرْجَحَ، فَقَدْ أَحْسَنَ مَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ. وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْوَكَالَةِ " وَيُتَوَجَّهُ جَوَازُهَا إذَا جَازَ لَهُ الْحُكْمُ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ. وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ غَيْرِ إمَامِهِ. وَإِلَّا انْبَنَى عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يَسْتَنِيبُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، كَتَوْكِيلِ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ؟ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ الْمِرْدَاوِيُّ، صَاحِبُ الِانْتِصَارِ فِي الْحَدِيثِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ الْمُنَاقَلَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ. قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ بِجَوَازِ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْحَابِ إلَّا ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ. انْتَهَى. الثَّالِثَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ. قَالَا: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ: اُسْتُتِيبَ. فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. قَالَ: وَإِنْ قَالَ: يَنْبَغِي، كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا. قَالَ: وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ، فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ، أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى: فَقَدْ أَحْسَنَ. وَلَمْ يُقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ: وَهَذِهِ الْحَالُ تَجُوزُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَيْضًا: بَلْ تَجِبُ. وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ) (مَاتَ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّازِمِ (أَوْ عُزِلَ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا (مَعَ صَلَاحِيَتِهِ) : (لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . إذَا مَاتَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّازِمِ فَهَلْ يَنْعَزِلُ الْمُوَلَّى؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَنْعَزِلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي " بَابِ نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ " فِي مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْمَحْرَمِ: الْمَشْهُورُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَنْعَزِلُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ، أَوْ الْعَازِلُ قَاضِيًا.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، إنْ قُلْنَا: الْحَاكِمُ نَائِبُ الشَّرْعِ: لَمْ يَنْعَزِلْ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نَائِبُ مَنْ وَلَّاهُ: انْعَزَلَ. وَأَمَّا إذَا عَزَلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ الْقَاضِيَ الْمُوَلَّى مَعَ صَلَاحِيَتِهِ فَهَلْ يَنْعَزِلُ، وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ. وَلَا يَنْعَزِلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ وَيَنْعَزِلُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: كَالْوَلِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَعَقْدِ وَصِيٍّ وَنَاظِرٍ عَقْدًا جَائِزًا، كَوَكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ. انْتَهَى. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْقُضَاةَ هَلْ هُمْ نُوَّابُ الْإِمَامِ، أَوَالْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَغَيْرِهِ. أَحَدُهُمَا: هُمْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ. فَعَلَيْهِ: لَا يَنْعَزِلُونَ بِالْعَزْلِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي: هُمْ نُوَّابُ الْإِمَامِ. فَيَنْعَزِلُونَ بِالْعَزْلِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: كُلُّ عَقْدٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَوَالٍ، وَمَنْ يُنْصَبُ لِجِبَايَةِ مَالٍ وَصَرْفِهِ، وَأَمِيرِ الْجِهَادِ، وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُحْتَسِبِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكُلِّ: لَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِ الْمُسْتَنِيبِ وَمَوْتِهِ حَتَّى يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فِي نَائِبِهِ فِي الْحَكَمِ وَقَيِّمِ الْأَيْتَامِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِمْ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا: إنْ اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ مَنْ وَلَّاهُ، وَقِيلَ: وَقَالَ اُسْتُخْلِفَ عَنْك: انْعَزِلُوا انْتَهَى. وَلَا يَبْطُلُ مَا فَرَضَهُ فَارِضٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الْمُسْتَنِيبُ قَاضِيًا، فَزَالَتْ وِلَايَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَّ فِيهِ بَعْضُ شُرُوطِهِ: انْعَزَلَ نَائِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْعَزِلْ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَبْلَهَا. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكُلُّ قَاضٍ مَاتَ أَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ وَصَحَّ عَزْلُهُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ وَصَحَّ عَزْلُهُ أَوْ انْعَزَلَ بِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ: انْعَزَلَ نَائِبُهُ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ، كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ خَاصَّةٍ وَبَيْعِ تَرِكَةِ مَيِّتٍ خَاصَّةٍ. وَقَالَ: وَفِي خُلَفَائِهِ وَنَائِبِهِ فِي الْحُكْمِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ وَبَلَدٍ وَقَرْيَةٍ، وَقَيِّمِ الْأَيْتَامِ وَنَاظِرِ الْوُقُوفِ وَنَحْوِهِمْ أَوْجُهٌ: الْعَزْلُ وَعَدَمُهُ. وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَالثَّالِثُ: إنْ اسْتَخْلَفَهُمْ بِإِذْنِ مَنْ وَلَّاهُ انْعَزِلُوا. وَالرَّابِعُ: إنْ قَالَ لِلْمُوَلِّي: اُسْتُخْلِفَ عَنْك: انْعَزَلُوا. وَإِنْ قَالَ: اُسْتُخْلِفَ عَنِّي: فَلَا كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْأَصْحَابِ: يَنْعَزِلُ نُوَّابُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُمْ نُوَّابُهُ. وَلَا يَنْعَزِلُ الْقُضَاةُ. لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَا يَنْعَزِلُ نُوَّابُ الْقُضَاةِ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ، مِنْ سَمَاعِ شَهَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِحْضَارِ مُسْتَعْدًى عَلَيْهِ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: لَوْ عَزَلَهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ: وَمَنْ لَزِمَهُ قَبُولُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا: لَهُ عَزْلُ نَائِبِهِ بِأَفْضَلَ مِنْهُ. وَقِيلَ: بِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: بِدُونِهِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَزْلُ نَفْسِهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ هُوَ وَكِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.

نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي خَطَأِ الْإِمَامِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ وَكِيلٌ، فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَلَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: هَلْ لِمَنْ وَلَّاهُ عَزْلُهُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّالِفُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ الْعَاقِلَةِ " وَخَطَأُ إمَامٍ وَحَاكِمٍ: فِي حُكْمِ بَيْتِ الْمَالِ. وَعَلَيْهَا: لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ " الْخِلَافُ فِي تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ: هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، أَوْ الْوِلَايَةِ؟ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ) وَبِنَاءُ الْخِلَافِ هُنَا عَلَى رِوَايَتَيْ عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِانْعِزَالِهِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِمْ. فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ عَزْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. وَذَكَرَهُمَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ. وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: لِأَنَّ فِي وِلَايَتِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى. وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ وَكِيلٌ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِنَسْخِ الْأَحْكَامِ. لَا يَثْبُتُ قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ. عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافَ الْوَكَالَةِ الْمَحْضَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي الْعُقُودُ وَالْفُسُوخُ، فَتَعْظُمُ الْبَلْوَى بِإِبْطَالِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ. قُلْت: وَهَذَا الصَّوَابُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا بَقَاؤُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ. فَائِدَةٌ لَوْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ قَاضِي بَلَدٍ، فَوَلَّى غَيْرُهُ حَيًّا: لَمْ يَنْعَزِلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ. وَقَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ، وَفُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْته: لَمْ تَنْعَقِدْ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَلِكَ لِجَهَالَةِ الْمُوَلَّى مِنْهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوِلَايَةَ بِشَرْطٍ. ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا بِالْجَوَازِ لِلْخَبَرِ " أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَعْرُوفُ صِحَّةُ الْوِلَايَةِ بِشَرْطٍ.

وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَسَبَقَ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْمُوصَى إلَيْهِ ". تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْت فُلَانًا وَفُلَانًا. فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي: انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ) . لِأَنَّهُ وَلَّاهُمَا. ثُمَّ عَيَّنَ مَنْ سَبَقَ، فَتَعَيَّنَ. قَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ) : (أَنْ يَكُونَ بَالِغًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي كُتُبِهِ " بَالِغًا " وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. قَوْلُهُ (حُرًّا) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَأَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ أَيْضًا: يَجُوزُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. فَائِدَةٌ يَصِحُّ وِلَايَةُ الْعَبْدِ إمَارَةَ السَّرَايَا، وَقَسْمَ الصَّدَقَاتِ وَالْفَيْءِ، وَإِمَامَةَ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ. قَوْلُهُ (مُسْلِمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ: لَا نَعْرِفُ فِيهِ رِوَايَةً. وَإِنْ سَلِمَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُحْتَمَلُ الْمَنْعُ، وَإِنْ سَلِمَ.

قَوْلُهُ (عَدْلًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَلَوْ كَانَ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: إنْ فُسِّقَ بِشُبْهَةٍ. فَوَجْهَانِ. وَيَأْتِي بَيَانُ الْعَدَالَةِ فِي " بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ ". وَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْعَدَالَةُ الْمُشْتَرَطَةُ هُنَا: هَلْ هِيَ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا فِي الْحُدُودِ أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ، كَمَا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْحَاضِنِ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ وَفِيهَا الْخِلَافُ، كَمَا فِي الْعَدَالَةِ فِي الْأَمْوَالِ، ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهَا كَاَلَّتِي فِي الْأَمْوَالِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ كَاَلَّتِي فِي الْحُدُودِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (سَمِيعًا بَصِيرًا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطَانِ. قَوْلُهُ (مُجْتَهِدًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا إجْمَاعًا.

وَقَالَ: أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ. فَلَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي إلَّا بِقَوْلِهِ. وَقَالَ فِي الْإِفْصَاحِ: الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي خُطْبَةِ الْمُغْنِي: النِّسْبَةُ إلَى إمَامٍ فِي الْفُرُوعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ. فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ، وَاتِّفَاقَهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا فَهِمَهُ هَذَا الْحَنَفِيُّ. انْتَهَى وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاخْتَارَ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُقَلِّدًا. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ أَحْكَامُ النَّاسِ وَقِيلَ فِي الْمُقَلِّدِ: يُفْتِي ضَرُورَةً. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ شَاقِلَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ فَقِيهًا حَتَّى يَحْفَظَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ. فَقَالَ: إنْ كُنْت لَا أَحْفَظُهُ، فَإِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ أَكْثَرَ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْعِهِ الْفُتْيَا بِلَا عِلْمٍ. قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: ظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَخْذِهِ طُرُقَ الْعِلْمِ عَنْهُ

وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مِنْهُ مُبَالَغَةٌ فِي فَضْلِهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ: يُفْتِي غَيْرُ مُجْتَهِدٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْحَاجَةِ. فَعَلَى هَذَا: يُرَاعِي أَلْفَاظَ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا، وَيُقَلِّدُ كِبَارَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ وَلَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ. لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الظَّاهِرِ عَنْهُ. فَيُتَوَجَّهُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ الْخِلَافُ فِي مُجْتَهِدٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي أُصُولِهِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُخَالَفَةُ الْمُفْتِي نَصَّ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ كَمُخَالَفَةِ الْمُفْتِي نَصَّ الشَّارِعِ. فَائِدَةٌ يَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى إجْمَاعًا، وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا. وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ إجْمَاعًا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَيَأْتِي قَرِيبًا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُفْتِي. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الشُّرُوطِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَالْكَاتِبُ أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. لَكِنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُنْكِرُوهُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَالْحَلْوَانِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَرِعًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَرِعًا زَاهِدًا. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا مُغَفَّلًا. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الَّذِي يَظْهَرُ: الْجَزْمُ بِهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا بَلِيدًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: لَا نَافِيًا لِلْقِيَاسِ.

وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ: الْقُوَّةُ، وَالْأَمَانَةُ. فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ: تَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ، وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ. وَالْأَمَانَةُ: تَرْجِعُ إلَى خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ حَسْبَ الْإِمْكَانِ. وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ. فَيُوَلِّي لِلْعَدَمِ: أَنْفَعَ الْفَاسِقِينَ. وَأَقَلَّهُمَا شَرًّا، وَأَعْدَلَ الْمُقَلِّدِينَ وَأُعْرَفَهُمَا بِالتَّقْلِيدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ فِيمَنْ قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ: يَصِيرُ الْحُكْمُ إلَى أَعْدَلَ مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا فَاسِقٌ، عَالِمٌ، أَوْ جَاهِلُ دِينٍ: قُدِّمَ مَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَكْثَرُ إذَنْ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ. وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ. فَالشَّابُّ الْمُتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ كَغَيْرِهِ. لَكِنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى مَعَ التَّسَاوِي. وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي الصِّفَاتِ. وَيُوَلَّى الْمُوَلَّى مَعَ أَهْلِيَّتِهِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: كُلُّ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ ابْتِدَاءً: يَمْنَعُهَا دَوَامًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَيَنْعَزِلُ إذَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ: مَا فُقِدَ مِنْ الشُّرُوطِ

فِي الدَّوَامِ: أَزَالَ الْوِلَايَةَ، إلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهِ. فَإِنَّ وِلَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي فَقْدِ الْبَصَرِ فَقَطْ. وَقِيلَ: إنْ تَابَ فَاسِقٌ، أَوْ أَفَاقَ مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا. يَنْعَزِلُ بِالْإِغْمَاءِ فَوِلَايَتُهُ بَاقِيَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ: إنْ طَرَأَ جُنُونٌ، فَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبَقًا لَمْ يُعْزَلْ كَالْإِغْمَاءِ. وَإِنْ أُطْبِقَ بِهِ: وَجَبَ عَزْلُهُ. وَقَالَ: الْأَشْبَهُ. بِقَوْلِنَا: يُعْزَلُ إنْ أُطْبِقَ شَهْرًا. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجَازَ شَهَادَةَ مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ. وَقَالَ: فِي الشَّهْرِ مَرَّةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَرِضَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ: تَعَيَّنَ عَزْلُهُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: يَنْعَزِلُ. قَوْلُهُ (وَالْمُجْتَهِدُ: مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْمُجْمَلَ، وَالْمُبَيَّنَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَعْرِفُ مِنْ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَمُتَوَاتِرَهَا مِنْ آحَادِهَا، وَمُرْسَلَهَا وَمُتَّصِلَهَا، وَمُسْنَدَهَا وَمُنْقَطِعَهَا مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْأَحْكَامِ خَاصَّةً. وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَالْقِيَاسَ وَحُدُودَهُ وَشُرُوطَهُ، وَكَيْفِيَّةَ

اسْتِنْبَاطِهِ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَمَا يُوَالِيهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ. فَمَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ، وَرُزِقَ فَهْمَهُ: صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) . وَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَمَنْ عَرَفَ أَكْثَرَهُ: صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: فَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَكْثَرِ ذَلِكَ وَفَهِمَهُ: صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِ، وَرُزِقَ فَهْمَهُ: صَلُحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ أَكْثَرَ فُرُوعِ الْفِقْهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَجِبُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: مَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ: فَمُجْتَهِدٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمُفْتِي الْعَالِمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ، وَمَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ، وَالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مُفَصَّلَةً، وَاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا غَالِبًا. وَاعْتَبَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعْرِفَةَ أَكْثَرِ الْفِقْهِ. وَالْأَشْهَرُ: لَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ لِشُبْهَةٍ أَوْ إشْكَالٍ. لَكِنْ يَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ وُجُوهِ دَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ. وَيَكْفِيهِ أَخْذُ الْأَحْكَامِ مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا. زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: وَيَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ، وَاسْتِصْحَابَ الْحَالِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَى إبْطَالِ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ، وَإِقَامَةَ الدَّلَائِلِ عَلَى مَذْهَبِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي أَيْضًا: وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَيْهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَيَأْتِي بَعْدَ فَرَاغِ الْكِتَابِ: أَقْسَامُ الْمُجْتَهِدِينَ.

فوائد أدى اجتهاد القاضي ي إلى حكم

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ " مُجْتَهِدٌ " أَنَّهُ لَا يُفْتِي إلَّا مُجْتَهِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ. [فَوَائِد أَدَّى اجْتِهَادُ الْقَاضِي ي إلَى حُكْمٍ] فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ إجْمَاعًا. وَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فِي قَوْلِهِ " وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ. وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ ". وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ أَيْضًا مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: قَالَهُ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَقَالَ: مَذْهَبُنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا. نَقَلَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْخُطْبَةِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِأَعْلَمَ مِنْهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقَلِّدُ صَحَابِيًّا، وَيُخَيَّرُ فِيهِمْ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَطْ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لِلْعُلَمَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ غَيْرُ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُمَا فِي " بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ". وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ لِخَوْفِهِ عَلَى خُصُومٍ مُسَافِرِينَ فَوْتَ رُفْقَتِهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَمِنْهَا: يُتَحَرَّى الِاجْتِهَادُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا.

وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَتَحَرَّى. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى فِي بَابٍ، لَا فِي مَسْأَلَةٍ. وَمِنْهَا: وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي. تَقَدَّمَ قَرِيبًا تَحْرِيمُ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا بِالْهَوَى، وَبِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَانُوا يَهَابُونَ الْفُتْيَا، وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا، وَيَتَدَافَعُونَهَا. وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ تَهَجَّمَ فِي الْجَوَابِ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى. وَقَالَ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَفِي وُجُوبِ تَقْدِيمِ مَعْرِفَةِ فُرُوعِ الْفِقْهِ عَلَى أُصُولِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ فُرُوعِ الْفِقْهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَهُوَ أَوْلَى. وَالثَّانِي: يَجِبُ تَقْدِيمُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَقَدْ أَوْجَبَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: تَقْدِيمَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى فُرُوعِهِ. وَلِهَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، فِي أَوَائِلِ كُتُبِهِمْ الْفُرُوعِيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ: أَبْلَغُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إحْكَامِ الْأَحْكَامِ: إتْقَانُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَطَرَفٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي أُصُولِهِ، تَبَعًا لِمُسَوَّدَةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تَقْدِيمُ مَعْرِفَتِهَا أَوْلَى مِنْ الْفُرُوعِ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ، وَغَيْرِهِ. قُلْت: فِي غَيْرِ فَرْضِ الْعَيْنِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي: عَكْسُهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ فِي الْوُجُوبِ. وَتَقَدَّمَ: هَلْ لِلْمُفْتِي الْأَخْذُ مِنْ الْمُسْتَفْتِي إذَا كَانَ لَهُ كِفَايَةٌ، أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي: هَلْ لَهُ أَخْذُ الْهَدِيَّةِ أَمْ لَا؟ عِنْدَ أَحْكَامِ هَدِيَّةِ الْحَاكِمِ. وَالْمُفْتِي: مَنْ يُبَيِّنُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، وَيُخْبِرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ. وَالْحَاكِمُ: مَنْ يُبَيِّنُهُ وَيُلْزِمُ بِهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَلَا يُفْتِي فِي حَالٍ لَا يُحْكَمُ فِيهَا، كَغَضَبٍ وَنَحْوِهِ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: فَظَاهِرُهُ يَحْرُمُ كَالْحُكْمِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يُفْتِي فِي هَذِهِ الْحَالِ. فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ: صَحَّ وَكُرِهَ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي قَضَاءِ الْغَضْبَانِ وَنَحْوِهِ وَتَصِحُّ فَتْوَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقَرِيبِ وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ الْمَفْهُومِ الْإِشَارَةُ أَوْ الْكِتَابَةُ. وَتَصِحُّ مَعَ جَرِّ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ. وَتَصِحُّ مِنْ الْعَدُوِّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَالْفُرُوعِ فِي " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ".

وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ كَالْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ. وَلَا تَصِحُّ مِنْ فَاسِقٍ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا، لَكِنْ يُفْتِي نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَغَيْرِهِ: لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ فِي اجْتِهَادِهِ، بَلْ فِي قَبُولِ فُتْيَاهُ وَخَبَرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ، قُلْت: الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْفَاسِقِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ، دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ. فَحُكْمُ اسْتِفْتَائِهِ حُكْمُ إمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ. وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَسْتُورِ الْحَالِ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ. قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي. وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ اكْتَفَيْنَا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاكِمُ كَغَيْرِهِ فِي الْفُتْيَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ لَهُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، دُونَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَنَحْوِهِمَا. وَيَحْرُمُ تَسَاهُلُ مُفْتٍ، وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ إلَّا مَنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ. وَيَأْتِي: هَلْ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ، أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ لِمَنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ: أَنْ

يَتَخَيَّرَ. فَيَعْمَلَ أَوْ يُفْتِيَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، بَلْ إنْ عَلِمَ تَارِيخَ الْقَوْلَيْنِ: عَمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ، إنْ صَرَّحَ بِرُجُوعِهِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَهَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إذَا تَرَجَّحَ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لِقَائِلِهِمَا؟ وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: إذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالتَّرْجِيحِ بِالدَّلِيلِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوَالْوَجْهَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّرْجِيحِ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ. فَيَعْمَلَ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَعْلَمِ وَالْأَوْرَعِ. فَإِنْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِصِفَةٍ مِنْهَا، وَالْآخَرُ بِصِفَةٍ أُخْرَى: قُدِّمَ الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بِالصَّوَابِ. فَالْأَعْلَمُ الْأَوْرَعُ: مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوْرَعِ الْعَالِمِ. وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِهِ بَيَانُ الْأَصَحِّ مِنْهُمَا: اعْتَبَرَ أَوْصَافَ نَاقِلَيْهِمَا وَقَابِلَيْهِمَا. وَيُرَجِّحُ مَا وَافَقَ مِنْهُمَا أَئِمَّةَ أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ، أَوْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى. قُلْت: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ تَحْرِيرُ ذَلِكَ. وَإِذَا اعْتَدَلَ عِنْدَهُ قَوْلَانِ وَقُلْنَا: يَجُوزُ أَفْتَى بِأَيِّهِمَا شَاءَ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْكِفَايَةِ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. كَمَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَعْمَلَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُسْتَفْتِي، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَحْوَطُ. وَيَلْزَمُ الْمُفْتِي تَكْرِيرَ النَّظَرِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: وَإِلَّا كَانَ. مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ. لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَعَدَمُ غَيْرِهِ، وَلُزُومُ السُّؤَالِ ثَانِيًا فِيهِ الْخِلَافُ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَالْآمِدِيِّ: إنْ ذَكَرَ الْمُفْتِي طَرِيقَ الِاجْتِهَادِ: لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَإِنْ حَدَثَ مَا لَا قَوْلَ فِيهِ تَكَلَّمَ فِيهِ حَاكِمٌ وَمُجْتَهِدٌ وَمُفْتٍ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي أُصُولِ الدِّينِ. قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْكَلَامِ مُفَصَّلًا. بَلْ يُمْنَعَ السَّائِلُ وَسَائِرُ الْعَامَّةِ مِنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. وَقَدَّمَهُ فِي مُقْنِعِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ. وَأُطْلِقَ الْخِلَافُ. وَقَالَ فِي خُطْبَةِ الْإِرْشَادِ: لَا بُدَّ مِنْ الْجَوَابِ. وَقَالَ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْأَقْوَالَ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، أَوْ يَجِبُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَهْلِيَّةِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ. فَإِنْ عُدِمَ الْأَمْرَانِ: لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا: اُحْتُمِلَ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، وَالْجَوَابُ عِنْدَ الْحَاجَةِ دُونَ عَدَمِهَا. انْتَهَى. وَلَهُ تَخْيِيرُ مَنْ اسْتَفْتَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مُخَالِفِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، أَوْ كَانَ أَرْجَحَ.

وَسَأَلَهُ أَبُو دَاوُد: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، أَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ يَسْأَلُهُ؟ قَالَ: إذَا كَانَ، الَّذِي أُرْشِدَ إلَيْهِ يَتْبَعُ وَيُفْتِي بِالسُّنَّةِ. فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ يُرِيدُ الِاتِّبَاعَ، وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلِهِ يُصِيبُ. قَالَ: وَمَنْ يُصِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْخُلْعِ: التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُ جَوَابٌ مَا لَمْ يَقَعْ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَلَا يَجِبُ جَوَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ السَّائِلِ، وَلَا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ. وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَهُوَ أَقْيَسُ. وَقِيلَ: مَتَى خَلَتْ الْبَلْدَةُ مِنْ مُفْتٍ: حَرُمَتْ السُّكْنَى فِيهَا. ذَكَرَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي. وَلَهُ رَدُّ الْفُتْيَا، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَطَعَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَامَّةِ بِفُتْيَا، وَهُوَ جَاهِلٌ: تَعَيَّنَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَالِمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَظْهَرُ لَا يَجُوزُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، كَسُؤَالِ عَامِّيٍّ عَمَّا لَمْ يَقَعْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَاكِمٌ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ، لَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ وَإِلَّا لَزِمَهُ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ: الْحُكْمُ يَتَعَيَّنُ بِوِلَايَتِهِ، حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ رَدُّ مُحْتَكِمِينَ إلَيْهِ. وَيُمْكِنُهُ رَدُّ مَنْ يَسْتَشْهِدُهُ.

وَإِنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا لِشَهَادَةٍ: فَنَادِرٌ أَنْ لَا يَكُونَ سِوَاهُ. وَفِي الْحُكْمِ لَا يَنُوبُ الْبَعْضُ عَنْ الْبَعْضِ. وَلَا يَقُولُ لِمَنْ ارْتَفَعَ إلَيْهِ: امْضِ إلَى غَيْرِي مِنْ الْحُكَّامِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الْوَجْهِ فِي إثْمِ مَنْ دُعِيَ لِشَهَادَةٍ. قَالُوا: لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِدُعَائِهِ. لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إثْمُ مَنْ عَيَّنَ فِي كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ. قَالَ: وَكَلَامُهُمْ فِي الْحَاكِمِ، وَدَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ. وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ: خِلَافُهُ. انْتَهَى. وَمَنْ قَوِيَ عِنْدَهُ مَذْهَبُ غَيْرِ إمَامِهِ: أَفْتَى بِهِ وَأَعْلَمَ السَّائِلَ. وَمَنْ أَرَادَ كِتَابَةً عَلَى فُتْيَا، أَوْ شَهَادَةٍ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، وَلَا حَاجَةَ كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ قَمِيصَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَادَةِ بِلَا حَاجَةٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَغَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتِيَ، أَوْ يَكْتُبَ شَهَادَةً: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوَسِّعَ لَهُ الْأَسْطُرَ، وَلَا يُكْثِرُ إذَا أَمْكَنَ الِاخْتِصَارُ. لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ، وَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي أُصُولِهِ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَ قَرِينَةِ خِلَافٍ. وَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ فِي الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ إجْمَاعًا، بَلْ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ. فَلَوْ سُئِلَ: هَلْ لَهُ الْأَكْلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، لَا الثَّانِي. وَمَسْأَلَةُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي الطَّيِّبِ مَعَ قَوْمٍ مَعْلُومِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا يُفْتِي إلَّا مُجْتَهِدٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ.

فَيُرَاعِي أَلْفَاظَ إمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا. وَيُقَلِّدُ كِبَارَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ. وَالْعَامِّيُّ يُخَيَّرُ فِي فَتْوَاهُ فَقَطْ. فَيَقُولُ: مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النَّاظِرُ الْمُجَرَّدُ يَكُونُ حَاكِيًا، لَا مُفْتِيًا. وَقَالَ فِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ كَانَ الْفَقِيهُ مُجْتَهِدًا، يَعْرِفُ صِحَّةَ الدَّلِيلِ: كَتَبَ الْجَوَابَ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الدَّلِيلَ، قَالَ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَذَا. مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا. فَيَكُونُ مُخْبِرًا، لَا مُفْتِيًا. وَيُقَلِّدُ الْعَامِّيُّ مَنْ عَرَفَهُ عَالِمًا عَدْلًا، أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا مُعَظَّمًا. وَلَا يُقَلِّدُ مَنْ عَرَفَهُ جَاهِلًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: يَكْفِيهِ قَوْلُ عَدْلٍ. وَمُرَادُهُ: خَبِيرٌ. وَاعْتَبَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الِاسْتِفَاضَةَ بِكَوْنِهِ عَالِمًا، لَا مُجَرَّدَ اعْتِزَائِهِ إلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ بِمَنْصِبِ تَدْرِيسٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ سُؤَالُ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْخَيْرِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُقَلِّدُ مَنْ عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ أَهْلًا بِطَرِيقِ مَا، اتِّفَاقًا. فَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ: فَفِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ. قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ فُتْيَا فَاسِقٍ، أَوْ مَسْتُورِ الْحَالِ، أَمْ لَا؟

وَيُقَلِّدُ مَيِّتًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ. وَقِيلَ: لَا يُقَلِّدُ مَيِّتًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَاخْتَارَهُ فِي التَّمْهِيدِ، فِي أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِمَوْتِهِمَا. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يَحْفَظَ الْأَدَبَ مَعَ الْمُفْتِي وَيُجِلَّهُ. فَلَا يَقُولُ أَوْ يَفْعَلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَّامِ بِهِ، كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ، وَمَا مَذْهَبُ إمَامِك فِي كَذَا؟ وَمَا تَحْفَظُ فِي كَذَا؟ أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك، أَوْ فُلَانٌ بِكَذَا أَوْ كَذَا. قُلْت أَنَا: أَوْ وَقِّعْ لِي، أَوْ إنْ كَانَ جَوَابُك مُوَافِقًا فَاكْتُبْ. لَكِنْ إنْ عَلِمَ غَرَضَ السَّائِلِ فِي شَيْءٍ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ بِغَيْرِهِ. أَوْ يَسْأَلَهُ فِي حَالِ ضَجَرٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ قِيَامِهِ، وَنَحْوِهِ. وَلَا يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ. وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي فُرُوعِهِ فِي " اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ " لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْأَوْثَقِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: عَلَى الْأَقْيَسِ. وَعَنْهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا. فَيُقَدِّمُ الْأَرْجَحَ. وَمَعْنَاهُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ كَالْقِبْلَةِ فِي الْأَعْمَى وَالْعَامِّيِّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: أَمَّا لَوْ بَانَ لِلْعَامِّيِّ الْأَرْجَحُ مِنْهُمَا: لَزِمَهُ تَقْلِيدُهُ. زَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ.

وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: إنْ رَجَحَ دِينُ وَاحِدٍ. قَدَّمَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخَرِ: لَا. لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَا تُنْكِرُ عَلَى الْعَامِّيِّ تَرْكَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: فِي تَقْدِيمِ الْأَدْيَنِ عَلَى الْأَعْلَمِ وَعَكْسُهُ وَجْهَانِ. قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَقْدِيمُ الْأَدْيَنِ، حَيْثُ قِيلَ لَهُ: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك؟ قَالَ: عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ. فَإِنَّهُ صَالِحٌ، مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لِلْحَقِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَا يَكْفِيهِ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ. وَقُدِّمَ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ انْتَهَى. فَإِنْ اسْتَوَى مُجْتَهِدَانِ تَخَيَّرَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: هَلْ يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ، وَالْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قُلْت: قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي أَثْنَاءِ " بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ " وَأَمَّا لُزُومُ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ، وَامْتِنَاعُ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ: فَفِيهِ وَجْهَانِ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ. انْتَهَى. قَالَ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ. وَقَالَ فِي أُصُولِهِ: عَدَمُ اللُّزُومِ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَيَتَخَيَّرُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ فَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَقِيلَ: ضَرُورَةً.

فَإِنْ الْتَزَمَ فِيمَا يُفْتَى بِهِ أَوْ عَمِلَ بِهِ، أَوْ ظَنَّهُ حَقًّا، أَوْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ: لَزِمَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ مَنْعَ الِانْتِقَالِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ. وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَجْتَهِدُ فِي أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتْبَعُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ طَاعَةُ غَيْرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَتَوَقَّفَ أَيْضًا فِي جَوَازِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أَوْ زِيَادَةِ عِلْمٍ أَوْ تَقْوَى: فَقَدْ أَحْسَنَ. وَلَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ أَيْضًا: بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَأَنَّهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: هَلْ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَخَيَّرَ، وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَنَيْنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ: هَلْ لَهُ مَذْهَبٌ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا مَذْهَبَ لَهُ. فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ مَذْهَبٌ. لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ. فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ. فَلَا يَسْتَفْتِي مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ: هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَأْخُذُ بِرُخْصِهِ وَعَزَائِمِهِ؟ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الْأَمَةِ أَنْ يَخُصَّ الْأُمِّيُّ الْعَامِّيُّ عَالِمًا مُعَيَّنًا يُقَلِّدُهُ، سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

فَعَلَى هَذَا: هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ عَلَى أَيِّ مَذْهَبٍ شَاءَ، أَمْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَبْحَثَ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمَ مِثْلِهِ أَسَدَّ الْمَذَاهِبِ، وَأَصَحَّهَا أَصْلًا؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ. الثَّانِي: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَهُوَ جَارٍ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَرْبَابِ سَائِرِ الْعُلُومِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اخْتِيَارِ مَذْهَبٍ يُقَلِّدُهُ عَلَى التَّعْيِينِ. وَهَذَا أَوْلَى بِإِلْحَاقِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ عَلَى الْعَامِّيِّ مِمَّا سَبَقَ فِي الِاسْتِفْتَاءِ. انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا. وَيَفْسُقُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرِهِ. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلَّدٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي فِسْقِ مَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَوِيَ دَلِيلٌ أَوْ كَانَ عَامِّيًّا فَلَا كَذَا قَالَ. انْتَهَى. وَإِذَا اسْتَفْتَى وَاحِدًا أَخَذَ بِقَوْلِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. وَقَالَ: وَالْأَشْهَرُ يَلْزَمُ بِالْتِزَامِهِ. وَقِيلَ: وَبِظَنِّهِ حَقًّا. وَقِيلَ: وَيَعْمَلُ بِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ ظَنَّهُ حَقًّا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ لَزِمَهُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا إلَّا مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ.

وَلَوْ سَأَلَ مُفْتِيَيْنِ، وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ: تَخَيَّرَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا وَجْهًا: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْأَرْجَحِ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقُدِّمَ فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْأَفْضَلِ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا أَيْضًا: وَجْهًا آخَرَ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِهِمَا. وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِالْأَخَفِّ. وَقِيلَ: يَسْأَلُ مُفْتِيًا آخَرَ. وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِأَرْجَحِهِمَا دَلِيلًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ " وَلَوْ سَأَلَ مُفْتِيَيْنِ فَاخْتَلَفَا. فَهَلْ يَأْخُذُ بِالْأَرْجَحِ، أَوْ الْأَخَفِّ، أَوْ الْأَشَدِّ، أَوْ يُخَيَّرُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَطْلَقَهُنَّ. وَإِنْ سَأَلَ فَلَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ، فَفِي تَكْرَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: أَظْهَرُهُمَا لَا يَلْزَمُ. فَهَذِهِ جُمْلَةٌ صَالِحَةٌ نَافِعَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا. فَحَكَمَ: نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الْمَالِ وَيَنْفُذُ فِي الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ، وَالنِّكَاحِ وَاللِّعَانِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: لَا يَنْفُذُ فِي قَوَدٍ، وَحَدِّ قَذْفٍ، وَلِعَانٍ، وَنِكَاحٍ. وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يَنْفُذُ فِي غَيْرِ فَرَجٍ كَتَصَرُّفِهِ ضَرُورَةً فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ فِي غَيْرِ فَرَجٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نُفُوذَ حُكْمِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ، لَا إمَامٍ. وَقَالَ: إنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ، أَوْ حَكَّمَا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ: جَازَ. وَقَالَ: يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: نَازَعَنِي ابْنُ عَمِّي الْآذَانَ. فَتَحَاكَمْنَا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: اقْتَرِعَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَصُّوا اللِّعَانَ لِأَنَّ فِيهِ دَعْوَى وَإِنْكَارًا، وَبَقِيَّةُ الْفُسُوخِ كَإِعْسَارٍ. وَقَدْ يَتَصَادَقَانِ. فَيَكُونُ الْحُكْمُ إنْشَاءً لَا ابْتِدَاءً. وَنَظِيرُهُ: لَوْ حَكَّمَاهُ فِي التَّدَاعِي بِدَيْنٍ وَأَقَرَّ بِهِ الْوَرَثَةُ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُ مَنْ يُكْتَبُ إلَيْهِ بِحُكْمِهِ الْقَبُولُ، وَتَنْفِيذُهُ كَحَاكِمِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسٌ فِي عُقُوبَةٍ، وَلَا اسْتِيفَاءُ قَوَدٍ، وَلَا ضَرْبُ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وُصِّيَ بِحُكْمِهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَزَادَ فِي الصُّغْرَى: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُدَّ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ شُرُوعِهِ، وَقَبْلَ تَمَامِهِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ. الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: إنْ أَشْهَدَا عَلَيْهِمَا بِالرِّضَا بِحُكْمِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّحْكِيمِ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى مُتَقَدِّمُو الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ الْوَسَاطَاتِ وَالصُّلْحَ عِنْدَ الْفَوْرَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَتَفْوِيضَ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَتَفْرِقَةَ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى رَقِيقِهِ، وَخُرُوجَ طَائِفَةٍ إلَى الْجِهَادِ تَلَصُّصًا وَبَيَاتًا، وَعِمَارَةَ الْمَسَاجِدِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالتَّعْزِيرَ لِعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ. انْتَهَى.

باب أدب القاضي

[بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي] قَوْلُهُ (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَفَطِنَةٍ) . قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاكِمِ: أَنْ لَا يَكُونَ بَلِيدًا. وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَرِعًا عَفِيفًا) . فَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ وَرِعًا، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الْخِرَقِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِيهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ افْتَاتَ عَلَيْهِ خَصْمٌ. فَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَهُ تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَزْجُرُهُ. فَإِنْ عَادَ: عَزَّرَهُ. وَاعْتَبَرَهُ بِدَفْعِ الصَّائِلِ وَالنُّشُوزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَنْتَهِرُهُ، وَيَصِيحُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ. لَكِنَّ هَلْ ظَاهِرُهُ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحَكَمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ كَالْإِقْرَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ،

أَوْ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ عَلَى الْحُكَّامِ وَأَعْدَائِهِمْ. فَجَازَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ. فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى إنَّهُ حَقٌّ لَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا: إنْ شَقَّ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَرْفَعُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: لَهُ أَنْ يَنْتَهِرَ الْخَصْمَ إذَا الْتَوَى وَيَصِيحَ عَلَيْهِ. وَإِنْ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَزَّرَهُ بِمَا يَرَى. قَوْلُهُ (وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. أَعْنِي أَنَّهُ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ يُعْلِمُهُمْ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِتَلَقِّيه. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيه. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبُ، وَالْخُلَاصَةُ. قَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ، أَوْ السَّبْتِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. يَعْنِي: أَنَّهُ بِالْخِيرَةِ فِي الدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: فَيَوْمَ الْخَمِيسِ

مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُذَهَّبِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ: فَيَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ السَّبْتِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: يَدْخُلُ ضَحْوَةً، لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَأَنَّ اسْتِقْبَالَ الشَّهْرِ تَفَاؤُلًا كَأَوَّلِ النَّهَارِ. وَلَمْ يُنْكِرْهَا الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) . قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَكَذَا أَصْحَابُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: تَكُونُ ثِيَابُهُمْ كُلُّهَا سُودٌ، وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى، لِلْأَخْبَارِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيَقُلْ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (وَيُنَفَّذُ. فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنْ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيَأْمُرْ كَاتِبَ ثِقَةٍ يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ. الرَّابِعَةُ: دِيوَانُ الْحُكْمِ: هُوَ مَا فِيهِ مَحَاضِرُ وَسِجِلَّاتٌ وَحِجَجٌ وَكُتُبُ وَقْفٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ) .

وَلَوْ كَانُوا صِبْيَانًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ خُيِّرَ، وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ. الثَّانِيَةُ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَا يُكْرَهُ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُ (وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ) وَنَحْوِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا: عَلَى بِسَاطٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ: عَلَى بِسَاطٍ، أَوْ لُبَدٍ أَوْ حَصِيرٍ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَان فَسِيحٍ. كَالْجَامِعِ وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلَكِنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُكْرَهُ فِيهِ. ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا، وَلَا بَوَّابًا إلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ شَاءَ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ: جَازَ اتِّخَاذُهُمَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَتَّخِذُهُمَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذَهَّبِ: يَتْرُكُهُمَا نَدْبًا.

وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الْحُضُورِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَحْتَجِبَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَيَعْرِضُ الْقَصَصَ. فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) . قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ مَنْ يُرَتِّبُ النَّاسَ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أَكْثَرِ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ) وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ السَّابِقِ عَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِتَقْدِيمِ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، لِئَلَّا تَضَجَّرَ بَيِّنَتُهُ. وَجَعَلَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ مُتَأَخِّرٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ حَضَرُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا: قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ الْمُرْتَحِلُ. قُلْت: مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْكَافِي، مَعَ قِلَّتِهِمْ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمَرْأَةَ لِمَصْلَحَةٍ

قَوْلُهُ (وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَلْزَمُهُ، فِي الْأَصَحِّ: الْعَدْلُ بَيْنَهُمَا فِي لَحْظِهِ وَلَفْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا. فَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّخُولِ وَيَرْفَعُهُ فِي الْجُلُوسِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَالْأَشْهَرُ يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى كَافِرٍ، دُخُولًا وَجُلُوسًا. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، فِي الدُّخُولِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: فِي الْمَجْلِسِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرَّفْعِ. وَقَدَّمَهُ فِيهِمَا فِي الشَّرْحِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَقَدَّمَهُ فِي الدُّخُولِ فَقَطْ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقِيلَ: يُسْتَوَى بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْجُلُوسِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي رَفْعِهِ: فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ فِي الْجُلُوسِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الدُّخُولِ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُ عَكْسِهِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: يُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِ وَلَحْظِهِ وَلَفْظِهِ. وَلَوْ ذِمِّيًّا فِي وَجْهٍ. فَظَاهِرُهُ دُخُولُ اللَّحْظِ وَاللَّفْظِ فِي الْخِلَافِ. فَتَخْلُصُ لَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا، وَمَنْعُهُ مُطْلَقًا. وَالتَّقْدِيمُ فِي الدُّخُولِ دُونَ الرَّفْعِ. وَظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي: قَوْلٌ رَابِعٌ. وَهُوَ التَّقْدِيمُ فِي الرَّفْعِ دُونَ الدُّخُولِ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَلَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْقَاضِي: رَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَصْبِرُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْآخِرُ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا إلَّا أَنْ يَتَمَادَى عُرْفًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ سَلَّمَا مَعًا رَدَّ عَلَيْهِمَا مَعًا. وَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولِ خَصْمِهِ أَوْ مَعَهُ، فَهَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؟ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَلَهُ الْقِيَامُ السَّائِغُ وَتَرْكُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهُمَا. فَإِنْ قَامَ لِأَحَدِهِمَا قَامَ لِلْآخِرِ، أَوْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسَارَّ أَحَدُهُمَا، وَلَا يُلَقِّنُهُ حَجَّتَهُ، وَلَا يُضِيفُهُ) يَعْنِي: يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

قَوْلُهُ (وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي؟ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي. وَفِي الْآخِرِ: يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يُحِسَّهَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ ذِكْرُهُ. فَأَمَّا إنْ لَزِمَ ذِكْرُهُ فِي الدَّعَاوَى كَشَرْطِ عَقْدٍ، أَوْ سَبَبٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي: فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِهِ، لِيُنْظِرَهُ، أَوْ يَضَعَ عَنْهُ، وَيَزِنَ عَنْهُ) . وَيَحُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ إلَى خَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَنْظُرَهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ لِيَضَعَ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْكَافِي. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِنَ عَنْهُ أَيْضًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَمَا هُوَ تَبْعِيدٌ.

قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إنْ أَمْكَنَ، وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ) . مِنْ اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ. وَتَعَرُّفِ الْحَقِّ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ، يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ. فَإِنْ اتَّضَحَ لَهُ حُكْمٌ وَإِلَّا أَخَّرَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ) . وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا. وَعَلَيْك بِالْأَثَرِ. وَقَالَ لِلْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ. فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يُغَلِّطُوا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ. قَالَ: وَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ مِمَّا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا كَالصَّلَاةِ فَعَلَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ، وَيُعِيدُ إذَا قَدَرَ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْلِيدِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُسَافِرًا يَخَافُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ، ثُمَّ بَانَ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْقَصْرِ مِنْ الْفُصُولِ. قُلْت: لَوْ خَرَّجَ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالطَّهُورِ، وَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ، فَظَهَرَ أَنَّهُ الطَّهُورُ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا حَاقِنٌ) وَكَذَا أَوْ حَاقِبٌ (وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ) . وَكَذَا فِي شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ، وَالْفَرَحِ الْغَالِبِ، وَالْمَلَلِ وَالْكَسَلِ. وَمُرَادُهُ بِالْغَضَبِ: الْغَضَبُ الْكَثِيرُ. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِالتَّحْرِيمِ. قُلْت: وَالدَّلِيلُ فِي ذَلِكَ يَقْتَضِيهِ. وَكَلَامُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: الْكَرَاهَةَ. فَقَالَ: إنْ كَانَ غَضْبَانَا، أَوْ جَائِعًا: كُرِهَ لَهُ الْقَضَاءُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ. فَائِدَةٌ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ الْغَضَبِ دُونَ غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ، فَوَافَقَ الْحَقَّ: نَفَذَ حُكْمُهُ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: نَفَذَ فِي الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ. وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ. وَقِيلَ: إنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ أَنْ فَهِمَ الْحُكْمَ: نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمُفْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِمَّنْ كَانَ يُهْدَى إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكُومَةٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.: مَنَعَ الْأَصْحَابُ مِنْ قَبُولِ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكُومَةٌ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَأَطْلَقَ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِمَّنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إذَا أَحَسَّ أَنَّ لَهُ حُكُومَةً.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ، كَانَ يُلَاطِفُهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ. انْتَهَى. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ احْتِمَالًا: أَنَّ الْقَاضِيَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَالْعَادَةِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ قَبُولِهَا، فَرَدُّهَا أَوْلَى. بَلْ يُسْتَحَبُّ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: رَدُّهَا أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُكْرَهُ أَخْذُهَا. الثَّانِيَةُ: لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ: فَلَهُ قَبُولُهَا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ إذَا كَانَتْ رِشْوَةً عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ. قُلْت: أَوْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ جَاهٍ أَوْ مَالٍ فَيُفْتِيهِ لِذَلِكَ بِمَا لَا يُفْتَى بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ كَنَفْعِ الْأَوَّلِ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ. وَالْمُرَادُ: لَا لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ، وَإِلَّا حَرُمَتْ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِنَفْعِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا أَنْ يُكَافِئَ. وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ لِلْمُفْتِي أَهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ: جَازَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ بَعِيدٌ. وَلَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ طَلَبَ الرِّزْقِ لَهُ وَلِأُمَنَائِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي فِي أَوَائِلِ " بَابِ الْقَضَاءِ ". الثَّالِثَةُ: " الرِّشْوَةُ " مَا يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ، وَ " الْهَدِيَّةُ " الدَّفْعُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ ". الرَّابِعَةُ: حَيْثُ قُلْنَا لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَخَالَفَ وَفَعَلَ: أُخِذَتْ مِنْهُ لِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى قَوْلٍ. لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إنَّ عَجَّلَ مُكَافَأَتَهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: تُؤْخَذُ هَدِيَّةُ الْعَامِلِ لِلصَّدَقَاتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي انْتِقَالِ الْمَلِكِ فِي الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ: وَجْهَيْنِ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ.

إنَّمَا فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّ السَّاعِيَ يَعْتَدُّ لِرَبِّ الْمَالِ بِمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا، مَأْخَذُهُ ذَلِكَ. وَنَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلٍ، فَوَهَبَهُ شَيْئًا: أَنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ. وَهَذَا يَدُلُّ لِكَلَامِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ. وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ، فِي نَقْلِ الْمَلِكِ: الْخِلَافُ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ: أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ. وَتَبِعَهُ فِي الرِّعَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ عُرِفُوا رُدَّ إلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ شَيْئًا. يُرْوَى " هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ ". وَالْحَاكِمُ خَاصَّةً: لَا أُحِبُّهُ لَهُ، إلَّا مِمَّنْ كَانَ لَهُ بِهِ خِلْطَةٌ وَوَصْلَةٌ وَمُكَافَأَةٌ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ كَسَبَ مَالًا مُحَرَّمًا بِرِضَى الدَّافِعِ، ثُمَّ تَابَ، كَثَمَنِ خَمْرٍ وَمَهْرِ بَغْيٍ، وَحُلْوَانِ كَاهِنٍ: أَنَّ لَهُ مَا سَلَفَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ، لِقَبْضِهِ عِوَضَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَامِلِ الْخَمْرِ. وَقَالَ فِي مَالٍ مُكْتَسِبٍ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ: يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ: فَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ، وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِأَعْوَانِهِ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ تَابَ: إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَهُ مَعَ حَاجَتِهِ أَخْذُ كِفَايَتِهِ. وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ فِي بَيْعِ سِلَاحٍ فِي فِتْنَةٍ وَعِنَبٍ لِخَمْرٍ: يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.

وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَوْلُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى. وَتَقَدَّمَ مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْغَصْبِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا ". الْخَامِسَةُ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْهَدِيَّةِ لِمَنْ يَشْفَعُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَنَحْوَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَوْمَأَ إلَيْهِ. لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ. وَالشَّفَاعَةِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا. وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي السُّنَنِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَدَّاهَا. فَأُهْدِيَتْ إلَيْهِ هَدِيَّةٌ: أَنَّهُ لَا يَقْبَلَهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْمُكَافَأَةِ. وَحُكْمُ الْهَدِيَّةِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ: كَحُكْمِ الْوَدِيعَةِ. قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَعَلَهَا الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: كَالْهَدِيَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. كَالْوَالِي. وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: هَلْ لِلْقَاضِي وَالْوَالِي أَنْ يَتَّجِرَ؟ قَالَ: لَا. إلَّا أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْوَالِي.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ. مَا لَمْ تَشْغَلُهُ عَنْ الْحُكْمِ) . وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: وَيُوَدِّعُ الْغَازِيَ، وَالْحَاجَّ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَزَادَ: وَلَهُ زِيَارَةُ أَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ الصُّلَحَاءِ، مَا لَمْ يَشْتَغِلُ عَنْ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ) . يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَهُوَ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُكْرَهُ لَهُ الْمُسَارَعَةُ إلَى غَيْرِ وَلِيمَةِ عُرْسٍ. وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: كَمَا لَوْ قَصَدَ رِيَاءً، أَوْ كَانَتْ لِخَصْمٍ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَثُرَتْ: تَرَكَهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يُجِيبُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِلَا عُذْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّف، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَجَمَاعَةٌ: إنْ كَثُرَتْ الْوَلَائِمُ صَانَ نَفْسَهُ. وَتَرَكَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا: لَوْ تَضَيَّفَ رَجُلًا. قَالَ: وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ يَجُوزُ. وَيُتَوَجَّهُ كَالْمُقْرِضِ. وَلَعَلَّهُ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا عَدْلًا حَافِظًا عَالِمًا) . وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُرُوعِ " مُكَلَّفًا ". وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ مَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: عَارِفًا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَافِرَ الْعَقْلِ، وَرِعًا نَزِهًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا جَيِّدَ الْخَطِّ، حُرًّا. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَازَ. فَائِدَةٌ: اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خُلَفَائِهِ) حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ. وَحُكْمُهُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا يَنْفُذُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَحَكَمَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إجْمَاعًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ذَكَرَهَا فِي الْمُبْهِجِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْنَ وَالِدِيهِ وَوَلَدَيْهِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ جَوَازَ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَجْهَيْنِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَحْكُمُ لِيَتِيمِهِ. عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقِيلَ: وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ أَيْضًا.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ صَارَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ حَاكِمًا: حَكَمَ لَهُ بِشُرُوطِهِ. وَقِيلَ: لَا. الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَالِدَهُ وَوَلَدَهُ، كَحُكْمِهِ لِغَيْرِهِ بِشَهَادَتِهِمَا. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَأَبُو الْوَفَاءِ. وَزَادَ: إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ تُهْمَةٌ. وَلَمْ يُوجِبْ لَهُمَا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا رِيبَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّزْكِيَةِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ اسْتِخْلَافُهُمَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُمَا وَتَزْكِيَتُهُمَا: جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. الثَّالِثَةُ: لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ عَلَى عَدُوِّهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَهُ أَنْ يُفْتَى عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَحْكَامِ الْمُفْتِي. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ نَظَرَ بَيْنَهُمَا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَإِنْ كَانَ حُبِسَ لِتُعَدَّلَ الْبَيِّنَةُ، فَإِعَادَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَبْسِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ إعَادَتُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تُعَادُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَكَمَ بِهِ. مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّ إطْلَاقَ الْمَحْبُوسِ حُكْمٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ كَفِعْلِهِ، وَأَنَّ مِثْلَهُ: تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَأْذَنْ بِحَبْسِهِ وَإِطْلَاقِهِ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ وَإِذْنُهُ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ. كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ حُبِسَ فِي تُهْمَةٍ، أَوْ افْتِيَاتٍ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ: خُلِّيَ سَبِيلُهُ) .

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِحَبْسِهِ التَّأْدِيبُ. وَقَدْ حَصَلَ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا: لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْحَبْسِ ظُلْمٌ. قُلْت: فِي هَذَا نَظَرٌ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: وَإِنْ حَبَسَهُ تَعْزِيرًا أَوْ تُهْمَةً: خَلَّاهُ، أَوْ بَقَّاهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى. وَكَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ. وَتَعْلِيلُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ، وَقَالَ: حُبِسَتْ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ، وَلَا خَصْمَ لِي: نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا. فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ، وَإِلَّا أَحَلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: نُودِيَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا " ثَلَاثًا ". قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ: أَنَّهُ يَشْتَهِرُ بِذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لَهُ غَرِيمٌ إنْ كَانَ، فِي الْغَالِبِ. وَمُرَادُ مَنْ لَمْ يُقَيِّدْ: أَنَّهُ يُنَادِي عَلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَرِيمٌ. وَيَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فِي ثَلَاثٍ.

فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدًا. وَكَلَامُهُمْ مُتَّفِقٌ. لَكِنْ حُكِيَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدَّمَ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالثَّلَاثِ. فَظَاهِرُهُ: التَّنَافِي بَيْنَهُمَا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا: أَبْقَاهُ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يُخَلِّي سَبِيلَهُ كَمَا لَوْ جَهِلَ مَكَانَهُ، أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوْلَى: أَنْ لَا يُطْلِقَهُ إلَّا بِكَفِيلٍ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ. إذَا قُلْنَا: يُطْلِقُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ حُبِسَ بِقِيمَةِ كَلْبٍ، أَوْ خَمْرِ ذِمِّيٍّ. فَقِيلَ: يُخَلِّي سَبِيلَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: إنَّ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: يَبْقَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَقِفُ لِيَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ. وَجَزَمَ فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ الْجَدِيدِ.

الثَّالِثَةُ: إطْلَاقُ الْحَاكِمِ الْمَحْبُوسَ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ: حُكْمٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا أَمَرَهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْمُحْتَسِبِ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ الصُّلْحِ " أَنَّ إذْنَهُ فِي مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ: يَمْنَعُ الضَّمَانَ. لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ. وَمَنْ مَنَعَ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يَأْذَنَ. لَا لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ. وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِإِذْنِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ ضَمِنَ لَهُ لِعَدَمِهَا. وَلِهَذَا إذْنُ الْحَاكِمِ فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ: كَافٍ بِلَا خِلَافٍ. وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ. وَإِنَّمَا يَأْذَنُ لَهُ وَيْحُكُمْ لَهُ. فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ، فَعَقَدَ أَوْ فَسَخَ: لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ، بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَحَ فَهُوَ فِعْلُهُ. وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَوْدٌ لِزَيْدٍ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " أَوْ أَمَرَ رَبُّ الدِّينِ الثَّابِتِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ. وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا حَبْسُهُ وَإِذْنُهُ فِي الْقَتْلِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ. انْتَهَى. الرَّابِعَةُ: فِعْلُهُ حُكْمٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي حِمَى الْأَئِمَّةِ: أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ. وَذَكَرُوا خِلَافَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمِيزَابَ وَنَحْوَهُ يَجُوزُ بِإِذْنٍ. وَاحْتَجُّوا بِنَصْبِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ فِي " بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً " إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا: صَحَّ. لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: لَا شُفْعَةَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: إنَّ تَرْكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا. وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ. وَقَالَ: إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ. انْتَهَى. وَفِعْلُهُ حُكْمٌ، كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ، وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ. وَقُلْنَا: يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ. ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمَنْسِيَّةِ: أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ كَحُكْمِهِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: فِعْلُهُ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وِفَاقًا، كَفُتْيَاهُ. فَإِذَا قَالَ " حَكَمْت بِصِحَّتِهِ " نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمَوْقِعَيْنِ: فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ. فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ، وَلَا هِيَ كَالْحُكْمِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: حُكْمُهُ يَلْزَمُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ " أَلْزَمْتُك " أَوْ " قَضَيْت لَهُ عَلَيْك " أَوْ " أَخْرِجْ إلَيْهِ مِنْهُ " وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ كَحُكْمِهِ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا الْوَصَايَا. فَلَوْ نَفَّذَ الْأَوَّلُ وَصِيَّتَهُ: لَمْ يَعُدْ لَهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعْرِفَةُ أَهْلِيَّتِهِ. لَكِنْ يُرَاعِيهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ صِفَةٍ كَعَدَالَةٍ وَجُرْحٍ وَأَهْلِيَّةِ وَصِيِّهِ وَغَيْرِهَا حُكْمٌ. خِلَافًا لِمَالِكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، يَقْبَلُهُ حَاكِمٌ خِلَافًا لِمَالِكٍ. وَأَنَّ لَهُ إثْبَاتَ خِلَافِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ: يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِ أَوْ يَحْكُمُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ هُنَا: وَيَنْظُرُ فِي أَمْوَالِ الْغِيَابِ. زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكُلُّ ضَالَّةٍ وَلُقَطَةٍ، حَتَّى الْإِبِلُ وَنَحْوُهَا. انْتَهَى. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا: إذَا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٌ. وَلَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَ الْغَائِبِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَيَدْفَعُ إلَى الْأَخِ الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ " أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا حَصَلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفِ شَيْءٍ: تَسَلَّمَهُ، وَحَفِظَهُ وَكِيلُهُ وَمَنْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ جَمِيعُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. السَّادِسَةُ: مَنْ كَانَ مِنْ أُمَنَاءِ الْحَاكِمِ لِلْأَطْفَالِ، أَوْ الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيَّ لَهَا. وَنَحْوَهُ بِحَالِهِ: أَقَرَّهُ. لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَّاهُ. وَمَنْ فَسَقَ: عَزَلَهُ. وَيَضُمُّ إلَى الضَّعِيفِ أَمِينًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا. مَسْأَلَةُ النَّائِبِ. وَجَعَلَ فِي التَّرْغِيبِ أُمَنَاءَ الْأَطْفَالِ كَنَائِبِهِ فِي الْخِلَافِ، وَأَنَّهُ يُضَمُّ إلَى وَصِيٍّ فَاسِقٍ أَوْ ضَعِيفٍ أَمِينًا. وَلَهُ إبْدَالُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (ثُمَّ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ) . وُجُوبُ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ مَنْ قَبْلَهُ. لِأَنَّهُ عَطْفَهُ عَلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ وَالْوُقُوفِ. وَتَابَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهَا وَغَيْرَهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ فِي الْأَصَحِّ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقُوَّةُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَقْتَضِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَتَبُّعُ قَضَايَا مَنْ قَبْلَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِي حَالِ مَنْ قَبْلَهُ أَلْبَتَّةَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ: لَمْ يَنْقُضْ مِنْ أَحْكَامِهِ، إلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ) . كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ نَقْضُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً غَيْرَ مُتَوَاتِرَةٍ. قَوْله (أَوْ إجْمَاعًا) . الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَانِ: إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ، وَإِجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ. فَإِذَا خَالَفَ حُكْمُهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا: نُقِضَ حُكْمُهُ قَطْعًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا: لَمْ يُنْقَضْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَكَلَامِ الْوَجِيزِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقِيلَ: يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قِيَاسًا جَلِيًّا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَالَ: أَوْ خَالَفَ حُكْمَ غَيْرِهِ قَبْلَهُ. قَالَ: وَكَذَا يُنْقَضُ مَنْ حُكِمَ بِفِسْقِهِ، وَحَاكِمٌ مُتَوَلٍّ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: إنْ خَالَفَ قِيَاسًا، أَوْ سُنَّةً، أَوْ إجْمَاعًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ نَقَضَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ: لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا بِطَلَبِ رَبِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ: لَمْ يُنْقَضْ.

وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إجْمَاعًا. وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَكَاهُ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا إجْمَاعًا. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَهَلْ يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ قَوْلِ صَاحِبٍ؟ يُتَوَجَّهُ نَقْضُهُ إنْ جُعِلَ حُجَّةً كَالنَّصِّ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِّينَ: لَوْ حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفِ فِيهَا بِمَا يَرَى أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِهِ: أَثِمَ وَعَصَى بِذَلِكَ. وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِنَصٍّ صَرِيحٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يُنْقَضُ حُكْمُهُ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، وَأَخَذَ آخَرُ بِقَوْلِ تَابِعِيٍّ. فَهَذَا يُرَدُّ حُكْمُهُ. لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَجَوُّزِ وَتَأَوُّلِ الْخَطَأِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: فَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ بِلَا تَأْوِيلٍ، فَلْيَرُدَّهُ. وَيَطْلُبُ صَاحِبَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ: نَقْضَ أَحْكَامِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنْقَضُ الصَّوَابُ مِنْهَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ.

وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّا، حَيْثُ أَطْلَقَ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَدٍ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَأَمَّا إذَا خَالَفَتْ الصَّوَابَ: فَإِنَّهَا تُنْقَضُ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ سَاغَ فِيهَا الِاجْتِهَادَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حُكْمُهُ بِالشَّيْءِ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمَفْقُودِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. يَعْنِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِلَازِمِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِعَانِ عَبْدٍ، فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ رَدِّ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ، لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا فِي شَهَادَةٍ فِي نِكَاحٍ لَوْ قُبِلَتْ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ. فَإِنَّ سَبَبَ الْأَوَّلِ الْفِسْقُ، وَزَالَ ظَاهِرًا، لِقَبُولِ سَائِرِ شَهَادَاتِهِ. وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ. لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِيهِ. فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِوَلِيِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: رَدُّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِاجْتِهَادِهِ. فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى، وَالْمُخَالَفَةَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ.

وَإِنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ، أَوْ جَهِلَ عِلْمَهُ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ: لَمْ يُنْقَضْ. لِأَنَّ الْأَصْلَ جَرْيُهُ عَلَى الْعَدْلِ وَالصِّحَّةِ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ فُصُولِ " مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ، يَعْنِي بِنَقْضِهِ. الثَّانِيَةُ: ثُبُوتُ الشَّيْءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَيْسَ حُكْمًا بِهِ. عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي عَلَى مَا يَأْتِي. وَكَلَامُ الْقَاضِي هُنَاكَ يُخَالِفُهُ. قَالَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدْ دَلَّ كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي " أَنَّ فِي الثُّبُوتِ خِلَافًا: هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ بِقَوْلِهِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ: فَإِنْ حَكَمَ الْمَالِكِيُّ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ: فَلِحَنْبَلِيٍّ تَنْفِيذُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ " ثَبَتَ كَذَا " فَكَذَلِكَ. لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا: نَفَّذَهُ. وَإِلَّا فَالْخِلَافُ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيه: هَلْ تَنْفِيذُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ، أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعْدَاهُ أَحَدٌ عَلَى خَصْمٍ لَهُ: أَحْضَرَهُ) . يَعْنِي يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ شُيُوخِنَا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ الْأَقْوَى. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ: لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْمُحَرَّرِ. فَلَوْ كَانَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا، بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً: أَحْضَرَهُ. وَفِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قَبْلَ إحْضَارِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ فِي الْبَلَدِ: لَزِمَهُ إحْضَارُهُ. وَقِيلَ: إنْ حَرَّرَ دَعْوَاهُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ: أَحْضَرَهُ. لَكِنْ فِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَجْهَانِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَجَعَلَا الْخِلَافَ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَحَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِمْ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِي حُضُورِ الْخَصْمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ الشَّاكِي أَصْلًا أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَحْرِيرَ الدَّعْوَى. فَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا: يُحْضِرُهُ. لَكِنْ فِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى قَبْلَ إحْضَارِهِ الْوَجْهَيْنِ.

وَذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مَسْأَلَتَيْنِ. فَقَالَ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً فِيمَا ادَّعَاهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ: أَحْضَرَهُ، أَوْ وَكِيلَهُ. وَفِي اعْتِبَارِ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى لِذَلِكَ قَبْلَ إحْضَارِهِ: وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ طَرِيقَةً. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُعَدَّى حَاكِمٌ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِبَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شَكِيَّةَ أَحَدٍ إلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ. هَكَذَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّانِيَةُ: مَتَى لَمْ يُحْضِرْهُ: لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ فِي تَخَلُّفِهِ. وَإِلَّا أَعْلَمَ بِهِ الْوَالِيَ. وَمَتَى حَضَرَ، فَلَهُ تَأْدِيبُهُ بِمَا يَرَاهُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرُهُ: إذَا اسْتَعْدَاهُ عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ. أَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا: فَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا. كَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ: سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ، أَوْ رِشْوَةٍ: رَاسَلَهُ. فَإِنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ: أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ. وَإِنْ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْذِيلِي. فَإِنْ عَرَفَ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا: أَحْضَرَهُ: وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .

يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلًا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ تَحْرِيرُهَا فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: هُوَ كَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْجَوْرَ فِي الْحَكَمِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ: أَحْضَرَهُ. وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ: فَفِي إحْضَارِهِ وَجْهَانِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: مَتَى بَعُدَتْ الدَّعْوَى عُرْفًا: لَمْ يُحْضِرْهُ حَتَّى يُحَرِّرَهَا، وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا. وَزَادَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ: وَعَنْهُ كُلٌّ مَنْ يُخْشَى بِإِحْضَارِهِ ابْتِذَالُهُ إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ: لَمْ يُحْضِرْهُ، حَتَّى يُحَرِّرْ وَيُبَيِّنَ أَصْلَهَا. وَعَنْهُ: مَتَى تَبَيَّنَ، أَحْضَرَهُ. وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ مِنْ مُرَاسِلَتِهِ قَبْلَ إحْضَارِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُرَاسِلُهُ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَمُرَاسَلَتُهُ أَظْهَرُ. قَالَ النَّاظِمِ: وَرَاسَلَ فِي الْأَقْوَى. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُحْضِرُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاسَلَةٍ. وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُرَاسَلَةَ. بَلْ قَالَ: إنْ ذَكَرَ الْمُسْتَعْدِيُّ: أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ، أَوْ غَصْبٍ: أَعْدَاهُ عَلَيْهِ، كَغَيْرِ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، فَأَنْكَرَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إلَّا بِيَمِينِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَخْصِيصُ الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ بِتَحْرِيرِ الدَّعْوَى فِي حَقِّهِ: لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ وَنَحْوَهُ فِي مَعْنَاهُ. وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ الْكَبِيرُ وَالشَّيْخُ الْمَتْبُوعُ. قُلْت: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَكَلَامُهُمْ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ وَالْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ خِيفَ تَبْذِيلُهُ، وَنَقَصَ حُرْمَتِهِ بِإِحْضَارِهِ، إذَا بَعُدَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عُرْفًا. قَالَ: كَسُوقِيٍّ ادَّعَى: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ سُلْطَانٍ كَبِيرٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَتِهِ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ: وَكَذَلِكَ ذَوُو الْأَقْدَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ: كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِحَقٍّ: قُبِلَ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. سَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ، أَوْ لَا. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَكَذَا يُقْبَلُ بَعْدَ عَزْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَيَّدَهُ فِي الْفُرُوعِ بِالْعَدْلِ. وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ هُنَا. فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ: هُوَ كَالشَّاهِدِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ، إلَّا إذَا اسْتَشْهَدَ مَعَ عَدْلٍ آخَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ غَيْرَهُ: أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِهِ، أَوْ أَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ نَفْسَهُ. ثُمَّ حُكِيَ احْتِمَالُ الْمُحَرَّرِ قَوْلًا. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ كَشَاهِدٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ سِوَاهُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا أَخْبَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ: أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ بِكَذَا " فِي آخِرِ الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا. وَهُوَ قَوْلُهُ " وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ: أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ، فَصَدَّقَهُ: قَبْلَ قَوْلِ الْحَاكِمِ "

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مِنْ شَرْطِ قَبُولِ قَوْلِهِ: أَنْ لَا يُتَّهَمَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَاضِي مَجْدُ الدِّينِ: قَبُولُ قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ. فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِرُجُوعِ وَاقِفٍ عَلَى نَفْسِهِ. فَأَخْبَرَ حَاكِمٌ حَنْبَلِيٌّ: أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ: لَمْ يُقْبَلْ. نَقَلَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: هَذَا تَقْيِيدٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ: قَبُولُ قَوْلِهِ. فَلَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَسْجِيلَ أَحْكَامِهِ وَضَبْطَهَا بِشُهُودٍ، وَلَوْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةً: كَانَ مُتَّجَهًا. لِوُقُوعِ الرِّيبَةِ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ. انْتَهَى. قُلْت: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. بَلْ يَرْجِعُ إلَى صِفَةِ الْحَاكِمِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ: كَخَبَرِهِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إخْبَارِ الْحَاكِمِ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ وَالْعَزْلِ: أَمِيرُ الْجِهَادِ، وَأَمِينُ الصَّدَقَةِ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ إنْشَاءُ أَمْرٍ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخْبَرَهُ حَاكِمٌ آخَرَ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ فِي عَمَلِهِمَا: عَمِلَ بِهِ فِي غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: عَمِلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ عَنْ الْمَجْلِسِ. الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ لِحَاكِمٍ آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَفِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَابْنِ رَزِينٍ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ فِي عَمَلِهِ حَاكِمًا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَعْمَلُ بِهِ إذَا بَلَغَ عَمَلُهُ. وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّرْغِيبِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَا فِي وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ: فَوَجْهَانِ. وَفِيهِ أَيْضًا، إذَا قَالَ: سَمِعْت الْبَيِّنَةَ فَاحْكُمْ، لَا فَائِدَةَ لَهُ مَعَ حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ. بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا. فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَمَنْ تَابَعَهُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْمَعْزُولُ " كُنْت حَكَمْت فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ بِكَذَا " أَنَّهُ يُقْبَلُ هُنَاكَ. وَلَا يُقْبَلُ هُنَا. فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَأَنَّ الْفَرْقَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَرْكِ قَبُولِ قَوْلِ الْمَعْزُولِ. بِخِلَافِ هَذَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ بَرْزَةٍ: لَمْ يُحْضِرْهَا. وَأَمَرَهَا بِالتَّوْكِيلِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: إحْضَارَهَا. لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنَاهُ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ وَلِأَنَّ مَعَهَا أَمِينَ الْحَاكِمِ. فَلَا يَحْصُلُ مَعَهُ خِيفَةُ الْفُجُورِ. وَالْمُدَّةُ يَسِيرَةٌ، كَسَفَرِهَا مِنْ مَحَلَّةٍ إلَيَّ مَحَلَّةٍ. وَلِأَنَّهَا لَمْ تُنْشِئْ هِيَ إنَّمَا أُنْشِئَ بِهَا. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَعَذَّرَ حُصُولُ الْحَقِّ بِدُونِ إحْضَارِهَا: أَحْضَرَهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَبْعَثُ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يُعْتَبَرُ لِامْرَأَةٍ بَرْزَةٍ فِي حُضُورِهَا مَحْرَمٌ. نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَغَيْرُهَا: تُوَكِّلُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَ فِي الِانْتِصَارِ: النَّصَّ فِي الْمَرْأَةِ. وَاخْتَارَهُ إنْ تَعَذَّرَ الْحَقُّ بِدُونِ حُضُورِهَا. كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: " الْبَرْزَةُ " هِيَ الَّتِي تَبْرُزُ لِحَوَائِجِهَا. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَعِ. هِيَ الْكَهْلَةُ الَّتِي لَا تَحْتَجِبُ احْتِجَابَ الشَّوَابِّ. وَ " الْمُخَدَّرَةُ " بِخِلَافِهَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ خَرَجَتْ لِلْعَزَاءِ وَالزِّيَارَاتِ وَلَمْ تُكْثِرْ. فَهِيَ مُخَدَّرَةٌ. الثَّالِثَةُ: الْمَرِيضُ يُوَكِّلُ كَالْمُخَدَّرَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ:

كَتَبَ إلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، قِيلَ لِلْخَصْمِ: حَقِّقْ مَا تَدَّعِيهِ. ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَقَلَّ. وَقِيلَ: لَا يُحْضِرُهُ إلَّا إذَا كَانَ لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَعَنْهُ: لِدُونِ يَوْمٍ جَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَزَادَ: بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: إنْ جَاءَ وَعَادَ فِي يَوْمٍ: أُحْضِرَ، وَلَوْ قَبْلَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ حَتَّى تَتَحَرَّرَ دَعْوَاهُ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: يَتَوَقَّفُ إحْضَارُهُ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَقْضِي فِيهِ بِالنُّكُولِ. قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُحْضِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ، حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ ادَّعَى قَبْلَهُ شَهَادَةً: لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَمْ يُعْدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ، وَحَنْبَلٍ. وَقَالَ: لَوْ قَالَ " أَنَا أَعْلَمُهَا وَلَا أُؤَدِّيهَا " فَظَاهِرٌ. وَلَوْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَى بِهِ إنْ قِيلَ: كِتْمَانُهَا مُوجِبٌ لِضَمَانِ مَا تَلِفَ. وَلَا يَبْعُدُ كَمَا يَضْمَنُ فِي تَرْكِ الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ، أَوْ حَاكِمٌ لِيُحْضِرَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ: لَزِمَهُ الْحُضُورُ. حَيْثُ يَلْزَم إحْضَارُهُ بِطَلَبِهِ مِنْهُ.

باب طريق الحكم وصفته

[بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ] ِ قَوْلُهُ (إذَا جَلَسَ إلَيْهِ خَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا جَلَسَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ " مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ " وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْدَأَ. وَالْأَشْهَرُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّكُمَا الْمُدَّعِي؟ . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَقُولُهُ حَتَّى يَبْدَأَ بِأَنْفُسِهِمَا. فَإِنْ سَكَتَا، أَوْ سَكَتَ الْحَاكِمُ: قَالَ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْقَاضِي " مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا؟ ". فَائِدَتَانِ الْأُولَى: لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ وَلَا الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ لِأَحَدِهِمَا " تَكَلَّمْ " لِأَنَّ فِي إفْرَادِهِ بِذَلِكَ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَرْكًا لِلْإِنْصَافِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَادَّعَى، فَقَالَ خَصْمُهُ " أَنَا الْمُدَّعِي " لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ " أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ، ثُمَّ اُدْعُ بِمَا شِئْت ". قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا: قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّارِحُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْحَاكِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَسَمِعَهَا بَعْضُهُمْ، وَاسْتَنْبَطَهَا. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ اسْتَنْبَطَهَا مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الشِّقْصَ، وَقَالَ " بَلْ اتَّهَبْته " أَوْ " وَرِثْته " فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ بِالشِّرَاءِ: فَلَهُ أَخْذُهُ وَدَفْعُ ثَمَنِهِ. فَإِنْ قَالَ " لَا أَسْتَحِقُّهُ " قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبَلَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ. عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. فَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ: سَاغَ. وَكَانَتْ شَبِيهَةٌ بِالدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةِ. وَمِثْلَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا: لَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَقُلْنَا: تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَكَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي. فَإِنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي يَدِ الشَّفِيعِ لَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ. فَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ. عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

وَقَالَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ جَاءَهُ بِالسَّلَمِ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَبْضِ قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّك أَوْ تَبْرَأ مِنْهُ. فَإِنْ أَبَى: رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ السَّلَمِ. وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ. فَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: صِحَّةُ الدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةِ. الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ " بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ " فِي قَوْلِهِ " وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ " انْتَهَى. وَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى السَّفِيهِ مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ فِي حَالِ عَجْزِهِ لِسَفَهٍ، وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ. وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ؟) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَمْلِكُ سُؤَالَهُ، حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي " وَأَسْأَلُ سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ ". وَفِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُسْمَعُ فِي مِثْلِ مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ، وَلَا يُعَدَّى حَاكِمٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ: لَمْ يَحْكُمْ لَهُ، حَتَّى يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَحْكُمُ لَهُ إلَّا بِسُؤَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي. لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ ذَلِكَ. فَاكْتَفَى بِهَا، كَمَا اكْتَفَى فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَوَابَ. وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ مُطَالَبَةَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا: فَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَقَرَّ فَقَدْ ثَبَتَ. وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى قَوْلِهِ " قَضَيْت " فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. بِخِلَافِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ وَبِدُونِ حُكْمٍ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ لِلْخَصْمِ " يُسْتَحَقُّ عَلَيْك كَذَا؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " لَزِمَهُ. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، فِي قَوْلِ الْخَاطِبِ لِلْوَلِيِّ " أَزَوَّجْت؟ " قَالَ " نَعَمْ ". وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي " أَقْرَضْته أَلْفًا " أَوْ " بِعْته " فَيَقُولُ " مَا أَقْرَضَنِي، وَلَا بَاعَنِي " أَوْ " مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ " أَوْ " لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ) .

مُرَادُهُ: مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ. فَلَوْ اعْتَرَفَ بِسَبَبِ الْحَقِّ، مِثْلَ مَا لَوْ ادَّعَتْ مَنْ تَعْتَرِفُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ: الْمَهْرَ. فَقَالَ " لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا " لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ. وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ، إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ، كَجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ " لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا ". وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا " لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ: أَنَّهَا أَخَذَتْهُ نَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ دِينَارًا " لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً " فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ. لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا يُكْتَفَى بِالظَّاهِرِ. وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ " وَاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْته عَلَيْهِ " أَوْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ " إنَّهُ لَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ " لَمْ يُقْبَلْ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعُمُّ الْحَبَّاتِ، وَمَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ، مِنْ بَابِ الْفَحْوَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَعُمَّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ وَجْهَانِ: هَلْ يُشْتَرَطُ قَوْله " فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ؟ ". الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك مِائَةٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ " فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ " وَلَا شَيْءَ مِنْهَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، كَالْيَمِينِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَكَلَ عَمَّا دُونَ الْمِائَةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا. وَإِنْ قُلْنَا يُرَدُّ الْيَمِينُ: حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى مَا دُونَ الْمِائَةِ، إذَا لَمْ يُسْنِدْ الْمِائَةَ إلَى عَقْدٍ. لِكَوْنِ الثَّمَنِ لَا يَقَعُ إلَّا مَعَ ذِكْرِ النِّسْبِيَّةِ. لِيُطَابِق الدَّعْوَى. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَإِنْ أَجَابَ مُشْتَرٍ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْبَيْعَ بِمُجَرَّدِ الْإِنْكَارِ " رَجَعَ عَلَيَّ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ "

وَإِنْ قَالَ " هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ مِلْكُهُ " فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ انْتَزَعَ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ بِبَيِّنَةِ مِلْكٍ مُطْلَقٍ: رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَمَا يَرْجِعُ فِي بَيِّنَةِ مِلْكٍ سَابِقٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي: أَنْ لَا يَرْجِعَ. لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الزَّوَالَ مِنْ وَقْتِهِ. لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ غَيْرُ مَشْهُودٍ بِهِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: وَلَوْ قَالَ " لَك عَلَيَّ شَيْءٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ " لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى " الْأَلْفِ " لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ " الشَّيْءِ " وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ " فَقَالَ " لَيْسَ لِي عَلَيْك دِرْهَمٌ وَلَا دَانَقٌ، إنَّمَا لِي عَلَيْك أَلْفٌ " قُبِلَ مِنْهُ دَعْوَى " الْأَلْفِ " لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ: لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرُ. قَالَ: وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ " صَحَّ ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ " لَيْسَ لَك عَلَيَّ عَشْرَةٌ، إلَّا خَمْسَةً " فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لِتَخَبُّطِ اللَّفْظِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا أَثْبَتَهُ. وَهِيَ الْخَمْسَةُ. لِأَنَّ التَّقْدِيرَ " لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ، لَكِنْ خَمْسَةٌ " وَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ. فَيَكُونُ إثْبَاتًا. قَوْلُهُ (وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ " لِي بَيِّنَةٌ " وَإِنْ لَمْ يَقُلْ، قَالَ الْحَاكِمُ " أَلِك بَيِّنَةٌ؟ ") . وَلَهُ قَوْلُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " فَإِنْ قَالَ " لِي بَيِّنَةٌ " أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا. وَمَعْنَاهُ: إنْ شِئْت فَأَحْضِرْهَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمَا: وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعِي " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي: فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " وَأَحْضَرَهَا: حَكَمَ بِهَا. وَإِنْ جَهِلَ أَنَّهُ مَوْضِعُهَا: قَالَ لَهُ " أَلَكَ بَيِّنَةُ؟ " فَإِنْ قَالَ (نَعَمْ) طَلَبَهَا وَحَكَمَ بِهَا. وَكَذَا إنْ قَالَ " إنْ كَانَتْ لَك بَيِّنَةٌ فَأَحْضِرْهَا إنْ شِئْت " فَفَعَلَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي: لَا يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِهَا. لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ. فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَى. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَحْضَرَهَا: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ) . بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَسْأَلُهَا الْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. فَائِدَةٌ: لَا يَقُولُ الْحَاكِمُ لَهُمَا " أَشْهَدَا " وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَقِّنَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ، كَتَعْنِيفِهِمَا وَانْتِهَارِهِمَا. وَظَاهِرُ الْكَافِي فِي التَّعْنِيفِ وَالِانْتِهَارِ: يَحْرُمُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَحْضَرَهَا: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِسُؤَالِ الْمُدَّعِي.

وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ سُؤَالِهِ. وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْدِيدُهَا وَيْحُكُمْ فِي الْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ ظَنَّ الصُّلْحَ: أَخَّرَ الْحُكْمَ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: وَأَحْبَبْنَا لَهُ أَمْرَهُمَا بِالصُّلْحِ، وَيُؤَخِّرُهُ. فَإِنْ أَبَيَا: حَكَمَ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: يَقُولُ لَهُ الْحَاكِمُ " قَدْ شَهِدَا عَلَيْك. فَإِنْ كَانَ قَادِحٌ فَبَيِّنْهُ عِنْدِي " يَعْنِي: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا. وَذَكَرَهُ فِي الْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، فِيمَا إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ مَعَ الرِّيبَةِ. قُلْت: الْحُكْمُ مَعَ الرِّيبَةِ: فِيهِ نَظَرٌ بَيِّنٌ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِضِدِّ مَا يَعْلَمُهُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ. وَمَعَ اللَّبْسِ يَأْمُرُ بِالصُّلْحِ. فَإِنْ عَجَّلَ فَحَكَمَ قَبْلَ الْبَيَانِ: حَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَإِذَا أَحْضَرَهَا سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ " أَنَّ الشَّهَادَةَ. لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ حَقَّانِ: حَقٌّ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَحَقٌّ لِلَّهِ.

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ قَبْلَ الدَّعْوَى. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَسَمِعَهَا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ غَرِيبٌ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ: أَنَّهَا تُسْمَعُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ. وَنَقَلَهُ مُهَنَّا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُسْمَعُ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ. وَبَنَاهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. انْتَهَى. وَالْوَصِيَّةُ: مِثْلُ الْوَكَالَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوَكَالَةُ إنَّمَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ حَقٍّ، أَوْ إبْقَاءَهُ. وَهُوَ مِمَّا لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَإِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا رِضَاهُ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ، وَالْحُدُودِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْكَفَّارَةِ: لَمْ تَصِحَّ بِهِ الدَّعْوَى، بَلْ وَلَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّعْلِيقِ: شَهَادَةُ الشُّهُودِ دَعْوَى. قَالَ: لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيِّنَةِ الزِّنَا تَحْتَاجُ إلَى مُدَّعٍ؟ فَذَكَرَ خَبَرَ

أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مُدَّعٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تَصِحُّ دَعْوَى حِسْبَةٍ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعِدَّةٍ، وَحَدٍّ، وَرِدَّةٍ، وَعِتْقٍ وَاسْتِيلَادٍ، وَطَلَاقٍ، وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِكُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: لِنَائِبِ الْإِمَامِ مُطَالَبَةُ رَبِّ مَالٍ بَاطِنٍ بِزَكَاةٍ، إذَا ظَهَرَ لَهُ تَقْصِيرٌ. وَفِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِ: وَجْهَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ فِيمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ: هِيَ آكَدُ. لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فِي حَجْرِهِ عَلَى مُفْلِسِ الزَّكَاةِ، كَمَسْأَلَتِنَا، إذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ، لَا الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا شَمَلَهُ حَقُّ اللَّهِ وَالْآدَمِيِّ، كَسَرِقَةٍ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي الْمَالِ، وَيَحْلِفُ مُنْكِرٌ. وَلَوْ عَادَ إلَى مَالِكِهِ، أَوْ مَلَكَهُ سَارِقُهُ: لَمْ تُسْمَعْ. لِتَمَحُّضِ حَقِّ اللَّهِ. وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ: إنْ شَهِدَتْ بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الدَّعْوَى، فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ: لَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ: أَنَّهُ بَاعَهُ فُلَانٌ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: كَسَرِقَةٍ وَزِنَاهُ بِأَمَتِهِ لِمَهْرِهَا: تُسْمَعُ. وَيَقْضِي عَلَى نَاكِلٍ بِمَالٍ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ وَلَا تُسْمَعُ. وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ رِبَاطٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا عُقُوبَةُ كَذَّابٍ مُفْتَرٍ عَلَى النَّاسِ، وَالتَّكَلُّمُ فِيهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي حِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثَّبَاتِ عَنْ خَصْمٍ مُقَدَّرٍ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ فِيهِ بِلَا خَصْمٍ. وَهَذَا قَدْ يَدْخُلُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي. وَفَائِدَتُهُ: كَفَائِدَةِ الشَّهَادَةِ. وَهُوَ مِثْلُ كِتَابِ الْقَاضِي إذَا كَانَ فِيهِ ثُبُوتٌ مَحْضٌ. فَإِنَّهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُدَّعٍ فَقَطْ بِلَا مُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرٌ. لَكِنَّ هُنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَخَوِّفٌ. وَإِنَّمَا الْمُدَّعِي يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارَ كَمَا يَسْمَعُ ذَلِكَ شُهُودُ الْفَرْعِ. فَيَقُولُ الْقَاضِي (ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي، بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ) . قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ. وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ، وَلَمْ يَسْمَعْهَا طَوَائِفُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْحُكْمِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ. وَمَنْ قَالَ بِالْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ: نَصَبَ الشَّرَّ، ثُمَّ قَطَعَهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ احْتِيَالِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ الْمُقَرَّ لَهُ بِالْبَيْعِ قَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ. فَهُوَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَإِنَّمَا غَرَضُهُ تَثْبِيتُ الْإِقْرَارِ وَالْعَقْدِ. وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ. وَحُكْمُهُ بِمُوجِبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ. لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ. فَيَكُونُ

هَذَا الثُّبُوتُ حُجَّةً بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِلَا هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِلَّا امْتَنَعَ مِنْ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا، وَعَطَّلَ هَذَا الْمَقْصُودَ الَّذِي احْتَالُوا لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ هُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الِاحْتِيَالِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنْ الْقُضَاةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ دَخَلُوا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَسَمَّوْهُ " الْخَصْمَ الْمُسَخَّرَ ". قَالَ: وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا الصَّحِيحِ، وَأَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِمَّا أَنْ نَمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازَعٍ، فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَاتِ عَلَى الشَّهَادَاتِ، كَمَا ذَكَرَهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَإِمَّا أَنْ نَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ بِلَا خَصْمٍ. كَمَا ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُنَا فِي مَوَاضِعَ. لِأَنَّا نَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ. وَكَذَا عَلَى الْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ فِي الْمَنْصُوصِ. فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ: أَوْلَى. قَالَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: كِتَابُ الْحَاكِمِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يُحْكَمُ بِمَا قَامَ مَقَامَهُ غَيْرُهُ. لِأَنَّ إعْلَامَ الْقَاضِي لِلْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ. فَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْحَاكِمِ، وَشُهُودِ الْفَرْعِ: قَائِمًا مَقَامَ غَيْرِهِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ شُهُودِ الْأَصْلِ. وَجَعَلُوا كِتَابَ الْقَاضِي كَخِطَابِهِ. وَإِنَّمَا خَصُّوهُ بِالْكِتَابِ: لِأَنَّ الْعَادَةَ تَبَاعُدُ الْحَاكِمَيْنِ. وَإِلَّا فَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ: كَانَ مُخَاطَبَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ أَبْلَغُ مِنْ الْكِتَابِ. وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ بِالشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَإِنَّمَا يُعْلِمُ بِهِ حَاكِمًا آخَرَ لِيَحْكُمَ بِهِ، كَمَا يُعْلِمُ الْفُرُوعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ.

قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ فِي غَيْرِ وَجْهِ خَصْمٍ وَهُوَ يُفِيدُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ: يُثْبِتُهُ الْقَاضِي بِكِتَابِهِ قَالَ: وَلِأَنَّ النَّاسَ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى إثْبَاتِ حُقُوقِهِمْ بِإِثْبَاتِ الْقُضَاةِ، كَإِثْبَاتِهَا بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ. وَإِثْبَاتُ الْقُضَاةِ أَنْفَعُ لِكَوْنِهِ كَفَى مُؤْنَةَ النَّظَرِ فِي الشُّهُودِ. وَبِهِمْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعٍ. وَإِنَّمَا يَخَافُونَ مِنْ خَصْمٍ حَادِثٍ قَوْلُهُ (وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ، إذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، أَوْ سَمِعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يُحْمَلْ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: إنْ سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: حَكَمَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ: مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ. (نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَلَا يَجُوزُ فِي الْأَشْهَرِ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ، وَالْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إذَا رَآهُ عَلَى حَدٍّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ إلَّا بِشَهَادَةٍ مِنْ شَهِدَ مَعَهُ. لِأَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ. وَنَقَلَ حَرْبٌ: فَيَذْهَبَانِ إلَى حَاكِمٍ. فَأَمَّا إنْ شَهِدَ عِنْدَ نَفْسِهِ فَلَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " مَا لِي بَيِّنَةٌ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. فَيُعْلِمُهُ: أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. وَإِنْ سَأَلَ إحْلَافَهُ: أَحْلَفَهُ. وَخَلَّى سَبِيلَهُ) . وَلَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي. لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " مَا لِي بَيِّنَةٌ " أَعْلَمَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. قَالَ: وَلَهُ تَحْلِيفُهُ مَعَ عِلْمِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: إنْ عَلِمَ عِنْدَهُ مَالًا لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ حَقَّهُ، أَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ. وَظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يُكْرَهُ. وَقَالَهُ شَيْخُنَا. وَنَقَلَهُ مِنْ حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ تَحْلِيفِ الْبَرِيءِ دُونَ الظَّالِمِ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: يَكُونُ تَحْلِيفُهُ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ لِخَصْمِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. ذَكَرَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى وَعَنْهُ: يَكْفِي تَحْلِيفُهُ " لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ ". تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَحْلَفَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا بِدَعْوَى أُخْرَى. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. فَيَحْرُمُ تَحْلِيفُهُ. أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ: لَهُ تَحْلِيفُهُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ. لِبَقَاءِ الْحَقِّ. بِدَلِيلِ أَخْذِهِ بِبَيِّنَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَمْسَكَ عَنْ تَحْلِيفِهِ، وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ يَمِينِهِ بَرِئَ مِنْهَا: فِي هَذِهِ الدَّعْوَى. فَلَوْ جَدَّدَ الدَّعْوَى وَطَلَبَ الْيَمِينَ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ يَمِينٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَالتَّزْكِيَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَنْبَغِي أَنْ تَتَقَدَّمَ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَتَزْكِيَةُ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْلَفَهُ، أَوْ حَلَفَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي: لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي. وَعَنْهُ: يَبْرَأُ بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي وَحَلِفِهِ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُحَلِّفْهُ. ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَنَّ رَجُلًا اتَّهَمَ رَجُلًا بِشَيْءٍ فَحَلَفَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ " لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ تَحْلِفَ لِي عِنْدَ السُّلْطَانِ " أَلَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قَدْ ظَلَمَهُ وَتَعَنَّتَهُ. وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْلِيفَهُ، وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُهَنَّا. فَوَائِدُ الْأُولَى: يُشْتَرَطُ فِي الْيَمِينِ أَنْ لَا يَصِلَهَا بِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكَذَا بِمَا لَا يُفْهَمُ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُزِيلُ حُكْمَ الْيَمِينِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هِيَ يَمِينٌ كَاذِبَةٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَاكِم الْمُحَلِّفُ لَهُ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ إلَّا لِمَظْلُومٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: ظُلْمًا لَيْسَ بِجَارٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ. فَالنِّيَّةُ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ الْمُحَلِّفِ، وَاعْتِقَادِهِ.

فَالتَّأْوِيلُ عَلَى خِلَافِهِ لَا يَنْفَعُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ " بَابِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ ". الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُعْسِرُ " لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ " وَلَوْ نَوَى: السَّاعَةَ، سَوَاءٌ خَافَ أَنْ يُحْبَسَ أَوْ لَا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إنَّ خَافَ حَبْسًا. وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا: أَنْ يَحْلِفَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، إذَا أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ نَكَلَ: قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. مَرِيضًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْجَمَاعَةُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ حَبْسُهُ، لِيُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي. وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ: يُقَالُ لَهُ: احْلِفْ وَخُذْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ رَدُّهَا. وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ، فَقَالُوا: وَعَنْهُ يَرُدُّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعِي قَالَ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ يَجِبُ. وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ، وَلَكِنْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ. وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ، يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبِ الْمَذْكُورَةِ. وَظَاهِرُهَا: جَوَازُ الرَّدِّ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي الْعُمْدَةِ رَدَّهَا. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَزَادَ: بِإِذْنِ النَّاكِلِ فِيهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعَ عِلْمِ مُدَّعٍ وَحْدَهُ بِالْمُدَّعِي بِهِ: لَهُمْ رَدُّهَا. وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَأْخُذْ كَالدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ حَقًّا عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْعَالِمُ بِالْمُدَّعَى بِهِ، دُونَ الْمُدَّعِي، مِثْلَ: أَنْ يَدَّعِيَ الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ عَلَى غَرِيمٍ لِلْمَيِّتِ، فَيُنْكِرُ: فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي. قَالَ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْعِلْمَ، وَالْمُنْكِرُ يَدَّعِي الْعِلْمَ: فَهُنَا يُتَوَجَّهُ الْقَوْلَانِ، يَعْنِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي: فَهَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، أَمْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ.

قَالَ ابْنُ الْقِيَمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا: أَنَّهَا كَإِقْرَارٍ. فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قِيلَ: يَمِينُهُ كَالْبَيِّنَةِ، سُمِعَتْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَالْإِقْرَارِ لَمْ تُسْمَعْ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ. الثَّانِيَةُ: إذْ قَضَى بِالنُّكُولِ، فَهَلْ يَكُونُ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ كَالْبَدَلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَامِعِ: النُّكُولُ إقْرَارٌ وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا مَا إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَاسْتَحْلَفْنَاهَا، فَنَكَلَتْ. فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالنُّكُولِ، وَتُجْعَلُ زَوْجَتَهُ؟ إذَا قُلْنَا هُوَ إقْرَارٌ: حُكِمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: بَذْلٌ، لَمْ يُحْكَمْ بِذَلِكَ. لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْبَذْلِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ مَجْهُولِ النَّسَبِ. وَقُلْنَا. يَسْتَحْلِفُ. فَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى قَذْفَهُ، وَاسْتَحْلَفْنَاهُ فَنَكَلَ فَهَلْ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ؟ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ وَالْبَيِّنَةِ، لَا مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَالْبَدَلِ. لِأَنَّ النَّاكِلَ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِنْكَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ يُصِرُّ عَلَى ذَلِكَ، فَتَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ مُقِرٌّ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَيُجْعَلُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ؟ وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ نُكُولُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَالْأَدَاءِ. فَإِنَّهُ يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَشَهَادَةٌ مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُقِرًّا شَاهِدًا عَلَى نَفْسِهِ بِسُكُوتِهِ؟ وَالْبَذْلُ إبَاحَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ. وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِهِ. وَقَدْ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ.

فَلَوْ كَانَ النُّكُولُ بَذْلًا وَإِبَاحَةً: اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا إقْرَارَ وَلَا إبَاحَةَ. بَلْ هُوَ جَارٍ مَجْرَى الشَّاهِدِ وَالْبَيِّنَةِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَيَقُولُ " إنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك " ثَلَاثًا) . يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهُ ثَلَاثًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَقُولُهُ مَرَّةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: ثَلَاثًا، أَوْ مَرَّةً. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَرَّةً. وَقِيلَ: ثَلَاثًا. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا نَكَلَ لَزِمَهُ الْحَقُّ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ: قَضَى عَلَيْهِ، إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ لَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ " لَك رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي ". فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحَكَمَ لَهُ) . أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاكِلِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّدِّ إذْنُ النَّاكِلِ فِي الرَّدِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا: صَرَفَهُمَا. فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا، فَبَذَلَ الْيَمِينَ لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حَتَّى يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ) . قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمَا الْيَمِينَ بَعْدَ نُكُولِهِ: لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، بِشَرْطِ عَدَمِ الْحُكْمِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي. وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرِّعَايَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي: سُئِلَ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ؟ فَإِنْ قَالَ " امْتَنَعْت لِأَنَّ لِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا " أَوْ " حِسَابًا أَنْظُرُ فِيهِ " فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْيَمِينِ. وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ " لَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ " فَهُوَ نَاكِلٌ. وَقِيلَ: يُمْهَلُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ مَتَى تَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ، فَهَلْ: يَقْضِي بِنُكُولِهِ، أَوْ يَحْلِفُ وَلِيٌّ، أَوْ إنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ، أَوْ لَا يَحْلِفُ حَاكِمٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.

وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَطَعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: بِأَنَّ الْأَبَ، وَالْوَصِيَّ، وَالْإِمَامَ وَالْأَمِينَ: لَا يَحْلِفُونَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَكُلُّ مَالٍ لَا تُرَدُّ فِيهِ الْيَمِينُ: يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ. كَالْإِمَامِ إذَا ادَّعَى لِبَيْتِ الْمَالِ، أَوْ وَكِيلِ الْفُقَرَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ: وَكَذَا الْأَبُ، وَوَصِيُّهُ، وَأَمِينُ الْحَاكِمِ، إذَا ادَّعَوْا حَقًّا لِصَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ. وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَقَيِّمِ الْمَسْجِدِ. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: قَضَى بِالنُّكُولِ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مِنْهُمْ وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ قَدْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ: حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: لَا يَحْلِفُ إمَامٌ وَلَا حَاكِمٌ. انْتَهَى. وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا عَقَلَ وَبَلَغَ. وَيَكْتُبُ الْحَاكِمُ مَحْضَرًا بِنُكُولِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَحْلِفُ، حَلَفَ لِنَفْيِهِ، إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ مِنْ مُوَلِّيهِ. فَإِنْ أَبَى: حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهُ، إنْ جَعَلَ النُّكُولَ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي كَبَيِّنَةٍ، لَا كَإِقْرَارِ خَصْمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا خِلَافَ بَيْنَنَا: أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّعْوَى غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ، أَوْ يَكُونُ الْإِمَامُ، بِأَنْ يَدَّعِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ دَيْنًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، فِي صُورَةِ الْحَاكِمِ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ وَيَحْلِف. وَقِيلَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: يَحْلِفُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: نَزَّلَ أَصْحَابُنَا نُكُولَهُ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ. فَقَالُوا: لَا يُقْضَى بِهِ فِي قَوْدٍ وَحَدٍّ. وَحَكَمُوا بِهِ فِي حَقِّ مَرِيضٍ وَعَبْدٍ وَصَبِيٍّ مَأْذُونٍ لَهُمَا. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْقَسَامَةِ: مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ بِالدِّيَةِ: فَفِي مَالِهِ. لِأَنَّهُ كَإِقْرَارِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَامِعِ. لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ ابْتِدَاءً مَعَ اللَّوْثِ. وَأَنَّ الدَّعْوَى فِي التُّهْمَةِ كَسَرِقَةٍ، يُعَاقَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْفَاجِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ. وَيُحْبَسُ الْمَسْتُورُ، لِيَبِينَ أَمْرُهُ وَلَوْ ثَلَاثًا، عَلَى وَجْهَيْنِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ عَلَى حَبْسِهِ. وَقَالَ: إنَّ تَحْلِيفَ كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِرْسَالَهُ مَجَّانًا: لَيْسَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ. وَاحْتَجَّ فِي مَكَان آخَرَ بِأَنَّ قَوْمًا اتَّهَمُوا نَاسًا فِي سَرِقَةٍ، فَرَفَعُوهُمْ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ: خَلَّيْت سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا امْتِحَانٍ؟ فَقَالَ: إنْ شَتَمَ ضَرَبْتهمْ. فَإِنْ ظَهَرَ مَا لَكُمْ وَإِلَّا ضَرَبْتُكُمْ مِثْلَهُ. فَقَالُوا: هَذَا حُكْمُك؟ فَقَالَ: حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ. وَقَالَ بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَحْبِسُهُ وَالٍ. قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَاضٍ أَيْضًا، وَأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] حَمَلْنَا عَلَى الْحَبْسِ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَوَّلَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَاخْتَارَ: تَعْزِيرَ مُدَّعٍ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَنْ يُعْلَمْ بَرَاءَتُهُ. وَاخْتَارَ: أَنَّ خَبَرَ مَنْ ادَّعَى بِحَقٍّ بِأَنَّ فُلَانًا سَرَقَ كَذَا: كَخَبَرِ إنْسِيٍّ مَجْهُولٍ. فَيُفِيدُ تُهْمَةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ تَعْزِيرًا. فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ: لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ، فَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ: قُطِعَ ضَرْبُهُ، وَأُعِيدَ إقْرَارُهُ لِيُؤْخَذَ بِهِ. وَيُكْرَهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ الْمُنَاسِبِ لِلتُّهْمَةِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْرِبُهُ الْوَالِي عِنْدَ الْقَاضِي. وَذَكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي " لِي بَيِّنَةٌ " بَعْدَ قَوْلِهِ " مَا لِي بَيِّنَةٌ " لَمْ تُسْمَعْ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَحْصُلُ أَنْ تُسْمَعَ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهُ حَلِفِهِ أَوَّلًا. وَجَزَمَ فِي التَّرْغِيبِ بِالْأَوَّلِ

وَقَالَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " كَذَبَ شُهُودِي " وَأَوْلَى. وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُرَدُّ بِذِكْرِ السَّبَبِ. بَلْ بِذِكْرِ سَبَبِ الْمُدَّعِي غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا، فَشَهِدَتْ بِهِ وَبِسَبَبِهِ وَقُلْنَا: تَرَجَّحَ بِذِكْرِ السَّبَبِ لَمْ تُفِدْهُ إلَّا أَنْ تُعَادَ بَعْدَ الدَّعْوَى. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا. فَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهُمْ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبُو بَكْرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ، فَيَدَّعِيهِ ثُمَّ يُقِيمُهَا. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا وَالرِّعَايَةِ: إنْ قَالَ " أَسْتَحِقُّهُ وَمَا شَهِدْت بِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْت بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ بِالْآخِرِ وَقْتًا آخَرَ " ثُمَّ شَهِدْت بِهِ: قُبِلَتْ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى شَيْئًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِغَيْرِهِ: لَزِمَهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ. وَالدَّعْوَى. بِحَالِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَأَلَ مُلَازَمَتَهُ حَتَّى يُقِيمَهَا: أُجِيبَ فِي الْمَجْلِسِ. عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا فِي الْمَجْلِسِ صَرَفَهُ. وَقِيلَ: يَنْظُرُ ثَلَاثًا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: وَيُجَابُ مَعَ قُرْبِهَا. وَعَنْهُ: وَبُعْدِهَا كَكَفِيلٍ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَأَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا. مَتَى مَضَى فَلَا كَفَالَةَ وَنَصُّهُ: لَا يُجَابُ إلَى كَفِيلٍ، كَحَبْسِهِ.

وَفِي مُلَازَمَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ، مَعَ غَيْبَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَبَعْدَهَا: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَهُ الْمَيْمُونِيُّ: لَمْ أَرَهُ يَذْهَبُ إلَى الْمُلَازَمَةِ إلَى أَنْ يُعَطِّلَهُ مِنْ عَمَلِهِ. وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ عَنَتِ خَصْمِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ " فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً) . يَعْنِي: عَنْ الْمَجْلِسِ (فَلَهُ إحْلَافُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْقَرِيبَةُ كَالْحَاضِرَةِ فِي الْمَجْلِسِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ. وَقِيلَ. لَيْسَ لَهُ إحْلَافُهُ مُطْلَقًا، بَلْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَقَطْ. وَقَطَعُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَحْلِيفُهُ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْلِكُهُمَا، فَيُحَلِّفُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ إلَّا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَطَعُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَأَلَ تَحْلِيفَهُ وَلَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، فَحَلَفَ: فَفِي جَوَازِ إقَامَتهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهَانِ. قَالَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهَا بَعْدَ تَحْلِيفِهِ. صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَالثَّانِي: لَهُ إقَامَتُهَا. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ. قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إنْ أَجَبْت، وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا. وَقَضَيْت عَلَيْك) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَمُرَادُهُمْ بِهَذَا الْوَجْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ: قَضَى بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ ". ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ " يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: إنْ أَجَبْت وَإِلَّا أَجْعَلُك نَاكِلًا " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ " لَمْ يَلْزَمْ الْمُدَّعِي إنْظَارَهُ) . هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْظَارُهُ ثَلَاثًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ إنْظَارُهُ فِي الْأَصَحِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي بِيَدِك أَجَبْت، وَإِنْ ادَّعَيْت هَذَا ثَمَنُ كَذَا بِعْتنِيهِ وَلَمْ تُقْبِضْنِيهِ فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ " فَهُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ.

قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " قَدْ قَضَيْته " أَوْ " قَدْ أَبْرَأَنِي. وَلِي بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ " وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُنْظَرُ. كَقَوْلِهِ " لِي بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ دَعْوَاهُ " تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ أَنْكَرَ أَوَّلًا سَبَبَ الْحَقِّ. أَمَّا إنْ كَانَ أَنْكَرَ أَوَّلًا سَبَبَ الْحَقِّ، ثُمَّ ثَبَتَ. فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً سَابِقًا: لَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْوَدِيعَةِ ". فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَجَعَلْنَاهُ مُقِرًّا بِذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ) . يَعْنِي: عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ. (حَلَّفَهُ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ. وَاسْتَحَقَّ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حُكِمَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قِيلَ بِرَدِّ الْيَمِينِ: فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ، فَإِنْ أَبَى حُكِمَ عَلَيْهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَالَهُ فِي بَيْعٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ. وَلَوْ قَالَ " أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّعْوَى " فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: انْبَنَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ. وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، لَمْ تُسْمَعْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ. فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ: جُعِلَ الْخَصْمُ فِيهَا. وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟) وَهُوَ الْمُقِرُّ (عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدِهِمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْلِفُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ. إذَا نَكَلَ أُخِذَ مِنْهُ بَدَلَهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ. فَإِنْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ وَأَخَذَهَا) . فَإِذَا أَخَذَهَا فَأَقَامَ الْآخِرُ بَيِّنَةً: أَخَذَهَا مِنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَيْسَتْ لِي، وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؟ " سُلِّمَتْ إلَى الْمُدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَفِي الْآخِرِ: لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ) . ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: تُقِرُّ بِيَدِ رَبِّ الْيَدِ. وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُذَهَّبِ وَضَعَّفَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُغْنِي. فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ: يَحْلِفُ لِلْمُدَّعِي. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: يَحْلِفُ، إنْ قُلْنَا: تُرَدُّ الْيَمِينُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا وَجْهٌ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ: أَنَّهَا لَهُ وَتُسَلَّمُ إلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَتَتَلَخَّصُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: تُسَلَّمُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ تُقِرُّ بِيَدِ رَبِّ الْيَدِ، أَوْ يَأْخُذُهَا الْمُدَّعِي وَيَحْلِفُ إنْ قُلْنَا تُرَدُّ الْيَمِينُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، وَجَهِلَ لِمَنْ هِيَ؟ . الثَّانِيَةُ: لَوْ عَادَ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ لِثَالِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: تُقْبَلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ.

ثُمَّ إنْ عَادَ الْمُقِرُّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ: لَمْ تُقْبَلْ. وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِرِقِّهَا لِشَخْصٍ، وَكَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَبْدًا: فَهُوَ كَمَالِ غَيْرِهِ وَعَلَى الَّذِي قَبِلَهُ: يُعْتَقَانِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُقِرِّ. فَتَصِيرُ وَجْهًا خَامِسًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ: سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى. ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ: سُلِّمْت إلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ: رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَيَحْلِفُ مَعَهَا، عَلَى رَأْي. وَقِيلَ: إنْ جُعِلَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ: حَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ) .

وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ نَكَلَ: غَرِمَ بَدَلَهَا. فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي اثْنَيْنِ: لَزِمَهُ لَهَا عِوَضَانِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً: أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّى. فَلَا يَحْلِفُ) وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ، لِفَائِدَةِ زَوَالِ التُّهْمَةِ وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ. وَيَقْضِي بِالْمِلْكِ إنْ قَدَّمَتْ بَيِّنَةَ دَاخِلٍ. وَلَوْ كَانَ لِلْمُودِعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الْمُحَاكِمَةُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِالْمِلْكِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُودَعِ وَنَحْوِهِ الْمُخَاصَمَةَ فِيمَا فِي يَدِهِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ. لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهَا الْغَائِبُ وَلَا وَكِيلُهُ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى لِلْغَائِبِ لَا تَصِحُّ إلَّا تَبَعًا وَذَكَرُوا: أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْضِي عَنْهُ، وَيَبِيعُ مَالَهُ. فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ لِلْغَائِبِ وَأَعْلَى طَرِيقَةً: الْبَيِّنَةُ. فَتَكُونُ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْغَائِبِ تَبَعًا أَوْ مُطْلَقًا لِلْحَاجَةِ إلَى إيفَاءِ الْحَاضِرِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَائِبِ. الثَّانِي قَوْلُهُ (إنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ أَوْ نَجْعَلَك نَاكِلًا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنَّ لَوْ عَادَ فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، فَقِيلَ: تُسْمَعُ. لِعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: لَا تُسْمَعُ. لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ أَصَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ. فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " هِيَ لِي " لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ: وَكَذَا تَخْرُجُ إذَا أَكَذَبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: غَلِطْت. وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ. تَنْبِيهٌ: بَعْضُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَا. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يَعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّعْوَى وَفُرُوعَهَا ضَعِيفَةٌ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ. وَأَنَّ الثُّبُوتَ الْمَحْضَ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَالَ: إذَا قِيلَ: لَا تُسْمَعُ إلَّا مُحَرَّرَةً، فَالْوَاجِبُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مُجْمَلًا: اسْتَفْصَلَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مُبْهَمًا، كَدَعْوَى الْأَنْصَارِ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ، وَدَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى بَنِي أُبَيْرِقٍ. ثُمَّ الْمَجْهُولُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا. وَقَدْ يَنْحَصِرُ فِي قَوْمٍ، كَقَوْلِهَا " نَكَحَنِي أَحَدُهُمَا " وَقَوْلُهُ " زَوِّجْنِي إحْدَاهُمَا ". انْتَهَى. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ فِي الدَّعْوَى. فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ " لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا " حَتَّى يَقُولَ " وَأَنَا الْآنَ مُطَالِبٌ لَهُ بِهِ ". ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَكْفِي الظَّاهِرُ. قُلْت: وَهُوَ أَظْهَرُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَمَيِّزًا مَشْهُورًا عِنْدَ الْخَصْمَيْنِ وَالْحَاكِمِ: كَفَّتْ شُهْرَتُهُ عَنْ تَحْدِيدِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَكْفِي شُهْرَتُهُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ الْحَاكِمِ عَنْ تَحْدِيدِهِ. لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ، وَالْكَنَدِيِّ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ عَمَلُهُ بِعِلْمِهِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " غَصَبْت ثَوْبِي. فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي رَدُّهُ وَإِلَّا قِيمَتُهُ " صَحَّ اصْطِلَاحًا. وَقِيلَ: يَدَّعِيهِ. فَإِنْ خَفِيَ: ادَّعَى قِيمَتَهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ أَعْطَى دَلَّالًا ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ. فَجَحَدَهُ. فَقَالَ " أَدَّعِي ثَوْبًا، إنْ كَانَ بَاعَهُ فَلِي عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلِي عَشَرَةٌ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقَدْ اصْطَلَحَ الْقُضَاةُ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمُرَدِّدَةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ اصْطِلَاحًا. وَقِيلَ: بَلَى. انْتَهَى. وَإِنْ ادَّعَى " أَنَّ لَهُ الْآنَ " لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةٌ " أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ " أَوْ " فِي يَدِهِ " فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، حَتَّى يُبَيِّنَ سَبَبَ يَدِ الثَّانِي نَحْوَ غَاصِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدْت أَنَّهُ كَانَ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ، اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّ الْيَدِ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَالَ " وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا " قُبِلَ كَعِلْمِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ يُلَبِّسُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ " وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ إلَى الْآنَ " بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبْقُ الْحَقِّ إجْمَاعًا. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ، فَادَّعَى رَجُلٌ بِمَثْبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ " أَنَّهُ كَانَ لِجَدِّهِ إلَى مَوْتِهِ، ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ " وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مُخْلِفٌ عَنْ مَوْرُوثِهِ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِذَلِكَ. لِأَنَّ أَصْلَيْنِ تَعَارَضَا. وَأَسْبَابُ انْتِقَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِسُكُوتِهِمْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ. وَلَوْ فَتَحَ هَذَا لَانْتَزَعَ كَثِيرٌ مِنْ عَقَارِ النَّاسِ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ فِيمَنْ بِيَدِهِ عَقَارٌ، فَادَّعَى آخَرُ " أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِأَبِيهِ " فَهَلْ يُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ قَالَ: لَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إقْرَارِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ تَحْتَ حُكْمِهِ. وَقَالَ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَى حِينِ وَقْفِهِ، وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً " أَنَّ مَوْرُوثَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ " قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وَارِثٍ. لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ لِتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ. فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالْمَجْهُولِ) . وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُطَلِّقِ فِي الْمَهْرِ، إذَا قُلْنَا: يَصِحُّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ كَوَصِيَّةٍ، وَعَبْدِ مُطَلِّقٍ فِي مَهْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ. وَقِيلَ: أَوْ إقْرَارٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا مُحَرَّرَةً، يَعْلَمُ بِهَا الْمُدَّعِي، إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ خَاصَّةً. فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْمَجْهُولِ. وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ، لِئَلَّا يَسْقُطَ حَقُّ الْمُقِرِّ لَهُ. وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى. لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ. فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَدَلَ إلَى مَعْلُومٍ.

وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَعْلُومِ لَا تَصِحُّ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ وَلَا مُوجِبُهُ، فَكَيْفَ بِالْمَجْهُولِ؟ . وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَوْ ادَّعَى دِرْهَمًا، وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ: قُبِلَ. وَلَا يَدَّعِي الْإِقْرَارَ، لِمُوَافَقَتِهِ لَفْظَ الشُّهُودِ، بَلْ لَوْ ادَّعَى لَمْ تُسْمَعْ. وَفِي التَّرْغِيبِ فِي اللُّقَطَةِ: لَا تُسْمَعُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ " أَنَّ زَوْجَهَا: أَقَرَّ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ ابْنَتَهُ " وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ. فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ: لَمْ تُقْبَلْ. لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى الرَّضَاعِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَعَلَّ مَأْخَذَهُ: أَنَّهَا ادَّعَتْ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْمُقَرِّ بِهِ. وَلَكِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تُسْمَعُ بِغَيْرِ دَعْوَى. لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ. عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى بِالْإِقْرَارِ فِيهَا نَظَرٌ. فَإِنَّ الدَّعْوَى بِهَا تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى: أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْمَعُ. فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْحَقِّ لِلُزُومِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَدَعْوَى تَدْبِيرٍ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ " قَتَلَ أَبِي أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ " أَنَّهَا تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ، لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا. وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمْ. وَكَذَا دَعْوَى غَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَسَرِقَةٍ، لَا إقْرَارٍ وَبَيْعٍ. إذَا قَالَ: نَسِيت. لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لِإِثْبَاتِهِ، إذَا خَافَ سَفَرَ الشُّهُودِ أَوْ الْمَدْيُونَ مُدَّةً بِغَيْرِ أَجَلٍ. الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى انْفِكَاكُهَا عَمَّا يُكَذِّبُهَا. فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ " أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مُنْفَرِدًا " ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ: لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ. وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي، إلَّا أَنْ يَقُولَ " غَلِطْت " أَوْ " كَذَبْت فِي الْأُولَى " فَالْأَظْهَرُ: تُقْبَلُ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِإِمْكَانِهِ. وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ. ثُمَّ ادَّعَاهُ، وَذَكَرَ تَلَقِّيه مِنْهُ: سُمِعَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بَيِّنَةً ثُمَّ ادَّعَاهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " كَانَ بِيَدِك " أَوْ " لَك أَمْسِ، وَهُوَ مِلْكِي الْآنَ " لَزِمَهُ سَبَبُ زَوَالِ يَدِهِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُقِرُّ بَيِّنَةً: أَنَّهُ لَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا: هَلْ تُقْبَلُ؟ . وَتُقَدَّمُ الْكِفَايَةُ بِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْخَصْمَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ قَرِيبًا. الرَّابِعَةُ: لَوْ أَحْضَرَ وَرَقَةً فِيهَا دَعْوَى مُحَرَّرَةٌ، وَقَالَ " أَدَّعِي بِمَا فِيهَا " مَعَ حُضُورِ خَصْمِهِ: لَمْ تُسْمَعْ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَكْفِي قَوْلُهُ عَنْ دَعْوَى فِي وَرَقَةٍ " أَدَّعِي بِمَا فِيهَا ". الْخَامِسَةُ: تُسْمَعُ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: تُسْمَعُ فِي التَّدْبِيرِ إنْ جُعِلَ عِتْقًا بِصِفَةٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: دَعْوَاهُ سَبَبًا قَدْ يُوجِبُ مَالًا كَضَرْبِ عَبْدِهِ ظُلْمًا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ حَتَّى يَجِبَ الْمَالُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى مُسْتَلْزِمَةً، لَا كَبَيْعِ خِيَارٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً: لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَقُولَ " وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ " لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ قَبْلَ اللُّزُومِ. وَلَوْ قَالَ " بَيْعًا لَازِمًا " أَوْ " هِبَةً مَقْبُوضَةً " فَوَجْهَانِ. لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا حَاضِرَةً: عَيَّنَهَا. وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً ذَكَرَ صِفَاتِهَا إنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا، وَالْأَوْلَى ذِكْرُ قِيمَتِهَا. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرُهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) أَوْ فِي الذِّمَّةِ (ذَكَرَ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا) . فَيَذْكُرُ هُنَا مَا يَذْكُرُهُ فِي صِفَةِ السَّلَمِ. وَإِنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أَوْلَى. يَعْنِي الْأَوْلَى: أَنْ يَذْكُرَ قِيمَتَهَا مَعَ ذِكْرِ صِفَةِ السَّلَمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ أَضْبَطُ. وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَكْفِي ذِكْرُ قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا) كَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا بِلَا نِزَاعٍ.

لَكِنْ يَكْفِي ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: وَيَصِفُهُ أَيْضًا. قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى نِكَاحًا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا إنْ حَضَرَتْ، وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا. وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَبِرِضَاهَا. فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا قَالَ يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالنِّكَاحِ: ذِكْرُ شُرُوطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. فَقَالَ: يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ: يُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ادَّعَى اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ يَدَّعِ الْعَقْدَ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. صَحَّحَهُ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.

وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً وَالزَّوْجُ حُرًّا فَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ عَدَمِ الطُّولِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ، فَهَلْ يُسْمَعُ إقْرَارُهَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ. أَوْ لَا يُسْمَعُ؟ . وَإِنْ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا وَاحِدٌ: قُبِلَ. وَإِنْ ادَّعَاهَا اثْنَانِ: لَمْ يُقْبَلْ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى بَيْعًا، أَوْ عَقْدًا سِوَاهُ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ. يَعْنِي: إذَا اشْتَرَطْنَا ذِكْرَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُعْتُبِرَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: ذِكْرُ شُرُوطِ صِحَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ.

اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي مَالِكِ الْإِمَاءِ وَالنِّكَاحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً، أَوْ مَهْرًا: سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ. فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا. لَا تُسْمَعُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُسْمَعُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي. فَعَلَيْهِ: هِيَ فِي الدَّعْوَى كَالزَّوْجِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَوَى بِجُحُودِهِ الطَّلَاقَ: لَمْ تَطْلُقْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي. وَاخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ صِحَّةِ إقْرَارِهَا بِهِ. إذَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " فِي قَوْلِهِ " لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ " أَوْ " لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ " رِوَايَةٌ: أَنَّهُ لَغْوٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ كِنَايَةٌ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَاكَ: إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِذَلِكَ وَقَعَ. وَعَنْهُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ. فَالْجُحُودُ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ. لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ: فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا ظَاهِرًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَاقُهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ قُلْت: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهَا. وَكَيْفَ يُمَكَّنُ مِنْهَا وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَتَحَقَّقُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، حَتَّى وَلَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ. لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ: ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ، أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ. وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَيَصِفُهُ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيَاةَ فِي ذَلِكَ، فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْحَيَاةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْإِرْثَ: ذَكَرَ سَبَبَهُ) بِلَا نِزَاعٍ وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ: ذَكَرَ مَوْتَ أَبِيهِ. وَحَرَّرَ الدَّيْنَ وَالتَّرِكَةَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَيْضًا أَنْ يَقُولَ " إنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ ". الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مُحَلًّى: قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ. فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ: قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا، أَوْ عَيْنًا: لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ سَبَبِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا. لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ. وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْمُدَّعِي. قَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا. فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَالْخِرَقِيِّ فِيمَا قَالَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ. انْتَهَى. قُلْت: وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَفِي الْوَاضِحِ وَالْمُوجَزِ: كَبَيِّنَةِ حَدٍّ وَقَوَدٍ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: الْعَدَالَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي شُهُودِ الزِّنَا: هِيَ الْعَدَالَةُ الْمُعْتَبَرَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ لِتَأَكُّدِ الزِّنَا. انْتَهَى.

وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ هُنَا. وَأَخَذَهَا مِنْ قَوْلِهِ " وَالْعَدْلُ: مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ ". وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ. لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ، مِنْ أَنَّهُ: إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ سَأَلَ عَنْهُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِيمَنْ عَرَفَ. انْتَهَى. وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو بَكْرٍ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَيْهَا: إنَّ جَهِلَ إسْلَامَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ. وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ حَيْثُ اعْتَبَرْنَاهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَوْرَدَهُ فِي النَّظْمِ مَذْهَبًا. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَإِنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ: لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ، إلَّا أَنْ يُجَرِّحَهُ الْخَصْمُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُقْبَلُ مِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُهُ " أَنَا حُرٌّ عَدْلٌ " لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْمَرْأَةِ " إنَّهَا لَيْسَتْ مُزَوَّجَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً ". فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُسْلِمَ: هَلْ الْأَصْلُ فِيهِ: الْعَدَالَةُ أَوْ الْفِسْقُ؟

اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي زَمَنِنَا. فَأَحْبَبْت أَنْ أَنْقُلَ مَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ. فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا " لِمَا نَصَرَا أَنَّ الْعَدَالَةَ لَهُ تُعْتَبَرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَحَكَيَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ إلَّا ظَاهِرًا. وَعَلَّلَاهُ بِأَنْ قَالَا: ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ: الْعَدَالَةُ. وَاحْتَجَّا لَهُ بِشَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَبُولِهَا. وَبِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ". وَلَمَّا نَصَرَا الْأَوَّلَ قَالَا: الْعَدَالَةُ شَرْطٌ. فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهَا كَالْإِسْلَامِ. وَذَكَرَا الْأَدِلَّةَ. وَقَالَا: وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَالْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ. وَقَالَا: هَذَا بَحْثٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِدُونِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُمَا سَلَّمَا. أَنَّهُ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ. وَلَكِنْ تُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهَا بَاطِنًا. وَقَالَا فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا لِأَنَّ الْجَرْحَ يُنْقَلُ عَنْ الْأَصْلِ. فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ. وَالْجَرْحُ يُنْقَلُ عَنْهَا. فَصَرَّحَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ: الْعَدَالَةُ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ لَمَّا نُصِرَ أَنَّهُ. تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا: وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ: فَمَمْنُوعَةٌ. بَلْ الظَّاهِرُ عَكْسُ ذَلِكَ. فَصَرَّحَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ: عَكْسُ الْعَدَالَةِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ " وَلَا نَسْمَعُ الْجَرْحَ إلَّا مُفَسَّرًا " وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَبَيْنَ

الْجَرْحِ: أَنَّ التَّعْدِيلَ إذَا قَالَ " هُوَ عَدْلٌ " يُوَافِقُ الظَّاهِرَ. فَحَكَمَ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي الظَّاهِرِ. فَخَالَفَ مَا قَالَ أَوَّلًا. وَقَالَ ابْن رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ النِّكَاحِ " وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ مِنْ مَسْتُورِي الْحَالِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ فِي أَوَاخِرِ التَّقْلِيدِ: وَالْعَدَالَةُ أَصْلِيَّةٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ. وَتَابَعَ ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، فِي هَذَا الْمَكَانِ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَالِمِ الْعَدَالَةُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سَأَلَ عَنْهُ " وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْعَدَالَةَ هَلْ هِيَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؟ وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ. وَإِذَنْ لَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فِيهِ، أَوْ الْفِسْقُ مَانِعٌ؟ فَيُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ. إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْفِسْقِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ فَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ. قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ هَذَا. إذْ الْعَدَالَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَلَوْ سُلِّمَ هَذَا فَمُعَارَضٌ بِأَنَّ الْغَالِبَ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِنَا هَذَا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَقَدْ يَلْزَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ. وَيُقَالُ: الْمَانِعُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ ظَنِّ عَدَمِهِ، كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ قَالَ " إنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْعَدَالَةُ " فَقَدْ أَخْطَأَ. وَإِنَّمَا الْأَصْلُ فِيهِ: الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] . وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَاخِرِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ: إذَا شُكَّ فِي الشَّاهِدِ: هَلْ هُوَ عَدْلٌ أَمْ لَا؟ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ. إذْ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ: عَدَمُ الْعَدَالَةِ. وَقَوْلُ

مَنْ قَالَ " الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْعَدَالَةُ " كَلَامٌ مُسْتَدْرَكٌ. بَلْ الْعَدَالَةُ حَادِثَةٌ تَتَجَدَّدُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا. فَإِنَّ خِلَافَ الْعَدَالَةِ مُسْتَنَدُهُ جَهْلُ الْإِنْسَانِ وَظُلْمُهُ. وَالْإِنْسَانُ جَهُولٌ ظَلُومٌ. فَالْمُؤْمِنُ يَكْمُلُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ. وَهُمَا جِمَاعُ الْخَيْرِ وَغَيْرُهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَدَالَةُ وَالْفِسْقُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ. فَإِنْ قُلْنَا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَسْتُورِي الْحَالِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ: الْعَدَالَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُقْبَلُ. فَالْأَصْلُ فِيهِ: الْفِسْقُ. قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ الْأَصْلُ فِيهِ الْفِسْقُ. لِأَنَّ الْفِسْقَ قَطْعًا يَطْرَأُ. وَالْعَدَالَةُ أَيْضًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَطْرَأُ. لَكِنَّ الظَّنَّ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةَ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ بِهِ الْفِسْقَ. وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ. فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» . قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا: عَمِلَ بِعِلْمِهِ) . هَكَذَا عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ: وَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَجَرْحِهِ لِلتَّسَلْسُلِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَلِأَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. فَلَا تُهْمَةَ. وَقَالَ هُوَ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا: هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ. لِأَنَّهُ يُعَدَّلُ هُوَ وَيُجَرَّحُ غَيْرُهُ. وَيُجَرَّحُ هُوَ وَيُعَدَّلُ غَيْرُهُ. وَلَوْ كَانَ حُكْمًا: لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنَّمَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ، لَا بِهِمَا.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَعَمَلُ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ فِي الشُّهُودِ، وَحُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَعْمَلُ فِي جَرْحِهِ بِعِلْمِهِ فَقَطْ. وَعَنْهُ: لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِيهِمَا كَالشَّاهِدِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ: قَوْلًا بِالْمَنْعِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ، إنَّ صَحَّ مَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ. فَإِنَّهُ حَكَى اتِّفَاقَ الْكُلِّ عَلَى الْجَوَازِ. انْتَهَى فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَهُ طَلَبُ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ. لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ لَوْ قَالَ " حَكَمْت بِكَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ شَهِدَ أُحُدُ الشَّاهِدَيْنِ بِبَعْضِ الدَّعْوَى، قَالَ " شَهِدَ عِنْدِي بِمَا وَضَعَ بِهِ خَطَّهُ فِيهِ " أَوْ عَادَةُ حُكَّامِ بَلَدِهِ. وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا، كَتَبَ تَحْتَ خَطِّهِ " شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ ". وَإِنْ قَبِلَهُ كَتَبَ " شَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدِي ". وَإِنْ قَبِلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَتَبَ " وَهُوَ مَقْبُولٌ ". وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا، كَتَبَ " شَهِدَ بِذَلِكَ ". وَقَالَ لِلْمُدَّعِي " زِدْنِي شُهُودًا، أَوْ زَكِّ شَاهِدَيْك ".

وَقِيلَ: إنْ طَلَبَ خَصْمُهُ التَّزْكِيَةَ، وَإِلَّا فَلَا، انْتَهَى. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا، فَيُفَرِّقُهُمَا. وَيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ " كَيْفَ تَحَمَّلْت الشَّهَادَةَ؟ وَمَتَى؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ؟ وَهَلْ كُنْت وَحْدَك، أَوْ أَنْتَ وَصَاحِبَك؟ " فَإِنْ اخْتَلَفَا: لَمْ يَقْبَلْهُمَا. وَإِنْ اتَّفَقَا. وَعَظَهُمَا، وَخَوَّفَهُمَا. فَإِنْ ثَبَتَا: حَكَمَ بِهِمَا إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) . يَلْزَمُ الْحَاكِمَ سُؤَالُ الشُّهُودِ، وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمَا، وَغَيْرُهُ، إذَا ارْتَابَ فِيهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: وُجُوبُ التَّوَقُّفِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَجْهُ الطَّعْنِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَوْ ادَّعَى جَرْحَ الْبَيِّنَةِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ اخْتَلَفَا تَوَقَّفَ فِيهِمَا. وَقِيلَ: تَسْقُطُ شَهَادَتُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: كُلِّفَ) إقَامَةَ (الْبَيِّنَةِ بِالْجَرْحِ فَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ: أُنْظِرَ ثَلَاثًا) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يُمْهَلُ الْجَارِحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَصَحِّ إنْ طَلَبَهُ. وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُمْهَلُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ. إمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) .

فَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الْجَرْحِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ الْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ سَبَبِهِ. وَعَنْهُ (يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ: أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ) كَالتَّعْدِيلِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. وَقِيلَ: إنْ اتَّحَدَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ وَالْحَاكِمِ، أَوْ عَرَفَ الْجَارِحُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ: قَبْلَ إجْمَالِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَقِيلَ: يَكْفِي قَوْلُهُ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ " وَنَحْوُهُ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) . اعْلَمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَرْحِهِ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ عَنْهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَالتَّزْكِيَةِ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. وَفِي التَّزْكِيَةِ وَجْهٌ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ يَشْهَدُونَ فِي مِثْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِمَا لَا يَعْلَمُونَهُ إلَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ. وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ فِي الْجَرْحِ بِالِاسْتِفَاضَةِ نِزَاعًا بَيْنَ النَّاسِ.

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَجُوزُ الْجَرْحُ بِالتَّسَامُعِ. نَعَمْ، لَوْ زَكَّى جَازَ التَّوَقُّفُ بِتَسَامُعِ الْفِسْقِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: الْجَرْحُ الْمُبَيَّنُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ، أَوْ اسْتِفَاضَةٍ وَالْمُطْلَقُ: أَنْ يَقُولَ " هُوَ فَاسِقٌ " أَوْ " لَيْسَ بِعَدْلٍ ". قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: هَذَا هُوَ الْمُبَيَّنُ. وَالْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُ أَعْلَمُ " وَنَحْوُهُ. الثَّانِيَةُ: يُعْرَضُ الْجَارِحُ بِالزِّنَا. فَإِنْ صَرَّحَ، وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ: حُدَّ. خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ جَهِلَ: طَالَبَ الْمُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ) . بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: التَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ. يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ. فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِدُونِهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا بُدَّ مِنْهَا. وَيَأْتِي بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ. يَشْهَدَانِ: أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى) . قَوْلُهُ " يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى " يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّيَيْنِ: مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ، وَنَحْوِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَطَعَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلَانِ مَعَ جَهْلِ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا: وَلَا يُتَّهَمُ بِعَصَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ " يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًى ". وَكَذَا لَوْ شَهِدَا " أَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ " بِلَا نِزَاعٍ. وَيَكْفِي قَوْلُهُمَا " عَدْلٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ: الْمَنْعُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ يَكْفِي قَوْلُهُمَا " عَدْلٌ " فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَكْفِي قَوْلُهُمَا " لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا ". الثَّانِيَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّي الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. الثَّالِثَةُ: لَا تَجُوزُ التَّزْكِيَةُ إلَّا لِمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بَاطِنَةٌ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَزَادَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمَعْرِفَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الرَّابِعَةُ: هَلْ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّهِ، وَتَصْدِيقُ الشُّهُودِ عَلَيْهِ تَعْدِيلٌ؟ وَهَلْ تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَدَّلَ. إنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ. وَقَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: قَدْ أَحْدَثْت فِي قَضَائِك؟ فَقَالَ " إنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْعَدَالَةِ. فَقَالَ: " هُمَا عَدْلَانِ فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ " أَوْ " صَادِقَانِ " حُكِمَ عَلَيْهِ بِلَا تَزْكِيَةٍ. وَقِيلَ: لَا. وَقَالَ: هَلْ تَصْدِيقُ الشُّهُودِ تَعْدِيلٌ لَهُمْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَالتَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلَّهِ. فَتُطْلَبُ وَإِنْ سَكَتَ الْخَصْمُ. فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَدَالَةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِيمَا إذَا عَدَّلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ فِي صِحَّةِ التَّزْكِيَةِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ، وَقِيلَ: إنْ تَبَعَّضَتْ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا تَزْكِيَةَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ. وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ: فَالْجَرْحُ أَوْلَى) . بِلَا نِزَاعٍ. وَإِذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ جَرْحُ وَاحِدٍ، فَجَرَّحَهُ وَاحِدٌ، وَزَكَّاهُ اثْنَانِ: فَالتَّزْكِيَةُ أَوْلَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْجَرْحُ أَوْلَى. وَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ عَدَّلَهُ ثَلَاثَةٌ، وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ، فَوَجْهَانِ. فَإِنْ بَيَّنَا السَّبَبَ: فَالْجَرْحُ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا السَّبَبَ: فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يُجَابُ وَيُحْبَسُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبُ: اُحْتُمِلَ أَنْ يُحْبَسَ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي حَبْسِهِ احْتِمَالٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْبَسُ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ إلَّا فِي الْمَالِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مُدَّةُ حَبْسِهِ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ شُهُودَهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بِأَنَّهُ يُحَالُ فِي قِنٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ادَّعَى عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا بَيْنَهُمَا بِشَاهِدَيْنِ.

وَفِيهِ لِوَاحِدٍ فِي قِنٍّ وَجْهَانِ الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لَوْ سَأَلَ كَفِيلًا بِهِ، أَوْ تَعْدِيلَ عَيْنٍ مُدَّعَاةٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخِرُ: حَبَسَهُ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: لَا يُحْبَسُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْبَسُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ إلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ) .

هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ ذَلِكَ شَهَادَةً تَفْتَقِرُ إلَى الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ. وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ الْحَقِّ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ: اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ. وَلَمْ يَكْفِ إلَّا شَاهِدَانِ ذَكَرَانِ. وَإِنْ كَانَ مَالًا: كَفَى فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَلَمْ تُعْتَبَرْ الْحُرِّيَّةُ. وَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ زِنًا، فَالْأَصَحُّ: أَرْبَعَةٌ. وَقِيلَ: يَكْفِي اثْنَانِ. بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَصِحُّ بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، أَوْ أَعْمَى لِمَنْ خَبَّرَهُ بَعْدَ عَمَاهُ. وَيُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ أَيْضًا. وَيَكْتَفِي بِالرُّقْعَةِ مَعَ الرَّسُولِ. وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَتِهِ.

وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَجِبُ الْمُشَافَهَةُ. قَالَ الْقَاضِي: تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ: هَلْ هُوَ مَقْبُولٌ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ. وَهُوَ: هَلْ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ شَهَادَةٌ أَوْ خَبَرٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ خَبَرٌ، قُبِلَ تَعْدِيلُهُنَّ. وَإِنْ قُلْنَا: بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَأَنَّهُ شَهَادَةٌ، فَهَلْ يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. وَهُوَ: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَالنِّكَاحِ؟ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: تُقْبَلُ. فَيُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ. الثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ وَهَذَا الصَّحِيحُ. فَلَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهُنَّ. انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: مَنْ رَتَّبَهُمْ الْحَاكِمُ يَسْأَلُونَ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ، فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَقَالَا: وَيُقْبَلُ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا، وَلَا يَسْأَلُونَ عَدُوًّا وَلَا صَدِيقًا. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْئُولِينَ. لَا فِيمَنْ رَتَّبَهُمْ الْحَاكِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَلَى قَوْلِنَا " التَّزْكِيَةُ لَيْسَتْ شَهَادَةً " لَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْجَمِيعِ. الثَّانِيَةُ: مَنْ سَأَلَهُ حَاكِمٌ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ: أَخْبَرَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ.

الثَّالِثَةُ: مَنْ نُصِّبَ لِلْحُكْمِ بِجَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ، وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ: قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ تَعْرِيفُ الْحَاكِمِ، لَا تَعْرِيفُ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ " أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ " وَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشُّهُودِ وَالْحَاكِمِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَاجَةَ الْحَاكِمِ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الشُّهُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَالشَّاهِدُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، غَالِبًا، إلَّا عَلَى الْعِلْمِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ " وَمَنْ جَهِلَ رَجُلًا حَاضِرًا شَهِدَ فِي حَضْرَتِهِ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَعَرَّفَهُ بِهِ مَنْ يَسْكُنُ إلَيْهِ وَعَنْهُ: اثْنَانِ. وَعَنْهُ: جَمَاعَةٌ شَهِدَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: الْمَنْعُ. وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ. وَعَنْهُ: إنْ عَرَفَهَا كَمَا يَعْرِفُ نَفْسَهُ. وَعَنْهُ أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا: شَهِدَ وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَشْهَدُ بِإِذْنِ زَوْجٍ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِعِصْمَتِهَا. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ لِلْخَبَرِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمَا بِأَنَّ النَّظَرَ حَقُّهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ.

وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّعْرِيفُ. يَتَضَمَّنُ تَعْرِيفَ عَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُودِ لَهُ، وَالْمَشْهُودِ بِهِ، إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَتَعْرِيفَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْمَحْكُومِ بِهِ، وَتَعْرِيفَ الْمُثْبِتِ عَلَيْهِ، وَالْمُثْبَتِ لَهُ، وَنَفْسَ الْمُثْبَتِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي. وَالتَّعْرِيفُ مِثْلُ التَّرْجَمَةِ سَوَاءٌ. فَإِنَّهُ بَيَانٌ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ. كَمَا أَنَّ التَّرْجَمَةَ كَذَلِكَ. لِأَنَّ التَّعْرِيفَ قَدْ يَكُونُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ وَالتَّرْجَمَةُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ. انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا عَدْلَانِ ". قَوْلُهُ (وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: مَعَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقِيلَ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. إحْدَاهُمَا: يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ عَنْ عَدَالَتِهِ، مَعَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ. وَيَجِبُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْهَا. عَلَى الْأَصَحِّ، مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ، أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ، أَوْ مَيِّتٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَلَيْسَ تَقَدُّمُ الْإِنْكَارِ هُنَا شَرْطًا. وَلَوْ فُرِضَ إقْرَارُهُ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: لَا تَفْتَقِرُ الْبَيِّنَةُ إلَى جُحُودٍ. إذْ الْغَيْبَةُ كَالسُّكُوتِ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ. وَكَذَا جَعَلَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلًا عَلَى الْخَصْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ عَلَى غَائِبٍ، كَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَيَقْضِي فِي السَّرِقَةِ بِالْغُرْمِ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَهُ فِي الْكَافِي. وَعَنْهُ: لَا يُحْكَمُ عَلَى الْغَائِبِ تَبَعًا، كَشَرِيكٍ حَاضِرٍ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ مُطْلَقًا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُعْطِي بِكَفِيلٍ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ. الثَّانِي: مُرَادُهُ بِالْمُسْتَتِرِ هُنَا: الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْحُضُورِ. عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَرِيبًا. الثَّالِثُ: الْغَيْبَةُ هُنَا: مَسَافَةُ الْقَصْرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: أَوْ فَوْقَ نِصْفِ يَوْمٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الرَّابِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: إنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، لَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ، كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ. نَعَمْ فِي، السَّرِقَةِ يَقْضِي بِالْمَالِ فَقَطْ. وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ وَجْهَانِ. بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " بَابِ الْقَذْفِ ". قَوْلُهُ (وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي " أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ " عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهَادِي، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَحْلِفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: لَمْ يَسْتَحْلِفْ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَا: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالْفُرُوعِ، وَخِلَافُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَنَصَرَهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَالشَّرِيفِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَسْتَحْلِفُهُ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَلَّفَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَحَلَفَ مَعَهَا عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. ذَكَرَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا ". فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ الْبَيِّنَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَا يَتَعَرَّضُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ الْبَيِّنَةِ إنْ كَانَتْ كَامِلَةً. وَيَجِبُ تَعَرُّضُهُ إذَا قَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَا يَمِينَ مَعَ بَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمُقِرٍّ لَهُ إلَّا هُنَا. وَعَنْهُ: بَلَى. فَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مَعَ رِيبَةٍ فِي الْبَيِّنَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ الْحَجْرِ " أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِنَفَادِ مَالِهِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَإِذَا شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا أَيْضًا. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَخْتَصُّ الْيَمِينُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، دُونَ الْمُدَّعِي، إلَّا فِي الْقَسَامَةِ وَدَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةِ. وَحَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، أَوْ نَقُولُ بِرَدِّهَا. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مُفَرَّقًا فِي أَمَاكِنِهِ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا دَعَاوَى الْأُمَنَاءِ الْمَقْبُولَةُ: فَغَيْرُ مُسْتَثْنَاةٍ. فَيَحْلِفُونَ. وَذَلِكَ: لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِتَفْرِيطٍ أَوْ عُدْوَانٍ. فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرُوهُ: فَهُمْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ. وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. انْتَهَى. قُلْت: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي " بَابِ الْوَكَالَةِ " أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْوَكِيلُ الْهَلَاكَ وَنَفَى التَّفْرِيطَ: قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ، الْوَدِيعَةِ، وَغَيْرِهِمَا. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ (ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ يَعْنِي: رَشِيدًا أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ: فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ) . وَهُوَ صَحِيحٌ. لَكِنْ لَوْ جَرَحَ الْبَيِّنَةَ بِأَمْرٍ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُطْلَقًا: لَمْ تُقْبَلْ. لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ. فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَإِلَّا قُبِلَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ: لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ) . وَلَا تُسْمَعُ أَيْضًا الدَّعْوَى. وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُسْمَعَانِ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يُسْمَعَانِ. وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ: سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ، وَحُكِمَ بِهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْأُخْرَى: لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إنْ أَبَى مِنْ الْحُضُورِ: بَعَثَ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لِيُحْضِرَهُ. فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِاسْتِتَارُ: أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَحْضُرَ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا.

وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُ بَيْتِهِ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنَّ صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ: أَمَرَ بِالْهُجُومِ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجِهِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَصَرَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ: حَكَمَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى التَّغَيُّبِ سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ، وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ " وَإِنْ ادَّعَى عَلَى مُسْتَتِرٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ " يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ". وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ. قَالَ: لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُرْمَةٍ، كَمَنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ. انْتَهَى. وَحَكَى الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَالَ: وَفِي الْمُقْنِعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ: هَلْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. مَعَ أَنَّهُ قَطَعَ بِجَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَكَلَامُهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا: وَفَّاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُدَّعِي " إنْ عَرَفْت لَهُ مَالًا، وَثَبَتَ عِنْدِي وَفَّيْتُك مِنْهُ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ، وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ. فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ: سَلَّمَ

إلَى الْمُدَّعِي نَصِيبَهُ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَحَفِظَهُ لَهُ) . اعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَائِبِ مُمْتَنِعٌ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لِامْتِنَاعِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَالْكِتَابَةِ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيَحْكُمَ لَهُ بِكِتَابِهِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَيُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، كَمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَخُ الْآخَرُ غَيْرَ رَشِيدٍ. فَإِذَا حَكَمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَشْبَاهِهَا، وَأَخَذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ، فَالْحَاكِمُ يَأْخُذُ نَصِيبَ الْغَائِبِ، وَنَصِيبُ غَيْرُ الرَّشِيدِ يَحْفَظُهُ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا: أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَيَرْشُدَ السَّفِيهُ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَتْرُكُ إذَا كَانَ مَلِيئًا. فَائِدَةٌ: تُعَادُ الْبَيِّنَةُ فِي الْإِرْثِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَزَادَ: وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ غَيْرُ رَشِيدٍ اُنْتُزِعَ الْمَالُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُمَا، بِخِلَافِ الْغَائِبِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْآخِرِ: يُنْتَزَعُ أَيْضًا.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ الْوَكَالَةَ، وَالْآخَرُ غَائِبٌ. وَثَمَّ بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُمَا. فَإِنْ حَضَرَ: لَمْ تَعُدْ الْبَيِّنَةُ كَالْحُكْمِ بِوَقْفٍ ثَبَتَ لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ، تَبَعًا لِمُسْتَحِقِّهِ الْآنَ. وَتَقَدَّمَ: أَنَّ سُؤَالَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ الْحَجْرَ كَسُؤَالِ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْوَاحِدَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى عَدَدٍ أَوْ أَعْيَانٍ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكَةِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى وَاحِدٍ، أَوَّلُهُ: يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَسْأَلَةَ. وَأَخَذَهَا مِنْ دَعْوَى مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَحُكْمُهُ بِأَنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ هَذَا، أَوْ لِأَنَّ مَنْ وُقِفَ بِشَرْطٍ شَامِلٍ يَعُمُّ. وَهَلْ حُكْمُهُ لِطَبَقَةٍ حُكْمٌ لِلثَّانِيَةِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ؟ رُدِّدَ النَّظَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ. ثُمَّ مِنْ إبْدَاءِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ فَلِلثَّانِي الدَّفْعُ بِهِ. وَهَلْ هُوَ نَقْضٌ لِلْأَوَّلِ كَحُكْمٍ مُغَيَّا بِغَايَةٍ؟ أَمْ هُوَ فَسْخٌ؟ . قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ فَصَدَّقَهُ: قُبِلَ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ) . إذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْمَنْصُوبُ " حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ أَبَاهُ وَلَا ابْنَهُ: قُبِلَ قَوْلُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَوَاءٌ ذَكَرَ مُسْتَنَدَهُ أَوْ لَا. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي " إخْبَارُهُ بِمَا ثَبَتَ: بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ " يُوجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ، إذْ لَوْ قُبِلَ خَبَرُهُ لَقُبِلَ كِتَابُهُ. وَأَوْلَى.

قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قَالَ " ثَبَتَ عِنْدِي " فَهُوَ كَقَوْلِهِ " حَكَمْت فِي الْإِخْبَارِ وَالْكِتَابِ " وَإِنْ قَالَ " شَهِدْت " أَوْ " أَقَرَّ عِنْدِي فُلَانٌ " فَكَالشَّاهِدَيْنِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَا إذَا أُخْبِرَ بَعْدَ عَزْلِهِ: أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ لِفُلَانٍ بِكَذَا فِي وِلَايَتِهِ، فِي آخِرِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي ". وَهُنَاكَ بَعْضُ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ: أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ: قُبِلَ شَهَادَتُهُمَا، وَأَمْضَى الْقَضَاءَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ: أَنَّهُ حَكَمَ لِفُلَانٍ: أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُمَا. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْأَصْحَابِ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ. فَإِنْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ: لَمْ يَقْبَلْهُمَا وَلَمْ يُمْضِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: لِأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَذَكَرُوا هُنَاكَ: لَوْ تَيَقَّنَ صَوَابَ نَفْسِهِ: لَمْ يَقْبَلْهُمَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ الْأَصْلِ الْمُحَدِّثِ الرَّاوِي عَنْهُ " لَا أَدْرِي " وَذَكَرُوا هُنَاكَ: لَوْ كَذَّبَهُ، لَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ. وَدَلَّ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ هُنَا: قِيَاسُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّلِيلَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ: أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَك بِكَذَا وَكَذَا قَبِلَ شَهَادَتِهِمَا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أُحُدٌ، لَكِنْ وَجَدَهُ فِي قِمْطَرِهِ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ. فَهَلْ يُنْفِذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ الْأَشْهَرُ، كَخَطِّ أَبِيهِ بِحُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ: لَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُنْفِذُهُ. وَعَنْهُ: يُنْفِذُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي قِمْطَرِهِ، أَوْ لَا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إذَا رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذَهَّبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. إحْدَاهُمَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: الْمَذْهَبُ. وَذَكَرَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّهُ الْأَشْهَرُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا حَرَّرَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فَائِدَةٌ: مَنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُذَكَّرَ، أَوْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، يَتَجَوَّزُ بِذَلِكَ: لَمْ يَجُزْ قَبُولُ شَهَادَتِهِ. وَلَهُمَا حُكْمُ الْمُغَفَّلِ، أَوْ الْمُمَخْرَقِ. وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصِّفَةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ سُؤَالُهُمَا عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُهُمَا جَوَابُهُ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: إذَا عَلِمَ تَجَوُّزَهُمَا، فَهُمَا كَمُغَفَّلٍ، وَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُمَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ وَقَدَّرَ لَهُ عَلَى مَالٍ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ: إلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَخَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُرْتَهِنِ: يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مُؤْنَتَهَا، وَالْبَائِعُ لِلسِّلْعَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ إذَا كَتَمَ الْوَرَثَةُ بَعْضَ التَّرِكَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَظْهَرُ فِي التَّخْرِيجِ. فَعَلَى هَذَا: إنْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِ حَقِّهِ: أَخَذَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، مُطْلَقَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَخَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَوَازَ، رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الزَّوْجَةِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا نَفَقَتَهَا وَنَفَقَةَ وَلَدِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا. فَلَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ. وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. يَعْنِي: أَنَّ لَهَا يَدًا وَسُلْطَانًا عَلَى ذَلِكَ. وَسَبَبُ النَّفَقَةِ ثَابِتٌ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، فَلَا تُنْسَبُ بِالْأَخْذِ إلَى خِيَانَةٍ.

وَكَذَلِكَ أَبَاحَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَخْذَ الضَّيْفِ مِنْ مَالِ مَنْ نَزَلَ بِهِ وَلَمْ يُقْرَ بِقَدْرِ قِرَاهُ. وَمَتَى ظَهَرَ السَّبَبُ: لَمْ يُنْسَبْ الْآخِذُ إلَى خِيَانَةٍ. وَعَكَسَ ذَلِكَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ.: إذَا ظَهَرَ السَّبَبُ: لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنٍ. لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَفِيَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَ فُرُوقٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» هُوَ حُكْمٌ لَا فُتْيَا. وَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ. فَتَارَةً قَطَعَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ. وَتَارَةً قَطَعَ بِأَنَّهُ فُتْيَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فُتْيَا. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: حَيْثُ جَوَّزْنَا الْأَخْذَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: جَوَازُ الْأَخْذِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَالْأُصُولُ الَّتِي خَرَّجَ عَلَيْهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا: مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ، وَحَلْبِ الرَّهْنِ وَرُكُوبِهِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَالْأُصُولُ الَّتِي خَرَّجَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: تَقْتَضِي مَا قَالَهُ. الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخَذَهُ بِالْحَاكِمِ) . أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ: فِي الضَّيْفِ: يَأْخُذُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ.

وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ: يَأْخُذُ الضَّيْفُ، وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا خَرَّجَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَالرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ. وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَوَازَ الْأَخْذِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ فِي الْحَقِّ الثَّابِتِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ كَانَ سَبَبُ الْحَقِّ ظَاهِرًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ قَدْ أَخَذَهُ قَهْرًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ غَصَبَ مَالَهُ: فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَدْرِ حَقِّهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَالٍ، لَا عِنْدَ حَاكِمٍ: أَخَذَهُ. وَقِيلَ: لَا. كَقَوَدٍ فِي الْأَصَحِّ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَدْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ. فَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى عَيْنِ مَالِهِ: أَخَذَهُ قَهْرًا. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يُفِضْ إلَى فِتْنَةٍ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا: فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ، وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ، فَجَحَدَهُ: جَازَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ نَاظِمُهَا:

وَمَعْ مُجَرَّدِ الدَّيْنِ لَا بِالظَّفَرْ ... يُؤْخَذُ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْأَشْهَرْ قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ، عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْهُ: أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ. وَذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى عَنْهُ: بِحِيلَةٍ فِي عَقْدٍ وَفَسْخٍ مُطْلَقًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْوَسِيلَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَهْلُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: إنَّ حَنْبَلِيًّا نَصَرَهَا. فَاعْتَبَرَهَا بِاللِّعَانِ. وَعَنْهُ: يُرْسِلُهُ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. قَطَعَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ وَصْفِهِ فِي الْبَاطِنِ، إلَّا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَقِيلَ: هُمَا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ، أَوْ لِشَافِعِيٍّ، بِشُفْعَةِ جِوَارٍ: فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَنْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ، أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ: عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: بِاجْتِهَادِهِ وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ: نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَظْهَرُ.

إذْ كَيْفَ يَحْكُمُ لَهُ بِمَا لَا يَسْتَحِلُّهُ. فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا: لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ. فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ. فَيَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ. إلَّا أَنْ يُرَادَ: وَيَلْزَمُهُ الِانْقِيَادُ لِلْحُكْمِ ظَاهِرًا، وَالْعَمَلُ بِضِدِّهِ بَاطِنًا، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَعْتَقِدُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ. لَكِنْ فِي جَوَازِ إقْدَامِ الْحَاكِمِ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لَهُ بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ. لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. انْتَهَى فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: مَتَى عَلِمَ الْبَيِّنَةَ كَاذِبَةً: لَمْ يَنْفُذْ. وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنٍ ثَبَتَ بَيِّنَةُ زُورٍ، فَفِي نُفُوذِهِ مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ يُبَاحُ لَهُ بِالْحُكْمِ مَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَفِي حِلِّ مَا أَخَذَهُ وَغَيْرُهُ بِتَأْوِيلٍ، أَوْ مَعَ جَهْلِهِ: رِوَايَتَانِ. وَإِنْ رَجَعَ الْمُتَأَوِّلُ، فَاعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ: رِوَايَتَانِ. بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ. قَالَ: وَأَصَحُّهُمَا حِلُّهُ. كَالْحَرْبِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَوْلَى. وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ: وَضْعُ طَاهِرٍ فِي اعْتِقَادِهِ فِي مَائِعٍ لِغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: إنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَعَامَلَ بِرِبًا جَاهِلًا: رَدَّهُ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَيُحَدُّ لِزِنًا. الثَّانِيَةُ: مَنْ حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَةِ زُورٍ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ: حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا.

فَإِنْ وَطِئَ مَعَ الْعِلْمِ: فَكَزِنًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا حَدَّ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ. وَإِنْ حُكِمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودِ زُورٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا. وَيُكْرَهُ لَهُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا ظَاهِرًا، خَوْفًا مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ انْفَسَخَ بَاطِنًا جَازَ. وَكَذَا قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي. وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْحُكْمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ وَاحِدٍ بِرَمَضَانَ: لَمْ يُؤَثِّرْ كَمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَأَوْلَى. لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِحُكْمِهِ فِي عِبَادَةٍ وَوَقْتٍ. وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى. فَلَا يُقَالُ: حُكِمَ بِكَذِبِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّ لَهُ مَدْخَلًا، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِهِ فِي حَقِّهِ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ حُكْمٌ. وَلَمْ تُؤَثِّرْ شُبْهَةٌ. لِأَنَّ الْحُكْمَ يُغَيَّرُ إذَا اعْتَقَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُكْمٌ. وَهَذَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ، كَمُنْكِرَةِ نِكَاحِ مُدَّعٍ تَيَقُّنَهُ، فَشَهِدَ لَهُ فَاسِقَانِ، فَرُدَّا. ذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: رَدُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ هُنَا. لِتَوَقُّفِهِ فِي الْعَدَالَةِ. وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَ حُكْمٌ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أُمُورُ الدِّينِ وَالْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إجْمَاعًا. وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ إثْبَاتَ سَبَبِ الْحُكْمِ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالزَّوَالُ: لَيْسَ بِحُكْمٍ. فَمَنْ لَمْ يَرَهُ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.

وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرُهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: أَنَّهُ حُكْمٌ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ الْوَاحِدُ بِرُؤْيَةٍ كَالْبَعْضِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ: لَا يَلْزَمُهُ نَقْضُهُ لِيُنْفِذَهُ: لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَزِمَهُ ذَلِكَ. قُلْت: مَعَ عَدَمِ نَصِّ مُعَارَضَةٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ تَنْفِيذُهُ إنْ لَمْ يَرَهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ نَفْسُ الْحُكْمِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، كَحُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَنُكُولِهِ، وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ كَانَ الْمُخْتَلِفُ فِيهِ نَفْسُ الْحُكْمِ: لَمْ يَلْزَمْهُ تَنْفِيذُهُ، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ قَبْلَهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ هُوَ الْمَذْهَبُ. فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ تَنْفِيذُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ؟ إذْ لَوْ كَانَ أَصْلُ الدَّعْوَى عِنْدَهُ: لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا. وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ التَّنْفِيذِ لِحُكْمٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي رَفَعَ إلَيْهِ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ كَالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ.

لِأَنَّ التَّنْفِيذَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ. إذَا كَانَ لَا يَرَى صِحَّتَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ. انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا صَادَفَ حُكْمَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَمْ يَعْلَمْهُ وَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِ: جَازَ نَقْضُهُ. الْخَامِسَةُ: قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ هُنَا: نَفْسُ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ نَفَذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ: لَزِمَهُ إنْفَاذُهُ. لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ، فَلَزِمَ تَنْفِيذُهُ كَغَيْرِهِ. قَالَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ الْبَعْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّ التَّنْفِيذَ حُكْمٌ. لِأَنَّهُ قَالَ " لَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ. وَإِنَّمَا صَارَ مَحْكُومًا بِهِ بِالتَّنْفِيذِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا نَفَّذَهُ " فَجَعَلَ التَّنْفِيذَ حُكْمًا. وَكَذَلِكَ فَسَّرَ التَّنْفِيذَ بِالْحُكْمِ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ الْكَبِيرِ. فَإِنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَهَلْ يُنَفِّذُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يُنَفِّذُهُ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ. فَلَمْ يَجُزْ إنْفَاذُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَحْكُمُ بِهِ. فَفَسَّرَ رِوَايَةَ التَّنْفِيذِ بِالْحُكْمِ. لَكِنْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ: مَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ، فَذَكَرَ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ: أَمْضَاهُ. وَأَلْزَمَ خَصْمَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا هُوَ إمْضَاءٌ لِحُكْمِهِ السَّابِقِ. فَصَرَّحَ: أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا، مَعَ أَنَّ رِوَايَةَ التَّنْفِيذِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي فَسَّرَهَا بِالْحُكْمِ: إنَّمَا هِيَ إمْضَاءٌ لِحُكْمِهِ الَّذِي وَجَدَهُ فِي قِمْطَرِهِ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السِّجِلِّ: أَنَّهُ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ. وَإِنَّمَا يُكْتَبُ. " وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ. وَنَفَّذَهُ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ ". فَذَكَرُوا الْإِنْفَاذَ وَالْحُكْمَ وَالْإِمْضَاءَ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَى كُلِّ نُسْخَةٍ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ: أَنَّهَا حُجَّةٌ فِيمَا أَنْفَذَهُ فِيهَا. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاذَ حُكْمٌ. لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِهِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْإِمْضَاءِ، وَالْمُرَادُ: الْكُلُّ. انْتَهَى كَلَامُ شَيْخِنَا. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِلتَّنْفِيذِ: هَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ. لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمَحْكُومِ بِهِ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ. وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ بِالْحُكْمِ وَإِمْضَاءٌ لَهُ. كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَإِجَازَةٌ لَهُ. فَكَأَنَّهُ يُجِيزُ هَذَا الْمَحْكُومَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِحُرْمَةِ الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَحْكُومُ بِهِ مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ جَائِزٍ عِنْدَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لِأَنَّ التَّنْفِيذَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمُنَفَّذِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ " هَلْ الثُّبُوتُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ " السَّادِسَةُ: لَوْ رَفَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ عَقْدًا فَاسِدًا عِنْدَهُ فَقَطْ، وَأَقَرَّا بِأَنَّ نَافِذَ الْحُكْمِ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ: فَلَهُ إلْزَامُهُمَا ذَلِكَ وَرَدُّهُ، وَالْحُكْمُ بِمَذْهَبِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ يُقَالُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ: أَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ إنْ عَيَّنَا الْحَاكِمَ.

السَّابِعَةُ: لَوْ قَلَّدَ فِي صِحَّةِ نِكَاحٍ: لَمْ يُفَارِقْ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ، كَحُكْمٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمُجْتَهِدٍ نَكَحَ ثُمَّ رَأَى بُطْلَانَهُ. فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ. وَلَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ بِتَغَيُّرِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. الثَّامِنَةُ: لَوْ بَانَ خَطَؤُهُ فِي إتْلَافٍ بِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ: ضَمِنَ، لَا مُسْتَفْتِيه. وَفِي تَضْمِينِ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلًا: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ " أَدَبِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ: وَلَمْ أَعْرِفْ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَ ابْنِ حَمْدَانَ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت خَطَأُ الْمُفْتِي خَطَأُ الْحَاكِمِ أَوْ الشَّاهِدِ. التَّاسِعَةُ: لَوْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ كُفْرُ الشُّهُودِ، أَوْ فِسْقُهُمْ: لَزِمَهُ نَقْضُهُ. وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ، أَوْ بَدَلَهُ، وَبَدَلَ قَوَدٍ مُسْتَوْفِي عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ: ضَمِنَهُ مُزَكُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: يَضْمَنُهُ الْحَاكِمُ. لِعَدَمِ مُزَكٍّ وَفِسْقِهِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ أَيَّهمَا شَاءَ. وَإِقْرَارٌ عَلَى مُزَكٍّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمٌ يَعْلَمُهُ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ.

وَيُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ: رَدَّ مَالًا أَخَذَهُ وَنَقَضَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ دُونَ الْحَاكِمِ. وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ: غَرِمَ الْحَاكِمُ. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ. وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ لِفِسْقِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. فَلَا ضَمَانَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ. انْتَهَى. وَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ وَالِدًا، أَوْ وَلَدًا، أَوْ عَدُوًّا. فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: نَقَضَهُ وَلَا يَنْفُذُ. لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ، ثُمَّ ارْتَابَ فِي شَهَادَتِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي حُكْمِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَحَرَّرَ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لُزُومُ النَّقْضِ، وَجَوَازُهُ، وَعَدَمُ جَوَازِ نَقْضِهِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْإِرْشَادِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ، أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا: فَلَهُ نَقْضُهُ إذَا كَانَ لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادِقٌ، مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهْلُهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّهُ إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ مَعَ عِلْمِهِ: لَا يُنْقَضُ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ شَكَّ فِي رَأْيِ الْحَاكِمِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ " إذَا شَكَّ هَلْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالْمُعَارِضِ، كَمَنْ حَكَمَ بِبَيِّنَةِ خَارِجٍ، وَجَهِلَ عِلْمَهُ بِبَيِّنَةِ دَاخِلٍ: لَمْ يُنْقَضْ؟ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِمَّا ذَكَرُوا فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِالْخِلَافِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت وَقْتَ الْحُكْمِ أَنَّهُمَا فَسَقَةٌ، أَوْ زُورٌ، وَأَكْرَهَنِي السُّلْطَانُ عَلَى الْحُكْمِ بِهِمَا، فَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَضَافَ فِسْقَهُمَا إلَى عِلْمِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْضُهُ. وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ عِلْمِهِ: افْتَقَرَ إلَى بَيِّنَةٍ بِالْإِكْرَاهِ. وَيُحْتَمَلُ: لَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ: إنْ قَالَ " كُنْت عَالِمًا بِفِسْقِهِمَا " يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا وَجَدْته.

باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي

[بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] قَوْلُهُ (يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ: كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصُّلْحِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَذَكَرُوا فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِثْلُ: الْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. نَقَلَ جَمَاعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُقْبَلُ حَتَّى فِي قَوَدٍ. وَنَصَرَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمُذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ حَقٍّ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ، إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ذَكَرُوا: أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي: حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. وَذَكَرُوا فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ. وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَغَيْرُهُ. فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ. بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ الْحُكْمَ كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ. وَهُوَ أَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ. وَدَلَّ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ فَرْعًا لِأَصْلٍ. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي التَّعْلِيلِ: إنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي فَرْعِ الْفَرْعِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) . وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ، بِلَا نِزَاعٍ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا: هَلْ التَّنْفِيذُ حُكْمٌ، أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ، دُونَ الْقَرِيبَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ: فَوْقَ يَوْمٍ. وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: خَرَّجْته فِي الْمَذْهَبِ، وَأَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ: كَخَبَرٍ. انْتَهَى. يَعْنِي: إذَا أَخْبَرَ حَاكِمٌ الْآخِرَ بِحُكْمِهِ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. فَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ كَالْخَبَرِ لَمَا اكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِهِ، وَلَمَا جَازَ لِلْحَاكِمِ الْآخِرِ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ " شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا " وَلَا يَكْتُبُ " ثَبَتَ عِنْدِي " لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ. كَشُهُودِ الْفَرْعِ. لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا. انْتَهَى. فَعَلَيْهِ: لَا يَمْتَنِعُ كِتَابَتُهُ " ثَبَتَ عِنْدِي ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ. فَإِنَّهُ حُكْمٌ، لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ.

وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ " ثَبَتَ كَذَا " فَكَذَلِكَ. لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا: نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلُزُومُ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذُهُ: يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيَّةُ حَتَّى يُنَفِّذَهُ حَاكِمٌ. وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحَكَمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ. وَمَعَ قُرْبِهَا: الْخِلَافُ لِأَنَّهُ نَقَلَ إلَيْهِ ثُبُوتَهُ مُجَرَّدًا. قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. وَقَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَنْبَلِيٍّ وَقْفٌ عَلَى النَّفْسِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَنَقَلَ الثُّبُوتَ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ: فَلَهُ الْحُكْمُ وَبُطْلَانُ الْوَقْفِ. وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ. فَائِدَةٌ: لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يُعَدِّلْهَا، وَجَعَلَهَا إلَى آخَرَ: جَازَ، مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبَ: كَشُهُودِ الْأَصْلِ. وَقَدْ يُخْبِرُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ فِي شُهُودِ الْأَصْلِ: يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُمْ لَهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: حَتَّى لَوْ قَالَ تَابِعِيَّانِ " أَشْهَدَنَا صَحَابِيَّانِ " لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَاهُمَا قَوْلُهُ (فَإِذَا وَصَلَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ: دَفَعَا إلَيْهِ الْكِتَابَ، وَقَالَا:

نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ " وَالِاحْتِيَاطُ: أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ) . فَيَقُولَانِ " وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ " قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ أَيْضًا، وَجَمَاعَةٌ: قَوْلَهُمَا " قُرِئَ عَلَيْنَا " وَقَوْلَ الْكَاتِبِ " اشْهَدَا عَلَيَّ " وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُمَا إذَا وَصَلَا، قَالَا " نَشْهَدُ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ " مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الَّذِي يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ " أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْك، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ " إذَا جَهِلَا مَا فِيهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ. انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ " كَتَبَهُ بِحَضْرَتِنَا، وَقَالَ لَنَا: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي كَتَبْته فِي عَمَلِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدِي. وَحَكَمْت بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا " فَيَشْهَدَانِ بِذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَكْفِي أَنْ يَقُولَ " هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ " مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ " اشْهَدَا عَلَيَّ " انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابُهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ: كَخَبَرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَاضِي فِيمَا أَثْبَتَهُ وَحَكَمَ بِهِ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَهُ بِالْحَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ؟ لَمْ أَجِدْ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا. وَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ شَهَادَتَهُمَا، وَإِثْبَاتِهِ بِهَا الْحَقَّ، وَالْحُكْمَ. فَالثُّبُوتُ وَالْحُكْمُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا. وَشَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ بِقَبُولِهِ شَهَادَتَهُمَا نَفْعٌ لَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهَا. وَإِذَا بَطَلَتْ بَعْضُ الشَّهَادَةِ: بَطَلَتْ. لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ.

وَفِي رَوْضَةِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ بِحُكْمِ الْقَاضِي هُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا. لِأَنَّهُمَا الْآنَ يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ الْقَاضِي قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: وَعَلَى هَذَا تَفَقَّهْتُ، وَأَدْرَكَتْ الْقُضَاةَ. انْتَهَى. وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْحُكْمِ بِمَا يُحْتَمَلُ قَبُولُهُ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا عَلَى الثُّبُوتِ: فَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. وَقَدْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ الْبِسَاطِيُّ الْمَالِكِيُّ. انْتَهَى. وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا، وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ " هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانٍ اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ " لَمْ يَصِحَّ) . (لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا. ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا. حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِيهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ بِقَوْلِهِ " إذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهُورًا: فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا "

وَهَذَا رِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ. خَرَّجَهَا الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُخَرَّجَةَ فِي الْوَصِيَّةِ: الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ " كِتَابِ الْوَصَايَا ". وَعَلَى هَذَا: إذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ: أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ: جَازَ قَبُولُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُهُ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَشْكَلُ مِنْهُ: حِكَايَةُ ابْنِ حَمْدَانَ قَوْلًا بِالْمَنْعِ. فَإِنَّهُ إذَنْ تَذْهَبُ فَائِدَةُ الرِّوَايَةِ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي. نَعَمْ. إذَا قِيلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَهَلْ يَكْتَفِي بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا أَبُو الْبَرَكَاتِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ عُرِفَ خَطُّهُ بِإِقْرَارٍ، أَوْ إنْشَاءٍ، أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَهَادَةٍ: عُمِلَ بِهِ كَمَيِّتٍ. فَإِنْ حَضَرَ، وَأَنْكَرَ مَضْمُونَهُ: فَكَاعْتِرَافِهِ بِالصَّوْتِ، وَإِنْكَارِ مَضْمُونِهِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي كِتَابٍ أَصْدَرَهُ إلَى السُّلْطَانِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ: وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْحَاكِمِ: هَلْ يَحْتَاجُ إلَى شَاهِدَيْنِ عَلَى لَفْظِهِ، أَمْ إلَى وَاحِدٍ؟ أَمْ يَكْتَفِي بِالْكِتَابِ الْمَخْتُومِ؟ أَمْ يَقْبَلُ الْكِتَابَ بِلَا خَتْمٍ وَلَا شَاهِدٍ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَغَيْرِهِ. نَقَلَهُ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي تَعْلِيقَتِهِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِخَطِّ شَاهِدٍ مَيِّتٍ. وَقَالَ: الْخَطُّ كَاللَّفْظِ، إذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ. وَقَالَ: إنَّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطَّهُ، كَمَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا صَوْتَهُ. وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الشَّخْصِ إذَا عَرَفَ صَوْتَهُ مَعَ إمْكَانِ الِاشْتِبَاهِ وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَةَ عَلَى الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ: أَضْعَفُ. لَكِنْ جَوَازُهُ قَوِيٌّ، أَقْوَى مِنْ مَنْعِهِ. انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ كَتَبَ شَاهِدَانِ إلَى شَاهِدَيْنِ مِنْ بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَجُزْ. لِأَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غَيْرِهِ إذَا سَمِعَ مِنْهُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ " اشْهَدْ عَلَيَّ ". فَأَمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ: فَلَا.

لِأَنَّ الْخُطُوطَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْعِلَلُ. فَإِنْ قَامَ بِخَطِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ شَاهِدَانِ: سَاغَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ. الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِي الْحَيَوَانِ بِالصِّفَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ فِي حَيَوَانٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَتَبَ الْقَاضِي كِتَابًا فِي عَبْدٍ، أَوْ حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُشَارِكٌ فِي صِفَتِهِ: سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَبْدٍ وَأَمَةٍ: سَلَّمَ إلَيْهِ مَخْتُومًا. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً: سَلَّمَ إلَيْهِ مَخْتُومَ الْعِتْقِ بِخَيْطٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ كَفِيلٌ، لِيَأْتِيَ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ، لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ عَلَى عَيْنِهِ، دُونَ حَلِيَّتِهِ. وَيَقْضِي لَهُ بِهِ. وَيَكْتُبُ لَهُ بِذَلِكَ كِتَابًا آخَرَ إلَى مَنْ أَنْفَذَ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ إلَيْهِ، لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى جَارِيَةً: سُلِّمَتْ إلَى أَمِينٍ يُوَصِّلُهَا. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَا ادَّعَاهُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ مُنْذُ تَسَلَّمَهُ. فَهُوَ فِيهِ كَالْغَاصِبِ سَوَاءٌ، فِي ضَمَانِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ وَمَنْفَعَتِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَكَمَغْصُوبٍ. لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا حَقٍّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يُرَدُّ نَفْعُهُ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِهَذَا فِي الشُّهُودِ عَلَيْهِ. فَيُتَوَجَّهُ مِثْلُهُ. فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ: أَوْلَى. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بِالْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بِالصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الصُّفَّةُ التَّامَّةُ. فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ: سَلَّمَهَا إلَى الْمُدَّعِي. وَلَا يُنْفِذُهَا إلَى الْكَاتِبِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَكْفِي الدَّعْوَى بِالْقِيمَةِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، عَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صِفَتُهُ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ: لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ. بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ، لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَلْ يَحْضُرُ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: إنْ كَتَبَ بِثُبُوتٍ، أَوْ إقْرَارٍ بِدَيْنٍ: جَازَ، وَحَكَمَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ. وَكَذَا عَيْنًا، كَعَقَارٍ مَحْدُودٍ، أَوْ عَيْنٍ مَشْهُورَةٍ لَا تَشْتَبِهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ: فَالْوَجْهَانِ. وَقَالَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ بِلَا حَاجَةٍ. قَالَ فِي الْمُنْتَقَى، فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: فِيهِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ: أَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ.

وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْخَصْمَيْنِ وَاسْمَ أَبَوَيْهِمَا وَجَدَّيْهِمَا وَحِلْيَتَهُمَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذِكْرِ جَدِّهِ: ذَكَرَ مَنْ يُعْرَفُ بِهِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي اسْمِ جَدِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ: لَمْ يُقْدَحْ فِي كِتَابِهِ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ. وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ كَمَا لَوْ فَسَقَ. فَيَقْدَحُ خَاصَّةً فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ. فَأَمَّا مَا حَكَمَ بِهِ: فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ. قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ " اُكْتُبْ لِي إلَى الْكَاتِبِ: أَنَّك حَكَمْت عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا " لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقِصَّةِ) . فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى: لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ الْكَاتِبُ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ، مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ. مِثْلُ: إنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ. فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ، أَوْ بَرَاءَتَهُ: لَزِمَهُ إجَابَتُهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ قَالَ " اشْهَدْ لِي عَلَيْك بِمَا جَرَى لِي عِنْدَك فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ: مِنْ حَقٍّ، وَإِقْرَارٍ، وَإِنْكَارٍ، وَنُكُولٍ وَيَمِينٍ، وَرَدِّهَا، وَإِبْرَاءٍ، وَوَفَاءٍ، وَثُبُوتٍ، وَحُكْمٍ، وَتَنْفِيذٍ، وَجَرْحٍ، وَتَعْدِيلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ " أَوْ " اُحْكُمْ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَكَ " لَزِمَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ سَأَلَهُ مَعَ الْإِشْهَادِ كِتَابَةَ مَا جَرَى، وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ إمَّا مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَلْزَمُهُ إنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ. الثَّانِيَةُ: مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى سِجِلًّا وَغَيْرُهُ يُسَمَّى مَحْضَرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَأَمَّا السِّجِلُّ: فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ.

وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّرْغِيبِ: الْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ: سِجِلٌّ. وَقِيلَ: هُوَ إنْفَاذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمُ بِهِ وَمَا سِوَاهُ: مَحْضَرٌ. وَهُوَ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِدُونِ حُكْمٍ. قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمَحْضَرِ (فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ) . هَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِغَيْرِ إقْرَارٍ. فَأَمَّا إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْإِقْرَارِ: لَمْ يَذْكُرْ " فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ ". وَقَوْلُهُ فِي صِفَةِ السِّجِلِّ (بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ) يَفْتَقِرُ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِهِمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِهِمَا بَلْ إلَى دَعْوَاهُمَا لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْبَاءُ بَاءَ السَّبَبِ، لَا الظَّرْفِ كَالْأُولَى. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ: هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ؟ . فَأَمَّا التَّزْكِيَةُ: فَلَا. قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِ بِإِقْرَارٍ وَلَا نُكُولٍ وَلَا رَدٍّ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

باب القسمة

[بَابُ الْقِسْمَة] قَوْلُهُ (وَقِسْمَةُ الْأَمْلَاكِ جَائِزَةٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ. وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ رَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا: كَالدُّورِ الصِّغَارِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْعَضَائِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ اللَّاتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ مُفْرَدَةٍ مِنْهَا، وَالْأَرْضُ الَّتِي فِي بَعْضِهَا بِئْرٌ، أَوْ بِنَاءٌ، وَنَحْوُهُ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ وَالتَّعْدِيلِ إذَا رَضُوا بِقِسْمَتِهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ: جَازَ) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَهَذِهِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ، لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ) . فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا " أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى. وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي " فَلَا إجْبَارَ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مَوَاضِعُ مُخْتَلِفَةٌ، إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا حَقَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ: جُمِعَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ كُلِّ مَكَان، وَأَخَذَهُ. فَإِذَا كَانَ لَهُ سَهْمٌ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى شُرَكَائِهِ وَافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِمْ: مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: الْبَيْعُ مَا فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ: فَهِيَ إفْرَازُ النَّصِيبَيْنِ، وَتَمْيِيزُ الْحَقَّيْنِ. وَلَيْسَتْ بَيْعًا.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: مَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إلَى الْبَيْعِ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي: أُجْبِرَ. فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِمَا وَقُسِّمَ الثَّمَنُ. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَحَنْبَلٌ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْفُصُولِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَلَامُ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَالْمَجْدَ: يَقْتَضِي الْمَنْعَ. وَكَذَا حُكْمُ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ فِي وَقْفٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَقْفِ. قَوْلُهُ (وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ) . يَعْنِي: قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ. (هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِالتَّسْوِيَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) . يَعْنِي: فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (أَوْ لَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ) . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ اعْتِبَارُ النَّفْعِ وَعَدَمُ نَقْصِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ انْتَفَعَ بِهِ. وَيُقَدَّمُ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي " بَابِ الشُّفْعَةِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخِرِ كَرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ. يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ بِقَسْمِهَا، وَيَتَضَرَّرُ الْآخَرُ فَطَلَبَ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ الْقَسْمَ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَيْهِ. وَإِنْ طَلَبَهُ الْآخَرُ: أُجْبِرَ الْأَوَّلُ) . هَذَا اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَنَصَرَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ طَلَبَهُ الْأَوَّلُ: أُجْبِرَ الْآخَرُ. وَإِنْ طَلَبَهُ الْمَضْرُورُ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ بُعْدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْقِسْمَةِ مِنْهُمَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالُوا: هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ. وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عُبَيْدٌ، أَوْ بَهَائِمُ، أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوُهَا. فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا أَعْيَانَا بِالْقِيمَةِ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ أَمْ لَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْمَذْهَبُ: إنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ أُجْبِرَ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ فِي الْمَنْصُوصِ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. فَائِدَةٌ: الْآجُرُّ وَاللَّبِنُ الْمُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ: مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ. وَالْمُتَفَاوِتُ: مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ: لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهِ فَإِنْ اسْتُهْدِمَ) . يَعْنِي: حَتَّى بَقِيَ عَرْصَةً. (لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَسْمِ عَرْصَتِهِ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ طَلَبَ قِسْمَتَهَا طُولًا، بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ الطُّولِ فِي كَمَالِ الْعَرْضِ: أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ. وَإِنْ طَلَبَ قِسْمَتَهَا عَرْضًا، وَكَانَتْ تَسَعُ حَائِطَيْنِ: أُجْبِرَ، وَإِلَّا فَلَا وَنَسَبَهُ فِي الْفُرُوعِ إلَى الْقَاضِي فَقَطْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: وَلَا إجْبَارَ فِي حَائِطٍ، إلَّا أَنْ يَتَّسِعَ لِحَائِطَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْحَائِطِ: لَا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِهَا بِحَالٍ. وَقَالَ فِي الْعَرْصَةِ: كَقَوْلِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا إجْبَارَ فِي الْحَائِطِ وَالْعَرْصَةِ، إلَّا فِي قِسْمَةِ الْعَرْصَةِ طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ خَاصَّةً. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ فِي هَذَا، فَقِيلَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا يَلِيه

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْمُغْنِي، الشَّرْحُ: وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَا يُمْكِنُ بِنَاءُ حَائِطِهِ فِيهِ: أُجْبِرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ. لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الْآخِرِ. انْتَهَيَا وَقِيلَ: بِالْقُرْعَةِ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ. فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا. لِأَحَدِهِمَا الْعُلْوُ، وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ: لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا) بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا لَوْ طَلَبَ قِسْمَةَ السُّفْلِ دُونَ الْعُلْوِ، أَوْ الْعَكْسَ، أَوْ قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا مَعًا، وَلَا ضَرَرَ: وَجَبَ. وَعُدِّلَ بِالْقِيمَةِ. لَا ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلْوٍ. وَلَا ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنَافِعُ: لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالسَّبْعِينَ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَالْقِسْمَةِ، بِأَنَّ الْقِسْمَةَ: إفْرَازُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ.

وَالْمُهَايَأَةُ: مُعَاوَضَةٌ حَيْثُ كَانَتْ اسْتِيفَاءً لِلْمَنْفَعَةِ مِنْ مِثْلِهَا فِي زَمَنٍ آخَرَ. وَفِيهَا تَأْخِيرُ أَحَدِهِمَا عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ. وَعَنْهُ: يُجْبَرُ. وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: يُجْبَرُ فِي الْقِسْمَةِ بِالْمَكَانِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ. وَلَا يُجْبَرُ بِقِسْمَةِ الزَّمَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهَا كَذَلِكَ، أَوْ عَلَى قَسْمِ الْمَنَافِعِ بِالْمُهَايَأَةِ: جَازَ) . إذَا اقْتَسَمَا الْمَنَافِعَ بِالزَّمَانِ، أَوْ الْمَكَانِ: صَحَّ. وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالتَّرْغِيبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: لُزُومَهُ إنْ تَعَاقَدَا مُدَّةً مَعْلُومَةً. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَنَافِعِ دَارٍ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُهُمْ عَلَى قَسْمِهَا بِالْمُهَايَأَةِ، أَوْ يُؤَجِّرُهَا عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: لَازِمًا بِالْمَكَانِ مُطْلَقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ: فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ: غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَنْفَسِخُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الدُّورُ، وَيَسْتَوْفِي كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ. انْتَهَى. وَلَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا نَوْبَتَهُ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْمَنَافِعُ فِي مُدَّةِ الْآخَرِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ

الْقَبْضِ: فَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ بِبَدَلِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِمَنْفَعَتِهِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ انْتَقَلَتْ كَانْتِقَالِ مِلْكِ وَقْفٍ فَهَلْ تَنْتَقِلُ مَقْسُومَةً، أَمْ لَا؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ كَانَتْ إلَى مُدَّةٍ: لَزِمَتْ الْوَرَثَةَ وَالْمُشْتَرِيَ. قَالَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَيْضًا: مَعْنَى الْقِسْمَةِ هُنَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ. وَقَدْ يُقَالُ: يَجُوزُ التَّبْدِيلُ كَالْحَبِيسِ وَالْهَدْيِ. وَقَالَ أَيْضًا: صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إذَا كَانَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ: فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُنَاقَلَةِ الْمَنَافِعِ وَبَيْنَ تَرْكِهَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ، بِلَا مُنَاقَلَةٍ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَا ذَكَرَ شَيْخُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ: وَكَذَا إنْ تَهَايَئُوا. وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ، فِيمَنْ وَقَفَ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ، فَأَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَيْعَ نَصِيبِهِ، كَيْفَ بِيعَ؟ قَالَ: يُفْرِزُ الثُّلُثَ مِمَّا لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ شَاءُوا بَاعُوا أَوْ تَرَكُوا الثَّانِيَةُ: نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ: مُدَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ.

وَإِنْ نَقَصَ الْحَادِثُ عَنْ الْعَادَةِ، فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ ذَاتُ زَرْعٍ. فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا دُونَ الزَّرْعِ الْمَيِّتِ: قُسِمَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُسِمَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا مَعَ الزَّرْعِ: لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِير، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي: يُجْبَرُ، سَوَاءٌ اشْتَدَّ حَبُّهُ، أَوْ كَانَ قَصِيلًا. لِأَنَّ الزَّرْعَ كَالشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ، وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ، لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اشْتَدَّ الْحَبُّ. لِتَضَمُّنِهِ بَيْعَ السُّنْبُلِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ إذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ. لِأَنَّ السَّنَابِلَ هُنَا دَخَلَتْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ. وَلَيْسَتْ الْمَقْصُودَةُ. فَأَشْبَهَ النَّخْلَةَ الْمُثْمِرَةَ بِمِثْلِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ، أَوْ قَطِينٌ: جَازَ وَإِنْ

كَانَ بَذْرًا، أَوْ سَنَابِلَ قَدْ اشْتَدَّ حَبُّهَا. فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُذْهَبِ أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَمْ يَجُزْ. فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ مَعَ تَرَاضِيهِمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي السَّنَابِلِ. وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَذْرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي فِي السَّنَابِلِ. وَقَدَّمَ فِي الْبَذْرِ: لَا يَجُوزُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ: هَلْ هِيَ إفْرَازٌ، أَوْ بَيْعٌ؟ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ، أَوْ عَيْنٌ يَنْبُعُ مَاؤُهَا: فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَاهُ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَسْمِهِ بِالْمُهَايَأَةِ) بِزَمَنٍ (جَازَ. وَإِنْ أَرَادَا: قَسْمَ ذَلِكَ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ، أَوْ حَجَرٍ غَبَن فِي مَصْدَمِ الْمَاءِ. فِيهِ ثُقْبَانِ عَلَى قَدْرِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: جَازَ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. وَتَقَدَّمَ هَذَا وَغَيْرُهُ، فِي " بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ " فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ بِنَصِيبِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ: جَازَ)

هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ. وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا: أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ. وَيَنْتَفِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، إذَا قُلْنَا: لَا يُمْلَكُ الْمَاءُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " كِتَابِ الْبَيْعِ ". وَذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هَذَا فِي " بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ". وَفُرُوعٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ. فَلْيُعَاوَدْ قَوْلُهُ (النَّوْعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ. وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا، وَلَا رَدُّ عِوَضٍ كَالْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ، وَالْقُرَى، وَالْبَسَاتِينِ، وَالدُّورِ الْكِبَارِ، وَالدَّكَاكِينِ الْوَاسِعَةِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ كَالدِّبْسِ وَخَلِّ التَّمْرِ، أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ. كَخَلِّ الْعِنَبِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْأَلْبَانِ وَنَحْوِهَا) بِلَا نِزَاعٍ.

وَقَوْلُهُ (فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهُ، وَأَبَى الْآخَرُ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا يُجْبَرُ وَلِيُّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقِسْمَةِ. لَكِنْ مَعَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ: هَلْ يَقْسِمُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا مُطْلَقَيْنِ فِي الْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: يَقْسِمُهُ الْحَاكِمُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَلِيِّ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَقْسِمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ. وَكَذَا فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَقْسِمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ: جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ: وَوَلِيُّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ: كَهُوَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْسِمُهُ مَعَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مِثْلِيًّا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ، إذَا امْتَنَعَ الْآخَرُ أَوْ غَابَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي.

لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا بَيْعًا، وَإِذْنُ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ النِّزَاعَ، وَالثَّانِي لَا يَقْسِمُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَسْمِ الْإِجْبَارِ يَقْسِمُ الْحَاكِمُ إنْ ثَبَتَ مِلْكُهَا عِنْدَهُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ. وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِخَطِّهِ مُلْحَقًا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ. مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَبَيْعِ مَرْهُونٍ، وَعَبْدٍ جَانٍ. وَقَالَ: كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْعِ مَا لَا يُقْسَمُ وَقُسِمَ ثَمَنُهُ: عَامٌّ فِيمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمَا، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ، كَجَمِيعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُبَاعُ. قَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا: هَلْ يُزَوِّجُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ؟ وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِسَهْمٍ مِنْ ضَيْعَةٍ بِيَدِ قَوْمٍ فَهَرَبُوا مِنْهُ يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ حَقَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْغَائِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى. وَهُوَ مُوَافِقٌ لَمَا يَأْتِي فِي الدَّعْوَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ قِسْمَةَ إجْبَارٍ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: بَلْ مَعَ وَكِيلِهِ فِيهَا الْحَاضِرِ. وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي عَقَارٍ بِيَدِ غَائِبٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَرْيَةٍ مُشَاعَةٍ، قَسَمَهَا فَلَّاحُوهَا هَلْ

يَصِحُّ؟ قَالَ: إذَا تهايئوها، وَزَرَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ: فَالزَّرْعُ لَهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصِيبُهُ، إلَّا أَنَّ مَنْ تَرَكَ نَصِيبَ مَالِكِهِ: فَلَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْفَضْلَةِ أَوْ مُقَاسَمَتُهَا. قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَلَيْسَتْ بَيْعًا) وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، كَمَا قَالَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ. وَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَعَ فِي تَعَالِيقِ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ بَطَّةَ: أَنَّهُ مَنَعَ قِسْمَةَ الثِّمَارِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا خَرْصًا. وَأَخَذَ مِنْ هَذَا: أَنَّهَا عِنْدَهُ بَيْعٌ. انْتَهَى. وَحَكَى الْآمِدِيُّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِيمَا فِيهِ رَدٌّ: أَنَّهُ بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدَّ، وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي. لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي قِسْمَةِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْفِ: إذَا كَانَ فِيهَا رَدٌّ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْوَقْفِ: جَازَ. لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ الطَّلْقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ الطَّلْقِ: لَمْ يَجُزْ. انْتَهَى وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ

فوائد قسم الوقف

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا هُنَا، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ. [فَوَائِدَ قَسْمُ الْوَقْفِ] ذَكَرُوا فَوَائِدَ أُخَرَ. فَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ الْوَقْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَعْنِي: بِلَا رَدِّ عِوَضٍ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَلْ يَجُوزُ قِسْمَتُهُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَإِفْرَازِ الطَّلْقِ مِنْ الْوَقْفِ. وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قُلْت: وَفِي غَيْرِهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ: فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا كَانَ وَقْفًا عَلَى جِهَتَيْنِ، لَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ. نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. انْتَهَى. قُلْت: تَقَدَّمَ لَفْظُهُ قِيلَ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهَا كَذَلِكَ " فَلْيُرَاجَعْ. وَكَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ هُنَاكَ أَيْضًا. وَمِنْهَا: إذَا كَانَ نِصْفُ الْعَقَارِ طَلْقًا، وَنِصْفُهُ وَقْفًا: جَازَتْ قِسْمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ بِلَا رَدٍّ مِنْ رَبِّ الطَّلْقِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَيْهِمَا: إنْ كَانَ الرَّدُّ مِنْ رَبِّ الْوَقْفِ لِرَبِّ الطَّلْقِ: جَازَتْ قِسْمَتُهُ بِالرِّضَى فِي الْأَصَحِّ. انْتَهَى

وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ: لَمْ يَجُزْ. وَمِنْهَا: جَوَازُ قِسْمَةِ الثِّمَارِ خَرْصًا، وَقِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَزْنًا، وَمَا يُوزَنُ كَيْلًا، وَتَفَرُّقِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهِمَا، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِي جَوَازِ الْقِسْمَةِ بِالْخَرْصِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَاسَمُوا عَلَى الشَّجَرِ قَبْلَ صَلَاحِهِ، بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. انْتَهَى. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَمِنْهَا: إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَقَاسَمَ: لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَحْنَثُ إنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَقَدْ يُقَالُ: الْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ. وَلَا تُسَمَّى الْقِسْمَةُ بَيْعًا فِي الْعُرْفِ. فَلَا يَحْنَثُ بِهَا وَلَا بِالْحَوَالَةِ وَالْإِقَالَةِ وَإِنْ قِيلَ هِيَ بُيُوعٌ. وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ. فَاشْتَرَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو طَعَامًا مَشَاعًا وَقُلْنَا: يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَتَقَاسَمَاهُ، ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ مِنْ نَصِيبِ عَمْرٍو. فَذَكَرَ الْآمِدِيُّ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ حَقٍّ لَا بَيْعٌ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَحْنَثُ مُطْلَقًا. لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ اشْتَرَاهُ. وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِأَكْلِ مَا أَشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْمُغْنِي احْتِمَالٌ: لَا يَحْنَثُ هُنَا. وَعَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ

وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَاشِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، فَاقْتَسَمَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَاسْتَدَامَا الْمِقْطَعَ الْأَوْصَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ: لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: خَرَجَ عَلَى بَيْعِ الْمَاشِيَةِ بِجِنْسِهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ: هَلْ يَقْطَعُهُ أَمْ لَا؟ وَمِنْهَا: إذَا تَقَاسَمَا وَصَرَّحَا بِالتَّرَاضِي، وَاقْتَصَرَا عَلَى ذَلِكَ. إنْ قُلْنَا: إفْرَازٌ صَحَّتْ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ فَوَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَكَأَنَّ مَأْخَذَهُمَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَصِحَّ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَاهَا فِي التَّلْخِيصِ بِاشْتِرَاطِ لَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الْمَرْهُونِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِهِ مُشَاعًا. إنْ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازٌ: صَحَّتْ وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: لَمْ تَصِحَّ. وَلَوْ اسْتَقَرَّ بِهَا الْمُرْتَهِنُ، بِأَنْ رَهَنَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ حَقٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ ثُمَّ اقْتَسَمَا فَحَصَلَ الْبَيْتُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِقْرَارِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: يُمْنَعُ مِنْهُ. وَمِنْهَا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: إفْرَازٌ: لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا خِيَارٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: ثَبَتَ. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَفِيهِ مَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ. فَأَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ: فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ، عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. وَمِنْهَا: ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بِالْقِسْمَةِ. وَفِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: بِنَاؤُهُ عَلَى الْخِلَافِ. إنْ قُلْنَا: إفْرَازٌ: لَمْ يَثْبُتْ، وَإِلَّا ثَبَتَ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي " بَابِ الرِّبَا " وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يُوجِبُ الشُّفْعَةَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ. لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ. فَيَتَنَافَيَانِ. قُلْت: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الصَّوَابُ. وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ اللَّحْمَ. فَإِنْ قُلْنَا: إفْرَازُ حَقٍّ: جَازَ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: لَمْ يَجُزْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قُلْت: لَوْ قِيلَ بِالْجَوَازِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، لَكَانَ أَوْلَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ.

وَمِنْهَا: لَوْ ظَهَرَ فِي الْقِسْمَةِ غَبْنٌ فَاحِشٌ. فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازٌ: لَمْ تَصِحَّ. لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْإِفْرَازِ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ: صَحَّتْ. وَثَبَتَ خِيَارُ الْغَبْنِ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ. وَمِنْهَا: إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَزَوْجَتُهُ حَامِلٌ وَقُلْنَا: لَهَا السُّكْنَى فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ قِسْمَةَ الْمَسْكَنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهَا، بِأَنْ يُعَلِّمُوا الْحُدُودَ بِخَطٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ وَلَا بِنَاءٍ. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَبْنِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِسْمَةِ. مَعَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَسْكَنِ فِي هَذِهِ الْحَالِ. لِجَهَالَةِ مُدَّةِ الْحَمْلِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيهِ حُكْمًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا يُغْتَفَرُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: مَتَى قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ، وَأَنَّ بَيْعَ هَذَا الْمَسْكَنِ يَصِحُّ: لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ. قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ. وَمِنْهَا: قِسْمَةُ الدَّيْنِ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الشَّرِكَةِ " فِي أَثْنَاءِ شَرِكَةِ الْعَنَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ تَقَاسَمَا الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ ". وَمِنْهَا: قَبْضُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ الْمِثْلِيِّ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ أَوْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِذْنِ بِدُونِ إذْنِ حَاكِمٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَهُمَا عَلَى قَوْلِنَا: هِيَ إفْرَازٌ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: لَمْ يَجُزْ وَجْهًا وَاحِدًا. فَأَمَّا غَيْرُ الْمِثْلِيِّ: فَلَا يُقْسَمُ إلَّا مَعَ الشَّرِيكِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.

وَمِنْهَا: لَوْ اقْتَسَمَا أَرْضًا، أَوْ دَارَيْنِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ، أَوْ إحْدَى الدَّارَيْنِ بَعْدَ الْبِنَاءِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَمِنْهَا: لَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَمِنْهَا: لَوْ اقْتَسَمَا دَارًا، فَحَصَلَ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا. وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْفَذٌ. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَنْصِبُوا قَاسِمًا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ. وَأَنْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ نَصْبَ قَاسِمٍ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ مَنْ يُنْصَبُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ) . وَكَذَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: يَعْرِفُ الْحِسَابَ. لِأَنَّهُ كَالْخَطِّ لِلْكَاتِبِ وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَالتَّرْغِيبِ: تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ قَاسِمِهِمْ، لِلُّزُومِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ قَاسِمِهِمْ وَمَعْرِفَتُهُ، لِلُّزُومِ. وَقِيلَ: إنْ نَصَبُوا غَيْرَ عَدْلٍ صَحَّ. قَوْلُهُ (فَمَتَى عُدِّلَتْ السِّهَامُ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ: لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَلْزَمَ فِيمَا فِيهِ رَدٌّ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، حَتَّى يَرْضَيَا بِذَلِكَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُ فِيمَا فِيهِ رَدُّ حَقٍّ، أَوْ ضَرَرٌ، إلَّا بِالرِّضَا بَعْدَهَا. وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالرِّضَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالرِّضَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ. إنْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلِلشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةُ بِأَنْفُسِهِمْ. وَلَا تَلْزَمُ بِدُونِ رِضَاهُمْ. وَيُقَاسِمُ عَالِمٌ بِهَا يَنْصِبُونَهُ. فَإِنْ كَانَ عَدْلًا: لَزِمَتْ قِسْمَتُهُ بِدُونِ رِضَاهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، أَوْ بِعَدْلٍ عَارِفٍ بِالْقِسْمَةِ يَنْصِبُهُ حَاكِمٌ بِطَلَبِهِمْ. وَتَلْزَمُ قِسْمَتُهُ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا. وَمَعَ الرَّدِّ فِيهَا وَجْهَانِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: لَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ: لَزِمَ بِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقِهِمَا. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ: لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُجْزِي قَاسِمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ خَلَتْ مِنْ تَقْوِيمٍ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: تُبَاحُ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: هِيَ كَقُرْبَةٍ. نَقَلَ صَالِحٌ: أَكْرَهُهُ. وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَتَوَقَّاهُ وَالْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا أَطْلَقَ الشُّرَكَاءُ الْعَقْدَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ بِالِاسْتِئْجَارِ بِلَا إذْنٍ. وَقِيلَ: بِعَدَدِ الْمُلَّاكِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ: أُجْرَةُ شَاهِدٍ يَخْرُجُ لِقِسْمِ الْبِلَادِ، وَوَكِيلٍ، وَأَمِينٍ لِلْحِفْظِ: عَلَى مَالِكٍ. وَفَلَّاحٍ كَأَمْلَاكٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ: فَإِذَا مَا نَهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَسْتَحِقُّهُ الضَّيْفُ: حَلَّ لَهُمْ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا قَدْرَ عَمَلِهِ بِالْمَعْرُوفِ. وَالزِّيَادَةِ يَأْخُذُهَا الْمُقْطِعُ. فَالْمُقْطِعُ: هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْفَلَّاحِينَ. فَإِذَا أَعْطَى الْوَكِيلُ الْمُقْطِعَ مِنْ الضَّرِيبَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ إلَّا أُجْرَةَ عَمَلِهِ: جَازَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَجْرِ الْقَسَّامِ فَقَالَ قَوْمٌ: عَلَى الْمُزَارِعِ. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِمَا. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (فَإِذَا سَأَلُوا الْحَاكِمَ قِسْمَةَ عَقَارٍ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَهُمْ: قَسَمَهُ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: أَنَّ قَسْمَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِمَا بِإِقْرَارِهِمَا، لَا عَلَى غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ (وَيُعَدِّلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ. بِالْأَجْزَاءِ إنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً، وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً، وَبِالرَّدِّ إنْ كَانَتْ تَقْتَضِيه. ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ. فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ: صَارَ لَهُ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. قَوْلُهُ (وَكَيْفَمَا أَقْرَعَ: جَازَ. إلَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ: أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ يُدْرِجَهَا فِي بَنَادِقِ شَمْعٍ، أَوْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ. وَتُطْرَحُ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ. فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ: كَانَ لَهُ ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ. وَالسَّهْمُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَسِهَامُهُمْ مُتَسَاوِيَةً. وَإِنْ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ فِي رُقْعَةٍ، وَقَالَ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً بِاسْمِ فُلَانٍ، وَأَخْرِجْ الثَّانِيَةَ بِاسْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثَةَ لِلثَّالِثِ: جَازَ) . وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ فِي هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا فِي الْقُرْعَةِ: أَنْ يَكْتُبَ رِقَاعًا مُتَسَاوِيَةً بِعَدَدِ السِّهَامِ. وَهُوَ هَهُنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ السِّهَامَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، أَوْ يُخْرِجَ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّ الْبَنَادِقَ تُجْعَلُ طِينًا، وَتُطْرَحُ فِي مَاءٍ. وَيُعَيِّنُ وَاحِدًا. فَأَيُّ الْبَنَادِقِ انْحَلَّ الطِّينُ عَنْهَا، وَخَرَجَتْ رُقْعَتُهَا عَلَى الْمَاءِ: فَهِيَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ. فَإِنْ خَرَجَ اثْنَانِ مَعًا: أُعِيدَ الْإِقْرَاعُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً، كَثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ. فَإِنَّهُ يُجَزِّئُهَا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، وَتَخْرُجُ الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ لَا غَيْرُ. فَيَكْتُبُ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةً، وَبِاسْمِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ اثْنَيْنِ، وَبِاسْمِ صَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةً. وَيُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ: أَخَذَهُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ: أَخَذَهُ وَالثَّانِي، ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكْتُبُ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةً، وَبِاسْمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَيْنِ، وَبِاسْمِ صَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةً. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ

وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنْ يَكْتُبَ بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ أَيْضًا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا قُرْعَةَ فِي مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، لَا لِلِابْتِدَاءِ. فَإِنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الْأَكْثَرِ: أَخَذَ كُلَّ حَقِّهِ. فَإِنْ تَعَدَّدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ تَوَجَّهَ: وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً، وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ مُتَسَاوِيَةً. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً. وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ مُتَسَاوِيَةً. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةُ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً. وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ مُخْتَلِفَةً. الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً، وَالْقِيمَةُ مُخْتَلِفَةً. فَأَمَّا الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي: فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً وَالْقِيمَةُ مُخْتَلِفَةً فَإِنَّ الْأَرْضَ تُعَدَّلُ بِالْقِيمَةِ، وَتُجْعَلُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ. وَيَفْعَلُ فِي إخْرَاجِ السِّهَامِ مِثْلَ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ السِّهَامُ وَالْقِيمَةُ فَإِنَّ الْقَاسِمَ يُعَدِّلُ السِّهَامَ بِالْقِيمَةِ. وَيَجْعَلُهَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيَمِ. ثُمَّ يُخْرِجُ الرِّقَاعَ فِيهَا الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ، كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ هُنَا بِالْقِيَمِ، وَهُنَاكَ بِالْمِسَاحَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَشْهَدُوا عَلَى تَرَاضِيهِمْ بِهِ: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ)

وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ التَّنْبِيهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَرْسِلًا. زَادَ فِي الْكُبْرَى: أَوْ مَغْبُونًا بِمَا لَا يُتَسَامَحُ بِهِ عَادَةً أَوْ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالسُّدُسِ، كَمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِمِ: فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكَرِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُهُمْ الَّذِي نَصَّبُوهُ، وَكَانَ فِيمَا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ: لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَقَاسَمُوا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ: بَطَلَتْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهَادِي وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَمِنْ الْفَوَائِدِ: لَوْ اقْتَسَمَا دَارًا نِصْفَيْنِ ظَهَرَ بَعْضُهَا مُسْتَحَقًّا فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ: انْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ لِفَسَادِ الْإِفْرَازِ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: لَمْ تَنْتَفِضْ، وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ فِي الْمُسْتَحَقِّ كَمَا إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَبَانَ بَعْضُهَا مُسْتَحَقًّا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ. وَحَكَى فِي الْفَوَائِدِ عَنْ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ حَكَى فِيهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ يُخَالِفُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْ الْحِصَّتَيْنِ، وَكَانَ مُعَيَّنًا: لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَقِيَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، إذَا قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِيهَا. فَهَلْ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: بَطَلَتْ، فِي الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَبْطُلُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُشَاعًا فِي أَحَدِهِمَا، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ هُنَا وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْقَوَاعِدِ: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِسْمَةِ إفْرَازٌ وَبَيْعٌ. وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ. الثَّانِيَةُ: قَالَ الْمَجْدُ: الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فَرْعٌ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: لَا تَتَفَرَّقُ هُنَاكَ: بَطَلَتْ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْبُلْغَةِ: إذَا ظَهَرَ بَعْضُ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا: نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ. وَإِنْ ظَهَرَتْ حِصَّتُهُمَا عَلَى اسْتِوَاءِ النِّسْبَةِ، وَكَانَ مُعَيَّنًا: لَمْ تُنْقَضْ إذَا عَلَّلْنَا فَفَسَادُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِالْجَهَالَةِ. وَإِنْ عَلَّلْنَاهُ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ: بَطَلَتْ. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُشَاعًا: انْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ فِي الْجَمِيعِ. عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارَيْنِ قِسْمَةَ تَرَاضٍ. فَبَنَى أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ خَرَجَتْ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً، وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ: رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) .

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: قَالَ شَيْخُنَا: يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الشَّارِحُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَحَكَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي. وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَنَصَرَهُ. قَالَ: هَذِهِ قِسْمَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. فَإِنَّ الدَّارَيْنِ لَا يُقْسَمَانِ قِسْمَةَ إجْبَارٍ، وَإِنَّمَا يُقْسَمَانِ بِالتَّرَاضِي فَتَكُونُ جَارِيَةً مَجْرَى الْبَيْعِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ جَارِيَةً مَجْرَى الْبَيْعِ. وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي كَالَّتِي فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ، وَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِ لِضَرَرٍ فِيهِ. فَأَمَّا قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ: إذَا ظَهَرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِيهِ: فَنَقْضُ الْبِنَاءِ وَقَلْعُ الْغِرَاسِ. فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ: فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بَيْعًا: لَمْ يَرْجِعْ بِهِ. هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: إذَا اقْتَسَمَا أَرْضًا. فَبَنَى أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَغَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ فَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ. فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازُ حَقٍّ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ: رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ النَّقْصِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ دُونَهُ. وَقَالَ: ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ. فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا، فَقَلَعَ: رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ.

وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ كَقِسْمَةِ تَرَاضٍ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ رُجُوعَهُ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. انْتَهَى. قَالَ النَّاظِمُ: وَإِنْ بَانَ فِي الْإِجْبَارِ لَمْ يَغْرَمْ الْبِنَا ... وَلَا الْغَرْسَ إذَا هِيَ مَيْزُ حَقٍّ بِأَجْوَدَ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا لَمْ يَرْجِعْ حَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْعًا فَلَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْغُرُورِ، إذَا اقْتَسَمَا الْجَوَارِي أَعْيَانًا. وَعَلَى هَذَا: فَاَلَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِهِ يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. وَهُنَا احْتِمَالَاتٌ. أَحَدُهَا: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ. الثَّانِي: الْفَرْقُ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ: إلْحَاقُ مَا كَانَ مِنْ الْقِسْمَةِ بَيْعًا بِالْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ: فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ) يَعْنِي: إذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ. وَلَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ. هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ الْقِسْمَةُ. لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيهَا شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ. فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازُ حَقٍّ: لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ: انْبَنَى عَلَى

بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ: هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . اعْلَمْ أَنَّا إذَا قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ. فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ: انْبَنَى عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ: هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ قَضَى. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: الصِّحَّةُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ: أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. فَعَلَيْهِ: يَصِحُّ الْعِتْقُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ: لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِ الْوَرَثَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ تَبَعٌ لِتَصَرُّفِ الْمَوْرُوثِ فِي مَرَضِهِ. وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى قَوْلِنَا: إنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرِكَةِ فِي الْمَرَضِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّمَاءُ لِلْوَارِثِ كَنَمَاءِ جَانٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لَا كَمَرْهُونٍ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: النَّمَاءُ تَرِكَةٌ.

وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: مَنْ أَدَّى نَصِيبَهُ مِنْ الدَّيْنِ: انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْهَا كَجَانٍ. فَائِدَةٌ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ نَقْلَ تَرِكَتِهِ إلَى الْوَرَثَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ الْمَذْهَبُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْمُفْلِسَ إذْ مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ. لِأَنَّ الْمَالَ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ الِانْتِقَالُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: يَمْنَعُ الدَّيْنُ نَقْلَهَا بِقَدْرِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يَرِثُونَ شَيْئًا حَتَّى يُؤَدُّوهُ. وَذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ. وَصَحَّحَ النَّاظِمُ الْمَنْعَ. وَنَصَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَتَقَدَّمَ فَوَائِدُ الْخِلَافِ فِي (بَابِ الْحَجْرِ) بَعْدَ قَوْلِهِ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ) وَهِيَ فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ، فَلْتُرَاجَعْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالرِّوَايَتَانِ فِي وَصِيَّةٍ بِمُعَيَّنٍ. وَنَصَّ فِي الِانْتِصَارِ: عَلَى الْمَنْعِ. وَذَكَرَهُ عَلَيْهِ: إذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ، أَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَجْهُولٍ مَنْعًا. ثُمَّ سَلَّمَ لِتَعَلُّقِ الْإِرْثِ بِكُلِّ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِهِمَا. فَلَا مُزَاحَمَةَ. وَذَكَرَ مَنْعًا وَتَسْلِيمًا: هَلْ لِلْوَارِثِ وَالدَّيْنُ مُسْتَغْرِقٌ الْإِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهَا؟ .

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفَائِدَتُهُ: أَنَّ لَهُمْ أَدَاءَهُ وَقِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَكَذَا حُكْمُ مَالِ الْمُفْلِسِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: ظَاهِرُ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: اعْتِبَارُ كَوْنِ الدَّيْنِ مُحِيطًا بِالتَّرِكَةِ حَيْثُ فَوَّضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِقَال، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا. ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الشُّفْعَةِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ أَيْضًا: تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ، وَهَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَهَلْ هُوَ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ أَوْ الرَّهْنِ؟ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ. وَصَرَّحَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. قَالَ: وَيُفَسَّرُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ وَبِكُلِّ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا. فَلَا يُنْقَلُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَ الدَّيْنَ كُلَّهُ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، إذَا كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا. قَالَ: وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً: انْقَسَمَ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَصِ. وَتَتَعَلَّقُ كُلُّ حِصَّةٍ مِنْ الدَّيْنِ بِنَظِيرِهَا مِنْ التَّرِكَةِ وَبِكُلِّ جَزْءٍ مِنْهَا. فَلَا يَنْفُذُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَ جَمِيعَ تِلْكَ الْحِصَّةِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ، أَمْ لَا. صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فِي الْمُفْلِسِ. الثَّانِي: أَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ. وَيَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ. وَهَلْ هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ

أَوْ انْتَقَلَ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ، أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا غَيْرُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْأَدَمِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِحَالَةِ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ لِمُطَالَبَةِ الْوَرَثَةِ بِالتَّوْثِقَةِ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى. التَّفْسِيرُ الثَّالِثُ مِنْ تَفْسِيرِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ: أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ. وَهَلْ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالْمَالِ مِنْ حِينِ الْمَرَضِ، أَمْ لَا؟ تَرَدَّدَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي " بَابِ الْحَجْرِ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا اقْتَسَمَا، فَحَصَلَتْ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ: بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ) . لِعَدَمِ التَّعْدِيلِ وَالنَّفْعِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَخَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا: أَنَّهَا تَصِحُّ وَيَشْتَرِكَانِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي مَسِيلِ الْمَاءِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ: بَطَلَتْ: وَإِنْ قُلْنَا

بَيْعٌ: صَحَّتْ، وَلَزِمَ الشَّرِيكُ تَمْكِينَهُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ. بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: إذَا بَاعَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ دَارِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ طَرِيقًا: صَحَّ الْبَيْعُ، وَاسْتَتْبَعَ طَرِيقَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقَ فِي الْقِسْمَةِ: صَحَّ قَالَ الْمَجْدُ: هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِنَا فِي جَوَازِ بَيْعٍ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: يُفْسَخُ بِعَيْبٍ، وَسَدُّ الْمَنْفَذِ عَيْبٌ. فَوَائِدُ الْأُولَى: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ حَصَلَ طَرِيقُ الْمَاءِ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ: هُوَ لَهُمَا مَا لَمْ يَشْتَرِطَا رَدَّهُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَالْمُصَنِّفُ: قَاسَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى عَلَى هَذِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّخْرِيجِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي مَجْرَى الْمَاءِ: لَا يُغَيَّرُ مَجْرَى الْمَاءِ. وَلَا يَضُرُّ بِهَذَا، إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ لَهُ النَّفَقَةَ حَتَّى يُصْلِحَ لَهُ الْمَسِيلَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ لِلدَّارِ ظُلَّةٌ، فَوَقَعَتْ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا: فَهِيَ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ: أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ سَهْمِي: تَحَالَفَا وَنُقِضَتْ الْقِسْمَةُ. الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قَسْمُ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَعَ شَرِيكِهِ) بِلَا نِزَاعٍ. وَيُجْبَرَانِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ. وَلَهُمَا أَنْ يُقَاسِمَا قِسْمَةَ التَّرَاضِي إنْ رَأَيَا الْمَصْلَحَةَ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا إذَا غَابَ الْوَلِيُّ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ: هَلْ يَقْسِمُ الْحَاكِمُ؟ وَتَقَدَّمَ: إذَا غَابَ أُحُدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي " فَصْلِ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الدعاوى والبينات

[بَابُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ] ِ فَائِدَةٌ: وَاحِدُ الدَّعَاوَى: دَعْوَى. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: إضَافَةُ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ شَيْئًا: مِلْكًا، أَوْ اسْتِحْقَاقًا أَوْ صِفَةً، وَنَحْوَهُ. وَفِي الشَّرْعِ: إضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الدَّعْوَى: الطَّلَبُ. {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] زَادَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ: زَاعِمًا مِلْكَهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: هِيَ طَلَبُ حَقٍّ مِنْ خَصْمٍ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَإِخْبَارُهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَطَلَبُهُ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: هِيَ إخْبَارُ خَصْمٍ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ كَوَصِيَّةٍ وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ، أَوْ عِنْدَهُ لَهُ، أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، أَوْ تَوْكِيلِهِ، أَوْ لِلَّهِ حِسْبَةً، يَطْلُبُهُ مِنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ. قَوْلُهُ (الْمُدَّعِي: مَنْ إذَا سَكَتَ تُرِكَ. وَالْمُنْكِرُ: مَنْ إذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْمُدَّعِي مَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَعَكْسُهُ الْمُنْكِرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَقِيلَ: الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ بِقَوْلِهِ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ. وَإِثْبَاتَ حَقٍّ فِي ذِمَّتِهِ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ: مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ.

وَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا، وَالْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ عَلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ. بِأَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعَقْدِ. فَيَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّ الثَّمَنَ غَيْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُهُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ إذَا سَكَتَ تُرِكَ مَعَ إمْكَانِ صِدْقِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ. وَقِيلَ: الْمُدَّعِي: هُوَ الطَّالِبُ. وَالْمُنْكِرُ: هُوَ الْمَطْلُوبُ. وَقِيلَ: الْمُدَّعِي: مَنْ يَدَّعِي أَمْرًا بَاطِنًا خَفِيًّا. وَالْمُنْكِرُ: مَنْ يَدَّعِي أَمْرًا ظَاهِرًا جَلِيًّا. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ. وَأَكْثَرُهَا يَعُودُ إلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ: لَوْ قَالَ الزَّوْجُ " أَسْلَمْنَا مَعًا. فَالنِّكَاحُ بَاقٍ " وَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ: أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، فَلَا نِكَاحَ. فَالْمُدَّعِي: هِيَ الزَّوْجَةُ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَدُّ الْأَوَّلُ فِيهِ نَظَرٌ. لِأَنَّ كُلَّ سَاكِتٍ لَا يُطَالِبُ بِشَيْءٍ. فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ. وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ. فَيُتْرَكُ مَعَ قِيَامِ الدَّعْوَى. فَتَعْرِيفُهُ بِالسُّكُوتِ وَعَدَمِهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الْمُدَّعِي مَنْ يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ: الْمُطَالَبُ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَإِنَّمَا تَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا فَلَا. انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِتَعْرِيفِ " الْمُدَّعِي " وَ " الْمُدَّعَى عَلَيْهِ "

فائدتان الدعوى والإنكار

حَالَ الْمُطَالَبَةِ. لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِيُعْرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: قَوْلُهُمْ " الْمُدَّعِي مَنْ إذَا سَكَتَ تُرِكَ " يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ: إنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ دَعْوَاهُ شَيْئًا إنْ لَمْ يَثْبُتْ، لَزِمَهُ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ. كَمَنْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ زَنَى بِابْنَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ شَيْئًا. وَأَنَّهُ قَاذِفٌ فِي الْأُولَى، ثَالِبٌ لِعِرْضِهِ فِي الثَّانِيَةِ. فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ دَعْوَاهُ لَزِمَهُ الْقَذْفُ فِي الْأُولَى، وَالتَّعْزِيرُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهُ مَتْرُوكٌ مِنْ حَيْثُ الدَّعْوَى، مَطْلُوبٌ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ. فَهُوَ مَتْرُوكٌ مُطَابَقَةً. مَطْلُوبٌ تَضَمُّنًا. [فَائِدَتَانِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ] فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ، إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) . وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلَكِنْ تَصِحُّ عَلَى السَّفِيهِ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ حَالَ سَفَهِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ. وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ " وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَلٌّ مِنْهُمَا رَشِيدٌ، يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ وَجَوَابُهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا: لَمْ تَخْلُ مِنْ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ. أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا. فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهَا لَهُ. لَا حَقٌّ لِلْآخِرِ فِيهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ بِذَلِكَ كَثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. فَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ.

وَلَا تَضْمَنُ عَاقِلَةُ صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى. ثُمَّ فِي كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ النَّافِي لِلْحُكْمِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَكَذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ. وَفِيهَا أَيْضًا: إنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى دَلِيلٍ. لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ. وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: يَدُهُ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا. فَدَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ: بَيِّنَةٌ، حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْعَيْنِ لَهُ دُونَ الْمُدَّعِي، وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَحْكِيَ فِي الْحُكْمِ صُورَةَ الْحَالِ، كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي قِسْمَةِ عَقَارٍ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْمِلْكُ. وَعَلَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: يُصَرِّحُ فِي الْقِسْمَةِ بِالْحُكْمِ. وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ: فَلَا حُكْمَ. وَإِنْ سَأَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى: أَجَابَهُ وَيَذْكُرُ فِيهِ: أَنَّ الْحَاكِمَ أَبْقَى الْعَيْنَ بِيَدِهِ. لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ مَا يَرْفَعُهَا وَيُزِيلُهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ. وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا. فَهِيَ لِلْأَوَّلِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ هِيَ لِلثَّانِي إذَا كَانَ مُكَارِيًا.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالْآخَرُ رَاكِبُهَا: فَهِيَ لِلرَّاكِبِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحِمْلِ. فَادَّعَاهُ الرَّاكِبُ، وَصَاحِبُ الدَّابَّةِ: فَهِيَ لِلرَّاكِبِ. وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا. أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ: فَهُوَ لِلَابِسِهِ بِلَا نِزَاعٍ. كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا. فَإِنْ كَانَ كُمُّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيه مَعَ الْآخَرِ، أَوْ تَنَازَعَا عِمَامَةً، طَرَفُهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا فِي يَدِ الْآخَرِ: فَهُمَا فِيهَا سَوَاءٌ. وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعُ بُيُوتٍ، فِي أَحَدِهَا سَاكِنٌ، وَفِي الثَّلَاثَةِ سَاكِنٌ. وَاخْتَلَفَا: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ. وَإِنْ تَنَازَعَا الْمِسَاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إلَى الْبُيُوتِ. فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ ادَّعَيَا شَاةً مَسْلُوخَةً، بِيَدِ أَحَدِهِمَا جِلْدُهَا وَرَأْسُهَا وَسَوَاقِطُهَا. وَبِيَدِ الْآخَرِ بَقِيَّتُهَا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْخَيَّاطُ الْإِبْرَةَ وَالْمِقَصَّ: فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ. وَإِنْ تَنَازَعَ هُوَ وَالْقَرَّابُ الْقِرْبَةَ: فَهِيَ لِلْقَرَّابِ) . بِلَا نِزَاعٍ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا عَرْصَةً فِيهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ لِأَحَدِهِمَا: فَهِيَ لَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا تَكُونُ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ وَلَهُ عَلَيْهِ أَزَجٌ) . وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْبِنَاءِ، وَيُقَالُ لَهُ طَاقٌ. (فَهُوَ لَهُ) يَعْنِي: بِيَمِينِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِهَذَا الشَّرْطِ. أَعْنِي إذَا كَانَ مُتَّصِلًا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ سُتْرَةٌ، لَكِنْ لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِذَلِكَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْ إحْدَاثُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي آخِرِ " بَابِ الصُّلْحِ " فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ جُذُوعٌ: لَمْ يُرَجَّحْ بِذَلِكَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، فِي " بَابِ أَحْكَامِ الْجِوَارِ " قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَا يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْجُذُوعِ. وَيُحْكَمُ لِصَاحِبِ الْأَزَجِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَ كَمَالِ الْبِنَاءِ.

وَلِأَنَّا قُلْنَا: لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ. فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ دَلَالَةً عَلَى الْيَدِ، بِخِلَافِ الْأَزَجِ. لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يُرَجَّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا. وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَحْلُولًا مِنْ بِنَائِهِمَا) . أَيْ: غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِبِنَائِهِمَا. (أَوْ مَعْقُودًا بِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَيَتَحَالَفَانِ. فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخِرِ: أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: وَإِنْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ أَنَّهُ لَهُ: جَازَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْيَمِينُ، عَلَى حَسَبِ الْجَوَابِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا بِوُجُوهِ الْآجُرِّ وَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ وَمُعَاقَدِ الْقُمُطِ فِي الْجَصِّ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تُرَجَّحُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى الْحَائِطِ. وَقَطَعَا بِذَلِكَ فِي وُجُوهِ الْآجُرِّ، وَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ، وَمُعَاقَدِ الْقُمُطِ فِي الْجَصِّ، وَنَحْوِهَا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرَجَّحَ الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْجُذُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ، أَوْ دَرَجَةٍ: فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ. إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ. فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا) بِلَا نِزَاعٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الدَّرَجَةِ طَاقَةٌ، وَنَحْوُهَا مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: مَتَى كَانَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ طَاقَةٌ، أَوْ نَحْوُهَا: كَانَتْ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي " بَابِ أَحْكَامِ الْجِوَارِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا: فَهُوَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ لِرَبِّ الْعُلْوِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَنَازَعَا الصَّحْنَ وَالدَّرَجَةَ فِي الصَّدْرِ: فَبَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَسَطِ فَمَا إلَيْهِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا وَرَاءَهُ لِرَبِّ السُّفْلِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ بَيْنَهُمَا.

وَالْوَجْهَانِ: إنْ تَنَازَعَ رَبُّ بَابٍ بِصَدْرِ الدَّرْبِ، وَرَبُّ بَابٍ بِوَسَطِهِ فِي صَدْرِ الْبَابِ. قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ، فِي الصُّلْحِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ، مِصْرَاعٍ. لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ: فَهُوَ لِصَاحِبِهَا) . عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ لِلْمُؤَجِّرِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُمَا. يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لِرَبِّ الدَّارِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ. كَمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَلَعَلَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: هُوَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَيَحْلِفَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الْأَوَّلَ وَقِيلَ: مَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ: لِلْمُؤَجِّرِ. وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ: فَلِلْمُسْتَأْجِرِ. وَفِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ: أَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعَ شَكْلٍ لَهُ مَنْصُوبٌ فِي الْمَكَانِ: لِلْمُؤَجِّرِ. وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا. فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا: جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَالْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِي النِّصْفِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْفَرَجِ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا، وَادَّعَى الْآخَرُ كُلَّهَا، أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ. وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: إنَّمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ، أَوْ وَرَثَتُهُمَا فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ. فَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ. وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُحْتَمِلٌ لِلْخِلَافِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ كَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةٌ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عَادَةٌ: عُمِلَ بِهَا. نَقَلَ الْأَثْرَمُ: الْمُصْحَفُ لَهُمَا. فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَقْرَأُ أَوْ لَا تُعْرَفُ بِذَلِكَ: فَهُوَ لَهُ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَقُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ بِيَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةِ: فَبَيْنَهُمَا. وَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةِ: فَهُوَ لَهُ. كَمَا يَأْتِي عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي قُمَاشِ دُكَّانٍ لَهُمَا: حُكِمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْخِرَقِيِّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ: فَكَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْقَاضِي رَاجِعَةً إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَهُوَ أَوْلَى. لَكِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَتَنَبَّهَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ لِذَلِكَ. فَقَالَ: الْخِلَافُ عَائِدٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي. وَكَذَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَكَلَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: مُحْتَمَلٌ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ مَتَى كَانَ بِيَدَيْهِمَا: مِثْلَ أَنْ يَكُونَا بِدُكَّانٍ وَكَالزَّوْجَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُ بِهَا) .

إنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَحْدَهُ، وَكَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، وَالْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ: أَحَلَفَ الْمَشْهُودَ لَهُ. لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ. فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا حَسَنٌ. وَمَالَ إلَيْهِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ": " وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ، أَوْ مَيِّتٍ، أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ: سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَحَكَمَ بِهَا ". وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي: أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَذَكَرْنَا الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْهُمَا هُنَاكَ. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ حَكَى كَلَامَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقَالَ: هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمُخْتَصَرِ غَيْرِهِ: أَنَّ الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ عَلَى غَائِبٍ، أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ: فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. انْتَهَى. وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ: حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) يَعْنِي تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. وَهُوَ الْمُدَّعِي. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ أَوْ لَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَةٌ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: كَمَا لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ أَوَّلًا. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ قَطِيعِهِ مِنْ الْأَغْنَامِ: قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ. قَالَ الْقَاضِي فِيهِمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ تَرْجِيحٌ: لَمْ يُحْكَمْ بِهَا: رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. يَعْنِي: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ بِكُلِّ حَالٍ. وَاخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ. وَعَنْهُ: يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُدَّعِي إنْ اخْتَصَّتْ بَيِّنَتُهُ بِسَبَبٍ أَوْ سَبْقٍ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَكْفِي سَبَبٌ مُطْلَقٌ عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ إفَادَتُهُ لِلسَّبْقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَيَأْتِي نَقْلُهُ فِي الْوَسِيلَةِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً: أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ: تَعَارَضَتَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ فِي الْإِرْشَادِ: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي تُقَدَّمُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الدَّاخِلِ فَقَالَ الْقَاضِي: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ) . كَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالتَّسْهِيلِ لِلْحَلْوَانِيِّ. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، أَوْ اتَّهَبَهَا مِنْهُ. فَعَنْهُ: أَنَّهُ كَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَنْهُ: يَتَعَارَضَانِ. لِأَنَّ سَبَبَ الْيَدِ نَفْسُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ. فَلَا تَبْقَى مُؤَثِّرَةً. لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مِلْكَ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ هُنَا، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِالْقُرْعَةِ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ قَبْلَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَتَعْدِيلُهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَتُسْمَعُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَبَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَأَيُّهَا يُقَدَّمُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ. وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا غَائِبَةً حِينَ رَفَعْنَا يَدَهُ. فَجَاءَتْ وَقَدْ ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا: فَهِيَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ. وَإِنْ ادَّعَاهُ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ يَدِهِ: فَهِيَ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ. كَمَا لَوْ أَحْضَرَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا. فَيَتَحَالَفَانِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا) . لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهَا. وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ. فَيَمِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَعَنْهُ يَقْرَعُ. فَمَنْ قَرَعَ: أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ نَكَلَا عَنْ الْيَمِينِ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ: تَحَالَفَا. وَهِيَ بَيْنَهُمَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ،

وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هِيَ لِرَبِّ النَّهْرِ. وَقِيلَ: هِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا فِي أَيْدِيهِمَا. فَكَذَلِكَ) . يَعْنِي: صَبِيًّا دُونَ التَّمَيُّزِ فَيَتَحَالَفَانِ. وَهُوَ بَيْنَهُمَا رَقِيقٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَقَالَ: إنِّي حُرٌّ، فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ) . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالطِّفْلِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا) . مِثْلُ أَنْ تَشْهَدَ إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سُنَّةٍ، وَتَشْهَدُ الْأُخْرَى: أَنَّهَا لِلْآخَرِ مُنْذُ سَنَتَيْنِ. فَتُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا.

وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. نَصَرَهَا الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ: هَذَا قِيَاسٌ الْمَذْهَبِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَسِيلَةِ، إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ ثَالِثٍ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَيْضًا. فَقَالَ أَوَّلًا: وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا. وَقَالَ ثَانِيًا: فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِالْمِلْكِ لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ. وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ بِالْمِلْكِ لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ: فَهُمَا سَوَاءٌ. وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ تَابَعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَتَابَعَ الْمُحَرَّرَ فِي الثَّانِيَةِ. فَحَصَلَ الْخَلَلُ وَالتَّنَاقُضُ بِسَبَبِ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَةَ. لِأَنَّهَا عَيْنُ الْأُولَى. وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَذْكُرْ الْأُولَى. لِأَنَّهَا عَيْنُ الثَّانِيَةِ. وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَحَصَلَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " وَ " بَابِ الذَّكَاةِ " فِيمَا إذَا رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ ذَبَحَهُ ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ. كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ.

فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْيَدِ مِنْ سَنَةٍ، وَبَيِّنَةٌ بِالْيَدِ مِنْ سَنَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا، وَأَطْلَقَتْ الْأُخْرَى: فَهُمَا سَوَاءٌ) . اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَهَذَا بِنَاءً مِنْ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَالَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، مِنْ تَقْدِيمِ أَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. بَلْ هُنَا أَوْلَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالنَّظْمِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْمُطَلَّقَةِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: تُقَدَّمُ الْمُؤَقَّتَةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ، أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ. فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهَا فِي الشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: لَا تُقَدَّمُ بِذَلِكَ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ.

وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُقَدَّمُ بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيمَا إذَا كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بِسَبَبٍ مُفِيدٍ لِلسَّبْقِ، كَالنِّتَاجِ وَالْإِقْطَاعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا فَعَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا: الْمُؤَقَّتَةُ وَالْمُطْلَقَةُ سَوَاءٌ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمُطْلَقَةُ. فَجُعِلَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مَبْنِيًّا عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: تُقَدَّمُ ذَاتُ السَّبَبَيْنِ عَلَى ذَاتِ السَّبَبِ، وَشُهُودُ الْعَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: هَذَا الْأَشْهَرُ. وَيَتَخَرَّجُ تَقْدِيمُ أَكْثَرِهِمَا عَدَدًا. قَوْلُهُ (وَلَا بِاشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ.

وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ مَنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدْلِ. وَحَكَاهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا. قَوْلُهُ (وَلَا الرَّجُلَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الرَّجُلَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ. وَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِذَلِكَ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُرَجِّحَ بِذَلِكَ. مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَيُقَدِّمُ الْأَعْمَى أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ. وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. لِأَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ يُرَجَّحُ بِذَلِكَ. فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ، وَلِأَنَّهَا خَبَرٌ. وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْمَشْهُودِ، وَإِذَا كَثُرَ الْعَدَدِ، أَوْ قَوِيَتْ الْعَدَالَةُ: كَانَ الظَّنُّ أَقْوَى. قَالَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، عَلَى مَا أَصْلَحْنَاهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَقَوْلُهُ (وَقُسِمَتْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ) ، يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. فَتُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ بِقِسْمَةِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. فَيَسْقُطَانِ بِالتَّعَارُضِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَعَلَيْهَا جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ: وَلَعَلَّ مُنْشَأَ الْخِلَافِ إذَا تَعَارَضَ الدَّلِيلَانِ، هَلْ يَتَوَقَّفُ الْمُجْتَهِدُ أَوْ يَتَخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا؟ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الصُّلْحِ، عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَحْلُولًا مِنْ بِنَاءَيْهِمَا وَصِفَةُ الْيَمِينِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِ الْحَائِطِ: أَنَّهُ لَهُ. وَلَوْ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ: أَنَّهُ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ: جَازَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْيَمِينُ عَلَى حَسْبِ الْجَوَابِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا. فَيُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ بِالْقُرْعَةِ. وَنَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: أَمَا يَسْتَهِمَانِ عَلَى مَنْ تَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَرَدَ رِوَايَةٌ بِالْقُرْعَةِ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ لِلْقَاضِي. وَيَحْصُلُ أَنَّهَا بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الشَّرِيفُ، فَقَالَ: وَعَنْهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. إلَّا أَنَّ شَيْخَنَا كَانَ يَقُولُ: يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، لَا الْبَيِّنَتَيْنِ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ شِهَابٍ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ رِوَايَةً: أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، أَوْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ فِي الْوَسِيلَةِ: الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ: فَلَا يَظْهَرُ حَلِفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ. بَلْ الَّذِي يَحْلِفُ: هُوَ الَّذِي تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ. وَهَكَذَا ذَكَرَهَا فِي الْمُقْنِعِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ. فَلَعَلَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَهْمٌ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قُسِمَتْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ) . وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ. وَعَنْهُ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ " كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ". تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْقِسْمِ فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ: لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يَقُولَ: وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ) . فَإِذَا قَالَهُ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَكَذَا: إنْ شَهِدَتْ: أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا التَّسْلِيمَ: لَمْ يُحْكَمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إذَا كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ دَارٌ، فَادَّعَى آخَرُ: أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْ

غَيْرِهِ، وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً: حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَإِنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا. لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ إلَّا وَهِيَ فِي يَدِهِ. وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمِلْكَ وَلَا التَّسْلِيمَ: لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا. لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَبِيعَهُ مَا لَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يُزَالُ بِهِ صَاحِبُ الْيَدِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسْلِيمِ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ لَهُ بِهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا، وَقَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ. وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، بَلْ تَحْتَ يَدِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ. فَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ: اشْتِرَاطُ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُقْنِعِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْكَافِي. وَاعْلَمْ أَنَّ فَرْضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِ الْبَائِعِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَادَّعَى الْآخَرُ: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو، وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ: بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا: انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً: أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ

بَيِّنَةً: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ: قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِمَا: قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، دَاخِلًا كَانَ أَوْ خَارِجًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ كَقَوْلِهِ " أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّيْنِ ". الثَّالِثُ: قَوْلُهُ (وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً: أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي، خَلَّفَهَا تَرِكَةٍ، وَأَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً: أَنَّ أَبَاهُ أَصَدَقَهَا إيَّاهَا: فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ) . سَوَاءٌ كَانَتْ دَاخِلَةً، أَوْ خَارِجَةً. قَوْلُهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ: تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) . اعْلَمْ أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِهَا لَهُمَا. أَوْ يُنْكِرَهُمَا، وَلَمْ يُنَازِعْ فِيهَا، أَوْ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ يُقِرُّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، أَوْ يُقِرُّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. فَيَقُولُ " لَا أَعْلَمُ عَيْنَهُ مِنْهُمَا ". أَوْ يُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِمَا. فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا: فَهِيَ لَهُمَا. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجُزْءُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا، وَقَالَ " لَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ مِنْهُمَا " فَتَارَةً يُصَدِّقَانِهِ. وَتَارَةً يُكَذِّبَانِهِ، أَوْ أَحَدُهُمَا. فَإِنْ صَدَّقَاهُ: لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَذَّبَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا: حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ: حَلَفَ، وَهِيَ لَهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْخِرَقِيُّ لِوُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُقِرِّ. وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةٍ ابْنِ مَنْصُورٍ. إذَا قَالَ " أَوْدَعَنِي أَحَدُهُمَا لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا " أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا صَدَّقَاهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ عَادَ بَيْنَهُ، فَقِيلَ: كَتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ مِنْ قَرْعٍ: أَخَذَهَا أَيْضًا. وَقِيلَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِلَّا لَصَحَّتْ الشَّهَادَةُ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. فَقَالُوا: الشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ. وَلَهُمَا الْقُرْعَةُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ الْوَاجِبِ وَقَبْلَهُ. فَإِنْ نَكَلَ قُدِّمَتْ. وَيَحْلِفُ لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ. فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ: حَلَفَ وَهِيَ لَهُ. وَيَحْلِفُ أَيْضًا: الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ لَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا. وَإِذَا أَخَذَهَا الْمُقِرُّ لَهُ، فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً: أَخَذَهَا مِنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ. وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا وَلَمْ يُنَازِعْ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا: لَا يَقْرَعُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حَقٌّ كَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهَا لِغَيْرِهِمَا. وَتُقَرُّ بِيَدِهِ حَتَّى يَظْهَرُ رَبُّهَا.

وَكَذَا فِي التَّعْلِيقِ مَنْعًا. أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَمَّ تَسْلِيمًا. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَخَذَهَا مِنْ فَرْعٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لِلْآخَرِ: فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ. نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الَّتِي بِيَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا بَيِّنَةٍ كَاَلَّتِي بِيَدَيْهِمَا. وَذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ، وَالْآخَرُ النِّصْفَ: فَكَالَّتِي بِيَدَيْهِمَا. إذْ الْيَدُ الْمُسْتَحِقَّةُ لِلْوَضْعِ كَمَوْضُوعَةٍ. وَفِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا: لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا، فَصُدِّقَ أَحَدُهُمَا وَكُذِّبَ الْآخَرُ وَلَمْ يُنَازَعْ. فَقِيلَ: يُسَلَّمُ إلَيْهِ. وَقِيلَ: يَحْفَظُهُ حَاكِمٌ. وَقِيلَ: يَبْقَى بِحَالِهِ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، وَابْنُ مَنْصُورٍ فِي الَّتِي قَبْلَهَا لِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفُهَا. وَمَنْ قَرَعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ: حَلَفَ وَأَخَذَهُ. قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ: وَإِنْ قَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ " لَيْسَتْ لِي. وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ؟ " فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا. وَالثَّانِي: تُجْعَلُ عِنْدَ أَمِينِ الْحَاكِمِ. وَالثَّالِثُ: تُقِرُّ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ. وَالْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ مُخْرَجَانِ مِنْ مَسْأَلَةٍ: مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مُعْتَرَفٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَلَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ، فَادَّعَاهُ مُعَيَّنٌ. فَهَلْ يُدْفَعُ إلَيْهِ، أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُقِرُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، أَمْ يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ؟ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى. وَإِنْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ لِنَفْسِهِ " فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهِيَ لَهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ الْمُدَّعِينَ. فَتَكُونُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ. قَالَ الشَّارِحُ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا لَا تَسْقُطَانِ، فَرَجَحَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْقُرْعَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ نَكَلَ: أَخَذَهَا مِنْهُ وَبَدَّلَهَا، وَاقْتَرَعَا عَلَيْهَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ لَهُمَا الْعَيْنُ أَوْ عِوَضُهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ يُقَالُ: تُجْزِئُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَيُقَالُ: إنَّمَا تَجِبُ الْعَيْنُ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهَا. وَيُقَالُ: إذَا اقْتَرَعَا عَلَى الْعَيْنِ، فَمَنْ قَرَعَ: فَلِلْآخَرِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِهَا. وَيُقَالُ: إنَّ الْقَارِعَ هُنَا يَحْلِفُ ثُمَّ يَأْخُذُهَا. لِأَنَّ النُّكُولَ غَايَتُهُ أَنَّهُ بَذْلٌ. وَالْمَطْلُوبُ لَيْسَ لَهُ هُنَا بَذْلُ الْعَيْنِ. فَيُجْعَلُ كَالْمُقِرِّ. فَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ لَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِمَا فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ مُسْتَوْفٍ فِي أَثْنَاءِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ "

فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ: فَنَقَلَ صَالِحٌ، وَحَنْبَلٌ: هِيَ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ، كَاَلَّتِي بِيَدِ ثَالِثٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدَيْهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَبْدًا، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا: لَمْ تُرَجَّحْ بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ: حُكِمَ لَهُ بِهَا) وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ ادَّعَيَا رِقَّ بَالِغٍ وَلَا بَيِّنَةَ، فَصَدَّقَهُمَا: فَهُوَ لَهُمَا. وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا: فَهُوَ لَهُ كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ. لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَإِنْ جَحَدَ: قَبْلَ قَوْلِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ: تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) . وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا رِقَّ بَالِغٍ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. ثُمَّ إنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا: لَمْ تُرَجَّحْ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ اسْتِعْمَالِهَا.

وَظَاهِرُ الْمُنْتَخَبِ مُطْلَقًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ: تَعَارَضَتَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ ثَالِثٍ، أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدٍ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: فَفِيهَا رِوَايَاتُ التَّعَارُضِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ تَكَاذَبَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ: فَلَا، كَشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِقَتْلٍ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَأُخْرَى بِالْحَيَاةِ فِيهِ. وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ: الْقُرْعَةُ هُنَا، وَالْقِسْمَةُ فِيمَا بِأَيْدِيهِمَا. وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ: سَقَطَتَا. وَاسْتهمَا عَلَى مَنْ يَحْلِفُ، وَتَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ. وَالثَّانِيَةُ: يَقِفُ الْحُكْمُ حَتَّى يَأْتِيَا بِأَمَارَتَيْنِ. قَالَ: لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ، فَسَقَطَتَا كَمَا لَوْ ادَّعَيَا زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ، وَلَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا. فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ. كَذَا هُنَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا: لَمْ تُرَجَّحْ بِذَلِكَ) . يَعْنِي: إذَا أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهُمَا.

وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَتَيْنِ: تَارَةً تَكُونُ قَبْلَ إقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا. وَتَارَةً تَكُونُ بَعْدَ إقْرَارِهِ. فَإِنْ أَقَامَاهُمَا قَبْلَ إقْرَارِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: فَحُكْمُ التَّعَارُضِ بِحَالِهِ. وَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، عَلَى رِوَايَتَيْ الِاسْتِعْمَالِ. وَهُوَ صَحِيحٌ مَسْمُوعٌ عَلَى رِوَايَةِ التَّسَاقُطِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَالْمُقَدِّمَةُ: كَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَالْمُؤَخِّرَةُ: كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ فِيمَا ذَكَرَهُ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الْآخَرُ نِصْفَهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: فَهِيَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ. إنْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَهُمَا. وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَحَدُ نِصْفَيْهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ. وَأَمَّا الْآخَرُ: فَهَلْ يَقْتَسِمَانِهِ، أَوْ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ لِلثَّالِثِ مَعَ يَمِينِهِ؟ . عَلَى رِوَايَاتِ التَّعَارُضِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفٌ، وَالْآخَرُ لِلثَّالِثِ بِيَمِينِهِ. وَعَلَى اسْتِعْمَالِهِمَا: يَقْتَسِمَانِهِ، أَوْ يَقْتَرِعَانِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ. فَادَّعَى: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ: أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً: انْبَنَى عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ) . مُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُؤَرَّخَتَيْنِ بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ. وَنَقُولُ: هُمَا سَوَاءٌ. قَالَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا.

فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي: فَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ. وَالْعَبْدُ خَارِجٌ. هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، أَوْ بِيَدِ نَفْسِهِ، وَادَّعَى عِتْقَ نَفْسِهِ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ: صَحَحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا. نَصَّ عَلَيْهِ، إلْغَاءٌ لِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنِدِهَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ، فَلَا تَعَارُضَ. بَلْ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الَّتِي جَزَمَ بِهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ فِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ زَيْدٍ) يَعْنِي: الْبَائِعَ (فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَا إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا) . عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ اتَّهَبَ مِنْ زَيْدٍ عَبْدَهُ. وَادَّعَى آخَرُ كَذَلِكَ، أَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ الْعِتْقَ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ: صَحَحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا. فَيَسْقُطَانِ أَوْ يُقْسَمُ. فَيَكُونُ نِصْفُهُ مَبِيعًا وَنِصْفُهُ حُرًّا. وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى جَمِيعِهِ، إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا. وَيَقْرَعُ كَمَا سَبَقَ. وَعَنْهُ: تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ. لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ. فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ

مِنْهُمَا: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي بِثَمَنٍ سَمَّاهُ. فَصَدَّقَهُمَا: لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا: حَلَفَ لَهُمَا وَبَرِئَ. وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا: لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ: فَلَهُ الثَّمَنُ. وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ) . بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ. (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً. فَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا لِاخْتِلَافِ تَارِيخِهِمَا، أَوْ إطْلَاقِهِمَا، أَوْ إطْلَاقِ إحْدَاهُمَا وَتَأْرِيخِ الْأُخْرَى: عَمِلَ بِهِمَا) . وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، أَوْ إحْدَاهُمَا: تَعَارَضَتَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا: تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّهُ بَاعَنِي إيَّاهُ بِأَلْفٍ. وَأَقَامَ بَيِّنَةً: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا) . بِلَا نِزَاعٍ وَهِيَ لَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِلثَّانِي الثَّمَنُ.

فَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا. يَعْنِي: فِيهَا رِوَايَاتُ التَّعَارُضِ بِلَا نِزَاعٍ. فَعَلَى رِوَايَةِ الْقِسْمَةِ: يَتَحَالَفَانِ. وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. وَلَهُ الْفَسْخُ. فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِكُلِّ الثَّمَنِ. فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا: فَلِلْآخَرِ أَخْذُهُ كُلَّهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حُكِمَ لَهُ بِنِصْفِهَا أَوْ نِصْفِ الثَّمَنِ. وَعَلَى رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ: هُوَ لِمَنْ قَرَعَ. وَعَلَى رِوَايَةِ التَّسَاقُطِ: يَعْمَلُ كَمَا سَبَقَ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِهِ " بَاعَنِي إيَّاهُ بِأَلْفٍ " فَيَقُولُ " وَهُوَ مِلْكُهُ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ " وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ ". وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَقُولَ: وَهِيَ مِلْكُهُ ". فَائِدَةٌ: لَوْ أُطْلِقَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: تَعَارَضَتَا فِي الْمِلْكِ إذَنْ لَا فِي الشِّرَاءِ، لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ. وَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ إذَنْ لِنَفْسِهِ: قُبِلَ، إنْ سَقَطَتَا. فَيَحْلِفُ يَمِينًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَمِينَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَسْقُطَانِ. عَمِلَ بِهَا بِقُرْعَةٍ، أَوْ يَقْسِمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ. عَلَى رِوَايَتَيْ الْقُرْعَةِ وَالْقِسْمَةِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا " غَصَبَنِي إيَّاهُ " وَقَالَ الْآخَرُ " مَلَّكَنِيهِ "

أَوْ " أَقَرَّ لِي بِهِ ". وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً: فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. وَلَا يَغْرَمُ لِلْآخَرِ شَيْئًا) بِلَا نِزَاعٍ. لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا. لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَصْبُهُ مِنْ هَذَا، ثُمَّ مَلَكَهُ الْآخَرُ. فَائِدَةٌ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَجَّرَهُ الْبَيْتَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ كُلَّ الدَّارِ. وَأَقَامَا. بَيِّنَتَيْنِ. فَقِيلَ: تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلزِّيَادَةِ. وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ. وَلَا قِسْمَةَ هُنَا. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ: مَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ قَبْلَ الدَّعْوَى، وَمَا لَا يَصِحُّ.

باب تعارض البينتين

[بَابُ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ] ِ قَوْلُهُ (إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ " مَتَى قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ " فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قُتِلَ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ. فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَيُعْتَقُ، أَوْ يَتَعَارَضَانِ، وَيَبْقَى عَلَى الرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ وَيُعْتَقُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَارَضَانِ. وَيَبْقَى عَلَى الرِّقِّ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ. فَيَقْضِي بِالتَّسَاقُطِ، أَوْ الْقُرْعَةِ، أَوْ الْقِسْمَةِ. قَوْلُهُ (وَلَوْ قَالَ " إنْ مِتّ فِي الْمُحَرَّمِ، فَسَالِمٌ حُرٌّ. وَإِنْ مِتّ فِي صَفَرٍ: فَغَانِمٌ حُرٌّ " وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ) بَيِّنَةً (بِمُوجِبِ عِتْقِهِ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ) . هَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ. وَيَبْقَى الْعَبْدُ عَلَى الرِّقِّ. وَيَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِهِ: تَعَارَضَتَا وَكَانَ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فِي رِوَايَةٍ، أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأُخْرَى. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُحَرَّمٍ بِكُلِّ حَالٍ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ قَرَعَ: عَتَقَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ. فَائِدَةٌ: لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وَجُهِلَ وَقْتُ مَوْتِهِ: رُقَّا مَعًا، بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِ الشَّهْرَيْنِ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَعْمَلُ فِيهِمَا بِأَصْلِ الْحَيَاةِ. فَعَلَى هَذَا: يُعْتَقُ غَانِمٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا: فَسَالِمٌ حُرٌّ. وَإِنْ بَرِئَتْ: فَغَانِمٌ حُرٌّ " وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: تَعَارَضَتَا. وَبَقِيَا عَلَى الرِّقِّ) . ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْهُمَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ. لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ قَوِيٌّ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَالِمٌ وَحْدَهُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ قَالَ " إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْت فَغَانِمٌ حُرٌّ " وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ. فَحُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ هُنَا: يَرِقَّانِ وَجْهًا وَاحِدًا. يَعْنِي لِتَكَاذُبِهِمَا، عَلَى كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْت فَغَانِمٌ حُرٌّ " وَجُهِلَ فِي أَيِّهِمَا مَاتَ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَالِمٌ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ غَانِمٌ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي " بَدَلَ " فِي مَرَضِي " وَجُهِلَ مِمَّا مَاتَ. فَقِيلَ: بِرِقِّهِمَا. لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِي الْمَرَضِ بِحَادِثٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ. وَقِيلَ: بِالْقُرْعَةِ. إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْحَادِثِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي. وَقِيلَ: يُعْتَقُ سَالِمٌ. لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَعَدَمُ الْبُرْءِ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ غَانِمٌ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَأُطْلِقَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فِي الْقَوَاعِدِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَتْلَفَ ثَوْبًا، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ. وَشَهِدَتْ أُخْرَى: أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثُونَ: لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَنَصَرَاهُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: تَسْقُطَانِ لِتَعَارُضِهِمَا. وَقِيلَ: يُقْرَعُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَظِيرِهَا فِيمَنْ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ، فَقَالَتْ بَيِّنَةٌ: أَجَّرَهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا. وَقَالَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى: أَجَّرَهَا بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ: ثَبَتَ الْأَقَلُّ بِهِمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا عَلَى رِوَايَةِ التَّعَارُضِ.

قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ثَبَتَ الْأَقَلُّ بِهِمَا عَلَى الْأَوَّلَةِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَحْلِفُ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَلَا تَعَارُضَ. وَقَالَ الشَّارِحُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ: أَنَّهُ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ، وَشَاهِدٌ: أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثَةٌ، ثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَهُوَ دِرْهَمَانِ. وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْآخَرِ عَلَى دِرْهَمٍ. لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دِرْهَمَيْنِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِدِرْهَمٍ. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةِ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَوْ اخْتَلَفَتْ بَيِّنَتَانِ فِي قِيمَةِ عَيْنٍ قَائِمَةٍ لِيَتِيمٍ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا: أَخَذَ بِبَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَابْنُهَا. فَقَالَ زَوْجُهَا " مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا " ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ " وَقَالَ أَخُوهَا " مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا " وَلَا بَيِّنَةَ: حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ. وَكَانَ مِيرَاثُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى ": اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى ": هَذَا أَحْسَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُعَيَّنُ السَّابِقُ بِالْقُرْعَةِ. كَمَا لَوْ قَالَ " أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ " فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ، وَأُشْكِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ: يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، مِنْ تِلَادِ مَالِهِ، دُونَ مَا وَرِثَهُ عَنْ الْمَيِّتِ مَعَهُ كَمَا لَوْ جَهِلَ الْوَرَثَةُ مَوْتَهُمَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى ". قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: وَقِيَاسُ مَسَائِلِ الْغَرْقَى: أَنْ يَجْعَلَ لِلْأَخِ السُّدُسَ مِنْ مَالِ الِابْنِ، وَالْبَاقِيَ لِلزَّوْجِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا لَا نَدْرِي مَاذَا أَرَادَ بِهِ إنْ أَرَادَ: أَنَّ مَالَ الِابْنِ وَالْمَرْأَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ: لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إعْطَاءِ الْأَخِ مَا لَا يَدَّعِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ يَقِينًا. لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِنْ مَالِ الِابْنِ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَإِنْ أَرَادَ: أَنَّ ثُلُثَ مَالِ الِابْنِ يُضَمُّ إلَى مَالِ الْمَرْأَةِ، فَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّ نِصْفَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ بِاتِّفَاقٍ فِيهِمَا. لَا يُنَازِعُهُ الْأَخُ فِيهِ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي نِصْفِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادُهُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا، أَوْ ادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا كُلَّهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا. فَإِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ: تَعَارَضَتَا، وَسَقَطَتَا) وَيُعْمَلُ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي السَّابِقِ. وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ تَعَارَضَتْ وَقُلْنَا: بِالْقِسْمَةِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا مَا اخْتَلَفَا فِيهِ نِصْفَانِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي " بَابِ مِيرَاثِ الْغَرْقَى " فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ: أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ. وَشَهِدَتْ أُخْرَى: أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. فَمَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ: عَتَقَ دُونَ صَاحِبِهِ. إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَحِبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ: عَتَقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَارِثَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ) . لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ سُدُسَ الْمَالِ، وَبَيِّنَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ: قُبِلَتْ. وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً: عَتَقَ الْعَبْدَانِ) . يَعْنِي: إنْ شَهِدَتْ الْوَارِثَةُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ: عَتَقَ الْعَبْدَانِ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ.

وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ: عَتَقَ وَحْدَهُ. وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ: عَتَقَ هُوَ وَنِصْفُ سَالِمٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: وَقَبِلَهَا أَبُو بَكْرٍ بِالْعِتْقِ، لَا الرُّجُوعِ. فَيُعْتَقُ نِصْفُ سَالِمٍ. وَيُقْرَعُ بَيْنَ بَقِيَّتِهِ وَالْآخَرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى: أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْمَالِ: عَتَقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ. وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ: أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَيْضًا: عَتَقَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا) . إنْ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَجْنَبِيَّتَانِ: عَتَقَ أَسْبِقُهُمَا تَارِيخًا. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ بَيِّنَةً أَحَدُهُمَا وَارِثَةٌ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَهُوَ قَوْلُهُ " فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَارِثَةً وَلَمْ تُكَذَّبْ الْأَجْنَبِيَّةُ. فَكَذَلِكَ ". وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمَا. فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَتْ ذَاتُ السَّبْقِ: الْأَجْنَبِيَّةَ، فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ، أَوْ كَانَتْ ذَاتُ السَّبْقِ الْوَارِثَةَ، وَهِيَ فَاسِقَةٌ: عَتَقَ الْعَبْدَانِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ: عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا.

وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: كَدَلَالَةِ كَلَامِهِ عَلَى تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا، نَحْوَ: اعْتِقُوا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَتْ) أَيْ: الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ (مَا أَعْتَقَ سَالِمًا، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ غَانِمًا: عَتَقَ غَانِمٌ كُلُّهُ، وَحُكْمُ سَالِمٍ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِي بَيِّنَتِهِ: فِي أَنَّهُ يُعْتَقُ إنْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ عِتْقِهِ، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِلَّا فَلَا) . الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ غَانِمًا يُعْتَقُ كُلُّهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَقِيلَ: عَتَقَ ثُلُثَاهُ، إنْ حُكِمَ بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي. لِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْأَجْنَبِيَّانِ كَالْمَغْصُوبِ مِنْ التَّرِكَةِ وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنُ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ: عَتَقَ سَالِمٌ كُلُّهُ. وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ. فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ عِتْقِهِ سَابِقًا،

أَوْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ: عَتَقَ كُلُّهُ. وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، أَوْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْتَقُ مِنْ غَانِمٍ نِصْفُهُ. وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَذَّبَتْ بَيِّنَةَ سَالِمٍ) : عَتَقَ الْعَبْدَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ مِنْ غَانِمٍ ثُلُثَاهُ. كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. قَالَهُ الشَّارِحُ. فَائِدَةٌ: التَّدْبِيرُ مَعَ التَّنْجِيزِ كَآخَر التَّنْجِيزَيْنِ مَعَ أَوَّلِهِمَا. فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ. فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِيهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ: فَالْمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ. لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. بِشَرْطِ أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُسْلِمُ: أَنَّ الْكَافِرَ أَخُوهُ. وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْخِرَقِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا فِي الدَّعْوَى سَوَاءٌ. فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفِ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَنَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ. سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِالْأُخُوَّةِ أَوْ لَا. وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا وَقِيلَ: بِالْقُرْعَةِ. وَقِيلَ: الْمَالُ لِلْمُسْلِمِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ بِأَيْدِيهِمَا: تَحَالَفَا، وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ سَهْوٌ. لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُ إرْثٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنَّهَا لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَا يَصِحُّ. لِاعْتِرَافِهِمَا بِأَنَّ التَّرِكَةَ لِلْمَيِّتِ، وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْإِرْثِ. فَلَا حُكْمَ لِلْيَدِ. انْتَهَى. قُلْت: قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَإِنْ كَانَتْ بِيَدَيْهِمَا: حَلَفَا، وَتَنَاصَفَاهَا اعْتَرَفَا بِالْأُخُوَّةِ أَوَّلًا. وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: إنْ عَرَفَ وَلَا بَيِّنَةَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي. وَقِيلَ: يُقْرَعُ، أَوْ يُوقَفُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْمُسْلِمُ: أَنَّهُ أَخُوهُ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ: فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَالَ هَذَا الْمَشْهُورُ وَغَيْرُهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ. لِأَنَّ حُكْمَ الْمَيِّتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْمُغْنِي هُنَا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ، حَتَّى يَظْهَرَ أَصْلُ دِينِهِ. فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْأَحْكَامُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ. فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ، فَالْمَذْهَبُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ. وَقَالَ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِيهِ. وَأَجْرَى ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ. فَحَكَى عَنْهُ: أَنَّ الْمِيرَاثَ لِلْكَافِرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَقَدَّمَهُ كَمَا يَقُولُهُ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشَذَّ الشِّيرَازِيُّ. فَحَكَى فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيمَا إذَا اعْتَرَفَ بِالْأُخُوَّةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ: تَعَارَضَتَا) . إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِذَلِكَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْرَفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالتَّعَارُضِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالشِّيرَازِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَعَنْهُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَنْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: التَّعَارُضُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ دِينِهِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: إنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: نَظَرْنَا فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ. فَإِنْ شَهِدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: التَّلَفُّظُ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ. فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ. وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ الْكُفْرِ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي انْتِقَالَهُ عَنْ دِينِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ. وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ: مَاتَ مُسْلِمًا، وَبَيِّنَةُ الْكَافِرِ: مَاتَ كَافِرًا: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: إنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ عَنْهُ. وَقِيلَ: بِالتَّعَارُضِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ جُهِلَ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِقُرْعَةٍ. وَقِيلَ: يَرِثَانِهِ نِصْفَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ " نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا " وَقَالَ شَاهِدَانِ " نَعْرِفُهُ كَافِرًا " فَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ إذَا لَمْ يُؤَرِّخْ الشُّهُودُ مَعْرِفَتَهُمْ) . إذَا شَهِدَتْ الشُّهُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُعْرَفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ، بَلْ جُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ: فَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ، إذَا لَمْ يُؤَرِّخْ الشُّهُودُ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالشِّيرَازِيُّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَالْعُمْدَةِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ: يَتَعَارَضَانِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَلَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ. وَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَنَّ بَيِّنَةَ الْإِسْلَامِ تُقَدَّمُ. وَذَكَرَ قَوْلًا بِالتَّعَارُضِ. وَقَوْلًا: تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِقُرْعَةٍ. وَقَوْلًا: يَرِثَانِهِ نِصْفَيْنِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، وَبَيِّنَةٌ أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ: تَعَارَضَتَا، سَوَاءٌ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّهُ مَاتَ لَمَّا نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ، وَبَيِّنَةٌ: أَنَّهُ مَاتَ لَمَّا نَطَقَ بِالْكُفْرِ، وَعُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ، أَوْ جُهِلَ: سَقَطَتَا. وَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ. وَعَنْهُ: لَا سُقُوطَ. وَيَرِثُهُ مَنْ قَرَعَ. وَعَنْهُ: بَلْ هُمَا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ: إنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ: قَبْلَ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي نَفْيَهُ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمِينَ. فَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ) . كَمَا لَوْ عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنَيْنِ. لِأَنَّ كُفْرَ أَبَوَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ دِينِهِ فِي صِغَرِهِ، وَإِسْلَامُ ابْنَيْهِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ فِي كِبَرِهِ. فَيُعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ الِابْنِ الْمُسْلِمِ وَالِابْنِ الْكَافِرِ عَلَى مَا تُقَدَّمُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ.

وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا كَافِرًا، وَأَخَا وَامْرَأَةً مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) . وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الِابْنِ الْمُسْلِمِ مَعَ الِابْنِ الْكَافِرِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ تُعْطَى الْمَرْأَةُ الرُّبُعَ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَحَكَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْطَى الثُّمُنَ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَالْأَخِ نِصْفَيْنِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ، فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ. وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَتَى نَصَّفْنَاهُ، فَنِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَقَالَ: أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِ أَبِي. وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ بَعْدَهُ، فَلَا مِيرَاثَ لَهُ. فَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْت فِي الْمُحَرَّمِ وَمَاتَ أَبِي فِي صَفَرٍ. وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ: فَلَهُ الْمِيرَاثُ مَعَ أَخِيهِ) .

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الثَّانِيَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِي الْأُولَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا. قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِذَلِكَ. فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ؟ أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي تَقْدِيمِ مَوْتِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ خَلَّفَ كَافِرٌ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَقَالَ الْمُسْلِم: أَسْلَمْت أَنَا عَقِبَ مَوْتِ أَبِي وَقَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ، عَلَى رِوَايَةٍ. فَإِرْثُهُ لِي. وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَا إرْثَ لَك: صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالَا: قُدِّمْت بَيِّنَةُ الْكَافِرِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى مَوْتِ أَبِيهِمَا أَوْ لَا. فَإِنْ اتَّفَقَا: أَنَّ الْمُسْلِمَ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ " مَاتَ أَبِي فِي شَوَّالٍ، فَأَرِثُهُ أَنَا وَأَنْتَ " وَقَالَ الْكَافِرُ " بَلْ مَاتَ فِي شَوَّالٍ " صُدِّقَ الْكَافِرُ. وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: صُدِّقَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ خَلَّفَ حُرٌّ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا كَانَ عَبْدًا، فَادَّعَى: أَنَّهُ عَتَقَ وَأَبُوهُ حَيٌّ وَلَا بَيِّنَةَ: صُدِّقَ أَخُوهُ فِي عَدَمِ ذَلِكَ. وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ الْحُرُّ " مَاتَ أَبِي فِي شَعْبَانَ " وَقَالَ الْعَتِيقُ

بَلْ فِي شَوَّالٍ " صُدِّقَ الْعَتِيقُ. وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّ مَعَ التَّعَارُضِ. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَهِدَا عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ. فَشَهِدَا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِهِ، فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ الْكُلَّ، أَوْ الْآخَرَيْنِ، أَوْ كَذَّبَ الْكُلَّ، أَوْ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ: فَلَا قَتْلَ وَلَا دِيَةَ. وَإِنْ صَدَّقَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ: حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا. وَقُتِلَ مَنْ شَهِدَا عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ طَبْعِ هَذَا الْجُزْءِ " الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْإِنْصَافِ " وَتَصْحِيحِهِ وَتَحْقِيقِهِ، عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ قَدْرَ الْجَهْدِ وَالطَّاقَةِ بِمَطْبَعَةِ السُّنَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَلَمْ آلُ يَعْلَمُ اللَّهُ جَهْدًا، وَلَمْ أَدَّخِرْ وُسْعًا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَكَفَى بِاَللَّهِ مُعِينًا وَشَهِيدًا وَوَلِيًّا وَنَصِيرًا. وَيَتْلُوهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ وَمَعُونَتِهِ: الْجُزْءُ الثَّانِي عَشَرَ. وَأَوَّلُهُ " كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ". وَاَللَّهُ الْمُعِينُ عَلَى الْإِكْمَالِ، وَالْمَسْئُولُ وَحْدَهُ حُسْنَ الْجَزَاءِ، وَخَيْرَ الْمَثُوبَةِ مِنْ عَظِيمِ فَضْلِهِ، وَوَاسِعِ كَرْمِهِ. فَإِنَّهُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ، وَخَاتَمِ رُسُلِهِ، مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ. وَاَللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ آلِ هَذَا الرَّسُولِ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

كتاب الشهادات

[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ فَائِدَةٌ: " الشَّهَادَةُ " حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، تُظْهِرُ الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا تُوجِبُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، الْحَاوِي. قَوْلُهُ (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) ، تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالْمَالِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ تَحَمُّلَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ: فِي إثْمِهِ بِامْتِنَاعِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ: وَجْهَانِ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبُلْغَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ تَحَمُّلُهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الشُّهُودُ وَكَثُرَ أَهْلُ الْبَلَدِ: فَهِيَ فِيهِ فَرْضُ عَيْنٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ

فَائِدَةٌ: حَيْثُ وَجَبَ تَحَمُّلُهَا، فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ: وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: الصَّوَابُ الْوُجُوبُ لِلِاحْتِيَاطِ، ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قَدَّمَهُ، ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ الشَّهَادَاتِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: يَكْتُبُهَا إذَا كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، فَظَاهِرُهُ: الْوُجُوبُ، وَأَمَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هُوَ أَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ رِوَايَةً، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إقَامَتِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، فَظَاهِرُهُ: أَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضُ عَيْنٍ، قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَصُّهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ: أَنْ يُدْعَى إلَيْهِمَا وَيَقْدِرَ عَلَيْهِمَا بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: وَلَا تُبَدَّلُ فِي التَّزْكِيَةِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ تَضَرَّرَ بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَدَائِهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ، الثَّانِيَةُ: يَخْتَصُّ الْأَدَاءُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَمَنْ تَحَمَّلَهَا أَوْ رَأَى فِعْلًا، أَوْ سَمِعَ قَوْلًا بِحَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالنَّسِيبِ وَغَيْرِهِ، سَوَاءٌ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقِيلَ: أَوْ مَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِيَوْمِهِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَجِبُ فِي مَسَافَةِ كِتَابٍ لِلْقَاضِي عِنْدَ سُلْطَانٍ لَا يَخَافُ تَعَدِّيهِ، نَقَلَهُ مُثَنَّى، أَوْ حَاكِمٍ عَدْلٍ، نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلًا؟ قَالَ: لَا تَشْهَدْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَخَافُ أَنْ يَسَعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ، وَقِيلَ: أَوْ لَا يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَقِيلَ: لَا أَمِيرَ الْبَلَدِ وَوَزِيرَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الشَّاهِدُ الْآخَرُ، وَقَالَ " احْلِفْ أَنْتَ بَدَلِي " أَثِمَ اتِّفَاقًا، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ، إنْ قُلْنَا: هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. الرَّابِعَةُ: لَوْ دُعِيَ فَاسِقٌ إلَى شَهَادَةٍ فَلَهُ الْحُضُورُ مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ،

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ لِتَحَمُّلِهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: لَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْعَدَالَةُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى صَارَ عَدْلًا: قُبِلَتْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَوْبَةً لِتَحَمُّلِهَا، وَلَمْ يُعَلِّلُوا أَنَّ مَنْ ادَّعَاهَا بَعْدَ أَنْ رُدَّ إلَّا بِالتُّهْمَةِ، وَذَكَرُوا إنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا، لِئَلَّا يَفْضَحَهُ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ شَهِدَ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ: لَمْ يُعَزَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِدْقَهُ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَدَاءُ الْفَاسِقِ وَإِلَّا لَعُزِّرَ، يُؤَيِّدُهُ: أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا يَضْمَنُ مَنْ بَانَ فِسْقُهُ، وَيَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ مَنْ ضَمَّنَهُ، وَيَكُونُ عِلَّةً لِتَضْمِينِهِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالتَّحْرِيمِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ: أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ أَخْذُ أُجْرَةٍ وَجُعْلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهًا بِجَوَازِ الْأَخْذِ لِحَاجَةٍ، تَعَيَّنَتْ أَوْ لَا، وَاخْتَارَهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الْأَخْذُ مَعَ التَّحَمُّلِ، وَقِيلَ: أُجْرَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) ،

وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِحَاجَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مَعَ التَّحَمُّلِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: بِعَدَمِ الْأَخْذِ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ تَأَذَّى بِهِ، فَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ عَلَى رَبِّ الشَّهَادَةِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى رَبِّهَا ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هَذَا إنْ تَعَذَّرَ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ الشَّاهِدِ، لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ خَفَرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَكَذَا حُكْمُ مُزَكٍّ، وَمُعَرِّفٍ، وَمُتَرْجِمٍ، وَمُفْتٍ، وَمُقِيمِ حَدٍّ وَقَوَدٍ، وَحَافِظِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمُحْتَسِبٍ، وَالْخَلِيفَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَا يُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ وَكِتَابَةٍ كَشَهَادَةٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى: أُبِيحَ لَهُ إقَامَتُهَا وَلَمْ تُسْتَحَبَّ) هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ،

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ تَرْكُ ذَلِكَ؛ لِلتَّرْغِيبِ فِي السَّتْرِ، قَالَ النَّاظِمُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ: تَرْكُهَا أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ الرِّعَايَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِغْضَاءِ عَمَّنْ سَتَرَ الْمَعْصِيَةَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَلَّالِ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ مَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْفَسَادِ: أَنْ لَا يُسْتَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَ فِي الْمُقِرِّ بِالْحَدِّ، وَسَبَقَ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ. انْتَهَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَوْ قِيلَ: بِالتَّرَقِّي إلَى الْوُجُوبِ لَاتَّجَهَ، خُصُوصًا إنْ كَانَ يَنْزَجِرُ بِهِ. قَوْلُهُ (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِلْحَاكِمِ فِي الْأَصَحِّ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْهَا، قَالَ الشَّارِحُ: وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشَّاهِدِ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْقَبُولُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ. الثَّانِيَةُ: لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلْمُقِرِّ بِحَدٍّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: تَلْقِينُهُ الرُّجُوعَ مَشْرُوعٌ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِآدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا: اُسْتُحِبَّ لَهُ إعْلَامُهُ بِهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَأَطْلَقُوا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الطَّلَبُ الْعُرْفِيُّ، أَوْ الْحَالِيُّ: كَاللَّفْظِيِّ عَلِمَهَا أَوْ لَا، قُلْت: هَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّهِ عَلَى الرَّافِضِيِّ: إذَا أَدَّاهَا قَبْلَ طَلَبِهِ، قَامَ بِالْوَاجِبِ، وَكَانَ أَفْضَلَ. كَمَنْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَدَّاهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الطَّلَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَ رَجُلًا حَاضِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي حَضْرَتِهِ لِمَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، فَعَرَفَهُ مَنْ يَسْكُنُ إلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَعَنْهُ: الْمَنْعُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالتَّعْرِيفِ، وَحَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: إنْ عَرَفَهَا كَنَفْسِهِ: شَهِدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: أَوْ نَظَرَ إلَيْهَا شَهِدَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا بَيْتَهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَعَلَّلَ رِوَايَةَ حَنْبَلٍ: بِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِعِصْمَتِهَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ لِلْخَبَرِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّظَرَ حَقُّهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ سَهْوٌ، وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ " وَذَكَرْنَا هُنَاكَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمَطْلَعِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ (وَالسَّمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سَمَاعٌ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، نَحْوُ الْإِقْرَارِ، وَالْعُقُودِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَنَحْوِهِ) ، وَكَذَا حُكْمُ الْحَاكِمِ، فَيَلْزَمُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةُ مِمَّا سَمِعَ، لَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ، فَيُخَيَّرُ، وَيَأْتِي تَتِمَّةُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ " وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي ". فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَنَّهُ طَلَّقَ، أَوْ أَعْتَقَ: قُبِلَ، وَلَوْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، فَشَهِدَا عَلَى الْخَطِيبِ: أَنَّهُ قَالَ، أَوْ فَعَلَ

عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: قُبِلَ مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي فِي شَهَادَةِ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ " إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ: رُدَّ ". قَوْلُهُ (وَسَمَاعٌ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِذَلِكَ: كَالنَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَالْوَقْفِ وَمَصْرِفِهِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْعَزْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ، أَعْنِي: أَنْ يَشْهَدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي الْوَقْفِ، وَحَكَى فِي الرِّعَايَةِ خِلَافًا فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَمَصْرِفِ وَقْفٍ، وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا فِي حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى. وَسَأَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى؟ فَقَالَ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ، مِثْلَ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْحَدِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنِ حَامِدٍ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِمَا أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الشَّهَادَةَ بِمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تُسْمَعُ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ فِيمَا تَسْتَقِرُّ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّسَامُعِ، لَا فِي عَقْدٍ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا

وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ عَلَى النَّسَبِ وَالْمَوْتِ، وَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْوَقْفِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ أَشْهَرُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَزَادَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ: مَصْرِفَ الْوَقْفِ وَالْوِلَايَةَ وَالْعَزْلَ، وَقَالَ نَحْوَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي نَسَبٍ وَمَوْتٍ وَمِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَوَقْفٍ وَوَلَاءٍ وَنِكَاحٍ، وَأَسْقَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ، وَأَسْقَطَهُمَا آخَرُونَ، وَزَادُوا: الْوَلَاءَ، وَقَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْخُلْعَ فِي الْمُغْنِي، وَلَا فِي الْكَافِي، قَالَ: وَلَا رَأَيْته فِي كِتَابِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ قَاسَهُ عَلَى النِّكَاحِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ. قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. انْتَهَى. قُلْت: نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ثُبُوتِ الشَّهَادَةِ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ الْعُذْرُ لِلشَّارِحِ: أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ نَقْلِهِ، وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: تَعْلِيلُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ جِهَاتِ الْمِلْكِ تَخْتَلِفُ: تَعْلِيلٌ يُوجَدُ فِي الدَّيْنِ، فَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ: يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، قُلْت: وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالنِّكَاحَ " يَشْمَلُ الْعَقْدَ وَالدَّوَامَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يَشْهَدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ، لَا فِي عَقْدِهِ، مِنْهُمْ: ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الِاسْتِفَاضَةُ إلَّا مِنْ عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ أَيْضًا مِمَّنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةٍ لَمْ يَعْلَمْ تَلَقِّيهَا مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَمَنْ قَالَ: " شَهِدْت بِهَا " فَفَرْعٌ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ شَهَادَةُ اسْتِفَاضَةٍ، لَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَكْتَفِي بِمَنْ شَهِدَ بِهَا. كَبَقِيَّةِ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: لَيْسَ فِيهَا فُرُوعٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ: الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ خَبَرٌ، لَا شَهَادَةٌ، وَقَالَ: تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ نَظِيرُ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ الشُّهُودِ عَلَى الْخِلَافِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ شَهِدَ أَنَّ جَمَاعَةً يَثِقُ بِهِمْ أَخْبَرُوهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ، أَوْ

أَنَّهُ ابْنُهُ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ: فَهِيَ شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، كَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: إنْ صَرَّحَا بِالِاسْتِفَاضَةِ، أَوْ اسْتَفَاضَ بَيْنَ النَّاسِ: قُبِلَتْ فِي الْوَفَاةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا، وَنَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا يَشْهَدُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَنَقَلَ مَعْنَاهُ جَعْفَرٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِذَا شَهِدَ بِالْأَمْلَاكِ بِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ، فَعَمَلُ وُلَاةِ الْمَظَالِمِ بِذَلِكَ أَحَقُّ، ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِالتَّوَاتُرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ: لَمْ يَشْهَدْ) بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ (وَإِنْ سَكَتَ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَهُ: لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ، وَسُكُوتُهُ يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ: وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ،

وَذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي دَعْوَى الْأُبُوَّةِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَسْمَعُ: فَيَسْكُتُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ إذًا نُزِّلَ هُنَا مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ: صَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، قَالَ: وَيُقَوِّي مَا ذَكَرْته: أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى فِي الْمُغْنِي: إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ " هَذَا ابْنِي " جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِذَا سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُولُ " هَذَا أَبِي " وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ، فَسَكَتَ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إقْرَارٌ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ مَقَامَ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْفَاسِدِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، إلَّا أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِهِ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ نَقَلَ فِي الْمُغْنِي الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ الِاحْتِمَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ: خُرُوجُ الْخِلَافِ فِيهِ فِيمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ آخَرَ بِحُضُورِ الْآخَرِ، فَيَسْكُتُ: ظَاهِرٌ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا: الْخِلَافُ فِيهَا بَعِيدٌ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ) ،

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: ابْنُ حَامِدٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ، وَاخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالنَّظْمِ، قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ لِلْقَاضِي، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ بِتَصَرُّفِهِ، وَعَنْهُ: مَعَ يَدِهِ، وَفِي مُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ: إنْ رَأَى مُتَصَرِّفًا فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ مَالِكٍ: شَهِدَ لَهُ بِمِلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ " سَوَاءٌ رَأَى ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ: الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْفَخْرُ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ، وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرَشَّدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا) ، يَعْنِي: إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الشَّاهِدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَهُ: إذَا اتَّحَدَ مَذْهَبُ الشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ لَا يَجِبُ التَّبْيِينُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ ادَّعَى: أَنَّ هَذِهِ الْمَيِّتَةَ امْرَأَتُهُ وَهَذَا ابْنُهُ مِنْهَا: فَإِنْ أَقَامَهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَيَصْلُحُ ابْنُهُ: فَهُوَ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ، وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ ادَّعَتْ: أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ زَوْجُهَا: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَيُعْطَى الْمِيرَاثَ، وَالْبَيِّنَةُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرَشَّدٍ، وَشُهُودٍ فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَجَوَازٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَأْتِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ " وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ "، وَمُرَادُهُ هُنَا: إمَّا لِأَنَّ الْمَهْرَ فَوْقَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَاحْتِيَاطًا لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ: فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ. كَالْخِلَافِ الَّذِي فِي اشْتِرَاطِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ بِهِ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ "، وَالْمَذْهَبُ هُنَاكَ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشُّرُوطِ. فَكَذَا هُنَا، فَكُلُّ مَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا، نَقَلَ مُثَنَّى فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّهُ أَقَرَّ لِأَخٍ لَهُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا، فَيَشْهَدُ كَمَا سَمِعَ، أَوْ يَتَعَرَّفُ حَدَّهَا: فَرَأَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حُدُودِهَا، فَيَتَعَرَّفَهَا،

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِمَا سَمِعَ، وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ: يَتَعَيَّنُ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ قَبْلُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ " لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا، وَأَنَّ دَارِي الْفُلَانِيَّةَ أَوْ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا لِفُلَانٍ " ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُعَيَّنَ هُوَ الْمُسَمَّى، أَوْ الْمَوْصُوفُ، أَوْ الْمَحْدُودُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: لَمْ يَذْكُرْ لِرَضَاعٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ وَشُرْبٍ وَقَذْفٍ وَنَجَاسَةِ مَاءٍ قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَإِكْرَاهٍ مَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ، وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْحُكْمُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بِمَنْ زَنَى، وَأَيْنَ زَنَى؟ وَكَيْفَ زَنَى؟ وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا الْمَكَانِ، زَادَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: وَالزَّمَانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ " هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ أَمْ لَا ". قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ: لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ اللَّقِيطِ " مُحَرَّرًا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ " فَلْيُعَاوَدْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوْ الطَّيْرَ مِنْ بَيْضَتِهِ، أَوْ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ: حُكِمَ لَهُ بِهَا) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ شَهِدَ: أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ: لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُحْكَمُ لَهُ بِهَا. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، فَادَّعَى آخَرُ: أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ وَارِثُهُ، لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ: سُلِّمَ الْمَالُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ، إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، لِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ بِوَارِثٍ آخَرَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى عَدَمِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: يَجِبُ الِاسْتِكْشَافُ مَعَ فَقْدِ خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ، فَيَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي بِمَوْتِهِ، وَلْيَحْضُرْ وَارِثُهُ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ: سَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَقِيلَ: لَا يُسَلِّمُهُ إلَّا بِكَفِيلٍ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكِمَ لَهُ بِتَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَإِلَّا فَفِي الِاسْتِكْشَافِ مَعًا وَجْهَانِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْمِلُ لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ، وَعَلَى الثَّانِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ يَأْخُذُ الْيَقِينَ، وَهُوَ رُبُعُ ثُمُنٍ لِلزَّوْجَةِ عَائِلًا، وَسُدُسٌ لِلْأُمِّ عَائِلًا مِنْ كُلِّ ذِي فَرْضٍ، لَا حَجْبَ فِيهِ وَلَا يَقِينَ فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بُدَّ أَنْ تُقَيَّدَ الْمَسْأَلَةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَيِّتُ ابْنَ سَبِيلٍ وَلَا غَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ احْتَمَلَ أَنْ يُسَلَّمَ الْمَالُ إلَيْهِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَذَكَرَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاحْتَمَلَ: أَنْ لَا يُسَلَّمَ إلَيْهِ حَتَّى يَسْتَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ خَبَرِهِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي سَافَرَ إلَيْهَا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكِمَ لَهُ بِالتَّرِكَةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ، وَفِي الِاسْتِكْشَافِ مَعَهَا وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: إنْ شَهِدَا بِإِرْثِهِ فَقَطْ: أَخَذَهَا بِكَفِيلٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي فِي كَفِيلٍ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَجْهَانِ، وَاسْتِكْشَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ،

فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ الْأَوَّلَانِ: أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ: شَارَكَ الْأَوَّلَ، ذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَأَبِي الْوَفَاءِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ: أَنَّ هَذَا ابْنُهُ، لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى: أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ: قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ، ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا، فَإِنَّ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْلَمُهُ جَارُهُ، وَمَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ: لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ؛ لِخَفَاءِ الدَّيْنِ؛ وَلِأَنَّ جِهَاتِ الْإِرْثِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى تَعَيُّنِ انْتِقَالِهَا، وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْإِعْسَارُ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ، تُثْبِتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ، بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: قَبُولُهَا إذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا، كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «دُعِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلْقَاضِي: أَخْبَارُ الصَّلَاةِ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدَ مُثْبِتَةٌ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ، وَأَخْبَارُكُمْ نَافِيَةٌ، وَفِيهَا نُقْصَانٌ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى؟ ، فَقَالَ: الزِّيَادَةُ هُنَا مَعَ النَّافِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَوْتَى: الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ، وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ: سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا يَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ " صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا " تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ،

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ. كَمَا لَا تُسْمَعُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ يُنْكِرُهُ، فَقِيلَ لَهُ: لَا سَبِيلَ لِلشَّاهِدَيْنِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، فَقَالَ: لَهُمَا سَبِيلٌ، وَهُوَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى ثَمَنَ مَبِيعٍ فَأَنْكَرَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلشَّاهِدَيْنِ سَبِيلًا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، بِأَنْ يُشَاهِدَاهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ. انْتَهَى. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ النَّافِي لَا سَبِيلَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِأَنْ يُلَازِمَهُ الشَّاهِدُ مِنْ أَوَّلِ وُجُودِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى، فَيَعْلَمُ سَبَبَ اللُّزُومِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهُوَ مُحَالٌ. انْتَهَى. وَفِي الْوَاضِحِ: الْعَدَالَةُ تَجَمُّعُ كُلِّ فَرْضٍ، وَتَرْكُ كُلِّ مَحْظُورٍ، وَمَنْ يُحِيطُ بِهِ عِلْمًا؟ التَّرْكُ نَفْيٌ، وَالشَّاهِدُ بِالنَّفْيِ لَا يَصِحُّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِي، وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُقِرُّ بِحَقٍّ، أَوْ سَمِعَ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ أَوْ يُشْهِدُ عَلَى حُكْمِهِ وَإِنْفَاذِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ رَجُلًا يُعْتِقُ، أَوْ يُطَلِّقُ، أَوْ يُقِرُّ بِعَقْدٍ وَنَحْوِهِ، يَعْنِي: أَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ عَنْ شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي تَجُوزُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَا عَنْ الْإِقْرَارِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: " اشْهَدْ عَلَيَّ ". انْتَهَيَا.

وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ وَالْحُكْمِ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْهُ: إنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي الْحَالِ: شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَابِقَةِ الْحَقِّ: لَمْ يَشْهَدْ بِهِ، نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ، وَاخْتَارَهَا الْمَجْدُ، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ يُخَيَّرُ، نَقَلَهَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَتَوَرَّعَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ فِي الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ لَا يَشْهَدُ بِهِ، وَفِي الْإِقْرَارِ يَحِقُّ فِي الْحَالِ يَقُولُ " حَضَرْت إقْرَارَ فُلَانٍ بِكَذَا " وَلَا يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ " وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، أَوْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ " قُرِئَ عَلَيَّ " أَوْ " فَهِمْت جَمِيعَ مَا فِيهِ " فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَحِينَئِذٍ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ " مَا عَلِمْت مَا فِيهِ " فِي الظَّاهِرِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إذَا قَالَ الْمُتَحَاسِبَانِ " لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا " لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ، وَلُزُومَ إقَامَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ: يَمْنَعُ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ: شَهِدَ، سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ الْحُكْمِ أَوْ لَا، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي، وَقِيلَ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إذَا قَالَ الْقَاضِي لِلشَّاهِدَيْنِ " أُعْلِمُكُمَا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا "

هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدَنَا عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا "؟ فَقَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْحَاكِمِ تَكُونُ فِي وَقْتِ حُكْمِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ لَهُمَا بِحُكْمِهِ، فَيَقُولُ الشَّاهِدُ " أَخْبَرَنِي أَوْ أَعْلَمَنِي أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فِي وَقْتِ كَذَا كَذَا "، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا " أَشْهَدُ " وَإِنَّمَا يُخْبِرَانِ بِقَوْلِهِ. قَوْلُهُ (فَصْلٌ: وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ غَصَبَهُ أَمْسِ لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْفِعْلِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ، كَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ، أَوْ فِي الصِّفَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ) ،

وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ فِي قَوَدٍ وَقَطْعٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْقَطْعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْفِعْلِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَسْوَدَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْكِيسَ غَدْوَةً، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَصَحَّحَاهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُكَمَّلُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ بِكُلِّ فِعْلٍ شَاهِدَانِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ أَوْ الصِّفَةِ ثَبَتَا جَمِيعًا، إنْ ادَّعَاهُمَا، وَإِلَّا ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهُ، كَقَتْلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ: تَعَارَضَتَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: تَعَارَضَتَا، إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُرَادُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ: أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً: تَعَارَضَتَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَلَمْ يَثْبُتْ قَطْعٌ وَلَا مَالٌ،

قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا تَعَارُضَ فِيهِ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمَا، بِأَنْ يَسْرِقَهُ بُكْرَةً، ثُمَّ يَعُودَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَسْرِقَهُ عَشِيَّةً، فَيَثْبُتُ لَهُ الْكِيسُ الْمَشْهُودُ بِهِ حَسْبُ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَإِنْ كَانَا فِعْلَيْنِ لَكِنَّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ضَمَانِهِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا الْيَوْمَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ: كُمِّلَتْ الْبَيِّنَةُ، وَثَبَتَ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمُوا بِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي الْكَافِي احْتِمَالٌ: أَنَّهَا لَا تُكَمَّلُ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: كُلُّ الْعُقُودِ كَالنِّكَاحِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَتَقَدَّمَ احْتِمَالُ صَاحِبِ الْكَافِي، وَوَجْهُ صَاحِبِ التَّرْغِيبِ. قَوْلُهُ (إلَّا النِّكَاحَ، إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا قَالَ: لَا يَجْمَعُ لِلتَّنَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ،

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْمَعُ وَتُكَمَّلُ. قَوْلُهُ (كَذَلِكَ الْقَذْفُ) يَعْنِي: أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُكَمَّلُ إذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي وَقْتِ قَذْفِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: حُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِفِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا جُمِعَتْ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْفِعْلِ، وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُجْمَعُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْمُصَنِّفُ، فِي الْمُغْنِي فِي الْقَسَامَةِ، وَالشَّارِحُ فِي أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ تُجْمَعُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تُجْمَعُ، وَقَالَهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِعَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ قَتْلِ خَطَأٍ، وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ: لَمْ تُجْمَعْ، وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ

الرَّابِعَةُ: مَتَى جَمَعْنَا الْبَيِّنَةَ مَعَ اخْتِلَافِ زَمَنٍ فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ فَالْعِدَّةُ، وَالْإِرْثُ تَلِي آخِرَ الْمُدَّتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ: ثَبَتَ الْأَلْفُ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْآخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ إنْ أَحَبَّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ. فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ، وَشَاهِدَانِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ: دَخَلَتْ الْخَمْسُمِائَةِ فِي الْأَلْفِ، وَوَجَبَتْ الْأَلْفُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَابُ وَالصِّفَاتُ: وَجَبَتْ لَهُ الْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةُ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ فَهَلْ تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَلْفٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. أَحَدُهُمَا: تُكَمَّلُ الْبَيِّنَةُ فِي الْأَلْفِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: لَا تُكَمَّلُ، فَيَحْلِفُ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ: لَمْ تُكَمَّلْ الْبَيِّنَةُ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تُكَمَّلُ إنْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ، وَآخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ: جُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضَهُ) ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " قُضِيَ مِنْهُ مِائَةٌ " (بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: تَفْسُدُ فِي الْمِائَةِ كَرُجُوعِهِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تُقْبَلُ فِيمَا بَقِيَ،

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَاهُ بَعْضَهُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، قَالَ الشَّارِحُ: فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْحُكْمِ، فَيَحْتَاجُ قَضَاءُ الْمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ يَمِينٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَا: أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ نِصْفَهُ: صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقَالَ: وَجْهًا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ ابْنُ مُنَجَّا، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ: صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَنَصَّ فِيمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهَا: قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ: فَشَهَادَتُهُمَا صَحِيحَةٌ بِالْأَلْفِ، وَيَحْتَاجُ قَضَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ، أَوْ يَمِينٍ، وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَيَتَخَرَّجُ فِيهِمَا أَنْ لَا تُثْبِتَ شَهَادَتُهُمَا سِوَى خَمْسِمِائَةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ كَرِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. فَوَائِدُ الْأُولَى: لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ: أَنَّهُ اقْتَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ، أَوْ قَدْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ: لَمْ يَشْهَدْ لَهُ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: لَوْ قَضَاهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ جَحَدَهُ بَقِيَّتَهُ: أَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ، أَوْ بَقِيَّتَهُ؟

قَالَ: يَدَّعِيهِ كُلَّهُ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ، فَتَشْهَدُ عَلَى حَقِّهِ كُلِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْحَاكِمِ: قَضَانِي نِصْفَهُ. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا، إنْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ: أَنَّهُ أَقْرَضَهُ: لَمْ يَحْنَثْ، بَلْ إنْ شَهِدَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَحُكِمَ بِهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ فِي صَادِقٍ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا حَقَّ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ: حَنِثَ حُكْمًا. الثَّالِثَةُ: لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ مِنْ نِسَائِهِ، أَوْ أَعْتَقَ مِنْ إمَائِهِ، أَوْ أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، وَقَالَا " نَسِينَا عَيْنَهَا " لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْهِجِ فِي صُورَةِ الْوَصِيَّةِ فِيهَا، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. الرَّابِعَةُ: هَلْ يَشْهَدُ عَقْدًا فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَيَشْهَدُ بِهِ؟ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَشْهَدُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَوْ رَهَنَ الرَّهْنَ بِحَقٍّ ثَانٍ: كَانَ رَهْنًا بِالْأَوَّلِ فَقَطْ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ، فَإِنْ اعْتَقَدَا فَسَادَهُ: لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَإِنْ اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَا بِكَيْفِيَّةِ الْحَالِ فَقَطْ، وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ إذَا عَلِمَهُ بِتَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ أَوْ تَفْضِيلِهِ، وَذَكَرَهُ فِيهِ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ،

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: يُكْرَهُ مَا ظَنَّ فَسَادَهُ، وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَحْرُمُ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ: لَمْ يَجُزْ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي مِنْ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ " فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: وَعِنْدِي يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إذَا قَالَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ " لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَقَالَ: وَمَنْ قَالَ لِبَيِّنَةٍ بِمِائَةٍ " اشْهَدَا لِي بِخَمْسِينَ " لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِمَا فَوْقَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَإِذَا قَالَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ " لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِلَّا جَازَ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ مُوَلًّى بِأَكْثَرَ مِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِلَّا جَازَ،

فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنْ وُلِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: جَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالنَّقْلِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ وُلِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَيْسَ مَعَنَا حَاجَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْبَعْضِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِالْبَعْضِ، وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ فِي الْمُقْنِعِ هَذَا الْقَيْدَ، وَلَا الْكَافِي، لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ: فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ " اشْهَدْ عَلَيَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِائَةِ دِرْهَمٍ " فَشَهِدَ عَلَى مِائَةٍ دُونَ مِائَةٍ: كُرِهَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُونِي عَلَى مِائَةٍ وَمِائَةٍ وَمِائَةٍ " يَحْكِيهِ كُلَّهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا كَانَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا شَهِدَ عَلَى أَلْفٍ وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ " أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي عَلَى مِائَةٍ " لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِالْأَلْفِ، قَالَ الْقَاضِي: وَذَلِكَ أَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ نَقْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا شَهِدَ. فَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " إذَا شَهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى مِائَةِ وَمِائَتَيْنِ " يَرُدُّ مَا قَالُوهُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ " إذَا كَانَ يَحْكُمُ عَلَى مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَ لِي عَلَى مِائَةٍ، لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِالْأَلْفِ " فَمَنَعَهُ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمِائَتَيْنِ، فَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ بِمِائَةٍ وَهُوَ يَحْكُمُ بِمِائَتَيْنِ: فَقَدْ مَنَعَهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَطْوِيلٍ، وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْحَاكِمِ: فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْوَاقِعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَكُونُ فِي الْعُرْفِ، إلَّا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَطْلُبُ إلَّا

فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنْ طَلَبِ الْحَقِّ كَامِلًا، أَمَّا كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ، فِي الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ، أَيْ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ لَا يُجِيزُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ إذَا كَانَ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ؛ لِعَدَمِ الْعُذْرِ، لَكِنْ تَعْلِيلُ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَدْ شَهِدَ بِالْخَمْسِمِائَةِ، وَلَيْسَ كَاذِبًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ يُجِيزُهُ مُطْلَقًا، وَأَبُو الْخَطَّابِ لَمْ يُعَلِّلْ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنْ كَانَ رَأَى تَعْلِيلَهُ فِي كَلَامِهِ فِي غَيْرِ الْهِدَايَةِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ عَلَّلَهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَصَدَ مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ، وَأَرَادَ: الْجَوَازَ مُطْلَقًا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ: الْجَوَازُ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَيَكُونُ كَوْنُهُ لَيْسَ كَاذِبًا فِي شَهَادَةٍ يَمْنَعُ الِاحْتِيَاجَ إلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ، لِكَوْنِهِ لَا يَحْكُمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَتَكُونُ الْعِلَّةُ الْمَجْمُوعَ، مَعَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتٍ، أَيْ قَالَ صَاحِبُ الْحَقِّ ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، لَكِنْ النُّسَخُ بِالْفَاءِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ الْكَاتِبِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَأَمَّا صَاحِبُ الْوَجِيزِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَنَّ الْمَفْهُومَ مَقْصُودًا، فَصَرَّحَ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَلَكِنْ ارْتَكَبْنَاهُ لَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ. انْتَهَى. كَلَامُ شَيْخِنَا، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ نَصْرُ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ: أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِالْخَمْسِمِائَةِ، وَكَانَ أَصْلُهَا بِأَلْفٍ، وَأَعْلَمُوا الْحَاكِمَ بِذَلِكَ: يَكُونُ حُكْمُهُ

بِالْخَمْسِمِائَةِ حُكْمًا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا لَمْ يُوَلَّ فِيهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا وُلِّيَ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا رَأَيْته مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَشْهَدْ كَمَا سَمِعَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَا يَسْلَمُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ يَكُونُ حُكْمًا بِالْجُمْلَةِ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا بِمَا ادَّعَى بِهِ وَشَهِدَ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الَّذِينَ عَلَّلُوا الْمَنْعَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤَدَّ كَمَا سُمِعْت: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ قَيَّدَ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: يَكُونُ تَوْجِيهُهُ مَا ذُكِرَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِكُلِّهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ الْكُرَّاسِ الرَّابِعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي خَاصَّةً وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّتِهَا فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ: لَا تَشْهَدْ إلَّا بِمَا أُشْهِدْت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَلَا يُحْكَمُ فِي الْبِلَادِ إلَّا عَلَى مِائَةٍ لَا يَشْهَدْ إلَّا بِأَلْفٍ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَا،

وَمَنَعَ مِنْ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ، بَلْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا جُعِلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي، وَشَهِدَ بِالْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ، رُبَّمَا ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ الثَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي شَهِدَ بِهَا أَوَّلًا، وَتَسْقُطُ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسَيْنِ بِأَلْفٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] وَإِذَا بَعَّضَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا. انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.

باب شروط من تقبل شهادته

[بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] ُ قَوْلُهُ (وَهِيَ سِتَّةٌ. أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ، مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَالِ الْعَدَالَةِ، فَتَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: ابْنَ عَشْرٍ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَامِدٍ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْجِرَاحِ إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا، ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ، ذَكَرَهَا فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُؤَدُّوهَا أَوْ يَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، ثُمَّ لَا يُؤَثِّرُ رُجُوعُهُمْ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى مِثْلِهِمْ،

وَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ، فَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ: فَلَا تُقْبَلُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ الْقَاضِي، فَإِنَّ الصِّبْيَانَ لَا قَوَدَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا الشَّهَادَةُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ، ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْعَقْلُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَعْتُوهٍ وَلَا مَجْنُونٍ، إلَّا مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ إذَا شَهِدَ فِي إفَاقَتِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا حَالَ إفَاقَتِهِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: الْكَلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى،

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَنْصُوصُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرِّوَايَةُ، إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ قُلْت وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا، وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَائِدَةٌ: لَوْ أَدَّاهَا بِخَطِّهِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَنَعَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي، وَخَالَفَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَاخْتَارَ فِيهِ قَبُولَهَا قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَأَنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ هَلْ هِيَ صَرِيحٌ أَمْ لَا؟ وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ وَالْأَعْمَى وَأَحْكَامُهُمَا. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ إلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ، وَحَضَرَ الْمُوصِيَ الْمَوْتُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) ، يَعْنِي إذَا كَانُوا رِجَالًا، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ،

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: رَوَاهُ نَحْوُ الْعِشْرِينَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِنْ الْكَافِرِ مُطْلَقًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. الثَّالِثُ: صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَرْطِهَا، وَقَالَ هُوَ الْمَذْهَبُ،

وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِي أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلْحَمِيلِ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ لِلْحَمِيلِ، وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ سَفَرًا، ذَكَرَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ: كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعْنَ فِي الْعُرْسِ وَالْحَمَّامِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تُقْبَلُ عَلَى بَعْضٍ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَخَطَّأَهُ الْخَلَّالُ فِي نَقْلِهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: هَذَا غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّبْيِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ الْآخَرَ أَخُوهُ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ: غَلَطُ مَنْ رَوَى خِلَافَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَاخْتَارَ رِوَايَةَ قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ: الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَنَصَرُوهُ، وَاحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَنَصَرَهُ أَيْضًا فِي الِانْتِصَارِ، وَفِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا: لَا مِنْ حَرْبِيٍّ، وَفِيهِ أَيْضًا: بَلْ عَلَى مِثْلِهِ، وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: لَا مُرْتَدٍّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ، فَلَا يُقَرُّ، وَلَا فَاسِقٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ مَحْظُورَ دِينِهِ، وَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ،

وَفِي اعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمِلَّةِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ اتِّحَادُهَا، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ (وَيُحَلِّفُهُمْ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْعَصْرِ: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ) ، أَنَّ تَحْلِيفَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحَلِّفُهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: يُحَلِّفُهُمْ مَعَ الرِّيبَةِ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحْفَظُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ، وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ) ، لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَعْرُوفِ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا الْمَعْرُوفُ بِكَثْرَةِ النِّسْيَانِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ،

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَذَا الصَّحِيحُ، إلَّا فِي أَمْرٍ جَلِيٍّ يَكْشِفُهُ الْحَاكِمُ وَيُرَاجِعُهُ فِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ تَثَبُّتَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا سَهْوَ وَلَا غَلَطَ فِيهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَالسَّادِسُ: الْعَدَالَةُ، وَهِيَ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ) ، تَقَدَّمَ فِي " بَابِ طُرُقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ " أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَيُعْتَبَرُ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، بِلَا رَيْبٍ، وَقِيلَ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، فِي الْعَدَالَةِ: اجْتِنَابَ الرِّيبَةِ وَانْتِفَاءَ التُّهْمَةِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِعْلُ مَا يُسْتَحَبُّ، وَتَرْكُ مَا يُكْرَهُ. فَائِدَةٌ: الْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا، الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ، وَالْمُمْتَنِعَ وَالْمُمْكِنَ، وَمَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ غَالِبًا، وَالْعَقْلُ: نَوْعُ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ إنْسَانِيٍّ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ الْأُصُولُ، وَالْإِسْلَامُ: الشَّهَادَتَانِ نُطْقًا أَوْ حُكْمًا، تَبَعًا أَوْ بِدَارٍ، مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الدِّينِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ) ، أَنَّ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ وَحْدَهَا يَكْفِي وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ سُنَنَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ،

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ، أَدَاءَ الْفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: بِسُنَنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ " الرَّاتِبَةَ " وَقَدْ أَوْمَأَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَالْجَمَاعَةُ، كَقَوْلِهِ فِيمَنْ يُوَاظِبُ عَلَى تَرْكِ سُنَنِ الصَّلَاةِ: رَجُلُ سُوءٍ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْ تَرَكَ سُنَّةً سَنَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ: فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَرْكِ فَرْضٍ، وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَرَكَهَا طُولَ عُمُرِهِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، فَإِنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْمُدَاوَمَةِ يَكُونُ رَاغِبًا عَنْ السُّنَّةِ، وَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِكَوْنِهَا سُنَّةً، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَرَجَ عَلَى هَذَا، وَكَذَا قَالَ فِي الْفُصُولِ: الْإِدْمَانُ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ غَيْرُ جَائِرٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوِتْرِ، وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْوِتْرِ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَمَاعَةِ، عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَاقِصَ الْإِيمَانِ

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ. قَوْلُهُ (وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً، وَلَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَقِيلَ: أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ إلَّا الْخَيْرُ، وَقِيلَ: أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: بِأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا يُصِرَّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَعَنْهُ: تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِكِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَاسَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ الْخَبَرُ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَخَذَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الْكَذِبَ كَبِيرَةٌ، وَجَعَلَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَذِبِ: وَأَوْرَدَ ذَلِكَ مَذْهَبًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي الْكِذْبَةِ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا: هَلْ هِيَ كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ؟ وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ،

وَظَاهِرُ الْكَافِي: أَنَّ الْعَدْلَ مَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ وَلَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تَقَعُ مُكَفَّرَةً أَوَّلًا فَأَوَّلًا، فَلَا تَجْتَمِعُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَوْلَا الْإِجْمَاعُ لَقُلْنَا بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ: أَنَّهُ عَدْلٌ وَلَوْ أَتَى كَبِيرَةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صَرَّحَ بِهِ فِي قِيَاسِ الشُّبْهَةِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا إنْ أَكْثَرَ لَمْ نُصَلِّ خَلْفَهُ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَعَنْهُ فِيمَنْ وَرِثَ مَا أَخَذَهُ مَوْرُوثُهُ مِنْ الطَّرِيقِ هَذَا أَهْوَنُ، لَيْسَ هُوَ أَخْرَجَهُ، وَأَعْجَبُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا: لَا يَكُونُ عَدْلًا حَتَّى يَرُدَّ مَا أَخَذَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ كَذِبٍ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ "، أَوْ تَكَرَّرَ نَظَرُهُ إلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْقُعُودِ لَهُ بِلَا حَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ: قُدِحَ فِي عَدَالَتِهِ، قَالَ: وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا، أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ، أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ: أَنَّهُ كَبِيرَةٌ. فَائِدَةٌ: " الْكَبِيرَةُ " مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ وَعِيدٌ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هِيَ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ وَعِيدٌ، أَوْ غَضَبٌ أَوْ لَعْنَةٌ أَوْ نَفْيُ الْإِيمَانِ، وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْغُنْيَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي مُعْتَمَدِهِ: مَعْنَى " الْكَبِيرَةِ " أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ " وَالصَّغِيرَةُ " أَقَلُّ، وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ تَكَرَّرَتْ الصَّغَائِرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: تَجْتَمِعُ وَتَكُونُ كَبِيرَةً،

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا تَجْتَمِعُ، وَهُوَ شَبِيهُ مَقَالَةِ الْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ أَوْ الِاعْتِقَادِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، (وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ الْمُتَدَيَّنِ بِهِ، إذَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِالشَّهَادَةِ لِمُوَافِقِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ) ، كَالْخَطَّابِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ. فَائِدَةٌ: مَنْ قَلَّدَ فِي خَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِهِمَا: فَسَقَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَعَنْهُ: يَكْفُرُ كَمُجْتَهِدٍ، وَعَنْهُ: فِيهِ لَا يَكْفُرُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَقَلَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ فِيمَنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ كُنْت لَا أُكَفِّرُهُ حَتَّى قَرَأْت {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وَغَيْرَهَا، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي: عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ أَوْ لَا؟ كَفَرَ وَقَالَ فِي الْفُصُولِ فِي الْكَفَاءَةِ، فِي جَهْمِيَّةٍ وَوَاقِفِيَّةٍ وَحَرُورِيَّةٍ وَقَدَرِيَّةٍ وَرَافِضِيَّةٍ إنْ نَاظَرَ وَدَعَا: كَفَرَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْسُقْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: يُسْمَعُ حَدِيثُهُ وَيُصَلَّى خَلْفَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ عَامَّةَ الْمُبْتَدِعَةِ فَسَقَةٌ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كُفَّارٌ مَعَ جَهْلِهِمْ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ لَا كُفْرَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ

وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّ قَدَرِيَّةَ أَهْلِ الْأَثَرِ كَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْأَصَمِّ مُبْتَدِعَةٌ، وَفِي شَهَادَتِهِمْ وَجْهَانِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى: أَنْ لَا تُقْبَلَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ: الْفِسْقُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي خَبَرِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ: رِوَايَاتٍ. الثَّالِثَةُ: إنْ كَانَتْ مُفَسِّقَةً: قُبِلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُكَفِّرَةً: رُدَّ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُقُ أَحَدٌ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ فِي الْمُقَلَّدِ، كَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ: الدَّاعِيَةُ كَتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَحَدِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَوْ لَمْ يَرَ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَعَنْهُ: لَا يَفْسُقُ مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَفِيمَنْ رَأَى " الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ " وَنَحْوِهِ التَّسْوِيَةُ، نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنْ كَانَ جَاهِلًا لَا عِلْمَ لَهُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ الْمَجْدُ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَا تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا لِخِفَّتِهَا، مِثْلُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَنَقِفُ عَنْ تَكْفِيرِ مَنْ كَفَّرْنَاهُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ. وَقَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ، فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِأَنَّ أَلْفَاظًا بِهِ مَخْلُوقَةٌ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَنْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَدَيُّنًا، أَوْ يَقُولَ: إنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ: فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ،

قَالَ: وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ بِنَفْيِ خَلْقِ الْمَعَاصِي، عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَلَهُ فِي الْخَوَارِجِ كَلَامٌ يَقْتَضِي فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَيْنِ، نَقَلَ حَرْبٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صَاحِبِ بِدْعَةٍ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا: فَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ، مَعَ إمْكَانِهِ، وَنَحْوِهِ، مُتَأَوِّلًا: فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ يَرَى الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ، لِتَحْرِيمِهِمَا الْآنَ، وَذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّا خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنْ الزِّنَا، أَوْ أُمَّ مَنْ زَنَى بِهَا احْتِمَالًا: تُرَدُّ وَعَنْهُ: يَفْسُقُ مُتَأَوِّلٌ لَمْ يَسْكَرْ مِنْ نَبِيذٍ، اخْتَارَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَلِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَنَّهُ إلَى الْحَاكِمِ، لَا إلَى فَاعِلِهِ كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ. كَذِمِّيٍّ شَرِبَ خَمْرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُوجَزِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، نَقَلَ مُهَنَّا: مَنْ أَرَادَ شُرْبَهُ يَتْبَعُ فِيهِ مَنْ شَرِبَهُ: فَلْيَشْرَبْهُ، وَعَنْهُ: أُجِيزُ شَهَادَتَهُ، وَلَا أُصَلِّي خَلْفَهُ وَحْدَهُ،

وَعَنْهُ: وَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ قَادِرًا كَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ وَالْمَرُّوذِيُّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَقِيَاسُ الْأَدِلَّةِ مَنْ لَعِبَ بِشِطْرَنْجٍ، وَتَسَمَّعَ غِنَاءً بِلَا آلَةٍ، قَالَهُ فِي الْوَسِيلَةِ، لَا بِاعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ الْفُقَهَاءِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَأَدْخَلَهُمْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَخْرَجَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ: رُدَّتْ، شَهَادَتُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ وَغَيْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُرَدَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. فَائِدَةٌ: مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَأَخَذَ بِهَا: فَسَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مَنْ تَرَكَ شَرْطًا، أَوْ رُكْنًا مُخْتَلَفًا فِيهِ: لَا يُعِيدُ فِي رِوَايَةٍ، وَيَتَوَجَّهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَمْ يُنْقَضْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: لَا يَفْسُقُ إلَّا الْعَالِمُ، وَمَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ: فَرِوَايَتَانِ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ: هَلْ يَلْزَمُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ أَوْ لَا؟ " فَلْيُعَاوَدْ.

قَوْلُهُ (الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ، وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ وَالْمُتَمَسْخِرِ وَالْمُغَنِّي) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُكْرَهُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ وَالنُّوحِ بِلَا آلَةِ لَهْوٍ، وَيَحْرُمُ مَعَهَا، وَقِيلَ: وَبِدُونِهَا، مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَقِيلَ: يُبَاحُ، مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُنْكَرٌ آخَرُ، وَإِنْ دَاوَمَهُ أَوْ اتَّخَذَهُ صِنَاعَةً يُقْصَدُ لَهُ، أَوْ اتَّخَذَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً مُغَنِّيَيْنِ يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا النَّاسَ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِهِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ: رَدَّهَا مَنْ حَرَّمَهُ أَوْ كَرِهَهُ، وَقِيلَ: أَوْ أَبَاحَهُ، لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَدَنَاءَةٌ يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ، وَقِيلَ " الْحُدَاءُ " نَشِيدُ الْأَعْرَابِ. كَالْغِنَاءِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: يُبَاحُ سَمَاعُهَا. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُكْرَهُ غِنَاءٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَحْرُمُ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ فِي الْوَصِيِّ: يَبِيعُ أَمَةً لِلصَّبِيِّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُغَنِّيَةٍ، وَعَلَى أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ بِالْأَلْحَانِ، وَقِيلَ: يُبَاحُ الْغِنَاءُ وَالنَّوْحُ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَذَا سَمَاعُهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِمَا: يَحْرُمُ مَعَ آلَةِ لَهْوٍ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا، وَكَذَا قَالُوا هُمْ وَابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ الْمُغَنِّي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ، وَيَعْقُوبُ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سُئِلَ عَنْ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ بِلَا غِنَاءٍ؟ فَلَمْ يَكْرَهْهُ.

فَوَائِدُ مِنْهَا يُكْرَهُ بِنَاءُ الْحَمَّامِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الْغُسْلِ " وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ، وَتَقَدَّمَ أَحْكَامُ الْحَمَّامِ فِي آخِرِ " بَابِ الْغُسْلِ ". وَمِنْهَا: الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ، سَأَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا يُكْرَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْهِجَاءُ، وَالرَّقِيقُ الَّذِي يُشَبِّبُ بِالنِّسَاءِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشِّعْرُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَمِنْهَا: لَوْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ فِي الْمِدْحَةِ بِإِعْطَائِهِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ، أَوْ بِمُرْدٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ: فَسَقَ، لَا إنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاخْتَارَ فِي الْفُصُولِ، وَالتَّرْغِيبِ: تُرَدُّ. كَدَيُّوثٍ قَوْلُهُ (وَاللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ اللَّاعِبِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مُقَلِّدًا. قَوْلُهُ (وَاللَّاعِبِ بِالْحَمَامِ) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ: الطَّيَّارَةُ، وَنَقَلَ بَكْرٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَوْ يَسْتَرْعِيهِ مِنْ الْمَزَارِعِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا تَسْرِيحُهَا فِي مَوَاضِعَ يُرَاهِنُ بِهَا. فَائِدَةٌ: اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَعَ عِوَضٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ إجْمَاعًا فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ فَسَقَ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ إذَا خَلَا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يُكْرَهُ، وَيَحْرُمُ النَّرْدُ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشِّطْرَنْجُ شَرٌّ مِنْ النَّرْدِ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ، وَيَحْرُمُ لِيَصِيدَ بِهِ حَمَامَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا وَاسْتِفْرَاخِهَا وَكَذَا لِحَمْلِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَذًى يَتَعَدَّى إلَى النَّاسِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ، وَفِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِاسْتِدَامَتِهِ وَجْهَانِ، وَيُكْرَهُ حَبْسُ طَيْرٍ لِنَغْمَتِهِ، فَفِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَهُمَا احْتِمَالَانِ فِي الْفُصُولِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمِ: أَنَّهَا لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمُخَاطَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فِي رَفْعِ الْأَعْمِدَةِ وَالْأَحْجَارِ الثَّقِيلَةِ وَالثِّقَافِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَحْرُمُ مُحَاكَاةُ النَّاسِ لِلضَّحِكِ، وَيُعَزَّرُ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُهُ بِهِ. قَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يَتَغَدَّى فِي السُّوقِ) ،

يَعْنِي: بِحَضْرَةِ النَّاسِ، قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: أَوْ يَتَغَدَّى عَلَى الطَّرِيقِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَاَلَّذِي يَنْصِبُ مَائِدَةَ وَيَأْكُلُ عَلَيْهَا، وَلَا يَضُرُّ أَكْلُ الْيَسِيرِ كَالْكِسْرَةِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ (وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ) ، وَكَذَا لَوْ كَشَفَ مِنْ بَدَنِهِ مَا الْعَادَةُ تَغْطِيَتُهُ، وَنَوْمُهُ بَيْنَ الْجَالِسِينَ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ. فَائِدَةٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ (وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَتِهِ أَهْلَهُ وَأَمَتَهُ) . وَكَذَا مُخَاطَبَتُهُمَا بِخِطَابٍ فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَاكِي الْمُضْحِكَاتِ، وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الْفُنُونِ: وَالْقَهْقَهَةِ، قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ تَشَدُّقُهُ بِالضَّحِكِ وَقَهْقَهَتُهُ، وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَقَالَ: وَمَضْغُ الْعِلْكِ؛ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ، وَإِزَالَةُ دَرَنِهِ بِحَضْرَةِ نَاسٍ، وَكَلَامٌ بِمَوْضِعٍ قَذِرٍ، كَحَمَّامٍ وَخَلَاءٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمُصَارِعٌ، وَبَوْلُهُ فِي شَارِعٍ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: وَمَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَدَوَامُ اللَّعِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَاخْتَفَى بِمَأْمَنِهِ: قُبِلَتْ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ وَالنَّفَّاطِ

وَالْقَمَّامِ وَالزَّبَّالِ وَالْمُشَعْوِذِ وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ وَالْقَرَّادِ وَالْكَبَّاشِ فَهَلْ تُقْبَلُ، شَهَادَتُهُمْ إذَا حَسُنَتْ طَرَائِقُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ. أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ: لَا يُقْبَلُ مَسْتُورُ الْحَالِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُبِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَارِسِ، وَالدَّبَّاغِ، وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ، وَزَادَ: النَّفَّاطَ، وَالصَّبَّاغَ، وَاخْتَارَ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَبَّاشِ، وَالْكَاسِحِ، وَالْقَرَّادِ، وَالْقَمَّامِ، وَالْحَجَّامِ، وَالزَّبَّالِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَنَخَّالِ التُّرَابِ، وَالْمُحَرِّشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَجَّامِ،

وَالنَّخَّالِ، وَالنَّفَّاطِ، وَالْحَارِسِ، وَالصَّبَّاغِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْقَمَّامِ، وَالزَّبَّالِ، وَالْقَرَّادِ، وَالْكَبَّاشِ، وَالْكَسَّاحِ، وَالْقَيِّمِ، وَالْجَصَّاصِ، وَنَحْوِهِمْ، وَاخْتَارَ الْأَدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَجَّامِ، وَالْحَائِكِ، وَالنَّخَّالِ، وَالنَّفَّاطِ، وَالْقَمَّامِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالْحَارِسِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُنَوِّرِ: قَبُولَ شَهَادَةِ الْحَارِسِ، وَالْحَائِكِ، وَالنَّخَّالِ، وَالصَّبَّاغِ، وَالْحَاجِمِ، وَالْكَسَّاحِ، وَالزَّبَّالِ، وَالدَّبَّاغِ، وَالنَّفَّاطِ. قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: أَوْ نَقُولُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْحَائِكِ، وَالْحَارِسِ، وَالدَّبَّاغِ، بِبَلَدٍ يُسْتَزْرَى فِيهِ بِهِمْ، وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُسَّاحِ، وَالْكَنَّاسِ، وَأَطْلَقَ فِي الزَّبَّالِ، وَالْحَجَّامِ، وَنَحْوِهِمْ، وَجْهَيْنِ، قُلْت: لَيْسَ الْحَائِكُ، وَالنَّخَّالُ، وَالدَّبَّاغُ، وَالْحَارِسُ: كَالْقَرَّادِ، وَالْكَبَّاشِ، وَالْمُشَعْوِذِ، وَنَحْوِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: الدَّبَّابُ، وَالصَّبَّاغُ، وَالْكَنَّاسُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَصَانِعٍ، وَمُكَارٍ، وَجَمَّالٍ، وَجَزَّارٍ، وَمُصَارِعٍ، وَمَنْ لَبِسَ غَيْرَ زِيِّ بَلَدٍ يَسْكُنُهُ، أَوْ زِيَّهُ الْمُعْتَادَ بِلَا عُذْرٍ، وَالْقَيِّمِ، وَقَالَ غَيْرَهُ: وَجَزَّارٍ، وَفِي الْفُنُونِ: وَكَذَا خَيَّاطٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ غَرِيبٌ، قُلْت: هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَمِثْلُ ذَلِكَ: الصَّيْرَفِيُّ وَنَحْوُهُ، إنْ لَمْ يَتَّقِ الرِّبَا، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْرَهُ الصَّرْفَ،

قَالَ الْقَاضِي: يُكْرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّائِغِ، وَالصَّابِغِ: إنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ وَالثِّقَةَ فَلَا مَطْعَنَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ كَسْبُ مَنْ صَنْعَتُهُ دَنِيَّةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ مَعَ إمْكَانِ أَصْلَحَ مِنْهَا، وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَمَنْ يُبَاشِرُ النَّجَاسَةَ، وَالْجَزَّارُ. ذَكَرَهُ فِيهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ، وَفَاصِدٍ، وَمُزَيِّنٍ، وَجَرَائِحِيٍّ، وَنَحْوِهِمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَيْطَارٍ، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: لَا يُكْرَهُ كَسْبُ فَاصِدٍ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الظَّاهِرُ يُكْرَهُ، قَالَ: وَكَذَا الْخَتَّانُ، بَلْ أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ فِي الرَّقِيقِ، وَكَرِهَهُ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الصَّيْدِ " أَيُّ الْمَكَاسِبِ أَفْضَلُ؟ قَوْلُهُ (وَمَتَى زَالَتْ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، فَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ: قُبِلَتْ، شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ: إصْلَاحُ الْعَمَلِ سَنَةً،

وَقِيلَ: ذَلِكَ فِيمَنْ فِسْقُهُ بِفِعْلٍ، وَذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً، وَعَنْهُ: ذَلِكَ فِي مُبْتَدِعٍ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَالْحَلْوَانِيُّ، لِتَأْجِيلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبِيغًا، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فِي قَاذِفٍ وَفَاسِقٍ مُدَّةُ عِلْمِ حَالِهِمَا، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْكَافِي، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ يَجِيءُ عَلَى مَقَالَةِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا وُجُودُ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] . فَائِدَتَانِ الْأُولَى: تَوْبَةُ غَيْرِ الْقَاذِفِ: النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ، وَالْعَزْمُ أَنْ لَا يَعُودَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ كَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَزَكَاةٍ، وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ " إنِّي تَائِبٌ " وَنَحْوُهُ، وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا: مُجَانَبَةُ قَرِينِهِ فِيهِ. الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ: رَدُّ الْمَظْلَمَةِ إلَى رَبِّهَا، وَأَنْ يَسْتَحِلَّهُ، أَوْ يَسْتَمْهِلَهُ مُعْسِرٌ، وَمُبَادَرَتُهُ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَسَبَ إمْكَانِهِ، ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: يُعْتَبَرُ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَوْ بَدَلِهَا، أَوْ نِيَّةُ الرَّدِّ مَتَى قَدَرَ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْقَذْفِ: إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ غَيْرُ مَالِيٍّ لِحَيٍّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَظْلَمَةُ لِمَيِّتٍ فِي مَالٍ: رَدَّهُ إلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ: فَإِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَيِّتِ فِي عِرْضِهِ كَسَبِّهِ وَقَذْفِهِ فَيَنْوِي اسْتِحْلَالَهُ إنْ قَدَرَ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ حَتَّى يُرْضِيَهُ عَنْهُ

وَالظَّاهِرُ: صِحَّةُ تَوْبَتِهِ فِي الدُّنْيَا، مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْمَظْلُومِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْخَلَاصِ مِنْهُ كَالدَّيْنِ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مُبْتَدِعٍ، اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ حَتَّى يَتُوبَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَسَوَاءٌ حُدَّ أَوْ لَا، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَقَالَ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ بَقَاءِ عَدَالَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ. قَوْلُهُ (وَتَوْبَتُهُ: أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِكَذِبِهِ حُكْمًا، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ " نَدِمْت عَلَى مَا قُلْت، وَلَنْ أَعُودَ إلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ: إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ "، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ: وَاخْتَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَ نَفْسِهِ فَكَالْأَوَّلِ، وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَهُ، فَتَوْبَتُهُ الِاسْتِغْفَارُ، وَالْإِقْرَارُ بِبُطْلَانِ مَا قَالَهُ، وَتَحْرِيمُهُ وَأَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ،

وَقَالَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ الْقَذْفُ شَهَادَةً، قَالَ " الْقَذْفُ حَرَامٌ بَاطِلٌ، وَلَنْ أَعُودَ إلَى مَا قُلْت " وَإِنْ كَانَ سَبًّا: فَكَالْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ فِي الْكَافِي: أَنَّ الصَّادِقَ يَقُولُ " قَذْفِي لِفُلَانٍ بَاطِلٌ، نَدِمْت عَلَيْهِ ". فَائِدَةٌ: الْقَادِفُ بِالشَّتْمِ: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفُتْيَاهُ، حَتَّى يَتُوبَ، وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ: تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، دُونَ شَهَادَتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، شَهَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، أَوْ فِي غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا: قُبِلَتْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ، ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ: قُبِلَتْ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْقَاضِي يَعْقُوبَ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو الْفَرَجِ، وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ: لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي التَّرْغِيبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: حَيْثُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ: حَرُمَ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: مَنْ أَجَازَ شَهَادَتَهُ: لَمْ يُجِزْ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ مِنْ قِيَامِهِ بِهَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَشَهِدَ: حَرُمَ رَدُّهُ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: فَلَوْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ، مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ: فَسَقَ. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ، إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَتَجُوزُ فِي) (الْمَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَمَا يُمَيَّزُ بِهِ) بِلَا نِزَاعٍ،

(فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بِعَيْنِهِ فَقَالَ الْقَاضِي: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَيْضًا وَيَصِفُهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: وَنَصُّهُ يُقْبَلُ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ: وَلَعَلَّ لَهُمَا الْتِفَاتًا إلَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ عَرَفَهُ يَقِينًا بِصَوْتِهِ، وَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي هُنَا بِالْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَإِنْ عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ فَقَطْ وَقِيلَ: أَوْ بِصَوْتِهِ فَوَصَفَهُ لِلْحَاكِمِ بِمَا يُمَيِّزُهُ: فَوَجْهَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الْمَشْهُودِ لَهَا، أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ بِهَا، لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ. قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَالْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ) .

أَمَّا الْمُرْضِعُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ شَهَادَتَهَا تُقْبَلُ عَلَى رَضَاعِ نَفْسِهَا مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا تُقْبَلُ إنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَّا قُبِلَتْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا الْقَاسِمُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى قَسْمِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالتَّرْغِيبِ: لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُتَبَرِّعٍ؛ لِلتُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ إذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ. انْتَهَى. وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا شَهِدَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَعِبَارَتُهُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ

قُلْت: وَعِبَارَتُهُ الثَّانِيَةُ تَابَعَ فِيهَا أَبَا الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، قَالَ الْقَاضِي: إذَا شَهِدَ قَاسِمَا الْحَاكِمِ عَلَى قِسْمَةٍ قَسَمَاهَا بِأَمْرِهِ " أَنَّ فُلَانًا اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ " جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بِأَجْرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ " أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ إذَا قَتَلَ صَيْدًا، وَلَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ فِي قِيمَتِهِ، وَهُوَ يُشَابِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ: فَمَقْبُولَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ " بَابِ أَدَبِ الْقَاضِي " إذَا أَخْبَرَ بَعْدَ عَزْلِهِ " أَنَّهُ كَانَ حَكَمَ بِكَذَا ". قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ) ، تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَبُولَهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَعَنْهُ: شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: أَخْشَى أَنْ لَا تُقْبَلَ، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدَهُمَا، تُقْبَلُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْآخَرَ: لَا تُقْبَلُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ،

قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.

موانع الشهادة

[مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ] بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وَيَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) ، (وَلَا وَلَدٍ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ) ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنِينَ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا، نَحْوُ: إنْ عَهِدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مَا لَمْ يَجُرَّ نَفْعًا غَالِبًا، كَشَهَادَتِهِ لَهُ بِمَالٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَنِيٌّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْمَالِ إذَا كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَأَطْلَقَ رِوَايَةَ الْقَبُولِ فِي الْكَافِي، فَقَالَ: وَعَنْهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَدْلَانِ مِنْ رِجَالِنَا، فَيَدْخُلَانِ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمْ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ مِنْ زِنًا، أَوْ رَضَاعٍ، وَفِي الْمُبْهِجِ، وَالْوَاضِحِ، رِوَايَةٌ: لَا تُقْبَلُ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ.

قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ عَنْهُ اخْتِلَافًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَوَائِدُ إحْدَاهَا: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ: لَوْ شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ لَهُ، فَهَلْ لَهُ الْحَكَمُ بِشَهَادَتِهِ؟ كَشَهَادَةِ وَلَدِ الْحَاكِمِ عِنْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؟ يَتَوَجَّهُ عَدَمُ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ تَزْكِيَةٌ لَهُ، وَهِيَ شَهَادَةٌ لَهُ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ أَيْضًا فِي الْحَوَاشِي: لَوْ شَهِدَ عَلَى الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ، فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ الْأَظْهَرُ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَتَهُ، وَحَكَمَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لَهُ فِيهِ بِشَهَادَتِهِ بِكَذَا، فَيَكُونُ قَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ رَفِيقَهُ فِي الشَّهَادَةِ: لَا تُقْبَلُ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ شَهِدَ ابْنَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا وَهِيَ تَحْتَهُ أَوْ طَلَاقِهَا: فَاحْتِمَالَانِ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ، قَطَعَ الشَّارِحُ بِقَبُولِهَا فِيهِمَا، وَقَطَعَ النَّاظِمُ بِقَبُولِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْمُغْنِي: فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قُلْت: قَطَعَ فِي الْمُغْنِي بِالْقَبُولِ فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ " عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، نَقَلَهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ: الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَطَعُوا بِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. انْتَهَى. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالْقَبُولُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ، وَلَا اخْتَارَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ

فَوَائِدُ الْأُولَى: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَتُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ أَمْثَلُ الطَّرِيقَتَيْنِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهِ ذَلِكَ الْخِلَافُ، قُلْت: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَصْوَبُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: الْمَذْهَبُ الْقَبُولُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: وَفِي الْمُقْنِعِ نَظَرٌ، وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُكَاتَبِ سَيِّدِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَصِحُّ لِزَوْجِ مَوْلَاتِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَصَبَهُمَا مِنْهُ، فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي، وَأَنَّ الْمُعْتِقَ غَصَبَهُمَا: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِعَوْدِهِمَا إلَى الرِّقِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ عِتْقِهِمَا أَنَّ مُعْتِقَهُمَا كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ حَالَ الْعِتْقِ، أَوْ يُخْرِجُ الشَّاهِدَيْنِ بِحُرِّيَّتِهِمَا، وَلَوْ عَتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَشَهِدَا بِدَيْنٍ مُسْتَوْعِبٍ لِلتَّرِكَةِ، أَوْ وَصِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الرِّقِّ: لَمْ تُقْبَلْ؛ لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ السَّيِّدِ، وَلَا يَجُوزُ.

قُلْت: فَيُعَايَى بِذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ بِصَدَاقَةٍ مُؤَكَّدَةٍ، وَالْعَاشِقِ لِمَعْشُوقِهِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ يُطِيشُ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَمِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ: الْحِرْصُ عَلَى أَدَائِهَا قَبْلَ اسْتِشْهَادِ مَنْ يَعْلَمُ بِهَا، قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا فَتُرَدُّ، وَهَلْ يَصِيرُ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ: وَمِنْ مَوَانِعِهَا: الْعَصَبِيَّةُ، فَلَا شَهَادَةَ لِمَنْ عُرِفَ بِهَا، وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ كَتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ. انْتَهَى. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي: وَمَنْ حَرَصَ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْهَا، وَأَدَّاهَا قَبْلَ سُؤَالِهِ: رُدَّتْ، إلَّا فِي عِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ قَبُولِهَا مَعَ الْعَصَبِيَّةِ، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ، لَكِنَّهُ قَالَ: فِي حَيِّزِ الْعَدَاوَةِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ حَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِ: لَمْ تُرَدَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَمَعَ النَّهْيِ عَنْهُ، قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كَلَامِهِ فِي التَّرْغِيبِ تُرَدُّ، أَوْ وَجْهٌ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالْأَصْحَابُ،

وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَأَنْ لَا يَدْخُلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَكْرَهُهُ. انْتَهَى. وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ: مَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: (كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ، وَالْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ بِالْجُرْحِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَسْرِي الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ لَهُمْ. (وَالْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ، وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ، بِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ) ، يَعْنِي: بِمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، (وَالْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ) ، يَعْنِي: الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، (وَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) ، وَكَذَا الْحَاكِمُ لِمَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ، قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَالرَّوْضَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا أَجِيرٌ لِمُسْتَأْجِرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فَقَطْ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: قَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَغْلِبُ عَلَى قَلْبِهِ جَوَازُهُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: قَدْ مَلَكُوهُ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. كَشَهَادَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ تُمْلَكْ، قُبِلَتْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي قَبُولِهَا نَظَرٌ، وَإِنْ قُلْنَا: لَمْ تُمْلَكْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَجُرُّ نَفْعًا،

قَالَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَ: قُلْت: ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا وَطِئَ أَحَدُ الْغَانِمِينَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ، وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْغَنِيمَةِ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ بِمَالِ الْغَنِيمَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى: تُرَدُّ الشَّهَادَةُ مِنْ وَصِيٍّ وَوَكِيلٍ بَعْدَ الْعَزْلِ لِمُوَلِّيهِ وَمُوَكِّلِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ إنْ كَانَ خَاصَمَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَطْلَقَ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ: الْقَبُولَ بَعْدَ عَزْلِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ خَاصَمَ فِي خُصُومَةٍ مَرَّةً ثُمَّ نَزَعَ، ثُمَّ شَهِدَ: لَمْ تُقْبَلْ. الثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْحَاكِمِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ. الثَّالِثَةُ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِمَوْرُوثِهِ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْقَبُولِ: لَوْ شَهِدَ غَيْرُ وَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا، سُمِعَتْ، دُونَ عَكْسِهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ حَكَمَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ بَعْدَ الْمَوْتِ،

قَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: عَدَمُ الْقَبُولِ مِمَّنْ لَهُ الْكَلَامُ فِي شَيْءٍ، أَوْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ، نَحْوَ مَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْمٍ فِي دِيوَانٍ آجَرُوا شَيْئًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ، أَوْ وُلَاةٌ، قَالَ: وَلَا شَهَادَةُ دِيوَانِ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، كَشَهَادَةِ الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَإِ) ، وَكَشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِإِنْسَانٍ يَجْرَحُ الشَّاهِدُ عَلَيْهِ، وَكَزَوْجٍ فِي زِنًا، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَا تُقْبَلُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِزِنًا، وَقِيلَ: مَعَ ثَلَاثَةٍ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: الْبَعِيدُ لَيْسَ مِنْ عَاقِلَتِهِ حَالًا، بَلْ الْفَقِيرُ الْمُعْسِرُ وَإِنْ احْتَاجَ صِفَةَ الْيَسَارِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَوَّى غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا، وَفِيهِمَا احْتِمَالَانِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيلَ: إنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي الْحَالِ الرَّاهِنَةِ، وَأَطْلَقَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ، قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْقَبُولِ

فَائِدَةٌ: تُقْبَلُ فُتْيَا مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا بِهَا. قَوْلُهُ (وَالرَّابِعُ: الْعَدَاوَةُ كَشَهَادَةِ الْمَقْذُوفِ عَلَى قَاذِفِهِ، وَالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى قَاطِعِهِ) بِلَا نِزَاعٍ، فَلَوْ شَهِدُوا: أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا، أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ: لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدُوا: أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى هَؤُلَاءِ: قُبِلُوا، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ: هَلْ قَطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ؟ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، وَلَوْ شَهِدُوا: أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا، فَقَالَ فِي الْفُصُولِ: تُقْبَلُ، وَقَالَ: وَعِنْدِي لَا تُقْبَلُ. فَوَائِدُ الْأُولَى: يُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَاوَةِ: كَوْنُهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: تَكُونُ ظَاهِرَةً، بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَرُّ بِمَسَاءَةِ الْآخَرِ، وَيَغْتَمُّ بِفَرَحِهِ، وَيَطْلُبُ لَهُ الشَّرَّ، قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ: وَمَنْ سَرَّهُ مَسَاءَةُ أَحَدٍ وَغَمَّهُ فَرَحُهُ: فَهُوَ عَدُوٌّ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: أَوْ حَاسِدُهُ. الثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ (شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) : لَمْ تُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا،

وَقِيلَ: تَصِحُّ لِمَنْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: تَصِحُّ، إنْ شَهِدَ: أَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْقَافِلَةِ، لَا عَلَيْنَا. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ، ثُمَّ حَدَثَ مَانِعٌ: لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمَ، إلَّا فِسْقٌ أَوْ كُفْرٌ، أَوْ تُهْمَةٌ: فَيَمْنَعُ الْحُكْمَ، إلَّا عَدَاوَةً ابْتَدَأَهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، كَقَذْفِهِ الْبَيِّنَةَ، وَكَذَا مُقَاوَلَتُهُ وَقْتَ غَضَبٍ وَمُحَاكَمَةٌ بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ أَوْ الْفِسْقِ، وَحُدُوثُ مَانِعٍ فِي شَاهِدٍ أَصْلٍ كَحُدُوثِهِ فِيمَنْ أَقَامَ الشَّهَادَةَ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إنْ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ بَعْدَ الْحُكْمِ: لَمْ يُسْتَوْفَ حَدٌّ، بَلْ مَالٌ، وَفِي قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ: وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ، وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْحَدَّ وَالْقِصَاصَ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ فِي الْقِصَاصِ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ بِشَهَادَةٍ، فَتُرَدَّ، ثُمَّ يَتُوبَ وَيُعِيدَهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ رِوَايَةً: تُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ، فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ زَوَالِ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ وَالصِّبَا: قُبِلَتْ) ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ: قُبِلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ،

وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ أَبَدًا. فَائِدَةٌ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ وَالْخِلَافِ وَالْمَذْهَبِ: لَوْ رَدَّهُ لِجُنُونِهِ، ثُمَّ عَقَلَ، أَوْ لِخَرَسِهِ ثُمَّ نَطَقَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ لِمُكَاتِبِهِ، أَوْ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ، فَرُدَّتْ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَبُرْءِ الْجُرْحِ: فَفِي رَدِّهَا وَجْهَانِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَظَاهِرِ الْفُرُوعِ: إدْخَالُ ذَلِكَ فِي إطْلَاقِ الْخِلَافِ. أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُقْبَلُ، وَقِيلَ: إنْ زَالَ الْمَانِعُ بِاخْتِيَارِ الشَّاهِدِ: رُدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ رُدَّتْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ، أَوْ عَدَاوَةٍ، أَوْ رَحِمٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ، فَزَالَ الْمَانِعُ، ثُمَّ أَعَادَهَا: لَمْ تُقْبَلْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَمْ تُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ

قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْأَوْلَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقِيلَ: تُقْبَلُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالْقَبُولُ أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ مَعَ مَانِعٍ زَالَ بِاخْتِيَارِ الشَّاهِدِ، كَتَطْلِيقِ الزَّوْجَةِ، وَإِعْتَاقِ الْقِنِّ، وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ الشَّفِيعُ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ فِي الشُّفْعَةِ عَنْهَا، فَرُدَّتْ، ثُمَّ عَفَا الشَّاهِدُ عَنْ شُفْعَتِهِ، وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ: لَمْ تُقْبَلْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ) ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا رُدَّتْ لِكَوْنِهِ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِهَا نَفْعًا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مِنْ زِيَادَاتِ الشَّارِحِ فِي الْمُقْنِعِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

باب أقسام المشهود به

[بَابُ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ] ِ قَوْلُهُ (وَالْمَشْهُودُ بِهِ يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: الزِّنَا وَمَا يُوجِبُ حَدَّهُ) ، كَاللِّوَاطِ، وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، إذَا قُلْنَا: يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، (فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: ثَبَتَ الْإِقْرَارُ بِشَاهِدَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا شَهِدُوا بِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ تَكَرَّرَ أَرْبَعًا، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ " بَابِ حَدِّ الزِّنَا ". فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ أَعْجَمِيًّا: قُبِلَ فِيهِ تُرْجُمَانَانِ، وَقِيلَ: بَلْ أَرْبَعَةٌ. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ قُلْنَا: يُعَزَّرُ بِوَطْءِ فَرْجٍ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ: يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ مَعَ الْإِقْرَارِ، وَبِأَرْبَعَةٍ مَعَ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ (الثَّانِي: الْقِصَاصُ وَسَائِرُ الْحُدُودِ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ حُرَّانِ) ، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ رَجُلَانِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ إلَّا أَرْبَعَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " حُرَّانِ " مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَتَقَدَّمَ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: تُقْبَلُ فِيهِمَا. فَائِدَةٌ: يَثْبُتُ الْقَوَدُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: أَرْبَعٌ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يُرَدِّدُهُ، وَيَسْأَلُ عَنْهُ، لَعَلَّ بِهِ جُنُونًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، عَلَى مَا رَدَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) (كَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، وَالْوَكَالَةِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) ، كَالنِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الْخِرَقِيُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا فِي الْعِتْقِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيهِ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، إلَّا فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِهَا، وَعَنْهُ: فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْعِتْقِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْهُ فِي الْعِتْقِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ بَكْرُوسٍ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، فَتَارَةً اخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَتَارَةً اخْتَارَ الثَّانِيَ، قَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ: الْكِتَابَةُ وَالْوَلَاءُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ: أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ إتْلَافُ مَالٍ فِي الْحَقِيقَةِ، قَالَ بِالثَّانِي كَبَقِيَّةِ الْإِتْلَافَاتِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ: تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، قَالَ بِالْأَوَّلِ، وَصَارَ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ وَنَحْوِهِمَا. انْتَهَى. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ: فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ،

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْعِتْقِ، وَقَالَ الْقَاضِي: النِّكَاحُ وَحُقُوقُهُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالرَّجْعَةِ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهُمَا: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا، وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ إنْ كَانَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ: فَلَا، وَعَنْهُ: بَلْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَيَمِينٌ، ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَرَ مُسْتَنَدَهَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجَزَمَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ مَعَ يَمِينٍ، وَهُوَ مِنْهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ فِي آخِرِ الْوَكَالَةِ، وَقِيلَ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي النِّكَاحِ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَثْبُتُ إحْصَانُهُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْهُ فِي الْإِعْسَارِ ثَلَاثَةٌ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ " بَابِ الْحَجْرِ "، وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ " أَمَّا مَنْ ادَّعَى الْفَقْرَ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالْغِنَى فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ قَوْلُ طَبِيبٍ وَاحِدٍ وَبَيْطَارٍ لِعَدَمِ غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَةِ دَاءِ دَابَّةٍ وَمُوضِحَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالنُّكَتِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ مَعَ عَدَمِ التَّعَذُّرِ إلَّا اثْنَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ قَبُولَ قَوْلِ الْوَاحِدِ، وَظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا. الثَّانِيَةُ: لَوْ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ الْبَيَاطِرَةُ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ. قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ، كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَجِنَايَةِ الْخَطَإِ) ، وَكَذَا الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ وَأَجَلِهِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالشُّفْعَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالصُّلْحِ، وَالْمَهْرِ، وَتَسْمِيَتِهِ، وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَضَمَانِهِ، وَفَسْخِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَدَعْوَى عَلَى رِقِّ مَجْهُولِ النَّسَبِ صَادِقٍ، وَدَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِاسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ، وَهِبَةٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَوَصِيَّةِ مَالٍ، وَقِيلَ: لِمُعَيَّنٍ، فَهَذَا وَشِبْهُهُ: (يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي) ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي إطْلَاقُهُمْ الْخِلَافَ فِيهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ، إلَّا إذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، وَقُلْنَا: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ امْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ،

وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُقْنِعِ فِي " بَابِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى "، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ قِيلَ: يُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَيَمِينٌ: تَوَجَّهَ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أُقِيمَا مَقَامَ رَجُلٍ فِي التَّحَمُّلِ وَكَخَبَرِ الدِّيَانَةِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسِيرِ: تُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَيَمِينُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي قَوْلًا فِي دَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلَبِهِ: أَنَّهُ يَكْفِي وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: فِي الْوَصِيَّةِ يَكْفِي وَاحِدٌ، وَعَنْهُ: إنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا النِّسَاءُ: فَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَأَلَهُ ابْنُ صَدَقَةَ: الرَّجُلُ يُوصِي وَيُعْتِقُ، وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا النِّسَاءُ، تَجُوزُ شَهَادَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي الْحُقُوقِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْحُقُوقِ، فَأَمَّا الْمَوَارِيثُ: فَيُقْرَعُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ: وَفِي قَبُولِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ، فِي إيصَاءٍ إلَيْهِ بِمَالٍ وَتَوْكِيلٍ فِيهِ، وَدَعْوَى أَسِيرٍ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ لِمَنْعِ رِقِّهِ، وَدَعْوَى قَتْلِ كَافِرٍ لِأَخْذِ سَلَبِهِ، وَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ: رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ فِي " بَابِ الْوَكَالَةِ " قَبُولَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ هُنَاكَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي كِتَابَةٍ، وَنَجْمٍ أَخِيرٍ، كَعِتْقٍ، وَقَتْلٍ، وَجَزَمَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: أَنَّهُ لَا يَسْتَرِقُّ إذَا ادَّعَى الْأَسِيرُ إسْلَامًا سَابِقًا، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا، أَوْ حَلَفَ مَعَهُ وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ

فَوَائِدُ الْأُولَى: حَيْثُ قُلْنَا: يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي يَمِينِهِ إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ أَنْ يَقُولَ " وَأَنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مَنْ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَقَطَ الْحَقُّ إنْ نَكَلَ: حُكِمَ عَلَيْهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: تُرَدُّ الْيَمِينُ أَيْضًا هُنَا عَلَى رِوَايَةِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ حَقٌّ بِشَاهِدٍ فَأَقَامُوهُ، فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ نَاكِلٌ، وَلَا يَحْلِفُ وَرَثَةُ نَاكِلٍ إلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ نُكُولِهِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ؟) وَكَذَا جِنَايَةُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قَوَدَ فِيهِ بِحَالٍ: شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ،

وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُقْبَلُ إلَّا رَجُلَانِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وَجَبَ الْقَوَدُ فِي بَعْضِهَا، كَمَأْمُومَةٍ وَمُنَقِّلَةٍ وَهَاشِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يَجِبُ فِيهَا، لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ بِمُوضِحَةٍ: فَلَهُ ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ " فَهَذِهِ لَهُ الْقَوَدُ فِي بَعْضِهَا إنْ أَحَبَّ، فَفِي قَبُولِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي ثُبُوتِ الْمَالِ: رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْمَالُ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَيْضًا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُقْبَلُ، صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، ثُمَّ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَيْنِ بِهَاشِمَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِمُوضِحَةٍ: لَمْ يَثْبُتْ أَرْشُ الْهَشْمِ فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا الْإِيضَاحِ. قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ

الثِّيَابِ، وَالرَّضَاعِ، وَالِاسْتِهْلَالِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْحَيْضِ، وَنَحْوِهِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا بِلَا رَيْبٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهَا مُنْفَرِدَةً فِي الِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَعَنْهُ: تَحْلِفُ الشَّاهِدَةُ فِي الرَّضَاعِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِهِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ امْرَأَتَيْنِ، وَعَنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالِاثْنَتَانِ أَحْوَطُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَعَلَهُ الْقَاضِي مَحَلَّ وِفَاقٍ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَالنَّاظِمُ وَغَيْرُهُمْ: الرَّجُلُ أَوْلَى لِكَمَالِهِ، انْتَهُوا، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ مَنْ حَضَرَهَا غَيْرُ الْقَابِلَةِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: يُقْبَلُ قَوْلُ امْرَأَةٍ فِي فَرَاغِ عِدَّةٍ بِحَيْضٍ، وَقِيلَ: فِي شَهْرٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَقِيلَ: الْغَامِضَةُ تَحْتَ الثِّيَابِ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: وَمِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ: الْجِرَاحَةُ وَغَيْرُهَا فِي الْحَمَّامِ وَالْعُرْسِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْضُرُهُ رِجَالٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ: لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: يَثْبُتُ الْمَالُ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ حُرًّا، فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَيَثْبُتُ الْمَالُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ) ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ كَالْقَطْعِ، وَبَنَى فِي التَّرْغِيبِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: الْقَضَاءَ بِالْغُرَّةِ عَلَى نَاكِلٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ الْخُلْعَ: قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) ، فَيَثْبُتُ الْعِوَضُ، وَتَبِينُ بِدَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ بَلْ بِذَلِكَ، (وَإِنْ ادَّعَتْهُ، الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ أَتَتْ الْمَرْأَةُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ: ثَبَتَ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ لَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِرَجُلٍ (بِجَارِيَةٍ: أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ: قُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ أُمُّ وَلَدٍ، وَهَلْ تَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَنَسَبُهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا تَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ وَلَا نَسَبُهُ مِنْ مُدَّعِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالنَّاظِمُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَثْبُتَانِ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَقَطْ بِدَعْوَاهُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، قِيلَ: لَيْسَ مُرَادُهُ ذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ الْحُكْمُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّةِ ذَلِكَ؛ وَعِلَّتُهُ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُقِرٌّ بِأَنَّ وَطْأَهَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَقَطَعَ بِذَلِكَ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّهُ حَصَلَ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ " فِي فَصْلٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْوِلَادَةِ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ: مَا غَصَبَ، أَوْ لَا غَصَبَ كَذَا، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ: هَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ، أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَقَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعُوا بِهِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَالٍ وَيَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي حَقٍّ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْقَوَدِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالنَّظَرِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ مَالًا وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ غَالِبًا: رِوَايَتَانِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَبُولِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ) ، بِلَا نِزَاعٍ فِيهِ، (أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْبَةٍ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ فِي غَيْبَةٍ فَوْقَ يَوْمٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُلْتَحَقُ بِالْمَرَضِ وَالْغَيْبَةِ: الْخَوْفُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ، زَادَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَالْحَبْسُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَفِي مَعْنَاهُ الْجَهْلُ بِمَكَانِهِمْ وَلَوْ فِي الْمِصْرِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، سَوَاءٌ اسْتَرْعَاهُ أَوْ لَا، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْمُسْتَخْفِي. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ " أَنَّهُ لَوْ اسْتَرْعَاهُ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ،

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، فَيَكُونُ شَاهِدَ فَرْعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (فَيَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَقَدْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَقَرَّ عِنْدِي وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ طَوْعًا بِكَذَا، أَوْ شَهِدْت عَلَيْهِ، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ، إنْ قَالَ: " أَشْهَدُ أَنِّي أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " وَقَالُوا: وَلَوْ قَالَ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا " صَحَّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُؤَدِّيهَا الْفَرْعُ بِصِفَةِ تَحَمُّلِهِ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِ: وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا بِصِفَةِ مَا تَحَمَّلَهَا لَمْ يُحْكَمْ بِهَا، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَيُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا، فَيَقُولُ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا " أَوْ " أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ "، وَإِنْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ يُعْزِي الْحَقَّ إلَى سَبَبِهِ: ذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَيَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا " أَوْ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا، وَأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى

وَاجِبٍ " فَيُؤَدِّي عَلَى حَسَبِ مَا تَحَمَّلَ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَاكِمُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَاهِدُ الْفَرْعِ إلَى الْحَاكِمِ مَا تَحَمَّلَهُ عَلَى صِفَتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفَرْعُ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ " أَوْ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا " فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُسْتَرْعِي، فَقَالَ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي أَشْهَدُ " فَهُوَ أَوْضَحُ، فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّاهِدَ بِمَا سَمِعَ تَارَةً يُؤَدِّي اللَّفْظَ، وَتَارَةً يُؤَدِّي الْمَعْنَى، وَقَالَ أَيْضًا: وَالْفَرْعُ يَقُولُ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ " أَوْ " بِأَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ " فَهُوَ أَوْلَى رُتْبَةً. وَالثَّانِيَةُ " أَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ " أَوْ " بِأَنَّهُ يَشْهَدُ ". وَالثَّالِثَةُ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ ". انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْكِي الْفَرْعُ صُورَةَ الْجُمْلَةِ، وَيَكْفِي الْعَارِفَ " أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا " وَالْأَوْلَى أَنْ يَحْكِيَ مَا سَمِعَهُ، أَوْ يَقُولَ " شَهِدَ فُلَانٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِكَذَا " أَوْ " أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا ". انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ " أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا " لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يُعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ فَهَلْ يَشْهَدُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ إذَا سَمِعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَسْمَعُهُ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يُعْزِيهِ إلَى سَبَبٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ،

وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِرْعَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى هَذَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَثُبُوتُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى شَاهِدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ، عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا فَرْعٍ، وَحَكَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ رِوَايَةٌ.

وَعَنْهُ: يَكْفِي شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي عَنْ ابْنِ بَطَّةَ، وَعَنْهُ: يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى اثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ: جَوَازَ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَسَأَلَهُ حَرْبٌ: عَنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ؟ قَالَ: يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ فَرْعٌ عَلَى أَصْلٍ، وَهَلْ يَتَحَمَّلُ فَرْعٌ عَلَى فَرْعٍ؟ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ". قَوْلُهُ (وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ) ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ: صَرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَمَفْهُومُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ، وَلَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَصْلِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ،

وَفِي الْفَرْعِ: رِوَايَتَانِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ قَرِيبًا، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ مُنْفَرِدَاتٍ، وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ، يَعْنِي: عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ فِيهِمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ عَنْ حَرْبٍ: فَهِيَ سَهْوٌ مِنْهُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَى شَهَادَةِ امْرَأَةٍ تُقْبَلُ، فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى بِكُلِّ حَالٍ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ،

وَهَذَا مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَجُلًا وَاحِدًا لَوْ كَانَ أَصْلًا فَشَهِدَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَمَعَهُ أَلْفُ امْرَأَةٍ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِذَا شَهِدَ بِهَا وَحْدَهُ وَهُوَ فَرْعٌ: يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِهَا؟ هَذَا مُحَالٌ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْضَمَّ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ، كَمَا يَقُولُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) ، وَعَلَى رَجُلَيْنِ أَيْضًا، يَعْنِي عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: الشَّهَادَةُ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِتَعَدُّدِهِمْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ تَعْدِيلُ أُصُولِهِمْ، وَلَوْ عَدَّلُوهُمْ قَبْلُ، وَيُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُمْ لَهُمْ. الثَّانِيَةُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ، وَتَعَذَّرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْآخَرِ: حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ) بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ: لَمْ يَضْمَنُوا) ، يَعْنِي: شُهُودَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ،

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ: هَذَا الْمَذْهَبُ، (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضْمَنُوا) ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي، قَالَهُ فِي النُّكَتِ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " كَذَبْنَا، أَوْ غَلِطْنَا ": ضَمِنُوا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَ، وَحَكَى هَذِهِ الصُّورَةَ وَمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ: مَسْأَلَتَيْنِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَحَكَاهَا بَعْضُهُمْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ. الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ: لَمْ يُعْمَلْ بِهَا؛ لِتَأَكُّدِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: لَوْ قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ " مَا أَشْهَدْنَاهُمَا بِشَيْءٍ " لَمْ يَضْمَنْ الْفَرِيقَانِ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ الْمَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ: لَزِمَهُمْ الضَّمَانُ، وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ: غَرِمُوا الْقِيمَةَ) ، بِلَا نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ،

وَأَمَّا الْمُزَكُّونَ: فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَ الرَّاجِعِينَ: لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ شَيْئًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ: لَوْ شَهِدَا بِدَيْنٍ، فَأَبْرَأَ مِنْهُ مُسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي فِي " كِتَابِ الصَّدَاقِ " فِي مَسْأَلَةِ تَنْصِيفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ هِبَتِهَا لِلزَّوْجِ، قَالَ: وَلَوْ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا: غَرِمَا، انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ: غَرِمُوا نِصْفَ الْمُسَمَّى أَوْ بَدَلَهُ) بِلَا نِزَاعٍ، (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: يَغْرَمُونَ كُلَّ الْمَهْرِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ،

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَتَقَرَّرُ بِالدُّخُولِ، فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى مَنْ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ أَوْ الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ) ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يُسْتَوْفَى إنْ كَانَ لِلْآدَمِيِّ. كَمَا لَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدُ حَدٍّ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ: لَمْ يُسْتَوْفَ، وَفِي الْقَوَدِ وَحَدِّ الْقَذْفِ: وَجْهَانِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجِبُ دِيَةُ الْقَوَدِ، فَإِنْ وَجَبَ عَيْنًا فَلَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ: لِلْمَشْهُودِ لَهُ الدِّيَةُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْوَاجِبُ الْقِصَاصُ حَسْبُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) ،

يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (وَقَالُوا " أَخْطَأْنَا " فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ) ، بِلَا نِزَاعٍ، وَأَرْشُ الضَّرْبِ. قَوْلُهُ (وَيَتَقَسَّطُ الْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ) ، بِلَا نِزَاعٍ، (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ، غَرِمَ بِقِسْطِهِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ الْكُلَّ، وَهُوَ احْتِمَالٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَا، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: غَرِمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَقِيلَ: لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا، قَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِقَذْفِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ فِي الْوَاضِحِ احْتِمَالٌ؛ لِقَذْفِهِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ. فَائِدَةٌ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ بِالزِّنَا، فَرَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ: فَهَلْ عَلَيْهِمَا خُمُسَا الدِّيَةِ، أَوْ رُبُعُهَا؟ ، أَوْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ شُهُودِ قَتْلٍ، فَهَلْ عَلَيْهِمَا الثُّلُثَانِ أَوْ النِّصْفُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ ضَمِنَ الثُّلُثَ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسَةٍ فِي الزِّنَا: ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ، وَهُمَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَلَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فِي مَالٍ: غَرِمَ الرَّجُلُ سُدُسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: نِصْفًا، وَقِيلَ: هُوَ كَأُنْثَى، فَيَغْرَمْنَ الْبَقِيَّةَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ. فَرُجِمَ. ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ: لَزِمَهُمْ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُمَا رِوَايَتَانِ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ النَّاظِمُ: تَسَاوَوْا فِي الضَّمَانِ فِي الْأَقْوَى. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ: النِّصْفُ وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ بِالشَّرْطِ لَا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ. فَائِدَةٌ لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ كُلُّهُمْ، أَوْ شُهُودُ الزِّنَى كُلُّهُمْ: غَرِمُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ النِّصْفَ فَقَطْ. اخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ: صَحَّتْ الشَّهَادَةُ. فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ: فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) . وَهُوَ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا. فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ شَهِدَ قَوْمٌ بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ. وَقَوْمٌ بِوُجُودِ شَرْطِهِ. ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ: فَالْغُرْمُ عَلَى عَدَدِهِمْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَغْرَمُ كُلُّ جِهَةٍ النِّصْفَ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ شُهُودُ التَّعْلِيقِ الْكُلَّ. وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ كِتَابَةٍ: غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمُكَاتَبًا.

فَإِنْ عَتَقَ غَرِمُوا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ كُلَّ قِيمَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ فَلَا غُرْمَ. وَمِنْهَا: لَوْ رَجَعَ شُهُودٌ بِاسْتِيلَادِ أَمَةٍ، فَهُوَ كَرُجُوعِ شُهُودِ كِتَابَةٍ. فَيَضْمَنُونَ نَقْصَ قِيمَتِهَا. فَإِنْ عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ فَتَمَامُ قِيمَتِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَرِيقَتِهِ فِي بَيْعٍ وَكِيلٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلٍ لَوْ شَهِدَ بِتَأْجِيلٍ. وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ رَجَعُوا: غَرِمَ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ: غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ) هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. خَرَّجَهُ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. فَوَائِدُ الْأُولَى: يَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَمِينِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَبْلَ الشَّاهِدِ فِي أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَجَعَ شُهُودُ تَزْكِيَةٍ: فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ رُجُوعِ مَنْ زَكُّوهُمْ. الثَّالِثَةُ: لَا ضَمَانَ بِرُجُوعٍ عَنْ شَهَادَةٍ بِكَفَالَةٍ عَنْ نَفْسٍ، أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ، لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ مَالًا. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَتَضَمَّنُهُ بِهَرَبِ الْمَكْفُولِ. وَالْقَوَدُ قَدْ يَجِبُ بِهِ مَالٌ. الرَّابِعَةُ: لَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ الْأُولَى: فَكَرُجُوعِهِ وَأَوْلَى. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. الْخَامِسَةُ: لَوْ زَادَ فِي شَهَادَتِهِ، أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ أَدَّى بَعْدَ إنْكَارِهَا: قُبِلَ. نَصَّ عَلَيْهِمَا. كَقَوْلِهِ " لَا أَعْرِفُ الشَّهَادَةَ ". وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ، كَبَعْدَ الْحُكْمِ. وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَإِنْ رَجَعَ: لَغَتْ. وَلَا حُكْمَ. وَلَمْ يَضْمَنُ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، بَلْ قَالَ لِلْحَاكِمِ " تَوَقَّفْ " فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا: قُبِلَتْ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. فَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا احْتِمَالَانِ. قُلْت: الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِعَادَةِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ. وَيُرْجَعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إتْلَافًا: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ: فَعَلَى الْحَاكِمِ) . وَإِذَا بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ: نُقِضَ الْحُكْمُ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ لَا يُنْقَضُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ) . قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ. وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ عَدَمَ النَّقْضِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " مِنْ خِلَافِهِ، وَالْآمِدِيُّ. لِئَلَّا يُنْقَضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ. وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ الْأَظْهَرُ. فَعَلَيْهَا: لَا ضَمَانَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: يَضْمَنُ الشُّهُودُ. وَقَالَهُ الشَّارِحُ.

وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بِفِسْقِهِمَا، إلَّا بِثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا، أَوْ بِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ. وَنَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ جَازَ فِي الثَّانِيَةِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ: رَدَّ مَالًا أَخَذَهُ. وَنَقَضَ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ، دُونَ الْحَاكِمِ. وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهِ غَرِمَ الْحَاكِمُ. انْتَهَى. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا بَانَ لَهُ فِسْقُهُمَا وَقْتَ الشَّهَادَةِ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ: نَقَضَ وَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَنْفِيذُهُ. وَأَجَابَ أَبُو الْوَفَاءِ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ. انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَرْجِعُ بِالْمَالِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِبَدَلِ قَوَدٍ مُسْتَوْفًى. فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى بِإِتْلَافٍ حِسِّيٍّ، أَوْ بِمَا سَرَى إلَيْهِ الْإِتْلَافُ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ. فَعَلَى الْحَاكِمِ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ مُزَكُّونَ، كَمَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا. وَقِيلَ: لَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُزَكِّينَ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهُ الشُّهُودُ. ذَكَرَهُ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، أَوْ عَدُوًّا. فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: لَمْ يَنْقُضْ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ: نَقَضَهُ وَلَمْ يَنْفُذْ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: مَنْ حَكَمَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا: فَلَهُ نَقْضُهُ. إذَا كَانَ لَا يَرَى قَبُولَهُمْ فِيهِ. قَالَ: وَكَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَادَقَ مَا حَكَمَ فِيهِ وَجَهِلَهُ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْإِرْشَادِ فِيمَا إذَا حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِمَا لَا يَرَاهُ، مَعَ عِلْمِهِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ". الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ بِحَقٍّ. ثُمَّ مَاتُوا: حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ جُنُّوا. قَوْلُهُ (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إمَّا بِإِقْرَارِهِ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَهُ وَتَعَمُّدَهُ: عَزَّرَهُ، وَطَافَ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَشْتَهِرُ فِيهَا، فَيُقَالُ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَلِلْحَاكِمِ فِعْلُ مَا يَرَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ بِهِ. نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ يُخَالِفُ مَعْنَى نَصٍّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ عُقُوبَاتٍ، إنْ لَمْ يَرْتَدِعْ إلَّا بِهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا: كَرَاهَةَ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ.

وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " أَشْيَاءُ مِنْ ذَلِكَ. فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَا يُعَزَّرُ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا بِخَلْطِهِ فِي شَهَادَاتِهِ. وَلَا بِرُجُوعِهِ عَنْهَا. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا ادَّعَى شُهُودُ الْقَوَدِ الْخَطَأَ: عُزِّرُوا. الثَّانِيَةُ: لَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ قَبْلَ التَّعْزِيرِ: فَهَلْ يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ عَنْهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ. وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُمَا. وَقَالَ: فَيَتَوَجَّهَانِ فِي كُلِّ تَائِبٍ بَعْدَ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ. وَكَأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْحَدِّ، عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ حَدِّ الْمُحَارِبِينَ " قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِلَفْظِ " الشَّهَادَةِ " فَإِنْ قَالَ " أَعْلَمُ " أَوْ " أَحَقُّ " لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيُحْكَمُ بِهَا. اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَا تَابِعِيٍّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إطْلَاقُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " عَلَى الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ ". وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ: لَمْ يُشْتَرَطْ قَوْلُهُ " طَوْعًا فِي صِحَّتِهِ مُكَلَّفًا " عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ إشَارَتُهُ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا. مَعَ نَسَبِهِ وَوَصْفِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ " وَأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْآنَ " بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُ الْحُكْمِ إجْمَاعًا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصْفَتِهِ ". الثَّانِيَةُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَقَالَ آخَرُ " أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ " أَوْ " بِمَا وَضَعْت بِهِ خَطِّي " أَوْ " بِذَلِكَ أَشْهَدُ " أَوْ " وَكَذَلِكَ أَشْهَدُ ". فَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا: الصِّحَّةَ، وَعَدَمَهَا. وَالثَّالِثَةُ: يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ " وَبِذَلِكَ أَشْهَدُ " وَ " كَذَلِكَ أَشْهَدُ ". قَالَ: وَهُوَ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَالْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمِيعِ أَوْلَى. وَاقْتَصَرَ فِي الْفُرُوعِ عَلَى حِكَايَةِ مَا فِي الرِّعَايَةِ.

باب اليمين في الدعاوى

[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى] قَوْلُهُ (وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) . هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْخَبَرِ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ. وَلَا تُشْرَعُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ الْحُدُودِ، وَالْعِبَادَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا احْتِمَالٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: لَا تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَخْرِيجٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قَصَدَهُ: أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِلَا وَاوٍ تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) . جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرِّقِّ.

يَعْنِي: أَصْلَ الرِّقِّ. (وَالْوَلَاءِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَالنَّسَبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ) . وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُسْتَحْلَفُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ، إلَّا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ. فَذَكَرَ التِّسْعَةَ، وَزَادَ: الْعِتْقَ وَبَقَاءَ الرَّجْعَةِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَزَادَ عَلَى التِّسْعَةِ: الْإِيلَاءَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ. وَصَحَّحَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَلَا تُشْرَعُ فِي مُتَعَذِّرٍ بَذْلَهُ. كَطَلَاقٍ، وَإِيلَاءٍ، وَبَقَاءِ مُدَّتِهِ، وَنِكَاحٍ، وَرَجْعَةٍ وَبَقَائِهَا، وَنَسَبٍ، وَاسْتِيلَادٍ، وَقَذْفٍ، وَأَصْلِ رِقٍّ، وَوَلَاءٍ، وَقَوَدٍ. إلَّا فِي قَسَامَةٍ. وَلَا فِي تَوْكِيلٍ. وَالْإِيصَاءِ إلَيْهِ، وَعِتْقٍ مَعَ اعْتِبَارِ شَاهِدَيْنِ فِيهَا. بَلْ فِي مَا يَكْفِيهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ. سِوَى نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مَا لَا يَجُوزُ بَذْلُهُ. وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ. لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْقَوَدِ، وَالْقَذْفِ، دُونَ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ. وَسَائِرِ السِّتَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ: بِأَنْ يَدَّعِيَ، اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بَلْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ.

وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْلِفُ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إذَا أَنْكَرَتْ النِّكَاحَ. وَتَحْلِفُ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا. وَقِيلَ: يُسْتَحْلَفُ فِي غَيْرِ حَدٍّ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ. وَعَنْهُ يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ فَقَطْ. فَوَائِدُ الْأُولَى: الَّذِي يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ. هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ: هُوَ الْمَالُ، أَوْ مَا مَقْصُودُهُ الْمَالُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ. قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَبَعَّدَهُ. وَعَنْهُ: إلَّا قَوَدَ النَّفْسِ وَطَرَفِهَا. صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: فِي كَفَالَةٍ: وَجْهَانِ. الثَّانِيَةُ: كُلُّ جِنَايَةٍ لَمْ يَثْبُتْ قَوَدُهَا بِالنُّكُولِ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاكِلَ دِيَتُهَا؟ . عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا فِي رِوَايَةٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا.

وَكُلُّ نَاكِلٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَاللِّعَانِ وَنَحْوِهِ: فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ، أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ، أَوْ يَحْلِفَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. أَحَدِهِمَا: يُخَلَّى سَبِيلُهُ. اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالنَّاظِمُ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قُلْت: هَذَا الْمَذْهَبُ فِي اللِّعَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ مُحَرَّرًا. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي " بَابِ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْنَا: يُحْبَسُ، فَيَنْبَغِي جَوَازُ ضَرْبِهِ، كَمَا يُضْرَبُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ اخْتِيَارِ إحْدَى نِسَائِهِ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ. كَمَا يُضْرَبُ الْمُقِرُّ بِالْمَجْهُولِ حَتَّى يُفَسِّرَ. الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: لَا يَحْلِفُ شَاهِدٌ، وَلَا حَاكِمٌ وَلَا وَصِيٌّ: عَلَى نَفْيِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوصِي، وَلَا مُنْكِرٌ وَكَالَةَ وَكِيلٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَحْلِفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِقَوْلِ مُدَّعٍ لِيَحْلِفَ " أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي أَنِّي مَا أُحَلِّفُهُ ". وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَلَا مُدَّعٍ طَلَبَ يَمِينِ خَصْمِهِ. فَقَالَ " لِيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَحَلَفَنِي " فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً لِلْفُقَرَاءِ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ: حُبِسُوا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ. الْمَوْلَى مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ: حَلَفَ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ لِلْأَدَمِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. كَمَا تَقَدَّمَ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ: حُلِّفَ مَعَهُ وَعَتَقَ) . وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا هُنَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُسْتَحْلَفُ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ ". وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا: دُخُولُ الْيَمِينِ فِي الْعِتْقِ، إذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَيَأْتِي قَرِيبًا بَعْدَ هَذَا: هَلْ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ .

وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْيَمِينِ مَا يَدْخُلُ الْعِتْقُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ بِالْعِتْقِ وَعَدَمِهِ. فَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ) . وَكَذَا الصَّدَقَةُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَالنَّذْرُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ، اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ. وَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى بِفُرُوعِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " عِنْدَ قَوْلِهِ " الرَّابِعُ الْمَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ ". قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ) . وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا هُنَاكَ مُسْتَوْفٍ مُحَرَّرًا، فَلْيُعَاوَدْ.

وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَيَمِينٍ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (وَهَلْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَثْبُتُ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَيْضًا، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ أَقْسَامِ الْمَشْهُودِ بِهِ " مُسْتَوْفًى. وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَالتَّدْبِيرُ. وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ التَّدْبِيرِ " هَلْ يَثْبُتُ التَّدْبِيرُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ؟ قَوْلُهُ (وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ: شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا إلَّا رَجُلَانِ. رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هَذَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَسَوَاءٌ النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ فِي الْبَائِعِ يَحْلِفُ لِنَفْيِ عَيْبِ السِّلْعَةِ. عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَةٌ: أَنَّ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ» قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: خَصَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى النَّفْيِ. قَالَ: وَهُوَ أَقْرَبُ. وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ) . أَيْ: دَعْوَى عَلَى الْغَيْرِ. (فِي الْإِثْبَاتِ: حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ، وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ: مِثَالُ فِعْلِ الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَقْرَضَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ وَنَحْوَهُ. وَيُقِيمُ بِذَلِكَ شَاهِدًا. فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْبَتِّ. لِكَوْنِهِ إثْبَاتًا. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ. وَمِثَالُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ فِي الْإِثْبَاتِ: إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ: أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ: حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) . يَعْنِي: إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ نَفْيِ دَعْوَى عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ. أَمَّا الْأُولَى: فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ: أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا أَيْضًا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْعُمْدَةِ: وَالْأَيْمَانُ كُلُّهَا عَلَى الْبَتِّ، إلَّا الْيَمِينَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. فَإِنَّهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ: انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثَالُ نَفْيِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَيْرِ: إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَلْفًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ، فَأَنْكَرَ الدَّعْوَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنَّ يَمِينَهُ عَلَى النَّفْيِ. عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَمِثَالُ نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ: أَنْ يَنْفِيَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ. مِنْ أَنَّهُ غَصَبَ، أَوْ جَنَى، وَنَحْوُهُ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ.

الثَّانِيَةُ: عَبْدُ الْإِنْسَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ. فَأَمَّا الْبَهِيمَةُ فِيمَا يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ: فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. وَإِلَّا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً لَهُمْ، فَرَضُوا: جَازَ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا وَلَوْ رَضُوا بِوَاحِدَةٍ. تَنْبِيهٌ تَقَدَّمَ مِنْ الْيَمِينِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ. وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ. فَلِلْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَتَحْلِيفُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَوْا: حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) . بِلَا نِزَاعٍ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى وَاحِدٌ حُقُوقًا عَلَى وَاحِدٍ: فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَمِينٌ. قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ) . فَتُجْزِئُ الْيَمِينُ بِهَا. بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَان: جَازَ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْلِيظُهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَصَحَّ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ رِوَايَةً: لَا يَجُوزُ تَغْلِيظُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْحَلْوَانِيُّ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَنَصَرَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ: أَنَّهَا لَا تَغَلُّظُ. لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا. فَوَجَبَتْ مَوْضِعُ الدَّعْوَى. كَالْبَيِّنَةِ. وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا مُطْلَقًا. قَالَ ابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فِي نُكَتِهِ: اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَدُ الْأَقْسَامِ وَمَعْنَى الْأَقْوَالِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ مَصْلَحَةً. وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَصَاحِبُ النُّكَتِ: إلَى وُجُوبِ التَّغْلِيظِ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِمَا. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُهَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَغْلِيظُهَا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ خَاصَّةً. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ. قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ. قَوْلُهُ (وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) . هَكَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ نَظَرٌ. لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ. قَوْلُهُ (وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا. وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَيَحْلِفُ الْمَجُوسِيُّ. فَيُقَالُ لَهُ: قُلْ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَحْلِفُوا، وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً، كَمَا يَحْلِفُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَوَاضِعَ يُعْصَى اللَّهُ فِيهَا. قَالَهُ فِي النُّكَتِ. وَنَقَلَ الْمَجْدُ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي: تُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجُوسِيِّ: بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَ إدْرِيسَ رَسُولًا. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ بِالنُّجُومِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَهَا. وَيُغَلَّظُ عَلَى الصَّابِئِ: بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ. لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَ النَّارِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا بِالْعَكْسِ. لِأَنَّ الْمَجُوسَ تُعَظِّمُ النَّارَ، وَالصَّابِئَةَ تُعَظِّمُ النُّجُومَ. فَائِدَةٌ لَوْ أَبَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ التَّغْلِيظَ: لَمْ يَصِرْ نَاكِلًا. وَحُكِيَ إجْمَاعًا. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي النُّكَتِ: لِأَنَّهُ قَدْ بَذَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. فَيَجِبُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ. وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ التَّغْلِيظُ إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَطَلَبَهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قِصَّةُ مَرْوَانَ مَعَ زَيْدٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا رَأَى التَّغْلِيظَ، فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَةِ أَدَّى مَا ادَّعَى بِهِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا كَانَ فِي التَّغْلِيظِ زَجْرٌ قَطُّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ. وَالرَّدْعُ وَالزَّجْرُ عِلَّةُ التَّغْلِيظِ. فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَانْتَفَتْ فَائِدَتُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا: مَتَى قُلْنَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ الْخَصْمُ يَصِيرُ نَاكِلًا. قَوْلُهُ (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، بَلْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ.

وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ النُّكَتِ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ؟ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَرْقَيَانِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْقَيَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا) . بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَيَحْلِفُونَ أَيْضًا فِي الْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا، كَيَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. قَوْلُهُ (وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ) يَعْنِي حَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ. (كَالْجِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَالِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تُغَلَّظُ فِي قَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ فَأَزْيَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَالْمَجْدِ فِي مُحَرَّرِهِ: التَّغْلِيظُ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إحْلَافُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي الْكَشْفِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَحَقِّ آدَمِيٍّ، وَتَحْلِيفُهُ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَسَمَاعُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِهَنِ إذَا كَثُرُوا. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ، وَلَا إحْلَافُ أَحَدٍ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا عَلَى غَيْرِ حَقٍّ. انْتَهَى.

كتاب الإقرار

[كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ فَائِدَةٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَمَعْنَاهُ فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: الْإِقْرَارُ الِاعْتِرَافُ. وَهُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ لَفْظًا. وَقِيلَ: تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا. وَقِيلَ: هُوَ صِيغَةٌ صَادِرَةٌ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ رَشِيدٍ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لِلْمُقِرِّ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ تَحْتَ حُكْمِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: هُوَ إظْهَارُ الْمُكَلَّفِ الرَّشِيدِ الْمُخْتَارِ مَا عَلَيْهِ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً فِي الْأَقْيَسِ، أَوْ إشَارَةً، أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ، أَوْ مُوَلِّيهِ، أَوْ مَوْرُوثِهِ، بِمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُ فِيهِ. انْتَهَى. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُهُ " أَوْ كِتَابَةً فِي الْأَقْيَسِ " ذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: أَنَّ الْكِتَابَةَ لِلْحَقِّ لَيْسَتْ إقْرَارًا شَرْعِيًّا فِي الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ " أَوْ إشَارَةً " مُرَادُهُ: مِنْ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا مِنْ غَيْرِهِ: فَلَا أَجِدُ فِيهِ خِلَافًا. انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ " أَنَّ فِي إقْرَارِهِ بِالْكِتَابَةِ وَجْهَيْنِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا هُنَاكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْإِظْهَارُ لِأَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ. وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ. قَوْلُهُ (يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ بِمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْتِزَامُهُ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِيَدِهِ وَوِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ، لَا مَعْلُومًا. قَالَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ مَوْرُوثِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الْحُدُودِ " وَقِيلَ: وَيُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِمَالٍ. وَفِي طَرِيقَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ: لَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ بِحَقٍّ فِي مَالِهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَأَنَّ الْأَبَ لَوْ أَقَرَّ عَلَى ابْنِهِ إذَا كَانَ وَصِيًّا: صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرُوا: إذَا اشْتَرَى شِقْصًا فَادَّعَى عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ. فَقَالَ " اشْتَرَيْته لِابْنِي " أَوْ " لِهَذَا الطِّفْلِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ " فَقِيلَ: لَا شُفْعَةَ. لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِإِقْرَارِ وَلِيِّهِ. وَقِيلَ: بَلَى. لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ. فَصَحَّ إقْرَارُهُ فِيهِ، كَعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ. وَذَكَرُوا: لَوْ ادَّعَى الشَّرِيكُ عَلَى حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالشُّفْعَةِ، فَصَدَّقَهُ: أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ. لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُصَدَّقُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا بِيَدِهِ، كَإِقْرَارٍ بِأَصْلِ مِلْكِهِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى: أَنَّك بِعْت نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ. فَقَالَ: نَعَمْ. فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: لَيْسَ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ إقْرَارًا. بَلْ دَعْوَى، أَوْ شَهَادَةً يُؤْخَذُ بِهَا إنْ ارْتَبَطَ بِهَا الْحُكْمُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ: لَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فَرُدَّتْ، ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ: صَحَّ. كَاسْتِنْقَاذِ الْأَسِيرِ. لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكٍ لَهُمَا، بَلْ لِلْبَائِعِ. وَقِيلَ فِيهِ: لَا يَصِحُّ. لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ. وَلَوْ مَلَكَاهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ: عَتَقَ.

وَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ: وَرِثَهُ مَنْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنَ. وَإِنْ رَجَعَا احْتَمَلَ أَنْ يُوقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَأْخُذَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَإِلَّا لِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْقَاضِي: لِلْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ التَّرِكَةُ. لِأَنَّهُ مَعَ صِدْقِهِمَا: التَّرِكَةُ لِلسَّيِّدِ وَثَمَنُهُ ظُلْمٌ. فَيَتَقَاصَّانِ، وَمَعَ كَذِبِهِمَا: هِيَ لَهُمَا. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا، فَرُدَّتْ، فَبَذَلَا مَالًا لِيَخْلَعَهَا: صَحَّ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ بِيَدِ الْمُقِرِّ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ يَكُونُ إنْشَاءً، {قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَأَرَادَ إنْشَاءَ تَمْلِيكٍ: صَحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) . شَمِلَ الْمَفْهُومُ مَسَائِلَ: مِنْهَا: مَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْهَا: مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ: فَهُوَ السَّفِيهُ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ. سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ مِنْ سَفِيهٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَهُوَ احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي " بَابِ الْحَجْرِ ". وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ الْحَجْرِ " عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. فَائِدَةٌ مِثْلُ: إقْرَارِهِ بِالْمَالِ: إقْرَارُهُ بِنَذْرِ صَدَقَةٍ بِمَالٍ، فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، إنْ لَمْ نَقُلْ بِالصِّحَّةِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِ كَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ، وَالنَّسَبِ، وَالطَّلَاقِ، وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ. وَيُتْبَعُ بِهِ فِي الْحَالِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي " بَابِ الْحَجْرِ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: وَبِنِكَاحٍ إنْ صَحَّ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَإِنْشَائِهِ. قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ، إلَّا أَنَّ فِيهِ احْتِمَالًا. لِضَعْفِ قَوْلِهِمَا. انْتَهَى. فَجَمِيعُ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ. أَوْ نَقُولُ وَهُوَ أَوْلَى: مَفْهُومُ كَلَامِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا صَرَّحَ بِهِ هُنَاكَ. قَوْلُهُ (فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ: فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ، دُونَ مَا زَادَ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ.

وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. عَلَى مَا مَرَّ فِي " كِتَابِ الْبَيْعِ ". وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ: صِحَّةَ إقْرَارِ مُمَيِّزٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي إقْرَارِهِ رِوَايَتَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ. نَصَّ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ فِي قَدْرِ إذْنِهِ. وَحَمَلَ الْقَاضِي إطْلَاقَ مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: هُوَ حَمْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: الصِّحَّةُ، وَعَدَمُهَا. وَذَكَرَ الْأَدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمُمَيِّزَ: إنْ أَقَرَّا بِحَدٍّ، أَوْ قَوَدٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَاقٍ: لَزِمَ. وَإِنْ أَقَرَّا بِمَالٍ: أُخِذَ بَعْدَ الْحَجْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هُوَ غَلَطٌ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فِي آخِرِ " بَابِ الْحَجْرِ ". فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ بَعْدَ بُلُوغِهِ: لَمْ أَكُنْ حَالَ إقْرَارِي، أَوْ بَيْعِي، أَوْ شِرَائِي، وَنَحْوِهِ بَالِغًا. فَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَوْ أَقَرَّ مُرَاهِقٌ مَأْذُونٌ لَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْمُقَرُّ لَهُ فِي بُلُوغِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِبُلُوغِهِ. وَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ ثُبُوتِ بُلُوغِهِ. فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ: أَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَوَجَّهُ وُجُوبُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ قَالَ " أَقْرَرْت قَبْلَ الْبُلُوغِ " فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ بَلَغَ، وَقَالَ " أَقْرَرْت وَأَنَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ " صُدِّقَ إنْ حَلَفَ. وَقِيلَ: لَا. فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابَيْهِ: بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِي عَدَمِ الْبُلُوغِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَوْ شَرْطٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ ". وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَاكَ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ: فِي الضَّمَانِ أَيْضًا إذَا ادَّعَى: أَنَّهُ ضَمِنَ قَبْلَ بُلُوغِهِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: لَوْ ادَّعَى الْبَالِغُ: أَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا حِينَ الْبَيْعِ، أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صُورَةِ دَعْوَى الصَّغِيرِ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعُقُودِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ. وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الْبُلُوغِ وَالْإِذْنِ. قَالَ: وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ فِي دَعْوَى الصَّغِيرِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَكْلِيفُهُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. بِخِلَافِ دَعْوَى عَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُكَلَّفِ. فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَتَعَاطَى فِي الظَّاهِرِ إلَّا الصَّحِيحُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي الْإِقْرَارِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إذَا اخْتَلَفَا: هَلْ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ . وَقَدْ سُئِلَ عَمَّنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَادَّعَى: أَنَّهُ بَالِغٌ؟ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ.

وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَمْ يُقِرَّ بِالْبُلُوغِ إلَى حِينِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ. بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ ارْتَجَعَهَا. قَالَ: وَهَذَا يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ حَقٍّ ثَبَتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، مِثْلَ الْإِسْلَامِ، وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ تَبَعًا لِأَبِيهِ، أَوْ لَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَكَانَ رَشِيدًا، أَوْ بَعْدَ تَزْوِيجِ وَلِيٍّ أَبْعَدَ مِنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " لَمْ أَكُنْ بَالِغًا " فَوَجْهَانِ. وَإِنْ أَقَرَّ وَشَكَّ فِي بُلُوغِهِ، فَأَنْكَرَهُ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ، وَالْمُحَرَّرِ. لِحُكْمِنَا بِعَدَمِهِ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ قُبِلَ بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُصَدَّقُ صَبِيٌّ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِلَا يَمِينٍ. وَلَوْ قَالَ " أَنَا صَبِيٌّ " لَمْ يَحْلِفْ وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَنْ أَنْكَرَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ. أَوْ ادَّعَاهُ وَأَمْكَنَا: حَلَفَ إذَا بَلَغَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يُصَدَّقُ فِي سِنٍّ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ، وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ. وَيَلْزَمُهُ بِهَذَا الْبُلُوغِ مَا أَقَرَّ بِهِ. قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ الْجَارِيَةُ. وَإِنْ ادَّعَى: أَنَّهُ أَنْبَتَ بِعِلَاجٍ وَدَوَاءٍ لَا بِالْبُلُوغِ: لَمْ يُقْبَلْ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. انْتَهَى مَا نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمُمَيِّزِ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ، وَمِثْلُهُ يَبْلُغُ لِذَلِكَ. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ عَشَرٍ. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً.

وَقِيلَ: بَلْ بِالِاحْتِلَامِ فَقَطْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ: صُدِّقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ النَّاظِمُ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَنَّهُ بَلَغَ إذَا أَمْكَنَ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: فَإِنْ أَقَرَّ بِبُلُوغِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَبْلُغُ مِثْلُهُ كَابْنِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا صَحَّ إقْرَارُهُ وَحَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. قُلْت: الصَّوَابُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الِاحْتِلَامِ إذَا أَمْكَنَ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ أَقَلَّ إمْكَانِهِ عَشَرُ سِنِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي السِّنِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا بِنَبَاتِ الشَّعْرِ: فَبِشَاهِدٍ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: يُقْبَلُ أَيْضًا إنْ عُهِدَ مِنْهُ جُنُونٌ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ قَبُولُهُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ) . هَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ. وَيَتَخَرَّجُ صِحَّتُهُ، بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الطَّلَاقِ " أَنَّ فِي أَقْوَالِ السَّكْرَانِ وَأَفْعَالِهِ خَمْسُ رِوَايَاتٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهَا. فَيَكُونُ هَذَا التَّخْرِيجُ هُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِقْرَارِ لِإِنْسَانٍ فَيُقِرَّ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَيُقِرَّ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَنَانِيرَ فَيُقِرَّ بِدَرَاهِمَ فَيَصِحُّ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَتُقْبَلُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ بِقَرِينَةٍ. كَتَوْكِيلٍ بِهِ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ تَهْدِيدِ قَادِرٍ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَمَارَةِ الْإِكْرَاهِ: اسْتَفَادَ بِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. فَيَحْلِفُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَيَتَوَجَّهُ لَا يَحْلِفُ. فَائِدَةٌ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى بَيِّنَةِ الطَّوَاعِيَةِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَعَارَضَانِ: وَتَبْقَى الطَّوَاعِيَةُ فَلَا يَقْضِي بِهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ: صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: أَصَحُّهُمَا قَبُولُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ. فَلَا مُحَاصَّةَ. فَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُحَاصُّ الْمُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ) . بَلْ يَبْدَأُ بِهِمْ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ الْبَنَّا: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي: يُحَاصُّهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي مَوْضِعٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: رِوَايَتَانِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا: وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ ثُمَّ بِدَيْنٍ، أَوْ عَكَسَهُ: فَرَبُّ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ: احْتِمَالٌ فِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ. يَعْنِي بِالْمُحَاصَّةِ كَإِقْرَارِهِ بِدَيْنٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَّهِمُ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَصِيَّتُهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ ثُمَّ يَصِيرُ وَارِثًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ لِوَارِثِهِ رِوَايَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ. لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِوَارِثٍ. وَفِي الصِّحَّةِ: أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَالْأُولَى: أَصَحُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ فِي الْفُنُونِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ كَانَ حَنْبَلِيًّا اسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِهِ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ

فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي الصِّحَّةِ: صَحَّ. وَلَوْ نَحَلَهُ لَمْ يَصِحَّ. وَالنِّحْلَةُ تَبَرُّعٌ كَالْوَصِيَّةِ. فَقَدْ افْتَرَقَ الْحَالُ لِلتُّهْمَةِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. كَذَا فِي الْمَرَضِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّبَرُّعُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ. وَيَلْزَمُ الْإِقْرَارُ. وَقَدْ افْتَرَقَ التَّبَرُّعُ وَالْإِقْرَارُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. كَذَا يَفْتَرِقَانِ فِي الثُّلُثِ لِلْوَارِثِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ " أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِإِجَازَةٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُقْبَلُ بِالْإِجَازَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. بَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ أَجَازُوهُ: جَازَ. وَإِنْ رَدُّوهُ: بَطَلَ. وَلِهَذَا قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَمْ يَلْزَمْ بَاقِيَ الْوَرَثَةِ قَبُولُهُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ لِامْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَيَصِحُّ) . يَعْنِي: إقْرَارَهُ. هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْأَزَجِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ: إجْمَاعًا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، لَا بِإِقْرَارِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ.

وَنَقَلَ أَيْضًا: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةَ بِالزَّائِدِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ فِي صِحَّتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا: رِوَايَتَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَتُهُ: أَنَّهَا لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَخَذَتْهُ. نَقَلَهُ مُهَنَّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ، فَهَلْ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. أَحَدِهِمَا: يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: الصِّحَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إذَا عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَرَّ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ. وَهُوَ تَخْرِيجٌ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: لَمْ يَصِحَّ

إقْرَارُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ: صَحَّ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا. نَصَّ عَلَيْهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اُعْتُبِرَ بِحَالِ الْإِقْرَارِ، لَا الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْمَوْتِ. فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ كَالْوَصِيَّةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ: الصِّحَّةَ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ: بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ: لَا يَلْزَمُ. لَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بُطْلَانُهُ. لِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي الْوَجِيزِ: الصِّحَّةَ فِيهِمَا. انْتَهَى. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَعْطَاهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَخْذِ دَيْنِ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ مَهْرٍ، وَعِوَضِ خُلْعٍ. بَلْ حَوَالَةٌ وَمَبِيعٌ وَقَرْضٌ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: لَا يَصِحُّ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ، وَغَيْرِهِ: إنْ أَقَرَّ " أَنَّهُ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا فِي صِحَّتِهِ " صَحَّ. لَا أَنَّهُ وَهَبَ وَارِثًا. وَفِي نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ: يَصِحُّ لِأَجْنَبِيٍّ كَإِنْشَائِهِ. وَفِيهِ لِوَارِثٍ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ كَالْإِنْشَاءِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ " أَنَّهُ وَهَبَ أَجْنَبِيًّا فِي صِحَّتِهِ " وَفِيهِ لِوَارِثٍ وَجْهَانِ. وَصَحَّحَهُ فِي الِانْتِصَارِ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَطْ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا: لَا يَصِحُّ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ، وَلَا غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِوَارِثٍ: صَحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ هَذَا أَصَحُّ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِوَارِثٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا أَظْهَرُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا: لَوْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ بِنَسَبِ وَارِثٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ: لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَا تَرِثُهُ. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ طَلَاقٍ: صَحَّ، وَأَخَذَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ، فَنَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) . إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ قِصَاصٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: أُخِذَ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: فِي إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ: رِوَايَتَانِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَجْهَانِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِقَوَدٍ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ أَبِي حَازِمٍ. ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ: لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي الْكَبِيرُ، وَجَمَاعَةٌ. وَعَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ: مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ فِي الْحَالِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. تَنْبِيهٌ طَلَبُ جَوَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ، وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا: عَلَى الْأَوَّلِ. وَمِنْ الْعَبْدِ وَحْدَهُ: عَلَى الثَّانِي. وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ مَالٌ عَلَى الثَّانِي. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ: لَمْ يُقْبَلْ، إلَّا فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيُقْبَلُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ) . وَهَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي. يَعْنِي: إنْ أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي الْقِصَاصِ. وَيُقْبَلُ مِنْهُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ مِنْ الْمَالِ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَةُ ذَلِكَ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الشَّرْحِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إقْرَارَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ مَالًا، كَالْخَطَأِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا: لَمْ يُقْبَلْ قَطْعًا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَبَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ: لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحَالِ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَهُوَ أَصَحُّ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَنَصُّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: ذَكَرَهَا الْقَاضِي. وَلَا وَجْهَ لَهَا عِنْدِي. إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، كَالْمَالِ الَّذِي أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ. فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ. وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ. لَكِنْ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْحَجْرِ: إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ: قُبِلَ. إقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ، دُونَ الْمَالِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ بَعْدَ عِتْقِهِ، لَا قَبْلَهُ. فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِالْجِنَايَةِ: تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ.

وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَبِرَقَبَتِهِ أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ، أَوْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ: لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: لَمْ يَصِحَّ. عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى ثُبُوتِ مَالِ السَّيِّدِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا. وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الصَّدَاقِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ: أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ. وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ: ثَبَتَ. وَإِنْ أَنْكَرَ: عَتَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ: صَحَّ. وَكَانَ لِمَالِكِهِ) . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا قُلْنَا يَصِحُّ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، بِدُونِ إذْنِ السَّيِّدِ: لَمْ يَفْتَقِرْ الْإِقْرَارُ إلَى تَصْدِيقِ السَّيِّدِ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ: بَلَى، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ. لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَلَّك مُبَاحًا فَأَقَرَّ بِعَيْنِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ. الثَّانِيَةُ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِنِكَاحٍ أَوْ تَعْزِيرِ قَذْفٍ: صَحَّ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَبْدِ دُونَ الْمَوْلَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا فِي النِّكَاحِ فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَفِي ثُبُوتِهِ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ ضَرَرٌ. فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ: لَمْ يَصِحَّ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، كَقَوْلِهِمْ بِسَبَبِهَا. وَيَكُونُ لِمَالِكِهَا. فَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ.

وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يَصِحُّ لَهَا مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ. لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ " عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ الْبَهِيمَةِ " صَحَّ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: لَوْ قَالَ " عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِمَنْ هِيَ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ: ذِكْرُ الْمُقَرِّ لَهُ. وَإِنْ قَالَ " لِمَالِكِهَا، أَوْ لِزَيْدٍ عَلَيَّ بِسَبَبِهَا أَلْفٌ " صَحَّ الْإِقْرَارُ. فَإِنْ قَالَ " بِسَبَبِ حَمْلِ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ " لَمْ يَصِحَّ. إذْ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ شَيْءٍ بِسَبَبِ الْحَمْلِ. الثَّانِيَةُ لَوْ أَقَرَّ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ، وَذَكَرَ سَبَبًا صَحِيحًا كَغَلَّةِ وَقْفِهِ صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ: فَوَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي. قُلْت: الصَّوَابُ الصِّحَّةُ. وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ: لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا) .

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. ذَكَرُوهُ فِي آخِرِ بَابِ اللَّقِيطِ. وَعَنْهُ يُقْبَلُ فِي نَفْسِهَا. وَلَا يُقْبَلُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَرِقِّ الْأَوْلَادِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي هُنَا، وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدًا: كَانَ رَقِيقًا) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ. فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ: فَهُوَ حُرٌّ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَوَجَّهَ فِي النَّظْمِ: أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ: أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ: هَلْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ أَحَدُهُمَا: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّاظِمُ هُنَا.

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هُنَاكَ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ " بَابِ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ: ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَرِثَهُ) . يَعْنِي: الْمَيِّتَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَقِيلَ: لَا يَرِثُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا لِلتُّهْمَةِ. بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ إرْثٍ. وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ.

فَائِدَةٌ لَوْ كَبُرَ الصَّغِيرُ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَأَنْكَرَ: لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ نَسَبُ الْمُكَلَّفِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا: لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِي أَحَدِهِمَا: يَثْبُتُ نَسَبُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا صَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ: فَهُوَ كَإِقْرَارِهِ بِوَلَدٍ. وَقَالَ فِي الْوَسِيلَةِ: إنْ قَالَ عَنْ بَالِغٍ " هُوَ ابْنِي أَوْ أَبِي " فَسَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: ثَبَتَ نَسَبُهُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ. الثَّانِيَةُ لَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ تَكْرَارُ التَّصْدِيقِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِمُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا بَعْدَ تَكْرَارِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ: لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ: صَحَّ إقْرَارُهُ. وَثَبَتَ النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ: لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ. وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ: مَا فَضَلَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) . هَذَا صَحِيحٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ، وَمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ " وَشُرُوطُهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَةٌ لَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ عَاقِلَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُنْكِرُ، وَالْمُقِرُّ وَحْدَهُ وَارِثٌ: ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْهُمَا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَثْبُتُ. لَكِنْ يُعْطِيهِ الْفَاضِلَ فِي يَدِهِ عَنْ إرْثِهِ. فَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمٍّ، وَكَانَ الْمُقَرُّ بِهِ أَخًا: وَرِثَهُ دُونَهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يَرِثُونَهُ دُونَ الْمُقَرِّ بِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ بِنَسَبِ وَارِثٍ: لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَخُرِّجَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا. تَنْبِيهٌ مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ " أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ - بِنَسَبِ وَارِثٍ: أَنَّهُ يُقْبَلُ. وَهُوَ صَحِيحٌ إذَا صَدَّقَهُ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ حَتَّى أَخٌ أَوْ عَمٌّ. (وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. إحْدَاهُمَا: يُقْبَلُ. لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى شَرَائِطِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يُقْبَلُ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمَا بِبَلَدِ غُرْبَةٍ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ مُكَاتَبِهِ. وَلَا يَمْلِكُ عَقْدَهُ. انْتَهَى. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ إنْ ادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا وَاحِدٌ، لَا اثْنَانِ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي مَكَان آخَرَ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ: يَصِحُّ إقْرَارُ بِكْرٍ بِهِ، وَإِنْ أَجْبَرَهَا الْأَبُ. لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَا إذْنَ لَهُ فِيهِ، كَصَبِيٍّ أَقَرَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ: أَنَّ أَبَاهُ أَجَّرَهُ فِي صِغَرِهِ. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ اثْنَانِ، وَأَقَرَّتْ لَهُمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا. فَإِنْ جُهِلَ: عُمِلَ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ. انْتَهَى. وَإِنْ جَهِلَهُ: فُسِخَا. نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: يَسْقُطَانِ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَلِيَّ. انْتَهَى. وَلَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِالْيَدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا: مَسْأَلَةُ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَسَبَقَتْ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، فِي الْعَيْنِ بِيَدِ ثَالِثٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا بِهِ: قُبِلَ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَإِلَّا فَلَا) يَعْنِي: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْوَلِيِّ عَلَيْهَا بِهِ. فَشَمِلَ مَسْأَلَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ

إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُنْكِرَةً لِلْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا بِهِ. قَوْلًا وَاحِدًا. وَالثَّانِيَةَ: أَنْ تَكُونَ مُقِرَّةً لَهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ إقْرَارَ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا بِهِ: صَحِيحٌ مَقْبُولٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ: أَنَّ فُلَانَةَ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ: أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا فَلَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ: صَحَّ. وَوَرِثَهُ) . قَالَ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ: إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ، فَجَحَدَهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ: تَحِلُّ لَهُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. انْتَهَى. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " فَلَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ " مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْكُتَ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُقِرُّ، ثُمَّ يُصَدِّقُهُ: فَهُنَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ، وَيَرِثُهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَفِيهَا تَخْرِيجٌ بِعَدَمِ الْإِرْثِ الثَّانِيَةَ: أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، ثُمَّ يُصَدِّقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَهُنَا لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ. وَلَا يَرِثُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَهُوَ أَقْوَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ وَيَرِثُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الصِّحَّةُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا فِي صِحَّةِ إقْرَارِ مُزَوَّجَةٍ بِوَلَدٍ: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ. إحْدَاهُمَا: يَلْحَقُهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فِي " بَابِ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ ". قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ أَقَرَّتْ مُزَوَّجَةٌ بِوَلَدٍ: لَحِقَهَا دُونَ زَوْجِهَا وَأَهْلِهَا كَغَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ. وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا. وَقَدَّمَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى فِي الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا. وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِيَدِهِ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفَسَخَهُ حَاكِمٌ. فَلَوْ صَدَّقَتْهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا: قُبِلَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُبِلَ عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّ مَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَأَنْكَرَ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ؟ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ: لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ) .

بِلَا نِزَاعٍ، إنْ كَانَ ثَمَّ تَرِكَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ: لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَمُرَادُهُ: إذَا أَقَرَّ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ. فَأَمَّا إذَا شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ: فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَفِي التَّبْصِرَةِ إنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَمِينٌ: ثَبَتَ. وَمُرَادُهُ: وَشَهِدَ الْعَدْلُ. وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا: إنْ خَلَّفَ وَارِثًا وَاحِدًا لَا يَرِثُ كُلَّ الْمَالِ - كَبِنْتٍ، أَوْ أُخْتٍ - فَأَقَرَّ بِمَا يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ: أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ كُلَّ مَا فِي يَدِهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ - فِي " بَابِ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ " - وَعَنْهُ: إنْ أَقَرَّ اثْنَانِ مِنْ. الْوَرَثَةِ عَلَى أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ: ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، إعْطَاءً لَهُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ. وَفِي اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِمَا: الرِّوَايَتَانِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا هُنَاكَ بِزِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ يُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ، إذَا حَصَلَتْ مُزَاحَمَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ. عَلَى مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ التَّسْوِيَةَ. وَذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ وَجْهًا. وَيُقَدَّمُ مَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِمَا. نَصَّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ: صَحَّ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ بِمَالٍ: صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَا أَحْسِبُ هَذَا قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ إلَّا أَنْ يَعْزِيَهُ إلَى سَبَبٍ: مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ. فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ: يَصِحُّ بِمَالٍ لِحَمْلٍ يَعْزُوهُ. ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الْمَوْتِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ كُلِّفَ ذِكْرَ السَّبَبِ. فَيَصِحُّ مَا يَصِحُّ. وَيَبْطُلُ مَا يَبْطُلُ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بَطَلَ. قَالَ الْأَزَجِيُّ: كَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ فَرَدَّهُ، وَمَاتَ الْمُقِرُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: كَمَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ هَلْ يَأْخُذُهُ حَاكِمٌ، كَمَالٍ ضَائِعٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِ الْبُطْلَانِ. فَقِيلَ: لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ. فَلَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ: تَمَلَّكَ بِغَيْرِهِمَا. وَهُوَ فَاسِدٌ. فَإِنَّ الْإِقْرَارَ كَاشِفٌ لِلْمِلْكِ وَمُبَيِّنٌ لَهُ، لَا مُوجِبٌ لَهُ. وَقِيلَ: لِأَنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَالِمِ وَنَحْوِهَا. وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ مَعَ الْحَمْلِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ لَهُ الْمِلْكُ تَوَجَّهَ حَمْلُ الْإِقْرَارِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ تَعْلِيقٌ لَهُ عَلَى شَرْطِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِدُونِ خُرُوجِهِ حَيًّا. وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَهِيَ أَظْهَرُ. وَتَرْجِعُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ إلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَانْتِقَالِهِ. انْتَهَى. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ جَعَلْتهَا لَهُ " وَنَحْوَهُ: فَهُوَ وَعْدٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ. كَقَوْلِهِ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ " عِنْدَ غَيْرِ التَّمِيمِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ: لَا يَصِحُّ، كَ أَقْرَضَنِي أَلْفًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا: فَهُوَ لِلْحَيِّ) . بِلَا نِزَاعٍ. حَيْثُ قُلْنَا: يَصِحُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّمِيمِيِّ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَعْزِهِ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ. فَأَمَّا إنْ عَزَاهُ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ - كَإِرْثٍ، وَوَصِيَّةٍ - عُمِلَ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْقَاضِي. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ: بَطَلَ إقْرَارُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُحَرَّرِ.، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ (وَفِي الْآخَرِ: يُؤْخَذُ الْمَالُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُقَرُّ بِيَدِهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: أَيُّهُمَا غَيَّرَ قَوْلَهُ: لَمْ يُقْبَلْ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ الثَّالِثُ: قُبِلَ مِنْهُ. وَلَمْ يُقْبَلْ بَعْدَهَا عَوْدُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ. وَلَوْ كَانَ عَوْدُهُ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ: فَفِيهِ وَجْهَانِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ. وَجَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ. بِعَدَمِ الْقَبُولِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ عَبْدًا، أَوْ دُونَ الْمُقَرِّ، بِأَنْ أَقَرَّ بِرِقِّهِ لِلْغَيْرِ: فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِمَا. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ.

باب ما يحصل به الإقرار تنبيه

[بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ تَنْبِيهٌ] ٌ تَقَدَّمَ فِي " صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " هَلْ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْخَطِّ؟ . وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الْإِقْرَارِ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا. فَقَالَ " نَعَمْ " أَوْ " أَجَلْ " أَوْ " صَدَقْت " أَوْ " أَنَا مُقِرٌّ بِهَا " أَوْ " بِدَعْوَاك " كَانَ مُقِرًّا) بِلَا نِزَاعٍ. (وَإِنْ قَالَ " أَنَا أُقِرُّ " أَوْ " لَا أُنْكِرُ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ " إنِّي أُقِرُّ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ قَالَ " أَنَا أُقِرُّ بِدَعْوَاك " لَا يُؤَثِّرُ. وَيَكُونُ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ " لَا أُنْكِرُ ". قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا " أَوْ " عَسَى " أَوْ " لَعَلَّ " أَوْ " أَظُنُّ " أَوْ " أَحْسِبُ " أَوْ " أُقَدِّرُ " أَوْ " خُذْ " أَوْ " اتَّزِنْ " أَوْ " اُحْرُزْ " أَوْ " افْتَحْ كُمَّك " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا)

بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " أَنَا مُقِرٌّ " أَوْ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا " أَوْ " اقْبِضْهَا " أَوْ " أَحْرِزْهَا " أَوْ " هِيَ صِحَاحٌ " فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي ذَلِكَ. إلَّا فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ. فِي قَوْلِهِ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا ". وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ ". أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ فِي قَوْلِهِ " إنِّي مُقِرٌّ ". وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ فِي غَيْرِ قَوْلِهِ " إنِّي مُقِرٌّ ". وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، فِي قَوْلِهِ " خُذْهَا " أَوْ " اتَّزِنْهَا " أَوْ " هِيَ صِحَاحٌ ". قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ " أَنَا مُقِرٌّ " أَنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

فَوَائِدُ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ " كَأَنِّي جَاحِدٌ لَك " أَوْ " كَأَنِّي جَحَدْتُك حَقَّك " أَقْوَى فِي الْإِقْرَارِ مِنْ قَوْلِهِ " خُذْهُ ". الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ " فَقَالَ " بَلَى " فَهُوَ إقْرَارٌ. وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ " نَعَمْ ". قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا مِنْ. عَامِّيٍّ. كَقَوْلِهِ " عَشَرَةٌ غَيْرُ دِرْهَمٍ " يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ. قُلْت: هَذَا التَّوْجِيهُ عَيْنُ الصَّوَابِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ. وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَكُونُ كَذَلِكَ؟ هَذَا مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ " مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي غَيْرِ الْعَامِّيِّ احْتِمَالٌ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: إذَا قَالَ " لِي عَلَيْك كَذَا؟ " فَقَالَ " نَعَمْ " أَوْ " بَلَى " فَمُقِرٌّ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَفْظُ الْإِقْرَارِ يَخْتَلِفُ. بِاخْتِلَافِ الدَّعْوَى فَإِذَا قَالَ " لِي عَلَيْك كَذَا؟ " فَجَوَابُهُ " نَعَمْ " وَكَانَ إقْرَارًا. وَإِنْ قَالَ " أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا؟ " كَانَ الْإِقْرَارُ بِ " بَلَى ". وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ " بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ". الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا " أَوْ " اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا " أَوْ " أَعْطِنِي أَلْفًا مِنْ الَّذِي لِي عَلَيْك " أَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك أَلْفٌ " أَوْ " هَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ؟ "

فَقَالَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ " نَعَمْ " أَوْ " أَمْهِلْنِي يَوْمًا " أَوْ " حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ " أَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ " أَوْ " إلَّا أَنْ أَقُومَ " أَوْ " فِي عِلْمِ اللَّهِ " فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَظُنُّ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ ") فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ". وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ فِي قَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ". وَفِيهِمَا احْتِمَالٌ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ. فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " بِعْتُك " أَوْ " زَوَّجْتُك " أَوْ " قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " صَحَّ، كَالْإِقْرَارِ. قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَوْ قَالَ " أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ. وَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْعُقُودُ. لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بَعْدَ إيجَابِهَا قَبْلَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ: فِي " بِعْتُك " أَوْ " زَوَّجْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَوْ " بِعْتُك إنْ شِئْت " فَقَالَ " قَبِلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ " صَحَّ. انْتَهَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . يَعْنِي: إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ

وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ " إنْ جَاءَ وَقْتُ كَذَا فَعَلَيَّ لِفُلَانٍ كَذَا " وَسَيَحْكِي الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِي نَظِيرَتِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . يَعْنِي: إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ الْمَطَرُ، أَوْ شَاءَ فُلَانٌ " خِلَافًا وَمَذْهَبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ، رَأْسُ الشَّهْرِ " كَانَ إقْرَارًا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ إقْرَارٌ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَهُوَ إقْرَارٌ. وَجْهًا وَاحِدًا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِيهَا تَخْرِيجٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَهَا. وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الشَّارِحُ احْتِمَالًا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فَيَكُونُ فِيهِمَا وَجْهَانِ. فَائِدَةٌ لَوْ فَسَّرَهُ بِأَجَلٍ أَوْ وَصِيَّةٍ: قُبِلَ مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ إقْرَارًا. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَنَصَرَهُ. وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " إنْ شَهِدَ فُلَانٌ فَهُوَ صَادِقٌ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُقِرًّا فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عَلَيْهِ. لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِدْقُهُ إلَّا مَعَ ثُبُوتِهِ. فَيَصِحُّ إذَنْ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ مُقِرًّا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

[بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ] ُ قَوْلُهُ (إذَا وَصَلَ بِهِ مَا يَسْقُطُهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي " أَوْ " قَبَضَهُ " أَوْ " اسْتَوْفَاهُ " أَوْ " أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ " أَوْ " تَكَفَّلْت بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ " أَوْ " أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا " أَوْ " إلَّا سِتَّمِائَةٍ " لَزِمَهُ الْأَلْفُ) . ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ. مِنْهَا: قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي " فَيَلْزَمُهُ. الْأَلْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحُكِيَ احْتِمَالٌ: لَا يَلْزَمُهُ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ قَبَضَهُ، أَوْ اسْتَوْفَاهُ " فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ بِلَا نِزَاعٍ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ " أَوْ " تَكَفَّلْت بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ " فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَالْأَظْهَرُ يَلْزَمُهُ مَعَ ذِكْرِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.

وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ " كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَقَضِيَّتُهُ ". وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ " أَوْ " لَمْ أَقْبِضْهُ " أَوْ " مُضَارَبَةً تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا " مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَادَةً مَعَ فَسَادِهِ: خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ " وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ " بَلْ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك ". الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ " لَمْ يَلْزَمْهُ وَجْهًا وَاحِدًا. أَعْنِي إذَا قَدَّمَ قَوْلَهُ " عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ " عَلَى قَوْلِهِ " أَلْفٌ ". وَمِنْ مَسَائِلِ الْمُصَنِّفِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا " فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَلْفٌ قَوْلًا. وَاحِدًا. وَمِنْهُمَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا سِتَّمِائَةٍ " فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ " كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْته " أَوْ قَضَيْت مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ " فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ

اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةً بِغَيْرِ هَذَا. قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ. فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ: حَلَفَ الْمُدَّعِي " أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَلَمْ يُبْرِئْ " وَاسْتَحَقَّ. وَقَالَ: هَذَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يَكُونُ مُقِرًّا. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ. فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، وَيُحَلِّفُ خَصْمَهُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَاءِ، وَغَيْرُهُمَا. كَسُكُوتِهِ قَبْلَ دَعْوَاهُ. وَانْتَهَى. قُلْت: وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَوَابٍ. فَيُطَالَبُ بِرَدِّ الْجَوَابِ. قَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ. وَهِيَ أَشْهَرُ.

فَوَائِدُ: الْأُولَى لَوْ قَالَ " بَرِئْت مِنِّي " أَوْ " أَبْرَأْتَنِي " فَفِيهَا الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَقِيلَ: مُقِرٌّ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " كَانَ لَهُ عَلَيَّ " وَسَكَتَ: فَهُوَ إقْرَارٌ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ. قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ. الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْته " وَلَمْ يَقُلْ " كَانَ " فَفِيهَا طُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ. أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَةَ الْأُولَى. وَرِوَايَةَ أَبِي الْخَطَّابِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَرِوَايَةً ثَالِثَةً: يَكُونُ قَدْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ، وَكَذَّبَ نَفْسَهُ فِي الْوَفَاءِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ، وَلَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَهُ: هِيَ الصَّحِيحَةُ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْ ذَلِكَ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ هَذَا بِجَوَابٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ جَوَابًا فِي الْأُولَى فَيُطَالَبُ بِرَدِّ الْجَوَابِ.

الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا. وَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: عَكْسُ الَّتِي قَبْلَهَا. وَهِيَ عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ هُنَا، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ) . تَقَدَّمَ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ". وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ لَا يَسْكُتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْكَلَامُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ النَّاظِمُ، وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ فِي الْوَاضِحِ لِابْنِ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ ". وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ: مِثْلُهُ كُلُّ صِلَةِ كَلَامٍ مُغَيِّرٍ لَهُ. وَاخْتَارَ: أَنَّ الْمُتَقَارِبَ مُتَوَاصِلٌ. وَتَقَدَّمَ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ " فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا زَادَ عَلَيْهِ) يَعْنِي: عَلَى النِّصْفِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.

حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي أُصُولِهِ: اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابِهِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الطَّلَاقِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا وَاخْتَارَهُ فِيمَا إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ " أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. قَالَ: وَهَذَا إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ (وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ: وَجْهَانِ) . وَحَكَاهُمَا فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: الصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى أَكْثَرَهُ: لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ. فَظَاهِرُهُ: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ. فَظَاهِرُهُمَا: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: يَصِحُّ فِي الْأَقْيَسِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ، وَشَارِحُ الْوَجِيزِ: هَذَا أَوْلَى. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: وَقَالَ طَائِفَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ وَالثُّلُثَ. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى أَيْضًا فِي " بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ " لَهُ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إلَّا وَاحِدًا " لَزِمَهُ تَسْلِيمُ تِسْعَةٍ. فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا. فَقَالَ " هُوَ الْمُسْتَثْنَى " فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى.

أَحَدِهِمَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَشَارِحُ الْوَجِيزِ وَالنَّاظِمُ، وَصَاحِبُ التَّصْحِيحِ، وَابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَتَلَ، أَوْ غَصَبَ الْجَمِيعَ إلَّا وَاحِدًا: قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. لِحُصُولِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِينَ أَوْ الْمَغْصُوبِينَ، أَوْ رُجُوعِهِمْ لِلْمُقَرِّ لَهُ. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " غَصَبْتُهُمْ إلَّا وَاحِدًا " فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا: صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِهِ. وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا " صُدِّقَ فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ " أَوْ " هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي " قُبِلَ مِنْهُ) . بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَهَا. وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ نِصْفُهَا " فَقَدْ أَقَرَّ بِالنِّصْفِ. كَذَا نَحْوُهُ. وَإِنْ قَالَ. " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ وَلِي نِصْفُهَا " صَحَّ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: بَطَلَ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: بَطَلَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ قَالَ " هَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا ثُلُثَيْهَا " أَوْ " إلَّا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا " أَوْ " إلَّا نِصْفَهَا " فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَكْثَرِ وَالنِّصْفِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ، وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ " أَوْ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا " فَهَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالتَّلْخِيصِ إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ " لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِرَفْعِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَرُدَّ غَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: يَصِحُّ. صَحَّحَهُ. فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: صَحَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَصِحُّ.

وَمَا قَالُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ. بَلْ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمَيْنِ " فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، فَهُنَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ، فَيَتَوَجَّهُ فِيهَا وَجْهَانِ، كَالَّتِي قَبْلَهَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ: الْإِطْلَاقَ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي: وَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ الْعَطْفِ بِوَاوٍ يَرْجِعُ إلَى الْكُلِّ. وَقِيلَ: إلَى مَا يَلِيهِ فَلَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمًا " فَدِرْهَمٌ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَإِلَّا فَاثْنَانِ. وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: بِأَنَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهُوَ أَوْلَى. وَصَحَّحَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ. وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ. وَلُزُومَ دِرْهَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا " لَزِمَهُ الْخَمْسَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَمْعًا لِلْمُسْتَثْنَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ

قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " خَمْسَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا " وَجَبَ خَمْسَةٌ، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا " لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) . لِأَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ سَبْعَةً. ثُمَّ نَفَى مِنْهَا ثَلَاثَةً. ثُمَّ أَثْبَتَ وَاحِدًا. وَبَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَنْفِيَّةِ دِرْهَمَانِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ السَّبْعَةِ. فَيَكُونُ مُقِرًّا بِخَمْسَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا " لَزِمَهُ عَشَرَةٌ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ) . إنْ بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بَاطِلٌ، بِعَوْدِهِ إلَى مَا قَبْلَهُ لِبُعْدِهِ، كَسُكُوتِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَهَذَا الْوَجْهُ: اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَفِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَبَعَّدَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا رَفَعَ الْكُلَّ، أَوْ الْأَكْثَرَ: سَقَطَ، إنْ وَقَفَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ وَصَلَهُ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ: اسْتَعْمَلْنَاهُ. فَاسْتَعْمَلْنَا الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لِوَصْلِهِ بِالثَّانِي، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُسْتَثْنَى عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ. فَإِنَّ عَشَرَةً إلَّا دِرْهَمًا عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعَةٍ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً " صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ. لِأَنَّهُ وَصَلَهَا بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ. وَلِذَلِكَ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ وَالدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ ذَلِكَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ. وَهِيَ نَفْيٌ. فَبَقِيَ خَمْسَةٌ. وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ إثْبَاتٌ. فَعَادَتْ ثَمَانِيَةٌ. وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ. وَهِيَ نَفْيٌ فَبَقِيَ سِتَّةٌ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ السِّتَّةِ: أَنْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَيَبْطُلُ الزَّائِدُ. فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ وَالدِّرْهَمِ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَعَلَى قَوْلِنَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. وَلَا يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْخَمْسَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ خَمْسَةٌ. وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْخَمْسَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ، فَيَبْطُلُ، وَيَلِي قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " قَوْلَهُ " إلَّا خَمْسَةً " فَيَصِحُّ. فَيَعُودُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْخَارِجَةِ دِرْهَمَانِ. خَرَجَ مِنْهَا دِرْهَمٌ بِقَوْلِهِ " إلَّا دِرْهَمًا " بَقِيَ دِرْهَمٌ، فَيُضَمُّ إلَى الْخَمْسَةِ تَكُونُ سِتَّةً. انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَوْجِيهِ الشَّارِحِ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ كُلِّهَا. وَالْعَمَلِ بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ " عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً " نَفَى خَمْسَةً.

فَإِذَا قَالَ " إلَّا ثَلَاثَةً " عَادَتْ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا إثْبَاتٌ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " كَانَتْ نَفْيًا، فَيَبْقَى سِتَّةٌ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا دِرْهَمًا " كَانَ مُثْبِتًا. صَارَتْ سَبْعَةً. قَالَهُ الشَّارِحُ. وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى: وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَلَا يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يَصِحُّ. وَاسْتِثْنَاءَ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ. وَاسْتِثْنَاءَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ لَا يَصِحُّ. بَقِيَ قَوْلُهُ " إلَّا ثَلَاثَةً " صَحِيحًا. فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ " إلَّا عَشَرَةً، إلَّا ثَلَاثَةً " فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. انْتَهَى. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّارِحِ أَيْضًا. (وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ) . قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ يُلْغِي الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ؛ لِكَوْنِهِ النِّصْفَ. فَإِذَا قَالَ " إلَّا ثَلَاثَةً " كَانَتْ مُثْبَتَةً. وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ. وَقَدْ بَطَلَتْ. فَتَبْطُلُ الثَّلَاثَةُ أَيْضًا. وَيَبْقَى الِاثْنَانِ؛ لِأَنَّهَا نَفْيٌ، وَالنَّفْيُ يَكُونُ مِنْ إثْبَاتٍ. وَقَدْ بَطَلَ الْإِثْبَاتُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. فَتَكُونُ مَنْفِيَّةً مِنْ الْعَشَرَةِ، يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدِ مِنْ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: وَعَلَى قَوْلِنَا: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ لَا يَصِحُّ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ: وَلِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلَهُ " إلَّا ثَلَاثَةً ". فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ، لَكِنْ وَلِيَهُ قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمَيْنِ " وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ. وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَلِيَ قَوْلُهُ " إلَّا دِرْهَمًا " قَوْلَهُ " إلَّا ثَلَاثَةً ". فَعَادَ مِنْهَا الدِّرْهَمُ إلَى السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ. فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةً. انْتَهَى

فَخَالَفَ الشَّارِحَ أَيْضًا فِي تَوْجِيهِهِ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ أَقْعَدُ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي النُّكَتِ لِتَوْجِيهِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا وَمَا نَظَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ خَامِسٌ: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ إنْ صَحَّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ.، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْبَهِ إنْ بَطَلَ النِّصْفُ خَاصَّةً: فَثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ صَحَّ فَقَطْ: فَخَمْسَةٌ. وَإِنْ عَمِلَ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ: فَسَبْعَةٌ. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ إذَا صَحَّحْنَا اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ خَمْسَةٌ، أَوْ سِتَّةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْهُ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ: بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَصَحَّ فِي الْآخَرِ. فَيَكُونُ مُقِرًّا بِسَبْعَةٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي النُّكَتِ عَلَى وَجْهِ لُزُومِ الْخَمْسَةِ إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ صَحِيحٌ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ بَاطِلٌ فَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهُ. وَعَلَى وَجْهِ لُزُومِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ صَحِيحٌ، وَاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ بَاطِلٌ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَاسْتِثْنَاءُ اثْنَيْنِ مِنْ خَمْسَةٍ صَحِيحٌ. فَصَارَ الْمُقَرُّ بِهِ: سَبْعَةً. ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَاحِدٌ. يَبْقَى سِتَّةٌ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ: الْكَلَامُ بِآخِرِهِ. وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءَاتُ كُلُّهَا. فَيَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ. وَهُوَ وَاضِحٌ

قَالَ: وَأَلْزَمَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسِتَّةٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّرْهَمَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَرَادَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الشَّارِحَ. عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِهِ. وَقَالَ عَنْ وَجْهِ الثَّمَانِيَةِ: لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْخَمْسَةِ بَاطِلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ، يَبْقَى سَبْعَةٌ. وَاسْتِثْنَاءُ الِاثْنَيْنِ بَاطِلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ صَحِيحٌ، يَزِيدُهُ عَلَى سَبْعَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتِثْنَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثَةٍ بَاطِلٌ. وَاسْتِثْنَاءُ اثْنَيْنِ مِنْ عَشَرَةٍ صَحِيحٌ. وَاسْتِثْنَاءُ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ بَاطِلٌ. قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ عَنْ قَوْلِهِ " وَقِيلَ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا " أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا: يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، أَوْ لَا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَهُوَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ كُلِّهَا. عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَالَ: وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ هَذَا الْوَجْهَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ: فِيهَا شَيْءٌ. وَأَحْسِبُهُ لَوْ قَالَ: وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ: كَانَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ مَبْنَى ذَلِكَ: إذَا تَخَلَّلَ الِاسْتِثْنَاءَاتِ اسْتِثْنَاءٌ بَاطِلٌ. فَهَلْ يُلْغَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ الْبَاطِلُ وَمَا بَعْدَهُ، أَوْ يُلْغَى وَحْدَهُ وَيَرْجِعُ. مَا بَعْدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ؟ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. أَوْ يُنْظَرُ إلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ؟ . اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، فِيهِ أَوْجُهٌ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ، وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: لَوْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْئًا: بَطَلَا. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا بَعْدَ الْبَاطِلِ إلَى مَا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا يَئُولُ إلَيْهِ جُمْلَةُ الِاسْتِثْنَاءَاتِ. زَادَ فِي الْكُبْرَى: وَقِيلَ: إنْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ دُونَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ: صَحَّ. وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ " لَهُ: عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا " لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، مُطْلَقًا، إلَّا مَا اسْتَثْنَى. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْآخَرِ: صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ نَوْعٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَزِمَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ وَغَيْرِهِمَا فَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِهِمَا صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا. قُلْت: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ أَقَرَّ بِنَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ، وَاسْتَثْنَى نَوْعًا

مِنْ آخَرَ، كَأَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ، وَاسْتَثْنَى مَعْقِلِيًّا وَنَحْوَهُ. وَهُوَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الصِّحَّةِ. صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ هُوَ، وَابْنُ رَزِينٍ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ وَرِقًا مِنْ عَيْنٍ. فَيَصِحُّ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالزَّرْكَشِيِّ. تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ مِنْ الْأَصْحَابِ: مَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ أَوْ جِنْسَانِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَمَا قَالَهُ غَلَطٌ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْعُمْدَةِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: إنَّهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي أَشْيَاءَ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. بِحَمْلِ رِوَايَةِ الصِّحَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنْهُ. وَرِوَايَةُ الْبُطْلَانِ عَلَى مَا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ. فَعَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَاضِحِ: يَخْتَصُّ الْخِلَافُ فِي النَّقْدَيْنِ وَعَلَى مَا حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يَنْتَفِي الْخِلَافُ. فَائِدَةٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْفُلُوسِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ فِيهَا قَوْلَانِ آخَرَانِ. أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ. وَالثَّانِي: جَوَازُهُ مَعَ نِفَاقِهَا خَاصَّةً. انْتَهَى. قُلْت: وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: الصِّحَّةُ، بَلْ هِيَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا دِينَارًا " فَهَلْ. يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْهُمَا. وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ: يَرْجِعُ إلَى سِعْرِ الدِّينَارِ بِالْبَلَدِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ. وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِعْرٌ مَعْلُومٌ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ " فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَرْجِعُ إلَى سِعْرِ الدَّنَانِيرِ بِالْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا مَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ: صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ إلَى الْمُقِرِّ. فَإِنْ فَسَّرَهُ بِالنِّصْفِ فَأَقَلَّ: قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ. وَقَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: إنْ بَقِيَ مِنْهُ أَكْثَرُ الْمِائَةِ رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ " ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ " زُيُوفًا " أَوْ " صِغَارًا " أَوْ " إلَى شَهْرٍ " لَزِمَهُ أَلْفٌ جِيَادٌ، وَافِيَةٌ حَالَّةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ، أَوْ مَغْشُوشَةٌ. فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْفُرُوعِ. أَحَدِهِمَا: يَلْزَمُهُ جِيَادٌ وَافِيَةٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا أَوْلَى. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِسِكَّةٍ دُونَ سِكَّةِ الْبَلَدِ، وَتَسَاوَيَا وَزْنًا: فَاحْتِمَالَانِ. وَشَرَطَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالَ " صِغَارًا " أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ، وَإِلَّا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ. وَيَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَى شَهْرٍ " فَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ التَّأْجِيلَ: لَزِمَهُ مُؤَجَّلًا) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَالًّا. وَهُوَ لِأَبِي الْخَطَّابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ قُبِلَ فِي الضَّمَانِ. وَفِي غَيْرِهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَالنُّكَتِ، وَالنَّظْمِ

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الضَّمَانِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ: الَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَجَلِ. انْتَهَى. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَبُولُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمُؤَجَّلٍ: أُجِّلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ بِمُؤَجَّلٍ: صُدِّقَ. وَلَوْ عَزَاهُ إلَى سَبَبٍ يَقْبَلُهُ الْحُلُولُ، وَلِمُنْكِرِ التَّأْجِيلِ يَمِينُهُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: الَّذِي يَظْهَرُ قَبُولُ دَعْوَاهُ. تَنْبِيهٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ " قُبِلَ فِي الضَّمَانِ " أَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي الضَّمَانِ: فَلِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لِأَصْلٍ وَلَا ظَاهِرٍ فَقُبِلَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ فَقَطْ. وَمِنْ أَصْلِنَا صِحَّةُ ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ غَيْرَ ضَمَانٍ كَبَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَوَجْهُ قَوْلِ الْمُقِرِّ فِي التَّأْجِيلِ: أَنَّهُ سَبَبٌ يَقْبَلُ الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ، كَالضَّمَانِ. وَوَجْهُ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ: أَنَّهُ سَبَبٌ مُقْتَضَاهُ الْحُلُولُ. فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَأَصْلِهِ. وَبِهَذَا فَارَقَ الضَّمَانَ. قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ جُلِّ كَلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ بَعْدَ نَظْمِ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي: أَنَّ مُرَادَهُ يُقْبَلُ فِي الضَّمَانِ أَيْ يَضْمَنُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أُجْرَةٍ، لِيَكُونَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ إنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ مَا ادَّعَاهُ

أَوْ بَعْضِهِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهِ كَذَلِكَ. فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ سِكَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نَاقِصَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَقِيلَ: بَلْ مُرَادُهُ نَفْسُ الضَّمَانِ. أَيْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ ضَامِنٌ مَا أَقَرَّ بِهِ عَنْ شَخْصٍ، حَتَّى إنْ بَرِئَ مِنْهُ بَرِئَ الْمُقِرُّ. وَيُرِيدُ بِغَيْرِهِ: سَائِرَ الْحُقُوقِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ " لَزِمَتْهُ نَاقِصَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ الشَّارِحُ: لَزِمَتْهُ نَاقِصَةً، وَنَصَرَهُ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ " قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإِنْ قَالَ " صِغَارًا " وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ: قُبِلَ قَوْلُهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَرَاهِمُ صِغَارٌ: لَزِمَهُ وَازِنَةٌ، كَمَا لَوْ قَالَ " دُرَيْهِمٌ " فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَازِنٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ قَالَ " صِغَارٌ " قُبِلَ بِنَاقِصَةٍ. فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: قُبِلَ وَلِلنَّاسِ دَرَاهِمُ صِغَارٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ: وَإِنْ قَالَ " نَاقِصَةٌ " لَزِمَهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَجْهًا وَاحِدًا. فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَازِنَةٌ " فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: أَوْ وَازِنَةٌ فَقَطْ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَإِنْ قَالَ " دَرَاهِمُ عَدَدًا " لَزِمَهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِهَا عَدَدًا، أَوْ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ: فَالْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ. وَلَوْ قَالَ " عَلَيَّ دِرْهَمٌ " أَوْ " دِرْهَمٌ كَبِيرٌ " أَوْ " دُرَيْهِمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ إسْلَامِيٌّ وَازِنٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي " دُرَيْهِمٌ " يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ " وَقَالَ الْمَالِكُ " بَلْ وَدِيعَةٌ " فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ) . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِيهِ تَخْرِيجٌ مِنْ قَوْلِهِ. " كَانَ لَهُ عَلَيَّ وَقَبَضْته ". ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ " وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ " بَلْ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك " فَعَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي

أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَقَدَّمَهُ شَارِحُ الْوَجِيزِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّى فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ " وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ: قُبِلَ مِنْهُ) بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَّدْتهَا إلَيْهِ " أَوْ " تَلِفَتْ " لَزِمَهُ ضَمَانُهَا وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ وَالْخِرَقِيِّ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ

قَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى تَأْوِيلِ عَلَيَّ حِفْظُهَا أَوْ رَدُّهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ مُتَّصِلًا فَإِنْ فَسَّرَهُ بِهِ مُتَّصِلًا: قُبِلَ قَوْلًا وَاحِدًا لَكِنْ إنْ زَادَ فِي الْمُتَّصِلِ " وَقَدْ تَلِفَتْ " لَمْ يُقْبَلْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ، وَلَا مَانِعَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ أَحْضَرَهُ، وَقَالَ " هُوَ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ " فَفِي قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ: أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ غَيْرُهُ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: الْإِطْلَاقُ إحْدَاهُمَا: لَا يُقْبَلُ ذَكَرَهُ الْأَزَجِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ وَدِيعَةٌ بِشَرْطِ الضَّمَانِ " لَغَا وَصْفُهُ لَهَا بِالضَّمَانِ وَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ مِنْ مَالِي " أَوْ " فِي مَالِي " أَوْ " فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ " أَوْ " نِصْفُ دَارِي هَذِهِ " وَفَسَّرَهُ بِالْهِبَةِ، وَقَالَ " بَدَا لِي فِي تَقْبِيضِهِ " قُبِلَ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْأُولَى وَذَكَرَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا: فِي قَوْلِهِ " لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفٌ " أَوْ " لَهُ نِصْفُ مَالِي إنْ مَاتَ " وَلَمْ يُفَسِّرْهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ: إنْ قَالَ " لَهُ مِنْ مَالِي " أَوْ " فِي مَالِي " أَوْ " فِي مِيرَاثِي أَلْفٌ " أَوْ " نِصْفُ دَارِي هَذِهِ " إنْ مَاتَ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: فِي قَوْلِهِ " لَهُ نِصْفُ دَارِي " يَكُونُ هِبَةً وَتَقَدَّمَ

وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْوَصَايَا " هَذَا مِنْ مَالِي لَهُ " وَصِيَّةٌ وَ " هَذَا لَهُ " إقْرَارٌ، مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِي قَوْلِهِ " لَهُ أَلْفٌ فِي مَالِي " يَصِحُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَحَقَّ بِسَبَبٍ سَابِقٍ، وَ " مِنْ مَالِي " وَعْدٌ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ " مِنْ " وَ " فِي " فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْهِبَةِ: يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: فَلَوْ فَسَّرَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ: صَحَّ وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِلتَّنَاقُضِ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ زَادَ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا " بِحَقٍّ لَزِمَنِي " صَحَّ الْإِقْرَارُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو " فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ " فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ)

هَذَا الْمَذْهَبُ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِإِنْشَاءِ هِبَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: إذَا قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ " أَوْ " فِي هَذِهِ التَّرِكَةِ أَلْفٌ " يَصِحُّ، وَيُفَسِّرُهَا قَالَ: وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكَهُ " فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ " أَقَرَّ وَكَانَ مِلْكَهُ إلَى أَنْ أَقَرَّ " أَوْ قَالَ هَذَا مِلْكِي إلَى الْآنَ وَهُوَ لِفُلَانٍ " فَبَاطِلٌ وَلَوْ قَالَ " هُوَ لِفُلَانٍ، وَمَا زَالَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت " لَزِمَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْأَزَجِيُّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ " دَارِي لِفُلَانٍ " فَبَاطِلٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ عَارِيَّةً " ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَّةِ) وَكَذَا لَوْ قَالَ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ هِبَةً أَوْ سُكْنَى " وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، فِي الْأُولَى وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِيهِمَا، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَزَادَ قَوْلَ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ قَالَ الْقَاضِي: فِي هَذَا وَجْهٌ لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَنْعُ قَوْلِهِ " لَهُ هَذِهِ الدَّارُ ثُلُثَاهَا " وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صِحَّتَهُ. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " هِبَةً سُكْنَى " أَوْ " هِبَةً عَارِيَّةً " عُمِلَ بِالْبَدَلِ

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلرَّقَبَةِ وَبَقَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِالرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ " أَنَّهُ وَهَبَ " أَوْ " رَهَنَ وَأَقْبَضَ " أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ، وَقَالَ " مَا قَبَضْت، وَلَا أَقْبَضْت " وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ رِوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ، وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ بَلْ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ " بَابِ الرَّهْنِ " مِنْ الْمُغْنِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ

نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ الشَّرِيفُ وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَلَا يُشْبِهُ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ وَادَّعَى تَلْجِئَةً، إنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَنْفِ مَا أَقَرَّ بِهِ. فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْبَاضٍ ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَهُ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ: كُذِّبَ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَا إنْ قُلْنَا: تُرَدُّ الْيَمِينُ فَحَلَفَ الْمُقِرُّ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ أَقَرَّ: أَنَّ الْمَبِيعَ لِغَيْرِهِ: لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ، وَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " لَمْ يَكُنْ مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْته بَعْدُ " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً، فَيُقْبَلُ ذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ: أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ " قَبَضْت ثَمَنَ مِلْكِي " أَوْ نَحْوَهُ: لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا)

لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ فَائِدَةٌ لَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ، أَوْ بِزَكَاةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: إنْ أَقَرَّ بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهُ: صَحَّ رُجُوعُهُ وَعَنْهُ: فِي الْحُدُودِ دُونَ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو " أَوْ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو " لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَى زَيْدٍ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: دَفَعَهُ لِزَيْدٍ وَإِلَّا صَحَّ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ " الْأَدَمِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَقِيلَ: لَا إقْرَارَ مَعَ اسْتِدْرَاكٍ مُتَّصِلٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الصَّوَابُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهُ هُوَ مِنْ عَمْرٍو " أَوْ " هَذَا لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو "

وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذِهِ الْأَخِيرَةِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ " فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى زَيْدٍ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَقَالَ هَذَا: الْأَشْهَرُ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى عَمْرٍو، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِزَيْدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: الْعَبْدُ لِزَيْدٍ وَلَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِعَمْرٍو شَيْئًا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ وَمِلْكُهُ لِعَمْرٍو " فَجَزَمَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَغْرَمْ لِعَمْرٍو شَيْئًا قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: أَخَذَهُ زَيْدٌ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمُقِرُّ لِعَمْرٍو شَيْئًا فِي الْأَشْهَرِ انْتَهَى وَقِيلَ: يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو كَالَّتِي قَبْلَهَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ " مِلْكُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْته مِنْ زَيْدٍ " دَفَعَهُ إلَى زَيْدٍ وَقِيمَتَهُ إلَى عَمْرٍو

وَهَذَا مُوَافِقٌ لِإِحْدَى النُّسْخَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ " غَصَبْته مِنْ أَحَدِهِمَا " أُخِذَ بِالتَّعْيِينِ فَيَدْفَعُهُ إلَى مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَحْلِفُ الْآخَرُ) بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ قَالَ " لَا أَعْلَمُ عَيْنَهُ " فَصَدَّقَاهُ: اُنْتُزِعَ مِنْ زَيْدٍ وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهِ وَإِنْ كَذَّبَاهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) فَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً " أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمَا " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ: أَنَّهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا " أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ مِنْهُ " قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي " بَابِ الدَّعَاوَى " فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ ثَالِثٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا: فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَقِيلَ: إنْ أَضَافَا الشَّرِكَةَ إلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ كَشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِمَا فَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا زَادَ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْفُصُولِ: وَلَمْ يَكُونَا قَبَضَاهُ بَعْدَ الْمِلْكِ لَهُ

وَتَابَعَهُمَا فِي الْوَجِيزِ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَاهُ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى الْقَاضِي قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ " هَذَا الْأَلْفُ لُقَطَةٌ فَتَصَدَّقُوا بِهِ " وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ: لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهُوَ الْمَذْهَبُ، سَوَاءٌ صَدَّقُوهُ أَوْ لَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالتَّصَدُّقِ بِثُلُثِهَا، إنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ اللُّقَطَةُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ مِائَةً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَرَّ ابْنُهُ لَهُ بِهَا، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ فَأَقَرَّ لَهُ: فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُهَا لِلثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ " هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو " انْتَهَى

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ فِي غَرَامَتِهَا لِلثَّانِي خِلَافًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا مَعًا: فَهِيَ بَيْنَهُمَا) قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةً دَيْنًا فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَقَرَّ لَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: فَهِيَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي: إذَا كَانَتْ الْمِائَةُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اشْتِرَاكُهُمَا إنْ تَوَاصَلَ الْكَلَامُ بِإِقْرَارَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: هِيَ لِلْأَوَّلِ وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالًا بِالِاشْتِرَاكِ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ، كَإِقْرَارِ مَرِيضٍ لَهُمَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ أَيْضًا: لَوْ خَلَّفَ أَلْفًا فَادَّعَى إنْسَانٌ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِهَا، فَأَقَرَّ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَلْفًا دَيْنًا، فَأَقَرَّ لَهُ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهَا وَبَقِيَّتُهَا لِلثَّانِي وَقِيلَ: كُلُّهَا لِلثَّانِي

وَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا مَعًا: احْتَمَلَ أَنَّ رُبْعَهَا لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَّتَهَا لِلثَّانِي انْتَهَى قُلْت: عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: يُعَايَى بِهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ مِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُ الِابْنَيْنِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ: لَزِمَ الْمُقِرَّ نِصْفُهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيَحْلِفُ الْغَرِيمُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَأْخُذُ مِائَةً، وَتَكُونُ الْمِائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الِابْنَيْنِ) تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْإِقْرَارِ " عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ: لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ مِنْ التَّرِكَةِ " قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْ الْقِيمَةِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا فَقَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ " أَبِي أَعْتَقَ هَذَا فِي مَرَضِهِ " فَقَالَ الْآخَرُ " بَلْ أَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ " عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الْآخَرِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا " أَبِي أَعْتَقَ هَذَا " وَقَالَ الْآخَرُ " أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا، لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا؟ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الِابْنُ بِعِتْقِهِ: عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ إنْ لَمْ يُجِيزَا عِتْقَهُ كَامِلًا وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْآخَرِ: كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي سَوَاءٌ) قَالَ الشَّارِحُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ

وَقُوَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: تُعْطِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ " عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ " وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ صَحِيحَةٌ لَا أَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا لَكِنْ لَوْ رَجَعَ الِابْنُ الَّذِي جَهِلَ عَيْنَ الْمُعْتَقَ وَقَالَ " قَدْ عَرَفْته قَبْلَ الْقُرْعَةِ " فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ، فَوَافَقَهَا تَعْيِينُهُ: لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ وَإِنْ خَالَفَهَا: عَتَقَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ ثُلُثُهُ بِتَعْيِينِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخُوهُ: عَتَقَ ثُلُثَاهُ وَإِنْ عَيَّنَ الْآخَرَ: عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ الْعِتْقُ فِي الَّذِي عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ

باب الإقرار بالمجمل

[بَابٌ الْإِقْرَارُ بِالْمُجْمَلِ] ِ قَوْلُهُ {إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ " أَوْ " كَذَا " قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ فَإِنْ أَبَى: حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ} . وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: هَذَا الْأَشْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنُّكَتِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ نَاكِلًا وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ لَهُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: ثَبَتَ، وَإِلَّا جُعِلَ نَاكِلًا وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَهُ الْمُقِرُّ وَظَاهِرُ الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ الْخِلَافِ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ خِلَافًا وَمَذْهَبًا لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا " وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَرَّرَ بِوَاوٍ فَلِلتَّأْسِيسِ، لَا لِلتَّأْكِيدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ {فَإِنْ مَاتَ أَخَذَ وَارِثُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَإِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ شَيْئًا: يُقْضَى مِنْهُ}

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِحَدِّ قَذْفٍ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: إنْ صَدَّقَ الْوَارِثُ مَوْرُوثَهُ فِي إقْرَارِهِ: أُخِذَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعِنْدِي: إنْ أَبَى الْوَارِثُ أَنْ يُفَسِّرَهُ، وَقَالَ " لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ " حَلَفَ وَلَزِمَهُ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي النُّكَتِ عَنْ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا قَوْلًا ثَالِثًا؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ جِدًّا عَلَى الْمَذْهَبِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ، وَحَلَفَ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فَعَلَى الْأَوَّلِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ كَانَ أَوْلَى. فَائِدَةٌ لَوْ ادَّعَى الْمُقِرُّ قَبْلَ مَوْتِهِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَحَلَفَ فَقَالَ فِي النُّكَتِ: لَمْ أَجِدْهَا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ كَذَلِكَ، إذَا حَلَفَ " أَنْ لَا يَعْلَمَ " كَالْوَارِثِ

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ، لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُهُ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ النُّكَتِ وَتَابَعَ فِي الْفُرُوعِ صَاحِبَ الشَّرْحِ، وَذَكَرَ الِاحْتِمَالَ وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ قُلْت: وَهَذَا الِاحْتِمَالُ عَيْنُ الصَّوَابِ قَوْلُهُ {فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ مَالٍ: قُبِلَ وَإِنْ قَلَّ} بِلَا نِزَاعٍ قَوْلُهُ {فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ خَمْرٍ لَمْ يُقْبَلْ} هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا لَوْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ نَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: فِي قَبُولِ تَفْسِيرِهِ بِالْمَيِّتَةِ: وَجْهَانِ وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ: الْخِلَافُ فِي كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَإِنْ قَالَ " حَبَّةُ حِنْطَةٍ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي: الْوَجْهَيْنِ فِي " حَبَّةِ حِنْطَةٍ " وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْقَبُولِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَزَجِيُّ، وَزَادَ: أَنَّهُ يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَإِنَّ قِلَّتَهُ لَا تَمْنَعُ طَلَبَهُ وَالْإِقْرَارَ بِهِ لَكِنْ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ تَرَدَّدَ: هَلْ يَعُودُ الْقَوْلُ إلَى حَبَّةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ

فَقَطْ، أَوْ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ؟ فَدَخَلَ فِي الْخِلَافِ الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْحَبَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ خِلَافًا انْتَهَى قُلْت: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ، وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الصُّوَرِ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا غَيْرَ الْمُتَمَوَّلِ قِشْرَ الْجَوْزَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ حَبَّةِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَهِيَ أَوْلَى أَنْ يَحْكِيَ فِيهَا الْخِلَافَ فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَّلَ الْمُصَنِّفُ: الَّذِي لَيْسَ بِمَالٍ كَقِشْرِ الْجَوْزَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. الثَّانِيَةُ لَوْ فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَوْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، أَوْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ قَوْلُهُ {وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ} يَعْنِي: الْمُقِرَّ {فَعَلَى وَجْهَيْنِ} إذَا فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ: فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَالْمُجَرَّدِ لِلْقَاضِي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقْبَلُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ: فِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ نَفْعُهُ فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحِ النَّفْعِ: لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَأَطْلَقَ فِي التَّبْصِرَةِ الْخِلَافَ فِي الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ فَسَّرَهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ، تَنَجَّسَ بِمَوْتِهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قَبْلَ دَبْغِهِ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ: وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: قَبْلَ دَبْغِهِ وَبَعْدَهُ، وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ قَوْلٍ وَأَمَّا إذَا فَسَّرَهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي قَبُولِهِ بِهِ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ أَحَدُهُمَا: يُقْبَلُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ فِي الْوَارِثِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ شَارِحُ الْوَجِيزِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْقَبُولِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ: قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ بَعْضُ الْعَشَرَةِ " فَلَهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ مِنْهَا وَإِنْ قَالَ " شَطْرُهَا " فَهُوَ نِصْفُهَا وَقِيلَ: مَا شَاءَ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا " ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ: لَمْ يُقْبَلْ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ: فِي نَفْسِهِ وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ وَقِيلَ: بَلْ تَفْسِيرُهُ بِوَلَدِهِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: فِي الْوَلَدِ وَجَزَمُوا بِعَدَمِ الْقَبُولِ فِي النَّفْسِ أَيْضًا فَوَائِدُ: إحْدَاهَا لَوْ فَسَّرَهُ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ: قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُبَاحُ نَفْعُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي: هِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ مُسْلِمًا: لَزِمَهُ إرَاقَةُ الْخَمْرِ، وَقَتْلُ الْخِنْزِيرِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " غَصَبْتُك " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِحَبْسِهِ وَسَجْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُهُ نَفْسَهُ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّهُ إنْ قَالَ " غَصَبْتُك " وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا: يُقْبَلُ بِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الْقَاضِي قَالَ: وَعِنْدِي لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِمَا هُوَ مُلْتَزَمٌ شَرْعًا وَذَكَرَهُ فِي مَكَان آخَرَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَالٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ وَالْأَشْبَهُ: وَبِأُمِّ وَلَدٍ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ كَالْقِنِّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ: قُلْت: وَيَحْتَمِلُ رَدَّهُ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ " أَوْ " خَطِيرٌ " أَوْ " كَثِيرٌ "

أَوْ " جَلِيلٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ} هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قُبِلَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا، أَوْ يُبَيِّنَ وَجْهَ الْكَثْرَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ الْعُرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ، كَيَسِيرِ اللُّقَطَةِ وَالدَّمِ الْفَاحِشِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ إلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ عِظَمَهُ عِنْدَهُ لِقِلَّةِ مَالٍ أَوْ خِسَّةِ نَفْسِهِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِالْقَلِيلِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي نَظْمِهِ انْتَهَى وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَالٍ عَظِيمٍ: أَنَّهُ لَزِمَهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ وَقَالَ " خَطِيرٌ " وَ " نَفِيسٌ " صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا كَ " سَلِيمٌ " وَقَالَ: فِي " عَزِيزٌ " يُقْبَلُ فِي الْأَثْمَانِ الثِّقَالِ، أَوْ الْمُتَعَذِّرِ وُجُودُهُ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ وَلِهَذَا اعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا الْمَقَاصِدَ وَالْعُرْفَ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فَرْقَ قَالَ: وَإِنْ قَالَ " عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ " قُبِلَ بِالْقَلِيلِ وَإِنْ قَالَ " عَظِيمٌ عِنْدِي " اُحْتُمِلَ كَذَلِكَ وَاحْتُمِلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُ

قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ " قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا} وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ كَقَوْلِهِ " لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ " وَلَمْ يَقُلْ كَثِيرَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَوْقَ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ اللُّغَةُ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا بُدَّ لِلْكَثْرَةِ مِنْ زِيَادَةٍ وَلَوْ دِرْهَمٌ، إذْ لَا حَدَّ لِلْوَضْعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ وَفِي الْمُذْهَبِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: احْتِمَالُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْقَلِيلِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ فِي قَوْلِهِ " عَلَيَّ دَرَاهِمُ " يَلْزَمُهُ فَوْقَ عَشَرَةٍ فَائِدَةٌ لَوْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا يُوزَنُ بِالدَّرَاهِمِ عَادَةً كَإِبْرَيْسَمٍ وَزَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي قَبُولِهِ احْتِمَالَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ بِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَالثَّانِي: يُقْبَلُ بِهِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ " أَوْ " كَذَا وَكَذَا " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٌ " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ فِيهِمَا: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ " كَذَا كَذَا دِرْهَمًا " بِالنَّصْبِ وَيَأْتِي " لَوْ قَالَ: كَذَا أَوْ كَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ " بِالرَّفْعِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالْوَجِيزِ وَشَرْحِهِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ أَيْضًا وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ يُفَسِّرُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ: لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ، يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ} يَعْنِي: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمٍ " أَوْ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٍ " أَوْ " كَذَا كَذَا دِرْهَمٍ " بِالْخَفْضِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ: إنْ كَرَّرَ الْوَاوَ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ

فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَهُ بِالْخَفْضِ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِبَعْضِ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَقَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَتَوَجَّهُ مُوَافَقَةُ الْأَوَّلِ فِي الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمُوَافَقَةُ الثَّانِي فِي الْجَاهِلِ بِهَا قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " كَذَا دِرْهَمًا " بِالنَّصْبِ: لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي عَرَبِيٍّ يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيِّزُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي جَاهِلِ الْعُرْفِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا} بِالنَّصْبِ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ " كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّفْعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ هُنَا أَيْضًا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّفْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَكَذَا فِي الْخَفْضِ فَإِنَّهُ مَرَّةً قَدَّمَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَدَّمَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَبَعْضُ آخَرَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَبَعْضُ آخَرَ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ هُنَا دِرْهَمَانِ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا إذَا قَالَ بِالرَّفْعِ: دِرْهَمٌ وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ " رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ: قُبِلَ مِنْهُ} بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ فَسَّرَهُ بِنَحْوِ كِلَابٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ

قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ " أَوْ " أَلْفٌ وَدِينَارٌ " أَوْ " أَلْفٌ وَثَوْبٌ " أَوْ " فَرَسٌ " أَوْ " دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ " أَوْ " دِينَارٌ وَأَلْفٌ " فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: الْأَلْفُ مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَالَ التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ مَعَ الْعَطْفِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّهُ بِلَا عَطْفٍ لَا يُفَسِّرُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ: مَعَ الْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ الْأَلْفَ بِقِيمَةِ شَيْءٍ، إذَا خَرَجَ مِنْهَا الدِّرْهَمُ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ " عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ " فَهُوَ مِنْ دِرْهَمٍ

وَقِيلَ: لَهُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِهِ وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ كَمِائَةٍ وَدِرْهَمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا " أَوْ " خَمْسُونَ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ " فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ {وَيَحْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ} قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: احْتَمَلَ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ أَنْ يَلْزَمَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دَرَاهِمَ زَادَ فِي الْهِدَايَةِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ الدَّرَاهِمَ لِلْإِيجَابِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلتَّفْسِيرِ وَذَكَرَ الدِّرْهَمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ لِلتَّفْسِيرِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِينَ وَوَجَبَ بِقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَلْفِ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَقَالَ التَّمِيمِيُّ: يُرْجَعُ إلَى تَفْسِيرِهِ مَعَ الْعَطْفِ، دُونَ التَّمْيِيزِ وَالْإِضَافَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا " فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ} هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ

وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: إنْ فَسَّرَ الْأَلْفَ بِجَوْزٍ أَوْ بَيْضٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ: صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا النِّصْفُ فَاحْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمُهُ مَا فَسَّرَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ " لَهُ عِنْدِي دِرْهَمٌ، إلَّا دِرْهَمًا " وَالثَّانِي: يُطَالَبُ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ، بِحَيْثُ يَخْرُجُ قِيمَةُ الدِّرْهَمِ، وَيَبْقَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ قَالَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " دِرْهَمٌ إلَّا أَلْفٌ " فَيُقَالُ لَهُ " فَسِّرْ " بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الدِّرْهَمِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَكَذَا " الْأَلْفُ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ " يُفَسِّرُ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ عَلَى مَا مَرَّ انْتَهَى فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لَهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ " فَإِنْ رَفَعَ الدِّينَارَ: فَوَاحِدٌ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنْ نَصَبَهُ نَحْوِيٌّ: فَمَعْنَاهُ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ " أَوْ " هُوَ شَرِيكِي فِيهِ أَوْ " هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا " رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَيْهِ} وَكَذَا قَوْلُهُ " هُوَ لِي وَلَهُ " وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قُلْت: لَوْ قِيلَ: هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، كَانَ لَهُ وَجْهٌ

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ النُّكَتِ قَالَ: وَقِيلَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَعَزَاهُ إلَى الرِّعَايَةِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ سَهْمٌ " رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَهُ سُدُسُهُ كَالْوَصِيَّةِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَلَوْ قَالَ " لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ " " قِيلَ لَهُ: فَسِّرْهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ كَجِنَايَتِهِ وَكَقَوْلِهِ " نَقَدَهُ فِي ثَمَنِهِ " أَوْ " اشْتَرَى رُبْعَهُ بِالْأَلْفِ " أَوْ " لَهُ فِيهِ شِرْكٌ " وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ " إنْ أَقْرَرْت بِك لِزَيْدٍ، فَأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ إقْرَارِي " فَأَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ: صَحَّ الْإِقْرَارُ دُونَ الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ " فَأَنْتَ حُرٌّ سَاعَةَ إقْرَارِي " لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ وَلَا الْعِتْقُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ " بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ " لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى بَيْعِهِ، مُحَرَّرًا

قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ " قِيلَ لَهُ: " فَسِّرْهُ " فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا: قُبِلَ وَإِنْ قَلَّ} بِلَا نِزَاعٍ {وَإِنْ قَالَ " أَرَدْت أَكْثَرَ بَقَاءً وَنَفْعًا؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ أَنْفَعُ مِنْ الْحَرَامِ " قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ أَوْ جَهِلَهُ، ذَكَرَ قَدْرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ} هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَجَرَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ {وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا بِكُلِّ حَالٍ} وَلَوْ بِحَبَّةِ بُرٍّ قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا لِأَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ السَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ قَالَ النَّاظِمُ: وَرَدَّ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا مَعَ عِلْمِهِ بِهِ فَقَطْ قَوْلُهُ {وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَقَالَ " لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ " وَقَالَ " أَرَدْت التَّهَزِّيَ " لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا، يَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ

قَالَ فِي النُّكَتِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَوْلَى وَفِي الْآخَرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي فَائِدَةٌ لَوْ قَالَ " لِي عَلَيْك أَلْفٌ " فَقَالَ " أَكْثَرُ " لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَكْثَرُ وَيُفَسِّرُهُ وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ {إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ " لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ} لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ تِسْعَةٌ} هَذَا الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قَالَ فِي النُّكَتِ: هُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ وَهُوَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ قَوْلًا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ قِيَاسَ هَذَا الْقَوْلِ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَعَشَرَةٌ وَالْعَطْفُ بِهِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. انْتَهَى وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ جَزَمَ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا بَعْدَ الْوَاحِدِ قَالَ الْأَزَجِيُّ: كَالْبَيْعِ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَجْمَعَ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مِنْ الْأَعْدَادِ فَإِذَا قَالَ " مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ إنْ أَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ، وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَدْخَلْنَا الْمُبْتَدَأَ فَقَطْ، وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ إنْ أَخْرَجْنَاهُمَا. وَمَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ عَلَى قَاعِدَتِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِ وَنُنَزِّلُهُ عَلَى أَقَلِّ مُحْتَمَلَاتِهِ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا: يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ إنْ أَرَادَ مَجْمُوعَ الْأَعْدَادِ وَطَرِيقُ ذَلِكَ: أَنْ تَزِيدَ أَوَّلَ الْعَدَدِ وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَتَضْرِبَهَا فِي نِصْفِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَمَا بَلَغَ: فَهُوَ الْجَوَابُ وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِتِسْعَةٍ أَنْ يَلْزَمَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَهُوَ أَظْهَرُ

وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ تَابَعَ الْمُغْنِيَ وَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ وَالتَّفْرِيعُ يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ انْتَهَى. فَوَائِدُ الْأُولَى لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ، كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَأَطْلَقَهُنَّ شَارِحُ الْوَجِيزِ وَقِيلَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ وَهُمَا لُزُومُ تِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هُنَا: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهَا: مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَلَيْسَ هُنَا ابْتِدَاءُ غَايَةٍ وَانْتِهَاءُ الْغَايَةِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ ابْتِدَائِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ " مَا بَيْنَ كَذَا وَبَيْنَ كَذَا " وَلَوْ كَانَتْ هُنَا " إلَى " لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَمَا بَعْدَهَا لَا يَدْخُلُ فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي انْتَهَى فَتَلَخَّصَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا

وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ هُنَا ثَمَانِيَةٌ، وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ هُنَاكَ تِسْعَةً أَوْ عَشَرَةً وَهُوَ أَوْلَى. الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي مَا بَيْنَ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ " أَوْ " مِنْ عَشَرَةٍ إلَى عِشْرِينَ " لَزِمَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعِشْرُونَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْ تَابَعَهُ: وَقِيَاسُ الثَّانِي يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِيَاسُ الثَّانِي: أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُونَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَحَدَ عَشَرَ. الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذِهِ الْحَائِطِ " فَقَالَ فِي النُّكَتِ: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي: أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَنَّ الْحَائِطِينَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ فِي حُجَّةِ زُفَرَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءٍ يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَلَامَ الْقَاضِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ " لَزِمَهُ كُرُّ شَعِيرٍ، وَكُرُّ حِنْطَةٍ، إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ، عَلَى قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ: إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ هُنَاكَ عَشَرَةٌ لَزِمَهُ هُنَا كُرَّانِ وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ: لَزِمَهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا قَفِيزًا شَعِيرًا

وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ: لَزِمَهُ الْكُرَّانِ وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ: لَزِمَهُ كُرَّانِ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَزِمَهُ الْكُرَّانِ وَقِيلَ: إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ، إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ قِيَاسُ الثَّانِي فِي الْأَوْلَى وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ: هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِمُعَوَّدٍ فَإِنَّهُ إنْ قَالَ لَهُ " عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ " فَالْوَاجِبُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا وَهُوَ قِيَاسُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ} إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: أَصَحُّهُمَا دِرْهَمَانِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ

وَأَطْلَقَهُمَا فِي النَّظْمِ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ. قَالَ الْقَاضِي: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ مَعَ دِرْهَمٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَقَطَعَ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِ " دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ " دِرْهَمَانِ وَحَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي " فَوْقَ " وَ " تَحْتَ " قَالَ فِي النُّكَتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ " فِي دِرْهَمٍ قَبْلَ دِرْهَمٍ، أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ " احْتِمَالَيْنِ قَالَ فِي النُّكَتِ: كَذَا ذَكَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: لَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ " دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ، أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ " فِي لُزُومِهِ دِرْهَمَيْنِ، وَجْهًا وَاحِدًا، وَبَيْنَ " دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ " وَنَحْوِهِ فِي لُزُومِهِ دِرْهَمًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ إلَى نَظَرِهِ فِيهِمَا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ انْتَهَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ فِي " لَهُ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ " احْتِمَالَانِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ

مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ وَشَرْحُ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَطْلَقَ: لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ " دِرْهَمَانِ " لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالثَّالِثُ مُحْتَمَلٌ وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَنَزَّلَهَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ عَلَى تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ: عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى. جَزَمَ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ: إنْ قَالَ " أَرَدْت بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي وَثُبُوتَهُ " قُبِلَ وَفِيهِ ضَعْفٌ انْتَهَى وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَيَأْتِي قَرِيبًا: إذَا أَرَادَ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ، بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، لَكِنْ دِرْهَمٌ " فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ}

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَحَكَاهُمَا فِي التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: فِي " دِرْهَمٌ، بَلْ دِرْهَمٌ " رِوَايَتَانِ فَوَائِدُ لَوْ قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، فَدِرْهَمٌ " لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: دِرْهَمٌ فَقَطْ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى " فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي " أَوْ كَرَّرَ بِعَطْفٍ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُغَايِرْ حُرُوفَ الْعَطْفِ، أَوْ قَالَ " لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ " وَنَوَى بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي وَقِيلَ: أَوْ أَطْلَقَ بِلَا عَطْفٍ فَقِيلَ: يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَلَوْ قَالَ " دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَكْرَارَ الثَّانِي وَتَوْكِيدَهُ: قُبِلَ وَإِنْ أَرَادَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ: لَمْ يُقْبَلْ، لِدُخُولِ الْفَاصِلِ

وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا قَالَ " لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ، وَدِرْهَمٌ " وَأَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَأْكِيدَ الثَّانِي، فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ انْتَهَى وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَرَادَ بِالثَّالِثِ: تَكْرَارَ الثَّانِي وَتَوْكِيدَهُ: صُدِّقَ وَوَجَبَ اثْنَانِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لَوْ نَوَى " فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي " وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْكَافِي فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ غَايَرَ حُرُوفَ الْعَطْفِ، وَنَوَى بِالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ: لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لِلْمُغَايَرَةِ وَلِلْفَاصِلِ وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ احْتِمَالَيْنِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ قَالَ: وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ إنْ صَحَّ صَحَّ فِي الْكُلِّ، وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ قَوْلًا فِي " دِرْهَمٌ فَقَفِيزٌ " أَنَّهُ يَلْزَمُ الدِّرْهَمُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: قَفِيزَ بُرٍّ خَيْرٌ مِنْهُ

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي الْوَاوِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَالَ قَفِيزُ شَعِيرٍ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِينَارٌ " لَزِمَاهُ مَعًا} هَذَا الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي النُّكَتِ: قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الشَّعِيرُ وَالدِّينَارُ فَقَطْ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَبُولُ قَوْلِهِ فِي الْإِضْرَابِ مَعَ الِاتِّصَالِ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا وَمِمَّا قَبْلَهُ هَلْ يُقَالُ: لَا يُقْبَلُ الْإِضْرَابُ مُطْلَقًا؟ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَوْ يُقْبَلُ مُطْلَقًا؟ أَوْ يُقْبَلُ مَعَ الِاتِّصَالِ فَقَطْ؟ أَوْ يُقْبَلُ مَعَ الِاتِّصَالِ ضِرَابُهُ عَنْ الْبَعْضِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ وَقَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُقْبَلُ مَعَ تَغَايُرِ الْجِنْسِ، لَا مَعَ اتِّحَادِهِ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى جِنْسٍ آخَرَ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ} بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ إنْ فَسَّرَهُ بِالسَّلَمِ، فَصَدَّقَهُ: بَطَلَ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ

وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ رَهَنْت بِهِ الدِّينَارَ عِنْدَهُ " فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فَائِدَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي ثَوْبٍ " وَفَسَّرَهُ بِالسَّلَمِ فَإِنْ قَالَ " فِي ثَوْبٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ إلَى سَنَةٍ، فَصَدَّقَهُ " بَطَلَ إقْرَارُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا الدِّرْهَمُ وَإِنْ قَالَ " ثَوْبٌ قَبَضْته فِي دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ " فَالثَّوْبُ مَالُ السَّلَمِ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ فَيَلْزَمُهُ الدِّرْهَمُ قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ " لَزِمَهُ دِرْهَمٌ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ، فَيَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ} أَوْ يُرِيدَ الْجَمْعَ، فَيَلْزَمَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَ قَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ كَذَا دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ فَإِنْ خَالَفَهُ عُرْفٌ فَفِي لُزُومِهِ بِمُقْتَضَاهُ: وَجْهَانِ وَيَعْمَلُ بِنِيَّةِ حِسَابٍ وَيَتَوَجَّهُ فِي جَاهِلٍ الْوَجْهَانِ، وَبِنِيَّةِ جَمْعٍ، وَمِنْ حَاسِبٍ وَفِيهِ احْتِمَالَانِ انْتَهَى وَصَحَّحَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ لُزُومَ مُقْتَضَى الْعُرْفِ أَوْ الْحِسَابِ، إذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ قَوْلُهُ {فَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِالظَّرْفِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ} وَكَذَا قَوْلُهُ " لَهُ رَأْسٌ وَأَكَارِعُ فِي شَاةٍ " أَوْ " نَوَى فِي تَمْرٍ " ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ

وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ " أَوْ " جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ " أَوْ " قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ " أَوْ " مِنْدِيلٌ فِيهَا ثَوْبٌ " أَوْ " كِيسٌ فِيهِ دَرَاهِمُ " أَوْ " جَرَّةٌ فِيهَا زَيْتٌ " أَوْ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " أَوْ " مِسْرَجَةٌ " أَوْ " فَصٌّ فِي خَاتَمٍ " فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي: وَجْهَانِ وَقِيلَ: إنْ قَدَّمَ الْمَظْرُوفَ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالظَّرْفِ وَحْدَهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: فِي الْكُلِّ خِلَافٌ انْتَهَى أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ: أَشْهَرُهُمَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَظْرُوفِ دُونَ ظَرْفِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى. وَقَالَهُ أَيْضًا فِي النُّكَتِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، إلَّا إنْ حَلَفَ " مَا قَصَدْته " انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقِرَابِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ

وَلَوْ قَالَ " سَيْفٌ بِقِرَابٍ " كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا وَمِثْلُهُ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ: إنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٌ فِي قِرَابٍ " أَوْ " ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا بِهِمَا فَإِنْ قَالَ " عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ " أَوْ " دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ " احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْعِمَامَةُ وَالسَّرْجُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ قَالَهُ فِي النُّكَتِ وَمَسْأَلَةُ الْعِمَامَةِ رَأَيْتهَا فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَا يَتَّصِلُ بِظَرْفِهِ عَادَةً أَوْ خِلْقَةً، فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ دُونَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ عَادَةً قَالَ: وَيَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ كَ " تَمْرٍ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سَيْفٍ فِي قِرَابٍ " وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ، كَ " نَوًى فِي تَمْرٍ " وَ " رَأْسٍ فِي شَاةٍ " انْتَهَى قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ " كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا} هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ لُزُومُهُمَا لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْوَجِيزُ، وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الشَّارِحُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ

وَحَكَى فِي الْكَافِي، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ: مِثْلُهُ " جِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ " وَ " قِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ " قَوْلُهُ {وَإِنْ قَالَ " فَصٌّ فِي خَاتَمٍ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ} وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْخَاتَمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ وَقَالَهُ فِي النُّكَتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مُقِرًّا بِهِمَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، إلَّا إنْ حَلَفَ " مَا قَصَدْته " وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِثْلُ قَوْلِهِ " عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ " أَوْ " سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ " وَنَحْوِهِمَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: خِلَافًا وَمَذْهَبًا فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي دَارٌ مَفْرُوشَةٌ " لَمْ يَلْزَمْهُ الْفُرُشُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ

جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِهِ وَقِيلَ: يَكُونُ مُقِرًّا بِالْفِرَاشِ أَيْضًا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي عَبْدٌ بِعِمَامَةٍ " أَوْ " بِعِمَامَتِهِ " أَوْ " دَابَّةٌ بِسَرْجٍ " أَوْ " بِسَرْجِهَا " أَوْ " سَيْفٌ بِقِرَابٍ " أَوْ " بِقِرَابِهِ " أَوْ " دَارٌ بِفُرُشِهَا " أَوْ " سُفْرَةٌ بِطَعَامِهَا " أَوْ " سَرْجٌ مُفَضَّضٌ " أَوْ " ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ " لَزِمَهُ مَا ذَكَرَهُ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ بِخَاتَمٍ ثُمَّ جَاءَ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ، وَقَالَ " مَا أَرَدْت الْفَصَّ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا: دُخُولُهُ لِشُمُولِ الِاسْمِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ " فَهَلْ يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ ذَكَرَهُمَا فِي أَوَائِلِ " كِتَابِ الْعِتْقِ " فَقَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأُمِّ فَاحْتِمَالَانِ فِي دُخُولِ الْجَنِينِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ وَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " لَهُ عِنْدِي جَنِينٌ فِي دَابَّةٍ " أَوْ " فِي جَارِيَةٍ " أَوْ " لَهُ دَابَّةٌ فِي بَيْتٍ " لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالدَّابَّةِ وَالْجَارِيَةِ وَالْبَيْتِ

وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ " غَصَبْت مِنْهُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ " أَوْ " زَيْتًا فِي زِقٍّ " وَنَحْوَهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي النُّكَتِ: وَمِنْ الْعَجَبِ: حِكَايَةُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ وَأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ " غَصَبْته " أَوْ " أَخَذْت مِنْهُ ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ " وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ " لَهُ عِنْدِي ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ " فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي: أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ فِي الْمِنْدِيلِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا وَكِلَاهُمَا مَغْصُوبٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ " لَهُ عِنْدِي " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي: أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ لَهُ انْتَهَى وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِنَخْلَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِأَرْضِهَا وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهَا وَثَمَرَتُهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَفِي الِانْتِصَارِ: احْتِمَالُ أَنَّهَا كَالْبَيْعِ يَعْنِي: إنْ كَانَ لَهَا ثَمَرٌ بَادٍ: فَهِيَ لِلْمُقِرِّ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ أَقَرَّ بِهَا: هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَرْضَهَا وَيَحْتَمِلُ: لَا وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَخْرُجُ: هَلْ لَهُ إعَادَةُ غَيْرِهَا أَمْ لَا؟ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: اخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ

يَعْنِي: عَنْ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ، لِذِكْرِهِ: أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَالَ: وَرِوَايَةُ مُهَنَّا هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ سَقَطَتْ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُهَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَمِنْهَا: لَوْ أَقَرَّ بِبُسْتَانٍ: شَمِلَ الْأَشْجَارَ وَلَوْ أَقَرَّ بِشَجَرَةٍ شَمِلَ الْأَغْصَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ وَتَصْحِيحُهُ وَاَللَّهَ نَسْأَلُ: أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ مُصْلِحًا مَا فِيهِ مِنْ سَقِيمٍ

قاعدة نافعة جامعة لصفة الروايات المنقولة عن الإمام أحمد

[قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَةِ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ] َ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَوْجُهِ وَالِاحْتِمَالَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ

فَكَلَامُهُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا أَوْ تَنْبِيهًا كَقَوْلِنَا " أَوْمَأَ إلَيْهِ " أَوْ " أَشَارَ إلَيْهِ " أَوْ " دَلَّ كَلَامُهُ عَلَيْهِ " أَوْ " تَوَقَّفَ فِيهِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَمَذْهَبُهُ: 2 - مَا قَالَهُ بِدَلِيلٍ وَمَاتَ قَائِلًا بِهِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: مَذْهَبُ الْإِنْسَانِ: مَا قَالَهُ، أَوْ جَرَى مَجْرَاهُ، مِنْ تَنْبِيهٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. 3 - وَفِيمَا قَالَهُ قَبْلَهُ بِدَلِيلٍ يُخَالِفُهُ أَوْجُهٌ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ وَالثَّالِثُ: إنْ رَجَعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا قُلْت: الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّانِيَ: مَذْهَبُهُ اخْتَارَهُ فِي التَّمْهِيدِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ مَذْهَبُ كُلِّ أَحَدٍ عُرْفًا وَعَادَةً مَا اعْتَقَدَهُ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا انْتَهَى. 4 - فَإِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَانِ صَرِيحَانِ، مُخْتَلِفَانِ فِي وَقْتَيْنِ، وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ: فَالثَّانِي فَقَطْ مَذْهَبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ: وَالْأَوَّلُ، إنْ جُهِلَ رُجُوعُهُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: أَوْ عُلِمَ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ مُحَرَّرًا مُسْتَوْفًى.

فَعَلَى الْأَوَّلِ: يُحْمَلُ عَامُّ كَلَامِهِ لَهُ عَلَى خَاصِّهِ، وَمُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْهَبَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: لَا يُحْمَلُ انْتَهَى فَيُعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّهِ، وَفَاءً بِاللَّفْظِ. 6 - وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ، فَمَذْهَبُهُ: أَقْرَبُهُمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ قَوَاعِدِهِ، أَوْ عَوَائِدِهِ، أَوْ مَقَاصِدِهِ، أَوْ أَدِلَّتِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت: إنْ لَمْ يُجْعَلْ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فَيَكُونُ هَذَا الرَّاجِحَ: كَالْمُتَأَخِّرِ فِيمَا ذَكَرْنَا، إذَا جُهِلَ رُجُوعُهُ عَنْهُ قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الرَّاجِحِ وَإِنْ جَعَلْنَا أَوَّلَهُمَا ثَمَّ مَذْهَبًا لَهُ، فَهُنَا أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ مُتَأَخِّرًا. انْتَهَى قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ جُهِلَ، فَمَذْهَبُهُ أَقْرَبُهُمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَقَوَاعِدِهِ وَإِنْ تَسَاوَيَا نَقْلًا وَدَلِيلًا: فَالْوَقْفُ أَوْلَى قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ إذَنْ وَالتَّسَاقُطَ. 7 - فَإِنْ اتَّحَدَ حُكْمُ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْفِعْلِ كَإِخْرَاجِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ عَنْ مِائَتَيْ بَعِيرٍ، وَكُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ أَوْ مُخَيَّرٍ: خُيِّرَ الْمُجْتَهِدُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْمُقَلِّدَ بَيْنَهُمَا، إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ حَاكِمًا. 8 - وَإِنْ مَنَعْنَا تَعَادُلَ الْأَمَارَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْهُ فَلَا وَقْفَ وَلَا تَخْيِيرَ، وَلَا تَسَاقُطَ أَيْضًا وَيُعْمَلُ بِالرَّاجِحِ رُوَاةً، أَوْ بِكَثْرَةٍ، أَوْ شُهْرَةٍ، أَوْ عِلْمٍ، أَوْ وَرَعٍ وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ فِي آدَابِ الْإِفْتَاءِ، فِي " بَابِ الْقَضَاءِ " 9 - فَإِنْ وَافَقَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مَذْهَبَ غَيْرِهِ: فَهَلْ الْأَوْلَى مَا وَافَقَهُ، أَوْ مَا خَالَفَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: الْأَوْلَى مَا وَافَقَهُ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: وَهَذِهِ التَّرَاجِيحُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَمَا رَجَّحَهُ الدَّلِيلُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ وَهُوَ أَوْلَى. 10 - وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ: فَكَمَا لَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ. 11 - وَيُخَصُّ عَامُّ كَلَامِهِ بِخَاصِّهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحَّحَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ: لَا يَخْتَصُّ. 12 - وَالْمَقِيسُ عَلَى كَلَامِهِ: مَذْهَبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَذْهَبُهُ فِي الْأَشْهَرِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَثْرَمِ، وَالْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبُهُ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا مِثْلُ الْخَلَّالِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيمِ، وَسَائِرِ مَنْ شَاهَدْنَاهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ وَأَنْكَرُوا

عَلَى الْخِرَقِيِّ مَا رَسَمَهُ فِي كِتَابِهِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ. انْتَهَى وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ. 13 - وَالْمَأْخُوذُ أَنْ يُفَصَّلَ فَمَا كَانَ مِنْ جَوَابٍ لَهُ فِي أَصْلٍ يَحْتَوِي عَلَى مَسَائِلَ، خَرَجَ جَوَابُهُ عَلَى بَعْضِهَا: فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ بَقِيَّةُ مَسَائِلِ ذَلِكَ حَيْثُ الْقِيَاسُ وَصَوَّرَ لَهُ صُوَرًا كَثِيرَةً فَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْقِيَاسِ فِي مَسَائِلَ لَا شَبَهَ لَهَا فِي أُصُولِهِ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهُ الْأَصْلُ مِنْ مَنْصُوصٍ يَبْنِي عَلَيْهِ، فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ انْتَهَى وَقِيلَ: إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: قُلْت: إنْ نَصَّ عَلَيْهَا، أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهَا، أَوْ عَلَّلَ الْأَصْلَ بِهَا: فَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَأَحْوَالُهُ لِلْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ بِالصِّحَّةِ وَالتَّعْيِينِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قُلْت: إنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً فَلَا نَقْلَ وَلَا تَخْرِيجَ انْتَهَى 14 - فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: جَازَ نَقْلُ الْحُكْمِ وَتَخْرِيجُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَعِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَشَرْحِهِ وَقَالَ: إذَا كَانَ بَعْدَ الْجِدِّ وَالْبَحْثِ قُلْت: وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ

وَقَدْ عَمِلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي أُصُولِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرُهُمْ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَنَعَ النَّقْلَ وَالتَّخْرِيجَ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي: أَوْ قَرُبَ الزَّمَنُ، بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ ذَاكِرُ حُكْمِ الْأَدِلَّةِ حِينَ أَفْتَى بِالثَّانِيَةِ وَالْمَذْهَبُ: إجْرَاءُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ وَجْهًا لِمَنْ خَرَّجَهُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَكُونُ رِوَايَةً مُخَرَّجَةً ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي. 15 - فَعَلَى الْجَوَازِ: مِنْ شَرْطِهِ: أَنْ لَا يُفْضِيَ إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: أَوْ يَدْفَعُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ عَارَضَهُ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي " بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ " مُسْتَوْفًى وَأَصْلُهُ فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: وَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ وَلَمْ نَجْعَلْ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ جَازَ نَقْلُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى فِي الْأَقْيَسِ وَلَا عَكْسَ، إلَّا أَنْ نَجْعَلَ أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا، لَهُ مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَإِنْ جَهِلَ التَّارِيخَ: جَازَ نَقْلُ حُكْمِ أَقْرَبِهِمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْأُخْرَى فِي الْأَقْيَسِ وَلَا عَكْسَ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ أَوَّلَ

قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ، مَعَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَأَوْلَى لِجَوَازِ كَوْنِهَا الْأَخِيرَةَ، دُونَ الرَّاجِحَةِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ فِي آدَابِ الْمُفْتِي 16 - وَإِذَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةٍ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَيْنِ، فَأَكْثَرُ أَحْكَامِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ: فَهَلْ يَلْحَقُ بِالْأَخَفِّ، أَوْ بِالْأَثْقَلِ، أَوْ يُخَيَّرُ الْمُقَلَّدُ بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَالْحَاوِي: الْأَوْلَى الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَنْ هُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ هُنَا: التَّخْيِيرُ وَقَالَا: وَمَعَ مَنْعِ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ فَلَا وَقْفَ، وَلَا تَخْيِيرَ، وَلَا تَسَاقُطَ. 17 - وَإِنْ أَشْبَهَتْ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً: جَازَ إلْحَاقُهَا بِهَا، إنْ كَانَ حُكْمُهَا أَرْجَحَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي. 18 - وَمَا انْفَرَدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَقَوِيَ دَلِيلُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ: يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَيْفَ؟ وَالرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ، خَبِيرٌ بِمَا رَوَاهُ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ بَلَى مَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْلَى

وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَطَأِ إلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَالْأَصْلُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خَطَأُ الْجَمَاعَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. 19 - وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ، إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى مِنْهُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي. 20 - وَقَوْلُهُ " لَا يَنْبَغِي " أَوْ " لَا يَصْلُحُ " أَوْ " اسْتَقْبَحَهُ " أَوْ " هُوَ قَبِيحٌ " أَوْ " لَا أَرَاهُ " لِلتَّحْرِيمِ قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِرَاقُ غَيْرِ الْعَفِيفَةِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَهَا وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: يُصَلِّي إلَى الْقَبْرِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشِّ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا يُصَلِّ إلَيْهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَ؟ قَالَ: يَجْزِيهِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ حَسَّانٍ فِي الْإِمَامِ وَفِي الْأَوْلَى وَيُطَوِّلُ فِي الْأَخِيرَةِ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ

قَالَ الْقَاضِي: كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ، لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ. 21 - وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ قَالَ " هَذَا حَرَامٌ " ثُمَّ قَالَ " أَكْرَهُهُ " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " فَحَرَامٌ وَقِيلَ: يُكْرَهُ. 22 - وَفِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " أَوْ " لَا أُحِبُّهُ " أَوْ " لَا أَسْتَحْسِنُهُ " أَوْ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا " وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، فِي " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " أَحَدُهُمَا: هُوَ لِلتَّنْزِيهِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي، فِي غَيْرِ قَوْلِهِ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا احْتِيَاطًا " وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " يَفْعَلُ السَّائِلُ كَذَا، احْتِيَاطًا " فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ انْتَهَوْا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلتَّحْرِيمِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ، وَابْنُ حَامِدٍ، فِي قَوْلِهِ " أَكْرَهُ كَذَا " أَوْ " لَا يُعْجِبُنِي " وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَالْحَاوِي: وَالْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ فِي الْكُلِّ انْتَهَيَا. 23 - وَقَوْلُهُ " أُحِبُّ كَذَا " أَوْ " يُعْجِبُنِي " أَوْ " هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ " لِلنَّدْبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لِلْوُجُوبِ

اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي قَوْلِهِ " أَحَبُّ إلَيَّ كَذَا " وَقِيلَ: وَكَذَا قَوْلُهُ " هَذَا أَحْسَنُ " أَوْ " حَسَنٌ " قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قُلْت: قَطَعَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ: أَنَّ قَوْلَهُ " هَذَا أَحْسَنُ " أَوْ " حَسَنٌ " كَ " أُحِبُّ كَذَا " وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: أَسْتَحْسِنُ شَيْئًا، أَوْ قَالَ " هُوَ حَسَنُ " فَهُوَ لِلنَّدْبِ وَإِنْ قَالَ " يُعْجِبُنِي " فَهُوَ لِلْوُجُوبِ. 24 - وَقَوْلُهُ " لَا بَأْسَ " أَوْ " أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ " لِلْإِبَاحَةِ. 25 - وَقَوْلُهُ " أَخْشَى " أَوْ " أَخَافُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " لَا يَكُونَ " ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَاهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ: فَهُوَ كَ " يَجُوزُ " أَوْ " لَا يَجُوزُ " انْتَهَى. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ. 26 - وَإِنْ أَجَابَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ فِي نَحْوِهِ " هَذَا أَهْوَنُ " أَوْ " أَشَدُّ " أَوْ " أَشْنَعُ " فَقِيلَ: هُمَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَالْقَاضِي وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، قُلْت: إنْ اتَّحَدَ الْمَعْنَى، وَكَثُرَ التَّشَابُهُ: فَالتَّسْوِيَةُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَلَا

وَقِيلَ: قَوْلُهُ " هَذَا أَشْنَعُ عِنْدَ النَّاسِ " يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَقِيلَ: لَا وَقَوْلُهُ " أَجْبُنُ عَنْهُ " لِلْجَوَازِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: الْأَوْلَى النَّظَرُ إلَى الْقَرَائِنِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَ " أَجْبُنُ عَنْهُ " مَذْهَبُهُ وَقَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا قَالَ " أَجْبُنُ عَنْهُ " فَإِنَّهُ إذْنٌ بِأَنَّهُ مَذْهَبُهُ، وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْوَى الْقُوَّةَ الَّتِي يَقْطَعُ بِهَا وَلَا يَضْعُفُ الضَّعْفَ الَّذِي يُوجِبُ الرَّدَّ. 28 - وَمَعَ ذَلِكَ: فَكُلُّ مَا أَجَابَ فِيهِ فَإِنَّك تَجِدُ الْبَيَانَ عَنْهُ فِيهِ كَافِيًا فَإِنْ وَجَدْت عَنْهُ الْمَسْأَلَةَ وَلَا جَوَابَ بِالْبَيَانِ، فَإِنَّهُ يُؤْذِنُ بِالتَّوَقُّفِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ انْتَهَى. 29 - وَمَا أَجَابَ فِيهِ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ أَحَدِ الصَّحَابَةِ عِنْدَهُ حُجَّةٌ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. 30 - وَمَا رَوَاهُ مِنْ سُنَّةٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ صَحَّحَهُ أَوْ حَسَّنَهُ، أَوْ رَضِيَ سَنَدَهُ، أَوْ دَوَّنَّهُ فِي كُتُبِهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ وَلَمْ يُفْتِ بِخِلَافِهِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ

وَاخْتَارَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَالْمَرُّوذِيُّ، وَالْأَثْرَمُ قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، كَمَا لَوْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ قَبْلُ، أَوْ بَعْدُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: فَلِهَذَا أَذْكُرُ رِوَايَتَهُ لِلْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى. 31 - وَإِنْ أَفْتَى بِحُكْمٍ، فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَسَكَتَ: فَلَيْسَ رُجُوعًا قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَقِيلَ: يَكُونُ رُجُوعًا اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَإِنْ ذَكَرَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ، فَمَذْهَبُهُ: أَقْرَبُهُمَا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، سَوَاءٌ عَلَّلَهُمَا أَوْ لَا، إذَا لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَخْتَرْهُ قَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ: لَا مَذْهَبَ لَهُ مِنْهُمَا عَيْنًا، كَمَا لَوْ حَكَاهُمَا عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا بِمَا ذَكَرَ لِجَوَازِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ يُخَالِفُ الصَّحَابَةَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ. 32 - وَإِنْ عَلَّلَ أَحَدَهُمَا وَاسْتَحْسَنَ الْآخَرَ، أَوْ فَعَلَهُمَا فِي أَقْوَالِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: فَأَيُّهُمَا مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ

قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ مَذْهَبُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ بِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْته فِي آدَابِ الْمُفْتِي قَدَّمَهُ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَ عَنْ الثَّانِي فِيهِ بُعْدٌ. 33 - وَإِنْ حَسَّنَ أَحَدَهُمَا، أَوْ عَلَّلَهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَوْلًا وَاحِدًا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. 34 - وَإِنْ أَعَادَ ذِكْرَ أَحَدَهُمَا، أَوْ فَرَّعَ عَلَيْهِ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ قَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَقِيلَ: لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يُرَجِّحَهُ، أَوْ يُفْتِيَ بِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا فَرَّعَ عَلَى أَحَدِهِمَا 35 - وَإِنْ نَصَّ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى حُكْمٍ، وَعَلَّلَهُ بِعِلَّةٍ، فَوُجِدَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي مَسَائِلَ أُخَرَ: فَمَذْهَبُهُ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُعَلَّلَةِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ قُلْنَا بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَوْ لَا كَمَا سَبَقَ انْتَهَى وَقِيلَ: لَا 36 - وَإِنْ نُقِلَ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ رِوَايَتَانِ، دَلِيلُ أَحَدِهِمَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلُ الْأُخْرَى: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَهُوَ أَخَصُّ وَقُلْنَا هُوَ حُجَّةٌ يَخُصُّ بِهِ الْعُمُومَ فَأَيُّهُمَا مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مَذْهَبُهُ مَا كَانَ دَلِيلُهُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ وَنَصَرَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي

وَقِيلَ: مَذْهَبُهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالْحَالَةُ مَا تَقَدَّمَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَصَّهُمَا، أَوْ أَحْوَطَهُمَا: تَعَيَّنَ. 37 - وَإِنْ وَافَقَ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ، وَالْآخَرُ قَوْلَ التَّابِعِيِّ: اُعْتُدَّ بِهِ إذًا وَقِيلَ: وَعَضَّدَهُ عُمُومُ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَثَرٍ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي. 38 - وَإِنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ وَحَسَّنَ بَعْضَهُ: فَهُوَ مَذْهَبُهُ إنْ سَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ. 39 - وَإِنْ سُئِلَ مَرَّةً فَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ سُئِلَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَتَوَقَّفَ ثُمَّ سُئِلَ مَرَّةً ثَالِثَةً، فَأَفْتَى فِيهَا: فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ مَذْهَبُهُ. 40 - وَإِنْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ " قَالَ فُلَانٌ كَذَا " يَعْنِي بَعْضَ الْعُلَمَاءِ: فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي وَاخْتَارَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ وَاخْتَارَ ابْنُ حَامِدٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مَذْهَبَهُ. 41 - وَإِنْ نَصَّ عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ قَالَ " وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ، أَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى كَذَا " يُرِيدُ حُكْمًا يُخَالِفُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ كَانَ مَذْهَبًا: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا، كَمَا لَوْ قَالَ " وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى كَذَا "، قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَمَنْ بَعْدَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَغَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ عِنْدِهِ، قُلْت: وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ.

كَقَوْلِهِ " يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ "، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ أَجَابَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ: هَلْ يَقْصُرُ؟ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَثْبَتَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: رِوَايَتَيْنِ. 43 - وَهَلْ يُجْعَلُ فِعْلُهُ، أَوْ مَفْهُومُ كَلَامِهِ مَذْهَبًا لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَآدَابِ الْمُفْتِي، وَأُصُولِ ابْنِ مُفْلِحٍ، قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: إنَّ فِعْلَهُ مَذْهَبٌ لَهُ، وَقَدَّمَهُ هُوَ، وَرَدَّ غَيْرَهُ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ حَامِدٍ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِهِ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبَهُ. 44 - فَإِنْ جَعَلْنَا الْمَفْهُومَ مَذْهَبًا لَهُ، فَنَصَّ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى خِلَافِ الْمَفْهُومِ: بَطَلَ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إنْ جَعَلْنَا أَوَّلَ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مَذْهَبًا لَهُ. 45 - وَصِيغَةُ الْوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرُوَاتِهِ فِي تَفْسِيرِ مَذْهَبِهِ، وَإِخْبَارُهُمْ عَنْ رَأْيِهِ: كَنَصِّهِ فِي وَجْهٍ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ: إذَا بَيَّنَ أَصْحَابُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلَهُ بِتَفْسِيرِ جَوَابٍ لَهُ، أَوْ نَسَبُوا إلَيْهِ بَيَانَ حَدٍّ فِي سُؤَالٍ: فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَمَنُوطٌ بِهِ، وَإِلَيْهِ يُعْزَى، وَهُوَ بِمَثَابَةِ نَصِّهِ، وَنَصَرَهُ، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ،

وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مِثْلُ الْخَلَّالِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. تَنْبِيهٌ هَذِهِ الصِّيَغُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ غَالِبِهَا مَذْكُورٌ فِي تَهْذِيبِ الْأَجْوِبَةِ لِابْنِ حَامِدٍ، مَبْسُوطٌ بِأَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ، تَرَكْنَا ذِكْرَهَا لِلْإِطَالَةِ، وَمَذْكُورٌ أَيْضًا فِي آدَابِ الْمُفْتِي، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَبَعْضُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.

فَصْلٌ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ: هُوَ الْوَارِدُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبَقِيَ الْوَارِدُ عَنْ أَصْحَابِهِ. 46 - وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ الْأَصْحَابِ: إمَّا وَجْهٌ، وَإِمَّا احْتِمَالٌ، وَإِمَّا تَخْرِيجٌ، وَزَادَ فِي الْفُرُوعِ: التَّوْجِيهَ. 47 - فَأَمَّا الْوَجْهُ: فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَتَخْرِيجُهُ، إنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ إيمَائِهِ أَوْ دَلِيلِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ " أَوْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَقُوَّتِهِ. 48 - وَإِنْ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُخَرَّجًا مِنْهَا: فَهِيَ رِوَايَاتٌ مُخَرَّجَةٌ لَهُ وَمَنْقُولَةٌ مِنْ نُصُوصِهِ إلَى مَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْمَسَائِلِ إنْ قُلْنَا مَا قِيسَ عَلَى كَلَامِهِ: مَذْهَبٌ لَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا فَهِيَ، أَوْجُهٌ لِمَنْ خَرَّجَهَا وَقَاسَهَا. 49 - فَإِنْ خَرَّجَ مِنْ نَصٍّ وَنَقْلٍ إلَى مَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ يُخَالِفُ مَا خَرَّجَ فِيهَا: صَارَ فِيهَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ، وَرِوَايَةٌ مُخَرَّجَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ نَصِّهِ، إذَا قُلْنَا الْمُخَرَّجُ مِنْ نَصِّهِ مَذْهَبُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَفِيهَا رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهٌ لِمَنْ خَرَّجَهُ. 50 - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ مِنْ نَصِّهِ فِي غَيْرِهَا: فَهُوَ وَجْهٌ لِمَنْ خَرَّجَ. 51 - فَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْحُكْمِ، دُونَ طَرِيقِ التَّخْرِيجِ: فَفِيهَا لَهُمَا وَجْهَانِ،

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيُمْكِنُ جَعْلُهُمَا مَذْهَبًا لِلْأَمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالتَّخْرِيجِ دُونَ النَّقْلِ، لِعَدَمِ أَخْذِهِمَا مِنْ نَصِّهِ. 52 - وَإِنْ جَهِلْنَا مُسْتَنَدَهُمَا: فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا مُخَرَّجًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ بِحَالٍ. 53 - فَمَنْ قَالَ مِنْ الْأَصْحَابِ هُنَا " هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ " أَرَادَ نَصَّهُ. 54 - وَمَنْ قَالَ " فِيهَا رِوَايَتَانِ " فَإِحْدَاهُمَا بِنَصٍّ، وَالْأُخْرَى بِإِيمَاءٍ، أَوْ تَخْرِيجٍ مِنْ نَصٍّ آخَرَ لَهُ، أَوْ نَصٍّ جَهِلَهُ مُنْكِرُهُ. 55 - وَمَنْ قَالَ " فِيهَا وَجْهَانِ " أَرَادَ: عَدَمَ نَصِّهِ عَلَيْهِمَا، سَوَاءٌ جَهِلَ مُسْتَنَدَهُ أَوْ عَلِمَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَذْهَبًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَا يُعْمَلُ إلَّا بِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَأَرْجَحِهِمَا، سَوَاءٌ وَقَعَا مَعًا أَوْ لَا، مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ عُلِمَ التَّارِيخُ، أَوْ جُهِلَ. 56 - وَأَمَّا " الْقَوْلَانِ " هُنَا: فَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَيْهِمَا، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَوْمَأَ إلَى الْآخَرِ، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَجْهًا، أَوْ تَخْرِيجًا، أَوْ احْتِمَالًا بِخِلَافِهِ. 57 - وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الَّذِي لِلْأَصْحَابِ: فَقَدْ يَكُونُ لِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا خَالَفَهُ، أَوْ دَلِيلٍ مُسَاوٍ لَهُ، وَقَدْ يَخْتَارُ هَذَا الِاحْتِمَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَيَبْقَى وَجْهًا بِهِ. 58 - وَأَمَّا التَّخْرِيجُ: فَهُوَ نَقْلُ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ إلَى مَا يُشْبِهُهَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْخُطْبَةِ.

فَصْلٌ صَاحِبُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ وَالِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّخَارِيجِ: لَا يَكُونُ إلَّا مُجْتَهِدًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ، وَمُجْتَهِدٍ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، أَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِ غَيْرِهِ، وَمُجْتَهِدٍ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَمُجْتَهِدٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ، ذَكَرَهَا فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " فَقَالَ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ " الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ " وَهُوَ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِإِدْرَاكِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ مِنْهَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ أَكْثَرَ الْفِقْهِ، قَدَّمَهُ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي "، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: مَنْ حَصَّلَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَتَقَدَّمَ هَذَا وَغَيْرُهُ فِي آخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ "، قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي: وَمِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ

مَعَ أَنَّهُ الْآنَ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَالْفِقْهَ قَدْ دُوِّنَا، وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الْآيَاتِ، وَالْآثَارِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْعَرَبِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ الْهِمَمُ قَاصِرَةٌ، وَالرَّغَبَاتُ فَاتِرَةٌ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، قَدْ أَهْمَلُوهُ وَمَلُّوهُ، وَلَمْ يَعْقِلُوهُ لِيَفْعَلُوهُ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ أَلْحَقَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَصْحَابِ هَذَا الْقِسْمِ: الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَتَصَرُّفَاتُهُ فِي فَتَاوِيهِ وَتَصَانِيفِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُفْتِي مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ عَلَى يُسْرٍ، مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ آخَرَ. الْقِسْمُ الثَّانِي " مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، أَوْ إمَامٍ غَيْرِهِ "، وَأَحْوَالُهُ أَرْبَعَةٌ: الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُقَلِّدٍ لِإِمَامِهِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ، لَكِنْ سَلَكَ

طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى، وَدَعَا إلَى مَذْهَبِهِ، وَقَرَأَ كَثِيرًا مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُ صَوَابًا وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَدُّ مُوَافَقَةً فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي " آدَابِ الْمُفْتِي " وَقَدْ ادَّعَى هَذَا مِنَّا ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الَّذِي لَهُ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُمَا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، قُلْت: وَمِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَالْمُصَنِّفِ، وَالْمَجْدِ، وَغَيْرِهِمَا، وَفَتْوَى الْمُجْتَهِدِ الْمَذْكُورِ، كَفَتْوَى الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَمَلِ بِهَا، وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِهِ بِالدَّلِيلِ، لَكِنْ لَا يَتَعَدَّى أُصُولَهُ وَقَوَاعِدَهُ، مَعَ إتْقَانِهِ لِلْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَأَدِلَّةِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، عَالِمًا بِالْقِيَاسِ وَنَحْوِهِ، تَامَّ الرِّيَاضَةِ، قَادِرًا عَلَى التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ بِالْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي لِإِمَامِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا مَعْرِفَةُ عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِكَوْنِهِ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا الْأَحْكَامَ، كَنُصُوصِ الشَّارِعِ، وَقَدْ يَرَى حُكْمًا ذَكَرَهُ إمَامُهُ بِدَلِيلٍ، فَيَكْتَفِي بِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ،

وَهَذَا شَأْنُ أَهْلِ الْأَوْجُهِ وَالطُّرُقِ فِي الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ حَالُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الطَّوَائِفِ الْآنَ، فَمَنْ عَلِمَ يَقِينًا هَذَا، فَقَدْ قَلَّدَ إمَامَهُ دُونَهُ؛ لِأَنَّ مُعَوَّلَهُ عَلَى صِحَّةِ إضَافَةِ مَا يَقُولُ إلَى إمَامِهِ؛ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِتَصْحِيحِ نِسْبَتِهِ إلَى الشَّارِعِ بِلَا وَاسِطَةِ إمَامِهِ، وَالظَّاهِرُ: مَعْرِفَتُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثٍ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ، وَقِيلَ: إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَقْلِيدِهِ نَقْصًا وَخَلَلًا فِي الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ: يَتَأَدَّى بِهِ فِي الْفَتْوَى، لَا فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي تُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِي فَتْوَاهُ مَقَامَ إمَامٍ مُطْلَقٍ، فَهُوَ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا كَانَ يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ حِينَ كَانَ حَيًّا قَائِمًا بِالْفَرْضِ مِنْهَا، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ اسْتِقْلَالٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ، أَوْ بَابٍ خَاصٍّ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ عَنْ إمَامِهِ، لِمَا يُخَرِّجُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ. فَالْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَثَلًا: إذَا أَحَاطَ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ، وَتَدَرَّبَ فِي مَقَايِيسِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ: يَنْزِلُ مِنْ الْإِلْحَاقِ بِمَنْصُوصَاتِهِ وَقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ مَنْزِلَةَ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ فِي إلْحَاقِهِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَقْدَرُ عَلَى ذَا مِنْ ذَاكَ عَلَى ذَاكَ، فَإِنَّهُ يَجِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ قَوَاعِدَ مُمَهَّدَةً، وَضَوَابِطَ مُهَذَّبَةً، مَا لَا يَجِدُهُ الْمُسْتَقِلُّ فِي أُصُولِ الشَّارِعِ وَنُصُوصِهِ،

وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ يُفْتِي بِالْحَدِيثِ: هَلْ لَهُ ذَلِكَ، إذَا حَفِظَ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ؟ فَقَالَ: أَرْجُو، فَقِيلَ لِأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا: فَأَنْتَ تُفْتِي، وَلَسْت تَحْفَظُ هَذَا الْقَدْرَ؟ فَقَالَ: لَكِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَفْتَى فِيمَا يُفْتِي بِهِ مِنْ تَخْرِيجِهِ هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ، لَا لَهُ، وَقِيلَ: مَا يُخَرِّجُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُهُ؟ فِيهِ لَنَا وَلِغَيْرِنَا خِلَافٌ، وَتَفْصِيلٌ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ: هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى أَقْوَالِهِ، كَمَا يَتَمَكَّنُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى كُلِّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ: أَنْ يُفْتِيَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، بِحَيْثُ يَحْكُمُ فِيمَا يَدْرِي، وَيَدْرِي: أَنَّهُ يَدْرِي، بَلْ يَجْتَهِدُ الْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ، وَيَجْتَهِدُ الْعَامِّيُّ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ وَيَتْبَعُهُ، فَهَذِهِ صِفَةُ الْمُجْتَهِدِينَ أَرْبَابِ الْأَوْجُهِ وَالتَّخَارِيجِ وَالطُّرُقِ،

وَقَدْ تَقَدَّمَ صِفَةُ تَخْرِيجِ هَذَا الْمُجْتَهِدِ وَأَنَّهُ: تَارَةً يَكُونُ مِنْ نَصِّهِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَقْسَامِ الْمُجْتَهِدِ مُحَرَّرًا. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ رُتْبَةَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ، عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ، قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ، وَنُصْرَتِهِ، يُصَوِّرُ، وَيُحَرِّرُ، وَيُمَهِّدُ، وَيُقَوِّي، وَيُزَيِّفُ، وَيُرَجِّحُ، لَكِنَّهُ قَصَرَ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ إمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ مَبْلَغَهُمْ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِثْلُهُ فِي ضِمْنِ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْفِقْهِ وَيَعْرِفُهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ عَنْ أَطْرَافٍ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَدَوَاتُ الِاجْتِهَادِ الْحَاصِلِ لِأَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ رَتَّبُوا الْمَذَاهِبَ، وَحَرَّرُوهَا، وَصَنَّفُوا فِيهَا تَصَانِيفَ، بِمَا يَشْتَغِلُ بِهِ النَّاسُ الْيَوْمَ غَالِبًا، وَلَمْ يُلْحِقُوا مَنْ يُخَرِّجُ الْوُجُوهَ، وَيُمَهِّدُ الطُّرُقَ فِي الْمَذَاهِبِ، وَأَمَّا فَتَاوِيهِمْ: فَقَدْ كَانُوا يَسْتَنْبِطُونَ فِيهَا اسْتِنْبَاطَ أُولَئِكَ أَوْ نَحْوَهُ وَيَقِيسُونَ غَيْرَ الْمَنْقُولِ وَالْمَسْطُورِ عَلَى الْمَنْقُولِ وَالْمَسْطُورِ نَحْوَ قِيَاسِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الثَّمَنِ، وَلَا تَبْلُغُ فَتَاوِيهِمْ فَتَاوَى أَصْحَابِ الْوُجُوهِ، وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ بَعْضُهُمْ إلَى تَخْرِيجِ قَوْلٍ، وَاسْتِنْبَاطِ وَجْهٍ، أَوْ احْتِمَالٍ، وَفَتَاوِيهِمْ مَقْبُولَةٌ. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ، وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ، فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ بِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ: مِنْ مَنْصُوصَاتِ

إمَامِهِ، أَوْ تَفْرِيعَاتِ أَصْحَابِهِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ، وَتَخْرِيجَاتِهِمْ، وَأَمَّا مَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا فِي مَذْهَبِهِ: فَإِنْ وَجَدَ فِي الْمَنْقُولِ مَا هَذَا مَعْنَاهُ، بِحَيْثُ يُدْرِكُ مِنْ غَيْرِ فَضْلِ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ أَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي إعْتَاقِ الشَّرِيكِ: جَازَ لَهُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يَعْلَمُ انْدِرَاجَهُ تَحْتَ ضَابِطٍ، وَمَنْقُولٍ مُمَهَّدٍ مُحَرَّرٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْفُتْيَا فِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا الْمَذْكُورِ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ تَقَعَ [وَاقِعَةٌ] حَادِثَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَى حُكْمِهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى بَعْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَلَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ وَضَوَابِطِ الْمَذْهَبِ الْمُحَرَّرِ فِيهِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَقِيهَ: لَا يَكُونُ إلَّا فَقِيهَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ تَصْوِيرَ الْمَسَائِلِ عَلَى وَجْهِهَا، وَنَقْلَ أَحْكَامِهَا بَعْدَهُ: لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا فَقِيهُ النَّفْسِ، وَيَكْفِي اسْتِحْضَارُهُ أَكْثَرَ الْمَذْهَبِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُطَالَعَةِ بَقِيَّتِهِ قَرِيبًا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ " الْمُجْتَهِدُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ "، فَمَنْ عَرَفَ الْقِيَاسَ وَشُرُوطَهُ: فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَسَائِلَ مِنْهُ قِيَاسِيَّةٍ، لَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ، وَمَنْ عَرَفَ الْفَرَائِضَ: فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا، وَإِنْ جَهِلَ أَحَادِيثَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ، دُونَ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ فِيهِمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ، ذَكَرَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي. الْقِسْمُ الرَّابِعُ " الْمُجْتَهِدُ فِي مَسَائِلَ، أَوْ مَسْأَلَةٍ "، وَلَيْسَ لَهُ الْفَتْوَى فِي غَيْرِهَا، وَأَمَّا فِيهَا، فَالْأَظْهَرُ: جَوَازُهُ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ، قَالَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، قُلْت: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: يَتَجَزَّأُ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَمَدِيُّ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلَهُ، وَذَكَرَ أَيْضًا: قَوْلًا يَتَجَزَّأُ فِي بَابٍ، لَا مَسْأَلَةٍ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ " كِتَابِ الْقَضَاءِ "، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمُجْتَهِدِ، ذَكَرَهَا ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي

فَصْلٌ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ " الْمَذْهَبُ كَذَا " قَدْ يَكُونُ بِنَصِّ الْإِمَامِ، أَوْ " بِإِيمَائِهِ، أَوْ بِتَخْرِيجِهِمْ ذَلِكَ وَاسْتِنْبَاطِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ، وَقَوْلُهُمْ " عَلَى الْأَصَحِّ " أَوْ " الصَّحِيحِ " أَوْ " الظَّاهِرِ " أَوْ " الْأَظْهَرِ " أَوْ " الْمَشْهُورِ " أَوْ " الْأَشْهَرِ " أَوْ " الْأَقْوَى " أَوْ " الْأَقْيَسِ " فَقَدْ يَكُونُ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ " الْأَصَحُّ " عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ الْأَصْحَابِ: قَدْ يَكُونُ شُهْرَةً، وَقَدْ يَكُونُ نَقْلًا، وَقَدْ يَكُونُ دَلِيلًا، أَوْ عِنْدَ الْقَائِلِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي " الْأَشْهَرِ " وَ " الْأَظْهَرِ " وَ " الْأَوْلَى " وَ " الْأَقْيَسِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ " وَقِيلَ " فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ رِوَايَةً بِالْإِيمَاءِ، أَوْ وَجْهًا، أَوْ تَخْرِيجًا، أَوْ احْتِمَالًا، ثُمَّ " الرِّوَايَةُ " قَدْ تَكُونُ نَصًّا، أَوْ إيمَاءً، أَوْ تَخْرِيجًا مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ، لَا طَائِلَ فِيهِ، وَ " الْأَوْجَهُ " تُؤْخَذُ غَالِبًا مِنْ نَصِّ لَفْظِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَسَائِلِهِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَإِيمَائِهِ، وَتَعْلِيلِهِ. انْتَهَى. قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَأْخَذِ الْأَوْجَهِ، وَتَقَدَّمَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَالْمُصْطَلَحَاتِ فِي الْخُطْبَةِ. تَنْبِيهٌ عَقَدَ ابْنُ حَمْدَانَ بَابًا فِي " آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي " لِمَعْرِفَةِ عُيُوبِ التَّآلِيفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِيَعْلَمَ الْمُفْتِي كَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَنْقُولِ، وَمَا مُرَادُ قَائِلِهِ وَمُؤَلِّفِهِ فَيَصِحُّ

نَقْلُهُ لِلْمَذْهَبِ، وَعَزْوُهُ إلَى الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهُ هُنَا لِأَنَّ كِتَابَنَا هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا قَالَهُ، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَحَاذِيرِ فِي التَّأْلِيفِ النَّقْلِيِّ: إهْمَالُ نَقْلِ الْأَلْفَاظِ بِأَعْيَانِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِنَقْلِ الْمَعَانِي، مَعَ قُصُورِ التَّأَمُّلِ عَنْ اسْتِيعَابِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ الْأَوَّلِ بِلَفْظِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ مُفَرَّعَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِحُصُولِ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، أَوْ الْكَاتِبِ بِكِتَابَتِهِ مَعَ ثِقَةِ الرَّاوِي: يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ الْإِضْمَارِ وَالتَّخْصِيصِ، وَالنَّسْخِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالِاشْتِرَاكِ، وَالتَّجَوُّزِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالنَّقْلِ، وَالْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ، فَكُلُّ نَقْلٍ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ حُصُولُ بَعْضِ الْأَسْبَابِ، وَلَا نَقْطَعُ بِانْتِفَائِهَا نَحْنُ وَلَا النَّاقِلُ وَلَا نَظُنُّ عَدَمَهَا، وَلَا قَرِينَةَ تَنْفِيهَا، وَلَا نَجْزِمُ فِيهِ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ رُبَّمَا ظَنَنَّاهُ، أَوْ تَوَهَّمْنَاهُ، وَلَوْ نَقَلَ لَفْظَهُ بِعَيْنِهِ، وَقَرَائِنِهِ، وَتَارِيخِهِ، وَأَسْبَابِهِ: لَانْتَقَى هَذَا الْمَحْذُورُ أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ بِنَقْلِ الْمُتَحَرِّي فَيُعْذَرُ تَارَةً لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ لِأَسْبَابٍ ظَاهِرَةٍ وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ، وَأَكْثَرُ الْمَسَائِلِ الْفُرُوعِيَّةِ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ التَّظَاهُرُ بِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَالتَّنَاصُرُ لَهَا مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَصَارَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ مِنْهَا أَحْزَابٌ وَأَنْصَارٌ، وَصَارَ دَأْبُ كُلِّ فَرِيقٍ نَصْرَ قَوْلِ صَاحِبِهِمْ، وَقَدْ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى مَأْخَذِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِمَا أَثْبَتَهُ بِهِ إمَامُهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِالْمُوَافَقَةِ، وَتَارَةً يُثْبِتُهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَشْعُرُ بِالْمُخَالَفَةِ. وَمَحْذُورُ ذَلِكَ: مَا يَسْتَجِيزُهُ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ تَخْرِيجِ أَقَاوِيلِ إمَامِهِ مِنْ مَسْأَلَةٍ

إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ مَذْهَبًا لَهُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَهُوَ لِهَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ دَلِيلٍ، وَنِسْبَةُ الْقَوْلَيْنِ إلَيْهِ بِتَخْرِيجِهِ، وَرُبَّمَا حَمَلَ كَلَامَ الْإِمَامِ فِيمَا خَالَفَ نَظِيرَهُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ، اسْتِمْرَارًا لِقَاعِدَةِ تَعْلِيلِهِ وَسَعْيًا فِي تَصْحِيحِ تَأْوِيلِهِ، وَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَنْقُلُ عَنْ الْإِمَامِ مَا سَمِعَهُ، أَوْ بَلَغَهُ عَنْهُ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ وَلَا تَارِيخٍ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ قَرِينَةٌ فِي إفَادَةِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، كَمَا سَبَقَ، فَيَكْثُرُ لِذَلِكَ الْخَبْطُ؛ لِأَنَّ الْآتِيَ بَعْدَهُ يَجِدُ عَنْ الْإِمَامِ اخْتِلَافَ أَقْوَالٍ، وَاخْتِلَالَ أَحْوَالٍ، فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ، يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِهِ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، دُونَ بَقِيَّةِ أَقَاوِيلِهِ، إنْ كَانَ النَّاظِرُ مُجْتَهِدًا. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقَلِّدًا: فَغَرَضُهُ مَعْرِفَةُ مَذْهَبِ إمَامِهِ بِالنَّقْلِ عَنْهُ، وَلَا يَحْصُلُ غَرَضُهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْجَمْعَ، وَلَا يَعْلَمُ التَّارِيخَ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ، وَلَا التَّرْجِيحَ عِنْدَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ إنَّمَا لَزِمَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَيَكُونُ مَحْذُورًا، وَلَقَدْ اسْتَمَرَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ، وَالْحَاكِينَ عَلَى قَوْلِهِمْ " مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا " وَ " مَذْهَبُ فُلَانٍ كَذَا "، فَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ: أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ فَقَطْ، فَلِمَ يُفْتُونَ بِهِ فِي وَقْتٍ مَا، عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ؟ وَإِنْ أَرَادُوا: أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَيَمْتَنِعُ الْمَصِيرُ إلَى غَيْرِهِ لِلْمُقَلَّدِ، فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّارِيخُ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا،

فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، فَلَا يَخْلُوا: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبَ إمَامِهِ: أَنَّ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ إذَا تَنَاقَضَا، كَالْأَخْبَارِ، أَوْ لَيْسَ مَذْهَبُهُ كَذَلِكَ، بَلْ يَرَى عَدَمَ نَسْخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، أَوْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ اعْتِقَادَ النَّسْخِ: فَالْأَخِيرُ مَذْهَبُهُ، فَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِالْأَوَّلِ لِلْمُقَلِّدِ، وَلَا التَّخْرِيجُ مِنْهُ، وَلَا النَّقْضُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ: أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي عِنْدَ التَّنَافِي، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَرَى جَوَازَ الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْمُقَلِّدُ إذَا أَفْتَاهُ الْمُفْتِي، أَوْ يَكُونُ مَذْهَبُهُ الْوَقْفَ، أَوْ شَيْئًا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ الْقَوْلَ بِالتَّخْيِيرِ: كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ، وَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْوَقْفَ: تَعَطَّلَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا قَوْلٌ يُعْمَلُ عَلَيْهِ سِوَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ إمَامِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ: فَهُوَ لَا يَعْرِفُ حُكْمَ إمَامِهِ فِيهَا، فَيَكُونُ شَبِيهًا بِالْقَوْلِ بِالْوَقْفِ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا، هَذَا كُلُّهُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخَ، وَأَمَّا إنْ جَهِلَ: فَإِمَّا أَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، بِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ أَوْ مَحَلَّيْنِ، أَوْ لَا يُمْكِنُ، فَإِنْ أَمْكَنَ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ إمَامِهِ جَوَازَ الْجَمْعِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْآثَارِ وَوُجُوبَهُ، أَوْ التَّخْيِيرَ، أَوْ الْوَقْفَ، أَوْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، أَوْ الثَّانِي: فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْهُمَا، فَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ الْفُتْيَا بِأَحَدِهِمَا عَلَى ظَاهِرِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ،

وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ: فَمَذْهَبُهُ أَحَدُهُمَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ، سِيَّمَا مَعَ تَعَذُّرِ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ، أَوْ الْخَامِسُ: فَلَا عَمَلَ إذًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ: فَإِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ نَسْخَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي أَوْ لَا يَعْتَقِدُ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ: وَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَخْذِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا هُوَ الْمَنْسُوخُ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ النَّسْخَ: فَإِمَّا التَّخْيِيرُ. وَإِمَّا الْوَقْفُ، أَوْ غَيْرُهُمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ سَبَقَ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ: فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْضَارِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ إمَامِهِ عِنْدَ حِكَايَةِ بَعْضِهَا مَذْهَبًا لَهُ، ثُمَّ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا، فَإِنْ اعْتَقَدَهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُهُ فِي كُلِّ حِينٍ أَرَادَ حِكَايَةَ مَذْهَبِهِ، وَهَذَا يَتَعَذَّرُ فِي مَقْدِرَةِ الْبَشَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْإِحَاطَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جِهَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُسْأَلُ، وَمَنْ لَمْ يُصَنِّفْ كُتُبًا فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ أَخَذَ أَكْثَرَ مَذْهَبِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَفَتَاوِيهِ، كَيْفَ يُمْكِنُ حَصْرُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ هَذَا بَعِيدٌ عَادَةً،

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبُ إمَامِهِ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ نِسْبَةِ بَعْضِهَا إلَيْهِ مَذْهَبًا لَهُ: يَنْظُرُ، فَإِنْ قِيلَ: رُبَّمَا لَا يَكُونُ مَذْهَبُ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ الْإِمَامِ، قُلْنَا: نَحْنُ لَمْ نَجْزِمْ بِحُكْمٍ فِيهَا، بَلْ رَدَّدْنَاهُ، وَقُلْنَا: إنْ كَانَ كَذَا: لَزِمَ مِنْهُ كَذَا، وَيَكْفِي فِي إيقَافِ إقْدَامِ هَؤُلَاءِ تَكْلِيفُهُمْ نَقْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَيَانِهِ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُونَ هَذَا التَّحْقِيقَ بِكَثْرَةِ نَقْلِ الرِّوَايَاتِ، وَالْأَوْجُهِ، وَالِاحْتِمَالَاتِ، وَالتَّهَجُّمِ عَلَى التَّخْرِيجِ وَالتَّفْرِيعِ، حَتَّى لَقَدْ صَارَ هَذَا عِنْدَهُمْ عَادَةً وَفَضِيلَةً، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ، فَالْتَزَمُوا لِلْحَمِيَّةِ نَقْلَ مَا لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ، لِمَا عَلِمْته آنِفًا، ثُمَّ لَقَدْ عَمَّ أَكْثَرَهُمْ بَلْ كُلَّهُمْ نَقْلُ أَقَاوِيلَ يَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا فِي نَظَرِهِمْ، بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ فِي سَنَدِهَا عَنْ قَائِلِهَا، وَخَرَّجُوا مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلٍ ثَالِثٍ، بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ الدَّلِيلِ، فَمَا هَؤُلَاءِ بِمُقَلِّدِينَ حِينَئِذٍ، وَقَدْ يَحْكِي أَحَدُهُمْ فِي كِتَابِهِ أَشْيَاءَ، يَتَوَهَّمُ الْمُسْتَرْشِدُ: أَنَّهَا إمَّا مَأْخُوذَةٌ مِنْ نُصُوصِ الْإِمَامِ، أَوْ مِمَّا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى نِسْبَتِهَا إلَى الْإِمَامِ مَذْهَبًا لَهُ، وَلَا يَذْكُرُ الْحَاكِي لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ قَدْ اسْتَنْبَطَهُ أَوْ رَآهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ أَوْ احْتِمَالًا، فَهَذَا أَشْبَهَ التَّدْلِيسَ، فَإِنْ قَصَدَهُ فَشِبْهُ الْمَيْنِ، وَإِنْ وَقَعَ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، فَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَادَةِ وَالشَّيْنِ. كَمَا قِيلَ:

فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَقَدْ يَحْكُونَ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَمَلُ بِهِ، وَيُرْهِقُهُمْ إلَى ذَلِكَ: تَكْثِيرُ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَحْكِي عَنْ الْإِمَامِ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً، أَوْ يُخَرِّجُ خِلَافَ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، بَلْ إمَّا التَّخْيِيرُ، أَوْ الْوَقْفُ، أَوْ الْبَدَلُ، أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ عَنْهُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ، أَوْ مَحَلَّيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ: حُكْمُهُ خِلَافُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ عِنْدَ تَعَرِّيهَا عَنْ قَرِينَةٍ مُفِيدَةٍ لِذَلِكَ، وَالْغَرَضُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَشْرَحُ أَحَدُهُمْ كِتَابًا، وَيَجْعَلُ مَا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ الْمَشْرُوحِ رِوَايَةً، أَوْ وَجْهًا، أَوْ اخْتِيَارًا لِصَاحِبِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ الْمَذْهَبِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إجْمَالٌ، أَوْ إهْمَالٌ، وَقَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " أَوْ " ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا " وَلَا يَقُولُ " وَعِنْدِي " وَيَقُولُ غَيْرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ، فَلِمَنْ يُقَلِّدُ الْعَامِّيُّ إذًا؟ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَعْمَلُ بِمَا يَرَى، فَالتَّقْيِيدُ إذًا لَيْسَ لِلْإِمَامِ، بَلْ لِلْأَصْحَابِ فِي أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفِينَ وَالْحَاكِينَ قَدْ يَفْهَمُونَ مَعْنًى، وَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِلَفْظٍ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ وَافٍ بِالْغَرَضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا نَظَرَ أَحَدٌ فِيهِ وَفِي قَوْلِ مَنْ أَتَى بِلَفْظٍ وَافٍ بِالْغَرَضِ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ يَفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مَعْنًى قَدْ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ لِلَّفْظِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، فَيُحْصَرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي لَفْظٍ وَجِيزٍ.

فَبِالضَّرُورَةِ يَصِيرُ مَفْهُومُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي اللَّفْظَيْنِ مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ لِلْآخَرِ، وَقَدْ يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ إجْمَاعًا، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِقَوْلٍ يُخَالِفُ مَا يَعْلَمُهُ، وَمَنْ يَتَتَبَّعُ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعَاتِ مِمَّنْ يَحْكِيهَا، وَطَالَبَهُ بِمُسْتَنَدَاتِهَا: عَلِمَ صِحَّةَ مَا ادَّعَيْنَاهُ، وَرُبَّمَا أَتَى بَعْضُ النَّاسِ بِلَفْظٍ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَيَظُنُّ: أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ مِنْهُ، فَيَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى مَحْمَلِ كَلَامِ مَنْ قَبْلَهُ، فَإِنْ رُئِيَ مُغَايِرًا لَهُ: نُسِبَ إلَى السَّهْوِ أَوْ الْجَهْلِ، أَوْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، إنْ كَانَ، أَوْ يَكُونُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يُغَايِرُ مَدْلُولَ كَلَامِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ، فَيَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِ كَلَامِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ، فَيَجْعَلُ الْخِلَافَ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ الْوِفَاقَ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ، وَقَدْ يَقْصِدُ أَحَدُهُمْ حِكَايَةَ مَعْنَى أَلْفَاظِ الْغَيْرِ، وَرُبَّمَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَرَى جَوَازَ نَقْلِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَقَدْ يَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُعَلِّلُ الْمَنْعَ فِي صُورَةِ الْفَرْضِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيفِ غَالِبًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي أَلْفَاظِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ، فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ: رُبَّمَا رَأَى تَرْكَ التَّصْنِيفِ أَوْلَى، إنْ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْهَا، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْمَحَاذِيرِ وَغَيْرِهَا غَالِبًا، فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ هَذَا فِعْلُ الْقُدَمَاءِ وَإِلَى الْآنَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَى الْأَئِمَّةِ تَرْكُ الْإِنْكَارِ إذَنْ، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَنَحْوُهَا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قُلْت: الْأَوَّلُونَ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا عَنَيْنَاهُ،

فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَأْلِيفٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَفِعْلُهُمْ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ حُجَّةً، بَلْ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِبَعْضِ الْعَوَامّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى أَنَّ الْعَامِّيَّ مَلْزُومٌ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَحْفَظُوا الشَّرِيعَةَ مِنْ الْإِغْفَالِ وَالْإِهْمَالِ، قُلْنَا: قَدْ كَانَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فِي حِفْظِهَا أَنْ يُدَوِّنُوا الْوَقَائِعَ وَالْأَلْفَاظَ النَّبَوِيَّةَ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جِهَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، مَعَ ذِكْرِ أَسْبَابِهَا كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا حَتَّى يَسْهُلَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مَعْرِفَةُ مُرَادِ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِهِ، فَيُقَلِّدُهُ عَلَى بَيَانٍ وَإِيضَاحٍ،

وَإِنَّمَا عَنَيْنَا مَا وَقَعَ فِي التَّآلِيفِ مِنْ هَذِهِ الْمَحَاذِيرِ، لَا مُطْلَقَ التَّأْلِيفِ، وَكَيْفَ يُعَابُ مُطْلَقًا؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ» فَلَمَّا لَمْ يُمَيِّزُوا فِي الْغَالِبِ مَا نَقَلُوهُ مِمَّا خَرَّجُوهُ، وَلَا مَا عَلَّلُوهُ مِمَّا أَهْمَلُوهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا عِبْنَاهُ وَبَيْنَ مَا صَنَّفْنَاهُ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ يُمْكِنُ أَنْ أَذْكُرَهَا مِنْ ذِكْرِ الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً، لَكِنَّهُ يَطُولُ هُنَا، وَإِذَا عَلِمْت عَقْدَ اعْتِذَارِنَا، وَخِيَرَةَ اخْتِيَارِنَا، فَنَقُولُ: الْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ اللَّفْظِ: أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعَيْنِهِ، أَوْ إيمَائِهِ، أَوْ تَعْلِيلِهِ، أَوْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ لَفْظِهِ: إمَّا اجْتِهَادًا مِنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ بَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ". وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ " وَمِنْهَا مَا قِيلَ " إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ "، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " نَصَّ عَلَيْهِ " يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَفْظُهُ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ " وَلَمْ يُعَيِّنْ قَائِلُهُ لَفْظَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " وَيَحْتَمِلُ كَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَلَامَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهَا: مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ سَرْدًا، وَلَمْ يُوصَفْ بِشَيْءٍ أَصْلًا، فَيَظُنُّ سَامِعُهُ: أَنَّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا،

وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ "، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ فِيهِ "، وَمِنْهَا: مَا قَالَ فِيهِ بَعْضُهُمْ " اخْتِيَارِيٌّ " وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَصْلًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا: مَا قِيلَ " إنَّهُ خَرَجَ عَلَى رِوَايَةِ كَذَا " أَوْ " عَلَى قَوْلِ كَذَا " وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ، وَلَا تَعْلِيلَهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُعَيَّنْ رَبُّهُ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، لَكِنْ الْقَوْلُ بِهِ لَا يَكُونُ خَرْقًا لِإِجْمَاعِهِمْ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى وَفْقِ مَذَاهِبِهِمْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَمْدَانَ. وَفِي بَعْضِهِ شَيْءٌ وَقَعَ هُوَ فِيهِ فِي تَصَانِيفِهِ، وَلَعَلَّهُ بَعْدَ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ حِكَايَةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْأَخِيرَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ فَائِدَةً فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِهِ هَذَا، مَعَ أَنِّي لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى كِتَابِهِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

فصل من نقل الفقه عن الإمام أحمد

[فَصْلٌ مَنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ] فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ وَصَلَتْ إلَيْنَا، فَمِنْهُمْ الْمُقِلُّ عَنْهُ، وَمِنْهُمْ الْمُكْثِرُ، وَهُمْ كَثِيرُونَ جِدًّا، وَلَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهُمْ جُمْلَةً صَالِحَةً يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ عَلَّمْت عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْأَحْمَرِ عَلَى مُصْطَلَحِ " الْكَاشِفِ " لِلذَّهَبِيِّ، فَمِنْهُمْ: 1 - إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، كَانَ إمَامًا فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ، مُتْقِنًا مُصَنِّفًا مُحْتَسِبًا، عَابِدًا زَاهِدًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا حِسَانًا جِيَادًا. 2 - إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْبَسِطُ إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُفْطِرُ عِنْدَهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 3 - إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ مُصْعَبٍ الطَّرَسُوسِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَظِّمُهُ، وَيَرْفَعُ قَدْرَهُ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَرُبَّمَا تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَيُجِيبُ هُوَ، فَيَقُولُ لَهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ، وَحَرْبٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَرَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي أَرْبَعَةِ أَجْزَاءَ.

إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ الدِّينَوَرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 5 - إبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 6 - إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 7 - إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 8 - د ت س إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 9 - إبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ، وَكَانَ وَرِعًا صَالِحًا، صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ، وَاخْتَفَى فِي بَيْتِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيَّامَ الْوَاثِقِ بِاَللَّهِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ. 10 - م د ت ق أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ جَمَّةً، وَيَأْتِي ذِكْرُ أَخِيهِ يَعْقُوبَ. 11 - أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 12 - أَحْمَدُ بْنُ أَضْرَمَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُزَنِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. 13 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدَةَ،

نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، وَرِعًا، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. 14 - أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 15 - أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَكِيعِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 16 - خ م أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ التِّرْمِذِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 17 - أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمِشْكَاتِيُّ، أَبُو طَالِبٍ، كَانَ فَقِيرًا صَالِحًا، خِصِّيصًا بِصُحْبَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُقَدِّمُهُ. 18 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ: زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 19 - خ م د س ت أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 20 - أَحْمَدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا. 21 - خ د أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ، وَكَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ.

د أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ، أَبُو مَسْعُودٍ الضَّبِّيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 23 - أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. 24 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، كَانَ وَرَعًا صَالِحًا، خِصِّيصًا بِخِدْمَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَأْنَسُ بِهِ وَيَنْبَسِطُ إلَيْهِ، وَيَبْعَثُهُ فِي حَوَائِجِهِ، وَكَانَ يَقُولُ " كُلُّ مَا قُلْت فَهُوَ عَلَى لِسَانِي، وَأَنَا قُلْته "، وَكَانَ يُكْرِمُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى إغْمَاضَهُ لَمَّا مَاتَ، وَغَسَّلَهُ، رَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، وَهُوَ الْمُقَدَّمُ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ. 25 - س أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الطَّائِيُّ الْأَثْرَمُ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، وَيُقَالُ: إنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهِ كَانَ جِنِّيًّا نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، وَصَنَّفَهَا، وَرَتَّبَهَا أَبْوَابًا. 26 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَبُو الْحَارِثِ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُجِلُّهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَكَانَ عِنْدَهُ بِمَوْضِعٍ جَلِيلٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا بِضْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا، وَجَوَّدَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ

27 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَحَّالُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 28 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْمَرْوَزِيِّ، أَبُو الْحَارِثِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 29 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَدَقَةَ، أَبُو بَكْرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 30 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاصِلٍ الْمُقْرِي رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 31 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَرَائِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 32 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 33 - ق أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 34 - ع - أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغَوِيّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 35 - أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ بْنُ حَيَّانَ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 36 - أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، أَبُو حَامِدٍ الْخَفَّافُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا. 37 - أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، جَالَسَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاسْتَفَادَ مِنْهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ. 38 - أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ،

يُقَالُ: مَا يَرِدُ الْقِيَامَةَ أَعْلَمُ بِالنَّحْوِ مِنْهُ، وَكَانَ صَدُوقًا دَيِّنًا، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ شَيْءٍ. 39 - أَحْمَدُ بْن يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ. 40 - أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا. 41 - إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، كَانَ خَادِمًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي سِتَّةِ أَجْزَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ. 42 - إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيّ قَرَابَةُ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ. 43 - د إِسْحَاقُ بْنُ الْجَرَّاحِ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 44 - إِسْحَاقُ بْنُ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالٍ، عَمُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، كَانَ مُلَازِمًا لَهُ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَيَأْتِي ذِكْرُ وَلَدِهِ حَنْبَلٍ. 45 - إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا

46 - خ م ت س ق إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ الْمَرُّوذِيُّ الْإِمَامُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَهُوَ مِمَّنْ دَوَّنَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ الْفِقْهِ. 47 - إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ، أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ الْخَلَّالُ: رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، مَا أَحْسِبُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْهُ أَحْسَنَ مِمَّا رَوَى، وَلَا أَشْبَعَ وَلَا أَكْثَرَ مَسَائِلَ. 48 - إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ، أَبُو النَّضْرِ الْعِجْلِيّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 49 - أَيُّوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ كَانَ جَلِيلًا عَظِيمَ الْقَدْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً، فِيهَا شَيْءٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُهُ. 50 - بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً. 51 - بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 52 - بَدْرُ بْنُ أَبِي بَدْرٍ، أَبُو بَكْرٍ الْمَغَازِلِيُّ، وَاسْمُهُ: أَحْمَدُ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَيَقُولُ " مَنْ مِثْلُ بَدْرٍ؟ قَدْ مَلَكَ لِسَانَهُ "، وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ،

نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 53 - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ النَّسَائِيّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجِلُّهُ، وَيُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ، وَيَعْرِفُ لَهُ حَقَّهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ صَالِحَةً. 54 - جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 55 - حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ، ابْنُ عَمِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ الْخَلَّالُ: جَاءَ حَنْبَلٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِمَسَائِلَ أَجَادَ فِيهَا الرِّوَايَةَ، وَأَغْرَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى مَسَائِلِهِ شَبَّهْتَهَا فِي حُسْنِهَا وَإِشْبَاعِهَا وَجَوْدَتِهَا بِمَسَائِلِ الْأَثْرَمِ. انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَالِدِهِ. 56 - حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ الْحَنْظَلِيُّ الْكَرْمَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 57 - الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً كِبَارًا، وَكَانَ لَهُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أُنْسٌ شَدِيدٌ. 58 - الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ كَانَ صَدِيقًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ. 59 - خ د ت الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَسَائِلَ حِسَانًا

60 - الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْإِسْكَافِيُّ كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا كِبَارًا. 61 - الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 62 - الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيُّ الْبَغْدَادِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً. 63 - الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَبُو عَلِيٍّ الْخِرَقِيُّ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ. 64 - حُبَيْشُ بْنُ سِنْدِيٍّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ جِدًّا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جُزْأَيْنِ، مَسَائِلَ مُشَبَّعَةً حِسَانًا جِدًّا. 65 - خَطَّابُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، مَسَائِلَ حِسَانًا صَالِحَةً، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ. 66 - خ د ت س زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 67 - زِيَادُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً، وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ وَرِعًا صَالِحًا. 68 - زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَقُول " هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ "،

نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 69 - سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ السُّنَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 70 - سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْ مُهَنَّا، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ قَيِّمَةً. 71 - سِنْدِيٌّ، أَبُو بَكْرٍ الْخَوَاتِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، سَمِعَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ صَالِحَةً، قَالَ الْخَلَّالُ: هُوَ مِنْ نَحْوِ أَبِي الْحَارِثِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. 72 - صَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَقَلَ عَنْ أَبِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 73 - طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ جَلِيلًا عَظِيمَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً. 74 - س عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا حِسَانًا. 75 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ. 76 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، الْمَعْرُوفُ بِفَوْزَانِ كَانَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجِلُّهُ، وَيَأْنَسُ بِهِ، وَيَسْتَقْرِضُ مِنْهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً.

77 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَبُو الْقَاسِمِ، ابْنُ بِنْتِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، بَغَوِيُّ الْأَصْلِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً صَالِحَةً. 78 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ كَبِيرًا، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كِبَارًا جِدًّا. 79 - خ م س عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيُّ، قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، لَمْ يَرْوِهَا عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَرْفَعُ قَدْرًا مِنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ. 80 - م ت س ط ق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 81 - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ الْمَرْوَزِيِّ كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، عَالِمًا بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كِبَارًا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ. 82 - د ت ق عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُقَالُ: ابْنُ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ، الْإِمَامُ، جَمَعَ بَيْنَ التَّقْوَى وَالْعِلْمِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 83 - د عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ صَفْوَانَ، أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ الْإِمَامُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً مُشَبَّعَةً. 84 - عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَبُو الْفَضْلِ الْمُتَطَبِّبُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا

85 - عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرِمُهُ، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا، سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا، وَجُزْأَيْنِ كَبِيرَيْنِ. 86 - عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْقَطَّانِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، مُشَبَّعَةً فِي جُزْأَيْنِ. 87 - ع عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَ مَسَائِلَ. 88 - عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ كَانَ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأُنْسٌ شَدِيدٌ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ جَيِّدَةً. 89 - عِصْمَةُ بْنُ عِصْمَةَ، كَانَ صَالِحًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا، وَصَحِبَهُ. 90 - عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ كَانَ صَدِيقًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَقَلَ عَنْهُ بَعْضَ مَسَائِلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. 91 - س عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ بْنُ جَرِيرٍ النَّسَوِيُّ كَانَ يُنَاظِرُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُنَاظَرَةً شَافِيَةً، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي جُزْأَيْنِ. 92 - عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْأَنْمَاطِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 93 - عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 94 - عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ

نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ. 95 - عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً. 96 - الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يَعْرِفُ قَدْرَهُ، وَيُقَدِّمُهُ، وَرَوَى عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 97 - الْفَرَجُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَرْزَاطِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 98 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمُتَطَبِّبُ الْكَحَّالُ الْبَغْدَادِيُّ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ يُكْرِمُهُ وَيُقَدِّمُهُ. 99 - مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، أَخُو خَطَّابِ بْنِ بِشْرٍ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 100 - مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ مُشَيْشٍ كَانَ جَارًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَاحِبَهُ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 101 - مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَزْءَ مَسَائِلَ كِبَارٍ جِدًّا. 102 - خ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَبُو بَكْرٍ، مَاتَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ الْخَلَّالُ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ فَهْمًا مِنْهُ فِيمَا سُئِلَ بِمُنَاظَرَةٍ أَوْ احْتِجَاجٍ، وَمَعْرِفَةٍ وَحِفْظٍ،

وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُسِرُّ إلَيْهِ، وَكَانَ خَاصًّا بِهِ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ أَبِي طَالِبٍ، وَبِهِ وَصَلَ أَبُو طَالِبٍ إلَى أَحْمَدَ. 103 - مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ بَكْرٍ الْمُقْرِي، كَانَ عَالِمًا بِالْقُرْآنِ وَأَسْبَابِهِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَلِّي خَلْفَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَغَيْرَهُ وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 104 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَبُو جَعْفَرٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا جِيَادًا. 105 - خ د ت س مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا، وَسُمِّيَ صَاعِقَةَ، قِيلَ: لِجَوْدَةِ حِفْظِهِ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إنَّمَا لُقِّبَ بِذَلِكَ: لِأَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا قَدِمَ بَلْدَةً لِلِقَاءِ شَيْخٍ إذَا بِهِ قَدْ مَاتَ بِالْقُرْبِ. 106 - د س مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ، أَخُو إِسْحَاقَ، كَانَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ يُكْرِمُهُ، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً عَلَى نَحْوِ مَسَائِلِ الْأَثْرَمِ، وَلَكِنْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهَا حَدِيثًا. 107 - د س ق مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ مُشَبَّعَةً. 108 - مُحَمَّدُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْبَغَوِيّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 109 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا. 110 - ت س مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ يُوسُفَ التِّرْمِذِيُّ،

نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا. 111 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ بْنِ بُدَيْنَا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ. 112 - خ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ كَثِيرَةً. 113 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ الْخَلَّالُ: كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ صَالِحَةً حِسَانًا. 114 - مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الطَّرَسُوسِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْمُسْتَمْلِي، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا. 115 - مُحَمَّدُ بْنُ مَاهَانَ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، لَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ حِسَانٌ، نَقَلَهَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. 116 - مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ، كَانَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جُزْءًا فِيهِ مَسَائِلُ حِسَانٌ. 117 - مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَشْيَاءَ. 118 - مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ، أَبُو عِمْرَانَ، كَانَ جَارًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ، وَرَوَى عَنْهُ

119 - مُوسَى بْنُ عِيسَى الْجَصَّاصُ، كَانَ وَرِعًا، مُتَحَلِّيًا، زَاهِدًا، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً، وَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ بِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ فِي الزُّهْدِ. 120 - مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ الْأَنْبَارِيُّ، كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَحَقَّهُ، وَنَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا. 121 - مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ، كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يُكْرِمُهُ، وَيَعْرِفُ لَهُ قَدْرَهُ وَحَقَّ الصُّحْبَةِ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ يَسْأَلُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى يُضْجِرَهُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً جِدًّا. 122 - س مَيْمُونُ بْنُ الْأَصْبَغِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ حِسَانًا. 123 - هَارُونُ الْمُسْتَمْلِي، الْمَعْرُوفُ بِمُكْحُلَةٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 124 - م 4 هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ، الْمَعْرُوفُ بِالْحَمَّالِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا جِدًّا فِي جَزْءٍ كَبِيرٍ. 125 - يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُخْتَانَ، كَانَ جَارَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَدِيقَهُ، وَنَقَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً

126 - ع يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ، الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُ أَخِيهِ أَحْمَدَ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ، 127 يَعْقُوبُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً. 128 - ق يَحْيَى بْنُ يَزْدَادَ، الْمُكَنَّى بِأَبِي الصَّقْرِ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَسَائِلَ كَثِيرَةً حِسَانًا فِي جَزْءٍ. 129 - يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْمَرُّوذِيُّ، نَقَلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَسَائِلَ حِسَانًا. 130 - يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْعَطَّارُ الْحَرْبِيُّ، رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَشْيَاءَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ ثَنَاءً حَسَنًا. 131 - خ د ت ق يُوسُفُ بْنُ مُوسَى بْنُ رَاشِدٍ، نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْيَاءَ، وَهَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا ذِكْرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِمَّنْ نَقَلَ الْفِقْهَ عَنْهُ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَالِبُ الْعِلْمِ، وَهُمْ نَيِّفٌ عَلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْفِقْهَ وَغَيْرَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ جِدًّا، ذَكَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَبِي يَعْلَى فِي الطَّبَقَاتِ، وَقَدْ زَادُوا فِيهَا عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْضَهُمْ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنَّ مَنْ طَالَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ النَّاقِلِينَ عَنْهُ،

فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَارَةً يَذْكُرُهُمْ بِكُنَاهُمْ، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُمْ بِأَلْقَابِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَهُمْ أَيْضًا مُتَفَاوِتُونَ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّقْلِ عَنْهُ، وَالضَّبْطِ وَالْحِفْظِ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِ كُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَغَالِبُ مَا ذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ. فَمِنْ الْمُكْثِرِينَ عَنْهُ: 1 - إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ. 2 - وَابْنُ هَانِئٍ. 3 - وَوَلَدُهُ. 4 - وَأَبُو طَالِبٍ. 5 - وَالْمَرُّوذِيُّ. 6 - وَالْأَثْرَمُ. 7 - وَأَبُو الْحَارِثِ. 8 - وَالْكَوْسَجُ. 9 - وَالشَّالَنْجِيُّ. 10 - وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَحَّالُ. 11 - وَأَبُو النَّضْرِ. 12 - وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى. 13 - وَخَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ. 14 - وَبَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. 15 - وَحَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.

وَالْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ. 17 - وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ. 18 - وَأَبُو دَاوُد صَاحِبُ السُّنَنِ. 19 - وَسِنْدِيٌّ الْخَوَاتِيمِيُّ. 20 - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ. 21 - وَصَالِحُ بْنُ الْإِمَامِ. 22 - وَفَوْزَانُ. 23 - وَالْمَيْمُونِيُّ. 24 - وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ. 25 - وَابْنُ مُشَيْشٍ. 26 - وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ. 27 - وَالْبُرْزَاطِيُّ. 28 - وَالْبُوشَنْجِيُّ. 29 - وَمُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ. 30 - وَمُهَنَّا بْنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ. 31 - وَهَارُونُ الْحَمَّالُ. 32 - وَابْنُ بُخْتَانَ. 33 - وَأَبُو الصَّقْرِ. 34 - وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا آخِرُ مَا قَصَدْنَا جَمْعَهُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَحِيحًا صَوَابًا: فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَتَوْفِيقِهِ لَنَا وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ: فَذَلِكَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ،

فَإِنَّ جَامِعَهُ مُعْتَرِفٌ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَبِضَاعَتُهُ فِي الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَلَكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ طَرِيقًا لَمْ يَرَ أَحَدًا مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْأَصْحَابِ سَلَكَهَا، فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ إذَا صَنَّفَ كِتَابًا قَدْ سُبِقَ إلَى مِثْلِهِ: يَسْهُلُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُشَابِهُهُ، وَيَزِيدُهُ فَوَائِدَ وَقُيُودًا، وَيُنَقِّحُهُ وَيُهَذِّبُهُ، بِخِلَافِ مَنْ صَنَّفَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَى التَّصْنِيفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَالْمَطْلُوبُ مِمَّنْ طَالَعَ هَذَا الْكِتَابَ، أَوْ نَظَرَ فِيهِ، أَوْ اسْتَفَادَ مِنْهُ: دَعْوَةٌ لِمُؤَلِّفِهِ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَفَاهُ الْمُؤْنَةَ وَالطَّلَبَ وَالتَّعَبَ فِي جَمِيعِ نُقُولَاتٍ وَمَسَائِلَ، لَعَلَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ فِي كِتَابٍ سِوَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ الْمُبَارَكَةِ: فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ شُهُورِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَكَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: حَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمِرْدَاوِيُّ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ السَّعْدِيُّ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ، بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةِ، مِنْ نُسْخَةِ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ، أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ.

§1/1